المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خبر الآحاد بين الظن واليقين



أهــل الحـديث
03-01-2012, 12:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




قد كنت نشرت هذا الموضوع في ملتقى المذاهب وأحب أن أشارك به في هذا الملتقى المبارك إنشاء الله

خبر الآحاد




بين الظن واليقين





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ؛ وبعد :

هذا الموضوع هو من جنس الخواطر التي كنت نشرت بعضها هنا ، ولكني أفردت حديث الآحاد لأنه موضوع مستقل بذاته ولوعدي بذلك .

واعلم أني لا أستحسن ما يصنعه كثيرون من الإغراق أولاً في تعريف الألفاظ وبيان اختلاف المعرفين ثم ما يرد على كل تعريف من غير أن يكون لذلك تعلق بأصل الموضوع الذي هو في صدده ، ويزيد عامتهم نقل الاختلافات ثم تصحيح تلك النقول ، ثم يختم البحث بحواشي مطولة ، فإذا نظرت في بحثه الذي يتكون مثلاً من نحو عشر صفحات ، وجدت الثلاث الورقات الأول في التقديم للموضوع ، والثلاث الأخيرة للحواشي والمصادر ، وأصل الموضوع ضائع في باقي الورقات الأربع بين ثنايا كلام لا علاقة له بأصل الموضوع المبحوث.

وهذا الإستعراض للعضلات أمر مستهجن في اعتقادي يدل على خواء صاحبه من العلم حقاً ، وأنه لا يحسن من العلم سوى النقل.

وإنما ذكرت هذا هنا تنبيهاً لي ولغيري ممن عساه أن يقبل.

ثم أدخل في الموضوع رأساً فأقول :

تنقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد ، نعرف كلا منهما مع أن مقصودي هو الآحاد لكون تعريف المتواتر يعين على فهمه وفهم موضع النزاع مع ابن حزم كما سيظهر لك.

الخبر المتواتر : هو الخبر الذي رواه جماعة كثيرة تحيل العادة تواطؤهم على الكذب أو توافقهم على الخطأ وكان مستندهم الحس.

ويفيد نفي تواطؤهم على الكذب أنه صدق يقيناً ، ونفي توافقهم على الخطأ أنه صواب يقيناً ، ومجموع الصدق والصواب اليقينيين هو العلم ، لأنه معرفة الشيء على ما هو عليه في الواقع.

لذا قيل في تفسير المتواتر : هو الذي روته جماعة بلغت كثرتهم بحيث تفيد العلم.

أما خبر الآحاد : فهو الذي روته جماعة لم يبلغوا من الكثرة بحيث تحيل العادة تواطؤهم على الكذب أو توافقهم على الخطأ .

ومعنى كونه العادة لم تحيل التواطؤ على الكذب ولا التوافق على الخطأ أنه محتمل للكذب أو الخطأ أو مجموع الأمرين ، وهو المراد بعدم إفادة الآحاد العلم.

وقد يقال : في هذه التعاريف مصادرة ، لأن الذي يقول بإفادة الآحاد العلم لا يسلم احتمال الآحاد الكذب أو الخطأ.

ويجاب بأن الكلام عما يفيده الخبر من جهة نفسه لا بالنظر إلى أمر خارج ، وهذا المقدار مسلم كما سيأتي.
وقد سلم ابن حزم رحمه الله بهذا القدر حيث قال : "أما احتجاج من احتج بأن صفة كل خبر واحد هي أنه يجوز عليه الكذب والوهم فهو كما قالوا" 1/87 فلم ينازع أن كل أخبار الآحاد يجوز عليها الخطأ والوهم والكذب ، وهذا يقيني وجداني ، بمعنى أن كل عاقل يجد في نفسه جوازه. لكنه استثنى رحمه الله قائلاً : "إلا أن يأتي برهان حسي ضروري أو برهان منقول نقلا يوجب العلم من نص ضروري على أن الله تعالى قد برأ بعض الأخبار من ذلك فيخرج بدليله عن أن يجوز فيه الكذب والوهم"
فشرط رحمه الله في الدليل الذي يحصل به الاستثناء أن يكون يقينياً أو ضرورياً كما عبر ، وذلك أيضاً مسلم ، فكل دليل ظني أو محتمل فهو مردود باليقين الحاصل في النفس من كون خبر الآحاد يجوز فيه الكذب والوهم ، إذ المعارف اليقينية أدلتها أو مقدماتها يقينية ، إذ لو لم تكن ذلك وتطرق إليها الاحتمال ، جاز أن تكون باطلة ، وأن يبطل مدلولها ببطلانها ، وهذا يناقض اليقين المفروض. ولا خلاف معه ـ أرجو ـ في كون اليقين مقدماته يقينية.
والله أعلم.
قال ابن حزم رحمه الله : "وقال أبو بكر بن كيسان الأصم البصري لو أن مائة خبر مجموعة قد ثبت أنها كلها صحاح إلا واحدا منها لا يعرف بعينه أيها هو قال فإن الواجب التوقف عن جميعها فكيف وكل خبر منها لا يقطع على أنه حق متيقن ولا يؤمن فيه الكذب والنسخ والغلط"
أقول : وهذا كلام متين قوي على أصول من يمنع التعبد بالظن ، وقد رام ابن حزم رحمه الله دفعه فقال : "أما قول ابن كيسان فباطل لأنه دعوى بلا دليل بل الواجب حينئذ البحث عن الخبر الواهي والمنسوخ حتى يعرف فيجتنب وإلا فالعمل واجب لأن الأصل وجوب العمل بالسنن حتى يصح فيها بطلان أو نسخ وإلا فهي على البراءة من النسخ ومن الكذب والوهم حتى يصح في الخبر شيء من ذلك فيترك لقول الله تعالى {يا أيها لذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا} ولقوله تعالى {تبعوا مآ أنزل إليكم من ربكم} ولقوله تعالى { لتبين للناس ما نزل}" 1/120

[تنبيه : نسخة الشاملة في خطأ في نقل الآيات ، حيث اقتصر في المطبوع على موضع الشاهد من الآيات ، وأوردتها نسخة الشاملة بأتم .]


أقول : كلام ابن كيسان هو في الأحاديث المائة حال عدم تَمَيُّزِ الخبر الواحد الذي لم تثبت صحته ، وليس في كلامه المنع من البحث عنه وعن مرتبته حتى يعترض به ، فحال عدم التمييز كل خبر من المائة يجوز أن يكون ذلك الخبر الواحد ، وأصل ا لبراءة لا يمنع ذلك الجواز ، فما دام جائزاً فكل خبر منها ليس بيقيني الثبوت ، فلا يصح العمل به لعدم اليقين عن من يرفض العمل بالظن كابن حزم ، واعتراضه بالآيات غير وارد على ابن كيسان ؛ لأنها عنده وعند ابن حزم وكل من رفض العمل بالظن لم تأمر بالتمسك والعمل بكل ما نُسِبَ إلى الله سبحانه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، بل بما ثبت عنه سبحانه وعن نبيه صلى الله عليه وسلم بيقين ، فلا تدخل هذه الأخبار الماء التي يجوز في كل واحدٍ منها أن يكون ذلك الخبر الذي لم تثبت صحته ، فكل واحدٍ منها قبل تميز ذلك الخبر ليس بيقيني الثبوت ، فكل واحدٍ منها ليس مأمورٌ بالتمسك به والعمل به ، بل يزعم ابن حزم أن كل ظني فنحن مأمورون بعدم التمسك به وبترك العمل به ، فيدخل في ذلك هذه الأحاديث الذي كل منها يحتمل أنه الخبر غير ثابت الصحة.
ثم اعترض ابن حزم رحمه الله على ابن كيسان بأن القرآن فيه الناسخ والمنسوخ ، وأنه وقع الاختلاف في تعيين المنسوخ من المحكم ثم قال : "فما قال مسلم قط لا ابن كيسان ولا غيره إن الواجب التوقف عن العمل بشيء من القرآن من أجل ذلك وخوفا أن يعمل بمنسوخ لا يحل العمل به بل الواجب العمل بكل آية منه حتى يصح النسخ فيها فيترك العمل بها" 1/120-121.
أقول : لم يقل أحد قط لا ابن حزم ولا ابن كيسان ولا غيرهما أن كل آية من كتاب الله فهي ملتبسة لا يعلم أمحكمة هي أم منسوخة ، ولا قالوا أن كل آية محتملة لذلك حتى يلزم ترك الجميع لكونه ظني محتمل. هذا أولاً.
وثانياً : الكلام في ثبوت النقل غير الكلام في النسخ ، فإن الآيات التي اعترض بها ابن حزم أولاً على ابن كيسان جميعها يدل بيقين على وجوب التمسك بما ثبت عن الله سبحانه ـ بشرط اليقين عند ابن حزم ـ فلا يجوز إخراج شيء منها عن هذا الحكم باحتمال النسخ ، بل متى ثبت النسخ بيقين حكمنا به ، وإلا وجب التمسك والعمل به للآيات السابقة.
أما النقل ، فإن الآيات لم تدل عند ابن حزم على التمسك بكل خبر نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم تثبت صحته ، بل لا تدل إلا على التمسك بما تيقنا صحته ، وليس هذا هو حال الأخبار المائة المذكورة ، فظهر أن ما احتج به ابن حزم على ابن كيسان هي حجج ابن كيسان على ابن حزم.
وأما قول ابن حزم : "وإلا فهي على البراءة من الكذب والوهم حتى يصح في الخبر شيئاً من ذلك فيترك"
أقول : فيما تقدم الجواب عنه ، لكن نقول : ذلك الحديث الذي لم تثبت صحته وضاع بين باقي المائة ، أهو على البراءة من الوهم والكذب ويجب العمل به أم لا؟
إن قال نعم ، لزمه العمل بكل خبر قرأناه من غير حاجة إلى الكشف عن حاله لأن أصل البراءة يشمله .
فإن قال : إنما قلنا بوجوب العمل بتلك البراءة إذا لم يتبين حال الخبر بعد الكشف والبحث .

قلنا : فكلامنا باقٍ على حاله لم يتغير منه شيء ، لأن حال ذلك الخبر بعد الكشف والبحث هو حاله قبل الكشف عنه والبحث ، فهو في الحالين غير ثابت الصحة.
سلمناه ، فيلزم أن كل خبر بحثنا عن حاله ولم يظهر لنا بعد البحث صحته أنه يجب العمل به لأصل لبراءة المذكور.
فإن قال : ذلك مختص بالحديث غير الثابت إذا اختلط بأحاديث صحيحة.
قلنا : فكلامنا باقٍ على حاله كما تقدم لأن حال الحديث بعد اختلاطه كحاله قبل اختلاطه ، إذ هو في الحالين غير معلوم الثبوت والصحة.
سلمناه ، فيلزم أنه لو اختلط حديث صحيح بألف ثبت ضعفها لكن لم نعلم أيها الصحيح أن نعمل بجميع تلك الأخبار لاحتمال أنها ذلك الخبر الصحيح ، والأصل البراءة المذكورة.
فإن قال : اختلاف النسبة يمنع منه.
قلنا : هذا جارٍ على من يعمل بالظن فإن فوائد النسب ظنية.
سلمناه : فيلزم أن من فتح كتاب الترمذي أن يعمل بكل ما رآه فيه من غير كشف لأن نسبة الصحيح فيه تفوق الضعيف كثيراً.
سلمنا أنه لا يصح ذلك إلا بعد الكشف ، فمن كشف ولم يتميز له شيء من لجهله بعلم الحديث مثلاً فيلزمه العمل بالجميع وتثبيته للأصل المذكور.
سلمنا اختصاصه بمن يحسن البحث دون من يجهل علم الحديث ، فيلزم كل من لا يحسن علم الحديث ترك العمل بالحديث رأساً ، لأنه لا يستطيع تمييز الصحيح من الضعيف.
ثم قال رحمه الله : "وقول ابن كيسان يوجب ترك الحق يقينا" 1/121
أقول : هل يلزم منه ترك الحق يقيناً حال معرفته يقيناً أم حال عدم العمل اليقيني به ؟
أما الأول فليس بقوله ، فإنه صرح بأن الترك هو حال احتمال أن يكون كل خبر من المائة هو ذلك الذي لم تثبت صحته ، فلا يقين حال الترك.
أما الثاني ، فلا يضر لأنه المأمور به في الكتاب والسنة عند ابن حزم ، أي ما دام محتملاً فهو ظني منهي عن اتباعه ، ولو جاز في نفس الأمر أن يكون صحيحاً.
فترك العمل بالحق كان من أجل قيام المانع الشرعي من العمل به ، ولم يكن عن هوى لابن كيسان في بطر الحق ورده.
قال ابن حزم "ولا فرق بين ترك الحق يقينا وبين العمل بالباطل يقينا وكلاهما لا يحل"
أقول : هذا يقع فيه كل مسلم ولا يضره ما دام غير متبع في شيء من ذلك لهواه.
وقد يستعظم القارئ ابتداءً هذا القول ، لكن نبينه بأن نقول : ما من مجتهد إلا ويقع منه الخطأ والصواب حتى ابن حزم ، ثم ذلك الخطأ قد يكون نفياً لحق أو عملاً بباطل في نفس الأمر ، ولا شك أنه واقعٌ فيهما أو في أحدهما ، غير أنه معذور إذ فرضه العمل بما أداه إلى اجتهاده.
فكذلك نقول في ابن كيسان.
والله أعلم.
يتبع ...


الموضوع الاصلي: خبر الآحاد بين الظن واليقين (http://www.feqhweb.com/vb/t12265.html), الكاتب: وضاح أحمد الحمادي (http://www.feqhweb.com/vb/member.php?u=1966), الموقع: الملتقى الفقهي (http://www.feqhweb.com/vb/index.php)