المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفاوت الهمم.. الشيخ سعد الغامدي



أهــل الحـديث
05-01-2012, 12:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




تفاوت الهمم




الكاتب الشيخ سعد الغامدي


الأحد, 15 مايو 2011 21:32


http://saadghamdi.com/images/stories/artical_img/tafawot_alhemam.jpg



للناس مشارب شتى وهمم متفاوتة ، فبينما تبصر عيناك مجاهداً يرابط على ثغور القدس وأسوارها ، تتفاجأ بأنه ما يزال من يموت منتحراً من أجل عيون عشيقته !! ولا يمكن أن تستوعب كثيراً أو قليلاً ما الذي فارق بين الهمتين وباعد بين الفريقين ؟
إن تفاوت الهمم مبني على قوة القلب وضعفه أو انشغاله بالله أو فراغه منه أو ارتقاء همته أو سفولها . العجيب في الأمر وأنت تقرأ التاريخ قراءة متأنية ومنصفة وتتأمل في حياة الملوك والخلفاء والعلماء تجد أنك أمام مفارقات صعبة أو قُل أمام قامات أو هامات عظيمة لكنها متفاوتة في عظمتها ، وخذ أمثلة على ذلك :



كانت همة الخليفة عبد الملك بن مروان في الملك والرياسة والفتوحات ولا صبابة له في النساء ، حتى إنه قد اشتهر قبل الخلافة بطلب العلم والجلوس مع العلماء ، ولما تولى الخلافة حمل المصحف بين يديه وقال : هذا فراق بيني وبينك ، أي أنه سينشغل بالحكم عن القرآن .
وأما همة ابنه الوليد بن عبد الملك فكانت في البناء ، فهو الذي بنى الجامع الأموي وقبة الصخرة ودمشق ومناراتها وقام بتوسعة المسجد النبوي وبنى القصور على أنهار الشام.
وأما همة أخيه سليمان بن عبد الملك فكانت في النساء والجواري حتى صارت أمه تنتقي له الحسناوات منهن ليتزوجهن أو يتسرى بهن لعلمها بحبه لذلك !
وأما الخليفة عمر بن عبد العزيز فكانت همته في نشر الإسلام وإقامة العدل وتوزيع الثروة بالتساوي بين المسلمين بلا تفريق بين حاكم ومحكوم ، كما كانت همته في الجلوس مع العلماء وقيام الليل والتطلع للآخرة .

وهكذا غيرهم من الملوك والخلفاء ، والناس تبع لهم ، ففي عهد عبد الملك بن مروان المغرم بالجهاد والفتوحات كان الناس يتنافسون في عدد حضور الغزوات ، وفي عهد الوليد بن عبد الملك كان الناس يتنافسون في بنا ء الدور والقصور ، وفي عهد سليمان كانوا يتنافسون في عدد الزوجات والجواري ، وفي عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز كانوا يتنافسون في العبادة وقيام الليل وصيام النهار والصدقة وإقامة العدل ، والناس على دين ملوكهم .

وكما تفاوت الخلفاء فكذلك تفاوت العلماء ، قوة وعلماً ودعوةً وجهاداً ، فمنهم من بز أقرانه بمراحل في العلم ، بحسب قدرته وقوته وهمته وفهمه وسفره في طلب العلم بما أفاء الله على كل واحد منهم ، ومنهم من كان أقل بمراحل وأشواط .

تفاوتوا في إظهار الحق أمام السلاطين ، فمنهم الصادع بالحق الصابر عند البلاء والعذاب ، القوي الصلب في الوقوف أمام الجماهير الغاضبة ، ومنهم من لا يطيق الخروج من بيته لتلبية نداء السلطان خوفاً على رقبته ، فلزم الصمت أو داهن أو وافق مكرهاً .

وتفاوتوا أيضاً في القرب من الخلفاء أو أخذ شيئا من الأموال ، فمنهم من أخذ ومنهم من أمسك ، ومنهم من اقترب من القصر ومنهم من آثر العزلة .

وتفاوتوا في الجهاد ، فانشغل علماء بالعلم والجهاد والمرابطة على الثغور ، بينما انشغل آخرون بالعلم دون الجهاد ، لعلمه بقوته وصبره وقدرته على المواجهة ، ولم يعب منهم الآخر ولم يعير منهم الآخر ، وما ورد على لسان عبد الله بن المبارك في ذم عبادة الفضيل بن عياض فإنه لا يثبت ولا يصح ، " قد علم كل أناس مشربهم " و " والله فضل بعضكم على بعض في الرزق " .

إن تفاوت الهمم لا يقتصر على بني الإنسان ، بل وحتى عالم الحيوان وعالم النبات وعالم الجماد ، فالطبائع متفاوتة ومتباينة لأن الله تعالى أرادها كذلك إرادة كونية وقدرية ، ويوم أن يعذر الإنسان أخاه الإنسان فيما رزقه الله من ضعف الهمة ، ويشكر الله على ما آتاه من قوة الهمة ، فإن الحياة تستقيم بالود والحب والأمل والتعايش ، على أن المرء يجب أن يسعى دوماً في الترقي وطلب المعالي والتجديد المستمر ، فالحياة يصيبها الركود والموت حين تتوقف ، وكذلك المرء حين يتوقف عن طلب الكمالات فإنه يتراجع إلى الوراء سنين عديدة ، فلا يجد نفسه إلا في آخر الركب وقد فاته قطار الحياة .