المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماهي حدود وجوب الالتزام بالقوانين والأنظمة الوضعية غير المخالفة للشرع؟



أهــل الحـديث
02-01-2012, 01:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أحبتي في الله لا يخفى عليكم مدى أهمية القوانين والأنظمة الوضعية الإدارية التي تنظم شؤون الناس كأنظمة المرور والسكن والزراعة واستقدام العمال وغيرها كثير ومن هذا المنطلق وجب علينا فقه التعامل مع هذه الأنظمة فمثلاً هل هذه القوانين بمنزلة واحدة في الحكم الشرعي ؟وهل هذه الأنظمة يجب العمل بها دائماً وأبدا؟
وما حكم التهرب من بعض القوانين التي تدخل الحرج والمشقة علينا؟وهناك أسئلة كثيرة تواجهنا كل يوم في هذا الباب .
وبناءً على هذا فأنا أسأل إخواني الأعضاء هل يوجد أحد منكم يدلني على كتاب أو مقال أو رسالة جامعة مانعة تبحث مسائل هذا الباب بعمق ؟وإذا كان يوجد فدلوني عليه؟
لمزيد من الفائدة قد حاولت أن أكون تصور وفقه لهذا الباب وخرجت بهذا الملخص التالي:

حكم الالتزام بالقوانين والأنظمة الوضعية:
اعلم أن القوانين الوضعية ليست على حالة واحدة من جهة الالتزام بها وعدم الالتزام بها، فمنها ما يجب الالتزام به ولا تجوز مخالفته وهو ما تتحقق به مصلحة، ولا يناقض شرع الله تعالى كقوانين المرور ونحو ذلك ، ومنها ما لا يلزم الالتزام به بل وتجوز مخالفته، ولكن إن خاف المسلم أن توقعه هذه المخالفة في الحرج فلا ينبغي له أن يذل نفسه.
وذلك أن تلك القوانين إنما هي من المصالح المرسلة التي يراعيها الإمام، فتجب طاعته فيها للمصلحة المظنونة في التزامها والمفسدة المتوقعة عند عدم ذلك، وقد نص العلماء على أن لولي الأمر تقييد المباح كالبيع والشراء والإجارة، إذا كان في ذلك مصلحة عامة، فلا ينبغي مخالفة هذه الأنظمة ما دامت تصب في مصلحة البلاد؛ وإلا فالأصل الإباحة.
وليعلم أن العبرة في اعتبار الشارع للمصلحة والمفسدة إنما هي بغلبة الظن،والغالب أن مخالفة الناس لهذه القوانين قد يحدث بسببها ضرر، إما عليه، وإما على غيره، كما أن الرجوع في ذلك إلى اجتهاد الناس لا ينضبط، لاختلاف أحوالهم وتقديراتهم.
وتلك القوانين وإن لم يترتب على الالتزام بها مفاسد أحياناً فذلك نادر، والنادر لا حكم له، إنما الحكم للغالب، ودرء المفسدة أولى من جلب المصلحة؛ كما هو مقرر في القواعد الفقهية، فيجب الالتزام بتلك القوانين والظاهر أنه قد يأثم من خالفها، ويضمن إن ترتب على ذلك جناية على الغير.
وعليه، فإن مراعاة المصلحة الغالبة العامة مقدمة على المصلحة المظنونة الخاصة، فالتزام الأنظمة والقوانين حينئذ واجب، خصوصاً ما كان مظنة الضرر، وإن كان أحياناً لا ضرر فيه.
إلا أن ما قررناه لا ينفي أن القوانين والأنظمة تختلف في ذلك حسب قوة المصلحة ومظنة المفسدة، فبعضها ليس مثل بعض فحكم الالتزام بالقوانين والأنظمة التي يترتب على خرقها فوات مصالح كبرى أو وقوع مفاسد كبرى لا تصل إلى حكم الالتزام بالقوانين والأنظمة التي هي دون ذلك ، وإن كان الأولى للمسلم هو الالتزام بذلك كله وعدم تجاوزه حتى لا يذل نفسه ويهينها بالمساءلة، ودفع الغرامات وهو مسؤول عن حفظ ماله، فلا ينبغي أن يعرضه للإتلاف بذلك , إذ لا يجوز للمسلم أن يعرض ماله للخطر من غير حاجة ، لأن وجوب حفظ المال من الأمور المجمع عليها. وعليه، فإذا قررت الدولة بعض العقوبات المالية على مخالفة بعض الأنظمة فلا ينبغي مخالفتها في الأمر، لما فيها من تعريض المال للتلف والمصادرة، وتعريض النفس للإذلال والإهانة، سواء كانت أنظمة الدولة لها وجه شرعي كالمحافظة على مصلحة عامة ، أو لم يكن له وجه شرعي.
وهنا مسألة مهمة وهي متى يجوز للمسلم التهرب من الأنظمة والقوانين والتحايل عليها؟
يجوز للمسلم التهرب من الأنظمة والقوانين والتحايل عليها دفعاً للضرر عن نفسه بقدر المستطاع إذا كانت هذه الأنظمة والقوانين غير شرعية أي لم يكن لها مصلحة شرعية معتبرة عامة ، وإنما الدافع إلى تنظيمها هو المصالح الشخصية أو مصالح غير شرعية فحينئذ لا حرج في التهرب والتحايل على الأنظمة والقوانين والحال هكذا, أما إن كانت هذه الأنظمة والقوانين لمصلحة شرعية معتبرة فلا يجوز التحايل والتهرب منها.
وبتعبير آخر نقول إذا كانت هذه القوانين والأنظمة غير شرعية فلا حرج في التحايل عليها والتهرب منها , لأنها في الأصل ظلم, وقد أجاز أهل العلم للمظلوم أن يدفع عنه الظلم بالكذب ونحوه إذا لم يجد سبيلاً لدفع الظلم إلا ذلك.
أما إذا كانت هذه القوانين شرعية فلا يجوز التحايل عليها.
مسألة أخرى متى يسقط وجوب الالتزام بالقوانين والأنظمة الشرعية؟
لا شك أن الأصل هو وجوب الالتزام بقوانين وأنظمة الدولة التي لا تخالف الشرع، لأن هذه القوانين ما وضعت إلا لتحقيق مصلحة الناس ودرء الخطر والشر عنهم، ولكن إذا اضطر المسلم ضرورة ملجئة لمخالفتها فلا حرج عليه في ذلك، فإن الضرورات تبيح المحظورات كما هو معلوم، والأصل في ذلك قول الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119}. ونحو ذلك من الآيات.
وبناء على ذلك، فإذا اضطررت فلا حرج عليك بخرق هذه القوانين ولكن بشرط أن تكون بالقدر الذي تندفع به ضرورتك.
تنبيه مهم : القوانين والأنظمة الوضعية كأنظمة المرور لا تدخل تحت باب الحكم بغير ما أنزل الله كما قرر أهل العلم، وإنما هي نظام إداري، فإذا كانت لا يترتب عليها تحليل ما حرم الله ولا تحريم ما أحل الله ولا مخالفة الشرع فيجب التقيد بها، قال الإمام الشنقيطي -رحمه الله-: اعلم أنه يجب التفصيل بين النظام الوضعي الذي يقتضي تحكيمه الكفر بخالق السموات والأرض، وبين النظام الذي لا يقتضي ذلك.
وإيضاح ذلك: أن النظام قسمان: إداري وشرعي:
أما الإداري الذي يراد به ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع، فهذا لا مانع منه، ولا مخالف فيه من الصحابة فمن بعدهم، وقد عمل عمر رضي الله عنه من ذلك أشياء كثيرة ما كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ككتبه أسماء الجند في ديوان لأجل الضبط، ومعرفة من غاب ومن حضر، كما قدمنا إيضاح المقصود منه في سورة بني إسرائيل في الكلام على العاقلة التي تحمل دية الخطأ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، ولم يعلم بتخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك إلا بعد أن وصل تبوك صلى الله عليه وسلم، وكاشترائه -أعني عمر رضي الله عنه- دار صفوان بن أمية وجعله إياها سجناً في مكة، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يتخذ سجناً هو ولا أبو بكر رضي الله عنه.
فمثل هذا من الأمور الإدارية التي تفعل لإتقان الأمور مما لا يخالف الشرع لا بأس به، كتنظيم شؤون الموظفين، وتنظيم إدارة الأعمال على وجه لا يخالف الشرع، فهذا النوع من الأنظمة الوضعية لا بأس به، ولا يخرج عن قواعد الشرع من مراعاة المصالح العامة.