المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفَيْد الزكي ترجمة الإمام ((زيد بن علي))



أهــل الحـديث
07-01-2012, 12:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



من أعلام أهل البيت
الفَيْد الزكي ترجمة الامام «زيد بن علي»1

اسمه:

هو (زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب) أبو الحسين المدني.

مولده ونشأته:

ولد الامام زيد سنة ست وستين، ونشأ في بيت علم وعبادة، وأمه أم ولد أهداها لزين العابدين المختار بن أبي عبيد 2.

مشايخه وتلاميذه:

روى عن: أبيه، وأخيه أبي جعفر الباقر، وأبان بن عثمان بن عفان، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن أبي رافع.

وروى عنه:
ابناه حسين، وعيسى، وابن أخيه جعفر بن محمد الصادق، والزهري، والأعمش، وشعبة، وسعيد بن خثيم، واسماعيل السدي، وزبيد اليامي، وزكرياء بن أبي زائدة، وعبدالرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، وأبو خالد عمرو بن خالد الواسطي، وابن أبي الزناد، وجماعة كثيرة 3.

أهم الأحداث في حياته:

كان اماما جليلا صالحا ذا عفة وعلم وشرف، وخرج وقتل رحمه الله، وقصة خروجه اختلف في سببها المؤرخون:

- فمنهم من يرى ان أصل السبب في الخروج خلاف في الأسرة الشريفة حول ولاية أوقاف لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان زيد نائبا عن آل الحسين، وعبدالله بن الحسن عن آل الحسن، فاجتمعا عند والي العراق يختصمان في ذلك.

- وقيل بل السبب ان زيدًا ادُّعِيَ عليه مال أو أرض، فحُمل الى والي العراق ليحلف أو يقدم بينة، وقيل انه حصل بينه وبين الوالي هناك (يوسف بن عمر) نزاع، فحُمل زيد الى الخليفة (هشام بن عبد الملك)، وحصل بينهما نزاع أيضا وكلام شديد، فغَضِب (هشام) وغضب (زيد)، (فقال هشام: اخرج، قال: أخرج، ثم لا تراني الا حيث تكره) فرجع الى الكوفة، وجعل أهلها يثيرونه للخروج على بني أمية، لما لاقى منهم من اغلاظ وكلام في حَسَبِه، ولما كانوا يعيرونه بأمه أنها أمة.
وكان هو أيضا يغلظ عليهم فقال مرة: (ليس أحد أولى بالله ولا أرفع عنده منزلة من نبي ابتعثه، وقد كان اسماعيل من خير الأنبياء، وولد خيرهم محمدا صلى الله عليه وسلم، وكان اسماعيل ابن أمة، وأخوه ابن صريحةٍ مثلك، فاختاره الله عليه وأخرج منه خير البشر، وما على أحد من ذلك جده رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت أمُّه أمَةً) قالها لهشام، وقال مرة: (يا معشر قريش هذا الدين قد ذهب، أفتذهب الأحساب؟!، فوالله انه ليذهب دين القوم وما تذهب أحسابهم!) قالها في مجلس (يوسف بن عمر).
ومكث (زيد) في الكوفة، ونما الى علم (يوسف بن عمر) ان الناس تدخل وتخرج عليه يريدون منه الخروج، فطلبه مرارا فلم يلبِّ، وأمر باخراجه مرارا فلم يمكنه، وسمع (زيد) للكوفيين، وأعطوه الأيمان المغلظة والمواثيق لينصرنه، وقد كان أبى عليهم قبلها، فقال له (داود بن علي): (يا ابن عم لا يغرنك هؤلاء من نفسك، ففي أهل بيتك لك عبرة وفي خذلان هؤلاء اياهم). ولكن (زيدا) واصل أمره، وأرسل دعاته في الآفاق يأخذون له البيعة، وواعدهم على الخروج في ليلة معروفة، وهبّ له جماعة ينصحونه بترك أمرهم، ويذكرونه بغدرهم كما فعلوا بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وجده الحسين، ولم يجد (زيد) بدّا من المضي فيما عاهد عليه الناس، وقال لناصحيه: (انهم بايعوني فلزمت البيعة في عنقي وأعناقهم)، فعند ذلك فارقه جماعة كداود بن علي وغيره.
وخرج (زيد) قبل الأجل المحدد، ولما بلغ ذلك (يوسف بن عمر) خرج بقواته عليهم ليحصروهم، ولم يخرج لزيد الا مائتان ونيف، وقد كان حصر في ديوانه فقط من المبايعين خمسة عشر ألفا!، وكان قتال بينهم وبين الأمويين، وكان له فيه نصر في أول الأمر، ثم ضاق الأمر، فأرسل الى أهل الكوفة في المسجد وكانوا محصورين فيه من (يناديهم يا أهل المسجد اخرجوا، وجعل نصر بن خزيمة يناديهم: يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل الى العز، والى الدين والدنيا)، ثم تواجها فكان (زيد) في خمسمائة والأمويون اثنا عشر ألفا!، وثبّت (زيد) أصحابه، وأبلوا بلاء حسنا، وفي جنح الليل رُمي (زيد) بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فوصل الى دماغه، وأرسلوا لطبيب فجاءه فقال له: (انك ان نزعته من رأسك مت)، فقال: (الموت أيسر علي مما أنا فيه)، فنزعه فمات رحمه الله.
ودفنه أصحابه، وأخفوا قبره، وسيلوا عليه ماء لئلا يعرف، ثم ان (يوسف بن عمر) عرف مكانه، فاستخرجه وصلبه، قيل: لأربع سنين، وهو بعيد. وقيل لمدة، والله أعلم، وكان ذلك عام واحد وعشرين ومائة، وكان عمره حين توفي اثنتين وأربعين سنة 4.

قال الحافظ الذهبي: (وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَارِيخِ مَصْرَعِهِ عَلَى أَقْوَالٍ: فَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: قُتِلَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: قُتِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةَ. رَوَاهُ ابْنُ سعد عنه) 5.
وفي طبقات ابن سعد عن (سَحْبَلِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ أَكْرَهَ الَيْهِ الدِّمَاءُ وَلَا أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَلَقَدْ دَخَلَهُ مِنْ مَقْتَلِ زَيْدِ بْنِ علي وَيَحْيَى بْنِ زَيْدٍ أَمْرٌ شَدِيدٌ، وَقَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ افْتَدَيْتُهُمَا) 6.

ومن جِماع ما يقال في تلك الحادثة عن الامام زيد رحمه الله ما قاله الذهبي: (وكان ذا علم وجلالة وصلاح، هفا، وخرج، فاستشهد) وقال: (خرج متأولا، وقتل شهيدا، وليته لم يخرج) 7.
وروى عن جرير بن حازم، قال: (رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنه متساند الى خشبة زيد بن علي، وهو يقول: هكذا تفعلون بولدي؟!) 8.

من أقواله:

مما يؤثر من أقواله رحمه الله أنه قال:كان أبو بكر -رضي الله عنه- امام الشاكرين، ثم تلا: {وسيجزي الله الشاكرين}، ثم قال: البراءة من أبي بكر هي البراءة من علي) 9.
وورد أنه جاءه قوم حين خرج، فقالوا: (تَبَرَّأْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حَتَّى نَكُونَ مَعَكَ)، فَقَالَ: (لا!، بَلْ أَتَوَلاهُمَا وَأَبْرَأُ مِمَّنْ يَبْرَأُ مِنْهُمَا)، قَالُوا اذًا نَرْفُضُكَ. وأما الزيدية فقالوا بِقَوْلِهِ وَحَارَبُوا مَعَهُ فنُسِبُوا الَيْهِ 10.
وقال: (من أحب الحياة ذل).
وقال: (من أطاع الله أطاعه ما خلق) 11.

فصاحته:

في زهر الآداب للحصري: (كانت بين جعفر بن الحسن بن الحسين بن علي وبين زيد رضوان الله عليهم منازعة في وصيّة، فكانا اذا تنازعا انثال الناس عليهما ليسمعوا محاورتهما، فكان الرجل يحفظ على صاحبه اللّفظة من كلام جعفر، ويحفظ الآخر اللفظة من كلام زيد. فاذا انفصلا وتفرّق الناس عنهما قال هذا لصاحبه: قال في موضع كذا وكذا، وقال الآخر: قال في موضع كذا وكذا، فيكتبون ما قالا، ثم يتعلّمونه كما يتعلّم الواجب من الفرض، والنادر من الشعر، والسائر من المثل! وكانا أعجوبة دهرهما وأحدوثة عصرهما) 12.
وقال الامام ابن القيم في الكلام على قراءة قرآنية، وهو يعدد من قرأ بها: (قالوا وقد قرأ بها من لا يرتاب في فصاحته. فقرأ بها زيد بن ثابت، وأبو الدرداء وأبو جعفر، ومجاهد، ونصر بن علقمة، ومكحول، وزيد بن علي) 13.

علمه والثناء عليه:

قال الامام زيد عن نفسه في كلام له لأحد أصحابه: (يا أبا قرة والذي يعلم ما تحت وريد زيد بن علي، ان زيد بن علي لم يهتك لله محرما منذ عرف يمينه من شماله) 14.
ولهج بالثناء عليه المعاصرون من البيت الشريف وخارجه، قال عنه (عبدالله بن الحسن بن الحسن) - على ماكان بينهما من خلاف - : (زيد بن علي الذي لم أر فينا ولا في غيرنا مثله) 15، وقال عنه ابن أخيه (جعفر الصادق) لما قيل له ان أناسا يبرؤون من عمك زيد قال: (برأ الله ممن تبرأ منه، كان -والله- أقرأنا لكتاب الله، وأفقهنا في دين الله، وأوصلنا للرحم، ما تركنا وفينا مثله) 16.
وقال الامام علي الرضا: (ان زيد بن علي كان من علماء آل محمد) 17.
وقال أبو الجارود: (قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي ذاك حليف القرآن) 18.
ولأبي حنيفة كذلك كلام كثير في الثناء عليه، والاقرار له بالعلم والفضل ومحبة مساعدته، وإفتائه له في أمره، وتفخيم خروجه 19، ومما قاله عنه: (شاهدت زيد بن علي كما شاهدت أهله، فما رأيت في زمانه أفقه منه ولا أسرع جوابا ولا أبين قولا) 20.
وقال الحافظ ابن حبان: (وكان من أفاضل أهل البيت وعبادهم) 21.
وقال الحافظ الذهبي: (وَكَانَ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ الصُّلَحَاءِ بَدَتْ مِنْهُ هَفْوَةٌ فَاسْتُشْهِدَ فَكَانَتْ سَبَبًا لِرَفْعِ دَرَجَتِهِ فِي آخِرَتِهِ) 22.
وقال الحافظ ابن حجر: (ثقة) 23.
قال العلامة أبو زهرة: (كان زيد عالما بلا نزاع، وكان عالما واسع الأفق، مستبحر المعرفة، علم آراء الفقهاء ما بين حجازيين وعراقيين، وعلم المناهج الفقهية كلها، وكان عالما بحديث آل البيت وغيرهم، وكان عالما بالفرق الاسلامية) 24، (وان الامام زيد بهذا مجتهد، وقد أجمع كل معاصريه والذين جاؤوا بعده على أنه امام مجتهد، وفقيه لم ير أبو حنيفة في العصر الذي التقى به فيه مثله) 25، ولاتجاهه الفقهي وآرائه ومظانها مجال كبير من الدرس لا يتسع له هذا المقام.
فرضي الله عنه من امام جليل من أعلام آل البيت النبوي الشريف.


ـــــــــــــــــــــــــ ــ
الهوامش:
- الفيد: ورق الزعفران.
2 - سير أعلام النبلاء (468/9).
3 - تهذيب التهذيب (362/3).
4 - انظر في أخبار خروجه ثم قتله، تاريخ الطبري (200-193/4)، ومقاتل الطالبيين (37-36 ) .
5 - تاريخ الاسلام (107/8).
6 - الطبقات الكبرى (326.5).
7 - سير أعلام النبلاء (480-478/9) على الترتيب.
8 - سير أعلام النبلاء (479/9).
9 - سير أعلام النبلاء (479/9).
10 - تاريخ الاسلام (106/8)، بتصرف يسير.
11 - مقاتل الطالبيين (125).
12 - زهر الآداب (119/1).
13 - اغاثة اللهفان (242).
14 - مقاتل الطالبيين (125).
15 - مقاتل الطالبيين (389).
16 - سير أعلام النبلاء (479/9).
17 - مناقب الصادق (50).
18 - مقاتل الطالبيين (125).
19 - راجع مقاتل الطالبيين (141).
20 - الخطط المقريزية (436/2).
21 - مشاهير علماء الأمصار (104).
22 - تاريخ الاسلام (105/8).
23 - تقريب التهذيب (224).
24 - الامام زيد لأبي زهرة (72).
25 - الامام زيد لأبي زهرة (326).