المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تصنيف الناس بين الظن واليقين العلامة د/ بكر أبو زيد !!



هاني السلفي
23-04-2003, 11:06 PM
السلام عليكم ورحمة الله
أخواني الافاضل هذه أول مشاركه لي وإن شاء الله تنال أعجابكم ولا يخفى عليكم أن هذه المؤلف من السلف الصالح وعضو هيئة كبار العلماء ( د/ العلامه
بكر بن عبد الله أبو زيد حفضه الله ) وله مصنفات كثيره

تَصْنِيفُ النَّاسِ
بَيْنَ الظَّنَّ وَ الْيَقِينِ

قال الله تعالى :
(إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما
ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند
الله عظيم ) .
[ النور / 15 ]


دار العاصمة

المقدمة
الحمد لله رب العالمين : اللهم إياك نعبد , وإياك نستعين , وعليك نتوكل , وإليك نسعى ونحفد . ونصلي , ونسلم على خاتم أنبيائك ورسلك .
أما بعد :
فأنتخب من مزدحم الحياة : العلماء الهداة في مثالهم : العالم العامل بعلمه في خاصة نفسه , ونصحه لله , ولرسوله , ولإمامه , ولعموم أهل الإسلام , فما أن يذكر اسم ذلك العالم إلا ويرفع في العلماء العاملين , فعلمه وعمله متلازمان أبدا , كالشاخص والظل سواء , والله يمن على من يشاء .
فأنتصر له حسبة لله , لا دفاعا عن شخصه فحسب , بل وعن حرمات علماء المسلمين ومنهم دعاتهم , ورجال الحسبة فيهم ؛ إذ بدا لقاء ما يحملونه من الهدى والخير والبيان :
اختراق:(( ظاهرة التجريح )) لأعراضهم بالوقيعة فيهم, وفري الجراحين في أعراضهم ,وفي دعوتهم ,ولما صنعه (سعادة الفتنة) من وقائع الافتراء, وإلصاق التهم,وألوان الأذى, ورمي الفتيل هنا وهناك , مما لا يخفي في كل مكان وصلته أصواتهم البغيضة .
ولعظم الجنابة على العلماء , صار من المعقود في أصول الاعتقاد : (( ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل )) .
وعلى نحوه كلمات حسان لعدد من علماء الأمة الهداة في العلم والدين1 .
لذلك , ولما لهم على العامة والخاصة من فضل في تعليم الناس الخير , ونشر السنن , وإماتة الأهواء والبدع , فهم قد أوتوا الحكمة يقضون بها , ويعلمونها الناس , ولم يتخلفوا في كهوف (( القعدة )) الذين صرفوا وجوههم عن آلام أمتهم وقالوا((هذا مغتسل بارد وشراب)),وكأنما عناهم شوقي بقوله:
وقد يموت كثيرا لا تحسهم
كأنهم من هوان الخطب ما وجدوا
بل نزلوا ميدان الكفاح , وساحة التبصير بالدين , وهم الذين يُنبؤن عن مقياس العظمة (( العصامية )) التاريخية في أشباحهم المغمورة , لا العظمة (( العظامية )) الموهومة , كما لبعض أصحاب الرتب , والشارات , المفرغين لأنفسهم عن



قرن العلم بالعمل .
* إن القيم , والأقدار , وآثارها الحسان , الممتدة على مسارب الزمن لا تقوم بالجاه , والمنصب , والمال , والشهرة , وكيل المدائح , والألقاب , وإنما قوامها وتقويمها بالفضل , والجهاد , وربط العلم بالعمل , مع نبل نفس , وأدب جم , وحسن سمت , فهذه , وأمثالها هي التي توزن بها الرجال والأعمال .
وإلى هذا الطراز المبارك تشخص أبصار العالم , ولكل نبأ مستقر .
لهذا كله , صار من الواجب على إخوانهم , الذب عن حرماتهم وأعراضهم بكلمات تجلو صدأ ما ألصقه (المنشقون) بهم من الثرثرة , وتكتم صدى صياحهم في وجه الحق .
وإيضاح السبيل الآمن الرشد , العدل الوسط .
فالآن علينا البيان بألفاظ مقدودة على قدودها بلا طول , ولا قصر , وعلينا وعليك الإنصاف بلا وكس ولا شطط .
فها أنا2 أقول عن هذه الظاهرة (( تصنيف الناس )) في



واقعها, وطرقها, ودوافعها, وآثارها, وسبل علاجها, والقضاء عليها بما لاح لي :
* إن كشف الأهواء , والبدع المضلة , ونقد المقالات المخالفة للكتاب , والسنة , وتعرية الدعاة إليها , وهجرهم وتحذير الناس منهم , وإقصائهم , والبراءة من فعلاتهم , سنة ماضية في تاريخ المسلمين في إطار أهل السنة , معتمدين شرطي النقد : العلم , وسلامة القصد .
* العلم بثبوت البينة الشرعية , والأدلة اليقينية على المدعى به في مواجهة أهل الهوى والبدعة , ودعاة الضلالة والفتنة , وإلا كان الناقد ممن يقفو ما ليس له به علم . وهذا عين البهت والإثم .
* ويرون بالاتفاق أن هذا الواجب من تمام النصح لله ولرسوله - r- ولأئمة المسلمين , وعامتهم . وهذا شرط القصد لوجه الله تعالى , وغلا كان الناقد بمنزلة من يقاتل حمية ورياء . وهو من مدرك الشرك في القصد .
وهذا من الوضوح بمكان مكين لمن نظر في نصوص الوحيين الشريفين , وسبر الأئمة الهداة في العلم والدين .
يتبع أن شاء الله

الرئيسة
24-04-2003, 10:44 AM
جزاك الله خير على هذه المشاركة الرائعة والبدايه الممتازة

فأهلاً بك بين أهلك وحللت أهلاً ووطأت سهلاً

وإن شاء الله نستفيد منك وتستفيد منا


ونحن هنا لنرد على المخالف والرد على المخالف فيه فوائد منها

- إظهار الحق :-قال تعالى : ) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ( (التوبة:33).
فعندما يرد الراد على المخالف، ويُبَيِّن ما عنده من بدع وضلالات، فهذا إظهار للحق لكي يحذر الناس من هذه المخالفات، فلا يقعوا فيها، ويتمسكوا بالحق المتمثل بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة فنكون بهذا قد أرشدناه إلى الطريق السوي، وحذرناه من مخالفته.



2- إزهاق الباطل:- قال تعالى: )وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً( (الإسراء:81).
هذه ثمرة إظهار الحق، فبمجرد إظهار الحق سرعان ما يزهق الباطل ويتلاشى.




3- النصيحة للمخالف:- قال صلى الله عليه وسلم :"الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"(2).
فالرد على المخالف من النصيحة له حتى يبتعد ويتراجع عن خطئه وذنبه


ونتمنى أنا تكون معنا لإظهار الحق وإزهاق الباطل

ونريد المزيد المزيد من هذه المشاركة

وجزاك الله خير

هاني السلفي
24-04-2003, 11:22 AM
جزاك الله خير أختي الرئيســـــــة هلى هذه المشاركه ولك مني جزيل الشكر

هاني السلفي
24-04-2003, 11:27 AM
(( وفادة التصنيف ))

ولا يلتبس هذا الأصل الإسلامي بما تراه مع بلج الصبح , وفي غسق الليل من ظهور ضمير أسود, وافد من كل فج استبعد نفوسا بضراوة , أراه : " تصنيف الناس " وظاهرة عجيب نفوذها هي : " رمز الجراحين " أو :" مرض التشكيك وعدم الثقة " حمله فئام غلاظ من الناس يعبدون الله على حرف , فألقوا جلباب الحياء , وشغلوا به أغرار التبس عليهم الأمر فضلوا , وأضلوا , فلبس الجميع أثواب الجرح والتعديل, وتدثروا بشهوة التجريح , ونسج الأحاديث , والتعلق بخيوط الأوهام , فبهذه الوسائل ركبوا ثبج التصنيف للآخرين ؛ للتشهير , والتنفير , والصد عن سواء السبيل .
ومن هذا المنطلق الواهي , غمسوا ألسنتهم في ركام من الأوهام والآثام , ثم بسطوها بإصدار الأحكام عليهم , والتشكيك فيهم , وخدشهم , وإلصاق التهم بهم , وطمس محاسنهم , والتشهير بهم , وتوزيعهم أشتاتا وعزين :
في عقائدهم , وسلوكهم , ودواخل أعمالهم , وخلجات قلوبهم , وتفسير مقاصدهم , ونياتهم ... كل ذلك وأضعاف ذلك مما هنالك من الويلات , يجري على طرفي, التصنيف : الديني , واللاديني .
فترى وتسمع رمي ذاك , أو هذا بأنه : خارجي. معتزلي. أشعري . طرقي . إخواني . تبليغي . مقلد متعصب . متطرف . متزمت . رجعي . أصولي .
وفي السلوك : مداهن . مراء . من علماء السلطان . من علماء الوضوء والغسل .
ومن طرف لا ديني : ماسوني . علماني . شيوعي . اشتراكي . بعثي . قومي . عميل .
* وإن نقبوا في البلاد , وفتشوا عنه العباد , ولم يجدوا عليه أي عثرة , أو زلة , تصيدوا له العثرات , وأوجدوا له الزلات , مبينة على شبه واهية , وألفاظ محتملة .
* أما إن أفلست جهودهم من كل هذا رموه بالأخرى فقالوا : متستر . محايد .
إلى غير ذلك من ضروب تطاول سعاة الفتنة والتفرق , وتمزيق الشمل والتقطع .
* وقد جرت هذه الظاهرة إلى الهلكة في ظاهرة أخرى من كثرة التساؤلات المتجنية-مع بسمة خبيثة- عن فلان, وعلان, والإيغال بالدخول في نيته , وقصده , فإذا رأوا ((شيخا)) ثنى ركبتيه للدرس, ولم يجدوا عليه أي ملحظ, دخلوا في نيته, وكيفوا حاله : ليبني نفسه , لسان حاله يقول : أنا ابن من فاعرفوني . ليتقمص شخصية الكبار . يترصد الزعامة .
* وإن ترفقوا , وغلبهم الورع , قالوا : محترف بالعلم .
* وإن تورع ((الجراح)) عن الجرح بالعبارة, أو استنفدها, أو أراد ما هو أكثر إيغالا بالجرح , سلك طريق الجرح بالإشارة , أو الحركة بما يكون أخبث , وأكثر إقذاعا .
مثل : تحريك الرأس , وتعويج الفم , وصرفه , والتفاته , وتحميض الوجه , وتجعيد الجبين , وتكليح الوجه , والتغير , والتضجر .
أو يسأل عنه , فيشير إلى فمه , أو لسانه معبرا عن أنه : كذاب , أو بذيء .
ومثل : تقليب اليد , أو نفضها .
إلى غير ذلك من أساليب التوهين بالإشارة, أو التحريك.
ألا شلت تلك اليمين عند الحركة التوهين ظلما .
وصدعت تلك الجبين عن تجعيدها للتوهين ظلما .
ويا ليت بنسعة من جلد,تربط بها تلك الشفة عند تعويجها للتوهين ظلما.
ولله در أبي العباس النميري , شيخ الإسلام ابن تيمية


- رحمه الله تعالى - إذ وضع النصال على النصال في كشف مكنونات تصرفات الجراحين ظلما فقال3 :
( فمن الناس من يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه وعشائره مع علمه أن المغتاب بريء مما يقولون أو فيه بعض ما يقولون لكن يرى انه لو أنكر عليهم قطع المجلس واستثقله أهل المجلس ونفروا عنه فيرى موافقتهم من حسن المعاشرة وطيب المصاحبة وقد يغضبون فيغضب لغضبهم فيخوض معهم .
ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى تارة في قالب ديانة وصلاح فيقول : ليس لي عادة أن أذكر أحدا إلا بخير، ولا أحب الغيبة ولا الكذب وإنما أخبركم بأحواله . ويقول: والله إنه مسكين أو رجل جيد ولكن فيه كيت وكيت . وربما يقول : دعونا منه الله يغفر لنا وله وإنما قصدهم استنقاصه وهضما لجنابه . ويخرجون الغيبة في قوالب صلاح وديانة يخادعون الله بذلك كما يخادعون مخلوقا وقد رأينا منهم ألوانا كثيرة من هذا وأشباهه .
ومنهم من يرفع غيره رياء فيرفع نفسه , فيقول : لو دعوت
البارحة في صلاتي لفلان لما بلغي عنه كيت وكيت , ليرفع نفسه ويضعه عند من يعتقده . أو يقول : فلان بليد الذهن قليل الفهم وقصده مدح نفسه وإثبات معرفته وأنه أفضل منه .
ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين : الغيبة ، والحسد . وإذا أثنى على شخص أزال ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين وصلاح ، أوفي قالب حسد وفجور وقدح ، ليسقط ذلك عنه .
ومنهم من يخرج الغيبة في قالب تمسخر ولعب ليضحك غيره باستهزائه ومحاكاته واستصغار المستهزأ به .
ومنهم من يخرج الغيبة في قالب التعجب ،فيقول تعجبت من فلان كيف لايفعل كيت وكيت؟ومن فلان كيف وقع منه كيت وكيت , وكيف فعل كيت وكيت فيخرج اسمه في معرض تعجبه .
ومنهم من يخرج الاغتمام , فيقول مسكين فلان ، غمني ما جرى له وما تم له فيظن من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف , وقلبه منطو على تشفي به ولو قدر لزاد على ما به ولربما يذكره عنه أعدائه ليتشفى به . هذا وغيره من أعظم أمراض القلوب والمخادعات لله ولخلقه.
ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر، فيظهر في هذا الباب أشياء من زخارف القول وقصده غير ما أظهر والله المستعان ) انتهى .
* ومن ألأم المسالك ما تسرب إلى بعض ديار الإسلام من بلاد الكفر من نصب مشانق التجريح للشخص الذي يراد تحطيمه والإحباط بما يلوث وجه كرامته .
ويجري ذلك بواسطة سفيه يسافه عن غيره متلاعب بدينه قاعد مَزْجَرَ الكلب النابح سافل في خلقه ممسوخ الخاطر صفيق الوجه مغبون في أدبه وخلقه ودينه .
* بل ربما سلكوا شأن أهل الأهواء كما يكشفهم ابن القيم - رحمه الله تعالى - إذ يقول4 :
( وانظر سرعة المستجيبين لدعاة الرافضة , والقرامطة الباطنية , والجهمية , والمعتزلة , وإكرامهم لدعاتهم وبذل أموالهم وطاعتهم لهم من غير برهان أتوهم به أو آية أروهم إياها غير أنهم دعوهم إلى تأويل تستغربه النفوس وتستطرفه العقول وأوهموهم أنه من وظيفة الخاصة الذين ارتفعوا به عن طبقة العامة فالصائر إليه معدود في الخواص مفارق للعوام ,

فلم تر شيئا من المذاهب الباطلة , والآراء الفاسدة , المستخرجة بالتأويل قوبل الداعي إليه الآتي به , أولا بالتكذيب له , والرد عليه , بل ترى المخدوعين المغرورين يجفلون إليه إجفالا ويأتون إليه أرسالا , تؤزهم إليه شياطينهم ونفوهم أزا , وتزعجهم إليه إزعاجا فيدخلون فيه أفواجا , يتهافتون فيه تهافت الفراش في النار ، ويثوبون إليه مثابة الطير إلى الأوكار، ثم من عظيم آفاته, سهولة الأمر على المتأولين في نقل المدعوين عن مذاهبهم , وقبيح اعتقادهم إليهم, ونسخ الهدى من صدورهم , فإنهم ربما اختاروا للدعوة إليه رجلا مشهورا بالديانة والصيانة , معروفا بالأمانة , حسن الأخلاق, جميل الهيئة , فصيح اللسان , صبورا على التقشف , والتزهد , مرتاضا لمخاطبة الناس على اختلاف طبقاتهم , ويتهيأ لهم مع ذلك من عيب أهل الحق والطعن عليهم والإزراء بهم ما يظفر به المفتش عن العيوب , فيقولون للمغرور المخدوع :وازن بين هؤلاء وهؤلاء, وحكم عقلك, وانظر إلى نتيجة الحق والباطل, فيتهيأ لهم بهذا الخداع ما لا يتهيأ بالجيوش وما لا يطمع في الوصول إليه بدون تلك الجهة ) انتهى .
* وأما وقيعة الفُسَّاقِ في أهل الفضل والدين , فعلى شبه
ممن قال الله فيهم :
{ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا .. }الآية [ الحج : 72 ] .
واستخفاف هؤلاء بالدين يحملهم على إشاعة أشياء عن العلماء , والدعاة منهم , ورجال الحسبة فيهم بقصد الشناعة عليهم .

* ويشبه الجميع في قصد التشنيع : أهل الأهواء على اختلاف فرقهم , وتنوع مشاربهم , واختلاف مدارسهم , فإن لهم شهوة جامحة بالوقيعة في أهل السنة , وعلماء الأمة .
* وإذا كانت هذه شناعات في مقام التجريح , فيقابلها على ألسنة شقية : مقام الإطراء الكاذب , برفع أناس فوق منزلتهم , وتعديل المجروحين , والصد عن فعلاتهم , وإن فعل الواحد منهم فعل .
وإذا كانت : (( ظاهرة التجريح )) وقيعة بغير حق , فإن (( منح الامتياز )) بغير حق , يفسد الأخلاق , ويجلب الغرور والاستعلاء , ويغر الجاهلين بمن يضرهم في دينهم ودنياهم . ولهذا ترى العقلاء يأنفون من هذه الامتيازات السخيفة
وتأبى نفوسهم من هذه اللوثة الأعجمية الوافدة5 .
وهذه أحرف نعترضة ثم أقول :
* وهكذا في سيل متدفق سيال على ألسنة كالسياط , دأبها التربص , فالتوثب على الأعراض , والتمضمض بالاعتراض , مما يوسع جراح الأمة , ويلغي الثقة في علماء الملة , ويغتال الفضل بين أفرادها , ويقطع أرحامها تأسيسا على خيوط من الأوهام , ومنازلات بلا برهان , تجر إلى فتن تدق الأبواب , وتضرب الثقة في قوام الأمة من خيار العباد .
فبئس المنتجع , وبئست الهواية , ويا ويحهم يوم تبلى السرائر يوم القيامة .
********
نكمل البقيه في وقت لاحق

أمل عبدالعزيز
24-04-2003, 12:31 PM
هذا الكتاب من أجمل طروحات الشيخ بكر أبو زيد وفقنا الله وإياه للحق...

وقد طار به على نحوٍ غير الذي بُني عليه من أهل البدعة في بلدنا ...

ولم يعلموا أنه كان قاصمة من عاصمة عليهم ,,,,

والحمد لله فهذا الكتاب لم يخالف فهم السلف فى النقد والجرح والتعديل لمن كان فى معتقده خلل كائناً من كان .........

وثق أن هذا الكتاب جداً رائعاً ولكن!!!!!!!

لابد من أخذه من باب فهم القصد الحق منه ,,,

لا من أجل أن يطير به أهل البدع ويحللون به مايفعلونه من نشر كتب البدعة ثمَّ بعد ذلك يقولون لا ولا لمن يقول فى العلماء .. وخصوصاً إذا كان ممن كانت بدعهم ومناهجهم واضحة عيان بيان للعامة ناهيك عن الخاصة ........

أفادك الله بالحق الأبلج .......

أختك الرهيبة :)

إعصار نار
24-04-2003, 06:10 PM
كاتب الرسالة الأصلية @.الرهيبة.@
وثق أن هذا الكتاب جداً رائعاً ولكن!!!!!!!

لابد من أخذه من باب فهم القصد الحق منه ,,,

لا من أجل أن يطير به أهل البدع ويحللون به مايفعلونه من نشر كتب البدعة ثمَّ بعد ذلك يقولون لا ولا لمن يقول فى العلماء .. وخصوصاً إذا كان ممن كانت بدعهم ومناهجهم واضحة عيان بيان للعامة ناهيك عن الخاصة ........

:)

تعليقاً على كلام الأخت الرهيبـــة ...

أقول إن مما حدى بالكثيرين الى الفهم الخاطئ ونشؤ البدع والمذاهب الفاسدة .. هو أخذ العلم من غير أهله .. أو أخذه من المجلدات بدون فقه ولا هدى .. وهذا أمر خطير إنتهجه عامة الناس .. ممن إغتروا بجمع المفردات اللغوية ويحسبون أنهم على علم ..

ولو أنهم كلفوا أنفسهم بإختبار قدراتهم ومعلوماتهم على يد أحد المشائخ الربانين لوجدوا أنهم أفقر خلق الله علماً في دينهم .. ومن هنا يتبين لنا أختي الفاضلة أهمية لزوم العلماء الثقات وأخذ العلم الشرعي منهم كمصادر موثوقه .. أما طريقة أخذ العلم من المجلدات فهذه طريقة خاطئة ومهلكة أيضاً .. فليس كل من قراء علم أو فهم .. بل كل من فهم قراء وعلم ...

شكراً جزيلا .. لأخي السلفي ..
شكراً جزيلا .. لأختي الرئيسة ..

ولك أخية عظيم الشكر والتقدير ...

أخيكم ..... عسيب

هاني السلفي
25-04-2003, 06:14 AM
بارك الله فيكم جميعاً على المشاركه وهدفي واضح إن شاء الله
ونكمل الدرس

هاني السلفي
25-04-2003, 06:24 AM
واجب دفعها
والقسمة كما ترى : واحد ظالم لنفسه مبين , وآخر مظلوم . ومن قواعد الملة : (( نصر المسلم أخاه المسلم ظالما أو مظلوما )) لا على مقصد أول من تكلم بها : جندب بن العنبر , إذ أراد بها حمية الجاهلية , ولكن على مقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أخذ - صلى الله عليه وسلم - الصورة , ونقلها إلى معنى شريف بمعنى :
نصرته ظالما , بالأخذ على يده , وإبداء النصح له , وإرشاده وتخليصه من بناء الأحكام على الظنون والأوهام , وإعمال اليقين مكان الظن , والبينة محل الوسوسة , والصمت عن القذف بالباطل والإثم , ومبدأ حسن النية , بدل سوء الظن والطوية , وتحذيره من نقمة الله وسخطه .
ونصرته مظلوما , بردع الظالم عنه , والإنصاف له منه , والدفع عن عرضه وكرامته , وتسليته , وتذكيره , بماله من الأجر الجزيل , والثواب العريض , وأن الله ناصره - بمشيئته - ولو بعد حين .
وهذه النصرة لهما من محاسن الإسلام , وأبواب الجهاد , وتعلن النذارة لذوي النفوس الشريرة ملة الشقاق والشغب أن على الدرب رجالا بالمرصاد , على حد قول الله تعالى :
{ فشرد بهم من خلفه لعلهم يذكرون } [ الأنفال : 57 ] .
فتنقمع نفوسهم وهم يسفون المل , وينطوي عن الساحة الشقاق والشغب , وتلقين الناس السؤال عن فلان وعلان , وما يجره من تعب من غير أرب .
لهذا جرى القلم في عرض ما هو كائن في معيار الشرع المطهر , عسى أن يكون وسيلة إنقاذ لمن أضناه مشوار التجريح
والتصنيف , فيلقي عصا التسيار قبل الممات .
وسلوة لمظلوم مضرج برماح الجراحين , فتكشف الضر , وتبعد السوء .
وتحذيرا لكل عبد مسلم , من سبيل من احاطت به خطيئته .
وعسى أن يكون في هذه الأوراق تطهير لجماعة المسلمين من هذه الرواسب , وأمن من هذه المخاوف , ونرفع بها الغطاء عن هذه المحنة الدفينة ؛ لإطفاء جذوتها وكتم حملتها , خشية أن تعمل عملها فتفرق كلمة المسلمين , وتوجد الفروق بينهم , فيتخطفهم الناس , ويبقى صوت الحق ضئيلا , وحامله ضعيفا .
ومع هذا فلن تراها سجلا للحوادث والواقعات المرة , فهي كثيرة , وصاحبها حامل لمسؤليتها { فكلا أخذنا بذنبه} من"الآية : 40 العنكبوت". لكنها أحرف جريئة في ورقات قليلة , تقرع جرس النذارة من هذه المكيدة: (تصنيف الناس) اعتداء, و(( تجريحهم )) بغيا وعدوانا , فتكشف هذه الظاهرة بجلاء , وتواجه وجوه الذين يتعاملون معها بنصوص واضحة , وقوارع من نصوص الوحيين ظاهرة , فإلى فاتحة البيان لها :
* إن جارحة اللسان الناطق بالكلام المتواطأ عليه , أساس في الحياة والتعايش دينا ودنيا , فبكلمة التوحيد يدخل المرء في ملة الإسلام , وبنقضها يخرج منها , وبين ذلك مراحل انتظمت أبواب الشريعة , فلو نظرت إلى (( الكلام )) وما بني عليه من أحكام لوجدت من ذلك عجبا في : الطهارة , والصلوات , وسائر أركان الإسلام , والجهاد , و البيوع , والنكاح , والطلاق , والجنايات , والحدود , والقضاء , ...
بل أفردت أبواب في الفقهيات كلها لما تلفظ به هذه الأداة : (( اللسان )) :
في أبواب : القذف , والردة , والأيمان , والنذور , والشهادات , والإقرار .
وفي اصل الأصول : (( التوحيد )) يدور عليه البحث والتأليف .
فكم من كلام أوجب ردة فقتلا, أو واجب قذفا فجلدا, أو أوجب كفارات أو نزعت بسببه حقوق فردت مظالم إلى أهلها . أو إقرار أوجب بمفرده حكما , ولذا قالوا : (( إقرار المرء على نفسه أقوى البينات )) .
وهكذا من مناهج الشريعة المباركة الغراء ؛ ولهذا تكاثرت
نصوص الوحيين الشريفين في تعظيم شأن السان ترغيبا وترهيبا , وأفرد العلماء في جمع غفير من مفرداته المؤلفات ففي الترغيب : الدعوة إلى الله على بصيرة , ونشر العلم بالدرس , وفضل الصدق , وكلمة الحق ...
وفي الترهيب : عن الغيبة , والنميمة , والكذب , وآفات اللسان الأخرى .
وقد جمعت في ذلك (( معجم المناهي اللفظية )) وبسطت أصوله الشرعية في مقدمته .
* وإذا علمت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيما صح عنه :" من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه : أضمن له الجنة".علمت أن هذه(( الضمانة))لا تلعق إلا على أمر عظيم .
وهذه بمؤداها (( رقابة شرعية )) على حفظ أعراض المسلمين وكف الأذى عنهم في (( العرض , والدين , والنسب , والمال , والبدن , والعقل )) .
ولما جمع الله شمل المسلمين أعلنها النبي - r- في حجة الوداع , فقال - r- في خطبته الجامعة على مسمع يزيد عن مائة ألف نفس من المسلمين :
" إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت " .

طرق التصنيف

وإذا علمت فُشُوَّ ظاهرة التصنيف الغلابة ,وإن إطفاءها واجب , فاعلم أن المحترفين لها سلكوا لتنفيذها طرقا منها :
* أنك ترى الجراح القصاب , كلما مر على ملأ من الدعاة اختار منهم ((ذبيحا)) فرماه بقذيفة من هذه الألقاب المرة,تمرق من فمه مروق السهم من الرمية,ثم يرميه في الطريق, ويقول: أميطوا الأذى عن الطريق,فإن ذلك من شعب الأيمان؟؟؟
* وترى دأبه التربص,والترصد:عين للترقب وأذن للتجسس,كل هذا للتحريش,وإشعال نار الفتن بالصالحين وغيرهم .
* وترى هذا ((الرمز البغيض)) مهموما بمحاضرة الدعاة بسلسلة طويل ذرعها,رديء متنها, تجر أثقالا من الألقاب المنفرة, والتهم الفاجرة ,ليسلكهم في قطار أهل الأهواء، وضلال أهل القبلة, وجعلهم وقود بلبلة , وحطب اضطراب وبالجملة فهذا (( القطيع )) هم أسوأ (( غزاة الأعراض
بالأمراض )) والعض بالباطل في غوارب العباد , والتفكه بها , فهم مقربون بأصفاد : الغل , والبغضاء , والحسد , والغيبة , والنميمة , والكذب , والبهت , والإفك , والهمز , واللمز , جميعها في نفاذ واحد .
إنهم بحق : (( رمز الإرادة السيئة )) يرتعون فيها بشهوة جامحة .
نعوذ بالله من حالهم , لا رعوا .
آثارها
* فيا لله كم لهذه : (( الوظيفة الإبليسية )) من آثار موجعة للجراح نفسه؛ إذ سلك غير سبيل المؤمنين . فهو لقىً, منبوذ , آثم , جان على نفسه , وخلقه , ودينه , أمته .
من كل أبواب سوء القول قد أخذ بنصيب , فهو يقاسم القاذف , ويقاسم : البهات , والقتات , والنمام , والمغتاب , ويتصدر الكذابين الوضاعين في أعز شيء يملكه المسلم : (( عقيدته وعرضه )) .
قال الله تعالى :
{ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا } [ الأحزاب : 58 ] .
وهذا البهت قد يوجب : (( ردة )) للقائل نفسه , كما لو قال لمن عمل بالإسلام : رجعي , متخلف , كما ترى تقريره في أبواب الردة من كتب الشريعة الحديثية والفقهية ؛ ولهذا ألف ابن قطلوبغا, رسالة باسم:(( من يكفر ولم يشعر)).
وهذا أسوأ أثر على المتفكهين بهذه الظاهرة فضلا عن آثارها الأخرى عليه: منها سقوط الجراح من احترام الآخرين, وتقويمه بأنه خفيف , طيَّاش , رقيق الديانة , صاحب هوى, جره هواه وقصور نظره عن تمييز الحق من الباطل , إلى مخاصمة المحق , والهجوم عليه بغير حق .
بل وسوأة عظمى احتساب المبتلى هذا السعي بالفساد , من الدين , وإظهاره بلباس الشرع المتين , والتلذذ بذكره , ونشره .
حقا لقد أتعب التاريخ , وأتعب نفسه , وآذى التاريخ , وآذى نفسه , فلا هو قال خيرا فغنم , ولا سكت فسلم .
فإلى قائمة الممقوتين في سجل التاريخ غير مأسوف عليهم :
إن الشقي بالشقاء مولع 00 لا يملك الرد له إذا أتى

* وكم أورثت هذه التهم الباطلة من أذى للمكلوم بها من خفقة في الصدر , ودمعة في العين , وزفرات تظلم يرتجف منها بين يدي ربه في جوف الليل , لهجا بكشفها مادّاً يديه إلى مغيث المظلومين , كاسر الظالمين .
والظالم يغط في نومه , وسهام المظلومين تتقاذفه من كل جانب , عسى أن تصيب منه مقتلا .
فيا لله : " ما أعظم الفرق بين من نام وأعين الناس ساهرة تدعو له , وبين من نام وأعين الناس تدعو عليه6 " .
* وكم جرت هذه المكيدة من قارعة في الديار , بتشويه وجه الحق , والوقوف في سبيله , وضرب للدعوة من حدثاء الأسنان في عظماء الرجال باحتقارهم وازدرائهم , والاستخفاف بهم وبعلومهم , وإطفاء مواهبهم , وإثارة الشحناء , والبغضاء بينهم .
ثم هضم لحقوق المسلمين : في دينهم , وعرضهـم .
وتحجيم لانتشار الدعوة بينهم , بل صناعة توابيت , تقبر فيها أنفاس الدعاة ونفائس دعوتهم ؟؟
انظر : كيف يتهافتون على إطفاء نورها , فالله حسبهم , وهو حسيبهم .
وهذا مطمع مؤكد من خطط أعداء الملة لعدائها , والاستعداء عليها في منظومتهم الفَسْلَة لكيد المسلمين , ومنها :
أن الكفار تكلموا طعنا في راوية الإسلام أبي هريرة- رضي الله عنه-دون غيره من الصحابة-رضي الله عنهم-؛ لأنه أكثرهم رواية, فإذا استسهل الطعن فيه, تبعه من دونه رواية.
لهذا فقد أطبق أهل الملة الإسلامية , على أن الطعن في واحد من الصحابة - رضي الله عنهم - : زندقة مكشوفة .
قال أبو زرعة الرازي – رحمه الله تعالى7 - :
" إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله- r-فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن رسول الله- r-حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا؛ ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة " .
وقد أجرى العلماء هذا الحكم بمن قدح في أحد من حملة الشرع المطهر ، علماء الأمة العاملين ؛ لأن القـدح
بالحامل يفضي إلى القدح بما يحمله من رسالة البلاغ لدين الله وشرعه ؛ ولهذا أطبق العلماء – رحمهم الله تعالى – على أن من أسباب الإلحاد :" القدح بالعلماء ".
قال الدورقي – رحمه الله تعالى -:
" من سمعته يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهمه على الإسلام " .
وقالها أحمد – رحمه الله تعالى – في حق يحيى بن معين ، وقيلت في حق أبي زرعة ، وعكرمة – رحم الله الجميع - .
" قال سفيان بن وكيع : أحمد عندنا محنة ، من عاب أحمد فهو عندنا فاسق " .
وقال غيره : " احمد محنة به يعرف المسلم من الزنديق " .
وقيل فيه :
أضحى ابن حنبل محنة مأمونة
وبحب أحمد يعرف المتنسك
وإذا رأيت لأحمد متنقصا
فاعلم بأن ستوره ستهتك
فأهل السنة يمتحن بمحبتهم فيتميز أهل السنة بحبهم ؛ وأهل البدعة ببغضهم :
وقال الحافظ ابن عساكر – رحمه الله تعالى - :
يتبع

هاني السلفي
25-04-2003, 06:25 AM
واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته ، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته ، أن لحوم العلماء – رحمة الله عليهم – مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ؛ لأن الوقعية فيهم مرتع وخيم ، والاختلاف على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم …." .
ومازالت ثائرة أهل الأهواء ، توظف هذه المكيدة في ثلب علماء الأمة . فقد لجوا في الحط على شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – لأنه عمدة في القرون المتأخرة لإحياء منهج السلف .
ونشروا في العالم التشنيع على دعوة علماء السلف في قلب الجزيرة العربية بالرجوع إلى الوحيين الشريفين ، ونبزهم بشتى الألقاب للتنفير .
وفي عصرنا الحاضر يأخذ الدور في هذه الفتنة دورته في مسلاخ من المنتسبين إلى السنة متلفعين متلفعين بمرط ينسبونه إلى السلفية – ظلما لها – فنصبوا أنفسهم لرمي الدعاة بالتهم الفاجرة ، المبنية على الحجج الواهية ، واشتغلوا بضلالة التصنيف .
وهذا بلاء عريض ، وفتنة مضلة في تقليص ظل الدين ، وتشتيت جماعته ، وزرع البغضاء بينهم ، وإسقاط حملته من أعين الرعية ، وما هنالك من العناد ، وجحد الحق تارة ، ورده أخرى .
صدق الأئمة الهداة : إن رمي العلماء بالنقائص ، وتصنيفهم البائس من البينات ، فتح باب الزندقة .
* ويا لله كم صدت هذه الفتنة العمياء عن الوقوف في وجه المد الإلحادي ، والمد الطرقي ، والعبث الأخلاقي ، وإعطاء الفرصة لهم في استباحة أخلاقيات العباد ، وتأجيج سبل الفساد والإفساد .
إلى آخر ما تجره هذه المكيدة المهينة من جنايات على الدين ، وعلى علمائه ، وعلى الأمة ، وعلى ولاة أمرها .
وبالجملة فهي فتنة مضلة ، والقائم يها (( مفتون )) و (( منشق )) عن جماعة المسلمين .
*********
سندها
* وبعد الإشارة إلى آثار (( المنشقين )) وغوائل تصنيفهم فإنك لو سألت : (( الجراح )) عن مستنده ، وبينته على هذا (( التصنيف )) الذي يصك بع العباد صك الجندل ، لأفلت يديه ، يقلب كفيه ، متلعثما اليوم بما برع به لسانه بالأمس ، ولوجدت نهاية ما لديه من بينات هي :
وساوس غامضة ، وانفعالات متوترة ، وحسد قاطع .
وتوظيف لسوء الظن ، والظن أكذب الحديث .
وبناء الزعم ، وبئس مطية الرجل زعموا .
فالمنشق يشيد الأحكام على هذه الأوهام المنهارة ، والظنون المرجوحة ، ومتى كانت أساسا تبنى عليه الأحكام9 ؟؟
ومن آحادها السخيفة التي يأتمرون ويتلقون عليها للتصنيف:
* فلان يترحم على فلان ، وهو من الفرقة الفلانية ؟
فانظر كيف يتحرجون رحمة الله ، ويقعون في أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة ، إضافة إلى التصنيف بالإثم .
* إنه يذكر فلانا بالدرس ، وينقل عنه : والذي تحرر لي أن العلماء لا ينقلون عن أهل الأهواء
المغلظة ، والبدع الكبرى – المكفرة - ، ولا عن صاحب هوى أو بدعة في بدعته ، ولا متظاهر ببدعة متسافه بها ، داعية إليها .
وما دون ذلك ينقلون عنهم على الجادة أي : سبيل الاعتبار ، كالشأن في سياق الشواهد والمتابعات في المرويات .
* ومن مستندات (( المنشقين )) الجراحين : تتبع العثرات ، وتلمس الزلات ، والهفوات .
فيجرح بالخطأ ، ويتبع العالم بالزلة ، ولا تغفر له هفوة .
وهذا منهج مرد .
فمن ذا الذي سلم من الخطأ – غير أنبياء الله ورسله - ، وكم لبعض المشاهير من العلماء من زلات ، لكنها مغتفرة بجانب ما هم عليه ما هم عليه من الحق والهدى والخير الكثير :
من الذي ما ساء قط 00 ومن له الحسنى فقط
ولو أخذ كل إنسان بهذا لما بقي معنا أحد ، ولصرنا مثل دودة القز ، تطوي نفسها بنفسها حتى تموت .
وانظر : ما ثبت في (( الصحيحين )) عن جابر – رضي الله عنه – " أن رسول الله - r- نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يلتمس عثراتهم " .
هذا وهم أهل بيت الرجل وخاصته فكيف بغيرهم ؟
وما شرع أدب الاستئذان ، وما يتبعه من تحسيس أهل البيت بدخول الداخل إلا للبعد عن الوقوع على العثرات فكيف بتتيعها .
* ومن طرائقهم :
ترتيب سوء الظن ، وحمل التصرفات قولا ، وفعلا على محامل السوء والشكوك .
ومنه : التناوش من مكان بعيد لحمل الكلام على محامل السوء بعد بذل الهم القاطع للترصد ، والتربص ، والفرح العظيم بأنه وجد على فلان كذا ، وعلى فلان كذا .
ومتى صار من دين الله : فرح المسلم بمفارقة أخيه المسلم للآثام .
ألا إن هذا التصيد ، داء خبيث متى ما تمكن من نفس أطفأ ما فيها من نور الإيمان ، وصير القلب خرابا يبابا ، يستقبل الأهواء والشهوات، ويفرزها. نعوذ بالله من الخذلان .
ومن هذا العرض يتبين أن : (( ظاهرة التصنيف )) تسري بدون مقومات مقبولة شرعا ، فهي مبنية على دعوى مجردة من الدليل ، وإذا كانت كذلك بطل الادعاء ، واضمحلت الدعوى ، وأصبحت غير مسموعة شرعا ، وآلت حال المدعي إلى مدعى عليه تقام الدعوى بما كذب وافترى وفي الحديث أن النبي - r- قال :
" لو يعطى الناس بدعواهم … " الحديث .

ويتبع دوافعها ص33

هاني السلفي
26-04-2003, 10:06 PM
دوافعها
* حينئذ يأتي السؤال : ماهي الأسباب الداعية إلى شهوة التجريح بلا دليل ؟
والجواب : أن الدافع لا يخلو :
* إما أن يكون الدافع (( عداوة عقدية في حسبانه )) فهذا لأرباب التوجهات الفكرية ، والعقدية المخالفة للإسلام الصحيح في إطار السلف .
وهؤلاء هم الذين ألقوا بذور هذه الظاهرة في ناشئتنا .
* أو يكون الدافع من تلبيس إبليس ، وتلاعبه في بعض العباد بداء الوسواس ، وكثيرا ما يكون في هؤلاء الصالحين من نفث فيهم أهل الأهواء نفثة ، فتمكنت من قلوبهم ، وحسبوها زيادة في التوقي الورع ، فطاروا بها كل مطار حتى أكلت أوقاتهم ، واستلهمت جهودهم ، وصدتهم عما هم بحاجة إليه من التحصيل ، والوقوف على حقائق العلم والإيمان .
ولهذا كثرت أسئلتهم عن فلان ، وفلان ، ثم تنزلت بهم الحال إلى الوقوع فيهم .
وكأن ابن القيم – رحمه الله تعالى – شاهد عيان لما يجري في عصرنا إذ يقول10 :
" ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام ، والظلم ، والزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، ومن النظر المحرم ، وغير ذلك .
ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه ، حتى نرى الرجل يشار إليه بالدين ، والزهد ، والعبادة ، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالا ، وينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ، بين المشرق والمغرب .
وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول )انتهى .
* أو يكون الدافع : (( داء الحسد والبغي والغيرة )) وهي أشد ما تكون بين المنتسبين إلى الخير والعلم ، فإذا رأى المغبون في حظه من هبوط منزلته الاعتبارية في قلوب الناس ، وجفولهم لهم عنه ، بجانب مــا كتب الله لأحد أقرانه من نعمة – هو منهــــا محروم - ، من القبول في الأرض ، وانتشار الذكر ، والتفاف الطلاب حوله ، أخذ بتوهين حاله ، وذمه بما يشبه المدح ، فلان كذا إلا أنه …
وقد يسلك – وشتان بين المسلكين – صنيع المتورعين من المحدثين في المجروحين كحركات التوهين ، وصيغ الدعاء التي تشير إلى المؤاخذات ، والله يعلم أنه لا يريد إلا التمريض ، يفعل هذا كمدا من باب الضرب للمحظوظين بوساوس المحرومين .
وكل هذا من عمل الشيطان .
ومن هنا تبتهج النفس بدقة نظر النقاد ؛ إذ صرفوا النظر عما سبيله كذلك من تقادح الأقران .
ولهذا تتابعت كلمات السلف كما روى بعضا منها ابن عبدالبر – رحمه الله تعالى – بأسانيده في : (( جامعه )) عن ابن عباس –ر ضي الله عنهما – ومالك بن دينار ، وابن حازم – رحمهم الله تعالى – ومنها :
" خذوا العلم حيث وجدتم ، ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم على بعض ، فإنهم يتغايرون تغاير التيوس في الزريبة " .
وقال أبي حازم :
" العلماء كانوا فيما مضى من الزمان إذا لقي العالم من هو فوقه في العلم كان ذلك يوم غنيمة ، وإذا لقي من هو مثله ذاكره ، وإذا لقي من هو دونه لم يزه عليه حتى كان هذا الزمان ، فصار الرجل يعيب من هو فوقه ابتغاء أن ينقطع منه حتى يرى الناس أنه ليس به حاجه إليه ، ولا يذاكر من هو مثله ، ويزهى على من هو دونه ، فهلك الناس " .
وصدق النبي - r- فيما رواه حواري رسول الله - r- وابن عمته : الزبير بن العوام – رضي الله عنه – أن رسول الله - r- قال :
" دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد ، والبغضاء ، البغضاء هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين ، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا , ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم : أفشوا السلام بينكم ".
* أو الدافع : (( عداوة دنيوية )) فكم أثارت من تباغض وشحناء ، ونكد ، ومكابدة ، فهؤلاء دائما في غصة من حياتهم ، وتحرق على حظوظهم ، ولا ينالون شيئا .


" وإنما أهلك الناس الدرهم والدينار " .
واللبيب يعرف شرح ذلك .
وعلى كل حال فإن الهوى هو الذي يحمل الفريقين على هذه الموبقات ، وقد يجتمع في الإنسان أكثر من دافع .
وأشدهم طوعا للهوى ، أكثرهم إغراقا في هذه الدوافع ؛ إذ إن إصدار أي حكم لا يخلو من واحد من مأخذين لا ثالث لهما :
1- الشريعة : وهي المستند الحق وموئل (( العدل )) ، وماذا بعد الحق إلا الضلال .
2- الهوى : وهو المأخذ الواهي الباطل المذموم ، ولا يترتب عليه حق أبدا .
والهوى – نعوذ بالله منه – هو أول فتنة طرقت العالم ، وباتباع الهوى ضل إبليس ، وبه ضل كثير من الأمم عن اتباع رسلهم وأنبيائهم كما في قصص القرآن العظيم ؛ ولهذا حكم الله – وهو أعدل الحاكمين – أنه لا أحد أضل ممن اتبع هواه ، فقال سبحانه :
{ ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } [ القصص : 50 ]
وقال تعالى
{ ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب } [ ص : 66 ]
ولذلك قيل للمائلين عن سبيل القصد :( أهل الأهواء ) ؛ وذلك لاتباعهم الهوى ، أو لأنها تهوي بأهلها في النار .
* وإذا كان أهل الأهواء قد نجحوا في نفثتهم المحمومة هذه ، ففتح الأغرار بها كوة على علمائهم ، فإن اللادينيين قد حولوها إلى باب مفتوح على مصراعيه ، فألحقوا كل نقيصة ، وسخرية في كل متدين وعبد صالح ، وأما العلماء فقد جعلوهم (( وقود البلبلة وحطب الاضطراب )) .
الاشتقاق بها
* وإذا كانت هذه الظاهرة مع شيوعها ، وانتشارها ، واهية السند ، معدومة البينة ، فمن هو الذي تولى كبرها ، ونفخ في كيرها ، وسعى في الأرض فسادا بنشرها ، وتحريك الفتن بها ، والتحريش بواسطتها ؟؟؟
والجواب : هم أرباب تلك الدوافع، ولا تبتعد فتبتئس وخل عنك التحذلق والفجور، نعوذ بالله من أمراض القلوب .

هاني السلفي
26-04-2003, 10:08 PM
والنفس لا تتقطع حسرات هنا ، فإن من في قلبه نوع هوى وبدعة ، قد عرفت هذه الفعلات من جادتهم التي يتوارثونها على مدى التاريخ ، وتوالي العصر ، وقد نبه على مكايدهم العلماء ، وحذروا الأغرار من الاغترار …
لكن بلية لا لعاً لها ، وفتنة وقى الله شرها حين سرت في عصرنا – ظاهرة الشغب هذه إلى من شاء الله من المنتسبين إلى السنة , ودعوى نصرتها ، فاتخذوا (( التصنيف بالتجريح )) دينا وديدناً ، فصاروا إلباً على أقرانهم من أهل السنة ، وحربا على رؤوسهم ، وعظمائهم ، يلحقونهم الأوصاف المرذولة ، و ينبزونهم بالألقاب المستشنعة المهزولة ، حتى بلغت بهم الحال أن فاهوا بقولتهم عن إخوانهم في الاعتقاد ، والسنة ، والأثر:( هم أضر من اليهود والنصارى ) و ( فلان زنديق )؟؟
وتعاموا عن كل ما يجتاب ديار المسلمين، ويخترق آفاقهم، ومن الكفر ، والشرك ، والزندقة ، والإلحاد ، وفتح سبل الإفساد والفساد ، وما يفد في كل صباح ومساء من مغريات وشهوات ، وأدواء وشبهات ، تنتج تكفير الأمة ، وتفسيقها ، وإخراجها نشأ آخر منسلخا من دينه وخلقه .
وهنا ، ومن هذا (( الانشقاق )) تشفى المخالف بواسطة
(( المنشقين )) ووصل العدو من طريقهم ، وجندوهم للتفريق من حيث يعلمون أولا يعلمون ، وانفض بعضٌ عن العلماء ، والالتفاف حولهم ، ووهنوا حالهم ، وزهدوا الناس في عملهم.
وبهؤلاء (( المنشقين )) آل أمر طلائع الأمة ، وشبابها إلى أوزاع ، وأشتات ، وفرق ، وأحزاب، وركض وراء السراب، وضياع في المنهج ، والقدوة ، وما نجا من غمرتها إلا من صحبه التوفيق ، وعمر الإيمان قلبه .
ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وهذا(الانشقاق ) في صف أهل السنة لأول مرة– حسبما نعلم – يوجد في المنتسبين إليهم من يشاقهم، ويجند نفسه لمثافنتهم ، ويتوسد ذراع الهم لإطفاء جذوتهم، والوقوف في طريق دعوتهم، وإطلاق العنان للسان يفري في أعراض الدعاة ويلقي في طريقهم العوائق في:(عصبية طائشة ).
فلو رأيتهم – مساكين يرثى لحالهم وضياعهم – وهم يتواثبون ، ويقفزون ، والله أعلم بما يوعون ، لأدركت فيهم الخفة والطيش في أحلام طير . وهذا شأن من يخفق على غير قاعدة ولو حاججت الواحد منهم لما رأيت عنده إلا قطعة من الحماس يتدثر بها على غير بصيرة ، فيصل إلى عقول السذج من باب هذه الظاهرة : الغيرة . نصرة السنة . وحدة الأمة . وهم أول من يضع رأس المعول لهدمها ، وتمزيق شملها …
لكن مما يطمئن أن هذه : (( وعكة )) مصيرها إلى الاضمحلال و (( لوثة وافدة )) تنطفي عن قريب ، وعودة (( المنشقين )) إلى جماعة المسلمين أن تعلم :
* أن هذا التبدد يعيش في أفراد بلا أتباع ، وصدق الله :
{ وما للظالمين من أنصار } [ البقرة : 270 ] .
ومن صالح الدعاء :
{ ربنا لا تجعلنا من القوم الظالمين } [ الأعراف : 47 ] .
وقوله تعالى :
{ رب فلا تجعلني في القوم الظالمين } [ المؤمنين : 94 ]
* وأن هؤلاء الأفراد يسيرون بلا قضية .
* وأن جولانهم : هو من فزع وثبة الانشقاق ؛ ولهذا تلمس فيهم زعارة ، وقلة توفيق .
فلا بد 0 بإذن الله تعالى – أن تخبوا هذه اللوثة ، ويتقلص ظلها ، وتنكتم أنفاسها ، ويعود (( المنشق )) تائبا إلى صف جماعة المسلمين ، تاليا قول الله تعالى { ربي نجني من القوم الظالمين } [ القصص : 21 ] .
تبعة فشوها
* ثم يأتي سؤال ثان :
من الذي يحمل تبعة فشو (( ظاهرة التصنيف )) فالانشقاق عن (( أهل السنة )) ؟؟
يحتمل تبعتها فريقان :
الأول : الغافلون عن تنفس التوجهات الفكرية، والعقدية، والمادية ، وزرعها في أفئدة الناشئة .
وأصله : التفريط في الغيرة على الحق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومد بساط : عسى ، ولعل . الثاني: غياب العالم القدوة عن القيام بدوره الجهادي التربوي - بلا تذبذب -كل بما فتح الله عليه حسب وسعه وطاقته .
لهذين الأثر العظيم في تنفس هذه الظاهرة .

هاني السلفي
27-04-2003, 11:57 PM
العمل لمواجهتها
هذه هي حقيقة هذه الظاهرة ، وآثارها ، ومستندها ، ودوافعها ، ومتولي كبرها ، وأسباب فشوها ، وتفنيدها .
حينئذ يأتي سؤال يفرض نفسه :
ما العمل لمواجهتها ، وكف بأسها عن المسلمين ؟
فأقول :
العمل في أصول إلى ثلاث فئات :
1- إلى (( الجراح )) المتلبس بظاهرة التصنيف .
2- إلى الذي وجه إليه التصنيف .
3- أصول لهما، ولكل مسلم يريد الله والدار الآخرة.
فإلى بيانها :

إِلَى مُحْتَرِفِ التَّصْنِيفِ
قَدِّر لِرِجْلِكَ قَبْلَ الخَطْوِ مَوْضِعَهَا
فَمَنْ عَلاَ زَلَقاً عَنْ غِرَّةٍ زَلَجَا
كانت العرب في جاهليتها تعاقب الشاعر الهجاء بشد لسانه بنسعة - سير من جلد مفتول - أو يشترون منه لسانه بأن يفعلوا به خيراً ، فينطلق لسانه بشكرهم ، فكأنما ربط لسانه بنسعة .
قال عبد يغوث بن الحارث لما أسرته " تيمٌ " : يوم الكلاب الثاني11 :
أقول وقد شدوا لساني بنسعة
أمعشر تيم أطلقوا لسانيا
وقد أقرت الشريعة هذه العقوبة بالمعنى الثاني ، منذ أن أمر بها النبي صلي الله عليه وسلم في غزاة حنين ، يوم توزيع الغنائم فقال عليه الصلاة والسلام " اقطعوا عني لسانه".
وهذه سنة الله ماضية في مواجهة من يمس الأخوة الإسلامية بسوء من القول .
ولهذا أنفذها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله


عنه-في الحطيئة: جرول بن أوس العبسي المتوفي سنة 45 هـ. لما أكثر من هجاء الزبرقان بن بدر التميمي - رضي الله عنه - فشكاه إلى عمر - رضي الله عنه - فسجنه عمر بالمدينة ، فاستعطفه بأبياته المشهورة ، فأخرجه ، ونهاه عن هجاء الناس ، فقال : إذاً تموت عيالي جوعاً ........ فاشترى عمر - رضي الله عنه - منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم .
فأوقع عمر - رضي الله عنه - بالحطيئة عقوبتين :
حبس الأبدان ، وحبس اللسان .
ثم ترى هذه في تاريخ المسلمين الطويل ، يبذلون العطاء ، لقطع ألسنة اللسن ، وكف بذاءتهم عن اعراض المسلمين .
وإذا كانت هذه عوامل دفع للأذى ، وتطهير للساحة الإسلامية من البذاء ، فقد حفلت الشريعة بنصوص الوعيد لمن ظلم ، واعتدى ، تنذر بعمومها محترفي التصنيف ظلماً وعدواناً ، وظناً وبهتاناً ، وتحريشاً وإيذاءً .
فالظالم : قد ظلم نفسه ، وخسرها ، متبع لهواه ، قد بدل الحق إلى الباطل ، يحول القول إلى غيره ، مفتر ، كذاب ، حجته أبداً : الهوى ، متعد لحدود الله ، ولهذا استحق هذا الوصف البشع : " الظالم " كما قال الله تعالى : (( ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون )) [ البقرة : 229 ] .
* ومحاصرة للظلم وأهله ، فقد جاءت النصوص ناهية عن معاشرة الظالم ، والركون إليه ، وتوليه ، والقعود معه ، (( فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ))
[ الأنعام : 68 ] . والنهي عن السكن في مسكنه ، ويخاطب بغير التي هي أحسن ، وأن السبيل عليه : (( إنما السبيل على الذين يظلمون الناس )) [ الروم : 42 ] .
والظالم : لايفلح . وليس له من أنصار . والله لايحب الظالمين ولا يهديهم . وليس للظالم من ولي ولا نصير . ودائماً في ضلال مبين . وفي زيادة خسار وتباب . وعليه اللعنة . وللظالم سوء العاقبة ، وقطع دابره . والظالم وإن قوي فإن القوة لله جميعاً . ولاعدوان إلا على الظالمين .
وقد تنوعت عقوبات الظلمة والظالمين في هذه الدنيا :
بزجر من السماء . والأخذ بالصاعقة ، وبالطوفان . وتدمير بيوتهم ، وخوائها . وأخذ الظالم بعذاب بئيس ، وأن عقوبة جرمه تعم . وحاله شديدة في غمرات الموت. وللظالم من الوعيد يوم القيامة : الوعيد بالنار ، وبويل ، وبعذاب كبير ، وسيعض على يديه . وسيجد ماعمل حاضراً ولايظلم ربك أحداً .
* وتجريح الناس وتصنيفهم بغير حق ، شعبة من شعب الظلم ، فهو من كبائر الذنوب والمعاصي ، فاحذر سلوك جادةٍ يمسك منها عذاب .
وقد ثبت من حديث ابي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي (ص)أنه قال :
(( لتؤدن الحقوق يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء )) .رواه أحمد ، ومسلم .
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال :
(( سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أفضل ؟ قال إيمان بالله وجهاد في سبيله ، قلت : فأي الرقاب أفضل ؟ قال : أعلاها ثمناً ، وأنفسها عند أهلها ، قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : تعين ضائعاً ، أو تصنع لأخرق )) .
قال : فإن لم أفعل ؟ قال :
تدع الناس من الشر ، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك))
متفق عليه .
وثبت عن النبي - (ص)- أنه قال :
(( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )) .
وثبت أيضاً أن النبي (ص)قال :
(( لاتحاسدوا ولاتناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا،ولا يبيع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخواناً المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله التقوى ههنا- ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )) .
وثبت أيضاً من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - (ص)قال :
(( أتدرون ما المفلس ؟ )) قالوا : المفلس فينا من لادرهم له ولا متاع . فقال : (( إن المفلس من أمتي ، من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ ، ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته . فإن فنيت حسناته ، قبل أن يقضى ماعليه ، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه . ثم طرح في النار )) رواه مســلم
وساق الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى- في "الإصابة "عن أم الغادية -رضي الله عنها- قالت:خرجت مع رهط من قومي إلى النبي (ص)فلما أردت الانصراف ، قلت : يا رسول الله أوصني ، قال :
(( إياك ومايسوء الأذن )) .
رواه ابن منده ، والخطيب في " المؤتلف والمختلف " .
وساق أيضاً عن عمر - رضي الله عنه - :
(( لا يعجبنكم طنطة الرجل ، ولكن من أدى الأمانة ، وكف عن أعراض الناس فهو الرجل )) .
رواه أحمد في "الزهد "
وساق أيضاً من محاسن شعر أبي الأسود الدؤلي :
لاترسلن مقالة مشهورة
لاتستطيع إذا مضت إدراكها
لاتبدين نميمة نبئتـها
وتحفظـن من الذي أنباكهـا
والنصوص الواردة وفيها بيان أنواع العقوبات على هذا في الدارين ، أكثر من أن تحصر ، وربما يبتلى " الجراح " بمن يشينه بأسوأ مما رمي به غيره ، مع ما يلحقه من سوء الذكر حياً وميتاً ، فنعوذ بالله من سوء المنقلب .

فيا محترف الوقيعة في أعراض العلماء ، اعلم أنك بهذه المشاقة قد خرقت حرمة الاعتقاد الواجب في موالاة علماء الإسلام .
قال الطحاوي - رحمه الله تعالى - في بيان معتقد أهل السنة في ذلك12 :
(( وعلماء السلف من السابقين ، ومن بعدهم من التابعين - أهل الخير والأثر ، أهل الفقه والنظر - لايذكرون إلا بالجميل ، ومن ذكرهم بسوء فهـو على غير سبيل ))
قال شارحه - رحمه الله تعالى - :
" قال تعالى (( ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ماتولى ونصله جهنم وساءت مصيراً )) [ النساء : 115 ] .
فيجب على كل مسلم بعد موالاة الله ، ورسوله ، موالاة المؤمنين ، كما نطق به القرآن ، خصوصاً الذين هم ورثة الأنبياء ، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم ، يهتدي بهم في ظلمات البر والبحر ، وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ، ودرايتهم ، إذ كل أمة قبل مبعث محمد - (ص)علماؤهــا

شرارها ، إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم ، فإنهم خلفاء الرسول من أمته ، والمحيون لما مات من سنته ، فبهم قام الكتاب ، وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا ، وكلهم متفقون اتفاقا يقينياً على وجوب اتباع الرسول - r- ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه ، فلابد له في تركه من عذر - ثم ذكرها )) انتهى .
وإني أقول : إن تحرك هؤلاء الذين يجولون في أعراض العلماء اليوم سوف يجرون - غداً - شباب الأمة إلى مرحلتهم الثانية13: الوقيعة في أعراض الولاة من أهل السنة ، وقد قيل : " الحركة ولود ، والسكون عاقر " . وهو أسوأ أثر يجره المنشقون وهذا خرق آخر لجانب الاعتقاد الواجب في موالاة ولي أمر المسلمين منهم . " وسوف يحصد الزوبعة من حرك الريح " .
قال الطحاوي - رحمه الله تعال14ى - :
((ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولاننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهـم مـــــــــــــن

طاعة الله - عز وجل - فريضة مالم يأمروا بمعصية .
وندعو لهم بالصلاح والمعافاة . ونتبع السنة والجماعة ، ونتجنب الشذوذ ، والخلاف ، والفرقة )) انتهى .
فاتق الله أيها الجراح ، واعلم أن احترافك التجريح بالتصنيف مختبر ينفذ منه الناس باليقين إلى وصف منك لدخائل نفسك ، وماتحمله من ميول ، ودوافع ، فتقيم الشاهد عليك من فلتات لسانك ، وإدانة المرء من فيه أقوى ، فأحكم - رحمك الله - الرقابة على اللسان لايوردك موارد الهلكة ، ولا تمش براحلة العمر - الوقت - وأنت تثقلها بهذه الظاهرة الفتاكة " ظاهرة الهدم والتدمير " فتحرق في غمرتها : الجهد ، والنشاط ، وبواكير الحياة ومقتبل العمر ، بل وربما خاتمته ، أعاذنا الله وإياك من سوء الخاتمة .
والزم - عافاك الله - تقوى الله ، ومراقبته ، والإنابة إليه، واستغفاره ، واحذر صنعة المفاليس هذه ، وتدبر هذه الآية :
(( ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً )) [ النساء : 40 ] .
وقوله تعالى : (( فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم )) [ المائدة : 39 ] .
فبادر - ياعبدالله - إلى التوبة ، وأداء الحقوق إلى أهلها ، والتحلل منهم ، فقد ثبت عن نبي الهدى - r- أنه قال :

هاني السلفي
28-04-2003, 12:03 AM
(( من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه ، أو ماله ، فليؤدها إليه ، قبل أن يأتي يوم القيامة لايقبل فيه دينار ولادرهم ............ )) الحديث . رواه البخاري .
ولعلي بهذا كما قـال صخر :
لعمري لقد نبهت من كـان نائـماً
وأسمعت من كـانت لـه أذنان
وكل عبد صالح يسمع الخيـر ، سماع استجابة ، وهذا شأن المؤمن أواهٌ منيب ، ومن لحقه الإدبار فأبى ، فإليه :
(( إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمعٍ من في القبور ))
[ فاطر : 22 ] .
وأنشـد ابن الشجـري :
إذا نهي السفـيه جرى إليـه
وخالف والسفـيه إلى خـلاف
وهذا يعاني : " أزمة في الضمير " و " ذبحة في الصدر " ، إذ تمكن منه الداء ، وللميؤس أحكام بينها الفقهاء ، نعوذ بالله من الشقاء .

وما بقي لمن أبى إلا الحجر على لسانه لصالح الديانة .
أما من كانت وقيعته ظلماً فيمن عظم شأنه في المسلمين بحق ، فينبغي تغليظ عقوبة الواقع ، إضافة إلى الحجر على لسانه ، ولهذا نظائر في الشريعة ، كوقوع الظلم في الأشهر الأربعة الحرم ، والرفث والفسوق والجدال في الحج ، وتغليظ الدية في النفس وفي الجراح في الشهر الحرام ، وفي البلد الحرام ، وفي ذوي الرحم ، كما هو مذهب الشافعي ، فهذه وأمثالها محرمات على كل مسلم في كل زمان ومكان ، لكن لما عظم الجرم بتعدد جهات الانتهاك ، عظم الإثم ، والجزاء .
ولمثل هؤلاء - كما قال عبد الله بن المبارك - رحمه الله تعالى

هاني السلفي
28-04-2003, 12:08 AM
إلى مــن رُمـــي بالتصـــنيف ظُلْـــــماً
اتل ما أوحي إلى نبيك - صلى الله عليه وسلم - :
(( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليـم )) [ فصلت : 43 ].
والقرآن العظيم قد حوى قصص أنبياء الله ورسله مع أممهم وماينالهم من الأذايا والبلايا في سبيل الدعوة، ولهذا فقد وفق من أفرد قصصهم وشرحها، وأحسن كل الإحسان من ألف باسم : " دعوة الرسل " .
وهذه سنة من الله ماضية لكل من سلك سبيلهم ، واقتفى أثرهم .
ألم تر سير الصحابة والتابعين وأتباعهم في كل عصر ومصر إلى عصرنا الحزين ، كيف يقاومهم المبطلون ، ويشنع عليهم المبطنون .
وفي هذا مواقف لا تحصى ، وقصص لا تنسى ، وإذا قرأت كتاب : " من أخلاق العلماء " رأيت من ذلك عجباً .
فكم في سيرهم الشريفة من إمام ضرب بل قتل ، وإمام
سجن ، وإمام عزل وأهين ، بل فيهم من جمعت له هذه كلها أو جلها ، بما لبس في حقهم الملبسون ، وأرجف المرجفون ، وهم منها براء ، والمرجفون في قرارة أنفسهم عليها شهداء .
وخذ أمثلة على هذا فيمن رمي بشناعة وهو منها برئ :
فرمي جماعة من فحول العلماء بالتشيع ، وآخرون بالنصب ، وآخرون بالتجهم ، وغير ذلك ، وهم من هذه النحل الفاسدة براء .
ومنهم - أجزل الله مثوبتهم - من حكي ما وقع له على سبيل ما من الله به عليه من لزوم السنة ، ونصرتها ، والدعوة إليها ورجاء مضاعفة الأجر بما يصنعه الأضداد البؤساء .
وفي حياة الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - وهو يعيش بين محنة الدنيا والدين ، عبرة للمعتبرين .
وخذ على سبيل المثال : ابن العربي المالكي المتوفى سنة 543 هـ - رحمه الله تعالى - إذ يقول في فاتحة كتابه :
" عارضة الأحوذي " :
(( فإن طائفة من الطلبة عرضوا علي رغبةً صادقة في صرف الهمة إلى شرح كتاب أبي عيسى الترمذي، فصادف مني تبعاداً
عن أمثال ذي ، وفي علم علام الغيوب أني أحرص الناس على أن تكون أوقاتي مستغرقةً في باب العلم ، إلا أني منيت بحسدةٍ لايفتنون ؟ ومبتدعة لا يفهمون ، قد قعدوا مني مزجر الكلب يبصبصون ، والله أعلم بما يتربصون :
(( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون )) [ التوبة : 52 ] .
بيد أن الامتناع عن التصريح بفوائد الملة ، والتبرع بفوائد الرحلة لعدم المنصف ، أو مخافة المتعسف ، ليس من شأن العالمين ، أو لم يسمعن قول رب العالمين لنبيه الكريم :
(( فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين )) [ الأنعام : 89 ] . )) انتهى .
وحياة بطل الإصلاح الديني بالمشرق شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة 728هـ - رحمه الله تعالى - مثلٌ أعلى للعلماء العاملين ، والدعاة المصلحين من أتباع خاتم الأنبياء والمرسلين - r-
وهذا عصريه بالمغرب الإمام الشاطبي المتوفى سنة 79 هـ - رحمه الله تعالى - يحكي حاله لما قام بنصرة السنة ، فجن عليه الليل والنهار بقالة السوء المظلمة ، فيقول - رحمه الله تعالى15 - :
( فتردد النظر بين - أن أتبع السنة على شرط مخالفة ما اعتاد الناس فلابد من حصول نحو مما حصل لمخالفي العوائد ، لاسيما إذا دعي أهلها أن ماهم عليه هو السنة لا سواها إلا أن في ذلك العبء الثقيل مافيه من الأجر الجزيل - وبين أن أتبعهم على شرط مخالفة السنة والسلف الصالح ، فأدخل تحت ترجمة الضلال عائذاً بالله من ذلك ، إلا أني أوافق المعتاد ، وأعد من المؤالفين ، لا من المخالفين ، فرأيت أن الهلاك في اتباع السنة هو النجاة ، وأن الناس لن يغنوا عني من الله شيئاً ، فأخذت في ذلك على حكم التدريج في بعض الأمور ، فقامت علي القيامة ، وتواترت علي الملامة ، وفوق إلي العتاب سهامه ، ونسبت إلي البدعة والضلالة ، وأنزلت منزلة أهل الغباوة والجهالة ، وإني لو التمست لتلك المحدثات مخرجاً لوجدت ، غير أن ضيق العطن ، والبعد عن أهل الفطن ، رقي بي مرتقى صعباً،وضيق علي مجالاً رحباً، وهو كلامٌ يشير بظاهره إلى أن اتباع المتشابهات، لموافقة العادات،

أولى من اتــباع الواضحات ، وإن خالفت السلف الأول .
وربما ألموا في تقبيح ما وجهت إليه وجهتي بما تشمئز منه القلوب ، أو خرجوا بالنسبة إلى بعض الفرق الخارجة عن السنة شهادة ستكتب ويسألون عنها يوم القيامة .
فتـارةً نسبت إلى القول بأن الدعاء لاينفع ولا فائدة فيه كما يعزى إلى بعض الناس ، بسبب أني لم ألتزم الدعاء بهيئة الاجتماع في أدبار الصلاة حالة الإمامة . وسيأتي مافي ذلك من المخالفة للسنة وللسلف الصالح والعلماء .
وتـارةً نسبت إلي الرفض وبغض الصحابة - رضي الله عنهم - ، بسبب أني لم ألتزم ذكر الخلفاء الراشدين منهم في الخطبة على الخصوص ، إذ لم يكن ذلك من شأن السلف في خطبهم ، ولا ذكره أحد من العلماء المعتبرين في أجزاء الخطب.
وقد سئل " أصبغ " عن دعاء الخطيب للخلفاء المتقدمين16 فقال : هو بدعة ولا ينبغي العمل به ، وأحسنـه أن

يدعو للمسلمين عامة . قيل له : فدعاؤه للغزاة والمرابطين ؟ قال : ما أرى به بأساً عند الحاجة إليه ، وأما أن يكون شيئاً يصمد له في خطبته دائماً فإني أكره ذلك .

ونص أيضاً عز الدين بن عبد السلام : على أن الدعاء للخلفاء في الخطبة بدعة غير محبوبة .

وتـارة أضيف إلي القول بجواز القيام على الأئمة ، وما أضافوه إلا من عدم ذكري لهم في الخطبة ، وذكرهم فيها محدث لم يكن عليه من تقـدم .

وتـارة أحمل على التزام الحرج والتنطع في الدين ، وإنما حملهم على ذلك أني التزمت في التكليف والفـتيا الحمل على
مشهور المذهب الملتزم لا أتعداه ، وهم يتعدونه ويفتون بما يسهل على السائل ويوافق هواه ، وإن كان شاذاً في المذهب الملتزم أو في غيره . وأئمة أهل العلم على خلاف ذلك وللمسألة بسط في كتاب " الموافقات " .
وتـارة نسبت إلي معاداة أولياء الله ، وسبب ذلك أني عاديت بعض الفقراء المبتدعين المخالفين للسنة ، المنتصبين - بزعمهم - لهداية الخلق ، وتكلمت للجمهور على جملة من أحوال هؤلاء الذين نسبوا إلى الصوفية ولم يتشبهوا بهم .
وتـارة نسبت إلي مخالفة السنة والجماعة ، بناء منهم على أن الجماعة التي أمر باتباعها - وهي الناجية – ما عليه العموم ، ولم يعلموا أن الجماعة ما كان عليه النبي - r- وأصحابه و التابعون لهم بإحسان.وسيأتي بيان ذلك بحول الله، وكذبوا علي في جميع ذلك، أو وهموا، والحمد لله على كل حال .
فكنت على حالة تشبه حالة الإمام الشهير عبد الرحمن بن بطة الحافظ مع أهل زمانه ، إذ حكي عن نقسه فقال : (( عجبت من حالي في سفري وحضري مع الأقربين مني ، والأبعدين ، والعارفين ، والمنكرين ، فإني وجدت بمكة ، وخرا سـان ، وغيرهما من الأماكن أكثر من لقيت بها موافقاً أو مخالفاً ، دعاني إلى متابعته على ما يقوله ، وتصديق قوله والشهادة له فإن كنت صدقته فيما يقول وأجزت له ذلك - كما يفعل أهل هذا الزمان - سماني موافقاً .
وإن وقفت في حرف من قوله أو في شيء من فعله - سماني مخالفاً .
وإن ذكرت في واحد منها أن الكتاب والسنة بخلاف ذلك وارد ، سماني خارجياً .
وإن قرأت عليه حديثاً في التوحيد سماني مشبهاً .
وإن كان في الرؤية سماني سالمياً .
وإن كان في الإيمان سماني مرجئياً .
وإن كان في الأعمال ، سماني قدرياً .
وإن كان في المعرفة سماني كرامياً .
وإن كان في فضائل أبي بكر وعمر ، سماني ناصبياً .
وإن كان في فضائل أهل البيت ، سماني رافضياً .
وإن سكتُ عن تفسير آية أو حديث فلم أجب فيهما إلا بهما ، سماني ظاهرياً .
وإن أجبت بغيرهما ، سماني باطنياً .
وإن أجبت بتأويل ، سماني أ شعرياً .
وإن جحدتهما ، سماني معتزلياً .
وإن كان في السنن مثل القراءة ، سماني شافعياً .
وإن كان في القنوت ، سماني حنفياً .
وإن كان في القرآن ، سماني حنبلياً .
وإن ذكرت رجحان ما ذهب كل واحد إليه من الأخيار -إذ-ليس في الحكم والحديث محاباة-قالوا:طعن في تزكيتهم .
ثم اعجب من ذلك أنهم يسمونني فيما يقرؤون علي من أحاديث رسول الله rما يشتهون من هذه الأسامي،ومهما وافقت بعضهم عاداني غيره،وإن داهنت جماعتهم أسخطت الله تبارك وتعالى،ولن يغنوا عني من الله شيئاً.وإني مستمسك بالكتاب والسنة،وأستغفر الله الذي لا اله إلا هو الغفور الرحيم
هذا تمام الحكاية فكأنه رحمه الله تعالى تكلم على لسان الجميع. فقلما تجد عالماً مشهوراً أو فاضلاً مذكوراً ، إلا وقد نُبز بهذه الأمور أو بعضها ، لأن الهوى قد يداخل المخالف ، بل سبب الخروج عن السنة : الجهل بها ، والهوى المتبع الغالب على أهل الخلاف ، فإذا كان كذلك حُمل على صاحب السنة ، أنه غير صاحبها ، ورُجع بالتشنيع عليــه

والتقبيح لقوله وفعله ، حتى ينسب هذه المناسب .
وقد نُقل عن سيد العباد بعد الصحابة أويس القرني أنه قال : " إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقاً ، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا ، ويجدون في ذلك أعواناً من الفاسقين ، حتى - والله - لقد رموني بالعظائم ، وايم الله لا أدع أن أقوم فيهم بحقه " . ) انتهى .
وعليه فألق سمعك للنصائح الآتية :
1- استمسك بما أنت عليه من الحق المبين من أنوار الوحيين الشريفين وسُـلوك جادة السلف الصالحين ، ولا يحركك تهيج المرجفين ، وتباين أقوالهم فيك عن موقعك فتضل .
وخذ هذه الشذرة عن الحافظ ابن عبدالبر - رحمه الله تعالى17 - : (( قال أبو عمر : الذين رووا عن أبي حنيفة ، ووثقوه ، وأثنوا عليه أكثر من الذين تكلموا فيه .
والذين تكلموا فيه من أهل الحديث ، أكثر ما عابوا عليه الإغراق في الرأي ، والقياس ، والإرجاء .
وكان يقال : يستدل على نباهة الرجل من الماضين بتباين الناس فيه .
قالوا : ألا ترى إلى علي بن أبي طالب ، أنه هلك فيه فتيان : مُحب أفرط ، ومبغض أفرط ، وقد جاء في الحديث : أنه يهلك فيه رجلان : محب مُطرٍ ، ومبغض مُفترٍ .
وهذه صفة أهل النباهة ، ومن بلغ في الدين والفضل الغاية والله أعلم )) انتهى .
2- لا تبتئس بما يقولون ، ولا تحزن بما يفعلون ، وخذ بوصية الله سبحانه لعبده ونبيه نوح - عليه السلام - (( وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون )) [ هود : 36
ومن بعد أوصى بها يوسف - عليه السلام - أخاه : (( قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون ))[ يوسف: 69
3- ولا يثنك هذا " الإرجــاف " عن موقفك الحق ، وأنت داع إلى الله على بصيرة فالثبات الثبات متوكلاً على مولاك - والله يتولى الصالحين - قال تعالى : (( فلعلك تارك بعض مايوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شئ وكيل )) [ هود : 12 ] .
4- ليكن في سيرتك وسريرتك من النقاء ، والصفاء ، والشفقة على الخلق ، ما يحملك على استيعاب الآخرين ، وكظم الغيظ ، والإعراض عن عرض من وقع فيك ، ولا تشغل نفسك بذكره ، واستعمل : " العزلة الشعورية " .
فهذا غاية في نبل النفس ، وصفاء المعدن ، وخلق المسلم .
وأنت بهذا كأنما تُسف الظالم المل .
والأمور مرهونة بحقائقها ، أما الزبد فيذهب جُـفاء .

هاني السلفي
28-04-2003, 12:19 AM
إلـى كــل مـســـــلم

إلى كُل مسلم . إلى كُل من احترف التصنيف فتاب . إلى من رُمي بالتصنيف فصبر . إلى كُل عبد مسلم شحيح بدينه ، يخشى الله ، والدار الآخرة . إلى هؤلاء جميعاً مسلمين ، قانتين ، باحثين عن الحق على منهاج النبوة ، وأنوار الرسالة - أسوق التذكير والنصيحة - علماً وعملاً - بالأصول الآتية :
1- الأصل الشرعي : تحريم النيل من عرض المسلم .
وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة في إطار الضروريات الخمس التي جاءت من أجلها الشرائع ، ومنها : " حفظُ العرض " .
فيجب على كل مسلم قدر الله حق قدره ، وعظم دينه وشرعه ، أن تعظم في نفسه حرمة المسلم : في دينه . ودمه . وماله . ونسبه . وعرضه .
2- والأصل بناء حال المسلم على السلامة ، والستر ، لأن اليقين لا يزيله الشك ، وإنما يُزالُ بيقين مثله .
فاحذر - رحمك الله - ظاهرة التصنيف هذه ، واحـــذر



الاتهامات الباطلة ، واستسهال الرمي بها هنا وهناك ، وانفض يدك منها ، يخل لك وجه الحق ، وأنت به قرير العين ، رضي النفس .
3- لا يُخرجُ عن هذين الأصلين إلا بدليل مثل الشمس في رائعة النهار على مثلها فاشهد أو دع . فالتزام واجب "التبين " للأخبار ، والتثبت منها ، إذ الأصل البراءة .
وكم من خبر لا يصح أصلاً .
وكم من خبر صحيح لكن حصل عليه من الإضافات مالا يصح أصلاً ، أو حرف ، وغير ، وبدل . وهكذا .
وبالجملة فلا تُقرر المؤاخذة إلا بعد أن تأذن لك الحُجة ، ويقوم عندك قائم البرهان كقائم الظهيرة .
وقد أمرنا الله تعالى بالتبيُن فقال سبحانه :
( يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على مافعلتم نادمين ) [ الحجرات :6] .
وقال تعالى :
( وإذا جآءهُم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمهُ الذين يستنبطونه منهم ولولا فضلُ الله عليكم ورحمتهُ لأتبعتُمُ الشيطــان إلا
قليلاً )[ النساء: 83 ] .
قال السيوطي - رحمه الله تعالى - :
( نزلت الآية في جماعة من المنافقين ، أو في ضعفاء المؤمنين كانوا يفعلون ذلك فتضعف قلوب المؤمنين ، ويتأذى النبيُ - r(ص).
4- من تجاوزهما بغير حق مُتيقن فهو خارقٌ حُرمة الشرع بالنيل ظلماً من "عرض أخيه المسلم " وهذا " مفتون " .
5- يجب أن يكون المسلم على جانب كريم من سُمُو الخلق وعلو الهمة ، وأن لا يكون معبراً تمررُ عليه الواردات والمُختـلقات .
6 - يوجد أفراد شُغلهم الشاغل : " تطيير الأخبار كُل مطار " يتلقى لسان عن لسان بلا تثبت ولا روية ، ثم ينشره بفمه ولسانه بلا وعي ولا تعقل ، فتراه يقذف بالكلام ، ويطير به هنا وهناك ، فاحذر طريقتهم ، وادفع في وجهها ، واعمل على استصلاح حالهم .
ومن وقع في حبالهم فعليه سل يده من رابطتهم هذه .
7 - التزم " الإنصاف الأدبي " بأن لا تجحد ما للإنسان من

فضل ، وإذا أذنب فلا تفرح بذنبه ، ولا تتخذ الوقائع العارضة منهية لحال الشخص ، واتخاذها رصيداً يُنفق منه الجراح في الثلب ، والطعن . وأن تدعو له بالهداية ، أما التزيد عليه ، وأما البحث عن هفواته ، وتصيدها ، فذنوب مضافة أخرى .
والرسوخ في الإنصاف بحاجة إلى قدر كبير من خلق رفيع ، ودين متين .
وعليه فاحذر قلة الإنصاف :
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة
بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم

8 - احذر " الفتانين " دعاة " الفتنة " الذين يتصيدون العثرات وسيماهُم :
جعل الدعاة تحت مطارق النقد ، وقوارع التصنيف ، موظفين لذلك : الحرص على تصيد الخطأ ، وحمل المحتملات على المؤاخذات ، والفرح بالزلات والعثرات ، ليمسكوا بها بالحسد والثلب ، واتخاذها ديدناً .
وهذا من أعظم التجني على أعراض المسلمين عامة ، وعلى الدعاة منهم خاصة .

وسيماهم أيضاً : توظيف النصوص في غير مجالها ، وإخراجها في غير براقعها ، لتكثير الجمع ، والبحث عن الأنصار ، وتغرير الناس بذلك .
فإذا رأيت هذا القطيع فكبر عليهم ، وولهم ظهرك ، وإن استطعت صد هجومهم وصيالهم فهو من دفع الصائل .
9 - اعلم أن " تصنيف العالم الداعية " - وهو من أهل السنة - ورميهُ بالنقائص : ناقض من نواقض الدعوة وإسهام في تقويض الدعوة ، ونكث الثقة ، وصرف الناس عن الخير ، وبقدر هذا الصد ، ينفتح السبيل للزائغين .
فاحذر الوقوع في ذلك .
وقد عقدتُ في هذا مبحثاً من كتاب " التعالم " أ سوقه هنا للحاجة 19إليه :
( أسند البخاري في : كتاب الشروط من صحيحه: قصة الحديبية ومسير النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها وفيها20:
وسار النبي (ص)حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته ، فقال الناس : حل حل، فألحت

فقالوا :
خلأت القصواء ، فقال النبي (ص): (( ماخلأت القصواء وماذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل )) .
الحديث
قال الحافظ ابن حجر في فقه هذا الحديث :
( جواز الحكم على الشيء بما عرف من عادته ، وإن جاز أن يطرأ غيره ، فإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد منه مثلها ، لا ينسب إليها ، ويُرد على من نسبه إليها ، ومعذرة من نسبه إليها ممن لا يعرف صورة حاله ، لأن خلأ القصواء لولا خارق العادة لكان ما ظنه الصحابة : صحيحاً ، ولم يعاتبهم النبي - (ص)على ذلك لعذرهم في ظنهم ) اهـ .

فقد أعذر النبي - (ص)- غير المكلف من الدواب باستصحاب الأصل ، ومن قياس الأولى إذا رأينا عالماً عاملاً ، ثم وقعت منه هنة أو هفوة ، فهو أولى بالإعذار ، وعدم نسبته إليها والتشنيع عليه بها - استصحاباً للأصل ، وغمر مابدر منه في بحر علمه وفضله ، وإلا كان المعنف قاطعاً للطريق ، ردءاً للنفس اللوامة ، وسبباً في حرمان العالم من علمه ، وقد نُهينا أن يكون أحدنا عوناً للشيطان على أخيه . فما ألطف هذا الاستدلال وأدق هذا المنزع ، ورحم الله الحافظ الكناني ابن حجر العسقلاني ، على شفوف نظره ، وفقه نفسه ، وتعليقه الحكم بمدركه .
قال الصنعاني - رحمه الله تعالى21 - :
( وليس أحد من أفراد العلماء إلا وله نادرة ينبغي أن تغمر في جنب فضله وتجتنب ) اهـ .
وقال أبوهلال العسكري 22 :
( ولا يضع من العالم الذي برع في علمه : زلة ٌ ، إن كانت على سبيل السهو والإغفال ، فإنه لم يعر من الخطأ إلا من عصم الله جل ذكره . وقد قالت الحكماء : الفاضل من عُدت سقطاته ، وليتنا أدركنا بعض صوابهم أو كنا ممن يميز خطأهم ) اهـ .
وقد تتابعت كلمة العلماء في الاعتذار عن الأئمة فيما بدر منهم ، وأن ما يبدو من العالم من هنات لا تكون مانعـة

للاستفادة من علمه وفضله .
فهذا الحافظ الذهبي - رحمه الله تعالى - يقول في ترجمة كبير المفسرين قتادة بن دعامة السدوسي المتوفى سنة 117 هـ رحمه الله تعالى بعد أن اعتذر عنه23 :
( ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه ، وعلم تحريه للحق ، واتسع علمه ، وظهر ذكاؤه ، وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زللة ، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه ، نعم : لانقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التوبة من ذلك ) اهـ .
وقال أيضاً في دفع العتاب عن الإمام محمد بن نصر المروزي - رحمه الله تعالى 24- :
( ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له ، قمنا عليه ، وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن منده ، ولا من هو أكبر منهما ، والله هو هادي الخلق إلى الحق ، وهو أرحم الراحمين ، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة ) اهـ .

هاني السلفي
28-04-2003, 12:26 AM
وقال في ترجمة إمام الأئمة ابن خزيمة المتوفى سنة 311 هـ - رحمه الله تعالى 25:
( وكتابه : في التوحيد . مجلد كبير . وقد تأول في ذلك حديث الصورة .
فليعذر من تأول بعض الصفات ، وأما السلف فما خاضوا في التأويل ، بل آمنوا وكفوا ، وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله ، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده - مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق - أهدرناه وبدعناه ، لقل من يسلم من الأئمة معنا . رحم الله الجميع بمنه وكرمه ) اهـ .
وقال في ترجمة : باني مدينة الزهراء بالأندلس : الملك الملقب بأمير المؤمنين عبد الرحمن بن محمد صاحب الأندلس المتوفى سنة 350هـ 26:
( وإذا كان الرأس عالي الهمة في الجهاد ، احتملت له هنات ، وحسابه على الله ، أما إذا أمات الجهاد ، وظلم العباد ، وللخزائن أباد ، فإن ربك لبالمرصاد ) اهـ .
وقال في ترجمة : القفال الشاشي الشافعي المتوفى سنــــة


365 هـ - رحمه الله تعالى27 - :
( قال أبو الحسن الصفار : سمعت أبا سهل الصعلوكي ، وسُئل عن تفسير أبي بكر القفال ، فقال : قدسه من وجه ودنسه من وجه ، أي : دنسه من جهة نصره للاعتزال .
قلت : قد مر موته ، والكمال عزيز ، وإنما يمدح العالم بكثرة ماله من الفضائل ، فلا تدفن المحاسن لورطةٍ ، ولعله رجع عنها . وقد يغفر له في استفراغه الوسع في طلب الحق ولاحول ولا قوة إلا بالله ) اهـ .
وبعد أن ذكر بعض الهفوات لأبي حامد الغزالي المتوفى سنة 505 هـ - رحمه الله تعالى- قال28 :
( قلت : الغزالي إمام كبير ، وما من شرط العالم أنه لا يخطئ ) اهـ .
وقال أيضاً 29:
( قلت : مازال الأئمة يخالف بعضهم بعضاً ، ويرد هذا على هذا ، ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل ) اهـ .



وقال ايضاً 30:
( فرحم الله الإمام أبا حامد ، فأين مثله في علومه وفضائله ولكن لاندعي عصمته من الغلط والخطأ . ولاتقليد في الأصول ) اهـ .
ونبه على على حال مجاهد فقال31 :
( قلت : ولمجاهد أ قوال وغرائب في العلم والتفسير تُستنكر ) اهـ .
وقال في ترجمة ابن عبد الحكم 32:
( قلت : له تصانيف كثيرة ، منها : كتاب في الرد على الشافعي . وكتاب أحكام القرآن . وكتاب الرد على فقهاء العراق . ومازال العلماء قديماً وحديثاً يرد بعضهم على بعض في البحث وفي التواليف ، وبمثل ذلك يتفقه العالم ، وتتبرهن له المشكلات ، ولكن في زمننا قد يعاقب الفقيه إذا اعتنى بذلك لسوء نيته ، ولطلبه للظهور والتكثر ، فيقوم عليه قضاة وأضداد ، نسأل الله حســـــــن



الخاتمة وإخلاص العمل ) اهـ .
وفي ترجمة إسماعيل التيمي المتوفى سنة 535 هـ أنه قال33 : ( اخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة ، ولا يطعن عليه بذلك بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب .
قال أبو موسى - المديني - : أشار بهذا إلى أنه قل إمام إلا وله زلة ، فإذا ترك لأجل زلته ، ترك كثير من الأئمة ، وهذا لا ينبغي أن يفعل ) اهـ .
فهذا الذهبي نفسه34 قد تكلم رحمه الله تعالى - في أن علوم أهل الجنة تسلب عنهم في الجنة ولا يبقى لهم شعور بشئ منها . وقد تعقبه العلامة الشوكاني في فتاواه المسماة : الفتح الرباني . وذكر إجماع أهل الإسلام على أن عقول أهل الجنة تزداد صفاءً وإدراكاً - لذهاب ماكان يعتريهم في الدنيا . وساق النصوص في ذلك . منها قوله تعالى (( يليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المُكرمين )) .
وقال شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية النميري – رحــمه الله



تعالى - ، في جواب له بإبطال فتوى قضاة مصر بحبسه وعقوبته من أجل فتواه بشأن شد الرحل إلى القبور35 :
( إنه لو قدر أن العالم الكثير الفتاوى ، أفتى في عدة مسائل بخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه ، وخلاف ما عليه الخلفاء الراشدون : لم يجز منعه من الفتيا مطلقاً ، بل يبين له خطؤه فيما خالف فيه ، فمازال في كل عصر من أعصار الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من علماء المسلمين من هو كذلك ...... ) اهـ .
وهذا الإمام الحافظ ابن حبان المتوفى سنة 354 هـ رحمه الله تعالى فاه بقوله : النبوة العلم والعمل . فهُجر وحُكم عليه بالزندقة وكتب فيه إلى الخليفة فكتب بقتله .
لكن أنصفه المحققون من أهل العلم فوجهوا قوله واستفادوا من علمه وفضله منهم : ابن القيم36 ، والذهبي 37، وابن حجر38 في سواهم من المحققين .

هاني السلفي
28-04-2003, 12:31 AM
ومما قاله الذهبي :
( قلت : وهذا أيضاً له محمل حسن ، ولم يرد حصر المبتدأ في الخبر . ومثله : الحج عرفة ، فمعلوم أن الرجل لا يصير حاجاً بمجرد الوقوف بعرفة ، إنما ذكر مهم الحج ، ومهم النبوة ، إذ أكمل صفات النبي : العلم والعمل ، ولا يكون أحد نبياً إلا أن يكون عالماً عاملاً . نعم النبوة موهبة من الله تعالى لمن اصطفاه من أولي العلم والعمل لا حيلة للبشر في اكتسابها أبداً ، وبها يتولد العلم النافع والعمل الصالح .
ولا ريب أن إطلاق ما نقل عن ابي حاتم : لا يسوغ ، وذلك نفسٌ فلسفي ) اهـ .
وهذا العلامة أبو الوليد الباجي المالكي المتوفى سنة 474 هـ رحمه الله تعالى افترع القول بارتفاع أمية النبي - r- لقصة الحديبية فقام عليه أهل عصره حتى حكموا بكفره .
وقال بعضهم فيه :
عجبت ممن شرى دنياً بآخرة
وقال إن رسول الله قد كتبا
ثم تطامنت الفتنة وأوضح المحققون بأن واقعة الحديبيـــة لا

سبيل إلى إنكارها لثبوتها لكنها لا تنفي الأمية ، كما أن النبي - r- بُعث في العرب وهم أمة أمية لا تكتب ولا تحسب ومع هذا يوجد فيهم من يكتب مثل كتاب الوحي - لكنهم على ندرة ولم ينف هذا أمية أمته - r- من العرب . حقق ذلك الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمة الباجي من السير 39.
ولعصرينا ابن حجر القاضي القطري كتاب حافل باسم : الرد الشافي الوافر على من نفى أمية سيد الأوائل والأواخر .
وهذا عبد الملك بن حبيب رحمه الله تعالى من أعلام الفقه المالكي . عيب عليه أشياء ولم يُهجر رحمه الله تعالى 40.
والجياني : أحمد بن محمد بن فرج اللغوي الشاعر ، لحقته محنة لكلمة عامية نطق بها ، نقلوها عنه ، وكان سجنه بسببها في زمن : الحكم بن عبد الرحمن الناصر المتوفى سنة 336 هـ 41.




وهؤلاء الأئمة : ابن الأثير ، وابن خلدون ، والمقريزي قد صححوا النسب الفاطمي للعبيديين . وقد صاح المحققون على القائلين بهذا منهم : ابن تيمية ، وابن القيم ، والذهبي ، وابن حجر وغيرهم في القديم والحديث .
والمؤرخ ابن خلدون أيضاً عقب عليه الهيتمي بأنه لما ذكر الحسين بن علي - رضي الله عنه - في تاريخه قال 42 :
( قتل بسيف جده ) .
لكن دافع الحافظ ابن حجر عن ابن خلدون بأن هذه الكلمة لم توجد في التاريخ الموجود الآن ولعله ذكرها في النسخة التي رجع عنها .
وقد تتابع الغلط على ابن خلدون أيضاً في أنه يحط على العرب من أنهم أهل ضعن ووبر لا يصلحون لـملك ولا


سياسة .......... وابن خلدون كلامه هذا في " الأعراب " لا في " العرب " فليعلم .
فهذه الآراء المغلوطة لم تكن سبباً في الحرمان من علوم هؤلاء الأجلة بل مازالت منارات يهتدي بها في أيدي أهل الإسلام . وما زال العلماء على هذا المشرع ينبهون على خطأ الأئمة مع الاستفادة من علمهم وفضلهم ، ولو سلكوا مسلك الهجر لهدمت أصول وأركان ، ولتقلص ظل العلم في الإسلام ، وأصبح الاختلال واضحاً للعيان . والله المستعان .
وكان الشيخ طاهر الجزائري المتوفى سنة 1338 هـ رحمه الله تعالى يقول وهو على فراش الموت 43 :
( عدوا رجالكم ، واغفروا لهم بعض زلاتهم ، وعضوا عليهم بالنواجذ لتستفيد الأمة منهم ، ولا تُنفروهم ، لئلا يزهدوا في خدمتكم ) اهـ .
وينتظم ما سلف تحقيق بالغ للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى ذكره في مباحث الحيل من " إعلام الموقعين "
( 3/ 294-298 ) فانظره .

وإنما أتيت على النقول المتقدمة مع كثرتها، لعموم البلوى على أهل العلم من بعض الجهال ... إذا حصل له رأي عن قناعة ودراية في مسألة فقهية فروعية - يكادون يُزهقونه ويجهزون عليه لتبقى الريادة الوهمية لهم ، والله المستعان على ما يفعلون .
أما المبتدعة فلا والله ، فإنا نخافهم ونحذرهم ، ولواجب البيان نُحذرُهُم من بدعهم ، فاحذر مخالطهم ، والتلقي
عنهم ، فإن ذلك سم ناقع " انتهى من كتاب : "التعالم " .
10- قد ترى الرجل العظيم يشار إليه بالعلم والدين، وققز القنطرة في أبواب التوحيد على أصول الإسلام والسنة وجادة سلف الأمة ، ثم يحصل منه هفوة ، أو هفوات، أو زلة، أو زلات .
فلتعلم هنا : أنه ماكل عالم ولا داعية كذلك يؤخذ بهفوته ، ولا يُتبع بزلته ، فلو عُمل ذلك لما بقي معنا داعية قط ، وكُلٌ رادٌ ومردُودٌ عليه ، والعصمة لأنبياء الله ورسله .
نعم : يُنبه على خطئه ، ولا يُجرم به ، فيُحرمُ الناسُ من علمه ودعوته ، وما يحصل على يديه من الخير .
ومن جرم المخطئ في خطئه الصادر عن اجتهاد له فيه مسرحٌ

شرعاً ، فهو صاحب هوى يحمل التبعة مرتين :
تبعة التجريم ، وتبعة حرمان الناس من علمه ، بل عليه عدة تبعات معلومة لمن تأملها .
11 - قد ترى الرجل العظيم ، يشار إليه بالعلم والدين ، وقد ينضاف إلى ذلك نزاله في ساحات الجهاد ، وشُهود سنابك الجياد ، وبارقة السيوف ، ويكون له بجانب ذلك هنات وهنات في توحيد العبادة ، أو توحيد الأسماء والصفات ، ومع هذا فترى نظراءه من أهل العلم والإيمان ممن سلم من هذه الهنات ، يشهدون بفضله ويقرون
بعلمه، ويدينون لفقهه ، وعلو كعبه، فيعتمدون كتبه وأقواله، ولا يصرفهم هذا عن هذا : " وإذا بلغ الماء قُلتين لم يحمل الخبث " .
ولا تمنعه الاستفادة منه من البيان بلطف عما حصل له من عثرات ، بل يبينونها ويسألون الله أن يُقيل عثرته ، وأن يغفرها بجانب فضله وفضيلته .
وخذ شاهداً في حال المعاصرة : إن شداة اعتقاد السلف - كثر الله جمعهم - يكُدُون ليلهم ، ونهارهم ، ويبذلون وُكدهم في تحضير الرسائل الجامعية لعدد من وجوه أهل العلم في دراسة حياتهم ، وسيرهم ، وجمع شمائلهم ، وتحقيق كتبهم ، ونشرها بين الناس، ويرون هذا قربة بعلمٍ يُنتـفع به.
وتتسابق كلمة علماء العصر بالمدح والثناء .
وبهذا تعلم أن تلك البادرة " الملعونة " من تكفير الأئمة :
النووي ، وابن دقيق العيد ، وابن حجر العسقلاني - رحمهم الله تعالى - أو الحط من أقدارهم ، أو أنهم مبتدعة ضلال . كل هذا من عمل الشيطان ، وباب ضلالة وإضلال ، وفساد وإفساد ، وإذا جُرح شهود الشرع جُرح المشهود به ، لكن الأغرار لا يفقهون ولا يتثبتون ، فهل من مُنفذٍ في الواقعين نصيحة زياد فيما ساقه ابن عبد البر - رحمه الله تعالى - بسنده أن زياداً خطب على منبر الكوفة فقال :
" أيها الناس إني بُتُ ليلتي هذه مُهتماً بخلال ثلاث رأيت أن أتقدم إليكم فيهن بالنصيحة :
رأيت إعظام ذوي الشرف ، وإجلال ذوي العلم ، وتوقير ذوي الأسنان .
والله لا أوتى برجل رد على ذي علم ليضع بذلك منــه إلا


عاقبته ....... إلى أن قال :
إنما الناس بأعلامهم ، وعلمائهم ، وذوي أسنانهم " 44.
12 - وإن سألت عن الموقف الشرعي من انشقاق هؤلاء بظاهرة التجريح ، فأقول :
أ - احذر هذا الانشقاق لا تقع في مثله مع " المنشقين الجراحين " المبذرين للوقت والجهد والنشاط في قيل وقال ، وكثرة السؤال عن " تصنيف العباد "، وذلك فيما انشقوا فيه، فهو ذنب تلبسوا به ، وبلوى وقعوا فيها ، وادع لهم بالعافية.
ب - إذا بُليت بالذين يأتون في مجالسهم هذا المنكر " تصنيف الناس بغير حق " واللهث وراءه ، فبادر بإنفاذ أمر الله في مثل من قال الله فيهم :
(( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين )) [ الأنعام : 68 ] .


وفي هذا القدر كفاية – إن شاء الله تعالى - وفيما كتبت في : " حلية طالب العلم " ، و " التعالم " ، و " هجر المبتدع " " وحكم الانتماء " ، و " الرد على المخالف " أصول نافعة .

والله تعالى أعلم .

انتـهـــــى .


بكـــــر بن عبد الله أبو زيـــــــــد

8 / 3 / 1413 هــ

هاني السلفي
28-04-2003, 01:18 AM
الأخ هاني السلفي جزاك الله خير

أما ماكتبته هنا فلا علاقة لنا به

ونتمنى الكتابه هنا وعدم المساس بالأشخاص

ونتمنى العودة لما دون أعلى المنتدى الأسلامي

وبارك الله فيك

المفكر
28-04-2003, 01:20 AM
احسنت ولك الاجر فيما نقلت

هاني السلفي
28-04-2003, 01:26 AM
بارك الله فيك أخي المفككر وغفر الله لك
تحياتي أخي الكريم