المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ضربُ وقائعِ الأحوال (للاستدْلالِ) ليسَ من دأبِ الرجال ...!



أهــل الحـديث
06-01-2012, 10:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمدُ للهِ الذي برأ لدينِهِ المتين, رجالَ العلمَ والدين, يبصِّرونَ أعينًا عميًا, ويرشدونَ قلوبًا غلفًا, ويسْمعونَ آذانًا صمًّا, فلا يَدَعونَ رذلاً ولا هزلاً, ولا سخفًا ولا همْجًا, يقرِّرونَ الحقَّ بلا مِرية, يثبِّتونَ أهلَه بلا فِرية, عَلِموا فعلَّموا, صَدَقوا فصُدِّقوا.


للهِ دَرُّ عِصابَةٍ *** صُدُقِ المَقالِ مَقاوِلا
فاقوا الأنامَ فضائِلاً *** مأثورَةً وفواضِلا
حاورْتُهم فوجَدتُ سحْـ *** باناً لديْهِمْ باقِلا
وحللْتُ فيهِمْ سائِلاً *** فلَقيتُ جوداً سائِلا
أقسَمْتُ لوْ كان الكِرا *** مُ حياً لكانوا وابِلا

أخي في الله...اعلمْ وتعلمْ..
* إن تقرير المسائل الشرعية؛ ومعالجة القضايا الواقعية؛ كثيرًا ما يتصدَّى لبيانها وحلِّ مشكلها أولوا الألباب؛ وينبري لتنقيح مناطِها أولوا الفضلِ اللباب, وإنما يبرزُ دقيق قولهم ومسيسُ رأيهم إذا كانَ الحكمُ مبنيًا على الغالب –إن عُدمَ العموم-, فهذا أصلُ بناءِ الأحكام كما هو متقرر في دينَا الحنيف, فتبيَّن لكَ أن الشريعةَ الإسلامية تبني أحكامها على أمورٍ عظيمةٍ؛ أهمها وأجلُّها: ما كانَ غالبًا وشائعًا, وما كانَ واضحًا وبيِّـنًا, إذا علمتَ هذا فإليكَ تحقيقُ ذلك بالدليل:
* قال تعالى في ذمِّ المشركينَ الذي يتقلَّدونَ الآباء في المعتقداتِ {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} فذمَّ الله تعالَى مطلقَ اتباعَ الظنِّ [وَالظَّنُّ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ: هُوَ الِاعْتِقَادُ الْمُخْطِئُ عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، الَّذِي يَحْسَبُهُ صَاحِبُهُ حَقًّا وَصَحِيحًا، قَالَ تَعَالَى: {وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} وَمِنْه قَول النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ»] قاله ابن عاشور.

* القاعدةُ الشرعية الأصلية (العبرة بالغالب الشائع لا بالقليل النادر), وهذا قاعدة متفقة عليها بين أرباب الأصول, ومعناها: أنْ يكونَ العرفُ جاريًا بين الذين تعارفوه في أكثر أحوالهم, ويكونُ جريانهم عليهِ حاصلٌ في أكثرِ الحوادثِ لا تتخلَّف, وعلى هذا (قدَّرَ الخبراء –ومن قبلهم الفقهاء- أنَّ السنَّ المعتبر لبلوغَ الأنثى تسع سنين), ومنه كذلك قولهم (أنَّ الغالب على الأطفال عدم جودةِ التصرف, فلا يصح التصرف منهم, وإن وجدَ من بعضهم جودةَ التصرفِ فهو نادر)....والأمثلةُ على ذلكَ أكثر من أن تُحصى وتُحصر..
قال الكرخي: (الأصلُ أن السؤال والخطاب يمضي على ما عمَّ وغلبَ, لا على ما شذَّ وندر)
- فاعلمْ أن الأخذَ بوقائعِ الأحوالِ للاستدلالِ ليسَ هو سبيلُ القرآنِ الكريم, ولا هو منهجُ النبيِّ الأمين, ولا نهَجهُ أئمةُ السلفِ المتَّبعين, بل كلُّ ذلكَ من قبيلِ (الظنونِ) الذي لا يغني من الحقِّ شيئًا, والقاعدةُ المعتبرةُ أن (وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال, كساها ثوبَ الإجمال, وسقطَ بها الاستدلال), فإذا رأيتَ رجلاً يردُ الأدلةَ لمجرَّد أية احتمال كانَ هذا من الافتئاتِ على الشرعِ الحكيم, ومن إلقاءِ النصوص الراجحةِ في سلةِ الوساوس والشكوك...
وقد رأيتُ ضربًا من أولي الاستدلال –بعضهم الفقيه في قوله وأكثره الجاهل به- يبني أحكامَه أو يضْربُ أحكامَ غيره, بناءً على الشاذِّ والنادر, والقاعدةُ المقرَّرة أنَّ (النادرُ لا حكمَ له), وإنما بنيتُ هذه الأكثريةِ في جهلِ ما يقوله الأكثرونَ بناءً على (الأغلبية) كما هو بينٌ لكل فطِن عارف.
وهذه القاعدةُ "ابنِ الأحكامَ على ما شاعَ لا ما ندر" و "لا عبرة بالشاذ" صالحةٌ لأضربٍ من الناس, منهم:

(1) المجتهدُ المقرِّر الأحكام الشرعية بناءً على الأدلةِ التأصيلية, فإنَّ وظيفة المجتهد أو (المفتي) أن ينظرَ في واقع الأمةِ ليبني حكمَه, فإنه إن تمخَّض فكرهُ لفهم المسائل بناءً على ما يقالُ أو يكتبْ كانَ تقريره من هذَر القولِ وزبَدِهِ, فالواقع الحالي يستوجبُ النظرَ في حالِ أمتنا الإسلامية نظرةً فاحصةً, ولهذا أجدُ غالبًا "كل مرشدٍ وكاتبٍ مطلعٍ رأيهُ ونِتاجُهُ أسلمُ وأقنعُ ممن عكفَ الزوايا لتقرير المسائل, وكنفَ الوقائع عن فهم الغوائل".
ولهذا الأمرِ بأسِّهِ كانتْ القاعدةُ الشرعية العظيمة (تتغيرُ الفتوى بتغيُّر الأحوال والأزمانِ والأماكنِ والعوائد), وفي الوقتِ نفسِهِ فإننا نصرِّح بأنَّ (الدراسةُ الأكاديمية في الجامعات المختلطة محرمٌ) وإن كانَ (أصل الدراسةِ جائزٌ) وإن كانَ (أصلُ الدخولِ في الجامعاتِ جائز) إلاَّ أنه لما فاضَ ما غاصَ به الناس من البلايا والرزايا كانَ الحكمُ بالحرمةِ هو الذي يجبُ المصير إليهِ.
وقسْ على ذلك:
(2) المفكِّرُ الإسلامي والرجلُ العقلاني, عندَ معالجتهِ مشاكلَ الأمةِ, ولنضربْ لذلكَ (ظاهرة التمويهِ الإعلامي) فما يجوزُ لعاقلٍ مفكِّر أن يعوِّلَ تحليلَ أخبارَ الأمةَ على ما ظهر للناسِ في الإعلام, لأن كل حصيفٍ يعتقدُ أن "وراءَ الأكمةِ ما وراءها" بل لو حلفَ على ذلكَ ما حنَث! فقد أصبحَ غالبُ القضايا الحسَّاسة صدقُ ما فيها شاذٌ ونادرٌ!
(3) الطبيبُ المعالجُ والخبيرُ المداوي, عندَ تحليلِهِ أمراضَ الناسِ في واقعهِ, ولنضربْ لذلكَ (ظاهرة مرض الإيدز) فإن هذا المحلِّل لن ينظرَ لمعالجةِ ظاهرةِ هذا المرض على نِتاجِ "دواءِ" نفعَ أناسًا بعدِّ الأصابعَ وأضرَّ أممًا..بل إنه سينظر لما عمَّ نفعهُ وغلبَت فائدته.

إذا تقرَّر ما سبقََ ذكرهُ فإني أستطيع إيجازَ القولِ بنقاطٍ:


· إذا وكِّل إليكَ تحكيمَ المسائلَ ومعالجةَ المشاكل فابنِ أحكامكَ على ما شاعَ وذاعَ, فهذه لحظةُ العقلاء.
· إذا أشِرتَ ونوقِشتَ في معرفةِ القضايا فانظرْ إلى ما ظهرَ به تأثيره, وبانَ فيه كثيره.
· إذا أردتَ أن يقالَ (أنتَ أنتَ فيمَ ارتأيتَ) فأمعنِ الفكرِ في سببه ومنشئهِ فإنَّ "معرفة الأسباب أول الطريق لمعالجةِ الأمراض".