تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : توضيح معنى كلام الإمام الدارمي في الإقبال بالوجه



أهــل الحـديث
30-01-2012, 03:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


رأيت أحد الإخوة نقل في الملتقى نقلا عن بعض المعاصرين اعترض فيه على الإمام الدارمي في احتجاجه على الجهمي في الإقبال بالوجه من غير صاحب الوجه .
ولعلي أذكر كلام الدارمي ثم اسوق كلام المعترض ليتبين الأمر

قال الدارمي رحمه الله في النقض على المريسي (2/ 722)
وعلى تصديق هذه الآثار والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والعلم، ولو لم يكن إلا ما رويت أيها المعارض عن وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة0: "أن العبد إذا قام يصلي أقبل الله
عليه بوجهه" فادعيت أنه يقبل عليه بنعمته وثوابه، وأنه قد يقال: وجه الله في المجاز، كما يقال: وجه الحائط، ووجه الثوب.

ويلك! فهذا مع ما فيه من الكفر محال في الكلام فإنه لا يقال لشيء ليس من ذوي الوجوه: أقبل بوجهه على إنسان أو غيره إلا والمقبل بوجهه من ذوي الوجوه، وقد يجوز أن يقال: للثوب وجه، والحائط، ولا يجوز أن يقال: أقبل الثوب بوجهه على المشتري، وأقبل الحائط بوجهه على فلان، لا يقال: أقبل بوجهه على شيء إلا من له القدرة على الإقبال.
وكل قادر على الإقبال ذو وجه، هذا معقول مفهوم في كلام العرب، فإن جهلته فسم شيئا من الأشياء ليس من ذوي الأوجه يجوز أن تقول: أقبل بوجهه على فلان؛ فإنك لا تأتي به، فافهم، وما أراك ولا إمامك تفهمان هذا وما أشبهه.انتهى.


فالإمام الدارمي رحمه الله أوضح أن كل قادر على المجيء فإنه من ذوي الوجوه ومما يصح أن يقال جاء بوجهه، أما إذا كان غير قادر على المجيء فلا يقال جاء بوجهه .
فالثوب جماد غير قادر على المجيء ، فلا يقال أقبل الثوب بوجهه على المشتري، والثواب غير قادر على المجيء فلا يقال جاء الثواب بوجهه لأن غير قادر على الحركة.


أما من له القدرة على الإقبال فهذا يصح أن يقال أقبل بوجهه ، فالصبح قادر على الحركة فيصح أن يقال جاء الصبح بوجهه ، والصيف قادر على المجيء بقدرة الله ، فيصح أن يقال أقبل الصيف بوجهه.


هذا الفهم الصحيح لكلام الإمام الدارمي رحمه الله .



أما بعض المعاصرين فلم يحسن فهم كلام الدارمي فذهب ينتقده بقوله:
(عندما تأوّل الجهميُّ صفة الوجه بالنعمة والثواب , في أثر حذيفة رضي الله عنه : «إن العبد إذا قام يصلي أقبل الله عليه بوجهه» , ردّ عليه الدارمي بقوله :«ويلك ! فهذا مع ما فيه من الكفر , محالٌ في الكلام ؛ فإنه لا يقال لشيء ليس من ذوي الوجوه : أقبل بوجهه على إنسان أو غيره ؛ إلا والمقبل بوجهه من ذوي الوجوه . وقد يجوز أن يقال للثوب وجه والحائط , ولا يجوز أن يقال : أقبل الثوب بوجهه على المشتري , وأقبل الحائط بوجهه على فلان , لا يقال أقبل بوجهه على شيء ؛ إلا من له القدرة على الإقبال , وكل قادر على الإقبال ذو وجه هذا معقول مفهوم في كلام العرب . فإن جهلته فَسَمّ شيئا من الأشياء ليس من ذوي الأوجه يجوز أن تقول أقبل بوجهه على فلان ؟ فإنك لا تأتي به , فافهم)) .
أولا : يقول الدارمي : « فسم شيئا من الأشياء ليس من ذوي الأوجه يجوز أن تقول أقبل بوجهه على فلان ؟ فإنك لا تأتي به» . هل من الموضوعية أن يدعي أحد عدم قدرة خصمه ! وهل دخل في قلبه ؟ وإن جاز للدارمي ذلك : هل يكون من الموضوعية قبول نفي الدارمي منا , وعدم قبول إثبات صحة ذلك المجاز من خصمه , مع أن المثبت مقدم على النافي ؟!
وسيأتي بيان أن الدارمي جزم خاطئا ، ونفى وجود الموجود .
ثانيا : مطالبة الدارمي (وهو ممن يُثبت المجازَ صراحةً) لخصمه بأن يستدلّ لصحة ذلك المجاز المعين بالاستشهاد له بكلام العرب الذين يُحتج بلغتهم = مطالبةٌ غير علمية أصلا , وتدل على ضعف تصور الدارمي لحقيقة المجاز , وأنه هو الخيال الذي لا حدود له .
فردُّ التأويل بادعاء أنه لم يرد هذا المجاز المعين في كلام العرب المحتج بلغتهم ردٌّ غير صحيح ولا علمي ؛ لأن المجاز قائم أصلا على الإبداع ، ومن أعظم ما يتميز به كبار البلغاء والشعراء هو إتيانهم بمجازات لا عهد للناس بها ، وما زال النقاد يمدحون الكلام بأنه تضمن صورا ومجازات وتشبيهات مبتكرة .
فكيف يصح الرد على مجاز قرآني بدعوى عدم وقوعه عند العرب ؟! إذن هذا فيه طعن في بلاغة قرآن ، وأن إعجاز مجازاته كلها مسروقة من العرب .
هذا يدل على أن مطالبة الدارمي مطالبة غير علمية أصلا .
وبغض النظر عن تأويل ذلك الأثر , لو أراد متكلم أن يبين شدة تعلق شخص بمنزل , فقال عنه : كلما نظر في اتجاه أقبل عليه جدار منزله بوجهه الحاني الدافئ ! هل سنردّ هذا المجاز عليه لأن الدارمي حكى عدم وروده عن العرب ؟!
ثالثا : عندما ينفي الدارمي شيئا من اللغة , وهو ليس من أئمة اللغة , هذا خطأ كبير , ومنهج في الجدل غير علمي .
فكيف إذا كان المنفي أمرا مغمورا في علم لا يحيط به إلا نبي ؟! كما قال الشافعي عن لغة العرب .
فكيف إذا كان المنفي مما لا يصح المطالبة فيه بالسبق أصلا , كما تقدم ؟!
ومع ذلك فلم تبخل علينا لغة العرب بما يرد على نفي الدارمي !!
وإليك شواهد عديدة تردّ عليه
يقول ذو الرُّمة في ديوانه (وهو من أوثق الدواوين ومخطوطته النفيسة تظهر أنه متصل الإسناد بأئمة اللغة الثقات إلى ذي الرمة نفسه , حيث كان يُقرأ شعره عليه) 3/ 1474 , البيت رقم40 من القصيدة رقم50 :
فلما رأيتُ الصبحَ أقبلَ وجهُه *** عَليّ كإقبال الأغرِّ المحجّلِ
ويقول تميم بن أُبيّ بن مقبل (وهو من مخضرمي الجاهلية والإسلام) كما في ديوانه (160 البيت رقم 3 من القصيدة رقم 29) , يصف الريح ويجعل الصيفَ شخصا له وجه:
عجاجًا أهاب الصيفُ منه بوجهه *** فشمّرَ جارِيه عَلَيه وأسبلا


يقول : لما أثارت الريحُ العجاجَ (وهو الغبار) , أعرض الصيف بوجهه عنه , فشمّر الغبارُ الثائر ثوبَ الصيف وأسبله (أرخاه) . فالشاعر لما جعل الصيف شخصا , أكمل الصورة كاملة , وادّعى أن الهواء الثائر لعب في ثوب الصيف رفعا له وخفضا , كنايةً عن شدة تأثير الرياح وغبارها في الأجواء !!
وهذه الصورة هدية لمنكري المجاز .
ويقول بشار بن برد :
إذا الأمر لم يُقبل عَلَـيَّ بوجهه *** فلي مسلكٌ باليعملات وسيعُ
ويقول أيضا :
إذا الخطبُ لم يُقبل عَلَـيَّ بوجهه *** فَتَكْتُ , ولم يَضرِبْ عَليَّ سَدادُ
وأما في إطلاق الوجه على غير ذي الوجه , فهو كثيرٌ جدا في لغة العرب :
فيقول بشير الفزاري (جاهلي) :
ولم أر كالمعروف أما مذاقه *** فحلوٌ وأما وجهه فجميلُ
ويقول العباس بن مرداس (مخضرم) :
أكليبُ مالَك كلَّ يومٍ ظالما *** والظلم أنكَدُ وجهُه ملعونُ
وقال علي العدواني (جاهلي) :
أناسٌ إذا ما الدهر أظلم وجهُه *** فأيديهم بيضٌ وأوجهُهم زُهْرُ
وبهذه الردود يمكن أن نعلم أن ردود أئمة السنة على أهل البدع ليست معصومة : لا من الخطأ العلمي وحسب , بل ليست معصومة من الخطأ المنهجي أيضا .
وهذا يوجب علينا إعادة محاكمة الحجج والجدال , ولا نقبله دون محاكمة !
وقد تعمدت أن تخلو عبارتي من عبارات التعظيم للإمام الدارمي (وهو لها أهل) لكي نتدرب على الموضوعية والنظر العلمي الصرف الذي لا يؤثر على الحكم ."انتهى.


وكل ما ذكره قد بناه على فهم خاطئ لكلام الإمام الدرامي رحمه الله ، وقد سبق توضيح معنى كلامك الدارمي وأنه يرى أن كل قادر على المجيء فإنه يصح أن يقال أقبل بوجهه عند العرب .