المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العبقرية في اللغة



أهــل الحـديث
02-02-2012, 11:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



العبقرية في اللغة


العبقرية في اللغة
باسل العبدالله
الناظر في امكانيات اللغة ومقدرة محاكاتها لجميع الاشياء بما تتطلبها الاشياء، يقف معجبا ويقفل راجعا عاجزا عن كيفية مقدرة اللغة على تطويع نفسها بحيث تؤدي اغراضا جمة وفي مجالات لاتنتهي.
والمتدبر الصامد يصل بفكره الى شيء. فالازرار التي تؤدي الى مهام ما لآلة قد جاءت متأخرة عن آلتها، بمعنى ان وظيفة الآلة كانت اسبق في ذهن مخترعها فصممها لتؤدي تلك الوظيفة، بعدها وضع لها زر ايصال وقطع قوة وغيرها.
هذه الازرار هي لغة تخاطب بها تلك الآلة.
كذلك نفس الامر ينطبق على لغات الحاسبة، فصممت الحاسبة اولا ثم بعد حين صممت لها لغات وفقا لامكانيات آلتها ومحاكية لبنائها التصميمي.

اما المتدبر لامر اللغة الموضوعة لنا والتي وقف معجبا بامكانياتها، فيتوصل الى عكس المسير السابق، فلإن جاءت لغات الآلة لاحقة لآلاتها؛ فقد جاءت النفوس والعقول مبنية على مخطط اللغة لاحقة لها لاسابقة.
ولكي نتدبر بعض تلك الاعاجيب والاعجازات سأفتح هذه الصفحة لندلوا فيها مانرى من تلك الدرر العبقرية.



(1)

التذكير والتأنيث في الاشياء

اللغة العربية ليس فيها جنس ثالث ـ كما هو الحال مثلا في الانجليزية ـ التي فيها ضمير للجمادات وغير العاقل. هذا يستدعي الى وقفة تفكر. فلابد ان في الامر حكمة، لابد ان لغة القرآن قد نظرت في بواطن الاشياء فرأت فيها صفات ذكورية وانثوية فذكّرت وانّثت على ذلك.
هكذا يتجه التفكير الى ان كل شيء مؤنث في لغة العرب، لابد فيه من صفات غالبة تحاكي انثوية نساء البشر، وان الاشياء على عمومها الاول مذكرة كما كان خلق البشر جميعهم من ذكرية آدم. وهذه قاعدة اولى في التذكير والتأنيث، فكل اصل سيأخذ صفة الذكورة ويأخذ الفرع صفة الانوثة وكل اعلى في سلسلته يذكّر الى فروعه والادنى منه في صفته.
قاعدة ثانية هي ان تضع الشيء او خاصته وفقا لمجموعته المعهودة ونسبة الى اشيائه التي يأتي معها او فيها، فالذهب يأتي في خانة المعادن الا انه يأتي في صفته المعهودة مع مجموعة الحلي والزينة. فتذكّر الاشياء وتؤنّث وفق تسلسلها في مجموعتها ونسبتها الى بعضها.
وكقاعدة عامة ثالثة يؤنّث الشيء ماحاكى خصائص اثوية ويذكّر ماحاكى خصائص ذكورية. فكل شيء يتصف بالانثوية اكثر يؤنّث، كرقته وجذبه وحمله وفرزه لمولود ـ لمنتوج ـ. ويذكّر لعقمه وغلضه وعنفوانه واندفاعه وولوجه، ويذكر ايضا لعطائه باعتبار ان الرجل هو الذي يسعى لطلب الرزق.
فالكأس مؤنثة لانها تحمل الماء في جوفها، والسفينة والفلك لانها تحمل الركاب، والارض لانها تحمل على ظهرها، والسماء لانها تحمل في محتواها. والجنة والنار بجاذبيتهما. فالجنة لانها المشتاق اليها كما يشتاق الحببيب لحبيبته وتجذبه بحبها وزينتها. والنار لانها تجذب الناس اليها بدفئها ولاغراض الطبخ عليها فيتقربون منها.
والشمس انِّثت لانها تبعث شعاعا، وتؤنّث المجاميع ـ كالرجال والاشياء ـ لانها تحدث امرا عند اجتماعها.
وذكِّر الماء لانه اصل الحياة كأصل آدم للبشر، وذكر الماء والهواء لانهما يلجان ـ كما يلج الرجل حلّه ـ فالهواء يلج الاشياء والانوف ويبلغ الجوف.
وذكر الذهب وانثت الفضة لأنه فوقها واعلى منها جوهرا في سلسلته من مجموعة الحلي والجواهر، وكافأ علوه علو الرجل في بيته وعلى اهله.
وذكر الحديد لقساوته، وذكر الفم لانه يلتهم وانثت الاذن لانها يولج فيها برقة.
القبر حفرة في الارض، وانما ذكر القبر وانثت الحفرة لأنّ الحفرة يوضع فيها ثم يخرّج منها، اما القبر فيؤتى بالشيء اليه يوضع فيه فيبتلعه دون ان يخرج منه ـ نسبة الى الحياة الدنيا التي نحياها ووضعت الالفاظ تبعا لها.
كذلك انثت السوق لانه يدخل فيها ويخرج منها. وذكر الليل لأنه يغشى الناس ويغطيهم فكأنه فراش يعلوهم وذكر النهار لأنه يمد الخلق بنوره وعطاياه وما خبأه فيه الله من نعم وسَوق رزق، بينما انثت الليلة لأنّ فيها الود والأنس والسمر.
ولكون الاشياء والامور تذكر وتؤنث وفقا لمجموعتها وتوازن وتوافق خصائصها؛ فكذلك ذكر القتال وانثت الحرب. فمع ان الحرب فيه قتال والقتال تعني الحرب، الا انّ كل لفظة ترسم من المعنى زاوية وتصور مشهدا غير ماتصوره الاخرى. فالقتال فيه صورة التشابك والاحتكاك والعنف هي الاقوى، وهي صفات ذكورية، بينما الحرب هي صورة التقاء الطرفين واقترابهما من بعضهما، فصورة الجذب الى بعضهما هي البادية الى الذهن اولا، والحرب سبب ذلك ووسيلته فؤنثت.
وذكر البحر وانثت الارض، لكون نسبتهما الينا فيها فارق، فالارض تحوينا وتضمنا كأمنا بينما كان الاصل فينا الطين فذكر، اما البحر فهو مصدر مد وعطاء لامصدر حنان ورقة لنا ليضمنا فشابه الرجل في عطائه وسعيه.

هكذا اذا ذهبت تنظر في سر التذكير والتأنيث للاشياء لوجب عليك ان تجمع مقدار مافيه من نقاط لصالح الذكورة، ومافيه لصالح تأنيثه ثم تنظر أي مجموع يغلب لديك. وليس لك ان تعجب في ان ترى في الشء الواحد مايؤيد ذكورته وفيه مايؤيد انثويته، فبناء الرجل فيه كذلك جينات انثوية بالاضافة الى الذكرية (x,y)
كذلك قد تجد صفات هي على الغالب تأتي في الرجل إلا انك قد تراها في أنثى. فقد تجد امرأة فيها قساوة وعنفوان، وقد تجد رجل فيه رقة وميلان، مع ذلك هناك صفات حاسمة لايمكن ان تأتي الا في احد الجنسين، فلايمكن ان ترى مثلا رجل يولد؛ فخاصة الولادة هي امر حاسم في التأنيث. وللحديث بقي