المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علم الاقتصاد في 20 صفحة



أهــل الحـديث
13-01-2012, 12:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



علم الاقتصاد في عشرين صفحة أ.د. رفيق المصري
مقدمة كثير من الكتب تصدر في الغرب بادعاء تيسير علم الاقتصاد، بعضها يترجم إلى العربية، وبعضها لا يترجم، وبعضها تتأخر ترجمته، بعضها مقبول الترجمة وبعضها سيئ الترجمة. ومن هذه الكتب ما يكون مع التيار السائد لعلم الاقتصاد، ومنها ما يسبح ضد التيار، لأن المؤلف قد يكون اشتراكيًا أو ذا أصل اشتراكي، وقد يكون صاحب تفكير مستقل، أو ناقد. وكل من هذه الكتب يحاول أن يعطي القارئ جرعة من علم الاقتصاد الذي وصفه البعض بأنه علم كئيب ومعقد. ولئن حاول هؤلاء العلماء تيسير علم الاقتصاد من خلال أسلوب واضح وحيوي ومشوق، فإني سأسعى، لأول مرة، أن أعطي هذه الوجبة، ولا أقول الجرعة، من خلال مقال صغير، بدل الكتاب. ولعل هذه الوجبة تكون أنسب من الجرعة التي يقدمها مؤلفون أجانب، ينتمون إلى نظام رأسمالي أو نظام اشتراكي، وكثيرًا ما يحاولون إخفاء القيم والمبادئ التي يعتنقونها من أجل التظاهر بالحياد العلمي ومسايرة الموضة، ويحاولون تسويق معتقداتهم ومواقفهم الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وربما يخدمون مصالح الحزب الحاكم أو أحزاب المعارضة، أو بعبارة أوضح مصالح الشركات الاحتكارية القابضة التي تقبض أرواح الناس وأعراضهم، ولا تتورع عن المتاجرة بأي شيء نافع ضار مميت بالتجزئة أو بالجملة لا يهم، بل كلما كانت المنتجات أكثر مصادمة للدين والخلق كانت أرباحها أعظم! ويسبغون على هذه المصالح الإجرامية أنها من باب القوانين أو الحقائق العلمية. أنا لا أشك في أن الاقتصاد علم، فلست مع الذين ينكرونه ويجعلون منه خرافات مثل جلال أمين وغيره، كما أني لست بالمقابل مع الذين يسلّمون بكل ما يقوله رجال الاقتصاد، مع ما فيه من مخالفات وتناقضات وتحيزات. فالأمر لا يتعلق برفض مطلق، ولا بقبول مطلق، إنما فيه تفصيل. ولعل من الأهداف التي نسعى إليها هو الوصول إلى ما هو من باب الحقائق والقوانين الاقتصادية من الوجهة الإسلامية. فليس السؤال: هل الاقتصاد علم أم لا؟ إنما السؤال : ما مدى علمية هذا العلم؟ تعريف علم الاقتصاد - علم المصلحة الشخصية. - علم الثروة. - علم الرفاهية المادية. - علم سدّ الحاجات. - علم الندرة والاختيار. الموارد المحدودة إذا كانت الموارد غير محدودة فإن أي استخدام لها لا يعود بالنقصان على استخدام آخر. أما إذا كانت محدودة فإن أي استخدام لها يفوّت استخدامًا آخر. فالوقت المتاح للإنسان مورد محدود، وله استخدامات كثيرة، فإذا استخدم الإنسان وقته في شيء كان معنى ذلك أنه فوّت استخدامه في شيء آخر. فإذا اشتغلتَ بنوافل العبادة حرمتَ نفسك من الاشتغال بالعلم، وإذا شاهدتَ التلفزيون حرمت نفسك من القراءة، والعكس بالعكس. وإذا استخدمتَ وقتك في اللهو المذموم حرمتَ نفسك من الجدّ المحمود. وإذا حضرتَ مباراة فوّتّ على نفسك زيارة لصديق، وهكذا. وإذا استخدمت وقتك في مفسدة تحمّلتَ تكاليف المفسدة التي حدثتْ، وتحمّلتَ أيضًا تكاليف المصلحة التي فاتت. يستفاد من هذه النقطة أن على الإنسان أن يختار أفضل استخدام لهذه الموارد المحدودة، لأن كل استخدام معناه التضحية باستخدام آخر. فإذا نجح الإنسان في العثور على أفضل الاستخدامات كان معنى ذلك أنه توصل إلى تعظيم منفعته من هذه الموارد المحدودة. عليك ألا تقتصرْ على الصالح إذا قدرتَ على الأصلح. وإذا كان لديك (حسن) و(أحسن) اختر الأحسن، لكي تربح الفرق بينهما، فهذا من تعاليم القرآن الكريم. الموارد محدودة والحاجات غير محدودة الموارد نوعان : موارد حرّة أو مجانية، وموارد اقتصادية لها ثمن. الأولى تعني أنها حرّة نسبيًا، أي هي كثيرة وافرة، أو هي أكثر من الحاجات المسلّطة عليها. والموارد الاقتصادية تعني أنها محدودة، أي قليلة بالنسبة للحاجات. ويمكن أن يقال بأن الحاجات أكثر من الموارد، ومن هنا نشأت مشكلة الندرة النسبية في علم الاقتصاد. الحاجات كثيرة ومتكاثرة ومتجددة، وتبقى دائمًا أكثر من الموارد. ويجب ألا نفهم من الحاجات بالمعنى الاقتصادي الضروريات والحاجيات بالمعنى الفقهي، بل هي تضم الضروريات والحاجيات والتحسينيات والشهوات والترف والسرَف والتبذير. والتعبير عن كل ذلك بالحاجات فيه نظر، وقد يكون خادعًا للطلبة والدارسين. وأيًا ما كان الأمر فقد يكون هذا المصطلح ملطّفًا ليخفي تحته سَرَف المسرفين وترف المترفين وتبذير المبذرين، من الأفراد أو من الدول. فالتعبير عن هذا كله بالحاجات لا يثير غضب الجماهير. وهذه المقولة مقولة وصفية يُنظر فيها إلى ما هو كائن، وليست مقولة قيمية أو معيارية يُنظر فيها إلى ما يجب أن يكون. فالمشكلة الاقتصادية مطروحة باعتبار الواقع، لا باعتبار المثال كما يفهم من كتابات بعض الكاتبين في الاقتصاد الإسلامي، من الفقهاء أو من الخبراء. وهذه المقولات الوصفية موجودة حتى في القرآن الكريم. قال تعالى: (وتحبّون المال حبًا جمًا) الفجر 20. وقال تعالى: (زُيّن للناس حبّ الشهوات) آل عمران 14. ومشكلة الندرة مطروحة أيضًا في الحديث النبوي: - قال رجل: عندي دينار. - قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أنفِقْه على نفسك. - قال: عندي آخر. - قال: أنفقه على ولدك. - قال: عندي آخر. - قال: أنفقه على أهلك. - قال: عندي آخر. - قال: أنفقه على خادمك (سنن أبي داود والنسائي). وفي حديث آخر: ابدأ بنفسك (...)، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا (صحيح مسلم). وفي حديث ثالث: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنى أن يكون له ثالث (رواه الشيخان). قال أبو حامد الغزالي: "الأموال محدودة متناهية، وحاجات الناس لا حصر لها". وعلى هذا لا يجوز رفض الندرة، والمشكلة الاقتصادية، ومَنْ رفضها مِن الفقهاء والخبراء، فقد اعتمد على عقله وهواه، ولم ينتبه إلى ما ورد فيها من نقل صحيح من القرآن والسنة وأقوال أئمة الفقه. ولقلة الموارد وكثرة الحاجات نشأت الندرة النسبية، أو المشكلة الاقتصادية الأولى، في .......