تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الإمام الحسن البصري وموقفه من الفتن



أهــل الحـديث
20-01-2012, 03:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




الإمام الحسن البصري وموقفه من الفتن



خطبة جمعة، للشيخ خالد بن ضحوي الظفيري

عباد الله: إن علماء أهل السنة الصادقين هم أنموذج عظيم للاقتداء وترك الابتداع، فإذا قلبت طرفك في سيرهم عرفت أنهم على الحق سائرون وعلى السنة صابرون، فمنهم الصحابة الكرام والتابعون العظام ومن تبعهم بإحسان، كإمام أهل السنة والجماعة صدقا وحقا الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله أجمعين.
ولنا وقفة موجزة مع إمام من هؤلاء الأئمة الذين لهم موقف عظيم في مواجهة الفتن ومعالجتها، والإنكار على من خالف أهل السنة في طريقة تعاملهم مع الفتن، وهو الإمام أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن البصري رحمه الله، فقد عاصر هذا الإمام فتنة عظيمة من الفتن التي مرت على المسلمين وهي ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي الظالم الجبار المبير على أهل العراق، وخروج ابن الأشعث ومن معه عليه مطالبين بالتغيير، ورافضين للظلم، فحصلت بذلك فتنة عظيمة قتل فيها كثير من المسلمين.
فما هو موقف هذا الإمام الثابت على السنة، هل حثهم على الخروج والتغيير، هل شارك معهم في قتالهم، كلا بل إنّه رحمه الله كان ينكر أشد الإنكار على من رأى الخروج أو دعا إليه ، فله -رحمه الله- كلام كثير في هذا، وفي كفّ الناس عن الخوض في الفتنة وأمرهم بالصبر حتى يأتي الله بالفرج، لذلك كان يونس بن عبيد -رحمه الله- يقول: ((كان الحسن -والله- من رؤوس العلماء في الفتن والدماء)).
لذلك لما قيل له: يا أبا سعيد: ما تقول في السلطان؟، فقال: ((ما عسيت أن أقول في قوم يلون من أمورنا بخمسة: الجمعة، والجماعة، والفيء، والثغور، والحدود، وما يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا، ولما يصلح الله بهم أكثر مما يفسد)).
لكن مع موقفه هذا أكرهه ابن الأشعث على الخروج معه، لكنّه لم يستمر معه ولم يقاتل بل ولى هارباً حين سنحت له الفرصة، وهذا يدل على عدم رضاه بذلك إطلاقاً.
قال أيوب: ((قيل لابن الأشعث: إن سرّك أن يُقتلوا حولك كما قُتلوا حول جمل عائشة فأخرج الحسن، فأرسل إليه فأكرهه)). وعن ابن عون –رحمه الله- أنه قال: ((استبطأ النّاس أيّام ابن الأشعث فقالوا له: أخرج هذا الشيخ -يعني: الحسن البصري- قال ابن عون: فنظرت إليه بين الجسرين وعليه عمامة سوداء، فغفلوا عنه فألقى نفسه في بعض تلك الأنهر حتى نجا منهم وكاد يهلك يومئذ)). فانظر كيف فرّ من المشاركة معهم لعلمه بخطورة ذلك.
لذلك كان أهل البصرة يحمدون منه هذا الموقف وعلت مكانته عندهم بسببه، وهذا يدلّ على أنه لم يكن مع ابن الأشعث، فعن ابن عون قال: ((كان مسلم بن يسار أرفع عند أهل البصرة من أبي سعيد -يعني: الحسن البصري-، حتى خفّ مع ابن الأشعث [أي خرج معه] وكفّ الآخر، فلم يزل أبو سعيد في علو منها بَعدُ، وسقط الآخر)).
وكان الحسن البصري -رحمه الله- لما سمع رجلاً يدعو على الحجاج، قال له: ((لا تفعل إنّكم من أنفسكم أُوتيتم إنا نخاف إن عزل الحجاج أو مات أن يستولي عليكم القردة والخنازير)). وكان -رحمه الله- إذا قيل له: ألا تخرج فتغيّر، قال: ((إنّ الله إنّما يغيّر بالتوبة، ولا يغيّر بالسيف)).
واسمع إلى هذه الحادثة وما فيها من العبر، وكيف هو صبر الأئمة على السنة، واتباعهم لها، يقول سليمان بن علي الربعي -رحمه الله-: لما كانت الفتنة، فتنة ابن الأشعث، إذ قاتل الحجاج بن يوسف، انطلق عقبة بن عبدالغافر، وأبو الجوزاء، وعبدالله بن غالب، في نفر من نظرائهم، فدخلوا على الحسن، فقالوا: يا أبا سعيد ما تقول في قتال هذا الطاغية الذي سفك الدم الحرام وأخذ المال الحرام وترك الصلاة وفعل وفعل؟ قال: وذكروا من فعل الحجاج، قال: فقال الحسن: ((أرى أن لا تقاتلوا، فإنها إن تكن عقوبة من الله فما أنتم برادّي عقوبة الله بأسيافكم، وإن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين))، قال: فخرجوا من عنده، وهم يقولون: نطيع هذا العلج! قال: وهم قوم عرب، قال: فخرجوا مع ابن الأشعث، قال: فقتلوا جميعاً. فما سمعوا لنصيحة هذا الإمام فكانت تلك عاقبتهم، حتى إن أحدهم وهو عقبة بن عبدالغافر وجد صريعاً يوم الجماجم مع ابن الأشعث، حين انهزم الناس فكان يقول: ((ذهبت الدنيا والآخرة)).
كما أنكر الحسن البصري -رحمه الله- على سعيد بن جبير ومن معه، فعن أيوب قال: قال لي الحسن: ((ألا تعجب من سعيد بن جبير دخل عليّ فسألني عن قتال الحجاج ومعه بعض الرؤساء -يعني: من أصحاب ابن الأشعث)).
وكذلك أنكر على أخيه سعيد بن أبي الحسن حين حث على الخروج مع ابن الأشعث، فعن أبي التياح قال: شهدت الحسن وسعيد بن أبي الحسن حين أقبل ابن الأشعث، فكان الحسن ينهى عن الخروج على الحجاج ويأمر بالكفِّ، وكان سعيد بن أبي الحسن يحضّض، ثم قال سعيد فيما يقول: ما ظنك بأهل الشام إذا لقيناهم غداً، فقلنا: والله ما خلعنا أمير المؤمنين، ولا نريد خلعه، ولكنّا نقمنا عليه استعماله الحجاج فاعزله عنّا، فلما فرغ سعيد من كلامه تكلم الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((يا أيها الناس إنه والله ما سلط الله الحجاج عليكم إلا عقوبة، فلا تعارضوا عقوبة الله بالسيف، ولكن عليكم السكينة والتضرع، وأما ما ذكرت من ظني بأهل الشام؛ فإن ظني بهم أن لو جاؤوا فألقمهم الحجاج دنياه لم يحملهم على أمر إلا ركبوه هذا ظني بهم)).
فهذا أنموذج واضح جلي من مواقف العلماء في الفتن ومعالجتها ضمن الضوابط الشرعية، فلا خروج ولا مظاهرات ولا قتال ولا سب ولعن ولا غير ذلك.
وقد أنكر الدخول في هذه الفتنة العظيمة جمع من العلماء غير الحسن البصري، ومن ذلك إنكار أبي قلابة على مسلم بن يسار، وكذلك أنكر عليهم مطرف بن عبدالله الشخير -رحمه الله- لما دعوه إلى ذلك، فعن حميد بن هلال قال: أتى مطرف بن عبدالله زمان ابن الأشعث ناسٌ يدعونه إلى قتال الحجاج، فلما أكثروا عليه، قال: ((أرأيتم هذا الذي تدعوني إليه، هل يزيد على أن يكون جهاداً في سبيل الله؟)) قالوا: لا، قال: ((فإني لا أخاطر بين هلكة أقع فيها وبين فضل أصيبه)). وقد قيل له -أيضاً-: هذا عبدالرحمن بن الأشعث قد أقبل، فقال: ((والله لئن يُرى بين أمرين: لئن ظَهر لا يقوم لله دين، ولئن ظُهر عليه لا يزالون أذلّة إلى يوم القيامة)). فلا مصلحة إذن شرعية من ذلك الخروج وإنما هو مطالبات مادية ولأجل الدنيا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ((وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة، كما كان عبدالله بن عمر، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين وغيرهم، ينهون عام الحرّة عن الخروج على يزيد، وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث. ولهذا استقرّ أمر أهل السنّة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي r، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم)).
اللهم ثبتنا على السنة، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:
إن من انقلاب المفاهيم والاستدلالات المغلوطة استدلال كثير من الخارجين بفعل من خرج مع ابن الأشعث على الحجاج، وما سبق ذكره من إنكار الأئمة عليهم وبيان أنهم خالفوا النصوص، يدل على أن فعلهم منكر وباطل ولا يجوز الاحتجاج به، فالحجة بالنصوص الشرعية، لا بأقوال وأفعال من خالفها، بل كيف نستدل بأفعال أقوام رجعوا عن فعلهم وعرفوا أنهم أخطأوا وخالفوا النصوص.
ويدلّ على ذلك ندم من خرج مع ابن الأشعث من القراء ممن بقي ولم يقتل، فعن أيوب أنه قال: ((لا أعلم أحداً قُتل إلا وقد رُغب له عن مصرعه، [أي ما تمنى أحد موتته] ولا نجا إلا قد ندم على ما كان منه)).
وقال العلاء بن عبدالكريم: ضحكت، فقال لي طلحة بن مصرّف: ((إنّك تضحك ضحك رجلٍ ما شهد الجماجم))، قيل: يا أبا محمد، وشهدت الجماجم؟، قال: ((نعم، ورميت فيها بأسهم ما بلغت، ولوددت أنّ يدي قطعت من ههنا -وأشار إلى مرفقه- وأنّي لم أشهد)).
وكذلك ندم مسلم بن يسار فعن أبي قلابة أنه اجتمع هو ومسلم بن يسار وكان مسلم خرج مع ابن الأشعث، فذكروا ذلك، فقال مسلم: ((قد خرجت معه فوالله ما سللت سيفاً، ولا رميت بسهم، ولا طعنت برمح))، فقال له أبو قلابة: ((لكن قد رآك رجل واقفاً، فقال: هذا مسلم بن يسار واقف للقتال، فرمى بسهمه وطعن برمحه وضرب بسيفه)). قال: فبكى مسلم، قال أبو قلابة: ((حتى تمنيت أني لم أقل شيئاً)).
وكذلك رجوع الإمام الشعبي عن خروجه يوم الجماجم مع القراء على يزيد والحجاج، وندمه على ذلك واعترافه بذنبه، فقد قال للحجاج: ((أصلح الله الأمير، خطبتنا فتنة فما كنّا فيها بأبرار أتقياء ولا فجار أقوياء، وقد كتبت إلى يزيد بن أبي مسلم أعلمه ندامتي على ما فرط منّي ومعرفتي بالحق الذي خرجت منه وسألته أن يخبر بذلك الأمير، ويأخذ لي منه أماناً فلم يفعل)).
فعليكم عباد الله بالاحتجاج بالنصوص وتقديمها على قول أي أحد كائناً من كان، والنصوص كلها تدلّ على وجوب السمع والطاعة في غير معصية والصبر على جورهم وبذل النصيحة لهم بضوابطها الشرعية والدعاء لهم وغير ذلك. اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ....