المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلمانية في المغرب صراع متجدد



النصرالعالمي
18-01-2012, 09:20 AM
بقلم مصطفى الحسناوي الميسوري (http://albayan.co.uk/AuthorPage.aspx?authorid=3379)
العدد : 293
مجلة البيان



العلمانية في المغرب .. صراع متجدد




http://albayan.co.uk/MGZarticle.aspx?ID=1559 (http://albayan.co.uk/MGZarticle.aspx?ID=1559)

كان يوماً مباركاً ذلك اليوم الذي زرت فيه الشيخ الدكتور إدريس الكتاني في بيته لأول مرة، تنقلنا في النقاش بين مواضيع شتى حتى أثرت معه كتابه (المغرب المسلم ضد اللادينية)، واستغربت عدم إعادة طبعه رغم مرور أكثر من نصف قرن على طبعته الأولى التي نفذت منذ أعوام. فاقترح عليَّ أن أتكلف بذلك، فاستجبت دون تردُّد شاكراً له هذه الثقة، ثم اقترح عليِّ أن أُعدَّ مقدمة لهذه الطبعة، وهذا من تواضعه - حفظه الله - فمتى كان الأصاغر المجاهيل يقدمون للأكابر المشاهير، وترددت في القيام بذلك لمعرفتي قدر نفسي، ولعلمي أن أي مقدمة لهذه الوثيقة المهمة لن تقدم جديداً ذا فائدة. ثم بعد تفكير يسير توكلت على الله في خط هذه السطور التي لن يكون لها كبير فائدة إلا على كاتبها، الذي هيأ له الله - عز وجل - من الأسباب ما جعل اسمه يوضع بجانب اسم باحث ومفكر من الطراز العالمي، ويتشرف بأن تكون له يد في إخراج هذا السفر المهم والمفيد، الذي يرصد فيه صاحبه مؤامرة حيكت ولا زالت تحاك ضد عقيدة ودين وأخلاق وتاريخ هذا الشعب، مؤامرة حاكت خيوطها نخبٌ تصدرت صالونات السياسة ومنابر الإعلام، وصُنعَت صنعاً على أعين الغرب، لتكون هي ممثل الشعب وقائده إلى ظلمات العَلمانية.



يؤرخ الدكتور إدريس الكتاني في كتابه هذا الذي هو تبرير وشرح لأسباب استقالته من حزب الشورى والاستقلال في خطاب رفعه آنذاك لأمين عام الحزب حينها محمد حسن الوزاني، هذا الحزب الذي انقلب فجأة إلى العَلمانية، وبدأ يغازل اليهود ويرسل رسائل التطمين ذات الشمال وذات اليمين.قلت: يؤرخ في هذه الوثيقة التاريخية المهمة، لانحراف في مسار جزء من الحركة الوطنية والأحزاب السياسية، وتنكُّره لدينه بطريقة يذكر الدكتور مستهجنة ومقرفة، ولم تكن لها حاجة أو داعٍ، اللهم إلا التملق والتسلق والتآمر. وتولى جريدتان آنذاك، هما: (الرأي العام) وجريدة (الديمقراطية) كِبْر محاربة الإسلام والاستهزاء برموزه ومقدساته وفرض العَلمانية واللادينية، على شعب مسلم عشية الاستقلال. ولقد حاربت (الديمقراطية) الإسلام حرباً لا هوادة فيها مستهزئة برموزه ومقدساته. والحقيقة أن المؤامرة التي تحدَّث عنها الدكتور الكتاني، والتي تزعَّمها من تلبَّس بلبوس القيادة والزعامة والنضال، مِن فلول الاستعمار وأذنابه، ورؤوس التخريب و أصحابه، لم تكن البداية. بل هي محطة من محطات الارتباط بالعدو بشكل من الأشكال، وعلى مستوى من المستويات، والتي كان علماء المغرب لها بالمرصاد. ففي سنة 1303هـ كتب الشيخ جعفر بن إدريس الكتاني جَدُّ المؤلف كتابه (الدواهي المدهية للفرق المحمية)، متصدياً لظاهرة خطيرة مست المغرب في صميم وحدته وسيادته، ودينه وسياسته؛ ألا وهي احتماء المغاربة بالأجانب والتجنس بجنسياتهم. وقد كَثُر هذا النوع من الاحتماء في صفوف بعض الإقطاعيين من المسلمين، وفي صفوف كثير من أهل الذمة خاصة اليهود منهم. وقد كان هؤلاء المحميون مرتبطين بالعدو مستمدين قوتهم منه، متنكرين لأصولهم وتقاليدهم. وهو ما يكرره العَلمانيون في أيامنا. ولقد كان الشيخ حازماً وصارماً في كتابه مع هذه (الظاهرة / الفتنة). ثم بعد ذلك بدأت جحافل الجواسيس والمبشرين تغزو البلاد، متخذة من مهن عديدة غطاء لتنفيذ مهمتها. فكان منهم الطبيب و الباحث والرحالة والتاجر وغيرهم، وتسللوا لمراكز القرار ومواقع التأثير، وانتشروا في القرى والمداشر، بعد أن عششوا في قصر السلطان ومؤسسات الدولة، بل باضوا وفرخوا. فأصبحت سياستهم نافذة، فضلاً عن تقاريرهم للدول الاستعمارية المتواصلة المتزايدة. وقد تصدى العلماء لهذه الظاهرة، وحذروا منها كتابة وخطابة ووعظاً وفتوى. كان منهم والد المؤلف الشيخ محمد بن جعفر الكتاني، في كتابه (نصيحة أهل الإسلام بما يدفع عنهم داء الكفرة اللئام)؛ حيث تصدى لهذه الظاهرة. وتحدث عن بودار انهيار المغرب، وأسباب ذلك، والحلول المقترحة. وكتابه المذكور، نصيحة قدمها للسلطان المولى عبد العزيز، محاولةً أخيرةً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن السلطان لأسباب عدة (صغر السن، وقلة التجربة، وفساد البطانة، وتسلل الجواسيس لبلاطه) ارتمى في أحضان الغرب، ومهَّد للعَلمانية. حيث بدأت بوادرها في عهده بإلغاء الزكاة، والتشريع للضريبة المسماة الترتيب، وإنشاء أول بنك ربوي، وغيرها من الإجراءات. وقد قاوم العلماء ذلك بشدة، وكان لهم الدور الكبير والكلمة الأولى والأخيرة فخلعوا بيعته، وبايعوا أخاه السلطان المولى عبد الحفيظ على الإسلام والجهاد والتحرير. لكن جيوب مقاومة الأسلمة، وتقليص دور العلماء ونشر العَلمانية والاستماتة في قتل روح المقاومة، والسعي لتقديم المغرب على طبق من ذهب لأعدائه، التي كانت مصالحها مرتبطة بالاستعمار الصليببي، متمثلة في المحميين والجواسيس والخونة وأجداد العَلمانين، مافتئت تحاول وتناور وتمكر وتكيد، وتبث سمومها عبر جرائد ظهرت في تلك الفترة، لعل أشهرها جريدة السعادة التي كانت تصف المقاومين بالإرهابين، والعلماء بالرجعيين والظلامين والثوار المفسدين. وتدعو إلى الاستسلام لفرنسا لتحقيق التقدم والحداثة والازدهار. فتصدى لها جمع من العلماء والمثقفين. لقد كان الناس آمنين، يتحاكمون لشريعة ربهم، ويفضون نزاعاتهم بين يدي علمائهم، ويتصدون لمحاولات حشر الأعداء أنوفهم في أحكامهم وقوانينهم ومصالحهم وحرماتهم، إلى عهد قريب. وفي أوائل القرن التاسع عشر وابتداءً من سنة 1840م، أصبح للقناصل الأجانب دور كبير في إدارة بعض مصالح مدينة طنجة، بعد أن تخلى عنها سلطان ذلك الوقت. وتطور الأمر إلى ما يشبه قيام حكومة محلية، ثم جاء الاعتراف بها كمدينة دولية سنة 1902م. وفي سنة 1923م تقدمت بريطانيا باقتراح لوضع نظام خاص بطنجة. وفي سنة 1924م أصبح هذا الدستور قانونياً، وأصبحت طنجة تحكم نفسها حكماً ذاتياً مستقلاً، كانت اليد الطولى والكلمة المسموعة فيه تعرف مداً وجزراً بين الدول القوية المتصارعة المسيطرة على المدينة. ورغم أن المغاربة المسلمين كان عددهم يفوق الثلثين، إلا أن الفصل في الخصومات بينهم وبين غيرهم، كان يتم في محكمة مختلطة تتكون من ثلاث قضاة من فرنسا وإسبانيا وواحد من إيطاليا والبرتغال وبلجيكا وهولندا وبريطانيا وأمريكا. وانتظر المسلمون سنة 1952م، لإضافة قاض مسلم واحد لم يكن له من الأمر شيء، وكان وجوده شكلياً.كان هذا في طنجة الدولية، التي كان تطبيق العلمانية فيها وإبعاد الدين سابقاً على باقي مناطق البلاد، وبعد دخول فرنسا رسمياً للمغرب عقب معاهدة الحماية، وجدت العَلمانية والقوانين الوضعية طريقها للتطبيق والتنزيل على أرض الواقع، وبدأت عملية عزل الشريعة وإقصائها والحدِّ من دور العلماء وتهميشهم تتم بالتدريج. فقد صدر ظهير ملكي لضبط محال بيع الخمور بتاريخ 29/06/1913م، وصدر بتاريخ 19/03/1914م، ظهير ملكي بتقنين البغاء، وفي 11/09/1914م، صدر ظهير ملكي يأمر بإقرار ومراعاة العوائد البربرية (وهو ما يعني عدم خضوع هذه المناطق للشريعة وتحاكُمها للأعراف والتقاليد؛ أي العلمانية)، وفي 21 من الشهر نفسه صدر قرار بتحديد القبائل الخاضعة للحكم البربري العَلماني، وفي 22/09/1915م صدر بلاغ يقضي بجعل اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية للجماعات البربرية، وفي 15/11/1922م صدر قرار يقنن تفويت العقارات للأجانب بالقبائل البربرية، وصدر قانون مصادرة الأراضي في 11/01/1914م، وصدر ظهير إصلاح القضاء بتاريخ 11/01/1913م، وعدل بتاريخ 07/03/1914م، ثم في 30/04/1916م، وفي 22/08/1921، وفي 29/04/1924م. وصدر ظهير تمييز الراية المغربية بتاريخ 29/06/1915م. وظهير حرية الصحافة المأخوذ عن القانون الفرنسي بتاريخ 27/04/1917م، وعدل في 09/02/1918م، ثم في 20/11/1920م، وهي السنة التي صدر فيها قانون يمنع على جميع مدارس البادية تعليم العربية الفصحى، وفي 1930م صدر الظهير البربري الصليبي العَلماني، والقاضي بإحلال قانون العقوبات الفرنسي في المناطق الأمازيغية. كان هذا استعراض لجذور العَلمانية وإقصاء الشريعة في المغرب، التي تمت على مستويات وحقول مختلفة؛ فقد كانت طنجة الحقل المكاني للتجربة الأولى؛ كونها الحلقة الأضعف والأنجح أيضاً لأسباب عدة. ثم كانت القوانين مدخلاً لإقصاء الشريعة، في باقي المناطق، وهي طريقة سريعة وغير مكلفة، ساعد في إنجاحها، جهل المجتمع بما يحاك ضده، وتقديم هذه الحزمة من القوانين في قالب الإصلاح والتجديد، وحمايتها وتطبيقها وفرضها، بقوة الرجال والحديد والنار.

يتبع