المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البرهان والدليل علي بدعية تمطيط التكبير



أهــل الحـديث
31-01-2012, 05:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

البرهان والدليل
علي بدعية تمطيط التكبير

إن الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ( صلي الله عليه وسلم ) أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ( صلي الله عليه وسلم ) وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، أما بعد :

فقد أخرج البخاري ومسلم في " صحيحيهما "-واللفظ لمسلم- من حديث أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قالت : قال رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " .
ومن أمعن النظر في الحديث تبين له جلياً عدة أمور ، منها :
1- أن الله - تبارك وتعالي - قد أكمل لنا الدين في كتابه وفي سنة نبيه الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) وجاء ذلك صريحاً في قوله تعالي "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " .
وعن أبي ذر –رضي الله عنه- قال : " لقد توفي رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) وما طائر يقلب جناحية في السماء إلا ذكر لنا منه علماً " .
2- لما كانت الشريعة مكتملة لا تحتاج إلا زيادة أو نقصان ؛ كان من زاد فيها عملاً رد عليه ما زاده، ولا وزن له عند الله –عز وجل- كما قال تعالي : "وقدمنا إلي ما عملوا من عمل فجعلناه هباءاً منثوراً" ، قال مالك –رحمه الله- " فما لم يكن يومئذ ديناً فلن يكون اليوم دينا " ، هذا أولاً .
ثانياً : أن الله –تبارك وتعالي- كما شرع لنا الاقتداء بالنبي ( صلي الله عليه وسلم ) فيما فعله فقد تعبدنا –جل وعلا- بترك ما تركه النبي ( صلي الله عليه وسلم ) .
قال الشيخ علي محفوظ –رحمه الله- في "الابداع" (ص34) : " وأما ما تركه الرسول ( صلي الله عليه وسلم ) فاعلم أن سنة النبي ( صلي الله عليه وسلم ) كما تكون بالفعل تكون بالترك ، فكما كلفنا الله تعالي باتباع النبي ( صلي الله عليه وسلم ) في فعله الذي يتقرب به إذا لم يكن من باب الخصوصيات ، كذلك طالبنا باتباعه في تركه فيكون الترك سنة ، وكما لا تتقرب إلي الله تعالي بترك ما فعل لا تتقرب إليه بفعل ما ترك فلا فرق بين الفاعل لما ترك والتارك لما فعل " ا.هـ
وقوله " إذا لم يكن من باب الخصوصيات " معناه : ما خص الله به نبيه ( صلي الله عليه وسلم ) كفرضية صلاة الليل عليه ، وكإباحة الوصل له في الصيام ...... إلي غير ذلك .

وهذا معروف عند العلماء بـ "السنة التركية" وهي العبادة التي تركها الرسول (صلي الله عليه وسلم) مع كون موجبها وسببها المقتضي لها قائماً ثابتاً ، والمانع منها منتفياً .
ومن الأمثلة علي ذلك :
1- التلفظ بالنية عند الدخول في الصلاة .
2- الأذان لغير الصلوات الخمس .
3- الصلاة عقب السعي بين الصفا والمروة .
وقد يقول قائل : " كيف نعرف أن النبي ( صلي الله عليه وسلم ) لم يفعل تلك العبادة؟
والجواب : يعرف ذلك بإحدي طريقين :
أحدهما : تصريح الصحابي بأن النبي ( صلي الله عليه وسلم ) ترك كذا وكذا ولم يفعله ؛ كقول ابن عباس –رضي الله عنهما- :" صلي العيد بلا أذان ولا إقامة ". أخرجه أبو داود بإسناد صحيح ، وأصله في الصحيحين .
والثاني : عدم نقل الصحابة –رضي الله عنهم- للفعل الذي لو فعله النبي –صلي الله عليه وسلم- لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحد منهم علي نقله ، فحيث لم ينقله واحد منهم البتة ، ولا حدث به في مجمع أبداً علم أنه لم يكن .
وقد يقول قائل : من أين لكم أنه ( صلي الله عليه وسلم ) لم يفعل هذه العبادة ؛ فإن عدم النقل لا يستلزم نقل العدم؟
والجواب : أن هذا سؤال بعيد جداً عن معرفة هديه ( صلي الله عليه وسلم ) وسنته وما كان عليه ، وإنما يتمهد هذا الجواب بتثبيت أصلين :
الأصل الأول : أن الرسول ( صلي الله عليه وسلم ) بين هذا الدين لأمته وقام بواجب التبليغ خير القيام ؛ فلم يترك أمراً من أمور هذا الدين صغيراً كان أو كبيراً إلا وبلغه لأمته .
الأصل الثاني : أن الله –سبحانه وتعالي- تكفل بحفظ هذا الدين من الضياع والإهمال ؛ فهيأ له من الأسباب والعوامل التي يسرت نقله وبقائه حتي يومنا هذا وإلي الأبد إن شاء الله .
وبتقرير هذين الأصلين اتضح أن السؤال المذكور يستلزم :


إما عدم قيام الرسول ( صلي الله عليه وسلم ) بواجب التبليغ ؛ حيث إنه لم يعلم أمته بعض الدين .
وإما ضياع بعض الدين ، حيث إن الرسول ( صلي الله عليه وسلم ) فعل هذه العبادة وبلغها لأمته ، لكن الصحابة –رضي الله عنهم- كتموا نقل ذلك .
ثم لو صح هذا السؤال وقبل لاستحب مستب الأذان للتراويح وقال : من أين لكم أنه لم ينقل؟ واستحب لنا مستحب آخر الغسل لكل صلاة وقال : من أين لكم أنه لم ينقل؟ ...... وانفتح باب البدعة ، وقال كل من دعا إلي بدعة : من أين لكم أن هذا لم ينقل؟
فالواجب علي المؤمنين الاقتداء بالرسول ( صلي الله عليه وسلم ) فيما يفعل وفيما يترك علي حد سواء .
انتهي من " قواعد معرفة البدع " للدكتور محمد حسين الجيزاني ، باختصار وتصرف .
وبعد هذا التأصيل السريع للسنة التركية ، تبين أن ما يفعله كثير من الناس اليوم من التمطيط في التكبير –وهو التطويل فيه ، كما سيأتي- خاصة في تكبيرة الجلوس للتشهد التي اعتاد كثير من الأئمة أن يطيلوها حتي ينتبه من وراءهم إلي أنها تكبيرة التشهد! وأن هذا استحسان وقد قال الشافعي –رحمه الله تعالي- " من استحسن فقد شرع " .
فالأصل في التكبير الاعتدال والتوسط ، قال النووي –رحمه الله- " المذهب الصحيح المشهور أنه يستحب أن يأتي بكبيرة الإحرام بسرعة ، ولا يمدها " ونقل عن الامام الشافعي قوله : " يرفع الإمام صوته بالتكبير ، ويمده من غير تمطيط ولا تحريف " ثم قال النووي :" وقال أصحابه –أي الشافعي-: أراد بالتمطيط : المد ، وبالتحريف : إسقاط بعض الحروف ، كالراء من أكبر " ا.هـ من "المجموع" راجع "القول المبين في أخطاء المصلين" (ص 228-229) .
- وقال ابن عابدين في "حاشيته" :" اعلم أن المد إن كان في "الله" فإما في أوله أو وسطه أو آخره ، فإن كان في أوله لم يصر به شارعاً وأفسد الصلاة ولو في أثنائها ..... وإن كان في وسطه ، فإن بالغ حتي حدث ألف ثانية بين الام والهاء كره ، قيل : والمختار أنها لا تفسد ، وليس ببعيد ، وإن كان في آخره ، فهو خطأ ، وإلا يفسد أيضاً " ا.هـ راجع المصدر السابق .
وقال الشيخ ابن باز –رحمه الله- ، كما في فتاوي "نور علي الدرب" : "فالسنة في التكبير عدم التمطيط ، بل يكبر عند انتقاله كما يكبر في أول الإحرام من غير تمطيط بل يأتي بتمطيط معتدل ، اللــه أكبر ، الله أكبر ، عند الإحرام ، عند الركوع ، عند السجود ، عند الرفع من السجود ، أما تمطيط لا ، غير مشروع " .
هذا ، وقد شغب بعض المشغبين علي ما قاله علمائنا الربانيون من المتقدمين والمعاصرين ، وقال : كيف تمنعون من التمطيط وأنتم لم تعرفوا كيف كان النبي (صلي الله عليه وسلم) يكبر! فما دام لم ينقل لنا عنه في ذلك شئ فالأمر واسع! فمن شاء أن يحذف فاليحذف ومن شاء أن يمط فاليمط!
وهذا هو حال أهل البدع في كل زمان ومكان ، ليس عندهم قول محترم إلا ما وافق عقولهم وأهواءهم ، وصدق فيهم قول من قال :

إن قلت قال الله قال رسوله همزوك همز المنكر المتعالي
أو قلت قد قــال الصحـــابة تبعوهم في القول والأعمال
أو قلت قد قال التابعون من بعدهم فالكل عندهم كشبه خيال !

علي كل حال ، قد منع علماؤنا التمطيط في التكبير قياساً علي التمطيط في التسليم ،
فقد قال الترمذي في سننه (2/93( :

باب ما جاء أن حذف السلام سنة
حدثنا علي بن حجر ، أخبرنا عبد الله بن المبارك وهقل بن زياد ، عن الأوزاعي ، عن قرة بن عبد الرحمن ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ،عن أبي هريرة قال حذف السلام سنة قال علي بن حجر قال عبد الله بن المبارك يعني أن لا يمده مداً .
قال أبو عيسى : "هذا حديث حسن صحيح وهو الذي يستحبه أهل العلم وروى عن إبراهيم النخعي أنه قال التكبير جزم والسلام جزم ، وهقل يقال كان كاتب الأوزاعي" .
ثم يحقق ذلك الحافظ –رحمه الله- ويبين أنه ليس من قول النبي (صلي الله عليه وسلم) وإنما من قول إبراهيم النخعي ، فقال-كما في "التلخيص الحبير" (1/225) :
" حديث روي أنه صلى الله عليه وسلم قال التكبير جزم والسلام جزم لا أصل له بهذا اللفظ وإنما هو قول إبراهيم النخعي حكاه الترمذي عنه ومعناه عند الترمذي وأبي داود والحاكم من حديث أبي هريرة بلفظ حذف السلام سنة وقال الدارقطني في العلل الصواب موقوف وهو من رواية قرة بن عبد الرحمن وهو ضعيف اختلف فيه .
تنبيه : حذف السلام ، هو الإسراع به ، وهو المراد بقوله "جزم" وأما بن الأثير في النهاية فقال : "معناه أن التكبير والسلام لا يمدان ولا يعرب التكبير بل يسكن آخره" وتبعه المحب الطبري وهو مقتضى كلام الرافعي في الاستدلال به على أن التكبير جزم لا يمد قلت وفيه نظر لأن استعمال لفظ الجزم في مقابل الإعراب اصطلاح حادث لأهل العربية فكيف تحمل عليه الألفاظ النبوية".

وقال الشيخ الألباني –رحمه الله- كما في شريط رقم "229" من سلسلة الهدي والنور - وهو يوضح معني الجزم في التسليم ، قال :"التكبير جزم في لغة العرب وبه نطق إبراهيم بن يزيد النخعي ، يعني : خطف " ا.هـ
قلت : وهو-أي الخطف- الحذف والاختصار .

وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي (2/165( :
"قوله التكبير جزم والسلام جزم أي لا يمدان ولا يعرب أواخر حروفهما بل يسكن فيقال الله أكبر السلام عليكم ورحمة الله والجزم القطع منه سمى جزم الاعراب وهو السكون كذا في النهاية لابن الأثير الجزري وقال الحافظ في التلخيص صفحة 48 حذف السلام الاسراع به وهو المراد بقوله جزم وأما بن الأثير في النهاية فقال معناه أن التكبير والسلام لا يمدان ولا يعرب التكبير بل يسكن آخره وتبعه المحب الطبري وهو مقتضى كلام الرافعي في الاستدلال به على أن التكبير جزم لا يمد التكبير جزم يقول لا يمد.
وقال بن سيد الناس قال العلماء يستحب أن يدرج لفظ السلام ولا يمده مداً لا أعلم في ذلك خلافا بين العلماء" . انتهي .


وقال ابن قدامة في "المغني" (1/326(:
"حذف السلام سنة ، قال ابن المبارك : معناه أن لا يمده مدا قال أحمد هذا حديث حسن صحيح وهذا الذي يستحبه أهل العلم قال إبراهيم النخعي التكبير جزم والسلام جزم وقد روى أن معنى هذا الحديث إخفاء التسليمة الثانية والصحيح الأول لأن الحذف إسقاط بعض الشيء والجزم قطع له ، فيتفق معناهما والإخفاء بخلافه ويختص ببعض السلام دون جملته قال أحمد بن أثرم سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول حذف السلام سنة هو أن لا يطول به صوته".
وبهذا يكون قد تبين لكل مريد للخير أن التمطيط في التكبير ممنوع قياساً علي التسليم ، وهذا القياس ظاهر في كلام إبراهيم النخعي –رحمه الله- وقد أقره الحافظ ابن حجر وابن قدامة والمباركفوري والشيخ ابن باز –كما مر النقل عنهم- .
فتبين مما سبق أن القائل بأنه لم ترد صيغة التكبير في الصلاة عن النبي ( صلي الله عليه وسلم ) ولا عن الصحابة ولا عمن سلفهم قد صدق فيه قول الشاعر :
أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل
والقائل بذلك لم يعرف حقيقة الاتباع الذي أمرنا به ، والذي قد عرفناه سلفنا الصالح بقولهم : "إن استطعت ألا تحك جلدك إلا بأثر فافعل" وهو ثابت عن سفيان الثوري –رحمه الله- ، ولذلك سموا –يعني أهل السنة- بأهل الحديث والأثر ، وسموا –هم- أهل البدع بأهل الأهواء ؛ لأنهم لا يتقيدون بسنة ولا أثر ، إذا جاءهم الحديث يخالف أهوائهم ضربوا به عرض الحائط إما بالطعن فيه وفي ناقليه –كما هو حال منكري السنة في كل زمان ومكان- وإما بتأويله تأويلاً فاسداً لم يقل به أحد من السلف ، وهذه من علاماتهم التي بها يعرفون وهي من مسالكهم في الاستدلال ، ولا زلنا نقول لهم : بيننا وبينكم الأثر ، فهل من مجيب؟!

هذا ، وما مكان من توفيق فمن الله وحده ، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء .
أسأل الله –عز وجل- أن يجعل ما قلته وحررته في ميزان حسناتي وأن ينفعني يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم ، والحمد لله رب العالمين .

كتبه / أحمد بن سالم غنيم .
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين .