المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البركة ـوأهميتها



أهــل الحـديث
09-01-2012, 08:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


البركة ـ ـ ليست في وفرةِ المال ولا سَطوة الجاه ولا كَثرة الولَد ولا في العلم المادي، إنها قيمةٌ معنويةٌ لا تُرى بالعَين المجرَّدة، ولا تُقاس بالكمّ، ولا تحويها الخزائِن، بل هي شُعورٌ إيجابيٌّ يشعُر به الإنسان بين جَوانحه، يخبرُ عنه صفاءُ نفسٍ وطمأنينةُ قلبٍ وانشراحُ صَدرٍ وقناعةٌ ظاهرة ورضا آمن، وإذا كان أمان المرء في سِربه وتحصيلُه قوتَ يومِه واستدامةُ صحّته وعافيته، إذا كان كلُّ ذلك ضالةَ كلِّ حيٍّ على هذه البسيطة وشجرةً يستظلّ بها الأحياء فإنّ البركة هي ماءُ هذه الشجرة وغذاؤُها وهواؤُها وضياؤُها.
إنّ الله جلّ جلاله قد أودَع هذه البركةَ بفضله خاصّيةً خارِجةً عن عَون المالِ ومَدَد الصحّة، بحيث يمكن أن تحيلَ الكوخَ الصغير إلى قصرٍ رَحب، وحين تُفقَد هذه البركةُ فسَيرى صاحبُ القصر أنَّ قصرَه كالقَفَص أو كالسجن الصغير. كل ذلك بسَبَب البركة وجودًا وعدما؛ فالقليل يكثُر بالبركة، والكثير يقلّ بفقدانها:


من تَمامِ العيشِ ما قرّتْ به عيْن ذي النِّعمة أثرَى أو أقلّ
وقليـلٌ أنت مسرورٌ بـه لك خيرٌ من كثيـرٍ في دغَل

البركةُ ــ هي الزيادة والنماء، وهي في الوَقت اتّساعه وإمكانُ استغلاله، وفي العُمُر طوله وحُسن العمل فيه، وفي العِلم الإحاطةُ به والعمَل بمقتضاه والدّعوة إليه، وهي في المال وَفرته معَ الكفاية منه، وفي الطعام إشباعُه، وفي الشراب إِرواؤه، وفي الصّحّة تمامها وسلامتُها من الأدواء. وقولوا عنها مثلَ ذلكم في شؤون الحياة كلِّها.
لرأينا أمثلةً كثيرةً لحضورِ البركة وتواجُدِها في عهدِ النبيِّ وعهد أصحابه رضي الله عنهم وعُهود مَن بعدهم إلى زَمنٍ ليس عنا ببعيد، فقد كان النبيّ يجِد البركةَ في الرغيف والرَّغيفين، وربما شبِع هو وأصحابه مِن صَحفةٍ واحدة، وكان عثمانُ رضي الله عنه الذي جهَز جيشَ العُسرة قد بلغَت ثمرةُ نخله مائتي ألف أو تزيد حيث بارك الله له إنفاقَه في سبيله، وهذا الزبير بن العوام قد أوصَى ولدَه عبد الله أن يقضيَ دينَه الذي يبلغُ ألفَ ألفٍ ومائتي ألف يعني: مليونا ومائتي ألف، وقد قال لولده عبد الله: يا بنيّ، إن عجَزت عنه في شيءٍ فاستعن عليه مولاي، فوالله ما وقعتُ في كُربةٍ من دينٍ إلا قلت: يا مولى الزبير، اقضِ عنه دينَه، وكان لم يدَع دينارًا ولا دِرهمًا إلا أَرضَين له، ودارَت الأياّم وبارَك الله في أرضِ الزبير وبِيعَتَا، فبَلغت تركةُ الزبير خمسين ألفَ ألفٍ ومائتي ألف يعني: خمسين مليونًا ومائتي ألف، وكان له أربعُ نسوة، فصارَ نصيبُ كلّ واحدةٍ منهنّ ألفَ ألف ومائتي ألف يعني: مليونا ومائتي ألف، كمقدار الدَّين الذي عليه. هذه القصّة رواها البخاريّ في صحيحه.