المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القواعد الشرعية الطبية



أهــل الحـديث
13-01-2012, 12:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



القواعد الشرعية

في
المسائل الطبية
تأليف



وليد بن راشد السعيدان

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، أما بعد ..فقد سألني بعض طلبة كلية العلوم الصحية المتوسطة بمدينة رسول الله e أن أكتب لهم مؤلفًا مختصرًا في عشرين قاعدة فقهية يشتمل على شرح يسير لألفاظها ومعناها الإجمالي مع تذييلها بفروع تخص المسائل الطبية ، من باب رد الفروع إلى أصولها والجزئيات إلى كلياتها ، فأعجبني ذلك جدًا لأنه وافق ما في نفسي من تدريب الطلبة على التأصيل والتقعيد ، وقطعت كل أعمالي وتفرغت التفرغ الكامل لهذه الكتابة ، ولكنهم قيدوني بالاختصار ، فأسأله جل وعلا الإعانة والإخلاص والتوفيق والسداد .فأقول وبالله التوفيق ومنه أستمد الفضل والعون وحسن التحقيق :



( القاعدة الأولى )



الأصل في المنافع الإباحة



قوله : ( الأصل ) أي القاعدة المستمدة المطردة في كل منفعة .قوله : ( المنافع ) جمع منفعة ، وهي اسم للشيء الذي ينتفع به ، أي الشيء الذي دل الدليل الشرعي الصحيح الصريح على جواز الانتفاع به ، فكل شيء فيه منفعة مباحة فإنه يدخل في قولنا : ( المنافع ) ؛ لأن الألف واللام إذا دخلت على الجمع أفادته العموم كما قرره الأصوليون .وقوله : ( الإباحة ) أي جواز الانتفاع بها .ومعناها الإجمالي : أن الله تعالى برحمته وعظيم مِنَّتِهِ على عباده قد فتح لهم باب الانتفاع بما هو مباح من المنافع الموجودة على وجه هذه الأرض ، فكل ما على هذه الأرض من المنافع فإنه يجوز الانتفاع بها ، فيدخل في ذلك جواز الانتفاع بكل ما على الأرض وما فيها ، من المياه والأشجار والمعادن والتراب والأحجار والأواني والمفارش والمراكب والأطعمة والأشربة والملابس والآلات والمخترعات ، وغير ذلك مما على وجه هذه الأرض ، فكل ذلك الأصل فيه الحل والإباحة ، والأصل هو أن نبقى على هذا الأصل حتى يرد الدليل المانع من الانتفاع بشيء من هذه المنافع ، فإذا ورد الدليل الشرعي الصحيح الصريح بالمنع من شيء معين فإننا نمتنع من الانتفاع به ، وأما لم يرد فيه دليل بخصوصه فإن الأصل فيه الحل والإباحة .وهذه القاعدة متفرعة عن القاعدة التي تقول : ( الأصل في الأشياء الحل والإباحة ) .والدليل على هذه القاعدة الكتاب ، والسنة ، والقياس ، والنظر الصحيح .فأما الكتاب ، فمن وجوه :الأول : قوله تعالى : } وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ { ، فالله تعالى سخر لنا كل شيء على وجه هذه الأرض وما فيها ، ومعنى تسخيرها لنا أي أنه يجوز لنا الانتفاع بها بسائر أنواع الانتفاع ، فمن حرم علينا شيئًا من الانتفاع بما على هذه الأرض ، فإنه يكون مخالفًا للقرآن .وقوله : ( سخر لكم ) اللام هنا هي لام التمليك والاختصاص .وقوله : ( جميعًا ) هي صيغة من صيغ العموم ، أي كل شيء على وجه هذه الأرض فإنه يدخل في التسخير .الثاني : قوله تعالى : } هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا { ، فكل شيء على وجه هذه الأرض مخلوق لنا ، ومقتضى ذلك أن يكون حلالاً يجوز الانتفاع به ؛ لأنه لو كان حرامًا لما كان مخلوقًا لنا ، وهذا واضح .الثالث : أن الله تعالى قال : } قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ { ، فكل زينة على وجه هذه الأرض فهي حلال ؛ لأن الله تعالى أنكر على من حرم شيئًا من هذه الزينة ، فإنكاره على من حرم شيئًا منها دليل على أن الأصل فيها الحل ، وهذا واضح . ونكتفي بذلك من القرآن .وأما من السنة ، فمن وجوه :الأول : حديث : (( إن أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا من سئل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته )) متفق عليه .ووجه الدلالة به : أن الأصل في الأشياء الحل ؛ لأنه قال : ( عن شيء لم يحرم فحرم ) أي أن الأصل فيه كان الحل ، ولكنه حرم من أجل مسألة هذا الرجل ، فالأشياء التي لم يرد تحريمها بالشرع فالأصل فيها الحل ؛ لأن الأصل عدم التحريم .الثاني : أن النبي e كان يرى الصحابة يستخدمون أشياء كثيرة في عهده من غير سبق سؤال عن حلها أو حرمتها، فكانوا يستخدمون المفارش والمراكب والأواني وغير ذلك ، ولا تكلف أحدهم أن يسأل النبي e عن حلها قبل الانتفاع بها ، وكان يقرهم على ذلك ، والإقرار دليل الجواز فدل ذلك على أن المتقرر في قلوب الصحابة في هذه الأشياء جواز الانتفاع بها وإقراره لهم على عدم السؤال دليل على أن المتقرر في قلبه e هو جواز الانتفاع بها.وأي دليل بعد هذا الدليل يفيد صحة هذه القاعدة فتبين بذلك أن كل منفعة على وجه هذه الأرض فإن الأصل فيها الحل والإباحة .وهذه نعمة يجب أن نشكرها بقلوبنا وألسنتنا وأن نستخدمها فيما يقربنا لربنا جل وعلا حتى تدوم وتكون شاهدة لنا يوم القيامة ونافعة لنا في ديننا ودنيانا .ويتفرع على ذلك كثير من الفروع نذكر طرفًا منها :فمنها : أن الأصل جواز التداوي ، ولا دليل يمنعه ، فالأصل فيه الحل والإباحة ، فإذا أصيب الإنسان بشيء من الأوجاع والأمراض فإنه يجوز له أن يتداوى منها ، وليس التداوي منها خلاف الأولى كما قاله بعض الفقهاء ، بل التداوي جائز بل قد يكون مطلوبًا في بعض الأحوال طلب وجوب أو استحباب ، فالتداوي فيه منفعة وهي إعادة هذا البدن إلى استقراره الطبيعي ، فتعود له صحته التي بها يستطيع أن يقوم بواجباته الدينية والدنيوية ، وهذه منفعة والأصل في المنافع الإباحة .ومنها : أن الأصل جواز التداوي بكل دواءٍ موجود على وجه هذه الأرض إلا ما ورد الدليل بالمنع من التداوي به ، ففي الحديث : (( تداووا ولا تتداووا بحرام )) ، فكل الأدوية الموجودة في زماننا والتي ستكتشف - بإذن الله تعالى - يجوز التداوي بها ؛ لأن هذه الأدوية فيها منافع والأصل في المنافع الإباحة ، فيدخل في ذلك الأدوية السائلة بأنواعها ، والجامدة بأنواعها ، ويدخل في ذلك التداوي بالعمليات الجراحية، والتداوي بالأشعة بأنواعها ، والتداوي بالحجامة، وإخراج المواد الفاسدة بأنواع الاستفراغات ، والتداوي بالكي وبالفصد وقطع العضو المتآكل ، وغير ذلك من أنواع الأدوية التي لا تعد ولا تحصى ، كل ذلك الأصل فيه الحل والإباحة ؛ لأنه يشتمل على منفعة ، والأصل في المنافع الحل .ومنها : صناعة الأدوية ، فإن الباب فيها مفتوح إلا فيما حرمه الشرع ، فصناعة الأدوية مهنة شريفة وهي نوع جهاد ؛ لأننا بهذه الأدوية نجاهد المرض والآفات القاتلة والعلل المهلكة ونحمي بها - بإذن الله تعالى - هذا الإنسان الذي كرمه الله تعالى ، فصناعة الأدوية الأصل فيها الحل ، ولا بد أن يحرص المسلمون على هذه الصناعة ، ولابد أن يكون عندنا الاكتفاء الذاتي في هذه الصناعة ؛ لأن هذه الصناعة فيها المنافع الكبيرة والعوائد الجميلة والآثار الطيبة ، وما فيه منفعة فهو حلال لأن الأصل في المنافع الحل .ومنها : الأصل جواز اشتمال الأدوية على أي شيء من أجزاء هذه الأرض إلا فيما حرمه الشرع ، فأي شيء على وجه هذه الأرض ......