المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فائدة حول القلتين.



أهــل الحـديث
23-01-2012, 12:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


<div>فصل
إذا عُرف هذا الأصل العظيم وتحقق العلم به ازداد المؤمن بالله إيمانًا به ومحبةً له وطاعةً ابتغاءً للتقرب إليه، وانحل بذلك العلم مسائل كثيرة من المشكلات التي تنازع فيها الفقهاء في باب [53/ب] المياه المطهرة من الأحداث والأخباث، وفي الأواني والثياب والأماكن، من الطاهر والنجس وإزالة النجاسات بالعدد المحدود، وتقسيم المياه إلى طاهر ونجس، وإلى طهور وطاهر ونجس، والتفرقة بين القليل والكثير من الماء بالقلتين، وكثرة النزاع في قدر القلتين، وفي النجاسة الملاقية للماء، وفي الماء المستعمل في فرض الطهارة، وما تغير بطاهر لا يسلب الماء اسمه المطلق، وما لم يتغير بنجس، وما وقع من النزاع في مسائل الحيض والنفاس، وما وقع من النزاع في باب الصلاة من وجوب القصر في السفر وجواز الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما للعذر من السفر والمطر والطين والمرض والاستحاضة، وفي أحوال العجز وعدم القدرة والجهل [54/أ] والنسيان وعدم العلم والإعادة والقضاء، وما وقع من النزاع في مسائل من الزكاة، وفي مسائل من الصوم، وفي مسائل من الحج، وغير ذلك مما فرَّعه الفقهاء في كتبهم وذكروه، فمن ذلك ما ابتُلي به آحادُ الناس؛ كالاستحاضة وسلس البول والمذي، ومنه ما تعُم به البلوى؛ مثل محل الاستجمار من البول والغائط وأسفل الخف والحذاء وذيل المرأة إذا تنجس عند المشي في الأماكن النجسة القذرة ثم تمشي بعد ذلك في الأماكن الطاهرة، فكل ذلك قد عُفي عنه تخفيفًا وتيسيرًا، وكذلك يُعفى عن يسير الدم في الثوب، ولنقض الوضوء عند القائلين بالنقض به، وكان النبي @ يؤتى بالصبيان يحنكهم ويُبّرك عليهم إذا ولِدوا، ومنهم من يبول على ثيابه، فيأخذ ماء فيرشه على ذلك ولا يغسله، وكانت عائشة [54/ب] < أحيانًا تفرُكُ المني من ثوب رسول الله @، وأحيانًا تغسله بالماء، وقالت عائشة أن النبي @ قال: (إذا جاء أحدُكم إلى المسجد فلينظر؛ فإن رأى في نعله قذرًا -وفي رواية خبثًا- فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما)( )، رواه أبو داود. وجاء أعرابي إلى المسجد فأدركه البولُ، فقام يبول في المسجد، فتناوله الناس، فقال رسول الله @: (دعوه لا تُزْرِموه، وأهريقوا على بوله دلوًا من ماء؛ فإنما بُعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)، ثم دعاه رسول الله @ فقال له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا [55/ب] البول والقذر، وإنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن)( )، أو كما قال رسول الله @، مخرج في الصحيحين. فالجاهل يُعذر بجهله ويُعلَّمُ برفقْ ولا يُعنَّفُ ولا يُغلَّظ عليه، ويترجح بهذا وغيره من فروع أصل الرحمة في باب العبادات ووضع الضيق والمشقة فيها عدمُ نقض الوضوء من لَمْس الذكر والمرأة لغير شهوة كما تقدم؛ لأنه مما تعُم به البلوى، وعدمُ نقضه أيضًا من يسير النوم عند انتظار الصلاة وفي حال الصلاة، ومن أكل لحم الجزور؛ لعموم البلوى به، وكانت المرأةُ المستحاضة في زمن رسول الله @ تصلي في المسجد والطست تحتها كي ينقط فيه الدم، ولم يك ذلك مبطلاً لصلاتها؛ لأنها تتوضأ ثم تدخل في الصلاة، وكذلك حكم من به سلسُ بول يتوضأ عند إرادة الصلاة ثم يدخل الصلاة، وإن قطر من ذكره بول في صلاته لم تبطل [56/أ] صلاته، والأولى أن يتحفّظ بحفاظٍ على ذَكَره من قطن في خرقة، وكذلك صاحب الرعاف الدائم ومن به سلس المذي، والمذي هو: ماء يخرج من الذكر عقب الانتشار وقيام الذكر، يمط كالبصاق، فهو ناقض للوضوء، وقد يُبتلى به بعضُ من يشق عليه كثرةُ الوضوء منه، فيتوضأ مرارًا، وكلما دخل في الصلاة خرج منه المذي، وروى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه رجل يسأله فقال: إني لأجد البلل وأنا أصلي فأنصرف؟، فقال سعيد: لو سال على فخذي ما انصرفت حتى أقضي صلاتي . وهذا هو مذهب مالك، وسعيد بن المسيب -رحمه الله تعالى- من أكبر أئمة الفقهاء من التابعين رضي الله عنهم أجمعين، وقال علي >: كنتُ رجلا مَذَّاءً، فاستحييتُ أن أسأل رسولَ الله @ [56/ب] لمكان ابنته، فأمرت المقدادَ فسأله فقال: «فيه الوضوء»( )، مخرج في الصحيحين، وزاد أبو داود: «ويغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ»( )، وكذلك كان سهل بن حنيف > فقال له النبي @: «يكفيك أن تأخذ كفًّا من ماء فتنضح به ثوبَك حيث ترى أنه قد أصاب منه» ، رواه الترمذي وصححه، فيعفى عن يسير المذي إذا أصاب الثوب، وينضح بالماء لهذا الحديث.
ومن باب ما عُفي عنه الصلاةُ في الثوب النجس للعذر؛ كالمريض الذي تحصُل النجاسةُ في ثيابه وفراشه ويشق عليه التحولُ، فيصلي على حسب حاله، وكذلك المرأة المربية الطفل لا تسلم من بوله على ثيابها، ومن لم يجد إلا ثوبًا نجسًا أو مكانًا نجسًا عند مزاحمة الوقت ولا يمكنه الخروج منه.
وقد [57/أ] اضطربت أقوالُ العلماء في اجتناب النجاسات حالَ الصلاة؛ هل هي من شرائط الصلاة التي لا تصح الصلاةُ إلا باجتنابها، أو من الواجبات التي تصح الصلاة بها في حال الجهل والنسيان؛ فمذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد -رحمهما الله تعالى- أن اجتناب النجاسات ليس من شرائط الصلاة كالوضوء واستقبال القبلة، ويترجح قولُ من قال: إن الماء قسمان طاهر ونجس وما ثم قسم ثالث، وهذا هو التحقيق الذي يشهد بصحته الأصولُ الشرعية والعقلية من الضدين كالحق والباطل والحلال والحرام والطيب والخبيث، فليس بعد الحق إلا الباطل، وليس بعد الحلال إلا الحرام، وليس بعد الطيب إلا الخبيث، وكذلك ليس بعد الطاهر إلا النجس، وينحل بهذا [57/ب] الأصل مسائلُ كثيرة؛ كالماء المتغير بالخل والعصير والعسل والتين والزعفران، وكالماء المستعمل في غسل الجنابة والوضوء؛ فمن الفقهاء من جعل ذلك ومثلَه قسمًا ثالثًا، ولا يرفع حدثًا ولا يزيل خبثًا، مع القول بطهارته، وعند أصحاب هذا القول لو أخذ الإنسانُ ماءً قد وُضع فيه قليلُ زعفران لم يكن له أن يستنجي به، ولو استنجى به لم يَزُلْ عنه حكمُ النجاسة عندهم، ولذلك لو استنجى بماء ورد أو ماء خلافٍ أو غسل به ثوبًا نجسًا وأزال أثر النجاسة، لم يكن الثوبُ عندهم طاهرًا، ولو أزالها بماء قد أروح وأنتن في بئر لطُولِ مُقامه وخالطه الطين والأوساخُ التي لا يمكن صونُ الماء عنها لزال حكمُها، وكذلك لو اغتسل من الجنابة فيما دون القلتين لامتنع من الطهارة والتطهير به عندهم، وهذا كله وما كان منه مرجوحٌ، والتحقيق صحةُ قول [58/أ] القائلين بأن المستعمل والمتغير بالطهارات طاهرٌ مطهِّر، وأن الماء لا ينجُس إلا بتغير أحد أوصافه بالنجاسة؛ إما لونه وإما طعمه وإما ريحه، ولا فرق بين القليل والكثير، وهذا هو مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد؛ تمسكًا بقول رسول الله @: (الماء طَهُور لا ينجسه شيء)، قال أبو سعيد الخدري >: قيل يا رسول الله: أنتوضأ من بئر بُضاعة وهي بئر يلقى فيها الحِيَض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال رسول الله @: (الماء طهور لا يُنَجّسه شيء)( )، رواه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وصححه الإمام أحمد والترمذي، أما حديثُ القلتين الذي رواه عبد الله بن عمر { عن النبي @ [58/ب] أنه سئل عن الماء يكون بالفلاة من الأرض وما يَنُوبُهُ من السباع والدواب، فقال: (إذا كان الماءُ قُلّتَين لم يحملِ الخبث)( )؛ فقد رواه أصحابُ السنن أيضًا، واضطربت أقوالُ العلماء في معنى هذا الحديث اضطرابًا كثيرًا، والقائلون بأن المراد بذكر القلتين التحديدُ والفرقُ بين القليل الذي لا يحمل الخبث والكثير الذي يحمل الخبث لم يُحققوا قدرَ القلتين؛ فمنهم من قال: هو الماء الكثير في الغدير الذي إذا حُرك منه جانب لم يتحرك جانبُه الآخر، ومنهم من قال: قدره أربع قرب أو خمس قرب، قدر ذلك أربعمائة رطل بالبغدادي، أو خمسمائة رطل، ومنهم من قال: إن ذلك تقريبًا؛ فلو نقص قدرًا قليلاً لم يضره، ومنهم من قال: إن ذلك تحديدًا؛ فإذا نقص قدرًا يسيرًا صار نجسًا، وأنكر عليهم هذا القول، ويلزم على قولهم [59/أ] إذا بلغ الحد فولغ فيه الكلب نَجُس، وإن بال فيه لم ينجُس، وكل ذلك تضييق وتشديد، وحرج ومشقة ينافي أصلَ الرحمة والتحفيف في اليسر الذي أراد الله بعباده المؤمنين.
وذكر القِلال قد جاء في كلام رسول الله @ في غير حديث الماء المذكور، كما في الصحيح من حديث الإسراء من رواية أنس بن مالك > عن رسول الله @ أنه قال في حديث الإسراء: (ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، وإذا ورقها كأذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقِلال)( )، فلو لم تكن القِلال معروفة عندهم لما مثّل لهم رسول الله @ الثمَر بالقِلال، والظاهر أن القِلال هي ما تُقلها الأيدي من الأواني الملآنة التي تكون في البيوت لنقل الماء، ويشهد لصحة ذلك قولُ أبي طلحة لأنسٍ لما حُرِّمت [59/ب] الخمرة وجماعة من أصحاب رسول الله @ يشربون: (يا أنس أَرِقْ هذه القِلال)( ) هكذا في صحيح مسلم، فالقلة هي الجرة التي تُقلها اليد؛ قاله أهل اللغة، وقد جاء في رواية أخرى من صحيح مسلم: فقال أبو طلحة: «قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها»، وفي صحيح مسلم أيضًا من رواية جابر بن عبد الله في حديث الدابة التي ألقاها البحرُ لجيش الخَبَط( ): قال جابر: «ولقد رأيتنا نغترف من وَقْب عينيه بالقِلال»( )، وقال في طريق أخرى: وأخرجنا من عينيه كذا وكذا قلةَ وَدَك، فدّل على أن القلة من الأواني التي كانوا يتمتعون بها من الماعون كالجرة ونحوها، وأما معنى قول رسول الله : «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث»؛ فهو في جواب سؤال عن المناهل التي تردُها الناس وتغشاها الدوابُّ والطيرُ [60/أ] والوحش، فيتغير ماؤها وربما ينتن، فقال رسول الله @: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثًا) فاقتصر على ذكر القلتين لبيان القِلة بالعدد لإيضاح الحكم المعلوم، ولم يرد بذلك التحديد والتفرقة بالعدد بين قليل وكثير؛ فإنه من المعلوم أن المياه التي تكون بفلاة من الأرض يردها الناس والدواب والطير والسباع لا تكون في الغالب إلا ماءً كثيرًا، وإذا كان الماء في حوضه وبركته لا يمكن أن يكون أقل من قلتين من الجرار، فقال النبي @ ما معناه: ولو قلَّ الماء حتى بقي في أسفل المنهل منه يسير لم يحمل خبثًا، فلفظ القلتين لبيان القلة فقط لا للتحديد والفرق بين قليل الماء وكثيره، ولو كان مرادُ الشارع @ ما فهمه القائلون بالقلتين لأوضح [60/ب] ذلك لأمته، وبيَّنه لهم بيانًا شافيًا، ونص عليه في مواضعَ كثيرة، وبيَّن قدرَ القلتين بيانًا مُحرّرًا لا يزيد ولا ينقص؛ لأن الماء أكثرُ شيء تقع إليه حاجةُ الناس من أمر دينهم ودنياهم، ولا يمكن الاستغناءُ عنه لأحد لا في سفر ولا في حضر، وقد أوجب الله الطهارة به للصلوات الخمس في كل يوم وليلة، وقد قال الله تعالى: ﴿وأنزلنا عليكم من السماء ماء طهورا﴾[الفرقان: 48]، وقال تعالى: ﴿وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به﴾[الأنفال: 11]، وقال رسول الله @: (الماء طهور لا ينجسه شيء)، ولم يُفرِّق بين قليلٍ ولا كثير؛ فدّل على أن ذكر القلتين ورد للبيان؛ لأن الأصل أن الماء طهور لا ينجسه شيء، إلا ما ظهر فيه تأثيرُ النجاسة من اللون أو الطعم أو الريح فيصير الحكم للأغلب، فإذا كانت النجاسة مستهلكة لم يظهر لها تأثيرٌ، فالحكم للماء [61/أ] الطهور؛ لأنه الأصل الثابت بيقين، فلا يجوز إزالتُه إلا بيقين ينقضه، وقد ورد لفظُ العدد للبيانِ لا للفرق في كتاب الله وسنة رسوله @؛ فمن ذلك قول الله تعالى: ﴿وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفا بنا حاسبين﴾[الأنبياء: 47]؛ فهذا لبيان القلة لا للفرق، حتى لو قدر أن يكون الإنسان عمل أقل من مثقال حبة خردل لجيء به يوم الحساب، وقال الله تعالى لرسوله عن المنافقين: ﴿استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة لن يغفر الله لهم﴾[التوبة: 80]؛ فهذا البيان في الكثرة لا للفرق، ولهذا قال رسول الله @ عن عبد الله بن أبي بن سلول المنافق: «لو أعلم أني إن زدتُ على السبعين يغفر له لزدت عليها»( )، مخرج في صحيح البخاري. وقال رسول الله @: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرةَ ثلاث ليال إلا ومعها محرم)( )، مخرج في الصحيح؛ فهذا أيضًا للبيان لا للفرق [61/ب] بين الثلاث وغيرها، وقد جاء في غير هذا الحديث «لا تسافر يومًا وليلة»، وفي حديث آخر «مسيرة ليلة» في رواية مسلم، وفي رواية لأبي داود «لا تسافر بريدًا»( )، فدّل على أن قول النبي @: (لا تسافر ثلاثَ ليال إلا بمحرم) للبيان، فإن الأصل أن المرأة عورة، ويُخاف عليها في أماكن العزلة والانفراد، فلا تخرج إلى مكان يمكن أن يكون فيه رجل أو رجال وليس معها محرم لها، ولهذا قال رسول الله @: (لا يَخلُوَنَّ رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)( )، ولما أرادت عائشة < أن تعتمر من مكة بعث رسولُ الله معها أخاها عبد الرحمن، وأمرها أن يُعمِرها من التنعيم خارج مكة، ولما جاءت صفيةُ أم المؤمنين < إلى عند رسول الله @ تزوره ليلاً وهو معتكف في المسجد، ثم أرادت أن ترجع إلى بيتها خرج معها من المسجد ليوصلها إلى بيتها [62/أ]، فرآه رجلان من الأنصار، فأسرعا المشي، فقال النبي @: (على رسلكما؛ إنها صفية)؛ فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا)( )، مخرج في الصحيحين.
فدّل على أن الأصل إذا كان معلومًا، ثم جاء لفظٌ فيه ذكرُ العدد في بعض جزء الأصل لم يكن ذلك مخرجًا للجزء عن أصله، وهذه قاعدة شريفة وينحل بالعلم بها كثير من المشكلات، وأيضًا فإنه من المعلوم أن الأحكام الشرعية لا تخرج عن الحِكَم، فلا يتصور أن الشارع يشرع حكمًا صغيرًا أو كبيرًا إلا لحكمة يريد حصولها؛ من خير يريد حصوله، أو شر يريد دفعه، والماء مثلاً إذا كان أربعمائة وسبعة وتسعين رطلاً بالعراقي على قول الأكثرين من أصحاب قول العمل بالقلتين تقريبًا فوقع فيه مثلاً قطرة بول أو نقطة دم، فإنه يخرج عن أصله وينجس عندهم ويبقى خبيثًا لا يجوز استعماله ولا الانتفاع به في مأكول أو [62/ب] مشروب، فإذا كان ذلك الماء خمسمائة رطل بالعراقي فوقع فيه مقدار عشرة أرطال من بول أو دم فلم يتغير له لونًا ولا طعمًا ولا رائحة، كان الماء باقيًا على أصله، والحكمة لا تقتضي ذلك ولا الرحمة، فدل على أن القول الصحيح الراجح قولُ القائلين أن الماء لا ينجس إلا بالتغير؛ سواء كان قليلاً أو كثيرًا لا فرق، فإن الله قد جعل دينه واسعًا( )؛ لا حرج فيه ولا إصر ولا تشديد ولا تضييق، ومن هنا يُعلم أن الماء المستعمل في فرض الطهارة يكون باقيًا على أصله، كما إذا اغتسل الإنسان من جنابة في جَفْنة( ) ماء، ثم جاء آخر يريد الاغتسال منها جاز له ذلك؛ كما روى ابن عباس { قال: اغتسل بعضُ أزواج النبي @ في جفنة، فجاء النبي @ ليتوضأ منها أو يغتسل، فقالت: يا رسول الله إني كنت جنبًا، فقال: (إن الماء لا يُجنب)( )، رواه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ومعنى قول الرسول @: [63/أ] «الماء لا يُجنب» أي لا يحمل جنابةً تمنع التطهيرَ به وتخرجه عن أصله، فمن قال: إن الماء المستعمل في الوضوء والغسل قد حدث فيه ما يُوجب الامتناع من التطهير به؛ فقد قال إن الماء يُجنب ويحمل الحدث، حتى إن بعضَ الفقهاء بالغ في الحرج والتضييق؛ قال: إن الماء المستعمل في فرض الطهارة نجس، وقد قال الله تعالى في آية الطهور: ﴿فلم تجدوا ماء فتيمموا﴾[المائدة: 6]، فلم يُبح التيمم مع وجود ماء، والماءُ المستعملُ لا يمكن إخراجُه عن اسم الماء، والمسلم ليس بنجس حيًا ولا ميتًا ولا جنبًا، وإنما أمر بإمرار الماء على جسده حالَ وقوفه بين يدي ربه عز وجل في الصلاة؛ ليكون على أكمل حالاته وأتمها وأطيبها ظاهرًا وباطنًا، وقد ندب إلى الغسل لغير الجنابة لغسل الجمعة؛ وقد أمر رسول الله @ بغُسل الجمعة( )، وهو مروي في الصحيحين وغيرهما من غير وجه، وقال جماعة من الصحابة والتابعين والفقهاء بوجوبه، وهو [63/ب] مروي عن مالك وأحمد رحمهما الله تعالى، والغسل لصلاة العيد ولصلاة الكسوف ولصلاة الاستسقاء وللإحرام ودخول مكة والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار والطواف، والغسل من غسل الميت، والإفاقة من إغماء أو جنون لم [يتفق] معه حُلم، وغسل المستحاضة لكل صلاة؛ فكل هذه أغسال مستحبة قد ندب الشرع إلى فعلها، والله تعالى يحب النظافة والجمال والطيب ويكره ضد ذلك، وكذلك الملائكةُ تحب الرائحةَ الطيبة، وتكره الرائحة الخبيثة؛ ولهذا شرع السواك عند كل وضوء؛ قال رسول الله @: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء)( )، رواه مالك في الموطأ ورواه البخاري تعليقًا.
وشُرع السواك عند كل صلاة؛ قال رسول الله @: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)( )، مخرج في الصحيحين، ولا يكره السواك في الصوم بعد الزوال بل يكون على أصله [64/أ] مندوبًا إليه على الصحيح من قول الفقهاء؛ فإن عامر بن ربيعة قال: رأيت رسول الله @: ما لا أحصي يتسوك وهو صائم ، خرجه الترمذي وقال: حديث حسن. قال البخاري: وقال: ابن عمر {: يستاك أول النهار وآخره . وقالت عائشة