المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسيرر للقران بحسب حلقات الحفظ لكل يوم



كليوباترا
22-03-2005, 03:49 AM
السلام عليكم

ان شاء الله مبتدين كويس

انا هنا بالنيابه عن عاشقة العقيده لأنها عندها اختبارات

وأي سؤالااو استفسار تبونه او اي شرح لأيه انتو مو فاهمينها قولو لي وانا راح افيدكم

قد ما أقدر

وسامحوني عاتأخير وان شاء الله اقدر اسوي المهمه اللي كلفتني بها

عاشقة العقيده

كليوباترا
22-03-2005, 04:00 AM
يوم الاثنين

تفسير سورة البقره من 17_20

((مَثَلُهُمْ)) أي مثل هؤلاء المنافقين ((كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً)) استوقد بمعنى أوقد، أو بمعنى طلب الوقود الذي هو الحطب ونحوه، والمعنى أشعل ناراً ليستضيء ويدفأ بها، ((فَلَمَّا أَضَاءتْ)) النار ((مَا حَوْلَهُ)) وانتفع بها ((ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ)) بأن أرسل ريحاً فأطفأها، ((وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ)) ما حولهم، وإنما كان هذا مثلا لهم، لأن المنافق بإيمانه الظاهري يبعد <يعد> لنفسه سبيل الحياة، وينور طريقه - فإن الإيمان نور وسبب لهداية الإنسان إلى الحق والعدل والخير - فإذا قبض الله أرواحهم تركهم كسائر الكفار في نار وعذاب حين يقبض الله أرواح المؤمنين إلى نور أوسع ورحمة أكبر... فهؤلاء المنافقون.
((صُمٌّ)) جمع أصم، لأنهم لا ينتفعون بالحق، فهم والأصم سواء ((بُكْمٌ)) جمع أبكم، وهو الأخرس، لأنهم لا يقولون الحق فهم والأبكم سواء ((عُمْيٌ)) جمع أعمى، لأنهم لا يبصرون الحق، فهم والأعمى سواء ((فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)) عن غيهم وضلالهم، و"ف" للإشارة إلى أنهم حيث صموا وأبكموا وعموا لم يرج فيهم الخير، فإنه (لا يسمع الصم الدعاء).
((أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء)) مثال آخر لحال المنافقين، والفرق بين المثالين أن المثال الأول كان مثالاً للمنافق نفسه، وهذا المثال مثال الحق الذي يغمر المنافق، ولكنه لا ينتفع به، والمصيب هو المطر، فالحق الذي يغمر هؤلاء كمطرٍ ينزل من السماء ((فِيهِ ظُلُمَاتٌ)) ظلمة السحاب وظلمة المطر - لأنه يحول بين الضياء وبين الأرض - وظلمة سحاب فوق سحاب ((وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ)) من الأمور المخوفة، ((يَجْعَلُونَ)) أي من ابتلي بهذا الصيب ((أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ)) خشية ((الصَّوَاعِقِ)) فإن الصاعقة إذا نزلت قرعت الأسماع صوتها الشديد، ((حَذَرَ الْمَوْتِ))، فإن الصوت الشديد توجب انخلاع القلب فيموت الشخص، لكن هؤلاء المنافقين الذين هم كفار في الباطن لا يظنوا أنهم يتمكنون الفرار من بأس الله تعالى ((واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ)) إحاطة علم وقدرة.
((يَكَادُ الْبَرْقُ)) اللامع في السحاب ((يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ)) أي أبصار من ابتلي بالصيب، وخطف البصر كناية عن عماه، ((كُلَّمَا أَضَاء لَهُم)) بأن أبرق ورأوا طريقهم ((مَّشَوْاْ فِيهِ)) أي في البرق، بمعنى استفادتهم من نوره فيمشون، ((وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ)) بأن لم يبرق ((قَامُواْ)) في أماكنهم، أي وقفوا ((وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ)) بسبب صاعقة قوية فتصمهم ((وَأَبْصَارِهِمْ)) بسبب برق قوي، إذ النور إذا قوي أوجب ذهاب البصر، ((إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) فلا يمنعه أن يحتمي الإنسان بإصبعه أو بغمض بصره عن أن يذهب بسمعه أو ببصره.
وهذا توضيح المثال بتطبيقه على المورد أن "الصيب" هو الحق النازل على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و"البرق" هو تقدم المسلمين وما يسبب لهم إنارة الطريق، و"الرعد" والصاعقة إيعادات الرسل والأهوال المكتنفة بالدعوة والمنافقون، كمن ابتلي بهذا الصيب في الصحراء، فالحق كالمطر فيه الحياة، لكن فيه ظلمات غلبة الكفار وذهاب الأنفس والأموال والثمرات، وفيه برق ينير طريق الحياة السعيدة، وفيه رعد وصاعقة مواعيد الرسول وفضحه المنافقين، وهؤلاء المنافقين يكاد سرعة تقدم المسلمين تعميهم، فإن العين إذا نظرت إلى ما لا يسرها اضطربت ودمعت - كلما أضاء لهم بأن غلبوا في الحرب وحصلوا على الغنائم واتبعوا الرسول، وإذا أظلم عليهم - بأن غلب عليهم الكفار - وقفوا وقاموا في مكانهم، لا يعلمون ولا يتقدمون، وهم يخافون من الفضيحة إن نزلت آية في شأن المنافقين، فيجعلون أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعونها، أو يتغافلون عنها كي لا يرى أثر الانهزام في وجوههم، فإن الإنسان المجرم إذا سمع ما يمس إجرامه ظهرت الصفرة وآثار الانهزام على وجهه، ولكن الله قادر على إماتتهم، كما هو قادر على فضحهم والذهاب بسمعهم وبصرهم، فليسوا هم في راحة من نفاقهم - كما زعموا - بل هم في أشد ابتلاء ومحنة.

كليوباترا
22-03-2005, 04:03 AM
يوم الاثنين

سورة آل عمران من 10_13

((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ )) من الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون المتشابه وغيرهم من سائر الكفار ((لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ )) كي يُعطوها فينجو من عذاب الله سبحانه كما تنفع الفدية في الدنيا ((وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ ))، أي من عذاب الله وسخطه ((شَيْئًا )) فلا يتمكن أولادهم أن يقفوا ليمنعوا عنهم العذاب ((وَأُولَئِكَ )) الكفار ((هُمْ وَقُودُ )) الوقود الحطب وكل ما يوقد به النار ((النَّارِ)) يوم القيامة تتّقد النار بأجسامهم كما تتّقد النار بالحطب والنفط ونحوها في النار.
((كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ )) الدأب العادة، أي عادة هؤلاء الكفار في التكذيب بك وبما أُنزل إليك كعادة آل فرعون الذين كذّبوا الرُسُل ((وَ)) كعادة ((الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ )) من سائر الكفار الذين كانوا يكفرون بآيات الله ويكذّبون أنبيائه ((كَذَّبُواْ )) جميعاً ((بِآيَاتِنَا ))، أي بدلائلنا الدالة على التوحيد وسائر الأصول ((فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ ))، أي بسبب عصيانهم ومعاصيهم، ومعنى الأخذ العقاب، أي عاقبهم كقوله (وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى وهي ظالمة) ((وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) فليس عقابه كعقاب سائر الناس، وإنما (نار أحاطت بهم سرادقها وإن يستغيثوا يُغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه).
((قُل )) يارسول الله ((لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ ))، أي بعد قليل يكونون مهزومين أما في الدنيا بغلبة الإسلام، كما صار كما أخبر حيث إن الإسلام غلبهم وأخذ بلادهم ((وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ)) يوم القيامة، وأما في الآخرة بمعنى أنكم بعد قليل تُهزمون أمام أمر الله سبحانه يقبضكم ملك الموت الذي وُكّل بكم، وبعد ذلك تُحشرون إلى جهنم يوم القيامة ((وَبِئْسَ الْمِهَادُ))، أي بئس ما مُهّد لكم أو ما مهّدتم لأنفسكم.
ولما بيّن سبحانه أن الكفار سيُغلبون بيّن لذلك شاهداً محسوساً في قصة بدر حيث كان المسلمون ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً والكفار ألف رجل ولم يكن للمسلمين من العتاد إلا شيئاً ضئيلاً بينما كان الكفار بأكمل السلاح ومع ذلك فقد غلب المسلمون عليهم بنصر الله سبحانه ((قَدْ كَانَ لَكُمْ )) أيها المسلمون أو أيها الكفار ((آيَةٌ ))، أي علامة على صدق الرسول وأن الله ينصره ويهزم الكفار ((فِي فِئَتَيْنِ ))، أي جماعتين : جماعة المسلمين وجماعة الكفار ((الْتَقَتَا )) من الملاقات إلى إجتمعتا ببدر ((فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ )) وهم المسلمون ((وَ)) فئة ((أُخْرَى كَافِرَةٌ )) وهم المشركون الذين أتوا من مكة ((يَرَوْنَهُم ))، أي يرى المسلمون الكفار ((مِّثْلَيْهِمْ))، أي ضعف أنفسهم ((رَأْيَ الْعَيْنِ )) فلم يكن ذلك خيالاً وإنما واقعاً فإن الكفار في الواقع كانوا أكثر، ومع ذلك فقد غلب المسلمون، ولعل النكتة في ذِكر ذلك بيان أن المسلمين غلبوا مع أنهم كانوا يعلمون بزيادة الكفار عليهم وإن ذلك يدلّ أن الله نصرهم وإلا فإن الجيش إذا عَلِمَ أن العدو أكثر منه وَهَنَ في عضده ويسبّب ذلك إنهزامه في أكثر الأحيان، وفي الآية أقوال أُخر مذكورة في التفسيرات ((وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء ))، اي يقوّي بنصره فلا يضرّهم قلة عددهم وعُددهم ((إِنَّ فِي ذَلِكَ )) المذكور وهو غَلَبة المسلمين على المشركين مع إن الكفار كانوا ثلاثة أضعافهم ((لَعِبْرَةً ))، أي إعتبار هو بمعنى الآية وإنما سميت الآية عِبرة لأنها تعبر بالإنسان من الجهل والغفلة إلى العلم والتذكّر ((لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ))، أي أصحاب العقول، وليس المراد بالبصر النظر بالعين وإنما النظر بالقلب كما يُقال "فلان بصير بالأمور" أي يعرفها ويدركها

كليوباترا
22-03-2005, 04:08 AM
يوم الاثنين

سورة الملك من13_19

{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} الخطاب لجميع الخلق أي أخفوا قولكم وكلامكم أيها الناس أو أعلنوه واظهروه، فسواءٌ أخفيتموه أو أظهرتموه فإِن الله يعلمه {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي لأنه تعالى العالم بالخفايا والنوايا، يعلم ما يخطر في القلوب، وما توسوس به الصدور، قال ابن عباس: نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل بما قالوا، فقال بعضهم لبعض: أسرُّوا قولكم لا يسمع إِله محمد، فأخبره الإله أنه لا تخفى عليه خافية {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}؟ أي ألا يعلم الخالق مخلوقاته؟ كيف لا يعلم سرّ المخلوقات وجهرها وهو الذي خلقها وأوجدها من عدم؟ {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} أي والحال أنه اللطيف بالعباد، الذي يعلم دقائق الأمور وغوامضها، الخبير الذي لا يعزب عن علمه شيء، فلا تتحرك ذرة، ولا تسكن أو تضطرب نفسٌ إِلا وعنده خبرها .. ثم ذكر تعالى دلائل قدرته ووحدانيته، وآثار فضله وامتنانه على العباد فقال {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً} أي الله جل وعلا جعل لكم الأرض لينةً سهلة المسالك {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} أي فاسلكوا أيها الناس في جوانبها وأطرفها، قال ابن كثير: أي فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وتردّدوا في أقاليمها وأرجائها للمكاسب والتجارات {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} أي وانتفعوا بما أنعم به جل وعلا عليكم من أنواع الكسب والرزق، قال الألوسي: كثيراً ما يُعبر عن وجوه الانتفاع بالأكل لأنه الأهم الأعم، وفي الآية دليل على ندب التسبب والكسب، وهو لا ينافي التوكل، فقد مرَّ عمر رضي الله عنه بقومٍ فقال: من أنتم؟ فقالوا: المتوكلون فقال: بل أنتم المتواكلون، إِنما المتوكل رجلٌ ألقى حبه في بطن الأرض وتوكل على ربه عز وجل {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} أي وإِليه تعالى المرجع بعد الموت والفناء، للحساب والجزاء .ثم توعّد تعالى كفار مكة المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال {ءأَمِنتمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ} أي هل أمنتم يا معشر الكفار ربكم العليَّ الكبير أن يخسف بكم الأرض فيغيبكم في مجاهلها، بعد ما جعلها لكم ذلولاً تمشون في مناكبها؟ {فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} أي فإِذا بها تضطرب وتهتز بكم هزاً شديداً عنيفاً، قال الرازي: والمراد أنَّ الله تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تضطرب وتتحرك، فتعلو عليهم وهم يخسفون فيها فيذهبون، والأرضُ فوقهم تمور فتلقيهم إِلى أسفل سافلين {أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} أي أم أمنتم الله العليَّ الكبير أن يرسل عليكم حجارة من السماء، كما أرسلها على قوم لوطٍ وأصحاب الفيل؟ {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} أي فستعلمون عند معاينة العذاب، كيف يكون إِنذاري وعقابي للمكذبين!! وفيه وعيد وتهديدٌ شديد، وأصلها {نذيري} و {نكيري} حذفت الياء مراعاة لرءوس الآيات {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي ولقد كذبت كفار الأمم السابقة رسلهم، كقوم نوحٍ وعادٍ وثمود وأمثالهم، وهذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد لقومه المشركين {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي فكيف كان إِنكاري عليهم بنزول العذاب؟ ألم يكن في غاية الهول والفظاعة؟ ثم لما حذَّرهم ما عسى أن يحل بهم من الخسف وإِرسال الحاصب، نبَّههم على الاعتبار بالطير، وما أحكم الله من خلقها، وعن عجز آلهتهم المزعومة عن خلق شيءٍ من ذلك فقال {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} أي أولم ينظروا نظر اعتبار إلى الطيور فوقهم، باسطاتٍ أجنحتهن في الجو عند طيرانها وتحليقها، {وَيَقْبِضْنَ} أي ويضممنها إِذا ضربن بها جنوبهن وقتاً بعد وقت؟ ولما كان الغالب هو فتح الجناحين فكأنه هو الثابت عبَّر عنه بالاسم {صَافَّات} وكان القبض متجدداً عبَّر عنه بالفعل {وَيَقْبِضْنَ} قال ابن جزي: فإِن قيل: لِمَ لم يقل "قابضات" على طريقة {صَافَّات}؟ فالجواب أن بسط الجناحين هو الأصل في الطيران، كما أن مدَّ الأطراف هو الأصل في السباحة، فذكره بصيغة اسم الفاعل {صَافَّات} لدوامه وكثرته، وأما قبضُ الجناحين فإِنما يفعله الطائر قليلاً للاستراحة والاستعانة، فلذلك ذكره بلفظ الفعل لقلته {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَانُ} أي ما يمسكهن في الجو عن السقوط في حال البسط والقبض، إِلا الخالق الرحمن الذي وسعت رحمته كل ما في الأكوان، قال الرازي: وذلك أنها مع ثقلها وضخامة أجسامها، لم يكن بقاؤها في جو الهواء إِلا بإِمساك الله وحفظه، وإِلهامها كيفية البسط والقبض المطابق للمنفعة من رحمة الرحمن {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} أي يعلم كيف يخلق، وكيف يبدع العجائب، بمقتضى علمه وحكمته.

كليوباترا
22-03-2005, 12:26 PM
يوم الثلاثاء

سورة البقره من 21_24

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ)) خلق ((الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ)) وكان السبب في الخلق ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) أي خلقكم للتقوى والعبادة، كما قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
((الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً)) كالفراش الذي يكون راحة للبدن وزينة وجمالاً، ((وَالسَّمَاء بِنَاء)) أي مبنيا، وهذا يلائم كون السماء طبقة تحطم القذائف إلى الأرض، فإن البناء ليس المراد منه أن يكون المبني من جسم كثيف، ((وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء)) والمراد بالسماء هنا جهة العلو أو المراد من تلك الناحية ((فَأَخْرَجَ بِهِ)) أي بسبب الماء ((مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ)) فإذا كان الخلق وسائر النعم من الله سبحانه ((فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً)) شركاء من الأصنام أو غيرها ((وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)) أنها باطلة، وأنه ليس لله شريك.
((وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا)) محمد بن عبد الله، وتزعمون أنه ليس من الله سبحانه ((فَأْتُواْ بِسُورَةٍ)) واحدة ((مِّن مِّثْلِهِ)) أي من مثل هذا المنزل، ولو كان قُصر سورة نحو (قل هو الله أحد) أو (إنا أعطيناك)، ((وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم)) الذين يشهدون معكم أن محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس بنبي ((مِّن دُونِ اللّهِ)) أي كائن ما كان غير الله سبحانه، كما يقول ما دون الله مخلوق ((إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) في ريبكم وزعمكم أن محمداً ليس بنبي وأن القرآن ليس من عند الله تعالى، إذ لو لم يكن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) نبياً لكان إنساناً عادياً فيمكن الإتيان بمثل كلامه.((فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ)) ولم تأتوا بسورة من مثل هذا القرآن ((وَلَن تَفْعَلُواْ))، هذا إخبار بأنهم لن يفعلوا ذلك أبداً، إذ القرآن معجز، فلا يمكن الإتيان بمثله، ((فَاتَّقُواْ)) عاقبة تكذيبكم لرسول الله ولكتاب الله التي هي ((النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا)) أي حطبها وما يسبب إيقادها ((النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)) جمع حجر ولعل المراد بها أصنامهم، كما قال تعالى: (أنتم وما تعبدون حصب جهنم)، وتخصيص الحجارة بالذكر للتهويل، إذ الحجارة لا تنفى، فتكون النار دائمة ((أُعِدَّتْ)) هذه النار ((لِلْكَافِرِينَ)). هذه عاقبة من يكذب.

كليوباترا
22-03-2005, 12:31 PM
يوم الثلاثاء

من آيه 14_15

وهنا يتسائل الإنسان ماذا صرف الكفار عن الحق وهم يرونه, ويأتي الجواب أن الذي صرفهم هو جمال الدنيا ومالها كما قال الإمام (عليه السلام) : (لكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها) ((زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ))، أي أن حب الإنسان للمشتهيات والملذات سبّب لهم أن تتزيّن الدنيا في نفوسهم فيطلبون اللذائذ ولو في المحرّمات، ولم يذكر الفاعل لأنه ليس بمقصود وقد تقرر في علم البلاغة أن مقتضاه أن لا يذكر الفاعل أو المفعول حيث لم يكن مقصوداً ((مِنَ النِّسَاء )) بيان "الشهوات" ((وَالْبَنِينَ )) فإن حب الأولاد يسبّب إطاعتهم والتحفّظ عليهم ولو بذهاب الدين ((وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ )) القناطير جمع "قنطار" وهو ملاء مسك ثور ذهباً، وإنما سمي قنطاراً لأنه يكفي للحياة فكأنه قنطرة يعبر بها مدة الحياة, والمقنطرة بمعنى المجتمعة المكدّسة كقولهم "دراهم مدرهمة ودنانير مدنرة" ((مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ )) فإن الإنسان بحبه للأموال يعصي الله في جمعه وفي عدم إعطاء حقوقه ((وَالْخَيْلِ )) عطف على النساء, والخيل الأفراس ((الْمُسَوَّمَةِ )) من سوّم الخيل إلى علمها ولا تُعلّم إلا الجيد الحسن منها ((وَالأَنْعَامِ )) جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم ((وَالْحَرْثِ ))، أي الزرع فإن هذه كلها مُحبّبة للناس، لكن ((ذَلِكَ )) كله ((مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ))، أي ما يستمتع به في الدنيا ولا تنفع الآخرة إلا إذا بذلت في سبيل الله -كلٌّ حسب بذله- ((وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)) المآب المرجع، أي أن المرجع الحسن فس الآخرة منوط بالله سبحانه فاللازم أن يتزهّد الإنسان في الملذات ولا يتناول المحرّم منها رجاء ثواب الله ونعيمه المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال، فلا تسبّب هذه المشتهيات عدول الإنسان عن الحق إلى الباطل وعن الرشاد إلى الضلال
((قُلْ )) يارسول الله للناس الذين زُيّن لهم حُبّ الشهوات ((أَؤُنَبِّئُكُم ))، أي هل تريدون أن أخبركم ((بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ ))، أي بأحسن من هذه الشهوات، و"كُم" خطاب للناس ((لِلَّذِينَ اتَّقَوْا)) المحرّمات وعملوا حسب أوامر الله سبحانه ((عِندَ رَبِّهِمْ )) في الآخرة ((جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ))، أي من تحت أشجارها ونخيلها وقصورها ((خَالِدِينَ فِيهَا )) فإنهم يسكنون الجنة أبد الآبدين لا زوال لهم ولا تحويل ((وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ))، أي نساء طاهرة من الأقذار الظاهرية كالحيض والوساخة والأقذار الباطنية كسوء الخُلُق والحقد والعداوة ((وَ)) أكبر من كل ذلك ((رِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ )) فإن الله راضٍ عنهم ومتى شَعَرَ الإنسان برضى الله سبحانه منه تنعّم بأفضل نعمة نفسية كما لو عَلِمَ فرد من الرعية أن الملك يحبه ويرضى عنه ((وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)) خبير بأفعالهم وأعمالهم فيجازيهم حسب ما يفعلون.

كليوباترا
22-03-2005, 12:34 PM
يوم الثلاثاء

سورة الملك من آيه 20_26

ثم وبَّخ تعالى المشركين في عبادتهم لما لا ينفع ولا يسمع فقال {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُمْ يَنصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَانِ}؟ أي من هذا الذي يستطيع أن يدفع عنكم عذاب الله من الأنصار والأعوان؟! قال ابن عباس: أي من ينصركم مني إِن أردتُ عذابكم؟ {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ} أي ما الكافرون في اعتقادهم أن آلهتهم تنفع أو تضرُّ إِلا في جهل عظيم، وضلال مبين، حيث ظنوا الأوهام حقائق، فاعتزوا بالأوثان والأصنام {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ}؟ أي من هذا الذي يرزقكم غير الله إِن منع الله عنكم رزقه؟ والخطاب في الآيتين للكفار على وجه التوبيخ والتهديد، وإِقامة الحجة عليهم {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} أي بل تمادوا في الطغيان، وأصرّوا على العصيان، ونفروا عن الحق والإِيمان .. ثم ضرب تعال مثلاً للكافر والمؤمن فقال: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}؟ أي هل من يمشي منكساً رأسه، لا يرى طريقه فهو يخبط خبط عشواءً، مثل الأعمى الذي يتعثر كل ساعة فيخرّ لوجهه، هل هذا أهدى أم من يمشي منتصب القامة، يرى طريقه ولا يتعثر في خطواته، لأنه يسير على طريق بيّن واضح؟ قال المفسرون: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فالكافر كالأعمى الماشي على غير هدى وبصيرة، لا يهتدي إلى الطريق فيتعسف ولا يزال ينكب على وجهه، والمؤمن كالرجل السويّ الصحيح البصر، الماشي على الطريق المستقيم فهو آمن من الخبط والعثار، هذا مثلهما في الدنيا، وكذلك يكون حالهما في الآخرة، المؤمن يحشر يمشي سوياً على صراط مستقيم، والكافر يحشر يمشي على وجهه إِلى دركات الجحيم، قال قتادة: الكافر أكبَّ على معاصي الله فحشره الله يوم القيامة على وجهه، والمؤمن كان على الدين الواضح فحشره الله على الطريق السويّ يوم القيامة، وقال ابن عباس: هو مثلٌ لمن سلك طريق الضلالة ولمن سلك طريق الهدى .. ثم ذكَّرهم تعالى بنعمه الجليلة، ليعرفوا قبح ما هم عليه من الكفر والإِشراك فقال {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ} أي قل لهم يا محمد: الله جل وعلا هو الذي أوجدكم من العدم، وأنعم عليكم بهذه النعم "السمع والبصر والعقل" وخصَّ هذه الجوارح بالذكر لأنها أداة العلم والفهم {قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} أي قلَّما تشكرون ربكم على نعمه التي لا تُحصى، قال الطبري: أي قليلاً ما تشكرون ربكم على هذه النعم التي أنعمها عليكم {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ} أي خلقكم وكثَّركم في الأرض {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي وإِليه وحده مرجعكم للحساب والجزاء {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} أي متى يكون الحشر والجزاء الذي تعدوننا به؟ إِن كنتم صادقين فيما تخبرونا به من مجيء الساعة والحشر، وهذا استهزاء منهم {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ} أي قل لهم يا محمد: علم وقت قيام الساعة ووقت العذاب عند الله تعالى لا يعلمه غيره {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي وما أنا إِلا رسولٌ منذر أخوفكم عذاب الله امتثالاً لأمره .

خــــالـــــد
23-03-2005, 01:49 AM
كليو باترا

.
.

جزاك الله خير أنتي وعااشقة العقيدة

جعلها الله من مواازين حسنااتك




أخوك ـ / خالد

يفوق الوصف
23-03-2005, 01:55 AM
كيبو وعاشقة العقيده

مجهود تشكرون عليه

وجعله الله في ميزان حسناتكم

كليوباترا
23-03-2005, 01:09 PM
يوم الاربعاء

سورة البقرة من 25_26

((وَبَشِّرِ)) يا رسول الله ((الَّذِين آمَنُواْ)) بقلوبهم وألسنتهم ((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ)) بجوارحهم ((أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)) الجنة باعتبار كونها بستانا ذات أشجار ونخيل، تكون أرضها من تحتها، فالأنهار الجارية من تحت الجنة على أرضها. ((كُلَّمَا رُزِقُواْ)) أي رزق المؤمنين ((مِنْهَا)) أي من الجنات ((مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً)) بأن أتى لهم بفاكهة وثمرة ((قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ)) فإنهم يألفون تلك الثمار لما رأوا منها في الدنيا، وليسوا كأصحاب الجحيم الذين لا يألفون طعامهم الذي من ضريع ولا شرابهم الذي من حميم، ((وَأُتُواْ بِهِ)) أي بذلك الرزق ((مُتَشَابِهاً)) يشبه بعضه بعضاً في الجودة والجدة - لا كثمار الدنيا ((وَلَهُمْ فِيهَا)) أي في الجنات ((أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ)) من القذارات الخلقية كالأوساخ والدماء والقذارات الخلقية كالسب والشتم والحسد ونحوها، ((وَهُمْ فِيهَا)) أي في تلك الجنات ((خَالِدُونَ)) أبداً لا يموتون ولا يتحولون عنها.
وحيث قسم الله الناس إلى أقسام ثلاثة: مؤمن وكافر ومنافق، ومثل للمنافق، ثم أمر الناس عامة بالعبادة، ودعاهم إلى حضيرة الإيمان، وذكر فوائده، واحتج على من أنكر الرسالة، أجاب عن سؤال سأله الكافر، ومن إليهم تعنتاً، وهو أن الله لماذا يضرب المثل كما مثل المنافق هنا، ومثل في سورة أخرى بالعنكبوت ونحوها؟ فإن المثال أوقع في النفوس وموجب لتقريب المطلب إلى الأذهان.

((إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا)) فإن الحياء من الأشياء القبيحة أو نحوها، وليس في تمثيل الله الكبير بالأشياء الصغيرة الحقيرة في النظر حياء - أي مثل كان، وهذا معنى قوله: "ما" أي شيئاً من الأشياء، ((بَعُوضَةً)) وهي البقة ((فَمَا فَوْقَهَا)) ولعل ذكر البعوضة هنا لأنها أصغر حيوان متعارف يراه كل أحد ((فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ)) أي المثل ((الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ)) وأتى به لغرض التوضيح والتبيين، ((وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ)) معترضين ((مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً))، و"مثلاً" تمييز في معنى "بهذا المثل" ولماذا يأتي الله بهذا المثل غير المناسب لجلال الله فـ: ((يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً)) ويوجب انقسام الناس، ومن المحتمل أن يكون "يضل" جواب عن اعتراضهم، أي أن المقصود من المثل الإضلال والهداية، لكنه ينافي السياق، فإن المقصود بالمثل ليس كذلك وإنما التوضيح والتقريب، ((وَمَا يُضِلُّ بِهِ)) أي بالمثل ((إِلاَّ الْفَاسِقِينَ)) الذين فسقوا أي خرجوا عن طاعة ربهم ومقتضى عقولهم، ثم بين الفاسقين بأبرز سماتهم بقوله:

كليوباترا
23-03-2005, 01:11 PM
يوم الاربعاء

سورة آل عمران من 16_19

ثم وصف سبحانه المتقين الذين سبق ذكرهم بقوله (للذين اتقوا) فالمتقون هم ((الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا ))، أي صدّقنا بك وبرسلك وبما أمرت ووعدت ((فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ))، أي تجاوز عما صدرت منّا من الخطايا ((وَقِنَا ))، أي إحفظنا من "وقى" و"يقي" بمعنى حفظ ((عَذَابَ النَّارِ)) حتى لا نكون من أهلها.
((الصَّابِرِينَ )) صفة أخرى للمتقين فأولئك هم الصابرون في المصائب وعند الطاعة ولدى المعصية ((وَالصَّادِقِينَ )) في نيّاتهم وأقوالهم وأفعالهم ((وَالْقَانِتِينَ )) من القنوت بمعنى الإطاعة والخضوع ((وَالْمُنفِقِينَ )) لأموالهم في سبيل الله سبحانه ((وَالْمُسْتَغْفِرِينَ )) الذين يطلبون غفران ذنوبهم ((بِالأَسْحَارِ)) جمع "سَحَر" وهو ما يقرب من طلوع الفجر آخر الليل.
ويناسب السياق هنا الإشارة إلى صفات الباري عزّ إسمه حيث تقدّم ذِكر من التقوى وأوصاف المتقين الذين يعملون لله سبحانه ((شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ )) وشهادة الله لفظية وواقعية فإن الشهادة إظهار المطلب باللسان وقد أظهر الله سبحانه وحدته وسائر صفاته بما هو أقوى وأثبت وأولى من اللفظ، وهو خلق المصنوعات التي تشهد جميعها بصفاته كما قال الشاعر "وفي كلّ شيء له آية تدل على أنه واحد" وإنما تشهد المصنوعات على الوحدة لأنه لو كان فيهما آلهة إلا الله لَفَسَدَتا فعدم الفساد دليل الوحدة -كما تقدّم في علم الكلام- ((وَالْمَلاَئِكَةُ )) شهدوا بالوحدانية شهادة لفظية وحقيقية ((وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ )) أصحاب العلم الذين يدركون، لأا كل من يدّعي العلم، فإنه من ينظر إلى الكون نظر عام معتبر لابد له من الإذعان بالوحدانية ((قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ ))، أي في حال كونه سبحانه قائماً بالعدل، فإن القسط بمعنى العدل، ومعنى قيامه سبحانه بالعدل أنه يفعل ما يفعل بالعدل، فخلقه وتقديره وتشريعه كلّ بالعدل، ومعنى العدل الإستواء مقابل الظلم الذي هو الإعوجاج والإنحراف، فمثلاً جعل الشمس في السماء عدل لأنها تنير وتُشرق وتقيم المجموعة الشمسية بينما عدمها إنحراف وظلم، وكذلك تقدير هذا غنياً وذاك فقيراً وهذا رئيساً وذاك مرئوساً بالعدل، وما يُشاهد في ذلك من الإنحراف فإنه ليس من التقدير وإنما من سوء إختيار الناس، وكذلك تشريع الصلاة واجبة والخمر محرّمة بالعدل، يُقال أن رجلاً سأل كسرى عن سبب عدله قال : لعدة أسباب منها أني رأيت في الصحراء يوماً كلباً كسر رجل غزال فما لبث أن رماه إنسان بحجر فكسر رجله فلم تمضِ على ذلك لحظات إلا بالفرس عثر فانكسرت رجله، وهناك علمت أن الظلم عاقبته وخيمة ... ، والإنسان إذ لم يجهل أكثر الأشياء فهو كمن يعترض على أدوية وصفها الطبيب وهو لا يعرف من الطب شيئاً ، ولفظة "قائماً" فيه إيمائة لطيفة فإن القائم يشاهد ما لا يشاهده القاعد إذ هو مسيطر مشرف ((لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ )) تكرار للتأكيد فإن العالم قبل الإسلام كان مرتطماً في أوحال الشرك حتى جاء الإسلام أظهر التوحيد وجدّد ما محى من سنن الأنبياء وإرشادهم حول المبدء تعالى ((الْعَزِيزُ)) في سلطانه ((الْحَكِيمُ)) الذي يفعل كل شيء عن حكمة وعلم
وبعد ما تقرّر التوحيد والعدل التي دور الدين الذي أرسله الله سبحانه إلى العباد ((إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ )) والدين هي الطريقة التي تؤمّن السعادة للبشر دنيا وآخرة، أنه عند الله الإسلام، وإن كان عند غيره اليهودية والنصرانية والمجوسية وغيرها، فإنّ الله سبحانه لم يرسل إلا الإسلام والإسلام هو دين الأنبياء جميعاً فإنه عبارة عن تسليم منهج الأعمال إلى الله الذي خلق الكون وهو أعلم بالنظام المساوي له الذي إن تبعه البشر عاش سعيداً ومات حميداً، وقد ذكرنا سابقاً أن الإختلاف بين الأديان السماوية الواقعية في شرائط ومزايا لا في الجواهر والأصول ((وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ ))، أي ليس إختلاف أهل الكتاب بعضهم مع بعض وجيعهم مع المسلمين ((إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ )) فعرفوا الصحيح من السقيم والحق من الباطل وإنما إختلفوا ((بَغْيًا ))، أي حسداً ((بَيْنَهُمْ )) فلم يقبل اليهود أن يرضخوا لعيسى (عليه السلام) حسداً، ولم يقبل النصارى أن يؤمنوا بنبي الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حسداً، كما قال سبحانه (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) ((وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ )) فلم يؤمن بها فلا يظن أنه ربح وتهنّأ بدنيا باقية بل خسر وذهبت دنياه وآخرته ((فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) يحاسب الكفار في الدنيا بأنواع من البلايا والمصائب كما قال (من أعرض عن ذِكري فإنّ له معيشةً ضنكا) وفي الآخرة بما إقترفوه من الكفر والآثام، والآخرة قريبة جداً فإن "من فاته اليوم سهم لم يفته غداً" قال الشاعر "ألا إنما الدنيا كمنزل راكب أناخ عشيّاً وهو في الصبح راحل

كليوباترا
23-03-2005, 01:14 PM
يوم الاربعاء

سورة الملك من 27_30

ثم أخبر تعالى عن حال المشركين في ذلك اليوم العصيب فقال {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} أي فلما رأوا العذاب قريباً منهم، وعاينوا أهوال القيامة {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي ظهرت على وجوههم آثار الاستياء، فعلتها الكآبة والغم والحزن، وغشيها الذل والانكسار، قال أبو حيّان: أي ساءت رؤية العذاب وجوههم، وظهر فيها السوء والكآبة، كمن يساق الى القتل {وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} أي وقالت لهم الملائكة توبيخاً وتبكيتاً: هذا الذي كنتم تطلبونه في الدنيا وتستعجلونه استهزاءً وتكذيباً.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِي اللَّهُ وَمَنْ مَعِي أَوْ رَحِمَنَا} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يتمنون هلاكك: أخبروني إن أماتني الله ومن معي من المؤمنين، أو رحمنا بتأخير آجالنا {فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} أي فمن يحميكم من عذاب الله الأليم، ووضع لفظ {الْكَافِرِينَ} عوضاً عن الضمير "يجيركم" تشنيعاً وتسجيلاً عليهم بالكفر، قال المفسرون: كان الكفار يتمنون هلاك النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فأمره الله أن يقول لهم: إِن أهلكني الله بالإِماتة وأهلك من معي، فأي راحةٍ وأي منفعة لكم فيه، ومن الذي يجيركم من عذاب الله إِذا نزل بكم؟ هل تظنون أن الأصنام تخلصكم وتنقذكم من العذاب الأليم؟ {قُلْ هُوَ الرَّحْمَانُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} أي قل لهم: آمنا بالله الواحد الأحد، وعليه اعتمدنا في جميع أمورنا، لا على الأموال والرجال {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي فسوف تعلمون عن قريب من هو في الضلالة نحن أم أنتم؟ وفيه تهديد للمشركين {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} أي قل لهم يا محمد: أخبروني إِذا صار الماء غائراً ذاهباً في أعماق الأرض، بحيث لا تستطيعون إِخراجه {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} أي فمن الذي يخرجه لكم حتى يكون ظاهراً جارياً على وجه الأرض؟ هل يأتيكم غير الله به؟ فلم تشركون مع الخالق الرازق غيره من الأصنام والأوثان؟

سمووره
24-03-2005, 05:39 AM
الله يجزاكم كل خير ويبارك فيكم

ويجعله بإذن الله في موازين حسناتكم

شكرالكم

كليوباترا
24-03-2005, 07:02 AM
يوم الخميس

سورة البقره من 27_29


((الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ)) الميثاق ما وقع التوثيق به، وميثاق الله هو ما أخذ عليهم في الكتب السالفة من الإيمان، أو هو ما أودع فيهم من الفطرة بعرفان الحق، ((وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ)) من صلة الأرحام، أو صلة الرسول والمؤمنين، ((وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ)) بالكفر والنفاق وإتيان المحرمات، ((أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)) الذين خسروا أعمارهم، فذهبت دنياهم ضنكاً وآخرتهم عذاباً وناراً.ثم عاد سبحانه إلى حال الكافر، ووجه الخطاب إليه مستدلاً على بطلان كفره بقوله: ((كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً)) لا روح فيكم، فإن أصل الإنسان التراب، ثم يكون نباتاً ثم يكون حيواناً وما أشبه، فيأكله الإنسان، فيتولد المني، ثم يصير إنساناً، ثم يموت، ويرجع تراباً، ثم يعاد يوم القيامة إنساناً ((فَأَحْيَاكُمْ)) نباتاً أو حيواناً أو إنساناً ((ثُمَّ يُمِيتُكُمْ)) وقت موتكم ((ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)) يوم القيامة ((ثُمَّ)) بعد الحياة الثانية ((إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) لتساقون للمحاكمة الكبرى، وكون الرجوع إليه - مع أن الإنسان في جميع الأحوال بدءاً وختاماً تحت سلطة الله وقدرته وعلمه - باعتبار محاسبته تعالى للإنسان.
ثم عاد سبحانه إلى حال الكافر، ووجه الخطاب إليه مستدلاً على بطلان كفره بقوله: ((كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً)) لا روح فيكم، فإن أصل الإنسان التراب، ثم يكون نباتاً ثم يكون حيواناً وما أشبه، فيأكله الإنسان، فيتولد المني، ثم يصير إنساناً، ثم يموت، ويرجع تراباً، ثم يعاد يوم القيامة إنساناً ((فَأَحْيَاكُمْ)) نباتاً أو حيواناً أو إنساناً ((ثُمَّ يُمِيتُكُمْ)) وقت موتكم ((ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)) يوم القيامة ((ثُمَّ)) بعد الحياة الثانية ((إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) لتساقون للمحاكمة الكبرى، وكون الرجوع إليه - مع أن الإنسان في جميع الأحوال بدءاً وختاماً تحت سلطة الله وقدرته وعلمه - باعتبار محاسبته تعالى للإنسان.
((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم)) لمنفعتكم ((مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)) فمن خلقها غيره، وكون الخلق للإنسان لا يدل على تحليل كل شيء، بل كل شيء بحسبه، فالأسماك المحرمة والحيوانات المفترسة لتمتع السمع والبصر لا للأكل ونحوه وهكذا ((ثُمَّ اسْتَوَى)) أي توجه بالخلق والأمر ((إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ)) مدارات للنجوم السيارة، فإن السماء في اللغة بمعنى المدار - هذا إذا قلنا بالنظر الفعلي حول السماوات، ويؤيده حديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) كما في "الهيئة والإسلام"، ((وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) فلا يغيب عنه شيء، فمن كفر كان الله مطلعاً عليه لا يفوته ذلك، ولا يخفى أن خلق الأرض كان أولاً، ثم خلق السماء، ثم دحو الأرض، كما قال: (والأرض بعد ذلك دحاها).

كليوباترا
24-03-2005, 07:04 AM
يوم الخميس

سورة آل عمران من 20_22


((فَإنْ حَآجُّوكَ )) يارسول الله وجادلوك في أمر التوحيد بعد وضوح الحجّة ((فَقُلْ )) لهم ((أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ )) فأنا لا أعبد إلا الله سبحانه لا أتخذ له شريكاً، وإسلام الوجه كناية عن الإسلام المطلق إذ تسليم الوجه إلى نحو يدل على تسليم القلب وسائر الجوارح ((وَمَنِ اتَّبَعَنِ))، أي الذين إتّبعوني هم أيضاً أسلموا وجوههم لله فقط دون غيره ((وَقُل )) يارسول الله ((لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ ))، أي أُعطوا الكتاب السماوي من اليهود والنصارى والمجوس ((وَ)) لـ ((الأُمِّيِّينَ )) من المشركين الذين لا كتاب لهم، وُسموا أمّيّين أما لجهلهم نسبة إلى الأم وأما لأنهم من أهل مكة -أم القرى- ((أَأَسْلَمْتُمْ ))، أي هل أسلمتم وجوهكم لله وحده -بلا جدال ونقاش معهم بعد ما تمّت عليهم الحجّة- ((فَإِنْ أَسْلَمُواْ )) وتشرّفوا بدين الإسلام ((فَقَدِ اهْتَدَواْ)) إلى الحق وإلى طريق مستقيم ((وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ )) أن تبلغهم الإسلام وليس عليك إجبارهم حتى لا يتولّوا وحتى لا يُعرِضوا ((وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)) لا يفوته شيء من أعمالهم فهو يجازيهم بكفرهم وميثاقهم كما يجزيهم على إيمانهم وإطاعتهم.
ثم بيّن سبحانه أن أهل الكتاب كفروا بالله قديماً وقتلوا الأنبياء تسلية للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن لا يضيق صدره بتكذيبهم ولجاجتهم ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ )) فلا يقبلونها بعد وضوحها وعلمهم بها ((وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ )) فإن قتل النبي مطلقاً ليس بحق وإنما يأتي القيد إفادة لأنه لا حُجّة لهم في قتل الأنبياء حتى أنه ليس هناك حق مدّعى أيضاً ((وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ ))، أي بالعدل ((مِنَ النَّاسِ )) فإنّ أهل الظلم والباطل الذين تتمثّل فيهم القوة غالباً يقتلون من ينهاهم عن ذلك ويأمر بالقسط والعدل ((فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)) وكلمة البشارة إستهزاء أو بعلاقة إستعمال الضد في الضد كتسمية الزنجي بالكافور والأعمى بالبصير، أو للمقابلة نحو (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فإنّ المؤمن يُبشّر بالثواب والكافر يُبشّر بالعقاب
((أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ )) الخيرية فإن لكل إنسان أعمال خيرية وإن كان كافراً، ومعنى حبط العمل بطلانه وعدم إفادته ((فِي الدُّنْيَا )) فإن كفرهم سبّب هدر دمهم فعملهم الخير لم ينفعهم في حقن دمهم أو أعمال الخير التي تدفع البلايا والآفات لا تنفع مع الكفر والإنحراف ((وَالآخِرَةِ )) فلا تفيدهم أعمالهم الحسنة ثواباً كما قال سبحانه (وقَدِمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا) ((وَمَا لَهُم ))، أي ليس لهم ((مِّن نَّاصِرِينَ)) ينصرونهم من عذاب الله وسخطه.

كليوباترا
24-03-2005, 07:06 AM
يوم الخميس لحلقة الامل

سورة القلم من 1_15

{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} نون حرف من الحروف المقطعة، ذكر للتنبيه على إعجاز القرآن .. أقسم تعالى بالقلم الذي يكتب الناس به العلوم والمعارف، فإن القلم أخو اللسان ونعمة من الرحمن على عباده والمعنى: أُقسم بالقلم وما يكتبه الكاتبون على صدق محمد وسلامته مما نسبه إليه المجرمون من السفه والجنون، وفي القسم بالقلم والكتابة إشادة بفضل الكتابة والقراءة، فالإِنسان من بين سائر المخلوقات خصه الله بمعرفة الكتابة ليفصح عما في ضميره {الذي علَّم بالقلم * علَّم الإِنسان ما لم يعلم} وحسبك دليلاً على شرف القلم أن الله أقسم به في هذه السورة تمجيداً لشأن الكاتبين، ورفعاً من قدر أهل العلم، ففي القلم البيان كما في اللسان، وبه قوام العلوم والمعارف، قال ابن كثير: والظاهر من قوله تعالى {وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} أنه جنس القلم الذي يكتب به، وهو قسم منه تعالى لتنبيه خلقه على ما أنعم به عليهم من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} أي لست يا محمد بفضل الله وإنعامه عليك بالنبوة مجنوناً، كما يقول الجهلة المجرمون، {يا أيها الذي نُزِّل عليه الذكر إنك لمجنون} قال ابن عطية: هذا جواب القسم، وقوله {بنعمة ربك} اعتراض كما تقول للإِنسان: أنت - بحمد الله - فاضل {وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} أي وإِنّ لك لثواباً على ما تحملت من الأذى في سبيل تبليغ دعوة الله غير مقطوع ولا منقوص {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} أي وإنك يا محمد لعلى أدب رفيع جم، وخلق فاضل كريم، فقد جمع الله فيه الفضائل والكمالات .. يا له من شرف عظيم، لم يدرك شأوه بشر، فربُّ العزة جل وعلا يصف محمداً بهذا الوصف الجليل {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقد كان من خلقه صلى الله عليه وسلم العلم والحلم، وشدة الحياء، وكثرة العبادة والسخاء، والصبر والشكر، والتواضع والزهد، والرحمة والشفقة، وحسن المعاشرة والأدب، إلى غير ذلك من الخلال العلية، والأخلاق المرضية ولقد أحسن القائل:

إذا الـلــه أثنى بالذي هو أهــله عليك فما مقدار ما تمدح الورى؟

{فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ} أي فسوف ترى يا محمد، ويرى قومك ومخالفوك -كفار مكة - إذا نزل بهم العذاب {بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} أي أيكم الذي فتن بالجنون؟ هل أنت كما يفترون، أم هم بكفرهم وانصرافهم عن الهدى؟ قال القرطبي: والمفتون: المجنون الذي فتنه الشيطان، ومعظم السورة نزل في "الوليد بن المغيرة" و "أبي جهل" وقد كان المشركون يقولون: إن بمحمد شيطاناً، وعنوا بالمجنون هذا، فقال الله تعالى سيعلمون غداً بأيهم المجنون أي الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} أي هو سبحانه العالم بالشقي المنحرف عن دين الله وطريق الهدى {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} أي وهو العالم بالتقي المهتدي إلى الدين الحق، وهو تعليل لما قبله وتأكيد للوعد والوعيد كأنه يقول: إنهم هم المجانين على الحقيقة لا أنت، حيث كانت لهم عقول لم ينتفعوا بها، ولا استعملوها فيما ينجيهم ويسعدهم.
{فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} أي فلا تطع رؤساء الكفر والضلال الذين كذبوا برسالتك وبالقرآن، فيما يدعونك إليه، قال الرازي: دعاه رؤساء أهل مكة إلى دين آبائه، فنهاه الله أن يطيعهم، وهذا من الله إلهاب وتهييج للتشدد في مخالفتهم {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} أي تمنوا لو تلين لهم يا محمد، وتترك بعض ما لا يرضونه مصانعة لهم، فيلينوا لك ويفعلوا مثل ذلك، قال ابن جزي: المداهنة: هي الملاينة والمداراة فيما لا ينبغي، روي أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لو عبدت آلهتنا لعبدنا إلهك فنزلت الآية {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ} أي ولا تطع يا محمد كثير الحلف بالحق والباطل، الذي يكثر من الحلف مستهيناً بعظمة الله {مَهِينٍ} أي فاجر حقير {هَمَّازٍ} أي مغتاب يأكل لحوم الناس بالطعن والعيب {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} أي يمشي بالنميمة بين الناس، وينقل حديثهم ليوقع بينهم وهو الفنان، وفي الحديث الصحيح (لا يدخل الجنة نمام) {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} أي بخيل ممسك عن الإِنفاق في سبيل الله {مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} أي ظالم متجاوز في الظلم والعدوان، كثير الآثام والإِجرام، وجاءت الأوصاف {حلاف، هماز مشاء، مناع} بصيغة المبالغة للدلالة على الكثرة {عُتُلٍّ} أي جاف غليظ، قاسي القلب عديم الفهم {بَعْدَ ذَلِكَ} أي بعد تلك الأوصاف الذميمة التي تقدمت {زَنِيمٍ} أي ابن زنا، وهذه أشد معايبه وأقبحُها، أنه لصيق دعي ليس له نسب صحيح، قال المفسرون: نزلت في "الوليد بن المغيرة" فقد كان دعياً في قريش وليس منهم، ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة - أي تبناه ونسبه لنفسه بعد أن كان لا يعرف له أب - قال ابن عباس: لا نعلم أحداً وصفه الله بهذه العيوب غير هذا، فألحق به عاراً لا يفارقه أبداً، وإِنما ذَمَّ بذلك لأن النطفة إِذا خبثت خبث الولد، وروي أن الآية لما نزلت جاء الوليد إلى أمه فقال لها: إن محمداً وصفني بتسع صفات، كلها ظاهرة فيَّ اعرفها غير التاسع منها يريد أنه {زَنِيم} فإن لم تصدقيني ضربت عنقك بالسيف، فقالت له: إن أباك كان عنيناً - أي لا يستطيع معاشرة النساء - فخفت على المال فمكنت راعياً من نفسي فأنت ابن ذلك الراعي، فلم يعرف أنه ابن زنا حتى نزلت الآية {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} أي لأن كان ذا مال وبنين قال في القرآن ما قال، وزعم أنه أساطير الأولين؟ وكان ينبغي أن يقابل النعمة بالشكر لا بالجحود والتكذيب {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءاياتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} أي إذا قرئت ءايات القرآن على ذلك الفاجر قال مستهزئاً ساخراً: إنها خرافات وأباطيل المتقدمين اختلقها محمد ونسبها إلى الله،

بـــشـــرى
27-03-2005, 08:09 PM
يوم الجمعه _ سورة البقرة
30 - 32

وحيث ذكر الله قصة خلق السماء والأرض وثم البناء، توجه الحديث إلى من استخلف فيها، ((وَ)) اذكر ((إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ)) الذين هم مخلوقون في الملاء الأعلى لا يرون بالعين إلا ما شاء الله ((إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)) يخلفني في الأمر والنهي والإرشاد، وهذا الحوار إنما كان لأجل إظهار كوامن وبيان حقائق، ((قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا)) أي في الأرض ((مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء)) وهذا استفهام حقيقي، يريدون بذلك استيضاح السبب، ولعلهم إنما علموا بذلك لما كانوا يدرون من كدرة الأرض وثقلها الموجبة للفساد والتكدر، أو لما رأوا من فعل بني الجان سابقاً، ((وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ)) ففينا الكفاية، وليس هذا تزكية، بل كقول العبد المطيع لمولاه: "إني أقوم بخدمتك، فلماذا تأتي بغيري الذي لا يقوم بالواجب؟" ومعنى التسبيح: التنزيه، وكان المراد من التسبيح بحمده التنزيه المقترن بالحمد مقابل التنزيه غير المقترن به، كتنزيه الجوهرة الثمينة عن النقائص، لكن التنزيه فيها لا يقترن بالحمد، إذ ليس ذلك باختيارها بخلافة تعالى المقترن أفعاله وأعماله بالإرادة، ((وَنُقَدِّسُ لَكَ)) أي إن تقديسنا وتنزيهنا لأجلك لا يشوبه رياء وسمعة، ((قَالَ)) الله تعالى في جواب الملائكة السائلين عن السبب ((إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)) فإن في استخلاف البشر مصالح أهم من الفساد الواقع منهم، كما أن استخلافهم أهم من استخلافكم، فإن منهم من الأخيار والصالحين من لا يلحقه الملك القرب، بالإضافة إلى أنه خلق يظهر من عظمة الصانع نوعاً جديداً.
وإذا أراد الله تعالى إعلام الملائكة ببعض مزايا البشر وإنه من جنس أرفع منهم علم آدم (عليه السلام) علوماً يتمكن هو من فهمها وهضمها، بينما لا يقدر الملائكة على ذلك، ثم قال تعالى للملائكة هل تتحملون مثل ذلك؟ فأبدوا عجزهم، وإذ رأوا من آدم التحمل والقدرة، واعترفوا بالتفوق، وأنه أحق بالخلافة، وتوضيح ذلك بمثال أنه إذا كان لإنسان خادم لا يقدر - فطرة - على بناء دار جملية، ثم أراد استخدام المهندس، فقال الخادم: "لماذا تستخدم غيري وأنا حاضر؟" يقول له السيد: "إني أعلم ما لا تعلم،" ثم يستخدم المهندس، ويبين له ما يريده من الدار، فيقدر المهندس من بنائها، بينما لا يقدر الخادم على النزول عند رغبة السيد، وهناك يعترف العجز وأن السيد كان عارفاً حيث تركه إلى غيره.

((وَعَلَّمَ)) الله تعالى ((آدَمَ)) (عليه السلام) ((الأَسْمَاء كُلَّهَا)) أسماء الأشياء وعلائمها، وذلك يستلزم تعليم المسميات والمعلومات، فإذا علّمت أحداً اسم زيد وعمرو وبكر، كان اللازم تعريفهم له أيضاً، ولذا قال ((ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ)) بإتيان ضمير "هم" تغليباً للعقلاء على غيرهم، والعرض على الملائكة ((فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) صدقاً خبرياً يطابق كلامكم الواقع في أنكم كافين في الاستخلاف، ولعل تعليم آدم كان بالإلهام وخلق العلم فيه مما هو قابل له دون الملائكة، فإنهم لم يكونوا قابلين لهذا العلم والإلهام، فلا يقال لماذا لم يعلم الله تعالى الملائكة.
((قَالُواْ سُبْحَانَكَ)) أنت منزه عن القبيح والعبث ((لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا)) فليس لنا هذا العلم الذي لآدم مما هو قابل له ولسنا قابلين له، ((إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)) والحكيم هو الذي يفعل الأشياء عن حكمة، بمعنى وضع الأشياء في موضعها اللائقة بها.

بـــشـــرى
27-03-2005, 08:10 PM
يوم الجمعه _ سورة آل عمران


اليوم مراجعه

بـــشـــرى
27-03-2005, 08:12 PM
يوم الجمعه _ حلقة الأمل

أيضا مراجعه يوم الجمعه

بـــشـــرى
27-03-2005, 08:16 PM
يوم السبت - لحلقة الوتين - سورة البقره
33 - 37

((قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ)) أي بأسماء ما عرضهم على الملائكة، ((فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ))، وعرفت الملائكة كون قابلية آدم فوق قابليتهم ((قَالَ)) الله تعالى لهم ((أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)): ما غاب عن إدراككم ((وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ)) أي تظهرون، ((وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)) من حسد بعضكم - وهو الشيطان - لآدم (عليه السلام)؟

ثم إن مقتضى اللطف العام والرحمة الواسعة أن يخلق الله تعالى أنواع المخلوقات الممكنة، التي لا يمنع عن خلقها مانع، ولذا خلق الملائكة دون البشر، وخلق بعض - كل من الصنفين - أرفع من البعض الآخر، فلا مجال للتساؤل: فلماذا لم يجعل الله تعالى هذه القابلية البشرية في الملائكة وثم خلق آدم (عليه السلام) وانتهى كل شيء؟
((وَ)) واذكر ((إِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ)) إما بأن يكون هو قبلتهم، ويكون السجود لله سبحانه، وإما بأن يكون السجود لآدم، ولا دليل عقلي على أنه لا يجوز السجود لغير الله تعالى، نعم ورد الشرع بذلك بالنسبة إلى المسلمين، ((فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ)) هو الشيطان ((أَبَى وَاسْتَكْبَرَ)) أي امتنع وأنف ((وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)) التفات: كما نقول نحن: "كان أبو جهل كافراً" وليس حكاية عطفاً على "أبى" حتى يستلزم كونه كافراً من قبل ذلك.
((وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ)) حواء (عليها السلام)، قال لهما ذلك بعد ما خلق حواء - أيضاً - كخلق آدم من غير أب وأم ((الْجَنَّةَ))، الجنة هو البستان، وقد كانت لله تعالى جنة أسكنها آدم وحواء ((وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً)) أكلاً واسعاً بلا زحمةٍ ولا تكلف ((حَيْثُ شِئْتُمَا)) من أطراف الجنة، ((وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ)) فقد نهوا عن شجرة واحدة اختباراً وامتحاناً، وكانت الشجرة على قَوْلٍ جمع "الحنطة"، وقد كان نهياً إرشادياً كنهي الطبيب مريضه أن لا يأكل ما يضره، وقد كانت فائدة عدم أكلهما لها أنهما يبقيان في الجنة، كما قال سبحانه (إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى، وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) ((فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ)) فإن الإنسان إذا حرم نفسه من الخير كان ظالماً لها، إذِ الظلم بمعنى وضع في غير موضعه، كما أن العدل معناه وضع الشيء موضعه.
((فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا)) أي حمل الشيطان آدم وحواء على الزلة عن الجنة بسبب أنه حملهما على الأكل من الشجرة، ((فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ)) من النعيم، ((وَقُلْنَا اهْبِطُواْ))، الخطاب لآدم وحواء والشيطان، والهبوط إما حقيقي - إن كان من محلٍ أعلى إلى أسفل - أو رتبي ((بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)) فإن الشيطان عدوهما، وهما عدوان له، ((وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ)) محل القرار ((وَمَتَاعٌ)) أي استمتاع ((إِلَى حِينٍ)) إلى حين انقضاء الدنيا أو موت كل أحد، وإذِ ارتكب آدم خلاف الأولى - بأكل الشجرة، وأهبطه الله تعالى من الجنة تداركته الرحمة.
((فَتَلَقَّى)) أي أخذ ((آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ)) تُسببُ التوبة والرجوع عن الزلة، وكان ذلك بتعليم الله تعالى له أن يجري تلك الكلمات على لسانه، فأجراها ((فَتَابَ)) الله ((عَلَيْهِ)) أي على آدم ((إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ)) أي كثير قبولٍ للتوبة ((الرَّحِيمُ)) بعباده.

بـــشـــرى
27-03-2005, 08:19 PM
يوم السبت - حلقة الجود - سورة آل عمران
23 - 26
((أَلَمْ تَرَ )) يارسول الله، ومعناه إفادة العلم بهذا الإستفهام ((إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ ))أُعطوا ((نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ ))، أي بعضاً منه لأنهم بتحريفهم الكتاب قد فقدوا بعضه كما قال سبحانه (نسوا حظاً مما ذُكّروا به) ((يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ )) يدعوهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى كتاب الله ليجعل حكماً بينهم وأن محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حق أم لا فقد كان في التوراة والإنجيل صفاته (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولذا كان يدعوهم إلى تحكيم كتابهم في هذا الأمر لكنهم بم يكونوا يقبلون ((ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ ))، أي يُعرض عن تحكيم الكتاب وإنما قال "فريق" لأن بعضهم دخل في الإسلام بعد ما تمت له الدلالة والإرشاد كعبد الله بن سلام وغيره ((وَهُم مُّعْرِضُونَ)) عن الحق وعن كتابهم، وفي بعض الأحاديث أن الآية نزلت في مسألة زنا وقع بين يهودي ويهودية وكان حكمهما الرجم في التوراة ورجعوا إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعله يحكم بغير ذلك فحكم الرسول بينهم بما فيالتوراة فكرهوا ذلك.
((ذَلِكَ )) الإعراض عن كتابهم وعن أوامر الله سبحانه ((بِـ)) سبب ((أَنَّهُمْ )) آمنوا العقوبة بما لفّقوه من الكذب حيث ((قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ ))، أي نار جهنم على فرض كفرنا وعصياننا ((إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ )) سبعة أيام أو أربعين يوماً، وهذه المدة قليلة فلا ينبغي ترك الشهوات والرئاسة لأجلها ((وَغَرَّهُمْ ))، أي خدعهم ((فِي )) باب ((دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ))، اي الذي إفتروه ونسبوه إلى الدين من أن النار أيام عديدة فقط خدعهم وغر|هم.
((فَكَيْفَ )) حالهم إذا إنكشف غرورهم ((إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ )) القيامة الذي ((لاَّ رَيْبَ فِيهِ ))، أي ليس محل إرتياب وشك ((وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ))، أي يُعطى كل إنسان جزائه وافياً غير منقوص ((وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)) بل يجزون على حسب أعمالهم.
وهنا يتوجه السياق إلى كون المُلك لله فليس لأهل الكتاب أن يحسدوا الرسول والمسلمين فيما أوتوا من حول وطول وعزة ومُلك وفي بعض الأحاديث أن الآية نزلت بعدما بُشّر الرسول والمسلمين بأنهم يفتحون مُلك فارس والروم فاستهزأ الكفار بذلك وقالوا أنّى يمون لمثل هؤلاء أن يسيطروا على تلك الدولتين العظيمتين ((قُلِ )) يارسول الله ((اللَّهُمَّ ))، أي ياالله، والميم بدل عن حرف النداء ((مَالِكَ الْمُلْكِ )) مالك منصوب على أنه مناد مضاف، أي يامالك المُلك فكل شيء لك وحدك لا شريك وملك من عداك إنما هو مجازي إعتباري ((تُؤْتِي ))، أي تُعطي ((الْمُلْكَ مَن تَشَاء )) أن تعطيه ((وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء )) أن تنزع عنه من غير فرق بين أن يكون المُلك سلطاناً أو مُلكاً لشيء كالدار والعقار ((وَتُعِزُّ مَن تَشَاء )) أن تعزّه عزّة ظاهرية أو باطنية بالإيمان والطاعة ((وَتُذِلُّ مَن تَشَاء )) أن تذلّه ((بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) فتقدر على الإعطاء والمنع وأن تعزّه وتذلّه.

بـــشـــرى
27-03-2005, 08:30 PM
حلقة الأمل - سورة القلم
السوره كامله ..



سورة القلم ...

* سورة القلم من السور المكية التي تعنى بأصول العقيدة والإِيمان، وقد تناولت هذه السورة ثلاثة مواضيع أساسية وهي:

أ- موضوع الرسالة، والشبه التي أثارها كفار مكة حول دعوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

ب- قصة أصحاب الجنة "البستان"، لبيان نتيجة الكفر بنعم الله تعالى.

ج- الآخرة وأهوالها وشدائدها، وما أعدَّ الله للفريقين: المسلمين والمجرمين.

ولكن المحور الذي تدور عليه السورة الكريمة هو موضوع إِثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.



* ابتدأت السورة الكريمة بالقسم على رفعة قدر الرسول صلى الله عليه وسلم وشرفه وبراءته مما ألصقه به المشركون من اتهامه - وحاشاه - بالجنون، وبينت أخلاقه العظيمة، ومناقبه السامية {ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإِنَّ لك لأجراً غير ممنون وإِنك لعلى خُلُقٍ عظيم} .. الآيات.



* ثم تناولت موقف المجرمين من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أعدَّ الله لهم من العذاب والنكال {فلا تطع المكذبين ودُّوا لو تُدهن فيدهنون ولا تطع كل حلاَّف مهين ..} الآيات.



* ثم ضربت مثلاً لكفار مكة في كفرانهم نعمة الله العظمى ببعثة خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم إليهم وتكذيبهم به بقصة أصحاب الجنة "الحديقة" ذاتِ الأشجار والزروع والثمار، حيث جحدوا نعمة الله ومنعوا حقوق الفقراء والمساكين، فأحرق الله حديقتهم وجعل قصتهم عبرةً للمعتبرين {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذْ أقسموا ليصر مُنَّها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم} الآيات.



* ثم قارنت السورة بين المؤمنين والمجرمين، على طريقة القرآن في الجمع بين الترغيب والترهيب {أفنجعل المسلمين كالمجرمين ..} الآيات.



* وتناولت السورة الكريمة القيامة وأحوالها وأهوالها، وموقف المجرمين في ذلك اليوم العصيب، الذي يكلفون فيه بالسجود لربِّ العالمين فلا يقدرون {يوم يكشف عن ساقٍ ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} الآيات.



* وختمت السورة الكريمة بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى المشركين، وعدم التبرم والضجر بما يلقاه في سبيل تبليغ دعوة الله كما حدث من يونس عليه السلام حين ترك قومه وسارع إلى ركوب البحر {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم} الآيات.





بيان رفعة قدر النبي صلى الله عليه وسلم



{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ(1)مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ(2)وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ(3)وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4)فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ(5)بِأَيِّيكُ� �ُ الْمَفْتُونُ(6)إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(7)}



سبب النزول:

نزول الآية (2) {ما أنت ..}:

أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: كانوا يقولون للنبّي صلى الله عليه وسلم: إنه مجنون، ثم شيطان، فنزلت: {ما أنت بنعمة ربِّك بمجنون}.



نزول الآية (4) {وإِنك لعلى خلق عظيم}:

سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه، فقالت: كان خلقه القرآن، ألست تقرأ القرآن: {قد أفلح المؤمنون} إلى عشر ءايات [المؤمنون: 10].



{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} نون حرف من الحروف المقطعة، ذكر للتنبيه على إعجاز القرآن .. أقسم تعالى بالقلم الذي يكتب الناس به العلوم والمعارف، فإن القلم أخو اللسان ونعمة من الرحمن على عباده والمعنى: أُقسم بالقلم وما يكتبه الكاتبون على صدق محمد وسلامته مما نسبه إليه المجرمون من السفه والجنون، وفي القسم بالقلم والكتابة إشادة بفضل الكتابة والقراءة، فالإِنسان من بين سائر المخلوقات خصه الله بمعرفة الكتابة ليفصح عما في ضميره {الذي علَّم بالقلم * علَّم الإِنسان ما لم يعلم} وحسبك دليلاً على شرف القلم أن الله أقسم به في هذه السورة تمجيداً لشأن الكاتبين، ورفعاً من قدر أهل العلم، ففي القلم البيان كما في اللسان، وبه قوام العلوم والمعارف، قال ابن كثير: والظاهر من قوله تعالى {وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} أنه جنس القلم الذي يكتب به، وهو قسم منه تعالى لتنبيه خلقه على ما أنعم به عليهم من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} أي لست يا محمد بفضل الله وإنعامه عليك بالنبوة مجنوناً، كما يقول الجهلة المجرمون، {يا أيها الذي نُزِّل عليه الذكر إنك لمجنون} قال ابن عطية: هذا جواب القسم، وقوله {بنعمة ربك} اعتراض كما تقول للإِنسان: أنت - بحمد الله - فاضل {وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} أي وإِنّ لك لثواباً على ما تحملت من الأذى في سبيل تبليغ دعوة الله غير مقطوع ولا منقوص {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} أي وإنك يا محمد لعلى أدب رفيع جم، وخلق فاضل كريم، فقد جمع الله فيه الفضائل والكمالات .. يا له من شرف عظيم، لم يدرك شأوه بشر، فربُّ العزة جل وعلا يصف محمداً بهذا الوصف الجليل {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقد كان من خلقه صلى الله عليه وسلم العلم والحلم، وشدة الحياء، وكثرة العبادة والسخاء، والصبر والشكر، والتواضع والزهد، والرحمة والشفقة، وحسن المعاشرة والأدب، إلى غير ذلك من الخلال العلية، والأخلاق المرضية ولقد أحسن القائل:

إذا الـلــه أثنى بالذي هو أهــله عليك فما مقدار ما تمدح الورى؟

{فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ} أي فسوف ترى يا محمد، ويرى قومك ومخالفوك -كفار مكة - إذا نزل بهم العذاب {بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} أي أيكم الذي فتن بالجنون؟ هل أنت كما يفترون، أم هم بكفرهم وانصرافهم عن الهدى؟ قال القرطبي: والمفتون: المجنون الذي فتنه الشيطان، ومعظم السورة نزل في "الوليد بن المغيرة" و "أبي جهل" وقد كان المشركون يقولون: إن بمحمد شيطاناً، وعنوا بالمجنون هذا، فقال الله تعالى سيعلمون غداً بأيهم المجنون أي الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} أي هو سبحانه العالم بالشقي المنحرف عن دين الله وطريق الهدى {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} أي وهو العالم بالتقي المهتدي إلى الدين الحق، وهو تعليل لما قبله وتأكيد للوعد والوعيد كأنه يقول: إنهم هم المجانين على الحقيقة لا أنت، حيث كانت لهم عقول لم ينتفعوا بها، ولا استعملوها فيما ينجيهم ويسعدهم.



الأخلاق الذميمة عند الكفار



{فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ(8)وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ(9)وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ(10)هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ(11)مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ(12)عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ(13)أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ(14)إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءاياتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ(15)سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ(16)}



{فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} أي فلا تطع رؤساء الكفر والضلال الذين كذبوا برسالتك وبالقرآن، فيما يدعونك إليه، قال الرازي: دعاه رؤساء أهل مكة إلى دين آبائه، فنهاه الله أن يطيعهم، وهذا من الله إلهاب وتهييج للتشدد في مخالفتهم {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} أي تمنوا لو تلين لهم يا محمد، وتترك بعض ما لا يرضونه مصانعة لهم، فيلينوا لك ويفعلوا مثل ذلك، قال ابن جزي: المداهنة: هي الملاينة والمداراة فيما لا ينبغي، روي أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لو عبدت آلهتنا لعبدنا إلهك فنزلت الآية {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ} أي ولا تطع يا محمد كثير الحلف بالحق والباطل، الذي يكثر من الحلف مستهيناً بعظمة الله {مَهِينٍ} أي فاجر حقير {هَمَّازٍ} أي مغتاب يأكل لحوم الناس بالطعن والعيب {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} أي يمشي بالنميمة بين الناس، وينقل حديثهم ليوقع بينهم وهو الفنان، وفي الحديث الصحيح (لا يدخل الجنة نمام) {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} أي بخيل ممسك عن الإِنفاق في سبيل الله {مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} أي ظالم متجاوز في الظلم والعدوان، كثير الآثام والإِجرام، وجاءت الأوصاف {حلاف، هماز مشاء، مناع} بصيغة المبالغة للدلالة على الكثرة {عُتُلٍّ} أي جاف غليظ، قاسي القلب عديم الفهم {بَعْدَ ذَلِكَ} أي بعد تلك الأوصاف الذميمة التي تقدمت {زَنِيمٍ} أي ابن زنا، وهذه أشد معايبه وأقبحُها، أنه لصيق دعي ليس له نسب صحيح، قال المفسرون: نزلت في "الوليد بن المغيرة" فقد كان دعياً في قريش وليس منهم، ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة - أي تبناه ونسبه لنفسه بعد أن كان لا يعرف له أب - قال ابن عباس: لا نعلم أحداً وصفه الله بهذه العيوب غير هذا، فألحق به عاراً لا يفارقه أبداً، وإِنما ذَمَّ بذلك لأن النطفة إِذا خبثت خبث الولد، وروي أن الآية لما نزلت جاء الوليد إلى أمه فقال لها: إن محمداً وصفني بتسع صفات، كلها ظاهرة فيَّ اعرفها غير التاسع منها يريد أنه {زَنِيم} فإن لم تصدقيني ضربت عنقك بالسيف، فقالت له: إن أباك كان عنيناً - أي لا يستطيع معاشرة النساء - فخفت على المال فمكنت راعياً من نفسي فأنت ابن ذلك الراعي، فلم يعرف أنه ابن زنا حتى نزلت الآية {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} أي لأن كان ذا مال وبنين قال في القرآن ما قال، وزعم أنه أساطير الأولين؟ وكان ينبغي أن يقابل النعمة بالشكر لا بالجحود والتكذيب {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءاياتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} أي إذا قرئت ءايات القرآن على ذلك الفاجر قال مستهزئاً ساخراً: إنها خرافات وأباطيل المتقدمين اختلقها محمد ونسبها إلى الله، قال تعالى رداً عليه متوعداً له بالعذاب {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} أي سنجعل له علامة على أنفه بالخطم عليه يعرف بها إلى موته، وكنى بالخرطوم عن أنفه على سبيل الاستخفاف به، لأن الخرطوم للفيل والخنزير، فإذا شبه أنف الإِنسان به كان ذلك غاية في الإِذلال والإِهانة كما يعبر عن شفاه الناس بالمشافر، وعن أيديهم وأرجلهم بالأظلاف والحوافر، قال ابن عباس: سنخطم أنفه بالسيف فنجعل ذلك علامة باقية على أنفه ما عاش، وقد خطم يوم بدر بالسيف، قال الإِمام الفخر الرازي: لما كان الوجه أكرم موضع في الجسد، والأنف أكرم موضع من الوجه لارتفاعه عليه، ولذلك جعلوه مكان العز والحمية واشتقوا منه الأَنفَة، وقال في الذليل: رغم أنفه، فعبر بالوسم على الخرطوم عن غاية الإِذلال والإِهانة، لأن السمة على الوجه شين، فكيف على أكرم موضع من الوجه!!





سبب النزول:

نزول الآية (17):

{إنا بلوناهم ..}: أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج أن أبا جهل قال يوم بدر: خذوهم أخذاً، فاربطوهم في الحبال، ولا تقتلوا منهم أحداً، فنزلت: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة} أي في قدرة أهل مكة على المؤمنين، كما اقتدر أصحاب الجنة على الجنة.



قصة أصحاب الحديقة



{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ(17)وَلا يَسْتَثْنُونَ(18)فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ(19)فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ(20)فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ(21)أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ(22)فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ(23)أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ(24)وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ(25)فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ(26)بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ(27)قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ(28)قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ(29)فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ(30)قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ(31)عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ(32)كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(33)}



ثم ذكر تعالى قصة أصحاب الحديقة وما ابتلاهم تعالى به من إتلاف الزروع والثمار وضربه مثلاً لكفار مكة فقال {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} أي إنا اختبرنا أهل مكة بالقحط والجوع بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اختبرنا أصحاب البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه، وكلفنا أهل مكة أن يشكروا ربهم على النعم، كما كلفنا أصحاب الجنة أن يشكروا ويعطوا الفقراء حقوقهم، قال المفسرون: كان لرجل مسلم بقرب صنعاء بستان فيه من أنواع النخيل والزروع والثمار، وكان إذا حان وقت الحصاد دعا الفقراء فأعطاهم نصيباً وافراً منه وأكرمهم غاية الإِكرام فلما مات الأب ورثه أبناؤه الثلاثة فقالوا: عيالنا كثير والمال قليل ولا يمكننا أن نعطي المساكين كما كان يفعل أبونا، فتشاوروا فيما بينهم وعزموا على ألا يعطوا أحداً من الفقراء شيئاً، وأن يجنوا ثمرها وقت الصباح خفية عنهم، وحلفوا على ذلك، فأرسل الله تعالى ناراً على الحديقة ليلاً أحرقت الأشجار وأتلفت الثمار، فلما أصبحوا ذهبوا إلى حديقتهم فلم يروا فيها شجراً ولا ثمراً، فظنوا أنهم أخطأوا الطريق، ثم تبين لهم أنها بستانهم وحديقتهم وعرفوا أن الله تعالى عاقبهم فيها بنيتهم السيئة، فندموا وتابوا بعد أن فات الأوان {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} أي حين حلفوا ليقطعن ثمرها وقت الصباح، قبل أن يخرج إليهم المساكين {وَلا يَسْتَثْنُونَ} أي ولم يقولوا إن شاء الله حين حلفوا، كأنهم واثقون من الأمر {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ} أي فطرقها طارق من عذاب الله، وهم في غفلة عما حدث لأنهم كانوا نياماً، قال الكلبي: أرسل الله عليها ناراً من السماء فاحترقت وهم نائمون {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} أي فأصبحت كالزرع المحصود إذا أصبح هشيماً يابساً، قال ابن عباس: أصبحت كالرماد الأسود، قد حرموا خير جنتهم بذنبهم {فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ} أي نادى بعضهم بعضاً حتى أصبحوا ليمضوا على الميعاد إلى بستانهم {أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ} أي اذهبوا مبكرين إلى ثماركم وزروعكم وأعنابكم إن كنتم حاصدين للثمار تريدون قطعها {فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ} أي فانطلقوا نحو البستان وهم يخفون كلامهم خوفاً من أن يشعر بهم المساكين قائلين {أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} أي لا تدخلوا في هذا اليوم أحداً من الفقراء إلى البستان ولا تمكنوه من الدخول {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} أي ومضوا على قصد وقدرة في أنفسهم يظنون أنهم تمكنوا من مرادهم، قال ابن عباس: {عَلَى حَرْدٍ} على قدرة وقصد، وقال السدّيّ: على حنق وغضب، وقال الحسن: على فاقة وحاجة، وقول ابن عباس أظهر {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ} أي فلما رأوا حديقتهم سوداء محترقة، قد استحالت من النضارة والبهجة إلى السواد والظلمة، قالوا لقد ضللنا الطريق إليها وليست هذه حديقتنا، قال أبو حيان: كان قولهم ذلك في أول وصولهم إليها، أنكروا أنها هي واعتقدوا أنهم أخطأوا الطريق، ثم وضح لهم أنها هي وأنه أصابها من عذاب الله ما أذهب خيرها فقالوا عند ذلك {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} أي لسنا مخطئين للطريق بل نحن محرومون، حرمنا ثمرها وخيرها بجنايتنا على أنفسنا {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ}؟ أي قال أعقلهم وأفضلهم رأياً: هلا تسبحون الله فتقولون "سبحان الله" أو "إن شاء الله"، قال أبو حيّان: نبههم ووبخهم على تركهم ما حضهم عليه من التسبيح، ولو ذكروا الله وإحسانه إليهم لامتثلوا ما أمر به من مواساة المساكين، واقتفوا سنة أبيهم في ذلك، فلما غفلوا عن ذكر الله وعزموا على منع المساكين ابتلاهم الله، وقال الرازي: إن القوم حين عزموا على منع الزكاة واغتروا بمالهم وقوتهم، قال الأوسط لهم توبوا عن هذه المعصية قبل نزول العذاب، فلما رأوا حالة البستان ذكرهم بالكلام الأول، فاشتغلوا بالتوبة ولكن بعد خراب البصرة {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} أي فقالوا حينئذٍ: تنزه الله ربنا عن الظلم فيما فعل، بل نحن كنا الظالمين لأنفسنا في منعنا حق المساكين {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ} أي يلوم بعضهم بعضاً يقول هذا أنت أشرت علينا بهذا الرأي، ويقول ذاك: بل أنت، ويقول آخر: أنت الذي خوفتنا الفقر ورغبتنا في جمع المال، فهذا هو التلاوم {قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ} أي قالوا يا هلاكنا وتعاستنا إن لم يغفر لنا ربنا، فقد كنا عاصين وباغين في منعنا الفقراء، وعدم التوكل على الله، قال الرازي: والمراد أنهم استعظموا جرمهم {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا} أي لعل الله يعطينا أفضل منها بسبب توبتنا واعترافنا بخطيئتنا {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} أي فنحن راجون لعفوه، طالبون لإِحسانه وفضله .. ساق تعالى هذه القصة ليعلمنا أن مصير البخيل ومانع الزكاة إلى التلف، وأنه يضن ببعض ماله في سبيل الله فيهلك كل ماله مصحوباً بغضب الله، ولذلك عقب تعالى بعد ذكر هذه القصة بقوله {كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} أي مثل هذا العذاب الذي نزل بأهل الجنة ينزل بقريش، ولعذاب الآخرة أعظم وأشد من عذاب الدنيا لو كان عندهم فهم وعلم، قال ابن عباس: هذا مثل لأهل مكة حين خرجوا إلى بدر، وحلفوا ألا يرجعوا إلى مكة حتى يقتلوا محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويشربوا الخمور، وتضرب القينات - المغنيات - على رؤوسهم، فأخلف الله ظنهم، فقتلوا وأُسروا وانهزموا كأهل هذه الجنة لما خرجوا عازمين على الصرام فخابوا .



جزاء المؤمنين المتقين



{إِنَّ لِلْمتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ(34)أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35)مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(36)أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ(37)إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ(38)أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ(39)سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ(40)أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ(41)يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ(42)خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ(43)}

بـــشـــرى
27-03-2005, 08:31 PM
ثم أخبر تعالى عن حال المؤمنين المتقين بعد أن ذكر حال المجرمين من كفار مكة فقال {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} أي إن للمتقين في الآخرة حدائق وبساتين ليس فيها إلا النعيم الخالص، الذي لا يشوبه كدر ولا منغص كما هو حال الدنيا {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}؟ الاستفهام للإِنكار والتوبيخ أي أفنساوي بين المطيع والعاصي، والمحسن والمجرم؟ {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}؟ تعجب منهم حيث إنهم يسوُّون المطيع بالعاصي، والمؤمن بالكافر، فإن مثل هذا لا يصدر عن عاقل {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ}؟ أي هل عندكم كتاب منزل من السماء تقرؤون وتدرسون فيه {إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ} هذه الجملة مفعول لتدرسون أي تدرسون في هذا الكتاب ما تشتهون وتطلبون؟ وهذا توبيخ آخر للمشركين فيما كانوا يزعمونه من الباطل حيث قالوا: إن كان ثمة بعث وجزاء، فسنعطى خيراً من المؤمنين كما أعطينا في الدنيا، قال الطبري: وهذا توبيخ لهؤلاء القوم وتقريع لهم فيما كانوا يقولون من الباطل، ويتمنون من الأماني الكاذبة {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي هل لكم عهود ومواثيق مؤكدة من جهتنا ثابتة إلى يوم القيامة؟ {إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} هذا جوابه أي إن لكم الذي تريدونه وتحكمون به؟ قال ابن كثير: المعنى أمعكم عهود ومواثيق مؤكدة أنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون {سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} أي سل يا محمد هؤلاء المكابرين أيهم كفيل وضامن بهذا الذي يزعمون؟ وفيه نوع من السخرية والتهكم بهم، حيث يحكمون بأمور خارجة عن العقول، يرفضها المنطق وتأباها العدالة {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} أي أم لهم شركاء وأرباب يكفلون لهم بذلك، فليأتوا بهم إن كانوا صادقين في دعواهم، قال ابن جزي: وهذا تعجيز للكفار والمراد إن كان لكم شركاء يقدرون على شيء، فأتوا بهم وأحضروهم حتى نرى حالهم .. ولما أبطل مزاعمهم وسفه أحلامهم، شرع في بيان أهوال الآخرة وشدائدها فقال {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} أي اذكر يا محمد لقومك ذلك اليوم العصيب الذي يكشف فيه عن أمر فظيع شديد في غاية الهول والشدة، قال ابن عباس: هو يوم القيامة يوم كرب وشدة، قال القرطبي: والأصل فيه أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد شمر عن ساقه، فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة كقول الراجز:

قد كشفت عن ساقها فشدوا وجدَّت الحرب بكم فجدوا

{وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} أي ويدعى الكفار للسجود لرب العالمين فلا يستطيعون لأن ظهر أحدهم يصبح طبقاً واحداً، وفي الحديث (يسجد لله كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً) {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} أي ذليلة متواضعة أبصارهم لا يستطيعون رفعها {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} أي تغشاهم وتلحقهم الذلة والهوان {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} أي والحال أنهم كانوا في الدنيا يدعون إلى السجود وهم أصحاء الأجسام معافون فيأبون، قال الإِمام الفخر الرازي: لا يدعون إلى السجود تعبداً وتكليفاً، ولكن توبيخاً وتعنيفاً على تركهم السجود في الدنيا، ثم إنه تعالى يسلب عنهم القدرة على السجود ويحول بينهم وبين الاستطاعة حتى تزداد حسرتهم وندامتهم على ما فرطوا فيه، حين دعوا إليه في الدنيا وهم سالمو الأطراف والمفاصل.



تخويف الكفار من قدرة الله، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر



{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ(44)وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ(45)أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ(46)أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ(47)فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ(48)لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ(49)فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ(50)وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ(51)وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(52)}



{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} أي اتركني يا محمد ومن يكذب بهذا القرآن لأكفيك شره وأنتقم لك منه!! وهذا منتهى الوعيد {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} أي سنأخذهم بطريق الاستدراج بالنعم، إلى الهلاك والدمار، من حيث لا يشعرون، قال الحسن: كم من مفتون بالثناء عليه، وكم من مغرور بالستر عليه، قال الرازي: الاستدراج أن يستنزله إليه درجة حتى يورطه فيه، فكلما أذنبوا ذنباً جدَّد الله لهم نعمة وأنساهم الاستغفار، فالاستدراج إنما حصل لهم من الإِنعام عليهم، لأنهم يحسبونه تفضيلاً لهم على المؤمنين، وهو في الحقيقة سبب لهلاكهم {وَأُمْلِي لَهُمْ} أي أُمهلهم وأُطيل في أعمارهم ليزدادوا إثماً {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي إن انتقامي من الكافرين قوي شديد وفي الحديث (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) ثم قرأ صلى الله عليه وسلم {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} وإنما سمى إحسانه كيداً كما سماه استدارجاً لكونه في صورة الكيد، فما وقع لهم من سعة الأرزاق، وطول الأعمار، وعافية الأبدان، إحسانٌ في الظاهر، وبلاء في الباطن، لأن المقصود معاقبتهم وتعذيبهم به {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} أي أتسألهم يا محمد غرامة مالية على تبليغ الرسالة، فهم معرضون عن الإِيمان بسبب ذلك التكليف الثقيل ببذلهم المال؟ والغرض توبيخهم في عدم الإِيمان فإن الرسول لا يطلب منهم شيئاً من الأجر، قال الخازن: المعنى أتطلب منهم أجراً فيثقل عليهم حمل الغرامات في أموالهم فيثبطهم عن الإِيمان {أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} أي أم هل عندهم اللوح المحفوظ الذي فيه الغيب، فهم ينقلون منه أنهم خير من أهل الإِيمان، فلذلك أصروا على الكفر والطغيان؟ وهو استفهام على سبيل الإِنكار والتوبيخ {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} أي فاصبر يا محمد على أذاهم، وامض لما أُمرت به من تبليغ رسالة ربك {وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} أي ولا تكن في الضجر والعجلة، كيونس بن متى عليه السلام، لما غضب على قومه لأنهم لم يؤمنوا فتركهم وركب البحر ثم التقمه الحوت، وكان من أمره ما كان {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} أي حين دعا ربه في بطن الحوت وهو مملوء غماً وغيظاً بقوله {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين}{لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ} أي لولا أن تداركته رحمة الله {لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ} أي لطرح في الفضاء الواسع الخالي من الأشجار والجبال، وهو ملام على ما ارتكب، ولكن الله أنعم عليه بالتوفيق للتوبة فلم يبق مذموماً {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} أي فاصطفاه ربه واختاره لنفسه فجعله من المقربين، قال ابن عباس: رد الله إليه الوحي وشفعه في قومه {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} أي ولقد كاد الكفار من شدة عداوتهم لك يا محمد أن يصرعوك بأعينهم ويهلكوك، من قولهم نظر إلي نظراً كاد يصرعني، قال ابن كثير: وفي الآية دليل على أن العين وإصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل، ويؤيده حديث (لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين) {لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} أي حين سمعوك تقرأ القرآن، ويقولون من شدة بغضهم وحسدهم لك: إن محمداً مجنون، قال تعالى رداً عليهم {وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} أي وما هذا القرآن المعجز إلا موعظة وتذكير للإِنس والجن، فكيف ينسب من نزل عليه إلى الجنون؟! ختم تعالى السورة ببيان عظمة القرآن، كما بدأها ببيان عظمة الرسول، ليتناسق البدء مع الختام في أروع بيان وأجمل ختام.

بـــشـــرى
27-03-2005, 08:34 PM
يوم الأحد - حلقة الوتين - سورة البقرة

38 - 42
((قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً)) إنما كرر الأمر بالهبوط توطئةً لموضوعٍ آخرٍ وهو الهداية بعد ذكر المقر والمتاع، كما يقال: "قلت له: اذهب تربح. قلت له: اذهب تسلم." ((فَإِمَّا)) أصله "إن" الشرطية، و"ما" الزائدة دخلت عليها لتصحيح نون التأكيد، يعني فإن ((يَأْتِيَنَّكُم)) أيها البشر الذي في صلب آدم ((مِّنِّي هُدًى)) يهديكم إلى الحق ((فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)) في الدنيا ولا في الآخرة ((وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ))، إذِ الخوف الكامل إنما يكون من أمرٍ مكروه ولا يُعوض، وكذلك الحزن ومصائب المؤمنين تعوض، فلا خوف كامل منها، والفرق بين الخوف والحزن أن الأول لأمر مترقب، والثاني لأمر حادث -غالباً - ولا مانع من الخطاب إلى المعدوم إذا كان المقصود منه الوصول إليه بعد وجوده، هذا مع الغض عن عالم الذر، كاللا مانع من الجمع بين "إن" و"نون التوكيد" إذا المعنى إن أتاكم إتياناً قطعياً مقابل الإتيان المظنون.

((وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا)) فلم يؤمنوا بعد أن تمت عليهم الحجة، ولعل هذا سر قوله: "كذبوا" بعد "كفروا"، إذِ الكفر لا يلازم التكذيب إذا كان عن القصور ((أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) أبداً، ولا يخفى أن المقصر المعاند خالداً أبداً، أما غيره فيمتحن هناك.

ولما أتم القرآن الكريم قصة آدم واستخلافه في الأرض وجّه الكلام إلى بني إسرائيل الذين هم النموذج للجنس البشري، وقد أتتهم الأنبياء هدىً، وأنعم عليهم الله تعالى، فكفروا بالنعم، وقتلوا الأنبياء. ليكون فذلكة لقصة آدم ودرساً لأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ)) هم اليهود، وإسرائيل اسم يعقوب النبي (عليه السلام)، نُسبوا إلى أبيهم الأعلى كما نُسب البشر إلى أبيهم الأعلى في قوله: (يا بني آدم). ((اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)) وحيث لم يذكر المتعلق أفاد العموم، فيشمل كل نعمة مادية أو معنوية، ((وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي))، وحيث لم يذكر المتعلق أفاد كل عهدٍ عهده، سواء كان ذلك وقت أخذ موسى (عليه السلام) عنهم العهد بالإيمان بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، أم كان وقت أخذ الله عنهم العهد في عالم الذر، ثم أودع فيهم الفطرة دليلاً عليه، ((أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)) بإعطائكم الدنيا والآخرة، فإن الله سبحانه ضمن لمن وفّى بعهده أن يعمر دنياه وآخرته، ((وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)) الرهبة هي الخوف، يعني يجب أن يكون الخوف من الله سبحانه لا من الناس.

((وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ)) من القرآن ((مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ)) من التوراة، فإن التوراة الأصلية كانت مصدقة - حتى في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) - إلا ما نسخ منها، والنسخ ليس إبطالاً لها، كما أن نسخ بعض أحكام في القرآن - على القول به - ليس إبطالاً له، ((وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ)) أي أول من يكفر بما أَنزلتُ، وإنما كانوا أول كافر لأنهم - بسبب عملهم - كانوا مرجعاً للجهّال، فيكون كفر الجهّال في المرتبة الثانية. ((وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً)) أي بمقابل آياتي، بأن تعطوا الآيات - بمعنى عدم الإيمان بها - في مقابل ثمن قليل، وهو رئاسة الدنيا، وكونها قليلاً واضح لانقطاعها. ((وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)) فالتقوى يجب أن تكون منه تعالى، إلا أن تكون الاتقّاء من غيره، لأن الله بيده النفع والضر دون غيره، كما قال تعالى: (قل كل من عند الله).

((وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ)) البس هو التعمية، أي لا تخلطوا الحق بالباطل، فتأخذوا ببعض التوراة الذي هو في نفعكم، وتتركوا بعضها الذي يضركم، وهو بعض الأحكام التي تركوها، ومنها التبشير بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ((وَ)) لا ((تَكْتُمُواْ الْحَقَّ)) الذي هو أوصاف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعض الأحكام الأُخَرْ كما قال سبحانه (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين)، ((وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)) بصنعكم وأنه تلبيس المحق بالباطل وكتمان الحق

بـــشـــرى
27-03-2005, 08:37 PM
يوم الأحد - حلقة الجود - سورة آل عمران


((تُولِجُ ))، أي تُدخل ((اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ )) فيأخذ الليل مكان النهار، فيما ينقص اليوم ويزيد الليل، أو فيما إذا جاء الليل وذهب النهار، وهو كناية إذ ليس الإدخال حقيقة ((وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ )) بأحد المعنيين السابقين ((وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ )) كما يخرج النبات الحي من الحبّ الميت والأرض الميتة، أو يُخرج الجنين الحي من الأم الميتة كما قد تموت الأم ويخرج الولد منها حياً ((وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ )) كما يخرج الحب الميت من النبات الحي والبيضة الميتة من الدجاجة والولد الميت من المرأة الحية إذا مات الجنين في بطنها، وفي التأويل إخراج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ((وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء )) من عبادك وخلقك ((بِغَيْرِ حِسَابٍ))، أي بغير تقتير كما يُقال "فلان ينفق بغير حساب" أو بلا حساب من المنفق عليه وإن كل شيء عنده تعالى بحساب.

وحيث ثبت أن المُلك بيد الله والعزّة والذلّة منه فـ ((لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء )) بأن يصادق المؤمن الكافر بزعم أن ينفعه لأن بيد الكافر الملك أو أنه يسبّب عزّته وشوكته ((مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ ))، أي من دون أن يتخذ المؤمنين أولياء بل اللازم أن يتخذ المؤمن المؤمن ولياً ويتخذ الكافر عدواً ((وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ )) الإتخاذ للكافر ولياً ((فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ ))، أي ليس ذا قدر عند الله سبحانه ((إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً )) ((وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ))، أي يخوّفكم الله من نفسه فإنّ من يتّخذ الكافر ولياً يشمله عقاب الله سبحانه ((وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ))، أي المرجع فمن عصاه يجازيه بالنار والعذاب.

((قُلْ )) يارسول الله للمسلمين ((إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ ))، أي نواياكم وما في قلوبكم، كما إتخذتم الكافر ولياً في قلبكم مما لم يعلم به الناس ((أَوْ تُبْدُوهُ ))، أي تظهروه ((يَعْلَمْهُ اللّهُ )) فإنه العالم بالنوايا وما في الصدور ((وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ )) فهو العالم بكل شيء فكيف لا يعلم ما في صدوركم ((وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) فهو العالم بالنوايا والقادر على العقاب فمن الجدير بالمسلم أن لا يتّخذ الكافر ولياً أو المؤمن عدواً حتى في قلبه إذ يعلمه الله ويقدر على عقابه.

بـــشـــرى
28-03-2005, 06:34 PM
يوم الإثنين - حلقة الوتين - سورة البقرة

43 - 48

((وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ)) كما يأمر الإسلام ((وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ)) الذين هم المسلمون.


((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ))؟ استفهام إنكاري، أي لم تأمرون الناس بالأعمال الخيرية ((وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ)) فلا تعلمون بها، والنسيان كفاية عن عدم العمل لشبهٍ به في النتيجة كما قال سبحانه (نسوا الله فنسيهم)، فقد كان اليهود يخالفون أحكام التوراة، ويرتشون ويفسدون ويكذبون، ((وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ)) جملة حالية، أي والحال أنتم تقرأون كتاب الله، فاللازم أن تكونوا أول العاملين به، ((أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)) أي ألا تعلمون أن ما تأتون به قبيح؟


((وَاسْتَعِينُواْ)) في رجوعكم عن دينكم وإلغائكم لرؤسائكم - بما يجر ذلك عليكم من سلب بعضكم دنياكم ((بِالصَّبْرِ)) فإنكم إذا صبرتم على ما تكرهون من اتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عاد ذلك عليكم بخير مما أنتم فيه، ((وَالصَّلاَةِ)) فإن الصلاة توجب تهدئة النفس واطمئنان الخاطر (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، ((وَإِنَّهَا)) أي الاستعانة بالصبر والصلاة ((لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)) فإن الصبر ليس أمراً هيناً، والصلاة الكاملة ليست عملاً سهلاً، إنما قيدنا الصلاة بالكاملة، لأنها هي التي يستعان بها، أو أن المراد الصلوات اليومية، وهي صعبة جداً إلا على الذين يخشون الله سبحانه

ثم فسر الخاشعين بأنهم ((الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ))، الظن بمعنى اليقين وإما بمعنى الرجحان، ولعل السر في هذا التعبير نون اليقين، للإشارة إلى أن أدنى مراتب الرجحان يوجب الخشوع، فإن من يظن أنه يلاقي الملك لعبثه <لبعثه> ذلك على التهيئة، فكيف بمن يظن أنه يلاقي مالك الملوك؟ وملاقات الله كناية عن الحضور للمحاسبة، وإلا فالله سبحانه ليس أدنى إلى الناس في القيامة منه إليهم في الدنيا، ((وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)) والرجوع إليه معنوي كما تقدم
((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)) تكرار للتركيز والإلفات، فإن الإنسان ربما كان غافلاً حين التذكير الأول، فيذكر ثانياً وثالثاً، بالإضافة إلى أن النفس إذا كُررت عليه الموعظة رسخت فيها، ((وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)) التفضيل على عالمي<ن> زمانهم لا على كل العوالم، فإن الظاهر من هكذا تفضيلات هو الاختصاص، فلو قيل أن الدولة الفلانية أقوى الدول، لم يُفهم منه إلا الأقوائية من الدول المعاصرة لها لا كل دولت أتت وتأتي، ثم أن تفضيلهم على العالمين إنما كان لأجل إيمانهم بموسى، بينما كان العالم بين كافر به عناداً - كفرعون ومن تبعه - أو جهلاً كمن كان في البلاد البعيدة التي لم تبلغهم دعوة موسى فكانوا قاصرين.


((وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً)) أي لا تُغني، فلا تدفع نفس عن نفس مكروهاً، وإنما الأمر كله لله، حتى الشفاعة تكون بإذنه، والمراد بذلك اليوم القيامة، ومعنى التقوى منه الاستعداد له، ((وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا)) أي من النفس ((شَفَاعَةٌ)) إلا إذا أذن الله للشفيع ((وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا)) أي من النفس ((عَدْلٌ)) أي فدية، وإنما سميت الفدية عدلاً لأنها تعادل المُفَدّى ((وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ)) فإن طريق الخلاص في الدنيا إحدى هذه الأربعة، وليست شيء منها في الآخرة، إلا إذا أذن الله في الشفاعة، وعدم الاستثناء من "شفاعة" لأجل أن المراد منها الشفاعات الارتجالية كما هو المعتاد في الدنيا.

بـــشـــرى
28-03-2005, 06:38 PM
يوم الإثنين - حلقة الجود - سورة آل عمران

30 - 34

إذكروا أيها الناس ((يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا ))، أي تجد كل أعماله الخيرية كما قال سبحانه (ووجدوا ما عملوا حاضرا) ومعنى حضور العمل حضور حساباتها وثوابها وعقابها أو تجسّم الأعمال -كما ذهب إلى ذلك بعض- ((وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ ))، أي تجد أعماله السيئة حاضرة ((تَوَدُّ )) تلك النفس العاصية ((لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا ))، أي بين النفس ((وَبَيْنَهُ))، أي بين ما عملت من سوء ((أَمَدًا بَعِيدًا ))، أي مكاناً بعيداً تشبيه بالأمر المحسوس فكما أن المتباعدين لا يتلاقيان فعلاً كذلك لو كان العمل السيء بعيداً عن عامله ((وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ)) حتى تخافوا من عقابه فتتّقوه (( وَاللّهُ رَؤُوفُ )) ذو رأفة ورحمة ((بِالْعِبَادِ)) ومن رأفته يحذّركم عن المعاصي حتى لا يأخذكم وبالها وعاقبتها.


((قُلْ )) يارسول الله ((إِن كُنتُمْ )) أيها المسلمون، أو ياأهل الكتاب ((تُحِبُّونَ اللّهَ )) حقيقة وتصدّقون في مقالتكم هذه ((فَاتَّبِعُونِي )) فيما آمر وأنهي ((يُحْبِبْكُمُ اللّهُ )) فإنّ الله لا يحب إلا من تَبِعَ رسوله في أوامره ونواهيه وإلا مجرد دعوى حب الله بلا شاهد وحقيقة لا يكفي في حب الله تعالى للمدّعي ((وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )) فإنّ مَن أحسن واتّبع الرسول يغفر ذنبه ويمحي سيّئته ((وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) بعباده.


((قُلْ )) يارسول الله ((أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ )) وإطاعة الله سبحانه هي إطاعة الرسول، لكن ذكر ذلك تعظيماً للأمر وإردافاً لإطاعة الرسول بذلك كما قال (فإنّ لله خُمُسه وللرسول) مع إن خُمس الله إنما هو للرسول، ويحتمل أن يكون ذِكر الله والرسول لإفادة وحدة الجهة أي إنّ الله والرسول لهما إطاعة واحدة فهو من قبيل "أطِع العلماء" لا من قبيل "أطِع العالِم" أو "أطِع أباك" ((فإِن تَوَلَّوْاْ )) وأعرضوا فلم يطيعوا ((فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)) الذين يُعرضون عن أوامر الله وأوامر رسوله، ومعنى "لا يحبهم" أنه يُبغضهم لا النفي للحب فقط المجامع لعدم البغض.


وحيث أن الكلام حول وحدة الدين وأنه هو الإسلام والتعريض بالكفار وأخيراً إنتهى المطاف إلى ميزان حب الله سبحانه ناسب السياق ذكر بعض الأفراد الذين إختارهم الله سبحانه أليسوا هم جميعاً قادة دين واحد المنتهى إلى المسلمين فمن اللازم أن يعرفوهم ويقدّروهم، فقال سبحانه ((إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى ))، أي إختار لرسالته ووحيه وجعلهم أنبياء مرشدين ((آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ )) الأنبياء الذين من نسله إسحاق وإسماعيل ويعقوب ويوسف وعيسى ومحمد (صلوات الله عليهم أجمعين) ((وَآلَ عِمْرَانَ )) موسى وهارون (عليهما السلام) ((عَلَى الْعَالَمِينَ)) وإنما خصّص هؤلاء الأنبياء لكون آدم أبو البشر ونوح وآل عمران بما فيهم إبراهيم -فإنه يُقال آل فلان للأعم منه ومن آله- وآل عمران الذين فيهم الأنبياء أولوا العزم هم مدار الرسالات العالمية.

حال كون نوح وآل إبراهيم وآل عمران ((ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ )) في أداء الرسالة ومناصرة الدين وإرشاد الناس، فإنّ من خرج عن دين آبائه ليس منهم كما قال سبحانه (إنه ليس من أهلك) بخلاف من اتّبع آبائه ((وَاللّهُ سَمِيعٌ )) لما تقوله الذرّيّة ((عَلِيمٌ)) بضمائرهم وأعمالهم ولذا فضّلهم على من سواهم أن هؤلاء الأنبياء كلهم ذووا خصائص واحدة موروثة من جدهم آدم (عليه السلام) مما تؤهلهم لحمل الرسالة الواحدة التي هي الإسلام.

بـــشـــرى
29-03-2005, 08:04 PM
يوم الثلاثاء - حلقة الوتين - سورة البقرة

49 - 53

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل نعمةً أنعمناها عليكم ((إِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ))، ومن المتعارف أن ينسب الشيء المرتبط ببعض الأمة إلى جميعها، إذ يجمعهم العطف والهدى والانتصار، فيقال: "بنو تميم قتلوا فلانا،" وإنما قتله بعضهم، أو "عشيرة فلان شجعان،" وإنما جماعة منهم كذلك، ولذا قال سبحانه "نجيناكم"، وقد كان التنجية بالنسبة إلى أسلافهم، والمراد بآل الرجل وقومه وخواصه وإنْ لم تكن بينهم قرابة، كما يقال: "آل الله" لأهل البيت (عليهم السلام). ((يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ)) وسامه خسفاً عذباً بمعنى ألقاه فيه، ثم فسر سوء العذاب بقوله: ((يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ)) التذبيح هو التكثير في الذبح، ((وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ)) أي يدعونهن أحياء، فإن فرعون ملك القبط، لما علم من الكهان أنه يولد في بني إسرائيل - الذين كانوا طائفة خاصة من آل يعقوب (عليهم السلام) - أمر بذبح الأولاد، وإبقاء النساء للاسترقاق والنكاح، ((وَفِي ذَلِكُم)) "كم" خطاب فقط، و"ذلك" إشارة، فإذا كان طرف الخطاب واحد يقال: "ذلك"، وإذا كان اثنين يقال: "ذلكما"، وإذ<ا> كانوا جماعة يقال: "ذلكم"، و"ذا" هنا إشارة إلى سوء العذاب ((بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ)) إنها كانت النسبة إلى الله تعالى، لأنه لم يحل بين فرعون وبين هذا العمل، كما يقال أن الأب أفسد ولده إذا لم يحل بينه وبين عمله الفاسد، وعدم حيلولة الله تعالى لأجل الامتحان والاختبار - كما تقدم - والإنجاء إنما كان بإهلاك فرعون وقومه.


((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ)) أي جعلنا فواصل في البحر حتى صارت بين الماء شوارع، وكان عملنا بسببكم ولأجلكم، والمراد بالبحر البحر الأحمر في مصر، وقد كان طول الشوارع التي أسفرت عنها الماء ما يقرب من أربعة فراسخ، فإن موسى (عليه السلام) وبني إسرائيل فروا من فرعون فوصلوا إلى البحر، وعقبهم فرعون وقومه، فأمر الله موسى أن يضرب بعصاه البحر، فضرب، فانحسر الماء عن الشوارع حتى عبر بنو إسرائيل، واتبعهم فرعون وجنوده، ولما توسطوا الماء، وخرج موسى (عليه السلام) وقومه، رجع الماء إلى حالته الأولية، فأغرق فرعون وقومه، ((فَأَنجَيْنَاكُمْ)) من عدوكم ((وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ)) مع فرعون، ولم يذكر تغليباً للآل عليه ((وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ)) كيف أغرقناهم لأجلكم، ولا يخفى أن الإعجاز هين بالنسبة إلى الله سبحانه، فتأويل بعض الناس للمعاجز انهزام مادي غربي.


((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً))، واعد بمعنى أنه وعد، وأن موسى (عليه السلام) قَبِل، ولذا جيء بصيغة المفاعلة، ولا ينافي كون الوعد هنا أربعين ليلة، وفي آية أخرى ثلاثين، فإن هذه آية بالنسبة إلى الوعدين، وفي الآية الأخرى بالنسبة إلى الوعد الأول، فقد كان الله سبحانه وعد موسى أولاً ثلاثين، ثم مدده وأضاف عشراً، والوعد كان لإعطاء الثورة التي فيها أحكام الله وتنظيم أمور بني إسرائيل الذي هو نعمة عظيمة، ((ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ))، أي من بعد موسى (عليه السلام)، أي وقت ذهابه إلى الطور للوعد، فإنهم - بعد ما ذهب موسى (عليه السلام) لميقات ربه - صنعوا عجلاً من ذهب، وجعلوه إلهاً لهم، وسجدوا له، فقابلوا نعم الله عليهم بالكفران وعبادة العجل، ((وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ))، جملة جمالية، والمراد ظلمهم بأنفسهم.


((ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ)) عبادتكم للعجل ((مِّن بَعْدِ ذَلِكَ)) الاتخاذ ((لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) نعمنا عليكم، فتعملوا بأوامرنا.


((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ آتَيْنَا مُوسَى)) نبيكم ((الْكِتَابَ)) وهو التوراة ((وَالْفُرْقَانَ)) أي الفارق بين الحق والباطل، فهو أهم من الكتاب، ((لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) و"لعل" ليس ترجياً من الله سبحانه بل بمعنى عاقبة الترجي.

بـــشـــرى
29-03-2005, 08:07 PM
يوم الثلاثاء - حلقة الجود - سورة آل عمران

35 - 37

وفي هذا الجو يأتي ذكر والدة عيسى (عليهما السلام) وأنها كيف كانت طاهرة زكية بحيث أُهِّلت لإيداع النبي العظيم عندها، إذكر يارسول الله ((إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ )) وهي "حنّة" جدة عيسى (عليه السلام) من الأم ((رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا )) وذلك حين حملت لم تكن تعلم أنها أنثى فنذرت أن تجعل ما في بطنها لخدمة المسجد، ومعنى المرّر الفارغ من الأعمال الدنيوية الصارف جميع أوقاته في خدمة بيت الله سبحانه، وهكذا كان قلب أم مريم عامراً بالإيمان بالله جاعلة أعزّ شيء لديها لله وفي خدمة عباد الله ((فَتَقَبَّلْ مِنِّي)) نذري (( إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ )) لدعائي ((الْعَلِيمُ)) بما في ضميري من صدق وإخلاص.


((فَلَمَّا وَضَعَتْهَا ))، أي وضعت إمرأة عمران جنينها خاب ظنها ورأت أنها أنثى فـ ((قَالَتْ )) في يأس وتبتّل ((رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى )) والأنثى لا تصلح للخدمة ((وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ )) فإنّ الله كان يعلم ذلك منذ كانت جنيناً في بطنها بينما هي لم تعلم إلا بعد الوضع ((وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى )) فالذكر يأتي منه الخدمة ولابأس بحشره في مكان العبادة في المسجد بخلاف الأنثى إذ لا تلائم الرجال ولا تلائم عادتها النسائية المسجد، ثم قالت ((وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ ))، أي جعلت إسمها "مريم" وهي في لغتهم بمعنى العابدة ((وِإِنِّي أُعِيذُهَا ))، أي أجعلها في حفظك وحراستك ((بِكَ وَ)) أُعيذها ((ذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ))، أي المرجوم باللعن والمطرود عن الخير.


((فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا ))، أي تقبّل الله سبحانه مريم مع أنوثتها ((بِقَبُولٍ حَسَنٍ )) حيث قدّر لها السعادة وأن يجعل منها عيسى المسيح (عليه السلام) ((وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ))، أي جعل نشؤها نشئاً حسناً بالفضيلة والأخلاق والعفة والطهارة ((وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ))، أي جعل الله سبحانه كفيلها زكريا وكان زوج خالة مريم وهو من أنبياء الله سبحانه فإنّ أم مريم ذهبت بها إلى المسجد وسلّمتها إلى الأحبار فتنازعوا في كفالتها حتى اقترعوا عليها وخرجت القرعة باسم زكريا فكانت مريم تخدم في صِغرها المسجد حتى إذا بلغت مبلغ النساء إنفصلت عنهم في غرفة خاصة بها بنى لها زكريا في وسط المسجد عالية لا يمكن الوصول إليها إلا بسلّم وكان يأتي بحوائجها كل يوم وكان من غريب أمرها أنه ((كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ )) وهي غرفتها، وسمّي محراباً لأنه محل محاربة النفس والشيطان ((وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً )) فاكهة في غير حينها ((قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا))، أي من أين لكِ هذا الرزق ((قَالَتْ )) مريم ((هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ )) أرسله إليّ الله تعالى من الجنة كرامة لي ((إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ))، أي بغير تقتير أو محاسبة من المرزوق

بـــشـــرى
31-03-2005, 01:48 PM
يوم الإربعاء - حلقة الوتين - سورة البقرة

54 - 57

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ)) الذين عبدوا العجل وقت ذهاب موسى إلى الطور لتلقي الأوامر من الله سبحانه ((<يَا قَوْمِ> إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ)) إلهاً، فإن اتخاذه موجب للغضب والذلة في الحياة الدنيا والآخرة ((فَتُوبُواْ)) توبة ((إِلَى بَارِئِكُمْ)) الذي برأكم وخلقكم وهو إلهكم، ((فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ)) بأن يقتل من لم يعبد العجل من عبده ولو كان قريباً له، فإنه كفارة للقاتل حيث سكت ولم يتكلم وللمقتول حيث عبد العجل، ((ذَلِكُمْ)) القتل ((خَيْرٌ لَّكُمْ))، إذ إن الألم القليل خير من عذاب النار الدائم ((عِندَ بَارِئِكُمْ))، متعلق بخير، أي أن هذا العمل خير عند الله وفي حكمه وإرادته، وذلك مقابل الخير عند الناس الذي هو بالبقاء والعيش في الدنيا، ((فَتَابَ عَلَيْكُمْ)) بعدما سمعتم الأمر بأن تبتم، وقتل بعضكم بعضاً، ومعنى تاب عليكم قبل توبتكم، ((إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) بكم، فلم يغضب عليكم حتى لا يقبل توبتكم أبداً.

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ)) بأن لنا إلهاً خلقنا وبيده أمورنا، أو لن نؤمن لك بأنك نبي مبعوث من قبل الله سبحانه ((حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً))، أي علانيةً وعياناً، فيخبرنا بذلك، وذلك أن موسى اختار من قومه سبعين رجلاُ يحضرون معه إلى الميقات لما طلبت منه بنو إسرائيل ذلك، ولما جاؤوا طلبوا رؤية الله تعالى، ((فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ))، وهي نار تنزل من السماء، أو مادة مذابة من المعدن ونحوه، فتصيب الإنسان فتقتله، إنهم لما طلبوا رؤية الله سبحانه نزلت صاعقة من السماء فقتلتهم جميعاً ((وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ))، حال نزولها، وسبب موتكم، فكان ذلك دليلاً لكم على ذنبكم وخطأكم، ولم يكن موتاً لم يعرف سببه حتى تقولوا أنه أمر طبيعي.


((ثُمَّ بَعَثْنَاكُم)) أي أحييناكم لمّا طلب موسى (عليه السلام) ذلك لئلا يقول الباقي من بني إسرائيل أنه (عليه السلام) قتلهم في الطور ((مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ)) بسبب الصاعقة، ((لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) نعمنا عليكم.


((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل إذ كنتم في التيه حين أُمرتم بحرب العمالقة فعصيتم، فبقيتم في الصحراء مدة مديدة، وكنتم تتأذون من حر الشمس، ولم يكن لكم مأكل فـ((ظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ)) بأن جعلناه سترةً لكم تقيكم من حر الشمس وبرد القمر، ((وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى))، "المن" شيء يشبه "الترنجين"، مادة حلوة، كانت تقع على أشجارهم فيأكلوها، والسلوى طير سماني، وإنزال السماني إما بكون هذه الطير - كان - كثيراً في التيه، فكانوا يصطادونه، أو بأنه كان ينزل عليهم الطير المشوي، وقلنا لكم: ((كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)) طيبٌ مذاقاً وحقيقة، لكونه حلالاً، لكنهم كفروا بعد كل هذه النعم، ((وَمَا ظَلَمُونَا)) بكفرانهم، فإنهم لن يضروا الله شيئاً، ((وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) لأنهم أورثوا لأنفسهم ذلة في الدنيا وعذباً في الآخرة.

بـــشـــرى
31-03-2005, 01:52 PM
يوم الإربعاء - حلقة الجود - سورة آل عمران


((هُنَالِكَ )) الذي رأى زكريا إكرام الله سبحانه لمريم نحو خرق العادة من إرسال الفاكهة إليها ((دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ))، أي من عندك ((ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ))، أي نسلاً صالحاً ((إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء)) وكان زكريا مأيوساً من الأولاد حيث كبر وشاخ وكانت إمرأته عاقراً لكن طلب ودعا مريداً على وجه الإعجاز وخرق العادة.



((فَنَادَتْهُ ))، أي فنادت زكريا ((الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ )) أما المراد المحراب أو نفس المسجد، وسمي محراباً لأنه محل محاربة الشيطان والنفس حيث يريدان صرف الإنسان إلى الدنيا والمسجد يصرفه إلى الآخرة ((أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى )) سمّاه سبحانه بهذا الإسم قبل الولادة في حال كونه ((مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ )) والمراد بالكلمة عيسى (عليه السلام)، أي أن يحيى يصدّق نبوّة عيسى، وأنما سمّي عيسى (عليه السلام) كلمة الله لأنه كان بإلقاء الله إياها إلى مريم، كما تُلقى الكلمة من الفم ((وَسَيِّدًا ))، أي ذو سيادة وشرافة ((وَحَصُورًا )) يحصر نفسه عن الملذّات، أو عن النساء خاصة بمعنى أنه (عليه السلام) كان زاهداً، وكون حصور مدحاً ليحيى (عليه السلام) لأسباب خاصة لا ينافي إستحباب الزواج في الشرائع ((وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ)) الذين يُصلحون ولا يكن فيهم فساد كما هو شأن جميع الأنبياء.


فاستفسر زكريا (عليه السلام) عن كيفية حصول الولد هل يرزقه وهما على ما هما عليه من الحالة أم تتبدّل حالتهما ((قَالَ )) زكريا في جواب الملائكة سائلاً عن الله سبحانه ((رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ ))، أي كيف يكون لي ولد ((وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ ))، أي الشيخوخة ((وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ )) ليس لها قابلية الولادة ((قَالَ )) المَلَك في جوابه ((كَذَلِكَ ))، أي كالحال الذي أنتما عليه من الكِبر والعقر ((اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء)) فإنه قادر على كل شيء.


((قَالَ )) زكريا (عليه السلام) ((رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً ))، أي علامة أُعرف بها وقت الحمل لأزيد شكراً وسروراً أو علامة أعرف بها إستجابة دعائي ليطمئن قلبي وأجده محسوساً ملموساً بعدما وجدته سماعاً بالبشارة ((قَالَ )) المَلَك، أو الله سبحانه يخلق الصوت في الفضاء ((آيَتُكَ ))، اي الدليل على ذلك ((أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ))، أي لا تقدر على التكلم معهم كلما توجّهت إليهم بالكلام يُعقد لسانك ((ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا )) بالإشارة باليد والرأس ((وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا )) فإن سانك لا ينعقد عن الذكر والتسبيح لله سبحانه ((وَسَبِّحْ ))، أي نزِّه الباري تعالى ((بِالْعَشِيِّ )) آخر النهار ((وَالإِبْكَارِ)) أول النهار، من أبكر فهو إسم مفرد لا جمع.

بـــشـــرى
31-03-2005, 01:54 PM
حلقة الأمل - سورة الحاقه

* سورة الحاقة من السور المكية، شأنها شأن سائر السور المكية في تثبيت العقيدة والإِيمان، وقد تناولت أموراً عديدة كالحديث عن القيامة وأهوالها، والساعة وشدائدها، والحديث عن المكذبين وما جرى لهم، مثل قوم عاد، وثمود، وقوم لوط، وفرعون، وقوم نوح، وغيرهم من الطغاة المفسدين في الأرض، كما تناولت ذكر السعداء والأشقياء، ولكنَّ المحور الذي تدور عليه السورة هو "إثبات صدق" القرآن وأنه كلام الحكيم العليم، وبراءة الرسول صلى الله عليه وسلم مما اتهمه به أهل الضلال.



* ابتدأت السورة الكريمة ببيان أهوال القيامة والمكذبين بها، وما عاقب تعالى به أهل الكفر والعناد {الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة كذبت ثمودُ وعادٌ بالقارعة فأمَّا ثمود فأُهلكوا بالطاغية وأمَّا عادٌ فأهلكوا بريحٍ صرصرٍ عاتية ..} الآيات.



* ثم تناولت الوقائع والفجائع التي تكون عند النفخ في الصور، من خراب العالم، واندكاك الجبال، وانشقاق السماوات الخ {فإِذا نُفخ في الصُّور نفخةٌ واحدةٌ وحُملت الأرضُ والجبال فدُكَّتا دكةً واحدة ..} الآيات.



* ثم ذكرت حال السعداء والأشقياء في ذلك اليوم المفزع، حيث يعطى المؤمن كتابه بيمينه، ويلقى الإِكرام والإِنعام، ويعطى الكافر كتابه بشماله، ويلقى الذل والهوان {فأمَّا من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه ... وأما من أوتي كتابه بشماله ..} الآيات.



* وبعد هذا العرض لأحوال الأبرار والفجار، جاء القسم البليغ بصدق الرسول، وصدق ما جاء به من الله، وردّ افتراءات المشركين الذين زعموا أن القرآن سحر أو كهانة {فلا أُقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم}.



* ثم ذكرت البرهان القاطع على صدق القرآن، وأمانة الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغه الوحي كما نزل عليه، بذلك التصوير الذي يهز القلب هزاً، ويثير في النفس الخوف والفزع من هول الموضوع {ولو تقوَّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ..} الآيات.



* وختمت السورة بتمجيد القرآن وبيان أنه رحمة للمؤمنين وحسرة على الكافرين {وإنه لتذكرة للمتقين وإِنه لحسرة على الكافرين وإِنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم}.





تعظيم يوم القيامة وإهلاك المكذبين به



{الْحَاقَّةُ(1)مَا الْحَاقَّةُ(2)وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ(3)كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ(4)فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ(5)وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ(6)سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ(7)فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ(8)وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ(9)فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً(10)إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ(11)لِنَجْعَلَه َا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ(12)}



{الْحَاقَّةُ} اسم للقيامة سميت بذلك لتحقق وقوعها، فهي حقٌ قاطع، وأمر واقع، لا شك فيه ولا جدال {مَا الْحَاقَّةُ}؟ التكرار لتفخيم شأنها، وتعظيم أمرها، وكان الأصل أن يقال: ما هي؟ ولكنه وضع الظاهر موضع الضمير زيادة في التعظيم والتهويل {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ}؟ وما أعلمك يا محمد ما هي القيامة؟ إِنك لا تعلمها إِذ لم تعاينها، ولم تر ما فيها من الأهوال، فإِنها من العظم والشدة بحيث لا يحيط بها وصف ولا خيال، وهذا على طريقة العرب فإنهم إِذا أرادوا تشويق المخاطب لأمرٍ أتوا بصيغة الاستفهام يقولون: أتدري ماذا حدث؟ والآية من هذا القبيل زيادة في التعظيم والتهويل كأنه قال: إِنها شيء مريع وخطب فظيع .. ثم بعد أن عظَّم أمرها وفخّم شأنها، ذكر من كذَّب بها وما حلَّ بهم بسبب التكذيب، تذكيراً لكفار مكة وتخويفاً لهم فقال {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ} أي كذب قوم صالح، وقوم هود بالقيامة، التي تقرع القلوب بأهوالها {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} أي فأمَّا ثمود - قوم صالح - فأُهلكوا بالصيحة المدمرة، التي جاوزت الحدَّ في الشدة، قال قتادة: هي الصيحة التي خرجت عن حدِّ كل صيحة {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} أي وأما عاد - قوم هود - فأُهلكوا بالريح العاصفة ذات الصوت الشديد وهي الدَّبور وفي الحديث (نصرتُ بالصبا، وأُهلكت عادٌ بالدَّبور) (عاتية) أي متجاوزة الحدَّ في الهبوب والبرودة، كأنها عتت على خزانها فلم يتمكنوا من ضبطها، قال ابن عباس: ما أرسل الله من ريح قط إِلا بمكيال، ولا أنزل قطرة قطُّ إِلا بمكيال، إِلا يوم نوحٍ ويوم عاد، فإِن الماء يوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليه سبيل ثم قرأ {إِنَّا لما طغى الماء حملناكم في الجارية} وإِن الريح عتت على خزانها فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} أي سلطها الله عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيام متتابعة لا تفتر ولا تنقطع {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى} أي فترى أيها المخاطب القوم في منازلهم موتى، لا حراك بهم {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} أي كأنهم أصول نخلٍ متآكلة الأجواف، قال المفسرون: كانت الريح تقطع رؤوسهم كما تقطع رءوس النخل، وتدخل من أفواههم وتخرج من أدبارهم حتى تصرعهم، فيصبحوا كالنخلة الخاوية الجوف {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ}؟ أي فهل ترى أحداً من بقاياهم؟ أو تجد لهم أثراً؟ لقد هلكوا عن آخرهم كقوله تعالى {فأصبحوا لا يُرى إِلا مساكنهم} {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ} أي وجاء فرعون الجبار، ومن تقدَّمه من الأمم الطاغية التي كفرت برسلها {وَالْمُؤْتَفِكَاتُ} أي والأمم الذين انقلبت بهم ديارهم - قرى قوم لوط - حيث جعل الله عاليها سافلها، قال الصاوي: {وَالْمُؤْتَفِكَاتُ} أي المنقلبات وهي قرى قوم لوط، التي اقتلعها جبريل ورفعها على جناحه قرب السماء ثم قلبها، وكانت خمس قرى {بِالْخَاطِئَةِ} أي بالفعلة الخاطئة المنكرة، وهي الكفر والعصيان {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ} أي فعصى فرعون رسول الله موسى، وعصى قوم لوطٍ رسولهم لوطاً {فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً} أي فأخذهم الله أخذةً زائدةً في الشدة، على عقوبات من سبقهم، كما أن جرائمهم زادت في القبح والشناعة على سائر الكفار {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} أي لما تجاوز الماء حدَّه حتى علا كل شيء وارتفع فوقه حملناكم في السفينة {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً} أي لنجعل تلك الحادثة عظةً للناس وعبرة، تدل على انتقام الله ممن كذَّب رسله {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} أي وتحفظها وتذكرها أذن واعية للمواعظ، تنتفع بما تسمع، قال القرطبي: والمقصود من قصص هذه الأمم وذكر ما حلَّ بهم من العذاب، زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا ختم الآية بقوله {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} قال قتادة: الواعية هي التي عقلت عن الله وانتفعت بما سمعت من كتاب الله عزّ وجّل.



أهوال يوم القيامة



{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ(13)وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً(14)فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ(15)وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ(16)وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ(17)يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ(18)}



ولما ذكر قصص المكذبين، أتبعه بذكر أهوال القيامة وشدائدها فقال {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} أي فإِذا نفخ إِسرافيل في الصور نفخةً واحدة لخراب العالم، قال ابن عباس: هي النفخة الأولى التي يحصل عنها خراب الدنيا {وَحُملَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} أي ورفعت الأرض والجبال عن أماكنها، فضرب بعضها ببعضٍ حتى تندق وتتفتَّت وتصير كثيباً مهيلاً {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} أي ففي ذلك الحين قامت القيامة الكبرى، وحدثت الداهية العظمى {وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} أي وانصدعت السماء فهي يومئذٍ ضعيفة مسترخية، ليس فيها تماسك ولا صلابة {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} أي والملائكة على أطرافها وجوانبها، قال المفسرون: وذلك لأن السماء مسكن الملائكة، فإذا انشقت السماء وقفوا على أطرافها فزعاً مما داخلهم من هول ذلك اليوم، ومن عظمة ذي الجلال، الكبير المتعال {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} أي ويحمل عرش الرحمن ثمانية من الملائكة العظام فوق رءوسهم، وقال ابن عباس: ثمانية صفوفٍ من الملائكة لا يعلم عددهم إِلا الله {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} أي في ذلك اليوم الرهيب، تعرضون على ملك الملوك ذي الجلال للحساب والجزاء، لا يخفى عليه منكم أحدٌ، ولا يغيب عنه سرٌّ من أسراركم، لأنه العالم بالظواهر والسرائر والضمائر.



جزاء الأبرار بعد الحساب



{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ(19)إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ(20)فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(21)فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(22)قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23)كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24)}



ثم بيَّن تعالى حال السعداء والأشقياء في ذلك اليوم فقال {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} أي فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه لأنه من السعداء { فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه} أي فيقول ابتهاجاً وسروراً: خذوا اقرءوا كتابي، والهاء في {كِتَابيه} هاء السكت وكذلك في {حِسَابِيه} و{ماليه} و{سلطانيه} قال الرازي: ويدل قوله {هاؤم اقرءوا كتابيه} على أنه بلغ الغاية في السرور، لأنه لما أُعطي كتابه بيمينه، علم أنه من الناجين ومن الفائزين بالنعيم، فأحب أن يظهر ذلك لغيره حتى يفرحوا بما ناله {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيه} أي إِني أيقنت وتحققت بأني سألقى حسابي وجزائي يوم القيامة، فأعددت له العدة من الإِيمان، والعمل الصالح، قال الحسن: إِن المؤمن أحسن الظنَّ بربه فأحسن العمل، وإِنَّ المنافق أساء الظن بربه فأساء الظن بربه فأساء العمل، وقال الضحاك: كل ظنٍ في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك .. قال تعالى مبيناً جزاءه {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي فهو في عيشة هنيئة مرضية، يرضى بها صاحبها، لما ورد في الصحيح أنهم يعيشون فلا يموتون أبداً، ويصحون فلا يمرضون أبداً، وينعمون فلا يرون بؤساً أبداً {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} أي في جنةٍ رفيعة القدر، وقصور عالية شاهقة {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} أي ثمارها قريبة، يتناولها القائم، والقاعد، والمضطجع، قال ابن جزي: القطوف جمع قطف وهو ما يجتنى من الثمار ويقطف كالعنقود، روي أن العبد يأخذها بفمه من شجرها وهو قائم أو قاعد أو مضطجع {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا} أي يقال لهم تفضلاً وإِنعاماً: كلوا واشربوا أكلاً وشرباً هنيئاً، بعيداً عن كل أذى، سالماً من كل مكروه {بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} أي بسبب ما قدمتم من الأعمال الصالحة في الأيام الماضية يعني أيام الدنيا.



حال الأشقياء يوم القيامة



{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ(25)وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ(26)يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ(27)مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ(29)خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33)وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(34)فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ(35)وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ(36)لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ(37)}



ولما ذكر حال السعداء أعقبه بذكر حال الأشقياء فقال {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} أي وأما من أعطي كتابه بشماله وهذه علامة الشقاوة والخسران {فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه} أي فيقول اذا رأى قبائح أعماله: يا ليتني لم أعط كتابي، قال المفسرون: وذلك لِما يحصل له من الخجل والافتضاح فيتمنى عندئذٍ أنه لم يعط كتاب أعماله، ويندم أشد الندم {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه} أي ولم عرف عظم حسابي وشدته، والاستفهام للتعظيم والتهويل {يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ} أي يا ليت الموتة الأولى التي متُّها في الدنيا، كانت القاطعة لحياتي، فلم أبعث بعدها ولم أُعذب، قال قتادة: تمنى الموت ولم يكن شيء عنده أكره من الموت، لأنه رأى تلك الحالة أشنع وأمرَّ ممَّا ذاقه من الموت {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه} أي ما نفعني مالي الذي جمعته ولا دفع عني من عذاب الله شيئاً {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه} أي زال عني ملكي وسلطاني، ونسبي وجاهي، فلا معين لي ولا مجير، ولا صديق ولا نصير {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} أي يقول تعالى لزبانية جهنم: خذوا هذا المجرم الأثيم فشدوه بالأغلال، قال القرطبي: فيبتدره مائة ألف ملك، ثم تجمع يده الى عنقه، فذلك قوله تعالى {فَغُلُّوهُ} {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} أي ثم أدخلوه النار العظيمة المتأججة، ليصلى حرَّها {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} أي ثم أدخلوه في سلسلةٍ حديدية طولها سبعون ذراعاً، قال ابن عباس: بذراع الملك، تدخل السلسلة من دبره، وتخرج من حلقه، ثم يجمع بين ناصيته وقدميه والسلسلة هي حلق منتظمة، كل حلقة منها في حلقة، يلف بها حتى لا يستطيع حراكاً .. لمّا بيَّن العذاب الشديد بيَّن سببه فقال {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} أي كان لا يصدق بوحدانية الله وعظمته، قال أبو حيّان: بدأ بأقوى أسباب تعذيبه وهو كفره بالله، وهو تعليلٌ مستأنف كأن قائلاً قال: لم يعذِّب هذا العذاب البليغ؟ فأجيب إِنه كان لا يؤمن بالله {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} أي ولا يُحثُّ نفسه ولا غيره على إِطعام المسكين، قال المفسرون: ذكر الحضَّ دون الفعل للتنبيه على أن تارك الحضّ بهذه المنزلة، فكيف بتارك الإِحسان والصدقة؟ {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ} أي فليس له في الآخرة صديق يدفع عنه العذاب، لأن الأصدقاء يتحاشونه، ويفرُّون منه {وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ} أي وليس له طعام إِلا صديد أهل النار، الذي يسيل من جراحاتهم {لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ} أي لا يأكله إِلا الآثمون المجرمون المرتكبون للخطايا والآثام، قال المفسرون: {الْخَاطِئُونَ} جمع خاطئ وهو الذي يتعمد الذنب، والمخطئ الذي يفعل الشيء خطأ دون قصد، ولهذا قال {الْخَاطِئُونَ} ولم يقل المخطئون.









تعظيم القرآن وتأكيد نزوله من عند الله



{فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ(38)وَمَا لا تُبْصِرُونَ(39)إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ(40)وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ(41)وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ(42)تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(43)وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ(44)لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ(45)ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ(46)فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ(47)وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ(48)وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ(49)وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ(50)وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ(51)فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ(52)}



سبب النزول:

نزول الآيات (38 - 40):

{فلا أقسم}: قال مقاتل: سبب ذلك أن الوليد بن المغيرة قال: إن محمداً ساحر، وقال أبو جهل: شاعر، وقال عقبة: كاهن، فقال الله عز وجل: {فلا أقسم ..} أي أقسم.

ولما ذكر أحوال السعداء من أهل الجنة، ثم أحوال الأشقياء من أهل النار، ختم الكلام بتعظيم القرآن فقال {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ} أي فأقسم بالمشاهدات والمغيبات، أُقسم بما ترونه ولا ترونه، مما هو واقعٌ تحت الأبصار، وما غاب وخفي عن الأنظار، و {لا} في قوله {فَلا أُقْسِمُ} لتأكيد القسم وليست نافية، قال الإِمام الفخر الرازي: والآية تدل على العموم والشمول، لأنها لا تخرج عن قسمي: مبصرٍ وغير مبصر، فشملت الخالق والخلق، والدنيا والآخرة، والأجسام والأرواح، والإِنس والجن، والنعم الظاهرة والباطنة، قال قتادة: هو عام في جميع مخلوقاته جلَّ وعلا، وقال عطاء: ما تبصرون من آثار القدرة، وما لا تبصرون من أسرار القدرة {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} أي إِن هذا القرآن لكلام الرحمن، يتلوه ويقرؤه رسولٌ كريم، هو محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، قال القرطبي: والرسول ههنا محمد صلى الله عليه وسلم ونسب القول إِليه لأنه تاليه ومبلغه عن الله تعالى {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} أي وليس القرآن كلام شاعر كما تزعمون، لأنه مباين لأوزان الشعر كلها، فليس شعراً ولا نثراً {قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} أي قلَّما تؤمنون بهذا القرآن، قال مقاتل: يعني بالقليل أنهم لا يصدقون بأن القرآن من الله، بمعنى لا يؤمنون به أصلاً، والعرب تقول: قلَّما يأتينا يريدون لا يأتينا {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ} أي وليس هو بقول كاهنٍ يدعي معرفة الغيب، لأن القرآن يغاير بأسلوبه سجع الكهان {قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} أي قلَّما تتذكرون وتتعظون {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي هو تنزيلٌ من ربِّ العزة جل وعلا كقوله تعالى {وإِنه لتنزيل ربِّ العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسانٍ عربي مبين} والغرض من الآية تبرئه الرسول صلى الله عليه وسلم مما نسبه إِليه المشركون من دعوى السحر والكهانة، ثم أكَّد ذلك بأعظم برهان على أن القرآن من عند الله فقال {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ} أي لو اختلق محمد بعض الأقوال، ونسب إِلينا ما لم نقله {لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} أي لانتقمنا منه بقوتنا وقدرتنا {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} أي ثم لقطعنا نياط قلبه حتى يموت، قال القرطبي: والوتينُ عرق يتعلق به القلب، إِذا انقطع مات صاحبه والغرض أنه تعالى يعاجله بالعقوبة ولا يمهله، لو نسب إِلى الله شيئاً ولو قليلاً، فإِن تسمية الأقوال بالأقاويل للتصغير والتحقير {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} أي فما يقدر أحد منكم أن يحجز بيننا وبينه، لو أردنا حينئذٍ عقوبته، ولا أن يدفع عنه عذابنا، قال الخازن: المعنى إِن محمداً لا يتكلم الكذب علينا لأجلكم، مع علمه أنه لو تكلم لعاقبناه، ولا يقدر أحدٌ على دفع عقوبتنا عنه {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} أي وإِن هذا القرآن لعظةٌ للمؤمنين المتقين الذين يخشون الله، وخصَّ المتقين بالذكر لأنهم المنتفعون به {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ} أي ونحن نعلم أن منكم من يكذب بهذا القرآن مع وضوح آياته، ويزعم أنه أساطير الأولين، وفي الآية وعيدٌ لمن كذب بالقرآن {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ} أي وإِنه لحسرة عليهم في الآخرة، لأنهم يتأسفون إِذا رأوا ثواب من آمن به {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} أي وإِنه لحقٌ يقينيٌ لا يحوم حوله ريبٌ، ولا يشك عاقل أنه كلام رب العالمين {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} أي فنزّه ربك العظيم عن السوء والنقائص، واشكره على ما أعطاك من النعم العظيمة، التي من أعظمها نعمة القرآن.

بـــشـــرى
31-03-2005, 01:57 PM
يوم الخميس - حلقة الوتين - سورة البقره

58 - 60

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ قُلْنَا)) لكم بعد أن خرجتم عن التيه ((ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ)) بيت المقدس أو "أريحا"، وهي بلدة قريبة من بيت المقدس، ((فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ)) من الأماكن أو المأكل ((رَغَداً)) واسعا، ((وَادْخُلُواْ الْبَابَ))، أي باب القرية ((سُجَّداً)) جمع ساجد، أي في حال كونكم ساجدين، ((وَقُولُواْ حِطَّةٌ))، أي سجودنا لله حطة لذنوبنا ومحو لسيئاتنا، فإن فعلتم ذلك ((نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ)) السالفة، ((وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ)) منكم من خير الدنيا وخير الآخرة على ما يستحقون، كما قال سبحانه (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله).


((فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ)) فقالوا "حنطة حمراء خير لنا" عوض "حطة "، كما أنهم دخلوا باستاههم عوض أن يدخلوا سجدا، ((فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ)) فيما فعلوا ((رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء))، الرجز العذاب ((بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)) أي بسبب عصيانهم.


((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ)) أي سأل موسى من الله تعالى أن يسقيهم، وذلك حين كانوا في التيه، ولم يكن لهم ماء فظمئوا ((فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ))، وعصاه هي التي صارت ثعبانا، والحجر إما كان حجراً خاصا أو مطلق الحجر ((فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً)) بعدد أسباط بني إسرائيل، فانهم كانوا إثنتا عشرة قبيلة، فكانت تجري لكل قبيلة عين ((قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ)) أي كل قبيلة ((مَّشْرَبَهُمْ)) أي موضع شربهم، ((كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ)) الفساد ((مُفْسِدِينَ)) حال مؤكدة.

بـــشـــرى
31-03-2005, 02:00 PM
يوم الخميس - حلقة الجود - سورة آل عمران

42 - 45


ثم رجع السياق إلى بقية قصة مريم (عليه السلام) حيث كانت قصة زكريا (عليه السلام) توسط في الموضوع لمناسبة ((وَ)) اذكر يارسول الله ((إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ)) إختاركِ لعبادته وإطاعته وأن تكوني وعاءً لنبيّه ((وَطَهَّرَكِ )) من الآثام والذنوب والأدناس والعادات النسائية ((وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ)) وكرّر الإصطفاء تأكيداً ومقدّمة لذكر نساء العالمين فليس الإختيار لها من جملة مختارات وإنما هي مختارة على سائر نساء زمانها وعوالمها لا كل العالمين فإن فاطمة (عليه السلام) هي المختارة المطلقة على جميع النساء، وقد تقدّم أن مثل هذه العبارة تُقال مُراداً بها العوالم لا كل العوالم كما يُقال أن الدولة الفلانية أقوى جميع الدول يُراد الدول المعاصرة لها لا كل دولة في العالم أتت أو تأتي.


((يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي )) القنوت الخضوع والإخلاص في العبادة ((لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ))، اي في جملة الذين يركعون لله سبحانه.


((ذَلِكَ )) الذي تقدّم من قصص مريم وزكريا ويحيى ((مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ ))، أي الأخبار الغائبة عن الحواس فإنّ كل شيء غاب عن الحواس يسمى غيباً ((نُوحِيهِ إِلَيكَ ))، أي نُلقيه عليك ليدلّ على أنك من المرسلين فإن الإخبار عما لم يحضره الإنسان ولم يعلمه من طريق التاريخ يدلّ على كونه يالإعجاز وخارق العادة ((وَمَا كُنتَ )) يارسول الله ((لَدَيْهِمْ ))، أي عند الأحبار والمعاصرين لمريم (عليها السلام) ((إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ )) التي بها كانوا يكتبون التوراة ((أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ )) فإن زوجة عمران لما أتت بمريم إلى المسجد إختلفت الأحبار في من يكفلها لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم فقال لهم زكريا : أنا أحق بها لأنّ خالتها عندي فقالت له الأحبار أنها لو تُركي لأحقّ الناس بها لتُركت لأمها التي ولدتها ولكن نقترع عليها فتكون عند من خرج سهمه فانطلقوا وهم تسعة وعشرون رجلاً إلى نهر جارٍ فألقوا أقامهم في الماء فأبرز قلم زكريا وارتفع فوق الماء ورسبت أقلامهم ولذا أخذها زكريا ((وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)) في شأنها وأن أيّهم يكفلها.


واذكر يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ )) مخاطبة لمريم (عليه السلام) ((يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ))، أي بولد هو كلمة الله تُلقى عليك ويخرج منك بصورة عيسى المسيح (عليه السلام) ((اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ )) قيل سمّي مسيحاً لأنه كان يمسح الأرض ويسير فيها، وذكر في الكلام أمه دحضاً لمن يفترس قائلاً أنه إبن الله، في حال كونه ((وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ))، أي ذا جاه وقدر وشرف ((وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)) لله تعالى قرب شرف وجاه لا زمان ومكان.

بـــشـــرى
02-04-2005, 08:29 PM
يوم الجمعه - حلقة الوتين - سورة البقره
آيه 61

((وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى)) حين كنتم في التيه وينزل عليكم المن والسلوى ((لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ))، أي قسم واحد من الطعام ولو كان ذا لونين، فالمراد بالوحدة التكرر في كل يوم، ((فَادْعُ))، أي فاسأل ((لَنَا))، أي لأجلنا ((رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ))، أي من نباتها ((مِن بَقْلِهَا)) البقل أنواع الخضر ((وَقِثَّآئِهَا)) الخيار ((وَفُومِهَا)) الحنطة ((وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا)) حتى نتقوت بها ونأكلها عوض المن والسلوى.

((قَالَ)) له<م> موسى (عليه السلام): ((أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ))، أي تتركون ما هو الأفضل مما اختاره الله لكم إلى ما هو الأدون مما ترغبون إليه، وكونها أفضل وأدون إما باعتبار السهولة والصعوبة أو باعتبار الطعم واللذة أو باعتبار التقوية والتغذية، وعلى أي حال، دعا موسى واستجاب الله دعاءه، وقال لهم: ((اهْبِطُواْ مِصْراً)) من الأمصار ((فَإِنَّ لَكُم)) في المصر ((مَّا سَأَلْتُمْ)) من الأطعمة، ((وَ)) لكن اليهود - بسبب تمردهم وعصيانهم ولجاجتهم المستمرة - ((ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ)) فهم أذلاء في الأرض، لا حكومة لهم مستقلة، ولا عزة لهم عند الناس ((وَالْمَسْكَنَةُ)) فإنهم مع ثروتهم أحيانا لا يفارقون المسكنة، حيث أنهم دائمو التبؤس لمخافتهم من الفقر، وهذه الآية من معاجز القرآن الكثيرة، فان اليهود لم تقم لهم حكومة من تاريـخ القرآن إلى هذا اليوم إلا بحبل من الناس، واتصال بالحكومات القوية، ((وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ))، "باء" أي رجع، والمراد أنهم بعملهم السيئ غضب الله عليهم، ((ذَلِكَ)) المذكور من ضرب الذلة والمسكنة والرجوع بالغضب ((بِ)) سبب ((أَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ)) المنزلة على موسى (عليه السلام)، حيث لم يكونوا يطيعون، ((وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ))، فإن الأنبياء تواترت إليهم لكثرة لجاجتهم، فكانوا يقتلونهم، وقوله تعالى ((بِغَيْرِ الْحَقِّ)) قيد توضيحي، إذ لا يكون قتل النبي حقا أبدا، وذلك بخلاف ما لو قيل يقتل البشر بغير الحق، ((ذَلِكَ)) المذكور من كفرانهم وقتلهم الأنبياء، ((بِمَا عَصَواْ))، أي بسبب عصيانهم للأوامر العقلية والشرعية ((وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)) فإن عصيانهم واعتداءهم صار سبباً للقتل والكفر، وهما سببا ضرب الذلة والمسكنة والغصب.

بـــشـــرى
02-04-2005, 08:36 PM
يوم السبت - حلقة الوتين - سورة البقره

62 - 65

((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ)) من المسلمين ((وَالَّذِينَ هَادُواْ)) أي صاروا يهوداً باليهودية ((وَالنَّصَارَى)) المؤمنين بعيسى (عليه السلام) ((وَالصَّابِئِينَ)) وفيهم غموض وخلاف، وربما قيل أنهم عبدة النجوم ((مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) حقيقةً، ((وَعَمِلَ صَالِحاً)) مما أمر به الله سبحانه ((فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)) لا في الدنيا ولا في الآخرة- كما تقدم- ((وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) فلا ييأس أحد من روح الله ما دام في الدنيا، وإنما قيدنا "من آمن" بـ"حقيقة" لئلا ينافي ما في صدر الآية "إن الذين آمنوا".


((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ)): العهد الشديد، وقد تقدم مكان أخذ العهد، ((وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ)) وذلك أن موسى (عليه السلام) لما جاءهم بالتوراة لم يقبلوها، فقطع جبرائيل (عليه السلام) قطعة من جبل طور ورفعها فوق رؤوسهم مهدداً، أنهم إن لم يقبلوا التوراة قذفها على رؤوسهم، فقبلوا قبول التوراة مجبرين، وقلنا لكم ((خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ)) أي بجد ويقين وشدة لا تحسدوا عنه، ((وَاذْكُرُواْ)) أي احفظوا واعملوا بـ((مَا فِيهِ)) أي في "ما آتيناكم" وهو التوراة ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) أي تخافون، فإن العامل بأوامر الله يكون خائفاً متقياً.


((ثُمَّ تَوَلَّيْتُم))، أي أعرضتم أيها اليهود ((مِّن بَعْدِ ذَلِكَ)) الميثاق الأكيد، فلم تعملوا بما في التوراة، ولم تتمثلوا أوامرنا، ((فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)) حيث تفضل عليكم بالتوبة، ((وَرَحْمَتُهُ)) بأن رحمكم فلم يؤاخذكم بسيئات عملكم، ((لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ)) في الدنيا والآخرة، فأي <أي> من ينسلخ عنه الإيمان يكون من أخسر الناس.


((وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ))، أي عرفتم أيها اليهود ((الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ))، أي جاوزوا حدود الله فيه، وذلك أنهم حُرّم عليهم اصطياد السمك في السبت، فكانت الأسماك تأتي وتتجمع في هذا اليوم لشعورها بأمنها في هذا اليوم، فكان اليهود يحتالون لأخذها بإيصال الماء إلى أحواضهم، فلما تأتي إليها الأسماك يوم السبت سدوا طريقها، ثم يصطادونها يوم الأحد، وكان هذا خرقا لحرمات الله، ((فَقُلْنَا لَهُمْ))، أي للمعتدين ((كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ))، أي مبعدين عن الخير دنيا وآخرة، لأنكم أيها اليهود الذين شاهدتم هذا المسخ بالنسبة إلى المعتدي فكيف تعملون خلاف أوامر الله سبحانه؟

بـــشـــرى
02-04-2005, 08:40 PM
يوم الجمعه - حلقة الجود - سورة آل عمران

مراجعه

بـــشـــرى
02-04-2005, 08:48 PM
يوم السبت - حلقة الجود - سورة آل عمران


46 - 49


((وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ))، أي في حال كونه صغيراً قبل أوان تكلّم الأطفال، والمهد هو الموضع الذي يوضع فيه الطفل ويُهزّ من خشب أو حديد أو ثوب أو نحوها ((وَكَهْلاً ))، أي يكلمهم كهلاً بالوحي، والكهل ما بين الشاب والشيخ، أو يُراد الإخبار عن بقائه إلى ذلك الوقت ((وَمِنَ الصَّالِحِينَ)) الذين فيهم الصلاح دون الفساد.


((قَالَتْ )) مريم لما سمعت هذا النبأ المدهش ((رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ ))، كيف يمكن أن ألِد ولداً ((وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ))، أي لم يقترب منّي على نحو النكاح فإنها كانت دون زوج ((قَالَ)) المَلَك في جواب مريم ((كَذَلِكِ ))، أي هكذا بدون المس الزوج ((اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء )) فإنه ليس بخارج عن قدرة الله سبحانه ((إِذَا قَضَى أَمْرًا )) أراد خلقه وتكوينه ((فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ : كُن)) قولاً أو إرادة بدون تلفّظ ((فَيَكُونُ)) في الخارج، فإنّ الله يوجِد الأشياء بصرف الإرادة.


((وَيُعَلِّمُهُ ))، أي يعلّم الله سبحانه ((الْكِتَابَ ))، أي الكتابة أو مطلق الكتاب المنزل من السماء ((وَالْحِكْمَةَ )) حتى يكون حكيماً يعرف مواضع الأشياء أو المراد بالحكمة علم الشرائع من الحلال والحرام وسائر الأحكام ((وَالتَّوْرَاةَ )) وهو كتاب موسى (عليه السلام) ((وَالإِنجِيلَ)) وهو الكتاب الذي أُنزل على المسيح بنفسه، وقد ذكروا أن معنى التوراة : التعليم والبشارة، ومعنى الإنجيل : البشارة والتعليم.


((وَ)) نجعله ((رَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ )) لإرشادهم من الضلالة إلى الحق، وهنا إنتقل السياق إلى كلام عيسى (عليه السلام) الذي كان يتكلم به بعد النبوة، فكان يقول لبني إسرائيل ((أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ))، أي بمعجزة وعلامة تدل على صدق دعواتي للنبوة وأني رسول إليكم ((أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم ))، أي أصنع لأجلكم ((مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ))، أي على سورة الطائر ((فَأَنفُخُ فِيهِ ))، أي في الطائر المصنوع من الطين ((فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ )) وإرادته وقدرته، فصنع صورة خفاش من الطين ونفخ فيه فطار ((وَأُبْرِىءُ ))، أي أُشفي ((الأكْمَهَ )) الذي وُلد أعمى أو مطلق الأعمى ((والأَبْرَصَ )) الذي أُصيب بمرض البرص وهو الوضح ((وَأُحْيِي الْمَوْتَى)) كل ذلك ((بِإِذْنِ اللّهِ )) فكان يقف على القبر ويقول للميت : قم بإذن الله، فيقوم ينفض عن جسمه الغبار كأنه لم يمت أصلاً ((وَأُنَبِّئُكُم ))، أي أُخبركم ((بِمَا تَأْكُلُونَ )) إخباراً عن الغيب ((وَمَا تَدَّخِرُونَ )) من الإدّخار ((فِي بُيُوتِكُمْ )) فكان يقول للشخص تغذّيت بكذا أو حفظت لليل كذا ((إِنَّ فِي ذَلِكَ )) الذي ذكرت من المعجزات ((لآيَةً )) معجزة دالة على صدقه ((لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) بالله وإنما يقيّد بالإيمان لأن من لا يؤمن بالله سبحانه لا يمكن أن يفرّق بين المعجزة والسحر.

بـــشـــرى
03-04-2005, 07:31 PM
يوم الأحد - حلقة الوتين - سورة البقره

66 - 69

((فَجَعَلْنَاهَا))، أي جعلنا المسخة التي مسخوا بها والعقوبة التي عوقبوا فيها ((نَكَالاً))، أي عبرة ((لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا))، أي من كان في زمانهم من سائر اليهود والأمم ((وَمَا خَلْفَهَا)) الذين <الذي> يأتي من بعدهم مما يسمع بأخبارهم، أو يكون معنى "نكالا" عقوبة، فالمعنى جعلنا المسخة عقوبة للمعاصي التي ارتكبوها مما كانت بين يدي المسخة، وهو "الاعتداء" وما خلف المسخة من سائر المعاصي التي كانوا يرتكبونها بعد اعتدائهم في السبت، ((وَ)) جعلناها ((مَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ)) لئلا يرتكبوا خلاف أمر الله سبحانه.


((وَ)) اذكروا أيها اليهود قصة البقرة، وهي أنهم وجدوا قتيلاً لم يُعرف قاتله، فرجعوا إلى موسى (عليه السلام)، فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة، ثم يضربوا القتيل بها ليحيى القتيل ويخبرهم بالقاتل، وكان هذا اختبارا لإيمانهم، حيث أن كون ضرب ميت بميت موجبا للحياة مما لا يصدقه ضعفاء الإيمان، ولهذا جعلوا يسألون أسئلة تافهة من موسى (عليه السلام) حول البقرة.

((إِذْ قَالَ مُوسَى)) (عليه السلام) ((لِقَوْمِهِ)) بني إسرائيل: ((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً)) لإحياء القتيل، ((قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً))، أي أتسخرنا وتتخذنا سخرية، فما الربط بين القتيل وبين ذبح البقرة، أو كيف تكون البقرة الميتة سبباً لإحياء القتيل؟ ((قَالَ)) موسى (عليه السلام) ((أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)) الذين يستهزئون بالناس، فإن السخرية من شأن الجهال والسفهاء.



((قَالُواْ ادْعُ لَنَا))، أي اطلب من أجلنا ((رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ))، أي ما هي البقرة من حيث سنها وعمرها، ((قَالَ)) موسى (عليه السلام): ((إِنَّهُ)) تعالى ((يَقُولُ إِنَّهَا))، أي البقرة يلزم أن تكون ((بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ))، الفارض الكبيرة الهرمة والبكر الصغيرة، ((عَوَانٌ)) أي وسط العمر ((بَيْنَ ذَلِكَ))، أي المذكور بين الصغير والكبير ((فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ)) من ذبح هكذا بقرة.



((قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ))، أي اسأل من ربك لأجلنا ((يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا))، أي ما لون البقرة التي أمرنا بذبحها، ((قَالَ)) موسى (عليه السلام): ((إِنَّهُ)) تعالى ((يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء)) اللون ((فَاقِعٌ لَّوْنُهَا))، أي حسنة الصفرة لا تضرب إلى السواد لشدتها، ولا إلى البياض لمقلتها، ((تَسُرُّ النَّاظِرِينَ)) إليها، أي تعجب الناظرين، وتفرحهم بسبب حسن لونها.

بـــشـــرى
03-04-2005, 07:33 PM
يوم الأحد - حلقة الجود - سورة آل عمران


((وَ)) ذلك في حال كونه ((مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ ))، أي ما تقدّم عليّ وأُنزل قبلي ((مِنَ التَّوْرَاةِ)) فإنه من أسباب لزوم تصديقي حيث لا أُبطل كتاب بني إسرائيل ((وَلِأُحِلَّ لَكُم )) يابني إسرائيل ((بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ )) في شريعة موسى (عليه السلام) وهذا التحليل إنما كان لإنقضاء ظرف التحريم ((وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ))، أي بحجة تشهد بصدقي وأني من قِبَل الله سبحانه، وهي أما إجمال لما فُصّل في الآية السابقة جمعاً لأعماله (عليه السلام) في الأمور الثلاثة : التصديق والتحليل والإعجاز، وأما يُراد به آية أخرى لم تُذكر في القرآن ((فَاتَّقُواْ اللّهَ )) وصدِّقوا برسالتي ((وَأَطِيعُونِ)) فيما أمركم به وأنهاكم عنه.


((إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ )) فلست أنا إبناً له، قال ذلك رداً على النصارى الذين إتخذوه إلهاً ((فَاعْبُدُوهُ )) وحده ولا تعبدوا من دونه الشركاء كما عبدت اليهود عزيراً وعبدت النصارى المسيح ((هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ)) لا إعوجاج له ولا إنحراف بخلاف سائر الطرائق التي هي طرق معوجّة منحرفة زائغة.


وبعد هذه الحجج لم يزدد بني إسرائيل إلا عناداً وإستكباراً ((فَلَمَّا أَحَسَّ )) من الحس، أي وجد ((عِيسَى )) (عليه السلام) ((مِنْهُمُ الْكُفْرَ )) وأنه لم تنفعهم الحجة والدليل ((قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ )) الذين ينصرون ديني للوصول إلى ثواب الله تعالى إذ المسلم يقطع طريق الوصول إلى الله لينتهي إلى ثوابه ((قَالَ الْحَوَارِيُّونَ )) هو جمع حواري من الحور بمعنى شدة البياض وسمّي خاصة الإنسان بالحواري لنقاء قلبه وصفاء باطنه ((نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ )) الذين ننصر دينه ونتابعك على ما أنت عليه ((آمَنَّا بِاللّهِ )) إيماناً لا يشوبه شرك ((وَاشْهَدْ )) ياعيسى ((بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) في أدياننا.

بـــشـــرى
06-04-2005, 05:16 PM
يوم الأثنين - حلقة الوتين - سورة البقرة


70 - 73


ولما بين سبحانه سن البقرة ولونها سألوا عن صفتها، ((قَالُواْ)) يا موسى ((ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ)) البقرة؟ أتكون من العوامل أو من السوائم التي لا تعمل؟ فـ((إِنَّ البَقَرَ)) الذي أمرتنا بذبحه ((تَشَابَهَ))، أي اشتبه ((عَلَيْنَا))، وإنه كيف ينبغي أن يكون؟ ((وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ)) إلى صفة البقرة بتعريف الله سبحانه لنا كيف يجب أن يكون، وفي الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنهم لما شددوا على أنفسهم، شدد الله عليهم، ولو لم يستثنوا ما بينت لهم إلى آخر الأبد."


((قَالَ)) موسى (عليه السلام): ((إِنَّهُ)) سبحانه ((يَقُولُ إِنَّهَا))، أي البقرة التي أمرتم بذبحها ((بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ)) يذلها العمل، ((تُثِيرُ الأَرْضَ))، أي تعمل وتكرب لإثارة الأرض، ((وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ)) الحرث الزرع، فلا تسقيه بالناعور، والدلاء، والمعنى أن لا تكون عاملة، ((مُسَلَّمَةٌ))، أي سالمة لا نقص فيها، فهي بريئة من العيوب ((لاَّ شِيَةَ)) من الوشي بمعنى اللون ((فِيهَا))، أي لا لون فيها يخالف لونها، وهذا ليس تأكيد لما سبق، إذ كونها صفراء لا تدل على عدم الوشي فيها، ((قَالُواْ)) لموسى (عليه السلام): ((الآنَ)) وبعد هذه التوضيحات لصفات البقرة ((جِئْتَ بِالْحَقِّ)) الواضـح، أو بما هو حق الكلام مقابل الإجمال الذي قاله (عليه السلام) سابقا بقوله "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة"، ((فَذَبَحُوهَا))، أي ذبح اليهود تلك البقرة المأمور بذبحها، ((وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ))، أي كاد أن لا يذبحوا تلك البقرة لغلاء ثمنها، فإنها انحصرت في بقرة واحدة، لم يعطها صاحبها إلا بثمن فاحش.


((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا)) ادارأتم بمعنى اختلفتم، وأصله تدارأتم، ((وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)) من أمر القاتل، وإنه مَنِ القاتل، ولماذا قتل.


((فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ))، أي اضربوا القتيل ((بِبَعْضِهَا))، أي ببعض البقرة المذبوحة التي أمروا بذبحها، ((كَذَلِكَ)) أي مثل هذا الإحياء ((يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى)) في يوم القيامة، فإن القتيل لما ضرب بالبقرة قام حيا وأوداجه تشخب دما، وأخبر بسبب قتله وبالذي قتله، ((وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ)) في الكون وفي أنفسكم، أو بمعنى يريكم معجزاته، ((لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ))، أي كي تستعملوا عقولكم.

ولعل وجه تأخير آية "وإذ قتلتم" على الآيات السالفة - مـع أن النظم يقتضي تقديمها - إن السياق لبيان لجاجة اليهود وعدم إطاعتهم الأوامر، فكان المقتضى تقديم ما يدل على ذلك.

بـــشـــرى
06-04-2005, 05:19 PM
يوم الإثنين - حلقة الجود - سورة آل عمران


53 - 57


ثم توجّهوا إلى الله سبحانه داعين قائلين ((رَبَّنَا ))، أي ياربنا ((آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ )) على رسولك عيسى (عليه السلام) ((وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ )) فيما أمَرَ ونهى ((فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)) الذين يشهدون على الأمم كما قال سبحانه (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) فالرُسُل شهداء على أصحابهم وهم شهداء على سائر الناس.


ذلك كان قول أنصار عيسى والمؤمنين به أما الكفار الذين جحدوه وأنكروه فلم يؤمنوا ((وَمَكَرُواْ )) لعيسى (عليه السلام) بأن يقتلوه ((وَمَكَرَ اللّهُ )) بإنقاذه منهم وقتل كبيرهم عوضه، والمكر لغة بمعنى تطلب العلاج لأمر ما والغالب يُستعمل في الشر، ولعل نسبة المكر هنا إلى الله سبحانه للمقابلة نحو قوله (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) مع أن الله سبحانه ليس له نفس ((وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)) لأنه أعرف بطرق العلاج، وفي بعض التفاسير أنه لما أراد مَلِك بني إسرائيل قتل عيسى (عليه السلام) دخل خوخته وفيها كوّة فرفعه جبرئيل من الكوّة إلى السماء وقال الملِك لرجل خبيث من الكفار أدخل عليه فاقتله فدخل الخوخة فألقى الله عليه شبه عيسى (عليه السلام) فخرج إلى أصحابه يخبرهم أنه ليس في البيت فقتلوه بظن أنه عيسى وكان قتله على نحو الصلب وكلما صاح أنه ليس بعيسى لم يُفد.


واذكر يارسول الله ((إِذْ قَالَ اللّهُ )) أو ذاك إذ قال، أو ومكر الله إذ قال ((يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ))، أي آخذك وافياً فإن معنى توفّاه أخذه وافياً ويُقال : توفى الله فلان حين يأخذ روحه وافية من الوفاء وهو في أخذ الروح والجسد أقرب إلى الحقيقة من أخذ الروح فقط فإنه بعلاقة الكل والجزء، أي أخذك ((وَرَافِعُكَ إِلَيَّ )) فإنه (عليه السلام) رُفع إلى السماء الرابعة كما في بعض الأحاديث، وقد يُظن أذ ذلك ينافي ما اشتُهر في العلم الحديث من عدم سماوات ذات حجوم لكنه ظن غير تام إذ السماء حتى لو كان يُراد بها المدار -كما هو معناه لغة- تكون هناك سماوات وللتوضيح راجع "الهيئة والإسلام" تأليف العلامة الشهرستاني ((وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ )) فإنهم أرجاس أنجاس فكما أن الجسم المحاط بالنجاسة إذا غُسل يطهر عنها كذلك إن الإنسان الطيب في أُناس كفرة عصاة إذا خرج من بينهم كان تطهيراً له في المعنى عن لوثهم وكفرهم ((وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ )) من النصارى ((فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ )) بك من اليهود ((إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) وهذا من معاجز القرآن الحكيم فإنّ النصارى دائماً فوق اليهود إلى يومنا هذا وسيكونون كذلك إلى يوم القيامة ((ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ )) جميعاً أنت وأصحابك والكفار، وذلك يوم القيامة ((فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) من التوحيد والشرك ومن كونك نبيّاً وسائر الأصول والفروع التي كنتَ تنادي بها وتبشّر من أجلها وكانت اليهود يكفرون بها.


((فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ )) بك وبما جئتَ به ((فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا )) بضرب الذلة والمسكنة عليهم وأنهم دائماً تحت حكم أصحابك وأنه لا تقوم لهم دولة إلا بحبل من الله وبحبل من الناس وأنهم مكروهون منفورون أبد الآبدين ((وَالآخِرَةِ )) بإدخالهم ناراً أحاطت بهم سُرادقها وإن يستغيثوا يُغاثوا بماءٍ كالمهل ((وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ)) ينصرونهم من بأس الله وعذابه.


((وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا )) بك وبما بشّرتَ به ((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ )) مما أمرناهم به واجتنبوا عن المحرّمات، فإنه لا يُقال يعمل فلان الصالحات إلا إذا إجتنب الآثام إلى جنب إتيانه بالواجبات ((فَيُوَفِّيهِمْ ))، أي يعطيهم الله ((أُجُورَهُمْ )) كاملة غير منقوصة فإن الوفاء إعطاء المطلوب كاملاً ((وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)) الذين ظلموا بالكفر أو بعدم العمل الصالح.

بـــشـــرى
09-04-2005, 10:40 PM
حلقة الوتين - سورة البقره

((ثُمَّ)) من بعد ما رأيتم هذه الآيات أيها اليهود ((قَسَتْ قُلُوبُكُم))، أي غلظت ((مِّن بَعْدِ ذَلِكَ)) المذكور من آيات الله تعالى، أو من بعد ذبح البقرة، وما رأيتم من إحياء الله الميت، ((فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ)) في القسوة للمعقول بالمحسوس ((أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً))، وبين سبب أشديتها قسوة بقوله: ((وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا)) اللام للتأكيد، و"ما" موصولة، أي الحجر الذي ((يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ)) فيكون مبعثا للخير نافعا، بخلاف قلوبكم التي لا يأتي منها إلا الشر، ((وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ)) أصله تشقق ((فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء))، فيكون عينا وإن لم يجْرِ، وبهذا يفترق عن السابق، وهو ما يتفجر منه الأنهار، ((وَإِنَّ مِنْهَا))، أي من الحجارة ((لَمَا يَهْبِطُ))، أي ينزل من الجبل ويسقط ((مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ))، فإن كل حجارة تسقط، لابد وأن تكون سقطتها بإذن الله ومن خشيته خشية واقعية أو تشبيه، كالذي يخشى كثيرا فيسقط على وجهه، وقلوبكم أيها اليهود أقسى من تلك الحجارة، إذ لا تخشى من الله سبحانه، ولا تتواضع لعظمته ((وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)) أيها اليهود، فيجازيكم بسيئات أعمالكم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
75

((أَفَتَطْمَعُونَ)) أيها المسلمون ((أَن يُؤْمِنُواْ))، أي يؤمن اليهود ((لَكُمْ))، أي لنفعكم، إذ كل من آمن يكون في نفع المؤمنين السابقين، أو بمعنى الإيمان بمبادئكم، وهذا استفهام انكاري، أي لن يؤمن هؤلاء اليهود بالإسلام، ((وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ)) أي من هؤلاء، وهم أسلافهم، وإنما صحت النسبة إليهم، أن الأمة الواحدة والقبيلة الواحدة تكون متشابهة الأعمال والأفعال والأقوال، ((يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ)) الذي يتلوه الأنبياء عليهم، ((ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ)) بالزيادة والنقصان لفظاً أو معنىً، كما هو المتعارف عند من يريد نقل كلام لا يرتضيه، فإنه إما أن ينقص فيه أو يزيد - لو وجد إلى ذلك سبيلا - وإما أن يفسره بغير ما أراد المتكلم ((مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ))، وفهموه ((وَهُمْ يَعْلَمُونَ))، فكيف يؤمن هؤلاء الذين كانوا يعملون بكلام الله بعد تعقل هذا العمل.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
76

((وَإِذَا لَقُواْ)) من الملاقاة، أي لقي اليهود، وكانت هذه خصلة بعضهم نسبت إلى الجميع، كما هو المتعارف من نسبة ما يقوم به البعض إلى الجميع، ((الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا)) بأن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا موجود في كتبنا بوصفه وحليته، ولم يقصدوا الإيمان الحقيقي كسائر المسلمين، ولا الإيمان الظاهري كالمنافقين، وإنما أريد الإيمان بمعناه اللغوي، وهذا ذم لهم، حيث أنهم اتصفوا بصفات المنافقي،ن ((وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ)) وجمع هؤلاء اليهود وغيرهم من سائر اليهود مجلس خال عن المؤمنين ((قَالُواْ))، أي قال من لم يكن يظهر الإيمان لمن أظهره: ((أَتُحَدِّثُونَهُم))، أي لماذا تحدثون المسلمين ((بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ)) أي بما عرفكم الله في كتابكم، بأن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حق؟ يقال فتح عليه باب العلم إذا أرشده إليه وعلمه به ((لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ))، أي إذا أظهرتم أنتم أيها اليهود للمسلمين أن في كتابكم صفات محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حاجوكم يوم القيامة عند الله فيقول المسلمون لليهود المظهرين أنتم ذكرتم أن في كتابكم صفات النبي، فلم لم تؤمنوا به ((أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)) أيها اليهود المظهرين للمسلمين، إن إظهاركم سبب لغلبة المسلمين عليكم في الحجة عند الله.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
77

((أَوَلاَ يَعْلَمُونَ))، يعني اليهود المنافقين، ((أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ)) يسر بعضهم إلى بعض ((وَمَا يُعْلِنُونَ))، وما الفائدة في أن لا يظهروا صفات النبي؟ فإن الله يعلم أنهم يعلمون صفاته ولا يؤمنون به عناداً.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
78

((وَمِنْهُمْ))، أي من اليهود ((أُمِّيُّونَ))، منسوب إلى الأم، بمعنى من لا يقرأ ولا يكتب كأنه نشأ تحت تربية أمه، لا تحت تربية المعلم ((لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ))، الأماني جمع أمنية، كالأغاني جمع أغنية، والأماني الأحاديث المختلفة، أي أنهم لا يعرفون ما في التوراة من صفات النبي وغيرها، وإنما هم جهلاء، يأخذون أمور الكتاب عن علمائهم محرفه مختلفة، فلا يميزون بين الحق والباطل ((وَإِنْ هُمْ))، أي ما هم ((إِلاَّ يَظُنُّونَ)) بصحة ما يسمعون، ولا يتيقنون لأنهم لم يطالعوا الكتب بأنفسهم حتى يعرفون ما فيه.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
79

((فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ))، أي لعلمائهم الذين ((يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ))، أي التوراة ((بِأَيْدِيهِمْ))، كنايـة عن أنها غير منزلة، وإنما مكتوبة، مبعثها الأيدي لا الوحي والإلهام ((ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا)) المكتوب ((مِنْ عِندِ اللّهِ))، وإنه منزل منه، ((لِيَشْتَرُواْ بِهِ))، أي بما يكتبونه ((ثَمَناً قَلِيلاً))، لأنهم لو كانوا يظهرون ما في التوراة حقيقة رجع مقلدوهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلم يكونوا يبذلون لهم الأموال والاحترام، ((فَوَيْلٌ لَّهُم))، أي للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ((مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ))، فإنه يوجب عذاباً، لأنه تحرير لكلام الله تعالى، ((وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ)) من الأموال إزاء تحريفاتهم، فإن ثمن الحرام حرام آخر، وذلك موجب للعذاب فإنه أكل للأموال بالباطل، والويل أصله الهلاك والعذاب، ثم استعمل في كل واقـع في الهلكة.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
80

((وَقَالُواْ))، أي قال قسم من اليهود: ((لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً))، فلن نعذب في جهنم إلا سبعة أيام أو ما أشبه على تقدير كفرنا وعصياننا، فلماذا نترك رئاسة الدنيا خوفاً من عذاب قليل؟ ((قُلْ)) يا رسول الله لهم: ((أَتَّخَذْتُمْ))، أي هل اتخذتم ((عِندَ اللّهِ عَهْدًا)) بذلك؟ ((فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ)) كذبا وزورا ((عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ))؟ ومن أدراكم، إن العذاب أيام معدودة؟

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
81

((بَلَى)) ليس الأمر كما قالوا، لكن ((مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَ)) لم ينقلع عنها، بل ((أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ)) كالإنسان الذي يقع في دخان حيث يحيط به الدخان، حتى لا يتنفس ولا يبصر ولا يسمع إلا في الدخان، وكذلك المشرك المنحرف في الخطيئة، ((فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) إلى الأبد.

بـــشـــرى
09-04-2005, 10:52 PM
((وَالَّذِينَ آمَنُواْ)) بقلوبهم وألسنتهم، ((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ)) التي أمر بها الإسلام، ((أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) بها لا انقطاع لها ولا زوال.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
83

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ))، عهدهم الأكيد على لسان أنبيائهم، بأن ((لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ)) وحده ((وَ)) بأن أحسنوا ((بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً))، ولا تسيئوا إليهما ((وَ)) أحسنوا إلى ((ذِي الْقُرْبَى)) أقربائكم ((وَالْيَتَامَى)) الذين مات والدهم ((وَالْمَسَاكِينِ)) الفقراء، ((وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً)) وذلك يشمل جميع أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد ورد الاعتداء بالحسن، ((وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ)) وهما في سائر الأمم لم يكونا بهذا الشكل الموجود فعلا في هذه الأمة، ((ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ))، أعرضتم، ((إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ)) الذين عملوا بأوامرنا، ((وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ)) تأكيداً لقوله "توليتم".

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
84

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ))، عهدكم الأكيد على لسان الأنبياء ((لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ))، أي لا يسفك بعضكم دماء بعض، ((وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ))، أي لا يخرج بعضكم بعضاً من الديار، بأن يسفرهم ويبعدهم، ((ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ)) بذلك الميثاق بأن أعطيتمونا العهود بذلك ((وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ)) أيها اليهود بوقوع هنا الميثاق بيننا.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
85

((ثُمَّ)) بعد ذلك الميثاق ((أَنتُمْ هَؤُلاء)) الذين ((تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ)) مخالفه لأوامرنا، ((تَظَاهَرُونَ)) أنتم، أي يتعاون بعضكم مع بعض في إخراجكم لهم تظاهراً ((عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) لا إخراجا بالحق، ((وَ)) الحال ((إِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ)) أي كيف يخرج بعضكم بعضا، ويقتل بعضكم بعضا مع إنكم إذا وجدتم بعضكم أسيرا في أيدي غيرهم تعطون الفدية لخلاصهم، فإن كان بينكم عداء، فما هذه الفدية؟ وإن كان بينكم وداد فما هذا القتل والإخراج، روي عن ابن عباس أن قريظة والنضير كانا أخوين كالأوس والخزرج، فافترقوا فكانت النضير مـع الخزرح، وكانت قريضة مع الأوس، فإذا اقتتلوا عاونت كل فرقة حلمائها، فإذا وضعت الحرب أوزارها فدوا أسراها تصديقا لما في التوراة، وروي عن آخر أن اليهود كان إذا استضعف جماعة آخرين أخرجوهم من ديارهم ((<وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ > أَفَتُؤْمِنُونَ)) أيها اليهود ((بِبَعْضِ الْكِتَابِ))، أي التوراة القائل بوجوب إعطاء الفدية لأسراكم، ((وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)) القائل بحرمة القتل والإخراج والتظاهر بالإثم والعدوان؟ ((فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ))، احكموا أنتم بانفسكم، ((إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) بالتفرقة والضعف والمهانة عند سائر الأمم، ((وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ)) بمخالفتهم أوامر الله سبحانه، ((وَمَا اللّهُ))، أي ليس الله ((بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ))، فإنه يعلم أعمالكم، فيجازيكم عليها.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
86

((أُولَئِكَ)) اليهود الذين خالفوا الأوامر بتلك الأفعال، ((الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ)) فباعوا الآخرة، وأخذوا الدنيا بدلها، ((فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ)) يوم القيامة، ((وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ)) هناك.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
87

((وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ))، أعطينا التوراة إياه، ((وَقَفَّيْنَا))، أي أردفنا وأتبعنا بعضهم خلف بعض ((مِن بَعْدِهِ))، أي بعد موسى، ((بِالرُّسُلِ))، رسولا يتبـع رسولا، ((وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ))، جمع بينة، أي الدلالة الواضحة، وهي المعجزات التي أعطيت لعيسى (عليه السلام) من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ((وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ))، التأييد التقوية وروح القدس إما جبرائيل (عليه السلام) أو روح قوية من الله سبحانه فيه تقوية على التبليغ والإرشاد مـع كثرة أعدائه، ((أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ)) أيها اليهود ((رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ)) ولا يمثل إليه من الأحكام ((اسْتَكْبَرْتُمْ)) وتكبرتم عن قبول أحكام الله سبحانه، ((فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ)) - كعيسى ومحمد صلوات الله عليهما، ((وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ)) - كزكريا ويحيى (عليهما السلام)؟ وهذا استفهام إنكاري عليهم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
88

((وَقَالُواْ))، أي قالت اليهود للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ((قُلُوبُنَا غُلْفٌ)) جمع أغلف، بمعنى إنها في غطاء وغلاف عن هدايتكم، فلا تصل الهداية إليها، كما في آيه أخرى (وقالوا قلوبنا في أكنة)، ((بَل)) ليس كذلك، وإنما ((لَّعَنَهُمُ اللَّه)) وأبعدهم عن الخير ((بِـ)) سبب ((كُفْرِهِمْ))، فإنهم لما كفروا ولم يمتثلوا أوامر الله أبعدهم الله عن الخير، كمن لا يسمع شخص أمره، فيتركه، ولا يعتني به ((فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ)) لما ران على قلوبهم، وأظلمت نفوسهم بالكفر.