المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عيوب النطق وأثرها على النقل



أهــل الحـديث
06-01-2012, 12:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




عيوب النُّطق وأثرها على النَّقل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
إنَّ سلامة اللسان من عيوب النطق والبيان - من اللُّثْغة (العدول بحرف إلى حرف) والعِيّ (خلاف البيان، ورجل عياياء: إذا عَيَّ بالأمر والمنطق) والتمتمة (ثِقل التاء على المتكلّم والتردّد فيها) واللفف (ثِقلٌ عند الكلام، وهو أنْ يستعجل في الفاء ويلجلج فيها) والرَّتَت (الإدغام في غير موضعه، والأرتّ: الذي يُدغِم حرفا لا يُدغَم، أو حرفا في حرف) واللُّكْنَة (العِيُّ وهو ثِقَل اللسان) وغير ذلك - من الأسباب الهامّة في التواصل المُفهِم بين المؤدِّي والمتلقِّي، وأداء الرسالة العلميّة أداءً صحيحا سالما، ومن آثار هذه الأهمية ما وقع من التنازع في صحّة صلاة القارىء خلف الألثغ والأرتّ ونحوهما، وفي أبواب البيوع شيء من ذلك، كما وقع من تمسُّك أبي محمد ابن حزم بحروف بعض الألفاظ وعدم العدول إلى غيرها للألثغ مثلا واكتفى منه بأنْ يأتي بما يقدر عليه فإنْ عجز جملةً قال ما يوافق المعنى، وسمّى أبو الفضل ابن حجر ذلك (جمودًا) ولكنه لم يَردّ كلام أبي محمد بما يشفي ويقنع. ثم إنَّه قد نُصَّ في بعض الشروح الحديثيّة على إمساك المحدِّث عن التحديث إذا خشيء التغيُّر في لسانه، وذلك عند إحالته المعاني الصحيحة، وتصحيفه المباني المستقيمة. ومعرفة ذلك يفتقر إلى تيقُّظ المتلقّي حتى يُحسن الوقوف على الغلط والتصحيف ثم ردّ الغلط إلى الصواب ثم معرفة سبب الغلط ومنشأه.
وللدكتور سليمان بن إبراهيم العايد بحث بعنوان: من عيوب النطق: اللثغ بالراء.
وفيما يأتي أعرض بإيجاز بعض الأمثلة لمن وقع في تصحيف اللسان بسبب عيب من عيوب النطق والبيان:
1- حَبَّان بن مُنقِذ / وقيل: منقذ بن عمرو:
روى القعنبيُّ ويحيى الليثي وأبو مصعب ومحمد بن الحسن وعبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي أويس - وعن الأخيرين خ في صحيحه- جميعا: عن مالك.
وأخرجه البخاري أيضًا من طريق: عبد العزيز بن مسلم.
وأخرجه البخاري عن أبي نعيم الفضل بن دُكَين ومسلم من طريق وكيع؛ كلاهما عن: سفيان (هو الثوري وذكر العيني وغيره أنه ابن عيينة).
وأخرجه مسلم من طريق محمد بن جعفر، عن: شعبة؛
أربعتهم: (مالك، عبد العزيز، سفيان، شعبة) عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: (ذَكَرَ رجلٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يُخدَع في البيوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بايعت، فقل: لا خِلابة». وللرواة عن مالك سوى ابن يوسف وإسماعيل: (فكان الرجل إذا بايع يقول: لا خلابة). ولسفيان وعبد العزيز عند البخاري: (فكان الرجل يقولُه). ولم يقل سفيان: (الرجل).
وأخرجه مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن دينار، به، وزاد: (فكان إذا بايع يقول: «لا خِيَابَة»).
قال مسلم: سفيان وشعبة ليس في حديثهما: (فكان إذا بايع يقول: لا خيابة).
قلت: كأنّ هذه الزيادة معلّة عند البخاري (راجع أصحاب عبد الله بن دينار في شرح العلل لابن رجب).
قال المازري في المعلم 2/257: (قوله: «لا خِيابة»: أشار بعضهم إلى أنه كان ألثغ فلهذا غيَّر الكلمة).
وقال النووي في شرح مسلم: («خِيابة» هو بياء مثناة تحت بدل اللام هكذا هو في جميع النسخ).
وقال القاضي عِياض في الإكمال 5/164: («لا خِلابة» كذا هي الكلمة الأخيرة بياء باثنتين من تحتها بدل اللام عند أكثر شيوخنا في هذا الحديث فى مسلم وغيره، وهو الصحيح؛ لأنه كان أنفع). وما جاء في مطبوعة الإكمال: (لأنه كان أنفع). تصحيف، والصواب: (ألثغ).
قال القاضي في المشارق: («خِلابة» كذا هو أوله ياء باثنتين تحتها وآخره باء بواحدة وخاءه مكسورة، وكان الرجل ألثغ من شجّة في دماغه، فكان يحب أن يقول ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم: «لا خِلابة» فلا يطيعه لسانه).
وقال القرطبي في المُفهم: (روايتنا فيه بالياء باثنتين من تحتها مكان اللام، وهو الصحيح؛ لأنه كان ألثغ، يخرج اللام من غير مخرجها). وقال ابن حجر في الفتح: (كأنّه كان لا يفصح باللام للثغة لسانه).
قال القاضي في الإكمال 5/164: (وعبَّر بعضهم: «لا خيانة» بالنون، وهو تصحيف). وقال في المشارق: (وعند ابن أبي جعفر لبعض شيوخه: «خيانة» كالأوّل إلا أنّ آخره نون، وهو وإنْ كان صحيحًا في المعنى فهو تصحيف في الرواية).
و(ابن أبي جعفر) المذكور في المشارق، هو الإمام العلامة فقيه المغرب شيخ المالكية أبو محمد عبد الله بن أبي جعفر الخُشَنِي، حَدَّثَ عنه القاضي عياض بصحيح مسلم رواية القَلَانِسِي، بِمُرْسِيَة سنة (508 هـ)، وقد جاء عند العيني في عمدة القاري (11/233): (وعن أبي جعفر). وهو غلط صوابه ما تقدّم.
وفي بعض الروايات في غير مسلم أنه كان يقول: «لا خِذَابة» بالذال المعجمة. قال ابن قُرْقُول (وأظن كلامه في المطالع): (إنّ هذا الرجل كان ألثغ ولا يعطيه لسانه إخراج الكلام، وكان ينطق يا باثنتين من تحت، أو ذالا معجمة). قال في المشارق: (كله تغيير للّام، ولثغ في اللسان).
وللحديث بقيّة بإذن الله تعالى ...