المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوزير علي بن عيسى يفرض على ملك الروم أن يحسن معاملة الأسارى المسلمين:



أهــل الحـديث
10-01-2012, 02:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


حدثني القاضي أبو بكر محمد بن عبد الرحمن، قال حدثني مكرم ابن بكران، عن أبي يحيى بن مكرم القاضي، قال: كنت خصيصاً بأبي الحسن علي بن عيسى، وربما شاورني في شيء من أمره، قال: دخلت عليه يوماً وهو مغموم جداً، فقدرت أنه بلغه عن المقتدر أمر كرهه، فقلت هل حدث شيء؟ وأو مات إلى الخليفة.
فقال: ليس غمي من هذا الجنس، ولكن مما هو أشد منه.
فقلت: إن جاز أن أقف عليه فلعلي أقول فيه شيئاً.
فقال: نعم، كتب إلى عاملنا بالثغر، أن أسارى المسلمين في بلد الروم، كانوا على رفق وصيانة إلى أن ولي آنفاً، ملك الروم، حدثان، فعسفا الأسارى، وأجاعهم، وأعرياهم، وعاقباهم، وطالباهم بالتنصر، وأنهم في جهد جهيد، وبلاء شديد، وليس هذا مما لي فيه حيلة، لأنه أمر لا يبلغه سلطاننا، والخليفة لا يطاوعني، فكنت أنفق الأموال، وأجتهد، وأجهز الجيوش حتى تطرق القسطنطينية.
فقلت أيها الوزير، هاهنا رأي أسهل مما وقع لك، يزول به هذا.
فقال: قل يا مبارك.
فقلت: إن بانطاكية عظيماً للنصارى يقال له البطرك، وببيت المقدس آخر يقال له القاثليق، وأمرهما ينفذ على ملك الروم، حتى انهما ربما حرما الملك فيحرم عندهم، ويحلانه فيحل.
وعند الروم أنه من خالف منهم هذين فقد كفر، وأنه لا يتم جلوس الملك ببلد الروم إلا برأي هذين، وأن يكون الملك قد دخل إلى بيعتهما، وتقرب بهما، والبلدان في سلطاننا، والرجلان في ذمتنا، فيأمر الوزير بأن يكتب إلى عاملي البلدين بإحضارهما، وتعريفهما ما يجري على الأسارى، وإن هذا خارج الملك، وإنهما إن لم يزيلا هذا، لم يطالب بجريرته غيرهما، وينظر ما يكون من الجواب.
قال: فاستدعي كاتباً، وأملى عليه كتابين في ذلك، وأنفذهما في الحال، وقال: سريت عني قليلاً، وافترقنا.

فلما كان بعد شهرين وأيام، وقد أنسيت الحديث، جاءني فرانق من جهته يطلبني، فركبت وأنا مشغول القلب بمعرفة السبب في ذلك، حتى وصلت إليه، فوجدته مسروراً، فحين رآني قال: يا هذا، أحسن الله جزاءك عن نفسك ودينك وعني.
فقلت: ما الخبر؟.
قال: كان رأيك في أمر الأسارى أبرك رأي وأصحه، وهذا رسول العامل قد ورد بالخبر، وأومأ إلى رجل كان بحضرته، وقال له: خبرنا بما جرى.
فقال الرجل: أنفذني العامل مع رسول البطرك والقاثليق، برسالتهما إلى قسطنطينية وكتبا إلى ملكيهما: إنكما قد خرجتما عن ملة المسيح بما فعلتماه بالأسارى وليس لكما ذلك، فإنه حرام عليكما، ومخالف لما أمرنا به المسيح من كذا وكذا، وعددا أشياء في دينهما، فإما زلتما عن هذا واستأنفتما الإحسان إلى الأسارى، وتركتما مطالبتهم بالتنصر، وإلا لعناكما على هذين الكرسيين وحرمنا كما.
قال: فمضيت مع الرسول، فلما صرنا بقسطنطينية، حجيت عن الملكين أياماً، وخليا بالرسول، ثم استدعياني إليهما، فسلمت عليهما، فقال لي ترجمانهما: يقول لك الملكان، إن الذي بلغ ملك العرب من فعلنا بالأسارى، كذب وتشنيع، وقد أذنا في إدخالك دار البلاط لتشاهد أساراكم، فترى أحوالهم بخلاف ما بلغكم، وتسمع من شكرهم لنا، ضد ما اتصل بكم.
قال: ثم حملت إلى دار البلاط فرأيت الأسارى، وكأن وجوههم قد أخرجت من القبور، تشهد بالضر الشديد والجهد الجهيد وما كانوا فيه من العذاب إلى حين قدومنا إلا أنهم مرفهون في ذلك الوقت، وتأملت ثيابهم، فإذا جميعها جدد، فعلمت أني منعت من الوصول تلك الأيام حتى غير زي الأسارى وأصلح أمرهم.
وقال لي الأسرى: نحن للملكين شاكرين، فعل الله بهما وصنع، وأومأوا إلي: إن الأمر كان كما بلغكم، ولكنه خفف عنا، وأحسن إلينا، بعد حصولك هاهنا.
وقالوا لي كيف عرفت حالنا؟ ومن تنبه علينا، وأنفذك بسببنا؟.
فقلت لهم: ولي الوزارة علي بن عيسى فبلغه ذلك، فأنفذ من بغداد، وفعل كذا وكذا.
قال: فضجوا بالدعاء إلى الله تعالى للوزير، وسمعت امرأة منهم تقول: مر يا علي بن عيسى لا نسي الله لك هذا الفعل.
قال: فلما سمع ذلك علي بن عيسى أجهش بالبكاء، وسجد حمداً لله سبحانه وتعالى، وتر الرسول، وصرفه.
فقلت له: أيها الوزير، أسمعك دائماً تتبرم بالوزارة، وتتمنى الإنصراف عنها في خلوتك خوفاً من آثامها، فلو كنت في بيتك، هل كنت تقدر أن تحصل هذا الثواب ولو أنفقت فيه أكثر مالك؟ فلا تفعل، ولا تتبرم بهذا الأمر فلعل يمكنك ويجري على يديك أمثال هذا الفعل، فتفوز بثوابه في الآخرة، كما تفردت بشرف الوزارة في الدنيا.

المصدر : نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي رحمه الله تعالى