المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجمعُ المُسَدَّد فيمَن نعى على نفسه مِن العلماء لتفرُّده بالسُّؤدد (خَلَتِ الديارُ فسُدْتُ غير مُسَوَّدِ ... ومِنَ الشَّقَاءِ تَفَرُّدِي بالسُّؤدَدِ)



أهــل الحـديث
20-01-2012, 09:01 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




الجمعُ المُسَدَّد فيمَن نعى على نفسه مِن العلماء لتفرُّده بالسُّؤدد
(خَلَتِ الديارُ فسُدْتُ غير مُسَوَّدِ ... ومِنَ الشَّقَاءِ تَفَرُّدِي بالسُّؤدَدِ)

جمع وترتيب
أبي معاوية مازن بن عبد الرحمن البحصلي البيروتي


الحمد لله ملهم الصواب، ومنزل الكتاب، الذي أشرق قلوب العارفين بنور الحكمة والآداب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوثِ رحمةً لأولي الألباب، وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسان إلى يوم الحساب .

أما بعد، فهذا بحثٌ لطيف حول بيت الشعر المشهور في نعي المرء نفسه لتفرّده في أمرٍ ما، مع ذكر قائليه من أهل العلم وبعض الفوائد المتعلّقة به .



صاحب البيت

هو حارثة بن بدر، أبو العنبس الغداني التميمي البصري، كان مع بني تميم ووجوهها وساداتها وشعرائها، له ترجمة طويلة في " تاريخ دمشق "، وجاء في آخرها :
قال سليمان : ثم إن حارثة بن بدر التميمي في الصحابة والله تعالى أعلم وتوفي بنيسابور ودفن بها . انتهى .
قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ : وقد ذكر سليمان بن أحمد اللخمي حارثة بن بدر التميمي في الصحابة والله تعالى أعلم .
قال الحاكم في الترجمة في حرف الجيم حارثة بن بدر روى عن عبد الله بن الزبير وغيره أظنه التميمي انتهى كذا ذكره في حرف الجيم .
وبلغني من وجه آخر أن حارثة بن بدر مات غريقاً بالأهواز في ولاية المهلب . اهـ .
قال أبو معاوية البيروتي : لم أعثر على ذكرٍ لحارثة بن بدر في المعجم الكبير للطبراني، أو في " معرفة الصحابة " لأبي نعيم الذي نقل ما في معجم الطبراني، والذي في المعجم الكبير : الحارث بن بدل التميمي، وذكره أبو نعيم في " معرفة الصحابة " فقال : الحارث بن بدل النضري، وقيل : الحارث بن سليم بن بدل ، يعد في الشاميين ، مختلف في صحبته . اهـ .
فيظهر لنا أن حارثة بن بدر من وفيات القرن الأول الهجري .

وممّا روى ابن عساكر مِن شعره :
وإذا افتقرت فلا تكن متخشعا .... ترجو الفواضل عند غير المفضل
واستغن ما أغناك ربك بالغنى ..... وإذا تكون خصاصة فتحمل
وله أيضاً :
لعمرك ما أبقى لي الدهر من أخ .... حتى ولا ذي خلة لي أواصله
ولا من خليل ليس فيه غوائل ..... وشر الأخلاء الكثير غوائله


وقد عزا الجاحظ ( ت 255 هـ ) في " البيان والتبيّن " البيتَ إلى حارثة بن بدر .
وعزاه إليه أبو الفرج الأصبهاني في " الأغاني " فقال :
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا العلاء بن الفضل بن أبي سوية قال حدثني أبي قال :
كانت في تميم حمالتان فاجتمعوا في مقبرة بني شيبان فقال لهم الأحنف لا تعجلوا حتى يحضر سيدكم فقالوا من سيدنا غيرك قال حارثة بن بدر قال وقدم حارثة من الأهواز بمال كثير فبلغه ما قال الأحنف فقال اغرمنيها والله ابن الزافرية ثم أتاهم كأنه لم يعلم فيما اجتمعوا فقال فيم اجتمعتم فأخبروه فقال لا تلقوا فيهما أحداً فهما علي ثم أتى منزله فقال :
خَلَتِ الديارُ فسُدْتُ غير مُسَوَّدِ ... ومن الشَّقاء تَفَرُّدِي بالسُّودَدِ
وقال أبو الفرج في موضعٍ آخر :
اجتاز حارثة بن بدر الغداني بمجلس من مجالس قومه من بني تميم ومعه كعب مولاه فكلما اجتاز بقوم قاموا إليه وقالوا مرحباً بسيدنا فلما ولى قال له كعب ما سمعت كلاماً قط أقر لعيني ولا ألذ بسمعي من هذا الكلام الذي سمعته اليوم فقال له حارثة لكني لم أسمع كلاماً قط أكره لنفسي وأبغض إلي مما سمعته قال ولم قال ويحك يا كعب إنما سودني قومي حين ذهب خيارهم وأماثلهم فاحفظ عني هذا البيت :
خلَت الدِّيَارُ فَسُدْتُ غير مُسَوَّدِ ... ومن الشَّقَاءِ تَفَرُّدِي بالسُّودَدِ





من نعى على نفسه من العلماء مستشهداً ببيت حارثة بن بدر


1 – عبد الله بن شُبْرُمة الضبي، أبو شبرمة الكوفي القاضي، الفقيه الثقة ( ت 144 هـ ) :
رواه عنه أبو بكر محمد بن خلف الضبي ( ت 306 هـ ) في " أخبار القضاة "، قال :
حَدَّثَنِيْ ابن أبي سعد، قال : حَدَّثَنَا علي بْن الجعد، قَالَ : قيل لابن شُبْرُمَةَ إنك سيد أهل المصر، قال : فأنا إذاً كما قَالَ الشاعر :
خلت الديار فسدت غير مسوّد ... ومن الشقاء تفردي بالسودد



2 - عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم المكي، الفقيه الثقة الفاضل ( ت 150 هـ ) :
رواه عنه الخطيب في " تاريخ بغداد " و " الفقيه والمتفقه " من طريق أبي قلابة الرقاشي، قال : حَدَّثَنَا أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل، قال : قال ابن جريج ( ت 150 هـ ) :
خلت الديار فسدت غير مسود ..... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد


3 - سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، أبو محمد الكوفي ثم المكي، الإمام الثقة الحافظ الفقيه ( ت 198 هـ ) :
وقد ورد عنه من عدّة طرق :

أ - رواه عنه ابنُ أبي حاتم ( ت 227 هـ ) في " الجرح والتعديل " :
باب في تواضع ابن عيينة وذمه نفسه
نا أحمد بن سلمة النيسابوري قال : سمعت أبا قدامة السرخسي يقول :
سمعت ابن عيينة ( ت 198 هـ ) كثيراً ما يرثي نفسه؛ يقول :
ذهب الزمان فصرت (*) غير مسود .... ومن الشقاء تفردي بالسودد

(*) قال المعلّق على " الجرح والتعديل " : كذا وقع في ك، ووقع في د " وصرت "، وفي تاريخ بغداد وغيره " خلت الديار فسدت " أي بضم السين أي صرت سيداً، وهو الصواب، والمعنى عليه أي أني لخلوِّ الديار عن مستحق السيادة صرت سيداً مع أنني غير مستحق. اهـ .


ب – ورواه عنه أبو سليمان حمد الخطابي ( ت 388 هـ ) في كتابه " العزلة "، قال :
أخبرني ابن سعدويه قال : حدثنا إسحاق قال : سمعت محمد بن عبد الأعلى الصنعاني يقول :
خرج علينا سفيان بن عيينة ونحن جلوس على باب داره فقال :
خلت الديار فسدت غير مسود ..... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد

ج – ورواه عنه أبو نعيم الأصبهاني ( ت 430 هـ ) في " حلية الأولياء "، قال :
حدثنا إبراهيم : ثنا محمد قال : سمعت محمد بن عمرو الباهلي يقول :
سمعت ابن عيينة يقول : كنت أخرج الى المسجد فأتصفح الخلق، فإذا رأيت كهولاً ومشيخة جلست اليهم، فأنا اليوم قد اكتنفتني هؤلاء الصبيان ! ثم ينشد :
خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد

د – ورواه عنه الخطيب البغدادي ( ت 463 هـ ) في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع "، قال :
أنا أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله الطبري ، أنا عمر بن إبراهيم المقرئ ، نا محمد بن إبراهيم بن حفص ، قال : سمعت علي بن حرب ، قال : حدثني أبي ، قال :
كنا في مجلس سفيان بن عيينة ( ت 198 هـ ) فضجر ، فقام من مجلسه، فقام إليه رجل من أقصى المجلس فقال : يا أبا محمد ، أنت غاية الناس وطلبتهم ، وإن الرجل ليريد الحج وما ينشط إلا إلى لقائك ، فجلس ، وأنشأ يقول :
خلت الديار فسدت غير مسود ...... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد

هـ - ورواه عنه ابنُ عساكر في " تاريخ دمشق " بلفظ ينقله الكثيرون من دون درايتهم لنقد الحافظ ابن عساكر للرواية وبيانه لخطئها ! قال ابن عساكر :
أخبرنا أبو المعالي عبدالله بن أحمد بن محمد، أنا أبو بكر بن خلف قال : سمعت القاضي أبا بكر محمد بن يوسف بن الفضل الجرجاني إملاءً يقول : سمعت محمد بن جعفر البغدادي الحافظ يقول : سمعت محمد بن جعفر الخرائطي بعسقلان يقول : سمعت العباس بن محمد بن عبدالله الترقفي يقول :
خرج علينا سفيان بن عيينة رحمه الله يوماً فنظر إلى أصحاب الحديث فقال :
هل فيكم أحد من أهل مصر ؟ فقالوا : نعم، فقال : ما فعل الليث بن سعد ؟ فقالوا : توفي رحمه الله .
فقال : هل فيكم أحد من أهل الرملة ؟ فقالوا : نعم، فقال : ما فعل ضمرة بن ربيعة الرملي ؟ فقالوا : توفي رحمه الله .
فقال : هل فيكم أحد من أهل حمص ؟ فقالوا : نعم، فقال : ما فعل بقية بن الوليد ؟ فقالوا : توفي رحمه الله .
فقال : هل فيكم أحد من أهل دمشق ؟ فقالوا : نعم، فقال : ما فعل الوليد بن مسلم ؟ فقالوا : توفي رحمه الله .
فقال : هل فيكم أحد من أهل قيسارية ؟ فقالوا : نعم، فقال : ما فعل محمد بن يوسف الفريابي ؟ فقالوا : توفي رحمه الله .
فبكى طويلاً ثم أنشأ يقول :
خلت الديار فسدت غير مسود ..... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد

قال الحافظ ابن عساكر : هذه الحكاية ظاهرة الاختلال لا يخفى خطؤها إلا على الجهال،
فإن الليث قديم الوفاة لا يخفى وفاته على سفيان،
فأما ضمرة بن ربيعة؛ فإنما توفي بعد سفيان؛ قيل سنة مئتين، وقيل سنة اثنين ومئتين،
وأما بقية؛ فقيل توفي قبل سفيان، وقيل بعده،
وتوفي سفيان سنة ثمان وتسعين ( قال أبو معاوية البيروتي : أي ومئة ) فأما الفريابي فإنه بقي بعد سفيان مدة طويلة، وتوفي سنة ثنتي عشرة ومئتين . اهـ .


4 – محمد بن عبد الله بن قيس، أبو محرز الكناني ( ت 214 هـ ) :
ترجم له ابن فرحون ( ت 799 هـ ) في " الديباج المذهب في أعيان علماء المذهب " فقال : قاضي إفريقية، كان رجلاً فاضلاً، سمع من مالك بن أنس وروى عنه، وولي القضاء بإفريقية، وفيه أنشد:
خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد
توفي سنة أربع عشرة ومئتين . اهـ .


5 – بشر بن الحارث المروزي، أبو نصر الحافي، الزاهد الجليل المشهور الثقة القدوة ( ت 227 هـ ) :
رواه عنه أبو نعيم الأصبهاني ( ت 430 هـ ) في " حلية الأولياء "، قال :
حدثنا محمد بن الفتح، ثنا عبدالله بن أبي داود، ثنا علي بن خشرم قال : سمعت بشر بن الحارث ( ت 227 هـ ) يقول :
خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد

6 –