المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة انتقال النبى صلى الله عليه وسلم إلى الأصلاب



أهــل الحـديث
14-01-2012, 03:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


قصة انتقال النبى صلى الله عليه وسلم إلى الأصلاب



نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم، حتى يقف على حقيقة

هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الناس، ويذكرها بعض القصاص والوعاظ بمناسبة مولد

النبي ، واغتر كثير من الناس بها كغيرها من القصص الواهية في مولد النبي ، وكم من قصص


واهية في المولد خرجناها وحققناها في هذه السلسلة وبينا بطلانها، ونذكر القارئ الكريم بما

أوردناه من قصص واهية حول مولد النبي اشتهرت وانتشرت ليأخذ حذره منها


قصة انتقال النور المحمدي والمرأة التي راودت عبد الله والد النبي عن نفسه وطرقها السبعة،

وقصة ارتجاس إيوان كسرى، وسقوط أربع عشرة شرفة، وقصة خمود نار فارس التي لم تخمد قبل

ذلك بألف عام، وقصة غيض بحيرة ساوه، وقصة رؤيا كسرى إبلاً صعابًا تقود خيلاً عرابًا، كل هذه

القصص الواهية يزعمون أنها وقعت ليلة مولد النبي ، وقصة عبد المسيح مع سطيح، وتفسير رؤيا

الموبذان، وقصة آمنة أم النبي عندما أخذها المخاض، وقصة النسوة اللاتي كالنخل طولاً

وحضورهن ساعة الميلاد، وقصة الطير التي أقبلت وغطت حجرة آمنة، وقصة الرجال الذين وقفوا

في الهواء بأيديهم أباريق من فضة، وقصة الأعلام المضروبة بالمشرق والمغرب على ظهر الكعبة،

وقصة الطواف بالنبي عند ولادته بالمشارق والمغارب ودخوله البحار»


ولقد بينا بطلان هذه القصص بالبحوث العلمية الحديثية، ثم أتينا عقب كل قصة بالقصص

الصحيحة في مولد النبي ، ونواصل في هذا العدد إن شاء الله تعالى التحذير من القصص الواهية

في مولد النبي

قصة انتقال النبي إلى الأصلاب

أولاً متن القصة

رُوِيَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قلت يا رسول الله، أين كنت وآدم في الجنة؟ قال كنت

في صلبه، وأهبط إلى الأرض وأنا في صلبه، وركبت السفينة في صلب أبي نوح، وقُذفت في النار

في صلب أبي إبراهيم لم يلتق لي أبوان قط على سفاح، لم يزل ينقلني من الأصلاب الطاهرة

إلى الأرحام النقية مهذبًا، لا يتشعب شعبان إلا كنت في خيرهما، فأخذ الله لي بالنبوة ميثاقي،

وفي التوراة بشر بي، وفي الإنجيل شهر اسمي، تشرق الأرض لوجهي، والسماء لرؤيتي، ورقى

بي في سمائه، وشق لي اسمًا من أسمائه، فذو العرش محمود وأنا محمد، وفي ذلك يقول

حسان بن ثابت

من قبلها طبت في الظلال وفي

مُستودع حيث يخصف الورق

ثم هبطت البلاد لا بشر

أنت ولا مضغة ولا علقُ

فذكر الأبيات قال «فحشت الأنصار فمه دنانير» اهـ

ثانيًا التخريج



هذا الخبر الذي جاءت به قصة انتقال النبي إلى الأصلاب أخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات»

قال أنبأنا علي بن أحمد الموحد، أنبأنا هناد بن إبراهيم النسفي، حدثنا أبو الحسن علي بن

محمد بن بكران، أنبأنا أبو صالح خلف بن محمد بن إسماعيل، قال حدثنا الحسين بن الحسن بن

الوضاح ومحبوب بن يعقوب قالا حدثنا يحيى بن جعفر بن أعين قال حدثنا علي بن عاصم عن

عطاء بن السائب عن مُرة الهمداني عن ابن عباس، قال قلت يا رسول الله، أين كنت وآدم في

الجنة؟ القصة

وأورده السيوطي في «اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» ، وأورده ابن عراق في «تنزيه


الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة»

وأورده الشوكاني في «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» ص

ثالثًا التحقيق

قال الإمام ابن الجوزي في «الموضوعات» هذا حديث موضوع قد وضعه بعض القصاص، وهناد لا

يوثق به، ولعله من وضع شيخه أو من شيخ شيخه على أنَّ عليَّ بن عاصم قد قال فيه يزيد بن

هارون ما زلنا نعرف فيه الكذب، وقال يحيى ليس بشيء


قلت وإلى القارئ الكريم تخريج الجرح الذي أورده ابن الجوزي في عليّ بن عاصم وهو مهم جدًّا

لطالب هذا الفن

أ فقد أخرج الإمام العقيلي في كتابه «الضعفاء الكبير» قال

حدثنا جعفر بن محمد، قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة، يقول كنا عند يزيد بن هارون أنا وأخي أبو

بكر، فقال يا أبا خالد، ابن عاصم إيش حاله عندك؟

قال «حسبكم، ما زلنا نعرفه بالكذب» اهـ

ب وقد أخرج الإمام ابن عدي في «الكامل في ضعفاء الرجال» قال حدثنا ابن حماد، قال حدثنا

معاوية عن يحيى قال «علي بن عاصم واسطي ليس بشيء» اهـ

قلت وإضافة إلى ما قاله الإمام ابن الجوزي رحمه الله

فقد ضعّف الإمام البخاري علي بن عاصم في كتابه «الضعفاء الصغير» ترجمة حيث قال الإمام

البخاري «علي بن عاصم ليس بالقوي عندهم»

ونقل الإمام ابن عدي عن الإمام النسائي أنه قال «علي بن عاصم متروك الحديث»

وكذلك نقل الإمام الذهبي في «الميزان» عن الإمام النسائي أنه قال «علي بن عاصم متروك

الحديث»

قلت وهذا المصطلح له معناه عند علماء الصنعة يبين ذلك الحافظ ابن حجر في «شرح النخبة» النوع ،
«مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه» اهـ

قول الإمام ابن الجوزي «وهناد لا يوثق به، ولعله من وضع شيخه أو من شيخ شيخه»

«علي بن محمد بن بكران، شيخ لهناد النسفي، جاء بخبر سمج أحسبه باطلاً» اهـ

قلت ولقد أقر الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» ، وتكون هذه علة أخرى في الخبر

وعلة ثالثة شيخ شيخ هنَّاد

وهو أبو صالح خلف بن محمد بن إسماعيل، قال الإمام السيوطي في «اللآلئ المصنوعة» «وقال

الخليلي خلف ضعيف جدًّا، روى متونًا لا تُعرف»

وعلة رابعة

وهو عطاء بن السائب قال الحافظ ابن حجر في «التهذيب» «وقال أبو طالب عن أحمد من سمع

منه أي من عطاء بن السائب قديمًا، فسماعه صحيح، ومن سمع منه حديثًا لم يكن بشيء،

سمع منه قديمًا سفيان وشعبة، وسمع منه حديثًا جرير، وخالد، وإسماعيل، وعلي بن عاصم»

اهـ

قلت وعلي بن عاصم بينا حاله في العلة الأولى آنفًا

وهنا ارتباط بين العلة الأولى والرابعة تزيد الخبر الذي جاءت به القصة وهنًا على وهن؛ حيث تبين

من أقوال علماء الجرح والتعديل

أ «من سمع من عطاء بن السائب حديثًا لم يكن بشيء»

ب وعلي بن عاصم من الذين رووا عن عطاء بن السائب حديثًا

جـ إذن الخبر الذي جاء به لم يكن بشيء

ولذلك نجد الإمام الذهبي في «الميزان» قال ثم يتبع ذلك الجرح مباشرة بالقاعدة التي قالها

الإمام أحمد في عطاء، وهي «من سمع منه قديمًا فهو صحيح، ومن سمع منه حديثًا فليس

بشيء»

قلت وكأن الإمام الذهبي يبين السبب والمسبب

وبهذه العلل الأربع يصبح الخبر الذي جاءت به القصة باطلاً، والقصة واهية موضوعة، والموضوع هو

الكذب المختَلَق المصنوع المنسوب إلى النبي

ملحوظة مهمة



مما أوردناه آنفًا يتبين لطالب هذا العلم دقة علماء الصنعة في معرفة من اختلط من الثقات حتى

أفردوه بنوع من أنواع علوم الحديث، يتبين ذلك من تصنيف الإمام ابن الصلاح في «علوم

الحديث» النوع «معرفة من خلط في آخر عمره من الثقات»؛ حيث قال «هذا فن عزيز مهم، لم

أعلم أحدًا أفرده بالتصنيف واعتنى به، مع كونه حقيقًا بذلك جدًّا»

ثم قال وهم منقسمون

أ فمنهم من خلط؛ لاختلاطه وخرفه

ب ومنهم من خلط لذهاب بصره

جـ أو لغير ذلك

ثم قال والحكم فيهم

أ أنه يُقبل حديث من أُخذ عنهم قبل الاختلاط

ب ولا يقبل حديث من أخذ بعد الاختلاط، أو أشكل مرة فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده

ثم أورد تطبيقًا ليبين أهمية علم الحديث التطبيقي فقال

«فمنهم «عطاء بن السائب» اختلط في آخر عمره، فاحتج أهل العلم برواية الأكابر عنه مثل

سفيان الثوري وشعبة»؛ لأن سماعهم منه كان في الصحة

وقال «يحيى بن سعيد القطان» في شعبة إلا حديثين كان شعبة يقول سمعتهما بآخرة عن زاذان

اهـ
قلت انظر إلى الدقة التامة والتحري البليغ في علم الحديث رواية، والذي طبقناه تطبيقًا عمليًّا

على حديث القصة، وربطنا بين العلة الأولى والرابعة حتى تبين أن القصة رويت بعد الاختلاط رواها

علي بن عاصم الكذاب عن عطاء بن السائب كما بينا آنفًا

ولأهمية هذا العلم بعد أن قال الإمام ابن الصلاح «لم أعلم أحدًا أفرده بالتصنيف، واعتنى به، مع

كونه حقيقًا بذلك»؛ قال الإمام الحافظ العراقي في «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» النوع

«وبسبب كلام ابن الصلاح أفرده شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائي بالتصنيف في جزء حدثنا به،

ولكنه اختصره ولم يبسط الكلام فيه، ورتبهم على حروف المعجم»

قلت وأفرده بالتصنيف الإمام الحافظ إبراهيم بن محمد الحلبي المتوفى سنة هـ، وسماه

«الاعتباط بمن رُمي بالاختلاط»، ولا يرد هذا على ما قاله ابن الصلاح؛ لأنه متأخر عن ابن الصلاح

بقرنين

قلت وبهذا البحث تحقق المنهج الذي نسير عليه من بدء هذه السلسلة المباركة، سلسلة

«تحذير الداعية من القصص الواهية»، والتي تنشرها مجلة التوحيد الغراء؛ حيث بينا منذ أكثر من

عشر سنوات أصول هذا المنهج

فالقارئ الكريم يقف على درجة القصة

والداعية يكون على حذر ويَسْلَم له عمله على السنة وحدها

وطالب هذا الفن يجد نماذج من علم الحديث التطبيقي

ويتعلم من أصول علم الحديث ما يمكّنه من الرد على أعداء السنة، خاصة في هذه الأيام التي

يطعن فيها هؤلاء في صحيح الإمام البخاري في القنوات الفضائية

حيث ادعى أحدهم وهو يطعن في رجال البخاري أن من رجال صحيح البخاري من ساء حفظه

واختلط، ومنهم عطاء بن السائب، والذي بينا حكم أئمة الحديث فيه في هذا البحث؛ ليستطيع

طالب هذا الفن أن يرد على أمثال هؤلاء الذين يجادلون في صحيح البخاري بغير علم

فقولهم عطاء بن السائب من رجال البخاري فإطلاقهم هذا يدل على جهلهم برجال البخاري،

حيث إن عطاء بن السائب لم يرو له البخاري احتجاجًا، ولكن روى له متابعة واستشهادًا

ولقد بين ذلك الحافظ ابن حجر في «التهذيب» حيث قال «عطاء بن السائب روى له البخاري حديثًا

واحدًا ومتابعة في ذكر الحوض»

قلت وهذا الحديث أخرجه البخاري ح قال حدثني عمرو بن محمد، حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر

وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال «الكوثر الخير الكثير

الذي أعطاه الله إياه» قال أبو بشر قلت لسعيد إن أناسًا يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال النهر

الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه»

قلت انظر إلى دقة الإمام البخاري رحمه الله، وهو أستاذ الأستاذين وطبيب الحديث وعلله، فلم

يرو لعطاء بن السائب احتجاجًا، ولو روى له احتجاجًا لقال حدثني عمرو بن محمد حدثنا هشيم

أخبرنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير به، ولكن لم يحتج به ولم يفرده، ولكن جعله مقرونًا

بأبي بشر أحد الأثبات، فقال حدثني عمرو بن محمد حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر وعطاء بن


السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما

قلت هذا من دقيق فقه العلل للإمام البخاري رحمه الله، فعندما روى لهشيم عن عطاء بن

السائب لم يفرد عطاء بن السائب؛ لأن هشيمًا سمع منه بعد الاختلاط، ولكن قرنه بأبي بشر

أحد الأثبات، ولذلك نجد الإمام البخاري أخرج هذا الحديث في تفسير سورة الكوثر محتجًا بأبي

بشر وحده حيث أخرجه البخاري ح قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم حدثنا أبو بشر عن

سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر هو الخير الذي أعطاه الله إياه»

الحديث

قلت فأنى لأقزامٍ أن يتكلموا ويطعنوا في أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري ولا دراية لهم

بهذه الصناعة الحديثية، ومن أراد المزيد؛ فليرجع إلى «شرح علل الترمذي» للإمام العالم العلامة

الحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي؛ حيث ذكر بحثًا دقيقًا في القسم الثاني ولأهمية

هذا العلم بدأ القسم الأول بقوله «أحببت أن أُتبِعَ كتاب العلل بفوائد أخر مهمة وقواعد كلية تكون

للكتاب تتمة، وأردت بذلك تقريب علم العلل على من ينظر فيه؛ فإنه علم قد هُجِر في هذا

الزمان، وقد ذكرنا أنه علم جليل، قلَّ من يعرفه من أهل هذا الشأن، وأن بساطه قد طُوي منذ

أزمان، وبالله المستعان وعليه التكلان؛ فإن التوفيق كله بيديه، ومرجع الأمور كلها إليه» اهـ

قلت قول الحافظ ابن رجب عن علم العلل «إنه علم قد هُجر في هذا الزمان» إن كان هذا القول

في عصر ابن رجب المتوفى سنة هـ، فكيف يكون الحال اليوم في ربيع الأول سنة هـ؟

هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد

منقول من سلسلة تحذير الداعيه من القصص الواهيه

للشيخ علي حشيش حفظه الله من مجلة التوحيد