المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يستعمل لفظ اليدين بصيغة التثنية بمعنى القدرة؟



أهــل الحـديث
25-01-2012, 02:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



قال عضو مجلس الشورى الدكتور حاتم العوني:

"يذكر بعض العلماء أن لفظ اليدين بصيغة التثنية لم يستعمل في لغة العرب بمعنى النعمة أو القدرة .
بينما وجدت الله تعالى يقول في الحديث القدسي الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه ، عن النبي صلى االله عليه وسلم ، في قصة نزول عيسى عليه السلام ، عند خروج يأجوج ومأجوج ، يقول صلى الله عليه وسلم في ذكر ذلك : ((بينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادا لي، لا يدان لأحد بقتالهم. فحرز عبادي إلى الطور)) .
فهل أقدم قول الله تعالى في هذا الحديث القدسي عن القدرة (( لا يدان )) ؟ أم أقدم قول أولئك العلماء الذين أنكروا ورود هذا الاستعمال في لغة العرب ؟"انتهى.



سُئل الشيخ عبد الرحمن البراك:

32: ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى أن اليد بمعنى القدرة لا تأتي مثناة في لغة العرب ، ألا يتعارض هذا مع حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم رقم (2937) في خروج يأجوج ، ومأجوج (فيوحي إلى عيسى أني قد بعثت عبادا لا يَدَان لأحد بقتالهم) وقد ذكر ابن الأثير والنووي وغيرهما أن المعنى: لا طاقة لأحد بقتالهم. فجاءت اليد بمعنى القدرة مع كونها مثناة ؟


فأجاب:

الحمد لله ، نعم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه العلامة ابن القيم في ردهما على من يأول صفة اليدين في قوله تعالى { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [(75) سورة ص] بالقدرة ذكرا أن اليدين لا تأتي في اللغة العربية بمعنى القدرة ، وقد ورد في كلامهما في مواضع التعبير بالـ(يدان) عن القدرة كما في مطلع القصيدة النونية :
حكم المحبة ثابت الأركان * ما للصدود بفسخ ذاك يدان
أي: قدرة ،
ومن ذلك ما جاء في الحديث الذي أورده شيخ الإسلام في الفتاوى 28/128 : ".. إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأى برأيه ورأيت أمرا لا يدان لك به ، فعليك بنفسك ، ودع عنك أمر العوام .. الحديث ".
وكذلك الحديث الذي أورد السائل ذكره في الفتاوى 1/44.
وهذا قد يشكل مع إنكارهما على من فسر اليدين بالقدرة ؛ لأن ذلك لا أصل له في اللغة العربية .
والجواب: أن لفظ اليد مثناة لها في اللغة العربية استعمالات :
فتارة تستعمل غير مضافة ، وتلزم الألف ، وهذه هي التي بمعنى القدرة ، تقول: لا يدان لي بهذا الأمر ، أي لا قدرة لي عليه .
وتارة تستعمل مضافة إلى ضمير من قامت به ، أو اسمه الظاهر كقولك: بيديّ ، أو بيديه ، أو بيدي محمد ، ويجري فيها إعراب المثنى .
وهي في هذا الاستعمال لا تكون بمعنى القدرة ، بل يتعين أن يراد بهما : اليدان اللتان يكون بهما الفعل ، والأخذ ، ومن شأنهما القبض ، والبسط .
وبهذا يظهر ألا تعارض بين أنكراهما على النفاة تأويل اليدين بمعنى القدرة ، لأن ذلك لم يرد في اللغة العربية ، وبين استعمالهما (اليدان) بمعنى القدرة .
وهناك استعمالان آخران لليدين في اللغة العربية :
أحدهما: أن يعبر بهما عن الفاعل للفعل ، وإن لم يكن باشره بيديه كقولك هذا ما فعلت يداك ، ومنه قوله تعالى : {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } [(10) سورة الحـج] ، ويأتي لفظ اليدين مجموعا إذا أضيف إلى ضمير الجمع كقوله تعالى : {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } [(182) سورة آل عمران] ، ومنه قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [(71) سورة يــس] .
الثاني : استعماله مضافا إليه بعد (بـين) ، فيكون بمعنى أمام ، كقولك: جلس بين يديه ، و مشى بين يديه ، ويجري هذا الاستعمال في العاقل ، وغير العاقل كقوله تعالى : { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا } [(64) سورة مريم] وقوله { وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ } [(12) سورة سبأ] وقوله { بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } [(57) سورة الأعراف] ونظائر ذلك كثيرة .
فهذه أربعة وجوه من الاستعمالات:
ثلاثة منها مجاز وهي : الأول ، والثالث ، والرابع .
والثاني: حقيقة .
ويمتنع المجاز في اليدين إذا أسند الفعل لفاعل ، وعدي إلى اليدين بالباء كقولك : عملت بيدي ، ومنه قوله تعالى : {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [(75) سورة ص ] .
وأما إذا أسند الفعل إلى اليدين كقولك: هذا ما فعلت يداك ، فهو من قبيل المجاز العقلي ؛ لأنه عبر باليدين عن الفعل مطلقا ، وإن لم يكن فعل بيديه .
وبهذا يظهر الفرق بين قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [(71) سورة يــس] ، وقوله تعالى : {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [(75) سورة ص ] ، فلا تدل الآية الأولى على خلق الأنعام باليدين ،
وتدل الآية الثانية على خلقِ اللهِ آدم َ بيديه ؛ فتثبت له هذه الخصوصية على سائر الناس .
فمن جعل آية "ص" نظيرا لآية "يس" ؛ فقد أخطأ فبين الآيتين فروق :
ففي آية "ص" أضاف الله الفعل إلى نفسه ، وعداه إلى اليدين بالباء ، وذكر اليدين بلفظ التثنية ، وأضافهما إلى ضمير المفرد .
وفي آية "يس" أضاف سبحانه الفعل إلى اليدين بلفظ الجمع ، وذكر نفسه بلفظ الجمع الدال على التعظيم .
فيجب التفريق بين المختلفات من الألفاظ ، والمعاني ، والتسوية بين المتماثلات ، والله أعلم .



ورد الدكتور العوني بعد أن ذكر له كلام الشيخ عبد الرحمن البراك قائلا:

"من سبق البراك لذلك التقرير من أئمة اللغة ؟!
ولماذا يكون كلامه مقبولا بغير دليل ، وكلام غيره لا بد أن لا يخالفه البراك أوالفوزان".