المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال أبو لـُجين إبراهيم : أما بعد ..ماذا عن الليبراليين في المملكة؟!



الاسهم السعودية
12-01-2012, 03:30 PM
أبو لـُجين إبراهيم : أما بعد ..ماذا عن الليبراليين في المملكة؟!

لجينيات ـ منذ توحيد المملكة العربية السعودية وقيامها دولة لها كيانها والشعب السعودي لا يمت إلى التيارات الفكرية الوافدة بصلة .. لا يرجع هذا فقط إلى كون نجد والحجاز لم تصلهما يد الاستعمار بل أيضا إلى المناعة العقدية التي أبقت هذا البلد منيعا ضد مختلف المحاولات الرامية إلى التلبيس على فكره أو التشويش على معتقده .. لكن مع تنامي وسائل الاتصال وتطور تقنياته وظهور الاهتمام بالمدارس الفكرية في الاتجاهات الأدبية على الخصوص في السبيعنات من القرن الماضي بدأ تيار الحداثة يتشكل في المملكة على نمط بطيء واستحياء وتخوف متأثرا بالمحيط العربي وعوامل الانفتاح الثقافي! ويمكن القول إن هذا التيار هو الذي تفرخ منه ما يسمى بالاتجاه الليبرالي الذي نحن بصدد التأريخ لوجوده الهش في المملكة.
ومنذ السبعينات لم نكن نرى أو نسمع عن تيار الحداثة أو الليبرالية أو غيرها من المرادفات .. بل لم نكن نقرأ إلا ما ندر من الأشعار والأدبيات التي تعكس الفلتان أكثر مما تؤصل لوجود هذا الاتجاه ! على العكس من ذلك شهد الوطن العربي نموا متزايدا لهذا التيار إذ بدأ تشكله في جل الأقطار مع وجود الاستعمار وخرج الاستعمار ليتركه مستحكما في المجتمع ، متغلغلا في شرايينه من خلال الأحزاب والمؤسسات التعليمية والأهلية ناهيك عن المثقفين الحداثيين واللبراليين الذين صنعتهم الثقافة الغربية فأصبحوا بفضل بريق الإعلام أئمة في هذا الاتجاه يحتذى بهم ويقتدى.. ومع تنامي المد الشيوعي في الأقطار العربية انكمش الاتجاه الليبرالي قليلا لكنه بقي يمثل الاتجاه المعاكس له ضمن معركة قطبية خاضها الاتحاد السوفيتي السابق مع أمريكا والغرب!
ومع سقوط الشيوعية وفلولها .. عاد الاتجاه الليبرالي إلى الظهور على الساحة من جديد كبديل وحيد لإنقاذ البشرية ! حتى بداية أحداث 11 سبتمبرالتي لم يجد الغرب أفضل منها فرصة ليجعلها نقطة انطلاق جديدة لنشر الفكر الليبرالي ودعم مناصريه في الوطن العربي عموما وفي الخليج خصوصا ، ولم يكن الأمر سرا فقد كانت مؤسسات الفكر الأمريكية تجاهر بذلك علنا في دعم الاتجاهات الحداثية في المملكة والشرق الأوسط عموما ماديا ومعنويا وسياسيا (منها مؤسسة راند على سبيل المثال في تقاريرها المنشورة)، لتوفير الجو الملائم لتنامي هذا الاتجاه وكانت وسائل الإعلام الأمريكية المعربة بكل أشكالها كقناة ( الحرة ) وغيرها تجهر بذلك بل وكان المسؤولون الأمريكيون والمفكرون يعلنون دعمهم علنا حتى كتب الخبيرالأمريكي جون الترمان - مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والخبير في الشؤون المصرية: مقالا نشرته صحيفة النهار 13/8/2004 بعنوان :"الليبراليون العرب هامشيون في بلدانهم ولا يستحقون دعمنا الزائد" نصح فيه الغرب بعدم إعلان دعمه للبراليين خوفا من أن يؤدي ذلك إلى زيادة تهميشهم من قبل المجتمعات الإسلامية مبررا ذلك بقوله: لكن من شأن الدعم الغربي المتزايد لليبراليين العرب أن يضر بهم أكثر مما يفيدهم .. فبدلاً من ترسيخ مكانة الليبراليين العرب في بلدانهم .. تؤدي المظاهر العلنية لدعم الولايات المتحدة أو أي دولة غربية أخرى لهؤلاء الليبراليين إلى تهميشهم أكثر فأكثر.. وفي نهاية المطاف يؤدي هذا الدعم المضلل إلى عرقلة التغيير نفسه الذي يطالب صانعو السياسات الغربية بإدخاله في السياسات العربية !
وكان العمل على تطبيق هذه البنود من صميم مهام السفارات الغربية في الوطن العربي .. وكان الكتاب والصحفيون والإعلاميون والشخصيات النافذة في طليعة من تختارهم هذه الجهات للعمل على نشر اللبرالية والتبشير بها ! وكانت المؤتمرات واللقاءات ودعوات العشاء والغداء فرصة للقاءات تجري بهذا الخصوص سرا وعلانية!!
وجاء الربيع العربي ليقلب السحر على الساحر، فقد نجحت الشعوب في التعبير عن قناعاتها وعقيدتها وأظهرت نتائج انتخابات ما بعد الثورات في مصر وتونس وغيرهما أن الإسلام هو خيار الشعوب وأن ليس للليبرالية عند المسلمين وزن يذكر!! عندها أيقن الليبراليون بفشل مشروعهم وأيقن الغرب أيضا أن لامكان لهذا الخيار بين المسلمين! وهو الذي كان يعقد عليهم الآمال كما قال جون الترمان في المقال المشار إليه أعلاه: "لأن عدداً كبيراً من الغربيين يرى فيهم الأمل الأساسي لتحقيق الإصلاح في العالم الإسلامي، وغالباً ما يحصلون على مبالغ طائلة لتمويل منظماتهم التي لا تتوخى الربح".
ومع خسارة الاتجاه الليبرالي في الربيع العربي سياسيا وفكريا تكشفت أمور لطالما تكتمت عليها الدوائر السياسية فلم يهب الغرب عن بكرة أبيه لنجدة هذا الاتجاه الذي صنعه من الإفلاس السياسي فقط بل بادر اليهود أنفسهم ممثلين في رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى صياغة مشروع دولي لإنقاذ الليبرلية في الوطن العربي (هل تصدق!!) حيث أرسل عيران ليرمان، مساعد مستشاره للأمن القومي إلى الولايات المتحدة ليقترح على أعضاء الكونغرس إنشاء صندوق دولي لدعم اللبراليين في الوطن العربي لمواجهة الإسلاميين!! وقد شبه نيتنياهو هذه الخطة بخطة "مارشال" التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية لدعم أوروبا الغربية .. وكذلك تنادى المسؤولون الغربيون أن أنقذوا اللبرالية من الإسلاميين ومنهم توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق الذي طالب بوجوب دعم الغرب لليبراليين في مواجهة الإسلاميين في تصريح له نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية.
إنه فعلا حدث سياسي تاريخي بكل المقاييس يريك بوضوح ساطع من هم العملاء ومن هم الصادقون !
وحقيقة الأمر أن الاتجاه الليبرالي انكشف أمره وازدادت عزلته في المجتمعات الإسلامية مع بروز مشاريع أمريكا الاستعمارية في كل من العراق وأفغانستان .. فقد كان هذا الاتجاه متواطئا مع ما تخطط له أمريكا وتبيته من تشكيل هوية المسلمين وتغيير خريطة بلدانهم! وقد تشكل مع مرور الوقت لدى الشعوب الإسلامية موقف حاسم في الوعي واللاوعي بعمالة هذا الاتجاه للاستعمار! زد على ذلك ما ذكرنا أعلاه من الدعم الغربي المعلن! فجاء الربيع العربي ليؤكد هذه الحقيقة بما لا يدع مجالا للشك.
أما المملكة فعاش فيها الليبراليون حالة من التخبط بين التصريح بالانتماء لهذا الاتجاه تارة واعتبار نعتهم بهذا الوصف (ليبرالي) قدحا!! وظل بعضهم على هذا التخبط إلى يومنا هذا! وأعطيت لهم مساحة نصيب الأسد في الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع وصالوا وجالوا مستفيدين من الاحتقان السياسي الذي ولدته مشاريع مكافحة ما يسمى بالإرهاب .. وبدأنا نقرأ ما لم نكن نقرؤه ونسمع ما لم نكن نسمعه من تسفيه للعلماء والدعاة واستهزاء بالحسبة ورجالها وسخرية ببعض شعائر الإسلام .. وهجوم على الحجاب .. ودعوات تستميت في الانقلاب على ثوابت الدين في كل المجالات !! وكلما قام غيور يرد تداعى عليه القوم واسمين إياه بالإرهاب ، لا بل لم يسلم من نعتهم هذا حتى أحد ولاة الأمر في المملكة حين نعته أحدهم بأن كلامه تحريضي !وهجومهم على ثوابت الإسلام وأهل الحسبة هو ما زاد من تهميشهم في المجتمع السعودي لا سيما ما عرف عن حالهم وعلاقات بعضهم المشبوهة بالسفارات !! حتى أصبحوا ينعتون بالأقلية الناطقة! وما من انتخابات أجريت في المملكة على صعيد البلديات أو الغرف إلا وتؤكد هامشية وجودهم .
ومن عجائب الحراك الاجتماعي السعودي الذي جاء في هذا السياق مؤكدا هذا الكلام تلك التغريدة التاريخية التي أطلقها الأستاذ صالح الشيحي والتي لخصت في حروفها القليلة على موقع تويتر واقع اللبراليين وطبيعة المشروع الليبرالي السعودي إذ قال فيها: آمنت أن مشروع التنوير الثقافي المزعوم بالسعودية يدور حول المرأة " هذه الجملة جاءت كالزلزال المدمر الذي أجهز على البقية الباقية من شتات الاتجاه الليبرالي حتى وصفها (محمد المقرن) في تغريدة له بقوله: (حروف الشيحي كسيول جدة الأولى فضحت بعض المثقفين والأخرى كشفت فساد بعض المسئولين وبينهما.. وطن يئن ووزير يعبث وأعلام يقصي ويكذب.) وكان وصفي لها في تغريدة تقول: (غيرة الشيحي تعادل في كلماتها المختصرة- مئات المقالات بل تختصر كتبا في نقد الاتجاه الذي يدعي التنوير، صدعة تاريخية أليس كذاك )!! ولم يكن أمام اللبراليين في المملكة إلا أن ينالوا من سمعة هذا الرجل الكبير الذي شهد شهادة حق ، فعابوا عليه وتوعدوا وهددوا آملين في إسكاته لكن ما وقع هو زيادة وعي الناس بحقيقة المشروع الظلامي الليبرالي وليس التنويري!! وازدياد شعبية الشيحي وأنصاره والتفاف المجتمع السعودي حوله!
وليس غريبا أن نجد اللبرالية قرينة للفلتان الأخلاقي فهذا يندرج في صميم هذا المشروع ! فالدعوة لليبرالية أساسا نشأت لأجل الدعوة للحرية ومنها الحرية الشخصية ولا يمكن أن تتلاقى الليبرالية والإسلام في هذا الشأن .. ومن ثم فإن الفلتان الأخلاقي عند الليبراليين هو من زاوية الليبرالية حرية شخصية وليس فلتانا ومع وجود بقية من الوازع الديني في نفس الليبرالي (المسلم) يرتبك في التوفيق بين ذاته الليبرالية وقلبه المسلم فيقع في الحيرة أو الكفر!! هنا يصح أن نستشهد بكلام تارخي لـ(كرومر) وكيل الإنجليز لإدارة شؤون مصر أثناء احتلالهم لها يقول: ( إن المصري المتحرر يسبق الأوربي المتحرر في التنور .. وحرية الفكر والحيرة، إنه يجد نفسه في بحر هائج لا يجد فيه سكاناً ولا رباناً لسفينته .. فلا ماضيه يضبطه، ولا حاضره يفرض عليه الحواجز الخلقية، إنه يشاهد أن الجمهور من مواطنيه يعتقدون أن الدين يعارض ( الإصلاحات ) التي يراها جديرة كل الجدارة بالنفاذ، إن ذلك يثير فيه السخط، والكراهية الشديدة للدين الذي يؤدي إلى مثل هذه النتيجة، فيدوسه بقدمه وينبذه بالعراء، إنه إذا قطع الصلة عن دينه وتعاليمه فلا يحجزه عن التورط في المزالق الخلقية إلا مصلحته الشخصية السافرة، مع أن الأوربي الذي يحرس على تقليده، لا يزال متقيداً بشرائع أمته الخلقية...) ويقول أيضا:( إن المجتمع الذي يتكون من مثل هؤلاء الأفراد المتحررين في مصر، لا ينكر على الكذب والخديعة إنكاراً شديداً، ولا يمنعه من ارتكاب الرذائل خوف سوء الأحدوثة في المجتمع، إنه إذا رفض دين آبائه، فإنه لا يلق عليه نظرة عابرة، إنه لا يرفضه فحسب، بل يرفسه ويركله برجله،...)مصر الحديثة، لكرومر ، 2/232 )
وحقية الأمر أن الفكر الليبرالي إذا كان المقصود منه مجرد كلمة تعني الحرية فمما لا شك فيه أن الحرية سابقة لوجود المفهوم الليبرالي فقد كانت الحرية ولم تكن الكتابة بعد ولا الفلسفة ذاتها ! فكيف أصبحت الليبرالية هي الحرية وهي متأخرة عنها في الوجود من الناحية التارخية بل ومختلفة عنها في الدلالة من حيث تعدد معاني ودلالات الليبرالية ، الحرية مفهوم كلي مطلق لاتختص في وجودها بفترة زمنية محددة كما هو الشأن بالنسبة لليبرالية ، وإنما هي قيمة إنسانية وظاهرة تختص بالإنسان ذاته وبالمجتمع الذي يعيش فيه إنها من خصائص وجوده وإن تخللها خلل واعوجاج ونقص فالإنسان يظل حرا مهما سجن وقمع وأرهب وعذب أويستطيع بشر ما أن يرغمك على ان تقول كلاما نفسيا محددا ! أويستطيع أحد ما أن يمنعك من تأييد أحد أو مخالفة أحد في نفسك إن أحببت !! إذن فالحرية مهما ظلت نسبية في الإنسان فهي من خصائصه ومكوناته إنها شيء من وجوده !! وإنما أتت الشريعة لضبطها وفق مراد الله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
وأخيرا: ما حاجتنا إلى فكر مستورد (ليبرالية أو غيرها) بجميع أشكاله وقد أكرمنا الله بدين لا نقص فيه بل فيه سعادة البشرية بأسرها!! ألا تكفينا شهادة خالق هذا الكون بكمال الدين وتمام نعمته علينا بذلك " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" ألا تكفي شهادة سيد ولد آدم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو يقول: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد."صحيح الجامع
أبو لـُجين إبراهيم