المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : على كل أصولي الدخول ..أرجو الصبر على قراءة الموضوع ...ناقش بعدها



أهــل الحـديث
27-01-2012, 07:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




السلام عليكم و رحمة الله تعالى
عند مطالعتي لكتاب نظرية التقعيد الأصولي ، فوجئت برأيه في تقسيم المناهج الأصولية ، و أحببت كتابة كلامه و نقله لكم للفائدة .
قال الدكتور أيمن عبد الحميد البدارين في كتابه " نظرية التقعيد الأصولي " :
المبحث العاشر: هل ثمة مدارس في التقعيد الأصولي ؟
بما أن علم القواعد الأصولية تفرع على علم أصول الفقه ، و بما أن جمهور الأصوليين من القدماء و المعاصرين يقسمون مناهج التأليف في أصول الفقه إلى ثلاث طرق رئيسية هي طريقة الحنفية ، و طريقة المتكلمين و طريقة الجمع بينهما .
فهل تنسحب هذه المناهج في أصول الفقه على علم القواعد القواعد الأصولية باعتباره متفرعا عنه ؟
لكن ، هل تنقسم مناهج التأليف في أصول الفقه حقا إلى تلك الطرق الثلاثة ، و الجواب أني لا أسلم أصلا انقسام أصول الفقه إلى هذه المدارس ، فإذا بطل الأصل بطل الفرع ، فإن اعترض ناصح ، فقال إن الفرق بين الطريقتين واضح ، فأقول المسألة ظنية لا إجماع عليها حتى إن أول من اخترعها المؤرخ ابن خلدون ، فإن قيل فما دليلك على ما ذهبت إليه ؟ فأقول :
قالوا إن طريقة الحنفية قامت على طريقة استخراج الأصول من الفروع ، أي الأصول الفقهية للمذهب الحنفي من خلال استقراء فروع الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان و صحبه عليهم الرضوان ، فاستقروا الأحكام الفقهية الصادرة عنهم ، و حاولوا استشفاف الأسس و القواعد النظرية التي بنوا عليها فروعهم من خلال ما دلت عليه مطابقة أو تضمنا أو التزاما ، مدونين هذه النتائج ، محاولين بناء منظومة أصولية امتاز بها المذهب الحنفي عن سائر مذاهب (مناهج ) التفكير الإسلامي .
أما طريقة المتكلمين ( بقية المذاهب ) فقامت على استخراج الأصول من الأدلة لا من الفروع ثم أعادوا بناء الفروع عليها ، فاستقروا كتاب الله ، و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم الذين تخرجوا في مدرسة النبوة ، مع أدوات الفهم العقلية ، و وسائل التحليل اللغوية ، و واقع حال مجتمع النبوة و الأمة الأمية ، و قرائن التنزيل المحتفة ، و دوافع التشريع و مقاصده المؤتلفة .
فإن صرخ صارخ ، أو اعترض ناصح ، فقال بمنهج فصيح ، و لوم صريح ، إن الفرق بين الطريقين واضح ، و البون بين المنهجين فاضح ، و من أنكر هذا فجهله راجح ، أو تنقصه دقة القرائح ، إذ رام تغطية الشمس ببساط ، إو إدخال الجمل في سم الخياط ، هذا والله محض اختباط .
فأقول بلسان حازم ، و ثغر باسم ، و هدوء واجم ، دع عنك عذلي و توبيخي ، و استمع لحجتي و تبييني ، لعل هجومك ينقلب اتباعا ، و وجومك يغدو اقتناعا .
فالمنهج هو طريقة للنظر في العلم ، و قد بينت سابقا أن العلوم يتميز بعضعا عن بعض بأمرين هما الهدف و الموضوع ، و اختلاف المناهج في العلم الواحد لابد أن تنصب على الصفات المميزة الذاتية لهذا العلم و هو الهدف و الموضوع ، فيشترط لاختلاف المناهج أن يتحد الموضوع الذي عليه جرى المنهج ، فلا يقال إن منهج الفيزيائيين في النظر إلى الكرة يختلف عن منهج الطباخين في النظر إلى الذُرة ، إذ لا بد للمقارنة بين منهجين أن يتحد الموضوع الذي يراد منهجته .
و يشترط أيضا اتحاد هدف العلم ، فلا يقال : يختلف منهج البلاغيين و النحويين في النظر إلى الكلمة ، لاتحاد الموضوع فقط و هو الكلمة . و ذلك أن هدف البلاغي غير هدف النحوي ، فهدف الأول النظر في أوجه التعبير عن المعنى ، و هدف الثاني ضبط أواخر الكلم .
فلابد من اتحاد الهدف إضافة إلى الموضوع ليتحقق اختلاف المنهج .
و تأسيسا على هذا القول ، سمي منهج المتكلمين بهذا الاسم لأن أكثر من ألف فيه هم علماء الكلام ، و كذلك سمي بطريقة الشافعية لأن أغلب أساطينه الذين قرروا قواعده كانوا شافعية ، و سمي بمنهج الجمهور لأن أصوليي المذهب المالكي و الحنبلي انطلقوا من الأصول و القواعد الأصولية التي قررها علماء الشافعية ، لذلك ترى الخلاف بين الشافعية و بينهم في أصول الفقه قليلا ، اللهم إلا عند بعض المتأخرين الذين أخذت آراؤهم تتمايز قليلا عن آراء الشافعية ، و مع ذلك لم ينفرد المذهب المالكي في نظر الدكتور الهادي بن الحسين شبيلي عن المذهب الشافعي و غيره إلا في ثلاثة أمور فقط هي : عمل أهل المدينة ، المصالح المرسلة ، و سد الذرائع .
كما أن بعض أهم كتب المالكية و الحنابلة بنيت على كتب الشافعية كشرح تنقيح الفصول الذي بناه على محصول الرازي الشافعي ، و مختصر ابن الحاجب الذي بناه على إحكام الآمدي الشافعي ، و روظة الناظر لابن قدامة المقدسي التي بناها على مستصفى الغزالي الشافعي ...
و قد كفانا الإمام الشافعي جهد معرفة آرائه الأصولية لأنه نص على معظمها في رسالته التي هي باكروة علم أصول الفقه ، و أول شعاع نوره ، فبما أن أصوله معروفة مقررة مدوة فلسنا بحاجة إلى تخريج أصوله من فروعه ، و ذلك أن آراء العالم تعرف بإحدى طريقتين :
الأولى : أن ينص عليها في كتاب أو تنقل عنه في مجلس .
الثانية : أن تستشف و تستنتج من طيات كلامه ، و إشارات آرائه ، و ظلال أفعاله ، و هو ما يسمى "تخريج الفروع على الأصول" .
فبما أن الإمام الشافعي نص على آرائه فقد كفانا مؤنة معرفتها بالطريقة الثانية ، فلا حاجة بنا لاستنطاق فروعه الفقهية لمعرفة قواعده الأصوليه و قد نص عليها ، لذلك اتجه الأصوليون من الشافعية إلى النظر في هذه النتائج التي نص عليها الشافعي من حيث أحقيتها و صحتها ، فعرضوها على الأدلة العقلية و النقلية ليميزوا الصحيح منها من السقيم ، و غير الملدوغ من السليم .
و بما ان آراء الإمام الشافعي الأصولية قليلة لا تشكل سوى نواة لهذا العلم المترامي الأطراف ، فقد توجهت إرادة أساطين الشافعية إلى إكمال منظومة التفكير الأصولي ، فأخذوا يستنبطون قواعد شرعية أصوليةجديدة ، و هذه القواعد الأصولية المنسوبة إلى الشارع ( الشرعية ) لا تعرف إلا من كلامه (الشارع) ، لتحقيقة النسبة و الانتساب ، فأخذوا ينظرون و يستقرئون نصوص الشارع و قرائن أحواله وفق موجهات العقول ، و محددات أدوات التحليل العربية من النقول لاستنباط القواعد الأصولية التي لم يرد عن الشافعي فيها نص ، إذ لا طريقة لمعرفتها سوى ذلك ، فمعرفة أصول الشارع لا تعرف إلا من خلاله أقوالا و أفعالا ، كما أن أصول الإمام لا تعرف إلا من خلاله أقوالا و أفعالا .
فتخريج القواعد الأصولية من الأدلة هي طريقة اتبعها الشافعية لأن هدفهم كان معرفة أصول الفقه من حيث صحتها لا معرفة آراء الإمام الشافعي لأنها مدونة معروفة ، بخلاف هدف الحنفية الذي كان معرفة آراء الإمام الأمام الأعظم لعدم نصه على أصوله أو وصول كتابه إليهم ، فاختلاف الهدف أدى إلى اختلاف المنهج ، و اختلاف المنهج لم ينصب على هدف واحد فأين هذا الاختلاف ؟ .

و لا يعني هذا أن الشافعية و سائر المذاهب الفقهية لم يستخدموا طريقة منهج تخريج الأصول على الفروع التي استخدمها الحنفية ، بل استخدموها كالحنفية عندما كان هدفهم معرفة القواعد الأصولية التي بني عليها الأئمة الثلاثة فروعهم و لم ينصوا عليها ، فاتحدت مناهج المذاهب الأربعة في تخريج القواعد الأصولية على الفروع الفقهية عندما اتحد هدفهم و هو معرفة آراء الأئمة الأصولية التي لم ينصوا عليها .
و بيان ذلك أن الشافعية بعد أن استنبطوا القواعد الأصولية التي لم ينص عليها الإمام الشافعي من الأدلة مباشرة ، و بحثوها على وفق أصول المنقول و المعقول ، أرادوا استنطاق فروع افمام الشافعي و أقواله لعلهم يجدون إشارات تبين رأيه في هذه القواعد التي استنبطوها هم و لم ينص عليها رحمه الله في رسالته أو في باقي كتبه .
فمنهج تخريج أصول فقه افمام الشافعي من فروعه المنثورة في كتبه طريقة اتبعها الشافعية أيضا ، و من أربابها : الإمام الجويني في برهانه ، الرازي في محصوله ، الإسنوي في نهاية سوله ، الزنجاني في تخريجه ، و الزركشي في بحر محيطه ...
و هذا المنهج تراه اتبعه المالكية أيضا كما في فروق القرافي ، و إشارات الباجي ، و تخريج التلمساني ، و قبلهم مقدمة ابن القصار ... و اتبعه الحنابلة ما في قواعد ابن اللحام و مسودة آل تيمية ...فهم في أول أمرهم جاروا أصول الشافعية ثم وجهوا جهودهم لتحليل آراء مالك و أحمد لاخراج أصولهم خاصة إذا علمنا أن المذهبين المالكي و الحنبلي لم يستقرا إلا بع المذهب الحنفي و الشافعي بفترة طويلة ، حتى إن أول جهد أصولي مالكي وصلنا هو (مقدمة ابن القصار ) الذي توفي سنة (397هـ) ، أي بعد رسالة الشافعي بقرنين من الزمن ، و هي مجرد مقدمة أي اسم على مسمى .
لكن الشافعية – و مثلهم المالكية و الحنابلة – لم يلجوا هذه الطريقة ، غالبا ، إلا في الآراء و القواعد الأصولية التي لم ينص عليها الإمام ، و هم بذلك ساروا على المنهج العلمية الذي إن وجد نصا لعالم في رأيه كفاه و إلا خرجها من طيات كىمه و أفعاله ، و هي عينها طريقة الحنفية .
أما سادتنا الحنفية فقد أرادوا أن يظهروا أصول الإمام الأعظم ، لكن واجهتهم مشكلة كبيرة و هي أن نصوص أبا حنيفة قليلة جدا ، و لا كتاب بين ايديهم يبين أصوله ، فاتجهوا إلى إخراجها من طيات فروعه و إشارات أقواله ، إذ لا طريق أمامهم سوى ذلك ، فأعادوا دراسة فروع افمام و أقواله و صحبه –عليه و عليعم سحائب الرحمة و المغفرة و الرضوان – بعد استقرار المذهب ، و حللوها و سبروا أغوارها مستخرجين قواعدهم الأصولية .
و بعد أن استخرجوا أصوله و قرروها و اطمأنوا لنسبتها إليه و أظهروها فيما بينهم ، كانوا قد تأخروا عما وصله الشافعية في تحقيق هذا العلم بدرجات ، لكنهم لم ييأسوا ، فانطلقوا بجد و تصميم و إقدام للبحث في صحتها على وفق قواعد الإسلام المقررة و الزيادة علها فيم لم يظهر للإمام الأعظم رأي فيها ، فكان لزاما عليهم أن ينظروا في الأدلة مباشرة و عينها طريقة الجمهور ، فلاتحاد الهدف هنا و هو معرفة صحة الآراء التي استخرجت من فروع الإمام على أصول الإسلام توجهوا إلى تمحيصها على ميزان الأدلة الشرعية و الأصول العقلية ، فطريقة الحنفية هي طريقة الشافعية عندما اتحد الهدف ، و هو منهج المتأخرين منهم : صدر الشريعة في تنقيحه و توضيحه ، التفتازاني في تلويحه ، و الكمال بن الهمام في تحريره ، و ابن أمير الحاج في تقريره و تحبيره ... و هي ما سميت فيما بعد بطريقة الجمع بين الطريقتين ، و هي في الحقيقة وصول إلى الطريقة التي اتبعها الشافعية في زمن ما لاتحاد الهدف ، فطريقة الحنفية هي طريقة الجمع بين آراء الحنفية و الشافعية أو لجمهور لا بين طرق و مناهج ، فهو خلاف في الآراء لا في المخرجات و المدخلات ، و جمع بين رأيين لا بين طريقتين .

فإن قيل : ثمة اختلاف واضح بين آراء الشافعية و الحنفية في النتائج الأصولية و هذا يدل على اختلاف المنهج ؟ فأقول : اختلاف الرأي لا يدل على اختلاف المنهج ، فالجمهور أنفسهم مختلفون فيما بينهم بل في المذهب الواحد في الاراء ألصولية و لا يعني هذا اختلاف مناهجهم .
فخلاصة الأمر أنه لا خلاف في منهج و طريقة الشافعية عن الحنفية و إنما هو تطور تاريخي لاختلافات الحاجات الزمنية ، فحاجة الشافعية أول الأمر كانت في الانتصار لآراء الإمام الشافعي الصولية أو معرفة صحيحها من ضعيفها فاحتاجوا إلى عرضها على الأصول النقلية العقلية و وسائل الجمع بينهما اللغوية فخرجوا القواعد الأصولية على الأدلة ، ثم احتاجوا إلى معرفة رأي الإمام الشافعي في القواعد التي استنبطوها و لم يرد له فيها نص صريح فرجعوا إلى طريقة تخريج الأصول على الفروع .
بينما هدف الحنفية أول أمرهم إلى معرفة أصول الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان إذ لم ينص عليها ، رحمه الله ، فاحتاجوا إلى إخراجها أولا باستنطا فروعه و تحليل إشارات نصوصه ، فلجؤوا إلى استخدام طريقة تخريج الفروع على الأصول كما لجأ إليها الشافعية في آخر أمرهم() و بعد أن استقرت أصول افمام الأعظم انتقلوا للنظر في الانتصار لآراء الإمام الشافعي الأصولية أو معرفة صحيحها من ضعيفها فاحتاجوا إلى عرضها على الأصول النقلية العقلية و وسائل الجمع بينهما اللغوية فخرجوا القواعد الأصولية على الأدلة و هي طريقة الشافعية في أول أمرهم ، فلا اختلاف في الطريقة و المنهج و إنما هو خلاف في الحاجات و الأهداف استلزم اختلاف استخدام طريقة في زمن دون آخر مع اشتراك الطرفين في استخدام أصل الطريقتين ، فهو فهو اختلاف زمني حاجي لا منهجي ، فطريقة المذاهب الأربعة واحدة لا مختلفة ، و بهذا انتقض التفريق القائل بوجود طريقتين أو ثلاثة في تأصيل القواعد الأصولية .
فالأحرى ممن يبحث في اختلاف المناهج الأصولية أن ينظر في طرائق تفكر علمائه و أساطينه ، أو مناهج التفكير العقدية التي بحثت فيه كالمعتزلة و الشيعة و السنة و الظاهرية ...لأن بينهم تمايزا و اختلافا حقيقيا في المنهج و إن توافقت الآراء أحيانا ، فلا خلاف بين المذاهب و الله تعالى أعلم .
فتبين مما سبق أني لا أنكر طريقة تخريج الأصول على الفروع ، لكنني أنكر تفرد المدرسة الحنفية بهذا المنهج ، كما لا أنكر طريقة تخريج الأصول على الأدلة ، لكنني أنكر تفرد المتكلمين ( الجمهور )بهذا المنهج ، فهذان المنهجان استخدما من كلا المدرستين لاختلاف الحاجة الزمانية ، فالخلاف بين المدرستين هو اختلاف في الأسلوب و الآراء و زمان استخدام هذه الطريقة أو تلك لاختلاف في أصل المنهج ، و هذا يقال بعينه على المدرسة الجامعة و الله تعالى أعلم .
هذا اجتهادي القاصر ، و رحم الله من قوم خطئي و سدد خطاي ، جعل الله الجنة مثواه و مثواي ، فلا تهولنك أخي القارئ مقالتي هذه التي تخالف ما شاع في التأليف التاريخية و الأصولية في الأعصار المتأخرة ، فليس تقسيم مناهج البحث الأصولي إلى متكلمين و حنفية إلا تقسيم حادث متأخر من اجتهاد المؤرخ ان خلدون لا إجماع عليه و لا هو مستند إلى دليل قاطع فلنا حرية الاجتهاد مع احترام المخالف و تقديره ، فأرجو أن ينظر إلى اجتهادي بعين العدل لا بعين الرضا لأنها عن كل عيب كليلة ، و لا بعين السخط لأنها تبدي المساويا.


انتهى كلام الدكتور أيمن عبد الحميد البدارين في كتابه نظرية التقعيد الأصولي ص134-141