المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر أو الأمر بها :



أهــل الحـديث
13-01-2012, 01:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


جرت عادة كثير من الخطباء على أن يختموا الخطبة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو الأمر بذلك ، وهذا لا دليل عليه في هذا الموضع ، والأولى ألا يقتصر على موضع واحد إن كان ، فتارة يصلي عليه في أولها ، وأخرى في أوسطها ، ولا يلتزم موضعاً واحداً يوهم أن ذلك هو السنة .
وهل يأمر المصلين بذلك ؟ .
الجواب : لا دليل على الأمر بها ، ولا مانع من ذلك أحياناً للتذكير بفضلها لاسيما في يوم الجمعة ، لأن الخطبة للموعظة والتذكير والإرشاد ، وأما الديمومة فلا دليل عليها . ولكن عمل الناس من قديم الزمن على ذلك ، غير أني لا أعلم مستنداً لهذا بل إنني وقفت على أثر ضعف يمنع من ذلك ، فقد روى الطبراني في الكبير عن عبدالله بن الزبير قال : " ليس من السنة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر " .
قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير وفيه ليث بن أبي سليم ، وهو مدلس ( (1061) انظر : مجمع الزوائد ( 2 / 188 ) . 1061) . اهـ .
قلت : فعلى قول ابن الزبير هذا يكون الأمر بها من باب أولى . ولكن الأثر هذا ضعيف كما ترى .
وأقدم ما وقفت عليه من الأقوال في هذه المسألة هو قول الأوزاعي رحمه الله ، والذي توفي سنة مائة وسبع وخمسين . فقد قال رحمه الله : " إذا صلى الإمام على النبي سكت حتى يصلي الناس ، فإن لم يسكت أنصت الناس ، وأمنوا على دعائه " ( (1062) انظر : مختصر اختلاف العلماء ( 1 / 333 ) . 1062) . اهـ .
ثم يليه في القدم قول أبي يوسف رحمه الله حيث توفي سنة ثنتين وثمانين ومائة من الهجرة
فقد قال رحمه الله : "إن الإمام إذا قرأ في خطبته { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ } أنه ينبغي للناس أن يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال " ( (1063) انظر : الأصل ( 1 / 351 ) ، المبسوط ( 2 / 29 ) ، مختصر اختلاف العلماء ( 1 / 333 ) . 1063) . اهـ .
وكان أبو جعفر الطحاوي يقول : " على القوم أن يستمعوا إلى أن يبلغ الخطيب إلى قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } سورة الأحزاب، آية: 56.( (1064) انظر : الفتاوى التاتار خانية ( 2 / 67 ) . 1064) . اهـ.
وقال ابن المنذر - وهو من أهل القرن الثالث-: واختلفوا فيما يفعله المستمع للخطبة إذا قرأ الإمام {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ }الآية, فقالت طائفة : يصلون عليه في أنفسهم ويسلمون تسليماً ...الخ( (1065) انظر : الأوسط ( 4 / 81 ) . 1065) . اهـ
وقد ذكر ابن حزم في معرض حديثه عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة قائلاً : "والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر الخطيب في الصلاة عليه والتأمين على دعائه"( (1066) انظر : المحلى ( 5 / 62 ) . 1066) . اهـ
وقال النووي : " قال في البيان : إذا قرأ الإمام في الخطبة : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ } جاز للمستمع أن يصلي على النبي ويرفع بها صوته " ( (1067) انظر : البيان : ( 2 / 600 ) ، والمجموع ( 4 / 412 ) . 1067) . اهـ .
وتحدث شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مشيراً إلى مثل هذا ، فلم ينكره حيث قال : " وذلك أن الله تعالى أمر في كتابه بالصلاة والسلام عليه مخصوصاً بذلك فقال : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } سورة الأحزاب ، آية : 56. فهنا أخبر وأمر . وأما في حق عموم المؤمنين فأخبر ولم يأمر ، فقال تعالى : { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ } سورة الأحزاب ، آية : 43. ولهذا إذا ذكر الخطباء ذلك قالوا : إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه ، وثنى بملائكته ، وأيَّه بالمؤمنين من بريته أي قال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } اهـ( (1068) انظر : مجموع الفتاوى ( 27 / 408 ) . 1068) .
قلت : فدلَّ هذا على شهرة هذه المقولة منذ زمن متقدم أي في القرن الثاني الهجري . والعلم عند الله تعالى .
ثم إنني وقفت على كلام للشيخ الطنطاوي رحمه الله وهو من المعاصرين وقد قال فيه بما نصه : " وما يلتزمه الخطباء فيها - أي في الخطبة الثانية - من الصلاة الإبراهيمية ، والترضي عن الخلفاء والتابعين بأسمائهم ، لم يلتزمه أحدٌ من السلف ( (1069) انظر : فصول إسلامية ص ( 125 ) . 1069) . اهـ .تنبيه :
ذكر فضيلة شيخنا الدكتور صالح الفوزان أن أمر الخطيب للحضور بأن يصلوا على النبي صلى الله وسلم من الابتداع والجهل ، فقد قال بما نصه : وربما أن بعض الخطباء يأمر الحاضرين بذلك - أي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - وهذا جهل وابتداع لا يجوز فعله ( (1070) انظر : انظر الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان ( 1 / 175 ) . 1070) . اهـ .
وقد تحدث معي بعض طلبة العلم عن هذه المسألة ورأى بعضهم أنها بدعة ونسبوا ذلك إلى شيخ الإسلام رحمه الله .
قلت : ولا يثبت عن شيخ الإسلام أنه وصف أمر الخطباء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالبدعية حسب اطلاعي وبحثي . بل إنه أوردها في كلامه على هيئة المقر لها إذ لم يتعرض لها بشيء . فلعل هؤلاء الذين نقلوا عن شيخ الإسلام هذه المسألة قد وهموا والتبس عليهم الأمر بكلام آخر ذكره شيخ الإسلام لكنه يخص المؤذنين والحضور ولا يتعلق بالخطيب ، فلعلَّ من قرأ ذلك قد قاس الخطيب عليه ، أو ظن أن كلام شيخ الإسلام عام يشمل حتى الخطيب . وإليك نص كلام شيخ الإسلام في هذه المسألة .
فقد قال رحمه الله : "جهر المؤذن بذلك -أي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم- كجهره بالصلاة والترضي عند رقي الخطيب المنبر ، أو جهزه بالدعاء للخطيب والإمام ، ونحو ذلك: لم يكن على عهد رسول الله صلى الله وسلم، وخلفائه الراشدين ، ولا استحبه أحد من الأئمة. وأشد من ذلك الجهر بنحو ذلك في الخطبة، وكل ذلك بدعة والله أعلم( (1071) انظر : مجموع الفتاوى ( 24 / 218 ) . 1071). اهـ .
قلت : قول شيخ الإسلام ( وأشد من ذلك الجهر بنحو ذلك في الخطبة ، وكل ذلك بدعة ) هذه العبارة هي محل وهم من ظن أن شيخ الإسلام يرى أن الأمر بالصلاة من قبل الخطيب بدعة ، وهذا الوهم باطل من وجوه :
الوجه الأول : أنه قال ( الجهر بنحو ذلك في الخطبة ) معلوم أن الخطبة ليست سرية بل هي جهرية ، فدلَّ على أن مراد شيخ الإسلام هو الجهر بها من قبل المؤذن أو الحضور .
الوجه الثاني : أنه مرَّ معنا أن شيخ الإسلام أورد قول الخطباء بالأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإقرار بذلك ، ولم ينكر بشيء من صور الإنكار ، فدلَّ على أنه لا يقول بالبدعية .
الوجه الثالث : أن مما يؤيد أن مراد شيخ الإسلام هو ما يفعله المؤذنون وقت الخطبة من الجهر بالأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، هو كلامه في موضع آخر أصرح من الوضع السابق حيث قال : " وأما رفع المؤذنين أصواتهم وقت الخطبة بالصلاة وغيرها ، فهذا مكروه باتفاق الأئمة " ( (1072) انظر : مجموع الفتاوى ( 24 / 218 ) .1072) . اهـ ، فدلَّ على أن قوله هنا ( وقت الخطبة ) هو قوله هناك في ( الخطبة ) وكلاهما يرجعان إلى فعل المؤذن . والله أعلم .
الشامل في فقه الخطيب والخطبة
المؤلف : د.سعود بن إبراهيم بن محمد الشريم
إمام وخطيب المسجد الحرام