المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في كتاب..خلاصات وفوائد وتعليقات



أهــل الحـديث
03-01-2012, 03:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



(1)
قراءة في كتاب
الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم

أبو مالك العوضي


لا أدري ما السبب الذي جعلني أترك كتاب (الخالدون مائة أعظمهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) – الذي ترجمه أنيس منصور عن تأليف (مايكل هارت) - تلك المدة الطويلة موضوعا على أرفف مكتبتي دون أن أقرأه!!


هذا برغم أن عنوانه شائق، وأسلوبه ممتع، وفيه من المعلومات التاريخية ما لا يكاد يوجد في غيره، حتى إنه قد جذبني فقرأته مرتين كاملتين!


ونلاحظ أن المترجم لم يبدأ بالبسملة ولا بالحمدلة كما هو المتوقع، وينبغي أن نعلم أنه لم يترجم الكتاب بنصه، وإنما حذف منه بعض الأشياء كما قال هو في المقدمة، وينبغي أن نعلم أيضا أن مؤلف الكتاب ليست له ثقافة عربية، أو هي ثقافة ضحلة في أحسن أحوالها، فهو لا يعرف عن علماء العرب شيئا، ولم يذكر من المسلمين في كتابه سوى النبي صلى الله عليه وسلم (رقم 1) وعمر بن الخطاب رضي الله عنه (رقم 51).

وينبغي أن نعلم المقياس الذي بنى المؤلف كتابه عليه، وما معنى أن يكون الشخص خالدا في نظره، وكيف يرتب في سجل الخالدين بحسب أعماله.

يرى الكاتب أن قيمة الإنسان وخلوده تنبع من عظمة الأثر الذي تركه خلفه، ولذلك فهو يرى أن العظماء والساسة أهم من رجال العلم والأدب والفن ونحو ذلك؛ ولذلك كان للقيادات الدينية نصيبُ الأسد في الكتاب، فجاء المسيح عليه السلام (رقم 3) وبوذا (رقم 4) وكونفوشيوس (رقم 5) والقديس بولس (رقم 6) ولكنه ذكر موسى (رقم 16)، وذكر نبيين مزعومين هما ماني وزرادشت (رقم 83 و89).

ويبدو أن الكاتب نصراني، برغم أن المترجم ذكر أن دينه غير معروف، ولكنه يكثر من مشاهير محركي الديانة المسيحية أمثال القديس أوغسطين (رقم 53) ومارتن لوثر (رقم 24)، وذكر البابا أوربان الثاني (رقم 50) بسبب كلمة واحدة قالها!! ألا وهي نداؤه للحروب الصليبية وهي عظيمة الأثر كما يرى المؤلف، وذكر جون كالفن (رقم 55).
والكتاب مليء بالزعامات والقيادات غير الدينية مثل شي هوانج تي (رقم 18) إمبراطور الصين وماوتسي تونج (رقم 20) وقورش العظيم مؤسس إمبراطورية فارس (رقم 86) وذكر أغسطس قيصر (رقم 19) ويوليوس قيصر (رقم 65) وهما زعيمان رومانيان عظيمان، وجنكيز خان (رقم 21) وقسطنطين الأكبر (رقم 26) لأنه أول إمبراطور روماني مسيحي.

وذكر العظماء الثلاثة (الإسكندر) و(نابليون) و(هتلر) متتاليين (رقم 33 و34 و35) لأنه يرى أنهم متشابهون في الأثر التاريخي الذي تركوه، وإن كان أعظمهم الإسكندر وأقلهم هتلر في نظره.

ويعجبني في الكاتب أن لديه مقاييسَ واضحة يندر أن يدخلها الأهواء؛
فهو يقول مثلا عن هتلر: (يجب أن أعترف بأنني مع القرف الشديد قد وضعت اسم أدولف هتلر ضمن هذه القائمة) وذلك لأنه ينظر لأثر الشخص وعبقريته، وما إذا لم يكن موجودا فهل يمكن أن يجيء آخر مكانه ويعمل عمله أو لا؟! ولذلك لم يذكر (نيل آرمسترونج) في الخالدين، بل ذكر (جون كيندي) الذي أخذ قرار مركبة أبولو مع أن أرمسترونج هو أول من وضع قدمه على سطح القمر، فإن الكاتب يقول: إن قرار هذه المركبة لم يكن ليفعله أحد سوى كيندي، والجرأة على إنفاق مبلغ هائل من المال لم يكن ليستطيعه رئيس أمريكي آخر، أما لو لم يوجد آرمسترونج مطلقا فمن المؤكد أن رائد فضاء آخر كان سيحل محله فليست له أية فضيلة.

والمؤلف يعمل في هيئة الفضاء الأمريكية ومتعته الأولى دراسة التاريخ، و هذا الكاتب ثقافته واسعة من النادر أن تتوفر لواحد من أبناء هذا العصر، فهو على علم بكل أبواب العلم التي يتحدث عنها، فحينما يذكر علماء الرياضيات مثل (إسحاق نيوتن) (رقم 2) و(ليونارد أويلر) (رقم 87) و(إقليدس) (رقم 22) تظهر ثقافته العلمية الواسعة، ولم يذكر سواهم من علماء الرياضيات؛ لأن تأثير علماء الرياضيات في نظره ضئيل إذ إنها لا تفيد نظريا، وفائدتها لا تأتي إلا في التطبيقات الفيزيائية، ولذلك أكثر من ذكر علماء الفيزياء مثل (ألبرت أينشتين) (رقم 10) ومايكل فاراداي (رقم 28) وجيمس كلارك ماكسويل (رقم 29) وفرنر هيزنبرج (رقم 43) وماكس بلانك (رقم 54) وبيكريل (رقم 58) ودالتون (رقم 93) ورونتجن (رقم 73) وفرمي (رقم 76) وبيكون (رقم 78) ونيلز بور (رقم 100) وهو آخر الخالدين.

والمخترعون في الكتاب كثيرون ومنهم إديسون، والمؤلف لم يورده لأهمية اختراعاته؛ فهي في نظره ليست ذات أهمية كبيرة، ولكنه أورده بسبب العدد الهائل من الاختراعات التي سجلها باسمه، فقد زاد على ألف اختراع ولذلك أورده (رقم 38).

والكاتب له دقة عجيبة مبنية على أسس دقيقة وصعبة أيضا في ترتيب الخالدين، وأورد ماركوني مخترع الراديو (رقم 41) وجراهام بل مخترع التليفون (رقم 44) وأورد ثلاثة رؤساء للولايات المتحدة الأمريكية (جورج واشنطن) وهو أول رئيس لها و(توماس جيفرسون) و(كيندي) رقم (27 و70 و80) على الترتيب، وأورد مخترع الورق (تسي آي لون) (رقم 8) وهو تقديم له فوق حقه فيما يبدو؛ إلا أن للكاتب وجهة نظر قوية في ذلك؛ فهو يرى أن اختراع الورق قد أسرع بالمدنية الحديثة جدا، ولولاه لتأخر ذلك التقدم كثيرا؛ لأن اعتمادنا الأكبر في الحياة على الورق والكتابة لذلك أورد جوتنبرج (رقم 9) تاليا لـ(تسي آي لون) مباشرة؛ لأنه اخترع أحرف الطباعة التي يسرت الحصول على الكتب. وأورد (ويلم مورتون) مكتشف التخدير و(وليم هارفي) مكتشف الدورة الدموية (رقم 56 و57).

ولم يكن للأدباء والفنانين شأنٌ كبير في الكتاب كما قال المؤلف بنفسه في (شكسبير):
((أعتقد أن الأدباء والفنانين ليس لهم إلا أثر ضئيل في تاريخ الإنسانية، بينما نجد أن رجال الدين والعلماء والساسة والمكتشفين والمخترعين لهم أثر كبير على تطوير وتغيير آمال الإنسانية)) ثم قال ((ولذلك فليس بين الأدباء أو الفنانين من يحتل مكانا رفيعا بين الثلاثين الأوائل، وليس منهم إلا عدد قليل جدا من الخالدين المائة)).

قلت: وهم (بتهوفن) (رقم 42)، وميكل أنجلو (رقم 49) و(باخ) (رقم 74) و(هوميروس) (رقم 94) و(بابلو بيكاسو) (رقم )98 وفولتير (رقم 79) علاوة على شكسبير (رقم 36).
ومن العجيب أنه ذكر زعماء الشيوعية الثلاثة كارل ماركس مؤسسها (رقم 11) وناشرها (لينين) (رقم 15) و(ستالين) أشهر أصحابها (رقم 63) وهذا يبين نزعة المؤلف وميله.

وذكر من المكتشفين (كريستوفر كولمبوس) (رقم 9) وفاسكو داجاما (رقم 84).

ومن علماء الأحياء (باستير) (رقم 12) و(داروين) و(فلمنج) و(مندل) (رقم 17 و45 و59) وليستر مخترع التعقيم (رقم 60) وإدوارد جنر مطور وقاء الجدري (رقم 72) وبانكوس مطور أساليب منع الحمل وناشرها (رقم 81)، وهذا عمل عظيم جدا في رأي الكاتب!!.

وذكر من الفلكيين (جاليليو) (رقم 13) و(كوبرنيكوس) (رقم 25) و(يوهانس كبلر) (رقم 97).

أما الفلاسفة فذكر منهم (أرسطو) (رقم 14) و(أفلاطون) (رقم 40) و(جون لوك) (رقم 48) وديكارت (رقم 64) وجان جاك روسو (رقم 71).

ومن الملاحظات على الكتاب:
- ليس فيه من النساء إلا اثنتان: إليزابيث الأولى، والملكة إيزابيلا الأولى، وهذا يدل على رؤية المؤلف بأن الأعمال العظيمة في النساء نادرة، ولذا وضع اثنتين فقط وملكتين أيضا وسبب وضع الملكة إيزابيلا أنها شجعت كولمبس على رحلته وساعدته بالمال!.

- الأخطاء اللغوية عند المترجم مثل (فلم يبقى)، و(كان يحاولان) وغير ذلك علاوة على أخطاء الهمزات فيجعل القطع وصلا والوصل قطعا، وهناك بعض الأخطاء في الطباعة مثل (للقضاء الصغيرة) الصواب (للقضاء على الكائنات الصغيرة) ومثل (فهذه نشأت الديانة) الصواب (فهذه الديانة نشأت) ومثل (شرح التفاعلات كل) الصواب شرح كل التفاعلات، ومثل (الآلة التي وتكبس) وصوابها والله أعلم (التي تضخ وتكبس).

- قال عن نيوتن (كالرسول ولد بعد وفاة أبيه)؛ وهذا تشبيه في غير محله، وكان ينبغي للمترجم أن يحذفه.

- أعجبني قوله: (ومما يؤسف له حقا أن الأناجيل يناقض بعضها بعضا) قلت: بل هو دليل على كذبها ودليل على ضعف مُنة المؤلف.

- من العجيب أنه قال عن كولمبس إنه كان نحيفا برغم أن الصورة المرسومة له تدل على سمن وضخامة.

- من تخريفات المؤلف قوله في قسطنطين الأكبر: ومن العجيب أن هذا الإمبراطور في ليلة معركته مع خصمه الأخير بالقرب من روما رأى في السماء صليبا مضيئا ومعه هذه العبارة: (باسم الصليب سوف تنتصر).

والكاتب ذو ثقافة واسعة في جميع جوانب المعرفة؛ في العلوم؛ كيمياء، وفيزياء، وفلك، وطب، وأحياء، وغير ذلك، وله شغف بتاريخ الحروب والدول والإمبراطوريات، وهذا يستلزم بالضرورة دراسة الاقتصاد والسياسة ومذاهبها وله فيها القِدْحُ المعلى، وكذلك الهندسة والرياضيات والفلسفة والمنطق ونحو ذلك، فأنا في الحقيقة متعجب من مقدرة هذا الكاتب.

صحيح أنه ضحل المعرفة العربية ولكن ليس في وسع أحد أن يعرف ثقافة الشرق والغرب وهو عندما وضع نبينا صلى الله عليه وسلم في أول القائمة لم ينظر إلى شخصه، ولو نظر لشخصه لما وضعه، وإنما وضعه لأثره البالغ وفتوحات المسلمين العظيمة، ولك أن تتصور أنه ما من إنسان في التاريخ يستطيع أن يفعل ذلك سواه هذا هو مقياس المؤلف، ولو نظر إلى أن ذلك تأييد من الله لما فعل؛ لأنه إنما يقيس قدرات بشرية ولو قدر لي أن أختار بمقاييسه لما اخترت نبيا قط.

أعترف أخيرا أنني استفدت استفادات جمة جدا من هذا الكتاب كما قال الشاعر:

ومن وعى التاريخ في صدره** أضاف أعمارا إلى عمره


والعقول وحدها لا تفعل شيئا ما لم تصقل بالتجارب، وتجربة الإنسان وحده لا تكفي، لذلك لا بد أن يأخذ الإنسان من تجارب السابقين، ويعرف سير العلماء والعظماء والحكماء والقادة والساسة والفلاسفة والأدباء وغيرهم من أهل الضلال ليعرف مذاهبهم الفاسدة فلا يكفي أن يعرف الخير، ولكن لا بد أن يعرف الشر ليجتنبه.

والحمد لله رب العالمين



أبو مالك العوضي
http://www.alukah.net/Culture/0/984/#ixzz1iLPqRmf2 (http://www.alukah.net/Culture/0/984/#ixzz1iLPqRmf2)