المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسألة في حكم بناء المساجد على قبور الصالحين



أهــل الحـديث
13-01-2012, 04:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله العلي العظيم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد
فإن من المسائل التي كثر اللغط والجدال فيها الآن مع وضوحها في كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مسألة حكم بناء المساجد على القبور خاصة وأنه قد تبنى الدفاع عن هذه المسألة طائفة غير قليلة من المشايخ الذين ينتمون للمذهب الأشعري وخاصة في مصر وعلى رأس هؤلاء فضيلة مفتي مصر الشيخ علي جمعة ودافع بكل ما أوتي من قوة عن رأيه الذي يتبناه في هذه المسألة وهو جواز البناء على القبور بل ونقل الإجماع على ذلك وادعى المدافعون عن هذا الرأي أن القول بعدم جواز البناء على القبور هو قول متعصبة الحنابلة والوهابيين ولم يوافقهم على ذلك أحد من العلماء ولما وصل الامر لهذا الحد من التجني استخرت الله وفصلت في هذه المسألة من خلال هذا البحث وأنا إذ أقدمه لقراء ملتقى أهل الحديث أرجو الله أن ينفع به كاتبه وقارئه وأن يرنا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرنا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه


إن هذه المسألة وأعني بها مسألة بناء المساجد على قبور الصالحين وحكم الصلاة فيها من المسائل التى كثر فيها النزاع والشقاق بين أهل الإسلام مع أن النصوص النبوية الثابتة المخرجة في أصح كتب السنة قد صرحت بالنهي عن اتخاذ القبور مسجد ، ولعنت أقواما قد فعلوا ذلك ، وتنوعت الإشارة النبوية في التحذير من الوقوع في مثل هذا الفعل الموجب للعن



·فمرة يحذر صلى الله عليه وسلم أمته وهو في مرض موته من فعل ذلك فيقول فيما ترويه عائشة وابن عباس رضي الله عنهما




قال في مرضه الذي مات فيه ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدا ) . قالت ولولا ذلك لأبرزوا قبره غير أني أخشى أن يتخذ مسجدا (صحيح البخاري [ جزء 1 - صفحة 446 ومسلم 425 )



وفي رواية ابن حبان في صحيحه [ جزء 14 - صفحة 586 ] : تقول عائشة بعد رواية ذات الحديث ( تقول عائشة : يحذرهم مثل الذي صنعوا) ، وقد روي نفس هذا المتن عن عدد من الصحابة في كتب السنة منهم : أبوهريرة وأسامة بن زيد وزيد بن ثابت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم بألفاظ متقاربة في الكتب الستة المشهورة والمسانيد



·وفي رواية عن جندب رضي الله عنه صحيح مسلم [ جزء 1 - صفحة 377 ]
جندب قال
: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك ( رواه مسلم في صحيحه532 ,ابن حبان في صحيحه (6425) , وابن أبي شيبة ( 2/150)



·ومرة يصرح بالنهي عن الصلاة إلي القبور أو عليها : فيقول :



عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا ( رواه مسلم في صحيحه 972 ، أبو داود (3229) ، والترمذي (1050) و ابن خزيمة في صحيحه ( 739) )



وفي لفظ عند بن حبان في صحيحه (ج 6 ص 93)عَنْ أَنَسٍ أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصَّلاةِ إِلَى الْقُبُورِ

وعند الطبراني في معجمه الكبير بسند صحيح بشواهده (ج 11 ص 376)
عَنِ ابن عَبَّاسٍ قال قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم" لا تُصَلُّوا إلى قَبْرٍ وَلا تُصَلُّوا على قَبْرٍ "



· ومرة ينهي عن الصلاة وسط القبور : وهذا فيما يرويه
َأنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلاةِ بَيْنَ الْقُبُورِ ( صحيح ابن حبان ( ج 6 ص 89) ,أبو يعلي في مسنده ( ج 5 ص 175) ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج 2 ص 27) : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح



· ومرة يصرح بعبارة لا تحتمل اللبس ولا التأويل بلعن الذين يتخذون المساجد على القبور ويوضح أنها سنة نصرانية خبيثة كانت سائدة في عصره صلى الله عليه وسلم وشاهد ذلك في ما صحيح البخاري [ جزء 1 - صفحة 165 ]
عائشة
: أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ( إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة )
[رواه البخاري بأرقام 424 ، 1276 ، 3660 ومسلم رقم 528 ]
وهذا واضح في أن النصارى كانوا يبنون كنائسهم وأماكن عبادتهم علي قبور الصالحين والقديسين منهم , يوضح هذا ما ورد في مجلة المختار عدد مايو 1958 م تحت عنوان ( الفاتيكان المدنية القديمة المقدسة ) يصف كاتبه رونالد كارلوس بيتي كنيسة القديس بطرس في هذه المدينة " إن كنيسة القديس بطرس ،وهي أكبر كنيسة من نوعها في العالم المسيحي تقوم علي ساحة مكرسة للعبادة منذ أكثر من سبعة عشر قرنا ، إنها قائمة علي قبر القديس نفسه : صياد السمك حواري المسيح وتحت أرضها يقع تيه من المقابر ..."



· مرة ينهي عن البناء علي القبور وتجصيصها وتعليتها كما كان سائدا في الجاهلية وعند الأمم آنذاك ففي
عن جابر قال
: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه (حديث صحيح مسلم [ جزء 2 - صفحة 667 وأبو داود 3225 والترمذي (1052) والنسائي (2027) ]



· وفي لفظ صحيح ابن حبان [ جزء 7 - صفحة 434 ]
عن جابر و عن سليمان بن موسى قالا : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور والكتاب عليها والبناء عليها والجلوس عليها



· وفي لفظ عند صحيح ابن حبان [ جزء 7 - صفحة 434 بسند صحيح علي شرط مسلم ]
عن جابر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى على القبر



· ومرة يبعث عليا رضي الله عنه ويأمره بتسوية القبور



عن أبي الهياج الأسدي قال
: قال لي علي بن أبي طالب ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته ( رواه مسلم في صحيحه [ جزء 2 - صفحة 666 وسنن أبي داود [ جزء 2 - صفحة 233 برقم 3218 والترمذي سنن الترمذي [ جزء 3 - صفحة 366 برقم 1049 ]
- قال الترمذي : حديث علي حديث حسن والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يكرهون أن يرفع القبر فوق الأرض قال الشافعي أكره أن يرفع القبر إلا بقدر ما نعرف أنه قبر لكي لا يوطأ ولا يجلس عليه ، والمشرف بضم الميم المرتفع عن وجه الأرض العالي عليها



وفي لفظ عند مسلم عن ثمامة بن شفي حدثه قال
: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوي ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويته ( رواه مسلم (في صحيحه [ جزء 2 - صفحة 666 ]



كلام العلماء في معني الاتخاذ الوارد في الأحاديث :



والذي لخصه العلماء من خلال هذه الأحاديث المتكاثرة أن معني إتخاذ القبور مساجد يدخل فيه ثلاثة أشياء :



استقبال القبور عند الصلاة واتخاذها قبلة والسجود إليها



الصلاة علي القبر بمعني السجود عليه ،وهذان المعنيان لمفهوم الاتخاذ يقر بهما المخالف ، بينما يجتهد في نفي المعني الثالث وهو بناء المساجد علي القبور وقصد الصلاة فيها ويزعمون أن الوهابية قد حرفوا معني الأحاديث الواردة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد , مع أن حديث عائشة رضي الله عنها واضح في بيان هذا المعني ،



وهذا ما فهمه أهل العلم منهم الإمام البخاري عندما بوب على حديث عائشة : بابُ مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ المَسَاجِدِ عَلَى القُبُورِ ثم ترجم علي حديث عائشة بعد ثمانية أبواب : باب بناء المسجد على القبر صحيح البخاري 1 /449)



·قال الإمام أبو الحسن بن بطال المالكي ( ت : 449هـ ، ) في (شرح صحيح البخاري) (3/312 -311) ط : مكتبة الرشد
قال المهلب : هذا النهى من باب قطع الذريعة ، لئلا يعبد قبره الجهالُ كما فعلت اليهود والنصارى بقبور أنبيائها ، روى ابن القاسم عن مالك فى ( العتبية ) أنه كره المسجد على القبور ، فأما مقبرة داثرة يبنى عليها مسجد يُصلى فيه فلا بأس به



·
وقد ذكر الإمام العيني (ت : 855هـ) في عمدة القاري شرح صحيح البخاري ( ج 4 ص 174) ط : إحياء التراث العربي - بيروت في شرحه على هذا الحديث



:"قال ابن بطال : فيه : نهي عن اتخاذ القبور مساجد ، وعن فعل التصاوير ،........ . وفيه : دليل على تحريم تصوير الحيوان خصوصاً الآدمي الصالح . وفيه : منع بناء المساجد على القبور ومقتضاه التحريم ، كيف وقد ثبت اللعن عليه "



وقال في شرح قول عائشة رضي الله عنها عمدة القاري (ج 8 ص-136-135)" لولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا " ما لفظه : (قوله : ( لولا ذلك لأبرز ) حاصله : لولا خشية الاتخاذ لأبرز قبره ، أي : لكشف قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ عليه الحائل ، ولكن خشية الاتخاذ موجودة ، فامتنع الإبراز ، لأن : لولا ، لامتناع الشيء لوجود غيره ، وهذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد ، ولهذا لما وسع المسجد جعلت حجرتها مثلثة الشكل محددة حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر مع استقبال القبلة ، وفي رواية : ( لأبرزوا ) ، بلفظ الجمع أي : لكشفوا قبره كشفا ظاهرا من غير بناء بني عليه يمنع من الدخول إليه . قوله : ( غير أنه خشي ) والهاء في أنه ضمير الشأن ، وخشي على صيغة المجهول ، وكذا في رواية مسلم ، وفي رواية ( خشى ) على بناء المعلوم ، فعلى هذا الضمير في : أنه ، يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي : إن النبي صلى الله عليه وسلم خشي أن يتخذ قبره مسجدا وأمرهم بترك الإبراز . وفي رواية : ( إني أخشى ) ، وهذه تقتضي أنها هي التي منعت من إبرازه . ومما يستفاد منه : أن قوله ، صلى الله عليه وسلم : هذا من باب قطع الذريعة لئلا يعبد قبره الجهال ، كما فعلت اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم ، وكره مالك المسجد على القبور ، وإذا بني مسجد على مقبرة داثرة ( أي مندرسة لا تظهر فيها أثر للقبور ) ليصلى فيه فلا بأس به ، وكره مالك الدفن في المسجد "



ويقول الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت: 795) في كتابه " فتح الباري شرح صحيح البخاري " ط: النشر : دار ابن الجوزي - السعودية ، (2/404) في حديث عائشة والذي فيه (أولئك إذا كان فيهم العبد الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا فيه تلك الصور ، وأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ) ) .

"هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين ، وتصوير صورهم فيها كما يفعله النصارى ، ولا ريب أن كل واحد منهما محرم على انفراد ، فتصوير صور الآدميين محرم ، وبناء القبور على المساجد بانفراده محرم كما دلت عليه النصوص أخر يأتي ذكر بعضها "



ويقول شيخ الفقهاء الإمام ابن قدامة المقدسي : "المغني ج:2 ص:192 " :فصل ولا يجوز اتخاذ السرج على القبور لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليهن المساجد والسرج رواه أبو داود والنسائي ولفظه لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله ولأن فيه تضييعًا للمال في غير فائدة وإفراطًا في تعظيم القبور أشبه تعظيم الأصنام ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر مثل ما صنعوا متفق عليه
وقالت عائشة إنما لم يبرز قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يتخذ مسجدًا ولأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها والتقرب إليها وقد روينا أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عندها "



ويقول الإمام النووي في المجموع شرح المهذب (2/177)الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ ) يُكْرَهُ أَنْ يُتَّخَذَ عَلَى الْقَبْرِ مَسْجِدٌ للأحاديث الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ , وَأَمَّا حَفْرُ الْقَبْرِ فِي الْمَسْجِدِ , فَحَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ ..." وقال في موضع آخر "المجموع (5/289 ) في شرح قول الشيرازي صاحب المهذب ( ويكره أن يبنى على القبر مسجدا , لما روى أبو مرثد الغنوي رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى إليه وقال : لا تتخذوا قبري وثنا , فإنما هلكت بنو إسرائيل لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } قال الشافعي رحمه الله : وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه , وعلى من بعده من الناس)


. قال النووي : "واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر سواء كان الميت مشهورا بالصلاح أو غيره , لعموم الأحاديث , قال الشافعي والأصحاب : وتكره الصلاة إلى القبور , سواء كان الميت صالحا أو غيره قال الحافظ أبو موسى : قال الإمام أبو الحسن الزعفراني رحمه الله : ولا يصلى إلى قبره , ولا عنده تبركا به وإعظاما له للأحاديث , والله أعلم .

وقال النووي في منهاج الطالبين : ويكره تجصيص القبر والبناء والكتابة عليه ( النجم الوهاج (3/109)

قول الإمام كمال الدين الدميري الشافعي ( ت: 808هجرية) في النجم الوهاج شرح المنهاج من كتب الشافعية (3/110-111) : "

ويكره أن يبني على القبر مسجدا سواء كان الميت مشهورا بالصلاح أم لا , وتكره الصلاة فيه لما روي إنما هلكت بنوا إسرائيل لأنهم أتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " قال الشافعي : وأكره أن يعظم مخلوق حتي يجعل على قبره مسجدا ، مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس ، ثم أن المصنف (النووي ) جزم في "شرح المهذب " و" الفتاوي " بتحريم البناء وذكر نحوه في شرح مسلم ....قال النووي : (ولو بني في مقبرة مسبلة هدم ) لأنه يضيق على المسلمين . قال الشافعي : رأيت الولاة عندنا بمكة يهدمون ما بني فيها ولم أري الفقهاء يعيبون ذلك ، ولا فرق أن يبني قبة أوبيتا أو مسجدا ، فمن المسبل قرافة مصر ..وقد أفتى الشيخ بهاء الدين ابن الجميزي وتلميذه الظهير التزمنتي بهدم ما بني بها ، والمراد بالمسبلة : التي جرت عادة أهل البلد بالدفن فيها ، وليس المراد المقبرة الموقوفة ، فإن الموقوفة يحرم البناء فيها قطعا ، سواء كان بيتا أو قبة أو مسجدا " .

قال شيخ المالكية العلامة أحمد زروق الفاسي في "شرح الرسالة" 1/289:

"الثالثة من البدع اتخاذ المساجد علي مقبرة الصالحين ووقد القناديل عليه دائما أو في زمان بعينه و المسح بالقبر عند الزيارة وهو من فعل النصارى وحمل تراب القبر تبركا به وكل ذلك ممنوع بل يحرم "

وقد أكد على ذلك رحمه الله في كتابه " عمدة المريد الصادق " ص533 ط: الأوقاف المغرب :

فقال : " ولا يصلي على المقابر ، ولا يبني عليها مسجد للتبرك ، لقوله " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وحديث عائشة " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا "

ويقول العلامة إدريس بن بيدكين التركماني الحنفي من علماء القرن السابع الهجري في كتابه "اللمع في الحوادث والبدع " ط: المعهد الألماني بالقاهرة ص 216 ما نصه " ومن البدع أن يعمل على القبر مسجد لقوله صلى الله عليه وسلم " لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ونهيه عن الصلاة في المقبرة ، وقوله " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ولأن الميت لا ينتفع ببناء فإن وصي الميت بشيء مما تقدم ذكره أثم ، وألا فالإثم على من يفعلها وحده ، ومن البدع كتب القرآن أو شيئا من أسماء الله على القبور , ونشر المصاحف ,ولإطلاق البخور عليها وإيقاد الشمع عليها وهذه النفقة معصية "

قول العلامة المحدث جلال الدين السيوطي الشافعي (ت :911)

فقد بحث المسألة في كتابه " الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (ص56-60 )وذكر الأحاديث الواردة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد وقال : " والذي يستحب للرجل الزائر للقبور أن يتذكر بزيارته الآخرة ، وأن يسلم عليهم ويدعو لهم بالمأثور بالدعاء الذي كان يعلم النبي صلي الله عليهم وسلم أصحابه .... وما سوي ذلك من المحدثات ، كالصلاة عندها ، واتخاذها مساجد ، وبناء المساجد عليها فقد تواترت النصوص عن النبي صلي الله عليهم وسلم بالنهي عن ذلك والتغليظ علي فاعله . فأما بناء المساجد عليها ,وإشعال القناديل والشموع والسرج عندها ، فقد لعن فاعله ..وصرح عامة الطوائف بالنهي عن ذلك متابعة للأحاديث الواردة في النهي عن ذلك ، ولا ريب في القطع بتحريمه .... " ثم ذكر الأحاديث التي سبق الإشارة إليها وقال " وفي الباب أحاديث كثيرة وآثار ، فهذه المساجد المبنية علي القبور يتعين إزالتها ، هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المعروفين ، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف ، ولا تصح عند الإمام أحمد في ظاهر مذهبه ، لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك ..., وكذلك الصلاة عندها مكروهة وإن لم يكن هناك مسجد ، فإن كل موضع يصلي فيه فهو مسجد وإن لم يكن بناء .."

في شرح بدر الدين العينى (المتوفى : 855هـ) على أبي داود (2/354-255)
فإن قيل: هل يجوز أن تُبنى المساجد على قبور المسلمين؟ قلت قال ابن القاسم: لو أن مقبرة من مقابر المسلمين عفَت، فبنى قوم عليهامسجداً لم أَر بذلك بأسًا؛ وذلك لأن المقابر وقف من أوقاف المسلمين لدفن موتاهم، لا يجوز لأحد أن يملكها، فإذا درست واستُغنِيَ عن الدفن (1) فيها جاز صرفها إلى المسجد؛ لأن المسجد- أيضا- وقف من
أوقاف المسلمين لا يجوز تمليكه لأحد؛ فمعناهما على هذا واحدٌ . وذكر أصحابنا أن المسجد إذا خرب ودثر، ولم يبق حوله جماعة، والمقبرة إذا عفت ودثرت يَعودُ ملكًا لأربابها، فإذا عادت ملكا يجوز أن يُبنى موضع المسجد دار، وموضع المقبرة مسجد، وغير ذلك؛ فإن لم يكن لها أرباب يكون لبيت المال. فإن قيل: هل يدخل من يبني المسجد على مقبرة المسلمين بعد أن عفت ودثرت في معنى لعنة اليهود، لاتخاذ قبور أنبيائهم مساجد؟ قلت: لا؛ لافتراق المعنى؛ وذلك أنه- عليه السلام- أخبر أن اليهود كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ويقصدونها بالعبادة، وقد نسخ اللّه جميع ذلك بالإسلام والتوحيد، ثم في هذا الحديث دليل على أن القبور إذا لم يبق فيها بقية من الميت أو من ترابه جازت الصلاة فيها، وأنها إذا درست يجوز بيعها؛ لأنها باقية على ملك صاحبها وورثته من بعده.

قال الحافظ ابن الجوزي في كشف المشكل من أحاديث الصحيحين (1/145): "
وأما نهيه عن اتخاذ القبور مساجد فلئلا تعظم لأن الصلاة عند الشيء تعظيم له وقد أغرب أهل زماننا بالصلوات عند قبر معروف وغيره وذلك لغلبة الجهلة وملكة العادات وقال في (1/886)بعد أن ذكر حديث " قاتل الله اليهود
قاتل بمعنى لعن قاله ابن عباس وقال أبو عبيدة قتلهم الله وهذا قاله قبل موته {صلى الله عليه وسلم} لئلا يتخذ قبره مسجدا وقد تقدم بيان مثل هذا وأن القبور لا ينبغي أن تعظم إنما تحترم بكف الأذى عنها والعوام اليوم مغرون بتعظيمها والصلاة عندها

يقول العلامة محمد بن علي الشوكاني موضحا معنى الاتخاذ الوارد في الأحاديث
وفي هذا أعظم دلالة على أن تسوية كل قبر مشرف بحيث يرتفع زيادة على القدر المشروع؟ واجبة متحتمة. فمن إشراف القبور: أن يرفع سمكها أو يجعل عليها القباب أو المساجد. فإن ذلك من النهي عنه بلا شك ولا شبهة. ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لهدمها أمير المؤمنين عليا. ثم أمير المؤمنين بعث لهدمها أبا الهياج الأسدي في أيام خلافته.
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن حبان من حديث جابر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يوطأ ".
وفي هذا التصريح بالنهى عن البناء على القبور، وهو يصدق على ما بني على جوانب حفرة القبر، كما يفعله كثير من الناس من رفع قبور الموتى ذراعا فما فوقه. لأنه لا يمكن أن يجعل نفس القبر مسجدا، فذلك مما يدل علي أن المراد بعض ما يقربه مما يتصل به، ويصدق على من بنى قريبا من جوانب القبر كذلك، كما في القباب والمساجد والمشاهد الكبيرة، على وجه يكون القبر في وسطها أو في جانب منها. فإن هذا بناء على القبر، لا يخفى ذلك على من له أدنى فهم، كما يقال: بنى السلطان على مدينة كذا، أو علي قرية كذا سورا. وكما يقال: بنى فلان في المكان الفلاني مسجدا، مع أن سمك البناء لم يباشر إلا جوانب المدينة أو القرية أو المكان. ولا فرق بين أن تكون تلك الجوانب التي وقع وضع البناء عليها قريبة من الوسط، كما في المدينة الصغيرة والقرية الصغيرة والمكان الضيق، أو بعيدة في الوسط كما في المدينة الكبيرة والقرية الكبيرة والمكان الواسع، ومن زعم أن في لغة العرب ما يمنع من هذا الإطلاق فهو جاهل لا يعرف لغة العرب، ولا يفهم لسانها ولا يدري بما استعملته في كلامها. (شرح الصدور بتحريم رفع القبور ص9-10)

قال صالح بن عبد الله آل الشيخ :
هل صحيح أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بنى مسجده فوق مِقْبَرَة؟ إن كان نعم فكيف يُجمع مع لعنه صلى الله عليه وسلم الذين اتخذوا القبور مساجد؟
ج/ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا بَرَكَتْ النّاقة في موضع مسجده الآن كان فيها مواضع قبور للمشركين، فأَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم -يعني في جزءٍ منه- أمر بالقبور فنُبِشَتْ واتُّخِذَ هذا المكان مسجداً.
والمقبرة إذا كانت موجودة وبُنِيَ على القبر مسجداً فهذا هو الذي جاء فيه النهي.
نبش القبور للمصلحة الشرعية جائز، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم امتثل الأمر فبنى في ذلك المكان مسجداً.
وإن كان يعني أنه بُنِيَ المَسْجِدُ على قبر النبي صلى الله عليه وسلم لأإنَّ آخر السؤال يدل عليه، وإن كان لا فما حكم المدرس، ايش القائل بذلك ....إلخ.
إذا كان المقصود أنَّ مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بُنِيَ على قبره فهذا غلط كبير، فالنبي صلى الله عليه وسلم بُنِيَ مسجده في حياته، وهُوَ لما تُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم دُفِنَ في حجرة عائشة وكانت ملاصقة للمسجد وليست من المسجد.
ولما احتاج المسلمون إلى توسعة المسجد لضيقه بالناس وُسِّعَ من الجهة الجنوبية ومن الجهة الشمالية ومن الجهة الغربية، وأما الجهة الشرقية التي فيها حجرات أزواجه صلى الله عليه وسلم وبيت عائشة بالخصوص وبعض الحُجَرْ، فما كان يُؤْخَذْ منها إلا لمَّا احتيج، وبقيت حجرة عائشة التي فيها القبور على ما هي عليه، فكانت حجرة عائشة ليست من المسجد وإنما المسجد من جهاتها الثلاث وليست حجرة عائشة في الوسط.
وبقي المسلمون على ذلك زماناً طويلاً حتى أُدخِلْ في عصور متأخرة -أظن في الدولة العثمانية أو قبلها- أُدخل الممر الشرقي وذلك بعد شيوع الطواف بالقبور، أُدْخِلْ الممر الشرقي يعني وُسِّعَ المسجد أو جُعِلَ الحائط يدور على جهة الغرفة الشرقية.
صار فيه هذا الممر الذي يمشي معه من يريد الطواف.
وهذا الممر وإن كان السور سور المسجد من تلك الجهة خلفه لكن ليس له حكم المسجد ولا يقال القبر في المسجد إلى الآن، ولا يقال الحجرة الآن في المسجد وإن كان ظاهرها من حيث العين أنها في المسجد؛ لكنها حُكْماً شرعاً ليست في المسجد؛ لأنَّ الجهة الشرقية هذه الممر لا يصحّ أن يكون مسجداً شرعاً، فلذلك إدخاله في المسجد باطل، ولذلك الصلاة في الجزء ذاك لا تصح، ولهذا يُعْمَلْ في كثير من الأحيان أنَّهُ تُسَدّْ وقت الصلاة، تسد الجهات من ذلك الممر حتى ما يصلي المصلون من جميع الجهات.
ولذلك لما جاءت التوسعة الأخيرة توسعة الملك فهد لم يُبْتَدَأْ بالتوسعة من أول المسجد الأصلي وإنما ابْتُدِئْ بعد نهاية القبر؛ صار يعني نهاية الحجرة بكثير وبعد الباب وصار الامتداد هناك، فيكون:
1-أولاً: الواقع الآن، يعني من حيث التاريخ ليس المسجد مَبْنِيَّاً على القبر.
2- ثانياً: أنَّ القبر لم يُدْخَلْ في المسجد وإنما اكتنفه المسجد من الجهات الثلاثة جميعاً.
3- ثالثاً: الجهة الرابعة الشرقية من الحُجَرْ هذه أُدْخِلَتْ في عصور متأخرة لمَّا شاع الطواف بالقبور، و لمَّا قامت الدعوة ووصلت الدولة السعودية إلى ذاك المكان، واسْتُفْتِيَ أئمة الدعوة في ذلك فلم يَرَوا تغيير السور وتقطيع المسجد حتى ما تُثَارْ أشياء وإنما قالوا الوقف أو الجزء هذا الصلاة فيه باطلة فيُمْنَعْ الناس من أن يُصَلُّوا فيه، الذي هو الممر الشرقي للقبر.
فإذاً من كل جهة لا ينطبق عليه أنَّ القبر هذا في المسجد، ولا أنَّ المسجد بُنِيَ على القبر، وإنما النبي صلى الله عليه وسلم دُفِنَ في حجرة عائشة لا في المسجد، وحجرة عائشة رضي الله عنها منفصلة عن المسجد وليست في داخل المسجد.
بقي أيضاً أنه لما وُسِّع المسجد من الجهة الشمالية واشتُرِيَتْ بعض حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ يعني التي هي من جهة الآن دَكَّةْ الآغوات وما هو شمال منها، كانت حجرة عائشة، جُعل عليها جداران:
الجدار الأول الذي هو يفصل حجرة عائشة عن بقية الحُجَرْ، وهذا الجدار له صفته، ممكن أنكم تشوفونها في الخرائط موجودة.
وجُعِلَ جدار آخر أيْضَاً مثلث من الجهة الشمالية، أصْبَحَ زاوية، يعني اتجاه السهم كأنه يتجه إلى الجهة الشمالية، وقد فَعَلَ ذلك من فَعَلَهُ من العلماء من التابعين وغيرهم بفتاويهم في ذاك الزمان حتى لا يَظُنْ أحد أنه يمكن أن يُسْتَقْبَلْ القبر، أي لا يُتصَوَّرْ أنَّ القبر أمامه وأنه الآن هو سيستَقْبِلُهُ، بيصير فيه الآن جدران مُحَرَّفَةْ ليبعد النظر عن أنَّهُ يَسْتَقْبِلْ القبر.
ثم بعد ذلك عُمِل جدار ثالث، وهو طويل يعني طوله في السماء يعني ارتفاعه نحو ستة أمتار ونحو ذلك، فهو غير مسقوف أيضاً.
هذه الجدران الثلاثة فَعَلَها المسلمون مع كون الحجرة ليست في المسجد حتى لا يَظُنْ الظان أنه إن صلى في الجهة الشمالية فإنه يستقبل القبر؛ لأنه إنْ صَحَّ ذلك، إن قال القائل أنا أستقبل القبر مع وجود هذه الثلاث جدران بينه وبين القبر فمعناه أنَّ كل إنسان بينه وبين المقبرة جدران فإنه يستقبل القبور، وهذا لا قائل به من أهل العلم، فلهذا جعلوا هذه الجدران الثلاثة حتى لا يُتّخذ قبره مسجدا يُصَلَى فيه ولا يُصَلَّى إليه، وحتى لا تتعلق القلوب به، ولا يُوصل إلى قبره، ولا يمكن لأحد أن يخلص إلى قبره، ليس هناك أبواب وليس هناك طريق أبدا أن يخلص واحد إلى قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ثم بعد أزمان جُعِلْ هذا السياج الحديدي الموجود الآن، فهو الرابع الآن، هذا السياج الحديد الرابع بينه وبين الجدار الثالث الممر، والجدار الثالث هذا هو الذي ترون عليه السترة الخضراء أظنها أو شيء، وبعده جدار ثاني وبعد الجدار الثاني الجدار الأول.
وهذه الثلاثة جدران هي التي ذكرها ابن القيم في النونية بقوله:
فأجاب رب العالمين دعاءه وأحاطه به ثلاثة الجدران
يعني في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم «اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد»(1).
المقصود من هذه، المسألة من مهمات المسائل أن تكون واضحة لطالب العلم تماما؛ لأنَّ الشبهة بها كبيرة، والذين يرددون مثل هذا الكلام كثير.
فلهذا نقول: إنَّ القبر ليس في المسجد، ولا أحد يمكن أن يستقبل القبر، وإنّما قد يَتَّخِذُ بعض الجهلة أو بعض المشركين في قلبه صورة القبر ويستقبل شيئاً في قلبه ويعبد شيئاً في قلبه، أما القبر فإنّه ليس وثناً ولا يمكن أن يُتّخَذَ وثناً وأنه محاط بإحاطات تامة إلى آخر ذلك.
والقبة الموجودة فوق سطح مسجد النبي صلى الله عليه وسلم هذه ليست على القبر بالمُسَامَتَة إنما هي على جزء كبير يعني تشمل الجدران الأربعة كلها، ولذلك قطرها كبير جداً والقبر في الداخل، وهذه القبة كانت في زمن مضى من الخشب بلون الخشب، وأول من صنعها أظن المماليك، ثُمَّ بعد ذلك جُعِلَتْ باللون الأبيض، ثم جُعِلَتْ باللون الأزرق، وهي التي كانت في وقت الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونحوه كان لونها أزرق، ثم في آخر عهد الدولة العثمانية جُعِلْ لونها أخضر واستمر هذا اللون.
فلما قيل للشيخ محمد بن عبد الوهاب: إنَّكَ تقول لو أني أقدر على القبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟
قال: سبحانك هذا بهتان عظيم فما قلت هذا ولا أقوله. لأنه ما يترتب من المفاسد على إزالة هذا المنكر أكثر من المصالح، فالواجب التنبيه وتعليم الناس ودعوتهم إلى التوحيد وعدم تمكين الشرك.
والنّهي عن بناء القباب على المساجد نُهِيَ عنه سدا للذريعة، وللعلماء في ذلك كلام يعني في مسألة بقاء القبة.
فالمقصود أنّ هذا الذي سار عليه أئمة الدعوة رحمهم الله في هذا الشأن فَرَأَوا أنَّ إبقاء القبة هذا أمرٌ لازم، وذلك لِمَا أشاعه الأعداء من بُغض أئمة الدعوة وبُغض أتباع دعوة الشيخ رحمه الله للنبي صلى الله عليه وسلم؛ بل هم عظَّمُوا النبي صلى الله عليه وسلم وسدُّوا كل طريق يمكن أن يؤصل ما قالوه في هذا الباب؛ يعني ما قاله الأعداء.

إذا كان القبر في مقبرة مستقلة عن المسجد فإنَّ الصلاة في المسجد جائزة إذا كان في القبلة، يعني بمعنى أنه يكون للقبر سور مستقل عن سور المسجد، فإذا قال القائل :لا ،القبر في المسجد أو هذا السور محيط، أو أنَّ القبر واضح أنه في جهة من المسجد فهذا يدلّ على أنَّ المسجد بُني على القبر فلذلك لا تجوز الصّلاة فيه، والصلاة فيه باطلة.
وأما إذا كان المسجد وُجِدَ أَوَّلَاً ثُمَّ القبر أدخل فيه، فهذا يُفَرَّقْ فيه ما بين إذا كان القبر في قبلة المسجد أو في مؤخرة المسجد:
فإذا كان في مؤخرة المسجد فطائفة من العلماء والمشايخ يقولون: إنَّ الصلاة فيه جائزة. وأما إذا كان في القبلة فإنّه لا تجوز الصلاة إليه؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور.
فإذاً هنا يُفَرَّق في هذه الحال ما بين إذا كان المسجد جُعل على القبر؛ يعني إذا كان المسجد متأخراً والقبر أولاً فيكون هذا حكم المقبرة يعني المسجد وضع على قبر فهذا الصلاة فيه لا تجوز؛ لأنَّ هذا منهي عنه والنهي يقتضي الفساد ولعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك.
وأما إذا كان المسجد موجوداً ثم جُعل في طائفة منه القبر:
فهنا نقول إذا كان القبر في الأول في مقدمة المسجد فإنَّ الصلاة محرمة ولا تجوز باطلة لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا تصلوا إلى القبور»(2)الصلاة إلى القبر إذا جُعِلَ القبر قبلة باطلة.
وإذا كان القبر في مؤخرة المسجد والمسجد مبني أولاً فطائفة من العلماء يقولون بصحة الصلاة فيه، يعني من علمائنا.

وقال العلامة البهوتي رحمه الله في كشاف القناع(2/141): ويحرم اتخاذ المسجد عليها أي: القبور وبينها لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. متفق عليه (وتتعين إزالتها) أي: المساجد، إذا وضعت على القبور، أو بينها (وفي كتاب الهدي) النبوي لابن قيم الجوزية (لو وضع المسجد والقبر معا لم يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة) تغليبا لجانب الحظر
الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل - (1 / 234)
ويحرم إسراجها واتخاذ المسجد عليها وبينها وتتعين إزالتها وفي كتاب الهدى: لو وضع المسجد والقبر معالم يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة
المبدع شرح المقنع - (2 / 247)
مسألة: لا يجوز الإسراج على القبور ولا اتخاذ المساجد عليها ولا بينها قال الشيخ تقي الدين ويتعين إزالتها لا أعلم فيه خلافا ولا تصح الصلاة فيها على ظاهر المذهب فلو وضع المسجد والقبر معا لم يجز ولم يصح الوقف ولا
الصلاة قاله في الهدى وفي الوسيلة يكره اتخاذ المساجد عندها ويكره الحديث عندها
مطالب أولي النهى - (1 / 913)
( و ) حرم ( جعل مسجد عليها وبينها ) أي : القبور للخبر ( وتتعين إزالته ) - أي : المسجد - قال في الهدي : لو وضع المسجد والقبر معا ؛ لم يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة .
الشرح الكبير لابن قدامة - (2 / 388)
ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر ولان
النبي صلى الله عليه وسلم قال " لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر مثل ما صنعوا متفق عليه ولان تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الاصنام بالسجود لها.
وقد روي ان ابتداء عبادة الاصنام تعظيم الاموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عندها



الكافي في فقه ابن حنبل - (1 / 368)
ويكره البناء على القبر و تجصيصه والكتابة عليه لقول جابر نهى رسول الله ( ص ) أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يقعد عليه رواه مسلم زاد الترمذي : وأن يكتب عليها وقال : حديث صحيح ولأنه من زينة الدنيا فلا حاجة بالميت إليه ولا يجوز أن يبنى عليه مسجد لقول النبي ( ص ) : [ لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد ] يحذر مثل ما صنعوا متفق عليه

عون المعبود - (9 / 34)
( قاتل الله اليهود ) زاد المسلم والنصارى ومعنى قاتل قتل وقيل لعن فإنه ورد بلفظ اللعن ( اتخذوا ) جملة مستأنفة على سبيل البيان لموجب المقاتلة كأنه قيل ما سبب مقاتلتهم فأجيب بقوله اتخذوا ( مساجد ) أي قبلة للصلاة يصلون إليها أو بنوا مساجد عليها يصلون فيها وإلى الثاني يميل كلام المصنف حيث ذكره في باب البناء على القبر ولعل وجه الكراهة أنه قد يفضي إلى عبادة نفس القبر انتهى

شرح أبي داود للعيني - (6 / 183)
عن أبي هريرة، أن رسول الله- عليه السلام- قال:" قاتل اللهُ اليهود اتخذُوا قبورَ أنبيائِهِم مَساجدَ
شرح أبي داود للعيني - (6 / 184)
كانت اليهود- لعنهم الله- يتخذون قبور الأنبياء مساجد، ويقصدونها بالعبادة، وقد نسخ الشرع ذلك، ويفهم ذلك من قوله- عليه السلام-: " قاتل الله اليهودي والمعنى قتلهم الله، لأن " فاعل" يجيء بمعنى" فعل " أيضا كقولهم: سافر وسارع بمعنى سفر وسرع، ويقال: معناه لعنهم الله، ويقال: عاداهم، ثم إن أبا داود أخرج هذا الحديث في هذا الباب تنبيها على منع البناء على القبر، وذلك لأنه- عليه السلام- إنما لعنهم لكونهم بنوا مساجد على القبور

مشكاة المصابيح مع شرحه مرعاة المفاتيح - (5 / 863)
يحتمل أن المراد البناء على نفس القبر ليرتفع عن أن ينال بالوطأ ، أو المراد البناء حول القبر مثل أن يتخذ حوله متربة أو مسجد ونحو ذلك. قال العراقي : وعليه حمله النووي في شرح المهذب ، وقال التوربشتي : يحتمل وجهين : أحدهما البناء على القبر بالحجارة وما يجرى مجراها ، والآخر أن يضرب عليه خباء ونحوه ، وكلاهما منهى عنه ؛ لأنه من صنيع أهل الجاهلية ، ولأنه اضاعة المال. وقال الشوكاني : فيه دليل على تحريم البناء على القبر ، وفصل الشافعي وأصحابه فقالوا : إن كان البناء في ملك المباني فمكروه ، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام ، ولا دليل على هذا التفصيل.

بدائع الصنائع - (1 / 320)
يكره تجصيص القبر وتطيينه وكره أبو حنيفة البناء على القبر وإن يعلم بعلامة وكره أبو يوسف الكتابة عليه ذكره الكرخي لما روي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تجصصوا القبور ولا تبنوا عليها ولا تقعدوا ولا تكتبوا عليها ولأن ذلك من باب الزينة ولا حاجة بالميت إليها
ولأنه تضييع المال بلا فائدة فكان مكروها
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (7 / 13)
ما يستنبط منه منع البناء على القبر لأن أبا داود أخرج هذا الحديث في باب البناء على القبر وروي أيضا عن أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن الزبير أنه سمع جابرا يقول سمعت رسول الله نهى أن يقعد على القبر وأن يقصص وأن يبنى عليه وأخرجه مسلم أيضا والترمذي وفي روايته وأن يكتب عليها والنسائي أيضا وفي روايته وأن يزاد عليه

المنتقى - شرح الموطأ - (1 / 426)
دعاؤه صلى الله عليه وسلم أن لا يجعل قبره وثنا يعبد تواضعا والتزاما للعبودية لله تعالى وإقرارا بالعبادة وكراهية أن يشركه أحد في عبادته وقد روى أشهب عن مالك أنه لذلك كره أن يدفن في المسجد وهذا وجه يحتمل أنهإذا دفن في المسجد كان ذريعة إلى أن يتخذ مسجدا فربما صار مما يعبد
( فصل ) وقوله صلى الله عليه وسلم اشتد غضب الله يريد أنه أراد عذاب قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك في مرضه تحذيرا مما صنعه اليهود والنصارى من ذلك
شرح الزرقاني - (1 / 496)
الك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله قال اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ) قال الباجي دعاؤه بذلك التزام للعبودية
وروى أشهب عن مالك أنه لذلك كره أن يدفن في المسجد

فيض القدير - (4 / 612)
قاتل الله اليهود) أي أبعدهم عن رحمته لأنهم (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) أي اتخذوها جهة قبلتهم مع اعتقادهم الباطل وأن اتخاذها مساجد لازم لاتخاذ المساجد عليها كعكسه وهذا بين به سبب لعنهم لما فيه من المغالاة في التعظيم وخص هنا اليهود لابتدائهم هذا الاتخاذ فهم أظلم وضم إليهم في رواية للبخاري النصارى وهم وإن لم يكن لهم إلا نبي واحد ولاقبر له لأن المراد النبي وكبار أتباعه كالحواريين أو يقال الضمير يعود لليهود فقط لتلك الرواية أو على الكل ويراد بأنبيائهم من أمروا بالإيمان بهم وإن كانوا من الأنبياء السابقين كنوح وإبراهيم قال القاضي : لما كانت اليهود يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة ويتوجهون في الصلاة نحوها فاتخذوها أوثانا لعنهم الله ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه أما من اتخذ مسجدا بجوار صالح أو صلى في مقبرته وقصد به الاستظهار بروحه أو وصول أثر من آثار عبادته إليه لا التعظيم له والتوجه نحوه فلا حرج عليه ، ألا ترى أن مدفن إسماعيل في المسجد الحرام عند الحطيم ؟ ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى المصلي لصلاته والنهي عن الصلاة في المقابر مختص بالمنبوشة لما فيها من النجاسة انتهى لكن في خبر الشيخين كراهة بناء المسجد على القبور مطلقا والمراد قبور المسلمين خشية أن يعبد فيها المقبور لقرينة خبر اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد وظاهره أنها كراهة تحريم لكن المشهور عند الشافعية أنها كراهة تنزيه فيحمل ما تقرر عن القاضي على ما إذا لم يخف ذلك انتهى قال الشافعية وفيه أن لا يصلى على قبر نبي قيل وفي المطابقة بين الدليل والمدعي نظر إلا أن يقال إذا حرمت الصلاة إليه فعليه كذلك.

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (5 / 57)
قوله : (( أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا ، وصوّروا فيه تلك الصور )) ، قلت : إنما فعل ذلك أوائلهم ليتأنّسوا برؤية تلك الصورة ، ويتذكروا(8) أحوالهم الصالحة ، فيجتهدون .

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (5 / 58)
اجتهادهم ، ويعبدون الله عزّ وجلّ عند قبورهم ، فمضت لهم بذلك أزمان ، ثم إنهم خلف من بعدهم خُلُوفجهلوا أغراضهم ، ووسوس لهم الشيطان : أن آباءكم وأجدادكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها ، فعبدوها ، فحذّر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مثل ذلك ، وشدّد النكير والوعيد على من فعل ذلك ، وسَدَّ الذرائع المؤدية إلى ذلك ، فقال : (( اشتدّ غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم [مساجد ، فلا تتخذوا القبور مساجد ، إني أنهاكم عن ذلك )). وقال : (( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا تبور أنبيانهم] .................................................. .................... ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
وصالحيهم مساجد )) ، وقال : (( اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد )) ، ولهذا بالغ المسلمون في سدّ الذريعة في قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فأَعْلُوا حيطان تربته ،
: " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (5 / 58)
سَدُّوا المداخل إليها ، وجعلوها محدقة بقبره ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم خافوا أن يُتخذ موضع قبره قبلة -إذ كان مستقبل المصلين - ، فتتصور الصلاة إليه بصورة العبادة ، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين ، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (5 / 59)
ثلث من ناحية الشمال ، حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره ، ولهذا الذي ذكرناه [كله] قالت عائشة : " ولولا ذلك أُبرز قبره ".
تنبيه : وفي هذه الأحاديث ما يَسْتَدِلّ به مالك - على صحة القول بسد الذرائع
الاستذكار - (1 / 1167)
وليس فيه حكم أكثر من التحذير أن يصلي إلى قبره وأن يتخذ مسجدا وفي ذلك أمر بأن لا يعبد إلا الله وحده وإذا صنع من ذلك في قبره فسائر آثاره أحرى بذلك وقد كره مالك وغيره من أهل العلم طلب موضع الشجرة التي بويع تحتها بيعة الرضوان وذلك والله أعلم مخالفة لما سلكه اليهود والنصارى في مثل ذلك
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (5 / 45)
لوثن الصنم وهو الصورة من ذهب كان أو من فضة أو غير ذلك من التمثال وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن صنما كان أو غير صنم وكانت العرب تصلي إلى الأصنام وتعبدها فخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته أن تصنع كما صنع بعض من مضى من الأمم كانوا إذا مات لهم نبي عكفوا حول قبره كما يصنع بالصنم فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يصلى إليه ويسجد نحوه ويعبد فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك" ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبله الذين صلوا إلى قبور أنبيائهم واتخذوها قبلة ومسجدا كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها وذلك الشرك الأكبر فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه وأنه مما لا يرضاه خشية عليهم امتثال طرقهم.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار وكان يخاف على أمته اتباعهم ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم على جهة التعيير والتوبيخ: "لتتبعن سنن الذين كانوا قبلكم حذو النعل بالنعل حتى إن أحدهم لو دخل جحر ضب لدخلتموه".

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (3 / 228)
قال ابن الملك إنما حرم اتخاذ المساجد عليها لأن في الصلاة فيها استتنانا بسنة اليهود ا ه وقيد عليها يفيد أن اتخاذ المساجد بجنبها لا بأس به ويدل عليه قوله عليه السلام لعن الله اليهود والنصارى الذين اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد والسرج جمع سراج والنهي عن اتخاذ السرج لما فيه من تضييع المال لأنه لا نفع لأحد من السراج ولأنها من آثار جهنم وإما للإحتراز عن تعظيم القبور كالنهي عن اتخاذ القبور مساجد كذا قاله بعض علمائنا رواه أبو داود والترمذي

تحفة الفقهاء - (1 / 257)
كذا يكره أن يصلى عند القبر على ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال لا تتخذوا قبري مسجدا كما اتخذت بنو إسرائيل قبور أنبيائهم مساجد

الشرح الكبير لابن قدامة - (2 / 387)
ولا يجوز اتخاذ السرج على القبور لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لعن الله زوارات القبور والمتخذات عليها المساجد والسرج " رواه أبو داود والنسائي بمعناه، ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم
من فعله، ولان فيه تضييعا للمال في غير فائدة، ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر ولان
النبي صلى الله عليه وسلم قال " لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر مثل ما صنعوا متفق عليه ولان تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الاصنام بالسجود لها.
يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة، وسبق كلامه في الفصول في الصلاة فيها، وظاهره خلافه. وقال ابن هبيرة في حديث جندب: "ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك"1. قال: نهيه عن ذلك لو اتخذ مسجدا إلى جانب قبر كره ذلك، ولا يمكن أن يقال هو حرام، كذا قال. وفي الوسيلة: يكره اتخاذ المساجد عندها "و ش" وفي الفنون: لا يخلق القبور بالخلوق، والتزويق والتقبيل لها
الفروع و تصحيح الفروع - (3 / 381)
حرم إسراجها واتخاذ المسجد عليها وبنيها1، ذكره بعضهم "و" قال شيخنا: يتعين إزالتها، لا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين، قال ولا تصح الصلاة فيها، على ظاهر المذهب، للنهي واللعن2، وليس فيها خلاف، لكون المدفون فيها واحدا، وإنما اختلف أصحابنا في المقبرة المجردة عن مسجد، هل حدها ثلاثة أقبر أو ينهى عن الصلاة عند القبر الفذ؟ على وجهين. وفي كتاب الهدي3: لو وضع المسجد والقبر معا،
ـ
كشاف القناع - (2 / 141)
ويحرم إسراجها ) أي القبور لقوله صلى الله عليه وسلم لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج رواه أبو داود والنسائي بمعناه
ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله
ولأن في ذلك تضييعا للمال من غير فائدة ومغالاة في تعظيم الأموات يشبه تعظيم الأصنام
( و ) يحرم ( اتخاذ المسجد عليها ) أي القبور ( وبينها ) لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد متفق عليه
( وتتعين إزالتها ) أي المساجد إذا وضعت على القبور أو بينها
( وفي كتاب الهدى ) ا ( لو وضع المسجد والقبر معا لم يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة ) تغليبا لجانب الحظر

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (2 / 419)
قوله: (قال في مرضه الذي لم يقم منه) كأنه - صلى الله عليه وسلم - علم أنه مرتحل من ذلك المرض، فخاف أن يعظم قبره كما فعل اليهود والنصارى، فعرض بلعنهم إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم كيلا يعامل معه ذلك، فقال: (لعن الله اليهود والنصارى) واللعن أمارة الكبيرة المحرمة أشد التحريم فيكون الفعل الذي أوجب اللعن حراماً. (اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد) جملة مستأنفة على سبيل البيان لموجب اللعن، كأنه قيل: ما سبب لعنهم؟ فأجيب بقوله: اتخذوا. زاد في رواية: يحذر ما صنعوا. وهي جملة مستأنفة أخرى من كلام الراوي، كأنه سئل عن حكمة ذكر ذلك في ذلك الوقت، فقالك ليحذر أمته أن يصنعوا بقبره مثل ما صنع اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم. واتخاذ القبور مساجد أعم من أن يكون بمعنى الصلاة إليها، أو بمعنى الصلاة عليها. وفي مسلم: لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها، ولا عليها. والظاهر أن العلة سد الذريعة والبعد عن التشبه بعبدة الأوثان الذين يعظمون الجمادات التي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر، ولما في إنفاق المال في ذلك من العبث والتبذير الخالي عن النفع بالكلية، ولأنه سبب لإيقاد سرج عليها الملعون فاعله، ومفاسد ما يبنى على القبور من المشاهد والقباب لا تحصر. وقال التوربشتي الحنفي في شرح المصابيح: معنى إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - على اليهود والنصارى صنيعهم هذا مخرج على وجهين: أحدهما أنهم كانوا يسجدون لقبور الأنبياء تعظيماً لهم، والثاني أنهم كانوا يتحرون الصلاة في مدافن الأنبياء، والسجود على مقابرهم، والتوجه إلى قبورهم حالة الصلاة نظراً منهم بأن ذلك الصنيع أعظم موقعاً عند الله لاشتماله على الأمرين: عبادة الله سبحانه، والمبالغة في تعظيم الأنبياء، وذهاباً إلى أن تلك البقاع بإقامة الصلاة والتوسل بالعبادة فيها إلى الله لاختصاصها بقبور الأنبياء، وكلا الطريقين غير مرضية، أما الأولى فلأنها من الشرك الجلي، أما الثانية فلأنها متضمنة معنى ما من الإشراك في عبادة الله حيث أتى بها على صنعة
مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (2 / 420)
نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته عن الصلاة في المقابر فإنه لمعنيين: أحدهما لمشابهة ذلك الفعل سنة اليهود، وإن كان القصدان مختلفين، والثاني لما يتضمنه من الشرك الخفي حيث أتى في عبادة الله بما يرجع إلى تعظيم مخلوق فيما لم يؤذن له. قال: والصلاة في المواضع المتبركة بها من مقابر الصالحين داخلة في جملة هذا النهي، لا سيما إذا كان الباعث تعظيم هؤلاء، وتخصيص تلك الموضع لما أشرنا إليه من الشرك الخفي-انتهى كلام التوربشتي بقدر الضرورة. قلت: ويدخل أيضاً في هذا النهي والوعيد اتخاذ مسجد بجوار نبي أو صالح، والصلاة عند قبره لا لتعظيمه، ولا بالتوجه نحوه بل لحصول مدد منه، ورجاء كمال عبادته ببركة مجاورته لتلك الروح، وهذا لأن اتخاذ المسجد بقربه وقصد التبرك به تعظيم له، ولأن في هذا الصنيع أيضاً من المفاسد ما لا يخفى، ولأنه لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أحداً من أمته بالاستفاضة بقبره أو بقبر أحد من صلحاء أمته، ولا بالاستمداد منه، ولا بالمجاورة به، ولا التبرك به، وإنما أمر أمته بالسلام على أهل القبور والدعاء والاستغفار لهم عند زيارة القبور وحث على الاعتبار بهم، فالاستفاضة بالقبور، والاستمداد منها، والتبرك بها ولو كان بدون التوجه إليها حرام عندنا لكونه داخلاً في الشرك الخفي. واعلم أنه قد استشكل ذكر النصارى في الحديث؛ لأنه ليس لهم نبي إلا عيسى عليه السلام، إذ لا نبي بينه وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو حي في السماء لم يمت، فليس له قبر، وأجيب بأن ضمير الجمع في قوله "أنبيائهم" للمجموع من اليهود والنصارى، فإن اليهود لهم أنبياء، أو المراد الأنبياء وكبار أتباعهم، فاكتفى بذكر الأنبياء، ويؤيده رواية جندب التالية حيث قال: كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ولهذا أفرد النصارى، كما في رواية لعائشة رضي الله عنها عند الشيخين. قال: إذا مات فيهم الرجل الصالح، ولما أفرد اليهود كما في حديث أبي هريرة قال: قبور أنبيائهم، أو أنه كان فيهم أنبياء أيضاً لكنهم غير مرسلين كالحواريين، أو يقال: أنبياء اليهود أنبياء النصارى؛ لأن النصارى مأمورون بالإيمان بكل رسول، فرسل بني إسرائيل يسمون أنبياء في حق الفريقين، والمراد من الإتخاذ أعم من أن يكون ابتداعاً أو إتباعاً، فاليهود ابتدعت، والنصارى اتبعت، ولا ريب أن النصارى تعظم قبور كثير من الأنبياء الذين تعظمهم اليهود، وخصص اليهود بالذكر في حديث أبي هريرة لكونهم ابتدعوا هذا الاتخاذ فهم أظلم.

تحفة الأحوذي - (2 / 227)
شرح الشيخ مثله حيث قال وخرج بذلك اتخاذ مسجد بجوار نبي أو صالح والصلاة عند قبره لا لتعظيمه والتوجه نحوه بل لحصول مدد منه حتى يكمل عبادته ببركة مجاورته لتلك الروح الطاهرة فلا حرج في ذلك لما ورد أن قبر إسماعيل عليه السلام في الحجر تحت الميزاب وأن الحطيم بين الحجر الأسود وزمزم قبر سبعين نبيا ولم ينه أحد عن الصلاة فيه انتهى
وكلام الشارحين مطابق في ذلك انتهى ما في اللمعات
قلت ذكر صاحب الدين الخالص عبارة اللمعات هذه كلها ثم قال ردا عليها ما لفظه ما أبرد هذه التحرير والاستدلال عليه بذلك التقرير لأن كون قبر إسماعيل عليه السلام وغيره من الأنبياء سواء كانوا سبعين أو أقل أو أكثر ليس من فعل هذه الأمة المحمدية ولا هو وهم دفنوا لهذا الغرض هناك ولا نبه على ذلك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولا علامات لقبورهم منذ عهد النبي صلى الله عليه و سلم ولا تحري نبينا عليه الصلاة و السلام قبرا من تلك القبور على قصد المجاورة بهذه الأرواح المباركة ولا أمر به أحدا ولا تلبس بذلك أحد من سلف هذه الأمة وأئمتها بل الذي أرشدنا إليه وحثنا عليه أن لا نتخذ قبور الأنبياء مساجد كما اتخذت اليهود والنصارى وقد لعنهم على هذا الاتخاذ فالحديث برهان قاطع لمواد النزاع وحجة نيرة على كون هذه الأفعال جالبة للعن واللعن أمارة الكبيرة المحرمة أشد التحريم
فمن اتخذ مسجدا بجوار نبي أو صالح رجاء بركته في العبادة ومجاورة روح ذلك الميت فقد شمله الحديث شمولا واضحا كشمس النهار ومن توجه إليه واستمد منه فلا شك أنه أشرك بالله وخالف أمر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في هذا الحديث وما ورد في معناه
ولم يشرع الزيارة في ملة الاسلام إلا للعبرة والزهد في الدنيا والدعاء بالمغفرة للموتى
وأما هذه الأغراض التي ذكرها بعض من يعزى إلى الفقه والرأي والقياس فإنها ليست عليها أثارة من علم ولم يقل بها فيما علمت أحد من السلف بل السلف أكثر الناس إنكارا على مثل هذه البدع الشركية انتهى

سبل السلام - (1 / 153)
قال البيضاوي: لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها اتخذوها أوثانا لهم ومنع المسلمين من ذلك قال وأما من اتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا لتعظيم له ولا لتوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد قلت قوله لا لتعظيم له يقال اتخاذ المساجد بقربه وقصد التبرك به تعظيم له ثم أحاديث النهي مطلقة ولا دليل على التعليل بما ذكر والظاهر أن العلة سد الذريعة والبعد عن التشبه بعبدة الأوثان الذين يعظمون الجمادات التي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر ولما في إنفاق المال في ذلك من العبث والتبذير الخالي عن النفع بالكلية ولأنه سبب لإيقاد السرج عليها الملعون فاعله ومفاسد ما يبنى على القبور من المشاهد والقباب لا تحصر وقد أخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج" وزاد مسلم والنصارى زاد في حديث أبي هريرة هذا بعد قوله اليهود وقد استشكل ذلك لأن النصارى ليس لهم نبي إلا عيسى عليه السلام إذ لا نبي بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم وهو حي في السماء وأجيب بأنه كان فيهم أنبياء غير المرسلين كالحواريين ومريم في قول وأن المراد من قوله أنبيائهم المجموع من اليهود والنصارى أو المراد الأنبياء وكبار أتباعهم واكتفى بذكر الأنبياء ويؤيد ذلك قوله في رواية مسلم "كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد" ولهذا لما أفرد النصارى كما في الحديث الآتي




مجلة البيان - (131 / 40)
ديس القبور والأضرحة) مفهوم لم يعرفه الإسلام ولو في إشارة يسيرة ، بل
جاءت نصوصه الثابتة بالنهي الصريح عن كل ذريعة تفضي إلى ذلك المفهوم الذي
يمثل خطوة أولى على طريق الانحراف نحو الشرك ؛ فمن الأقوال القاطعة لرسول
الله -صلى الله عليه وسلم- بما لا يدع مجالاً لتوهم نسخ أو تخصيص أو تقييد ما
جاء عنه : (لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، ولا تجعلوا قبري عيداً ، وصلّوا عليّ ؛ فإن
صلاتكم تبلغني حيث كنتم) [1] ، وعنه : (اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد ، لعن الله
قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) [2] .. هذا في قبره الشريف وفي كل قبر ، وعن
علي رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج : (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله : أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته) [3] ، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن (يجصص القبر ، وأن يقعد عليه ، وأن يبنى عليه) وفي
زيادة صحيحة لأبي داود : (أو أن يكتب عليه) [4] .. ولعن (المتخذين عليها [أي
القبور] المساجد والسُرج) [5] .
من النور إلى الظلمات :
وعلى ذلك سار سلفنا الصالح من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ومن تبعهم بإحسان (ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك شيء
في بلاد الإسلام ، لا في الحجاز ، ولا اليمن ، ولا الشام ، ولا العراق ، ولا مصر ،
ولا خراسان ، ولا المغرب ، ولم يكن قد أحدث مشهد ، لا على قبر نبي ، ولا
صاحب ، ولا أحد من أهل البيت ، ولا صالح أصلاً ، بل عامة هذه المشاهد محدَثة
بعد ذلك ، وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس ، وتفرقت الأمة ، وكثر فيهم الزنادقة الملبّسون على المسلمين ، وفشت فيهم كلمة أهل البدع ، وذلك
من دولة المقتدر في أواخر المئة الثالثة ؛ فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية
القدّاحية في أرض المغرب ، ثم جاؤوا بعد ذلك إلى أرض مصر) [6] .
(ولم يكن في العصور المفضلة (مشاهد) على القبور ، وإنما كثر بعد ذلك في
دولة بني بويه لما ظهرت القرامطة بأرض المشرق والمغرب ، وكان بها زنادقة
كفار مقصودهم تبديل دين الإسلام ، وكان في بني بويه من الموافقة لهم على بعض
ذلك . ومن بدع الجهمية والمعتزلة والرافضة ما هو معروف لأهل العلم ، فبنوا
المشاهد المكذوبة كمشهد علي -رضي الله عنه- وأمثاله ... ) [7] .
( ... وفي دولتهم أُظهر المشهد المنسوب إلى علي -رضي الله عنه- بناحية
النجف ، وإلا فقبل ذلك لم يكن أحد يقول : إن قبر علي هناك ، وإنما دفن علي -
رضي الله عنه- بقصر الإمارة بالكوفة) [8] .
فعندما بدأت المحدَثات تدب في حياة المسلمين ، كان منها ذلك الأمر الجلل
(فظهرت بدعة التشيع التي هي مفتاح باب الشرك ، ثم لما تمكنت الزنادقة أمروا
ببناء المشاهد وتعطيل المساجد ... ورووا في إنارة المشاهد وتعظيمها والدعاء
عندها من الأكاذيب ما لم أجد مثله فيما وقفت عليه من أكاذيب أهل الكتاب ، حتى
صنف كبيرهم (ابن النعمان) كتاباً في (مناسك حج المشاهد) وكذبوا فيه على النبي -
صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته أكاذيب بدلوا بها دينه ، وغيروا ملته ، وابتدعوا
الشرك المنافي للتوحيد ، فصاروا جامعين بين الشرك والكذب) [9] .
الرواد الأوائل :
وعلى ذلك يتضح أن الذين بذروا بذورَ شرك القبور كانوا رافضة ، وهذا ما
تؤكده لنا عالمة الآثار الدكتورة سعاد ماهر فهمي عندما تسرد أوائل الأضرحة ذات
القباب ، فتقول : ( .. ويليها من حيث التاريخ : ضريح إسماعيل الساماني [10]
المبني سنة 296 هـ في مدينة بخارى ، ثم ضريح الإمام علي - رضي الله عنه -
في النجف الذي بناه الحمدانيون سنة 317 هـ ، ثم ضريح محمد بن موسى في
مدينة قم بإيران سنة 366 هـ ، ثم ضريح (السبع بنات) في الفسطاط سنة 400هـ ،
وقد احتفظت لنا جبّانة أسوان بمجموعة كبيرة من الأضرحة ذات القباب التي
يرجع تاريخ معظمها إلى العصر الفاطمي في القرن الخامس الهجري) [11] .
فبدايات تعظيم القبور واتخاذها مشاهد وأضرحة ارتبطت تاريخياً بأسماء :
القرامطة ، وبني بويه ، والفاطميين (العبيديين) ، والسامانيين ، والحمدانيين ...
وجميعهم روافض وإن تفاوتوا في درجة الغلو [12] .
على أن الدكتورة سعاد ماهر تذكر لنا (أن أقدم ضريح في الإسلام أقيمت عليه
قبة يرجع إلى القرن الثالث الهجري ، وقد عُرف هذا الضريح باسم (قبة الصليبية) ، ويوجد في مدينة سامرّا بالعراق على الضفة الغربية لنهر دجلة إلى الجنوب من
قصر العاشق ... ، ويقول الطبري : إن أم الخليفة العباسي استأذنت في بناء ضريح
منفصل لولدها فأذن لها ؛ إذ كانت العادة قبل ذلك أن يدفن الخليفة في قصره ،
فأقامت قبة الصليبية في شهر ربيع الثاني سنة 284هـ ، وقد ضم الضريح إلى
جانب المنتصر الخليفة المعتز والمهتدي ، وتعتبر قبة الصليبية [13] أول قبة في
الإسلام) [14] .
ولكن الدكتورة سعاد تذكر لنا الأضرحة (ذات القباب) فقط ، ولا ندري هل
كانت قبل قبة الصليبية أضرحة أخرى ليست ذات قباب أم لا ؟
تعانق الجبت مع الطاغوت :
على أن الذي يعنينا في هذا المقام هو أن (تقديس القبور والأضرحة) أمر
حادث في الإسلام ، وإحداثه لم يرتبط بأهل التقوى والعلم ، بل ارتبط بأصحاب
الدعوات الهدامة وأهل السلطان ، وقد أشار القرآن الكريم إلى مثل ذلك في قوله
تعالى عن أصحاب الكهف : [ قَالَ الَذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً ]
[الكهف : 21] فالذين أرادوا اتخاذ مسجد على قبور الفتية هم أهل الغلبة .
ولعلنا نلمح أن في ذلك جنساً من اتباع سَنَن من كانوا قبلنا في تعانق الجبت
مع الطاغوت عند حدوث الانحراف العقدي ، وذلك كما في قوله تعالى : [ أَلَمْ تَرَ
إلَى الَذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِّنَ الكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ .. ] [النساء : 51] ؛ حيث يتآزر دعاة الأوهام والخرافة مع أصحاب الطاعة والتشريع من دون الله ،
ويتبادلون الأدوار أحياناً ، فتجد الكهان والمنجمين والسحرة يطلبون الطاعة ممن
يؤمن بخرافاتهم ويحلون له الحرام ، ويُحرمون عليه الحلال ، كما أنهم يمدون
أصحاب السلطان والطاعة بالشرعية التي هم في حاجة إليها ، وتجد أصحاب
السلطان ممن يُطاعون في معصية الله يستشيرون الخرافيين ويقربونهم ويفسحون
المجال للترويج لبدعهم بين الناس .. ولا شك أن لكل ذلك أثراً في الواقع .
دينهم وديدنهم :
كما أن مكانة القبور والأضرحة (المقدسة) ! غير قابلة للمساومة في دين
الرافضة ؛ فطائفة البهرة الإسماعيلية (من غلاة الرافضة) ذات نشاط واسع في
عمارة وتجديد المساجد ذات الأضرحة بحجة الاهتمام بالعمارة الإسلامية ، وبخاصة
في مصر ... والقبر الأول الذي يحظى بحج الجماهير في دمشق وهو القبر
المنسوب إلى السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ما زال مكتوباً
عليه إلى الآن : قام بعمارة البناية الضخمة عليه والمسجد حولها والقبة المزخرفة :
محمد بن حسين نظام وأولاده من طائفة الشيعة [15] .
وأيضاً فإن أصحاب الأضرحة الكبرى ممن ينسب إلى التصوف هم في
الحقيقة من غلاة الشيعة الباطنية ؛ حيث (من العراق انطلق أحد أتباع الرفاعي إلى
مصر ، وهو (أبو الفتح الواسطي) (جد إبراهيم الدسوقي) لنشر دعوتهم الباطنية بها ، وقد كان ذلك في العهد الأيوبي ، وبعد موت الواسطي جاء (البدوي) ليخلفه في
دعوته تلك ، وقد توزع هؤلاء الدعاة في مصر ، فكان (الدسوقي) بدسوق و (أبو
الحسن الشاذلي) بالإسكندرية ، و (أبو الفتح الواسطي) ما بين القاهرة وطنطا
والإسكندرية ، ولما مات الواسطي حل محله البدوي بطنطا ، وجميعهم من فلول
العبيديين الذين طردهم صلاح الدين الأيوبي من مصر ، ثم حاولوا العودة تحت
ستار التصوف والزهد ... كما أن كلاّ من ابن بشيش وابن عربي قد تتلمذا على يد
(أبي مدين) بالمغرب) [16] .
(وفي أواخر عهدهم أنشأ الفاطميون المشهد الحسيني عام 550هـ عندما
شعروا بأن سلطتهم قد ضعفت ليجذبوا إليهم المصريين ، وعهدوا إلى ابن مرزوق
القرشي (564هـ (تربية مريدي الصوفية ، فانتظم أتباعه في طوائف وطرق لنشر
الدعوة الشيعية ؛ إلا أن هذه التنظيمات انهارت بانهيار الدولة الفاطمية وتحول
المشهد الحسيني إلى ضريح صوفي) [17] .
والحاصل : أن تقديس القبور وزيارة المشاهد تقليد شيعي في نشأته ، فالشيعة
هم أول من بنى المشاهد على القبور ؛ حيث تتبعوا أو زعموا قبور من مات قديماً
ممن يعظمونهم من آل البيت ، وراحوا يبنون على قبورهم ويجعلونها مشاهد
ومزارات ، ثم جاء الصوفية فنسجوا على هذا المنوال ، فجعلوا أهم مشاعرهم هو
زيارة القبور وبناء الأضرحة والطواف بها والتبرك بأحجارها ، والاستغاثة
بالأموات [18] .
الحاجة أمّ الاختراع :
وأصبح تقديس القبور والأضرحة لازماً من لوازم الطرق الصوفية ؛ بحيث لا
يتصور أحد وجود طريقة صوفية من غير ضريح أو أكثر تقدسه .. ومع تمكن الداء
من جسد الأمة ظهرت (الحاجة) إلى تعدد الأضرحة والمزارات لتلبي رغبات من
صرعتهم الأوهام ، وضاق بالقبوريين أن يتحروا ثبوت قبور الأولياء المشهورين
لدى جمهورهم ، ولأن الحاجة أُمّ الاختراع كما يقال فقد وجدوا لهذه الأزمة بعض
المخارج والحيل :
- فظهر ما يسمى بأضرحة الرؤيا ، تقول الدكتورة سعاد ماهر : (ظهر في
العصور الوسطى وخاصة في أوقات المحن والحروب التي لا تجد فيها الشعوب من
تلوذ به غير الواحد القهار أن يتلمسوا أضرحة آل البيت والأولياء للزيارة والبركة
والدعاء ليكشف الله عنهم السوء ويرفع البلاء ، ومن ثم : ظهر ما يعرف بأضرحة
الرؤيا ، فإذا رأى ولي من أولياء الله الصالحين في منامه رؤيا مؤداها أن يقيم
مسجداً أو ضريحاً لأحد من أهل البيت أو الولي المسمى في الرؤيا فكان عليه أن
يقيم الضريح أو المسجد باسمه) [19] .
وتلك كانت الدعوى نفسها التي أقيمت عليها (مزارات الشهداء) عند النصارى
(وكان ذلك إبان القرن الخامس الميلادي ؛ حيث أصبح لكل قرية مزار لشهيد يحوي
عظاماً لبعض الموتى المجهولين ، أخرجت من القبور ، ومنحت كل التبجيل
والاحترام ، دون أدنى دليل يثبت أنها على الأقل بقايا مسيحيين ، ويُخلع على هذه
الرفات أسماء وألقاب لائقة ، وفي حالات كثيرة كان المرجع الوحيد في هذا الشأن
(حلم) أو (رؤيا) لكاهن أو راهب) [20] .
وعلى ذلك لا يلزم أن يكون الولي المقام الضريح باسمه ثبت وجوده في ذلك
المكان ، بل لا يلزم أن يكون وطئت قدمه أرض تلك البلاد أصلاً ، ومن هنا ظهرت
أضرحة مزعومة ومكذوبة في طول البلاد وعرضها ، وتعددت الأضرحة للولي
الواحد في أكثر من قُطْر ، ولتسويغ ذلك الخطل نسجوا خرافة واضحة الزور
والبهتان ، فقالوا : إن الأرض لأجسام الأولياء كالماء للسمك ، فيظهرون بأماكن
متعددة ويزار كل مكان قيل عنه إنه فيه نبي كريم أو ولي عظيم [21] .
- ومن الحيل الرائجة لإقامة ضريح أو مشهد : نسج الكرامات حول الشخص
المزعوم بأنه ولي ، أو حول المكان المزعوم بأنه مكان قبر ولي .
فمما ينسج حول الأشخاص : ما حدث مع (الشيخ) صالح أبي حديد الذي كان
وبعض صحبه من قطاع الطريق ، وحين كشف أمره هرب ولجأ إلى بيت مغنية
مشهورة ، فأخفته وادعت أنه مجنون ووضعت في رجليه قيداً من حديد ، وقد اعتقل
لسانه من شدة الخوف ، ثم أشاعت هي والمجتمعون من حوله أن له كرامات
وإخباراً بالمغيبات ، فأقبل عليه الناس بالهدايا والنذور حتى ذاع صيته ، وزاره
الخديوي إسماعيل واستبشر به وبنى له قبراً بقبة عالية بعد وفاته ووقف عليه
الأرض وغيرها [22] .
ومن ذلك : مسجد في حلب يعرف بمسجد العريان ، يعتقده أهل المحلة
الموجود بها ، ويقولون : إنه عرف بالعريان ؛ لأنه في أكثر أوقاته يتجرد من ثيابه ، ويدّعون أن ذلك لغلبة الحال عليه [23] .
الواقع الأليم .. شبكة أضرحة :
ولغفلة جموع كثيرة من الأمة عن حقيقة دينها فقد أنبتت هذه الجذور شبكة
واسعة من القبور والأضرحة (المقدسة) عمت معظم أنحاء العالم الإسلامي ، بل إن
بعض الباحثين يقدر عدد الأضرحة في القطر الذي يعيش فيه بما لا يقل عن عدد
المدن والقرى في هذا القطر ، حيث يقول : (وأضرحة الأولياء التي تنتشر في مدن
مصر ونحو ستة آلاف قرية : هي مراكز لإقامة الموالد للمريدين والمحبين ،
ويمكننا القول : إنه من الصعب أن نجد يوماً على مدار السنة ليس فيه احتفال بمولد
ولي في مكان ما بمصر) [24] ، بل أصبحت القرى التي تخلو من الأضرحة مثار
تندر وتهكم سدنة الأضرحة ، فقد ذكر الدكتور زكريا سليمان بيومي أن من القرى
التي تخلو من أضرحة الأولياء : (بِيّ العرب) و (أبو سنيطة) و (ميت عفيف) وهي
جميعاً مركز الباجور منوفية ، وأطلق المشايخ أمثلة شعبية على بخل هذه القرى
وخلوها من البركة ما زالت سارية بين الناس حتى الآن ! [25] .
ولكي ندرك حجم المأساة أكثر سنورد بعض ما تيسر من نماذج توضح حجم
انتشار هذه الأضرحة في بعض بقاع العالم الإسلامي ، وبالطبع ، فليس من بلد به
ضريح إلا وله مريدون ممن يعتقدون فيه ..
فمن بين ألوف الأضرحة المنسوبة إلى الأنبياء والصحابة والأولياء في العالم
الإسلامي يشتهر في مصر من بين أكثر من ستة آلاف ضريح (على تقدير من
أشرنا إليهم (أكثر من ألف ضريح [26] ، (ويذكر صاحب الخطط التوفيقية علي
باشا مبارك أن الموجود في زمنه في القاهرة وحدها مئتان وأربعة وتسعون
ضريحاً) [27] ، أما خارج القاهرة فيوجد (على سبيل المثال في مركز فوّة .. (81) ضريحاً ، وفي مركز طلخا (54) ، وفي مركز دسوق (84) ، وفي مركز
تلا (133) ، وهي الأضرحة التابعة للمجلس الصوفي الأعلى ، بخلاف الأضرحة التابعة للأوقاف أو غير المقيدة بالمجلس الصوفي) [28] كما يوجد في أسوان أحد المشاهد يسمى مشهد (السبعة وسبعين ولياّ) [29] .
وتنقسم الأضرحة إلى كبرى وصغرى ، وكلما فخم البناء واتسع وذاع صيت
صاحبه زاد اعتباره وكثر زواره .
فمن الأضرحة الكبرى في القاهرة : ضريح الحسين ، وضريح السيدة زينب ،
وضريح السيدة عائشة ، وضريح السيدة سكينة ، وضريح السيدة نفيسة ، وضريح
الإمام الشافعي ، وضريح الليث ابن سعد ... وخارج القاهرة تشتهر أضرحة :
البدوي بطنطا ، وإبراهيم الدسوقي بدسوق ، وأبي العباس المرسي بالإسكندرية ،
وأبي الدرداء بها أيضاً ، وأبي الحسن الشاذلي بقرية حميثرة بمحافظة البحر الأحمر ، وأحمد رضوان بقرية البغدادي بالقرب من الأقصر ، وأبي الحجاج الأقصري
بالأقصر أيضاً ، وعبد الرحيم القنائي بقنا ...
أما في الشام فقد أحصى عبد الرحمن بك سامي سنة (1890م) في دمشق
وحدها 194ضريحاً ومزاراً ، بينما عد نعمان قسطالي المشهور منها 44 ضريحاً ،
وذكر أنه منسوب للصحابة أكثر من سبعة وعشرين قبراً ، لكل واحد منها قبة ويزار
ويتبرك به .
وفي الآستانة عاصمة السلطنة العثمانية كان يوجد 481 جامعاً يكاد لا يخلو
جامع فيها من ضريح ، أشهرها الجامع الذي بني على القبر المنسوب إلى أبي أيوب
الأنصاري في الآستانة (القسطنطينية) .
وفي الهند يوجد أكثر من مئة وخمسين ضريحاً مشهوراً يؤمها الآلاف من
الناس .
وفي بغداد كان يوجد أكثر من مئة وخمسين جامعاً في أوائل القرن الرابع
عشر الهجري ، وقلّ أن يخلو جامع منها من ضريح ، وفي الموصل يوجد أكثر من
ستة وسبعين ضريحاً مشهوراً كلها داخل جوامع ، وهذا كله بخلاف الأضرحة
الموجودة في المساجد والأضرحة المفردة [30] .
وفي معظم مناطق أوزبكستان كثير من الأضرحة المنسوبة إلى الصحابة
والمشائخ ورجال العلم والأولياء ، وأصبحت هذه القبور مزارات يفد إليها مريدوها
جماعات وأفراداً ، يدعون ويبكون ، ومن أهم تلك المزارات ضريح قثم بن العباس
ابن عم الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سمرقند ، وضريح الإمام البخاري في
قرية خرتنك [31] .
بين الحقيقة والوهم :
وإذا كان ذكر أسماء الأضرحة المشهورة في العالم الإسلامي قد يشق على
المتابع فسنذكر هنا طرفاً من الأضرحة المكذوبة والمشكوك في نسبتها :
فضريح الحسين بالقاهرة (كذب مختلق بلا نزاع بين العلماء المعروفين عند
أهل العلم ، الذين يرجع إليهم المسلمون في مثل ذلك لعلمهم وصدقهم) [32] ، (فإنه
معلوم باتفاق الناس : أن هذا المشهد بني عام بضع وأربعين وخمسمئة ، وأنه نقل
من مشهد بعسقلان ، وأن ذلك المشهد بعسقلان كان قد أحدث بعد التسعين والأربعمئة.. فمن المعلوم أن قول القائل : إن ذلك الذي بعسقلان هو مبني على رأس الحسين - رضي الله عنه- قول بلا حجة أصلاً .. ) [33] .
وقد ورد عن المشائخ : ابن دقيق العيد وابن خلف الدمياطي وابن القسطلاني
والقرطبي صاحب التفسير وعبدالعزيز الديريني إنكارهم أمر هذا المشهد ، بل ذكر
عن ابن القسطلاني أن هذا المشهد مبني على قبر نصراني [34] .
وإضافة إلى مشهدي عسقلان والقاهرة هناك ضريح آخر في سفح جبل
الجوشن غربي حلب ينسب إلى رأس الحسين -رضي الله عنه- أيضاً ، وهو من
أضرحة الرؤيا ، وكذلك توجد أربعة مواضع أخرى يقال إن بها رأس الحسين : في
دمشق ، والحنانة بين النجف والكوفة ، وبالمدينة عند قبر أمه فاطمة رضي الله عنها ، وفي النجف بجوار القبر المنسوب إلى أبيه -رضي الله عنه- ، وفي كربلاء حيث
يقال : إنه أعيد إلى جسده [35] .
ورغم أن المحققين يقولون إن السيدة زينب بنت علي رضي الله عنهما ماتت
بالمدينة ودفنت بالبقيع ، إلا أن القبر المنسوب إليها والذي أقامه الشيعة في دمشق
هو (القبر الأول الذي يحظى بحج الجماهير إليه ... ) [36] .
ولا يقل عنه جماهيرية ذلك الضريح المنسوب إليها في القاهرة ، والذي لم
يكن له وجود ولا ذكر في عصور التاريخ الإسلامي إلى ما قبل محمد علي باشا
بسنوات معدودة كما يذكر أحمد زكي باشا [37] ، ويقول علي مبارك في الخطط
التوفيقية : (لم أرَ في كتب التاريخ أن السيدة زينب بنت علي رضي الله عنهما
جاءت إلى مصر في الحياة أو بعد الممات) [38] .
وأهل الإسكندرية بمصر يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن أبا الدرداء مدفون في
الضريح المنسوب إليه في مدينتهم ، ومن المقطوع به عند أهل العلم أنه لم يدفن في
تلك المدينة [39] .
ومن أضرحة الرؤيا : مشهد السيدة رقية بنت الرسول -صلى الله عليه وسلم-
بالقاهرة ، أقامته زوجة الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله ، وذلك بلا خلاف [40] ،
ومنها كذلك : ضريح السيدة سكينة بنت الحسين ابن علي رضي الله عنهم [41] ،
ويذكر المقريزي في خططه (2/45) جملة من الأضرحة المزعومة ، منها : (قبر
في زقاق المزار تزعم العامة ومن لا علم عنده أنه قبر يحيى بن عقب ، وأنه كان
مؤدباً للحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو كذب مختلق وإفك مفترى ، كقولهم في
القبر الذي بحارة برجوان إنه قبر جعفر الصادق ، وفي القبر الآخر إنه قبر أبي
تراب النخشبي ... إلى غير ذلك من أكاذيبهم) [42] .
ومن أشهر الأضرحة أيضاً : ضريح الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله
عنه- بالنجف بالعراق ، وقد مرّ بنا سابقاً كلام ابن تيمية رحمه الله من أنه قبر
مكذوب ، وأن علياً -رضي الله عنه- دفن بقصر الإمارة بالكوفة [43] .
وفي البصرة عدد من الأضرحة المنسوبة إلى الصحابة منها : قبر
عبد الرحمن بن عوف رغم أنه مات بالمدينة ودفن بالبقيع [44] .
وفي بلدة الرها من أعمال حلب ضريح يقال إنه لجابر بن عبد الله الأنصاري
رضي الله عنهما مع أن جابراً توفي في المدينة [45] .
وفي مدينة نصيبين بالشام (حالياً بجنوب تركيا) قبة يزعمون أنها لسلمان
الفارسي ، مع أنه -رضي الله عنه- مدفون في المدائن [46] .
ويضيف ابن تيمية رحمه الله : (وكذلك بدمشق بالجانب الشرقي مشهد يقال :
إنه قبر أُبَيّ بن كعب ، وقد اتفق أهل العلم على أن أبيّاً لم يقدم دمشق ، وإنما مات
بالمدينة ، فكان بعض الناس يقول : إنه قبر نصراني ، وهذا غير مستبعد ... فلا
يستبعد أنهم [اي : النصارى] ألقوا إلى بعض جهال المسلمين أن هذا قبر من يعظمه
المسلمون ليوافقوهم على تعظيمه) [47] .. وما لم يستبعده رحمه الله حدث مثله في
العصر الحاضر (ففي الجزائر كان الشعب هناك يؤم ضريحاً في بعض المناطق
الشرقية ويتبرك بأعتابه ، ثم اكتُشف أن هذا القبر كان لراهب مسيحي ، ولم يصدق
الناس ذلك حتى عثروا على الصليب في القبر) [48] .
وفي دمشق أيضاً : قبور منسوبة إلى أمهات المؤمنين : عائشة وحفصة وأم
سلمة وأم حبيبة رضوان الله عليهن مع أنهن مدفونات بالمدينة المنورة ، وفيها كذلك
قبر لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما مع أنها ماتت في مكة بعد مقتل ولدها
عبد الله بن الزبير بأيام قليلة [49] .
وينسب الناس في الشام قبراً إلى (أم كلثوم) و (رقية) بنتي رسول الله (وقد
اتفق الناس على أنهما ماتتا في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة المنورة
تحت عثمان ، وهذا إنما هو بسبب اشتراك الأسماء ؛ لعل شخصاً يسمى باسم من
ذكر توفي ودفن في موضع من المواضع المذكورة ، فظن الجهال أنه أحد من
الصحابة) [50] ، (ومنها (قبر خالد) بحمص ، يقال : إنه قبر خالد بن يزيد بن
معاوية ... ، ولكن لما اشتهر أنه خالد ، والمشهور عند العامة خالد بن الوليد : ظنوا
أنه خالد بن الوليد ، وقد اختلف في ذلك : هل هو قبره أو قبر خالد بن يزيد) [51] .
ولعل لهذا السبب أيضاً وجد ضريح (سيدي خالد بن الوليد) بكفر الحما مركز
أشمون منوفية بمصر ، وضريح (الشيخ عمار بن ياسر) بناحية بني صالح تبع
مركز الفشن [52] .
انفراط العقد :
وفي دمشق كذلك ضريح يدعي الناس أنه لرأس يحيى بن زكريا عليهما السلام
يقع في قلب المسجد الأموي ، وله قبة وشباك ، وله نصيبه من التمسح والدعاء ،
وبجانب المسجد الأموي قبر القائد صلاح الدين الأيوبي ، وإلى جانبه في القبة قبر
عماد الدين زنكي ، وقبور أخرى تزار ويتوسل بها ... وفيها قبور أخرى كثيرة
كقبر زيد بن ثابت ، وأبي هريرة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، والراجح أنه قبر
معاوية بن يزيد بن معاوية ، أما قبر معاوية الصحابي فقيل إنه بحائط دمشق الذي
يقال إنه قبر هود عليه السلام ، وفي دمشق أيضاً قبور كثير من التابعين والقواد
العظماء ، ومعظم ما يقال عن هذه القبور تخرصات و تكهنات معظمها من وضع
الشيعة والصوفية ، وإلا فليس هناك دليل مادي يثبت قبر كل فرد بعينه [53] .
وإضافة إلى ضريح دمشق المنسوب ليحيى بن زكريا عليهما السلام فإن له
مزاراً آخر في صيدا جنوب لبنان في قمة جبل يشرف على البلد والبحر ، وله
أيضاً مقام ثالث في الجامع الأموي بحلب ؛ حيث توجد حجرة تعرف بـ (الحضرة
النبوية) يقال إن بها رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام في صندوق جرن ، وقيل
إن بها عضواً من أعضاء نبي الله زكريا عليه السلام في صندوق مرمر [54].
وفي حلب أيضاً:(مسجد يعرف بمسجد النبي ، منسوب إلى نبي يدعى كالب بن يوفنا من سبط يهوذا) [55] .
ونحو الجنوب إلى معان بشرقي الأردن يوجد مزار النبي هارون ، ولا يوجد
عند أهل هذه الناحية مقام أشد إكراماً ولا أوفر آياتٍ منه ! ، كما يوجد في شرقي
الأردن أيضاً مقام النبي هوشع (يوشع) على قمة جبل بالقرب من السلط ، وهو
مبني بحجارة قديمة يرتئي الباحثون أن أكثرها يرتقي إلى عهد الصليبيين ! ، كما
يوجد في غربي الكرك مزار النبي نوح ، وفي بادية البلقاء وموآب يوجد مقام
(الخضر الأخضر) [56] .
كما يوجد ضريح آخر للخضر عليه السلام في مغارة بمعرة النعمان بشمال
سورية بالشام ، ويوجد بها كذلك ضريح آخر ليوشع عليه السلام ، وفي معرة
النعمان أيضاً يوجد ضريح شيث عليه السلام ، مع أن هناك جامعاً كبيراً في
الموصل يسمى بجامع النبي شيث داخله ضريح يعتقد الناس أنه مدفون فيه ، ولم
يكن هذا القبر معروفاً قبل القرن الحادي عشر للهجرة ، حيث رأى أحد ولاة
الموصل في ذلك القرن مناماً يدل على موضع القبر ، فبنى الضريح [57] .
ومن المقابر المكذوبة باتفاق أهل العلم القبر المنسوب إلى هود عليه السلام
بجامع دمشق ، فإن هوداً لم يجئ إلى الشام [58] . وهناك قبر منسوب إليه في
حضرموت ، وفي حضرموت أيضاً قبر يزعم الناس أنه لصالح عليه السلام ، رغم
أنه مات بالحجاز ، وله أيضاً عليه السلام قبر في يافا بفلسطين ، التي بها كذلك
مزار لأيوب عليه السلام [59] .
ويونس عليه السلام له ضريح في بلدة حلحول بفلسطين ، وضريح آخر بقرية
نينوى قرب الموصل بالعراق ، وثالث في غار بضيعة قرب نابلس بفلسطين ،
وكلها يُدّعى أن فيها قبره عليه السلام [60] ، وفي نابلس أيضاً ضريح الأسباط
إخوة يوسف عليه السلام ، وله عليه السلام قبر في مسجد الخليل بمدينة الخليل
بفلسطين ، وفي المسجد نفسه ضريح إبراهيم عليه السلام ، وكذا : أضرحة تنسب
إلى إسحاق ويعقوب عليهما السلام [61] .
ورغم وجود مزار لداود عليه السلام في قضاء كلّز من أعمال حلب بسورية ،
إلا أن له مزاراً آخر في جنوب غرب صيدا بلبنان ، التي في جانبها الشرقي مزار
شمعون يزعم الناس أنه من أنبياء بني إسرائيل ، وله نفسه مزار آخر في قضاء
كلّز أيضاً ، وفي صيدا أيضاً مزار (صيدون) يزعم الناس أيضاً أنه من أنبياء بني
إسرائيل [62] .
وذكر الفيروزآبادي في تعريفه لبلدة قرب نابلس تسمى (عَوْرَتا) : (قيل بها
قبر سبعين نبياً ، منهم : عزير ، ويوشع) [63] .
وبعد هذا السرد إليك ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله في نسبة قبور الأنبياء ،
فقد حكى عن طائفة من العلماء (منهم عبد العزيز الكناني : كل هذه القبور المضافة
إلى الأنبياء ، لا يصح شيء منها إلا قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وقد أثبت
غيره أيضاً قبر الخليل عليه السلام[64][ ، ويقول أيضاً : (وأما قبور الأنبياء :
فالذي اتفق عليه العلماء هو قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فإن قبره منقول
بالتواتر ، وكذلك قبر صاحبيه ، وأما قبر الخليل فأكثر الناس على أن هذا المكان
المعروف هو قبره ... ولكن ليس في معرفة قبور الأنبياء بأعيانها فائدة شرعية ،
وليس حفظ ذلك من الدين) ]65[ .
وماذا بعد ؟
ولم يقف الأمر عند حد نسبة القبور زوراً إلى شخصيات لها نصيبها من الحب
والاحترام لدى الناس ، بل وصل الادعاء إلى اختلاق بعض هذه الشخصيات من
الوهم والعدم ونسبة الأضرحة إليها ، فمن ذلك : قبر في طريق بلدة (طورخال)
بتركيا لصحابي أسموه (كيسك باش ! ( ، وفي معرة النعمان ضريح لرجل يدعى
(عطا الله) يزعمون أنه صحابي أيضاً ]66[ .
وذكر المقريزي أن في القاهرة قبراً على يسرة من خرج من باب الحديد
ظاهر زويلة ، يزعمون أنه لصحابي يدعى : زارع النوى ! ]67[ .
وفي مدينة الشهداء بمصر ضريح داخل مسجد منسوب إلى (شبل) بن الفضل
بن العباس عم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، رغم أن المصادر العلمية تتفق
على أن الفضل بن العباس -رضي الله عنه- لم ينجب إلا بنتاً واحدة اسمها (أم
كلثوم) ]68[ .
وأخيراً :
فإننا ربما لا ننتهي إذا حاولنا استقصاء حقيقة القبور والأضرحة المنتشرة في
أنحاء العالم الإسلامي ، والتي على فرض ثبوت صحة نسبتها فإن إقامة المساجد
عليها وممارسة الأفعال التي اعتاد الناس على القيام بها حولها .. ليس من دين الله
في شيء ، بل يقع معظمه في دائرة المحرمات بدرجاته المختلفة ، ومنها ما قد يصل
إلى حد الشرك المخرج من الملة .
ولكن إذا ثبت أن ديننا ينهى عن تلك الأفعال ، وثبت أن سوس الجهل
والأوهام يرتع ناخراً في فسطاط الخرافة ، فما الذي يدفع مرتادي الأضرحة
والمعتقدين فيها إلى ولوج هذا الكيان والتمسك به ؟ !
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد ، 2/367 ، وأبو داود ، كتاب المناسك ، باب زيارة القبور ، وصححه الألباني، انظر : صحيح سنن أبي داود ، ح/1769 .
(2) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل 2/246 ، وصححه الألباني في تحذير الساجد ، ص25 .
(3) أخرجه مسلم في الجنائز ، باب الأمر بتسوية القبور ، وأبو داود والترمذي والنسائي .
(4) أخرجه مسلم في الجنائز ، باب النهي عن تجصيص القبر ، وأبو داود ، ح/3226 ، وانظر : صحيح سنن أبي داود للألباني ، ح/ 2763 .
(5) أخرجه الترمذي وأبو داود والإمام أحمد ، وقال أحمد محمد شاكر في تعليقه على (سنن الترمذي) 2/137 : (الشواهد التي ذكرناها ترفعه إلى درجة الصحة لغيره ، إن لم يكن صحيحاً بصحة إسناده هذا) ، وضعف الألباني لفظ (السرج) ، انظر : الضعيفة ، ح/225 .
(6) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، ج/ 27 ، ص466 .
(7) السابق ، ص 167 .
(8) السابق ، ص 466 .
(9) السابق : ص161 162 .
(10) ينتسب السامانيون إلى رجل فارسي يسمى (سامان) ، كان مجوسياً واعتنق الإسلام أواخر عهد الدولة الأموية ، وإسماعيل المذكور هو : إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان ، آلت زعامة السامانيين إليه عام 279هـ ، وتوفي سنة 295هـ انظر : التاريخ الإسلامي ، لمحمود شاكر ،
ج/6 ، ص91 ، 107 ، .
(11) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون ، ج1 ، ص46 .
(12) انظر : التاريخ الإسلامي ، ج 6 ، ص149 .
(13) نسبة إلى موقع الضريح عند تقاطع طريقين .
(14) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون ج1 ، ص46 .
(15) انظر : شهر في دمشق ، لعبد الله بن محمد بن خميس ، ص 67 .
(16) بدع الاعتقاد ، لمحمد حامد الناصر ، ص : 247 ، نقلاً عن (السيد البدوي دراسة نقدية) للدكتور عبد الله صابر .
(17) عمار علي حسن ، الصوفية والسياسة في مصر ، ص88 .
(18) انظر : الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة ، لعبد الرحمن عبد الخالق ، ص : 427 .
(19) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون ، ج1 ، ص102 103 .

مجلة المنار - (28 / 439)
كاتب : محمد عبد القادر الهلالي
__________
مناظرة في مسألة القبور و المشاهد
الرد على رسالة العالم الشيعي
للأستاذ الشيخ محمد عبد القادر الهلالي
وهو عالم سلفي مستقل لا يتعصب لمذهب من المذاهب مطلقًا
( 2 )

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى العالم الجليل ، المحقق النبيل ، السيد مهدي الكاظمي القزويني سلمه الله
ووقاه ، وبلغه مناه ، وسلام عليكم ورحمة الله : أما بعد فقد وافاني جوابكم الكريم
المؤرخ في 22 شعبان سنة 1345 , فتلقيته بكامل التجلة وعظيم الارتياح ، وأثنيت
على همتكم الشماء وعنايتكم السامية بما يقتضيه المنصب الذي ولاكم الله إياه ، ومن
كمال لطفكم ووافر ظرفكم أن استسمحتموني في تطويلكم الجواب عما في المنار ،
وإلا فهو رياض بهيجة ، وموارد عذبة ، وثمار بحث شهية ، بعبارات رائقة طلية ،
فبها يحق لكم أن تفتخروا لا أن تعتذروا .
ولما التمستم مني القضاء بينكم وبين المنار بعد الإمعان فيما كتبتم في الرد
عليه ؛ وجب علي أن ألبي التماسكم معترفًا بقصور باعي وقلة اطلاعي متجردًا من
الهوى ما استطعت وما توفيقي إلا بالله ، غير متحيز إلى مذهب ، ولا واقف مع
مشعب ، إذ لا مذهب لي إلا الحق ، وأتمثل بقول الشاعر البليغ الشيعي :
وما لي إلا آل أحمد شيعة ... وما لي إلا مشعب الحق مشعب
وهذا الجواب الذي سأجيب به عن كلامكم هو الذي أنوي أن أجيب به بين يدي
الجبار سبحانه وتعالى إن سألني - والملائكة والأنبياء والصالحون شهود - فإذا تحققتم
إخلاصي ؛ فلا أظن أنكم تجدون من شيء من كلامي ، وإن باين مذهبكم
{ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } ( البقرة : 148 ) .
( المقام الأول ) قولكم : إن مكاتب المنار حرف الكلم عن مواضعه ، ولم ينقله
على وجهه .
أقول : لا يمكنني أن أبدي رأيي في هذه القضية ؛ لعدم اطلاعي على الكتاب
المنقول منه .
( المقام الثاني ) تكذيبكم إياه في قوله [1] : ( إنه لا يوجد كتاب من كتب فقه
الشيعة إلا وبه : ، أنه لا يجوز البناء على القبور ) ، يعكر عليه ما نقلتم عن كتاب
جواهر الكلام أنه ذكر خبرًا عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام قال : ( لا يصلح
البناء عليه ) .
ونفي الصلاح فيما يتعبد به ؛ يستلزم الفساد ، إذ لا واسطة بينهما ، والفاسد
شرعًا لا يجوز التعبد به ، وعليه فمن قال : إن عدم جواز البناء على القبور موجود
في كتب فقه الشيعة صادق في قوله . نعم إذا كان عدم جواز البناء على القبر يوجد
في بعض كتب الفقه دون بعض لم يصح كلامه .
( المقام الثالث ) تأويلكم الخبر فيه نظر بيّن لأن الإمام سئل عن البناء على
القبر : هل يصلح أم لا ؟ فقال لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا
تطيينه . هذه أربعة أشياء نفَى عنها الإمام الكاظم ( عم ) الصلاح في مقام السؤال
عن حكمه شرعًا فلزم أن فعلها فساد عند الإمام ( والله لا يحب الفساد ) والفساد
محرم لقوله تعالى { وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ } ( الأعراف : 56 ) .
وقولكم : ( وجه الاستدلال به على كراهة التجصيص أن الجلوس على
القبر ليس محرمًا عندنا فتكون سائر الأمور المذكورة معه ليست محرمة للزوم
تساوي المتعاطفات في الحكم ) في غاية البعد مع ما فيه من الإبهام إذ لم تبينوا دليل
جواز الجلوس على القبر : أهو البراءة الأصلية أم نص من القرآن أو من حديث
إمام معصوم ، أما القرآن فليس فيه دليل على جواز ذلك فإن كان هناك نص صريح
عن النبي أو أحد من الأئمة كان ينبغي لكم أن تذكروه لنضعه إلى جانب كلام
الإمام الكاظم فإن تعارضا ولم يمكن الجمع بينهما ولا ترجيح لأحدهما على الآخر
بشيء من المرجحات توقفنا عن العمل بهما جميعًا وطلبنا دليلاً من الخارج ، فإن
وجد ؛ حكمنا به ، وإلا ، قلنا : لا نص معتبر في الجلوس على القبر , ويسلم لنا
نص الإمام الكاظم على عدم جواز البناء على القبر بغير معارض ، وظاهره الحرمة
لأن عدم الصلاح في مقام السؤال عن الحكم شرعًا يستلزم الفساد ، وهو حرام كما
تقدم .
( المقام الرابع ) قولكم : ( ولكن مكاتب المنار لم يذكر من الحديث [2] إلا
قوله : لا يصلح البناء على القبر ، وأسقط منه الباقي ؛ ليوهم القارئ أن الحديث
دال على التحريم ، ولا شك أن إسقاط بعض الحديث خيانة في النقل ) فيه نظر
أيضًا لأنه ليس كل إسقاط موهمًا ، وإنما يكون الإسقاط تحريفًا وخيانة إذا كان مخلاًّ
بالمعنى المقصود ، أما الاقتصار على ذكر دليل المسألة من الخبر وحذف سائره إذا
كان لا يتغير المعني بحذفه كما هنا ؛ فليس بخيانة ، بل هو اختصار ، وهو مقبول
عند أهل العلم ، موجود في كتب الثقاة الأمناء كالبخاري وغيره .
( المقام الخامس ) قولكم : ثم قال صاحب الجواهر : وربما يشعر بكراهة
التجصيص [3] قول الصادق ( ع ) كل ما جعل على القبر من غير تراب القبر ,
فهو ثقل على الميت : قلتم : وهذا الحديث لا دخل له بموضوع المسألة ؛ لأن
المفهوم منه كراهة أن يهال على الميت من غير تراب القبر فالصادق ( ع ) كأنه
قال : لا يهال على القبر إلا التراب الذي استخرج من نفس القبر عند حفره ، ولا
يُؤْتَى بشيء من غيره , فيوضع في القبر إلخ .
أقول : كلام الإمام يقتضي قطعًا أنه لا يوضع على القبر شيء إلا تراب القبر
سواء أكان ذلك الشيء ترابًا أم جصًّا أم تابوتًا وستورًا ومباخر وشموعًا
وغيرها ؛ لأن الإمام لم يقل : كل تراب يهال على القبر من غير تراب القبر ، فهو
ثقل بل عبر ( بما ) التي هي من ألفاظ العموم ، فلا يصح تخصيصها بجنس التراب
بلا دليل ، ولذلك فهم منه صاحب الجواهر النهي عن التجصيص ، وحمله على
الكراهة ، والظاهر الحرمة ؛ لأنه من جنس البناء على القبر ، وتقدم الدليل على
حرمته .
( المقام السادس ) قولكم : وقال صاحب الجواهر : وكذا يشعر بالكراهة
حديثه عليه السلام [4] قال أمير المؤمنين ( عم ) : بعثني رسول الله صلى الله عليه
وسلم في هدم القبور ، وكسر الصور .
أقول : استدلال صاحب الجواهر بهذا الحديث على كراهة التجصيص يدل
على أنه فهم منه مشروعية هدم القبور مطلقًا سواء أكانت للكفار ، أو المؤمنين ،
وكسر الصور مطلقاً ولو كانت صور الأنبياء والأئمة ، وينافي ما ملتم إليه فيما بعد
من أن مشروعية الهدم خاصة بقبور الكفار .
( المقام السابع ) اعترافكم بأن تجديد القبور بعد اندراسها مكروه في مذهب
الشيعة [5] وهو يرشد إلى أن المشروع عند سلف الشيعة هو إهمال القبور وتركها
لأيدي الزمان ؛ تعفوها ، وتمحو آثارها ، وأن تجصيصها وتطيينها والبناء عليها
واتخاذها مساجد ، وأعياداً ، ومواسم ، وجعل التوابيت المزخرفة المذهبة ، والستور
المزركشة الموشاة ، وتبخيرها واتخاذ السرج عليها ، والحج لها والعكوف عندها ،
والطواف بها ، وتقبيلها والتسمح بها وأخذ ترابها للاستشفاء ، والنذر لها ، وتقريب
القرابين لها ، والإقسام على الله بأهلها ؛ وغير ذلك مما يجعلها أوثانًا تعبد من دون
الله ، كل ذلك بريد الكفر بل الكفر بعينه ، وقد عمت البلوى بهذا الداء العضال الذي
هو أعظم أسباب شقاء المسلمين واستيلاء العدو عليهم وضرب الذالة والمسكنة
عليهم وضلالهم ضلالاً بعيدًا ، حتى صار المخلوق في صدورهم أعظم من الخالق ،
وصاروا أكثر توكلاً ، وأخضع وأرجى للمخلوق منهم للخالق ، حتى إنك إذا اتهمت
أحدهم ، فسألته أن يحلف بالله ويجمع أسماءه ، وصفاته يفعل ذلك بدون مبالاة ولا
خجل ولا وجل ، وإذا قلت له : احلف بالشيخ فلان إن كان ممن ينتسب إلى السنة
أو بالإمام فلان إذا كان ممن ينتسب إلى الشيعة ظهرت عليه علامات الاهتمام
والرعب ، وخاف أن يحلف بها كاذبًا ، وبعضهم يخاف أن يحلف بالمخلوق ، ولو
صادقًا ، ولا يبالي أن يحلف بالملك القهار ألف مرة كاذبًا .
وكذا يتصدق لوجه المخلوق بكرائم الأموال ، ولا يتصدق لله إذا سئل به بفلس ،
وهذا أعظم الشرك والكفر ، وهو مشاهد في العوام ، وفي أكثر الخواص معلوم
بالضرورة إنكاره جحد للضروريات ، ومكابرة فيها لكنه عام في الشيعة وأهل السنة
ما رأيت فرقًا بينهم في ذلك إلا أن كثيرًا من أهل السنة متجنبون لذلك متبرئون منه ،
وأما الشيعة فلم أختبر خواصهم كثيرًا ، ويغلب على ظني أنهم لا يجمعون على
ذلك الضلال البعيد ، وهم يتلون كتاب الله ويدرسون أحاديث النبي وآثار الأئمة ،
هذا ظني بهم والله أعلم .
( المقام الثامن ) إنكاركم على المكاتب قوله : لا يوجد كتاب من فقههم إلا ،
وفيه : لا يجوز البناء على القبور وتجديدها والسرج عليها [6] ، وقولكم : إنه لم
يتعرض أحد من فقهاء الشيعة لذكر الإسراج على القبر ، وذلك يقتضي أنه غير
مكروه عندهم ، فادعاء المكاتب وجود ذلك في كل كتاب من فقههم بهتان عظيم ،
هذا معنى كلامكم .
أقول : الذي يغلب على ظني أنكم أنتم أعلم بما في كتب الشيعة من المكاتب ,
ولو كان ذلك في كل كتاب ؛ لما خفي عليكم ، وعليه فظاهر كلامه غير صحيح ،
لكن يمكن أن يكون قد اطلع على النهي عن الإسراج في بعض كتب الشيعة , ولم
تطلعوا عليه أنتم ، أو سهوتم عنه حين كتابتكم هذا الجواب ، فظن أن ذلك موجود
في جميع كتبهم ؛ فأطلق في كلامه ، ولا غرابة في ذلك , فقد يوجد في النهر ما لا
يوجد في البحر ، وعلى كلٍّ ؛ فالواجب عليه ألا يطلق إلا بعد تحقق وجود ذلك في
كل كتاب من فقههم .
( المقام التاسع ) تشنيعكم على المنار ومكاتبه ورميه بالافتراء والتحريف
والتحامل على الشيعة والسعي في تشويه سمعتهم [7] .
أقول : أما مكاتب المنار ؛ فلا أعرف حاله ، وأما صاحب المنار فالذي أعتقده
فيه هو الصدق فيما ينقله ، وأنه لا يتحامل على الشيعة ، ولا يغضي عن عيوب
أهل السنة ويبحث عن عيوب الشيعة ، بل كل من طالع المنار علم يقينًا أنه انتقد
على أهل السنة , وأنكر عليهم أكثر مما أنكر على الشيعة ، وهذه مجلدات المنار
شاهدة بذلك , وقولكم : وكم من فرق بين بناء نفس القبر وبين القبة المبنية على
أساسات لا دخل لها بالقبر أصلاً [8] .
أقول : لو لم يرد في الأحاديث إلا النهي عن البناء على القبر ؛ لخص النهي
به , ولم يتناول القبة ، أما وقد عزز الشارع النهي عن البناء بالنهي عن اتخاذ
المساجد عليها ولعن فاعل ذلك في مرضه الذي توفي فيه فواضح أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان ينهى عن كل بناء على القبر أو حوله ويأمر بهدمه ، وكذلك فعل
عليٌّ ( عم ) بعده وسائر الأئمة ، ولم يتجرأ أحد على بناء قبة على قبر في زمانهم .
والذي أعتقده في علي عليه السلام أنه لو رأى ما يفعله الغلاة عند القباب التي
ابتدعوها لحرقهم كما حرق الغلاة ، وحاشا للسلف الصالح أن يرضوا بهذه الأوثان ،
وهذا الذي أعتقد وأدين الله به .
( المقام العاشر ) في قولكم : قال المكاتب : وفي كتاب محمد بن يعقوب
الكليني عن سماعة قال : سألت الصادق عن زيارة القبور وبناء المساجد عليها ,
فقال : ( أما زيارة القبور فلا بأس ، ولا يبنى عليها مساجد ) . قال النبي صلى الله
عليه وسلم : ( لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدًا , فإن الله لعن اليهود حيث اتخذوا
قبور أنبيائهم مساجد ) اهـ .
ثم قلتم : ولكن العجب منه أنه ذكر الحديث النبوي عقيب حديث سماعة
بصورة توهم أن الصادق ( ع ) استشهد به على قوله مع أن الحديث النبوي لا
وجود له في كتاب الكليني أصلاً .
نعم توجد رواية مرسلة في بعض كتب الشيعة وكيف كان ؛ فليعلم أن جميع
ما جاء من بناء المساجد واتخاذها على القبور أو فيها أو عندها حسب اختلاف النقل ؛
إنما يراد به النهي عن جعل نفس القبر مسجداً ، أي موضعاً يسجد عليه ، وليس
المراد ما هو معروف بين المسلمين من المكان الذي يصلى فيه .
أقول : فيه اعترافكم بأن الإمام الصادق ( ع ) أفتى بأنه لا يبنى على القبور
مساجد , وهو صريح في المنع من بناء المساجد على القبور ، ولكن تأولتموه على
أن النهي إنما هو عن جعل القبر مسجدًا أي محلاًّ للسجود لا عن بناء المسجد على
القبر ؛ لأن ذلك كما قلتم : لا يتصور إلخ .
أقول : هذا تأويل بعيد جدًّا كنت أربأ بكم عن ارتكابه ويرده :
( أولاً ) أن قوله : لا يبنى عليها مساجد نهي عن البناء لا عن السجود ، فإن
السائل سأله عن الزيارة والبناء ؛ فأثبت الزيارة ونفى البناء , ولم يتعرض السائل
ولا المجيب للسجود على القبر ولا تشم رائحته من كلامهما ، فحمل كلام الصادق
عليه من أبعد التأويل ، بل هو سلب لمعنى اللفظ الذي يدل عليه دلالة مطابقة ،
وتحميله معنى آخر لا علقة بينه وبينه .
( ويرده ثانيًا ) أن بناء المسجد على القبر نفسه لا يتصور ولا يعقل كما قلتم ،
وكذلك لا يعقل أن يريد الصادق وجده صلى الله عليه وسلم النهي عن السجود
على القبر ، ويعبر عن ذلك بالنهي عن بناء المساجد على القبور ، والنبي صلى الله
عليه وسلم أفصح العرب ، والصادق من أفصح العرب ، ولو أراد عالم اليوم أن
ينهى عن السجود على موضع فقال للمخاطب : لا تبن مسجدًا على هذا الموضع ؛
لعيب عليه ذلك , وعد غالطًا , أو جاهلاً باللغة , فكيف يقع ذلك من أبلغ الناس .
( ويرده ثالثًا ) أنكم اعترفتم بأن أحاديث الباب وردت بألفاظ في بعضها
النهي عن اتخاذ القبور مساجد ، وفي بعضها النهي عن اتخاذ المساجد على القبور ،
وفي بعضها النهي عن اتخاذها عندها ، وفي بعضها النهي عن اتخاذها فيها , وفي
بعضها النهي عن بناء المساجد عليها , فهذه خمسة ألفاظ .
( اللفظ الأول ) يحتمل معنيين : ( أولهما ) النهي على بناء المساجد عند
القبور , كما تدل عليه بقية الألفاظ .
( والثاني ) ما ذكرتم وهو اتخاذ القبور نفسها موضعًا للسجود , ويتوجه أن
يكون دالاًّ عليهما معًا فتكون فيه فائدة زائدة على ما بعده .
( اللفظ الثاني ) النهي عن اتخاذ المساجد على القبور , هذا اللفظ واضح
المعنَى , وهو يفسر سائر الألفاظ ويقطع النزاع لورود مثله في كتاب الله تعالى ,
وذلك قوله سبحانه : { قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً } ( الكهف : 21 ) , قال الإمام الحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير في تفسيره عند هذه
الآية ما نصه : حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين ( أحدهما ) أنهم المسلمون
منهم , ( والثاني ) أهل الشرك منهم , والله أعلم .
والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ , ولكن هل هم
محمودون في ذلك ؟ فيه نظر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لعن الله اليهود
والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ) , وقد روينا عن أمير المؤمنين
عمر رضي الله عنه أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق أمر أن يخفى على
الناس , وأن تدفن تلك الرقعة التي وجدوها عنده فيها شيء من الملاحم وغيرها
انتهى .
ولم يفهم أحد من المفسرين فيما علمت أنهم أرادوا أن يسجدوا على أجسادهم ,
أو يبنوا فوقها مسجدًا , بل فهموا ورووا عمن قبلهم أنهم أرادوا أن يتخذوا مسجدًا
أي يبنون عند باب كهفهم تبركًا بهم وتعظيمًا لهم , وذلك مخل بالتوحيد , ولذلك
رجح الحافظ ابن كثير أنهم مذمومون على ذلك ، ويظهر لي أن الذين غلبوا على
أمرهم هم أهل الشرك ؛ لأن أهل التوحيد لا يتخذون المساجد عند قبور الأنبياء
والصالحين ؛ لأن الله حرم ذلك , ولعن فاعله على لسان نبيه .
وهذا من دقة نظر الإمام ابن كثير وسعة اطلاعه وجمعه بين الكتاب والسنة ,
وقد اتضح أن المراد بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ المساجد على القبور
هو بناؤها حولهم أو بالقرب منهم خوفًا عليهم من الفتنة والوقوع في الشرك كما وقع
للذين من قبلنا , وقد اتبع سننهم من أراد الله فتنته من هذه الأمة ؛ فوقعوا في مثل ما
وقع فيه من قبلهم من الشرك ، ومن تأول الحديث على النهي عن السجود فوق القبر ؛
لزمه أن يفسر الآية بذلك , وتأويلها بذلك ظاهر الاستحالة .
( اللفظ الثالث ) النهي عن اتخاذ المساجد عند القبور , وإذا أردنا أن نعرف
معنى هذا اللفظ على التحقيق ؛ ينبغي لنا أن ننظر علام يدل لفظ ( عند ) في اللغة ؟
قال المختار بن بونا في أرجوزته الممزوجة بألفية ابن مالك :
وعند للحضور والقرب وقد ... تضم عينها وفتحها ورد
قال في حاشيتها : للحضور حسًّا أو معنى , واجتمعا في قوله تعالى : { قَالَ
الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِراًّ عِندَهُ } ( النمل : 40 ) , والقرب نحو { عِندَ سِدْرَةِ المُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى } ( النجم :
14-15 ) انتهى .
وإذا تحقق هذا ؛ فكلمة عند في الحديث إما بمعنَى القرب أو الحضور , وكلا
المعنيين موجود في القباب والمشاهد المبنية حول القبر أو بقربه فهي داخلة في النهي ,
وهذا واضح لا يحتمل التأويل .
( اللفظ الرابع ) النهي عن اتخاذ المساجد في القبور هو بمعنى اللفظ الثاني ؛
لأن ( في ) فيه بمعنى ( على ) , كما في قوله تعالى : { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ
النَّخْلِ } ( طه : 71 ) , وتقدم بيانه .
( واللفظ الخامس ) النهي عن بناء المساجد على القبور , وهو بمعنى اللفظ
الثاني سواء ؛ لأن المراد باتخاذ المساجد عليها بناؤها عليها .
فتضافرت الألفاظ الخمسة على معنى واحد , وهو النهي عن بناء المساجد عند
القبور أي بحضرتها أو بقربها , وإذا صحب البناء قصد التبرك والتعظيم ؛ اشتد
تحريمه لعظم مفسدته حينئذ , وكونه ذريعة موصلة لا محالة إلى اتخاذ قبر ذلك
النبي أو الصالح وثنًا يعبد , كما هو واقع في غالب الأقطار التي ينتسب أهلها إلى
الإسلام ، وهم عاكفون على عبادة الخشب وستور الحرير والجدران تبعًا لعبادة
المقبور فيها , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
( ويرده رابعًا ) أننا لو سلمنا أن أحد الألفاظ وحده لا يدل على تحريم بناء
القباب على القبور ؛ لكانت الألفاظ بمجموعها دالة أوضح دلالة على ذلك , ومن
عرف المعنى الذي لأجله خص النبي صلى الله عليه وسلم قبور الأنبياء والصالحين
بالذكر دون سواهم , وإن كان داخلا في النهي ؛ علم يقينًا أن هذه القباب المشيدة
المزخرفة بأنواع الزخارف على قبور الأنبياء والصالحين وغير الصالحين شر على
الإسلام مِنْ سقم على بدن ، وعرف مقدار حماية النبي صلى الله عليه وسلم لجانب
التوحيد إن في ذلك لآيات لقوم يفقهون .
( له بقية )
((يتبع بمقال تالٍ))
__________
(1) هو في ص 350 و 351 من الجزء الماضي .
(2) ص 352 أيضًا .
(3) (ص 353) .
(4) (ص 353) .
(5) يعني ولا تجديدها ولا وضع السرج عليها - راجع آخر ص 353 .
(6) راجع ص 354 .
(7) ص 345 .
(8) ص 355 .