المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السَّلَف



أهــل الحـديث
01-01-2012, 10:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




معنى "السَّلَف"لُغةً:

قال ابن فارس: ((سلف، السينواللام والفاء، أصل يدل على تقدُّم وسَبْق، مِن ذلك السلف الذين مضوا، والقومالسُلاَّف: المتقدمون)) [معجم مقاييس اللغة لابن فارس (3/95)].

وقد استُعمِلت كلمة"سلف" في القرآن للدلالة على نفس المعنى، وهو التقدُّم والسبق في الزمن.

قال تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِالْخَالِيَةِ﴾ [الحاقة:24]،أي: قدَّمتم في الدنيا.

وقال تعالى: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلآخِرِينَ﴾ [الزخرف:56]، أي: قوماً سابقين مَن جاء بعدهم، وقيل:عظةوعبرة لمن يأتي بعدهم. [لسان العرب لابن منظور(6/331)،وتفسير ابن كثير (4/131)، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي (6/654)].

وقال تعالى: ﴿فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ [البقرة:275]، أي: سبق وتقدَّم.

وقال تعالى: ﴿عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ﴾ [المائدة:95]، وقال جلَّ ذكره: ﴿ يُغْفَرْ لَهُمْمَا قَدْ سَلَفَ﴾[الأنفال:38].

كما اسُتْعمِلَت كلمة"سلف" في السُّنَّة للدلالة على نفس المعنى السابق.

ومِن ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها: ((ونِعْمَالسَّلَف أنا لكِ)) [رواه البخاري (6285)، ومسلم (2450)].وقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضى الله عنه: ((أسلمتَ على ما سَلَفَ مِن خيرٍ)) [رواه البخاري (1436)،ومسلم (123)].


معنى"السَّلَف" اصطلاحاً:

في اصطلاح علماء العقيدة يُطلق"السَّلَف" على الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان وتابعيهم،وأئمة الإسلام العُدُول، ممَّن اتفقت الأُمَّة على إمامتهم وعِظم شأنهم في الدين،وتلقَّى المسلمون كلامهم خَلَفَاً عن سَلَفٍ بالقبول، دون مَن رُميَ ببدعة، أو لَقَبٍغير مَرْضي؛ كالخوارج، والرافضة، والناصبة، والقدرية، والمرجئة، والأشعرية،والمعتزلة، والجهمية، ونحوهم.. ومذهب السلف هو طريقهم في الاعتقاد المنسوب إليهم [لوامع الأنوارللسفاريني (1/20)، والأسئلة والأجوبة الأصولية لمحمد عبدالعزيز السلمان (ص11و12)].

وقال الشيخ أحمد بن حجر آلبوطامي: ((وعلى ذلك فالمراد بمذهب السَّلف: ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان اللهعليهم، والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، وأتباعهم، وأئمة الدين ممن شُهِد لهبالإمامة، وعُرِف عظيم شأنه في الدين، وتلقَّى الناسُ كلامهم خَلَفَاً عن سَلَفٍ،كالأئمة الأربعة، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وابن المبارك، والنخعي، والبخاري،ومسلم، وسائر أصحاب السُّنَن، دون مَن رُمِيَ ببدعة، أو شُهِّر بلقبٍ غير مرضي،مثل: الخوارج، والروافض، والمرجئة، والجبرية، والجهمية، والمعتزلة)) [العقائد السلفيةبأدلتها العقلية والنقلية لأحمد بن حجر آل بوطامي (ص11)].

فالسَّلف إذن مصطلحٌ يُطلَق على المتقدمين مِن الصحابة والتابعين وتابعيهم،وهُم المذكورون في حديثه صلى الله عليه وسلم: ((خيرُكم قرني، ثم الذين يلونهم، ثمالذين يلونهم)) [رواه البخاري (6695)، ومسلم (2535) مِن حديث عِمران بنحُصَيْن رضي الله عنه].

ومذهب السَّلَف هو مذهب الصحابة الكرام، والتابعين وتابعيهم مِن الأئمةالمذكورين المشهورين.

ثم إنَّ كل مَن التزم بعقائد وأصول هؤلاء الأئمة كان منسوباً إليهم، وإنْباعدت بينه وبينهم الأماكن والأزمان، وكل مَن خالفهم فليس منهم، وإنْ عاش بينأظهرهم وجمعه بهم نفس المكان والزمان.

ويشهد لذلك قول الأوزاعي: ((كتب إليَّ قتادة مِن البصرة: إنْ كاتت الدارفَرَّقَتْ بيننا وبينك، فإنَّ أُلفة الإسلام بين أهلها جامعةٌ)) [سِيَر أعلامالنبلاء للذهبي (ج7/ص121)].

ويقول الدكتور محمود خفاجي:((وليس التحديد الزمني كافياً في ذلك؛ بل لا بد أنْ يُضاف إلى هذا السبق الزمنيموافقة الرأي للكتاب والسُّنَّة وروحهما، فمَن خالف رأيُه الكتاب والسُّنَّة فليسبسلفي، وإنْ عاش بين أظهُر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين)) [العقيدة الإسلاميةبين السلفية والمعتزلة للدكتور محمود خفاجي (ص21)].

ويشهد لهذا: قولُ أبي عبدالله النَّباجي الزاهد: ((أصلُ العلِم خمسُ خصالِ: أولها: الإيمان بالله،والثانية: معرفة الحق، والثالثة: إخلاص العمل، والرابعة: أنْ يكون مَطعم الرجل مِنحلال، والخامسة: أنْ يكون على السُّنَّة والجماعة. فلو أنَّ عبداً آمن بالله عزوجل وأخلص نيته لله وعرف الحق على نفسه وكان مطعمه مِن حلال ولم يكن مِن السُّنَّةوالجماعة لم ينتفع مِن ذلك بشيء)) [حلية الأولياء لأبي نُعَيم(ج9/ص310)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (ج7/ص217 والسياق له، وجامع العلوم والحِكَملابن رجب (ج1/ص263)].

فالعبرة بالتزام السُّنَّةوالجماعة بغض النظر عن المكان والزمان.


((ولقد بدأت الحاجة إلى الانتسابللسلف حين تفرقت الأُمَّة الإسلامية، وتعددت الاتجاهات الفكرية فيها حول أصولالدين، مما دعا علماء الأُمَّة الأثبات وأساطينها الأعلام، لتجريد أنفسهم لتلخيصوترتيب الأصول العظمى والقواعد الكبرى للاتجاه السلفي، والمعتقد القرآني النبوي،ومِن ثَمَّ نسبته إلى السلف الصالح؛ لقطع الباب على كل مَن ابتدع بدعة اعتقاديةوأراد نسبتها إليهم، حتى كانت بالنسبة إلى السلف رمزاً للافتخار، وعلامة علىالعدالة في الاعتقاد، مما يدل على أنَّ النسبة إلى السلف لم تكن بدعةً لفظية، ولامجرد اصطلاح كلامي، لكنه حقيقة شرعية ذات مدلول محدد؛ ولذلك لم تؤصل قواعده، ولمتحرر مواده، إلا بقيام الحاجة في الأُمَّة لبيان متكامل الصورة عما كان عليه أهلالقرون المُفَضَّلة المشهود لهم بالعدالة مِن طريقة عقدية وسيرة توحيدية)) [نظرية شيخالإسلام في السياسة والاجتماع للمستشرق الفرنسي لاووست (ص32)].

ويبدو جلياً مِن هذهالدراسة الاصطلاحية الشرعية لمدلول كلمة السلف، أنَّ هذا المصطلح يلتقي مع مصطلحأهل السُّنَّة والجماعة، وأهل الحديث، والفرقة الناجية، والطائفة المنصورة.

فالسلف هم أهل الحديث كماساهم بذل كثير مِن الأئمة وصدَّروا مؤلفاتهم بذلك، مثل كتاب "عقيدة السلفأصحاب الحديث" للإمام إسماعيل الصابوني.

والسلف هم الفرقة الناجية،والطائفة المنصورة، لأنهم الصحابة ومَن تابعهم مِن التابعين وتابعيهم.

والسلف هم أهل الأثر، وهمأهل الاتِّباع، لأنَّ مِن طريقتهم ((اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلمباطناً وظاهراً، واتباع سبيل السابقين الأولين مِن المهاجرين والأنصار، واتباعوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "عليكم بسُنَّتي، وسُنَّةالخلفاء الراشدين مِن بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتالأمور، فإنَّ كل بدعة ضلالة"[منهاج السنة النبوية لابن تيمية(4/164)])) [شرح العقيدةالواسطية لمحمد خليل هراس (ص79-180)].


وما زال أهل السُّنَّة ومابرحوا يستدلون على عقائدهم بالكتاب والسُّنَّة، فإنْ لم يجدوا فبما ثبت عن السلفالصالحين، مِن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وبهذا كانوا يتواصون ويوصون.

قال الأوزاعي: ((عليك بآثارمَن سلف وإنْ رفضك الناس)) [الشريعة للآجري (ص102)، وصححهالألباني في مختصر العلو (ص138)].

وقال: ((... واسلك سبيل سلفالصالح فإنه يسعك)) [شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة للالكائي(ج1/ص154)].

والإمام ابن كثير ينهج هذاالنهج عند تفسير قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف:54]، يقول: ((فللناس في هذا مقالات كثيرةٌ جداً، ليس هذا موضعبسطها، وإنما يُسلَك في هذا المقام مذهب السلف الصالح، مالِك، والأوزاعي، والثوري،والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحق...)) [تفسير القرآنالعظيم لابن كثير (ج2/ص221)].

والإمام الذهبي يقول في مقدمةكتابه "العُلُو للعلي العظيم": ((فإنْ أحببتَ يا عبد الله الإنصاف، فقِفمع نصوص القرآن والسُّنَّة، ثم انظر ما قاله الصحابة والتابعون وأئمة التفسير فيهذه الآيات، وما حكوه مِن مذاهب السلف، فإما أنْ تنطق بعِلم، وإما أنْ تسكتبعِلم)) [العُلُو للعلي العظيم للذهبي (ص16)].


وعلى هذا فإنَّ الدعوة إلىاتباع السلف إنما هي دعوة إلى الإسلام والسُّنَّة، ولا غضاضة في ذلك.

قال شيخ الإسلام: ((لا عيبعلى مَن أظهر مذهب السلف، وانتسب إليه، واعتزى إليه؛ بل يجب قبول ذلك منه، فإنَّمذهب السلف لا يكون إلا حقاً)) [مجموع الفتاوى (ج4/ص149)].


وأخيراً فإنَّ مصطلحَيْن كـ"أهل الأثر" أو "أهل الجماعة" يُطلقان أيضاً –بقِلَّة- ويُرادبهما أهل الحديث وأهل السُّنَّة والجماعة، وقد وقعا في كلام السلف أيضاً.

فمِن الأول قول أبي حاتمالرازي: ((مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعينومَن بعدهم بإحسان، والتمسك بمذهب أهل الأثر مثل أبي عبد الله أحمد بن حنبل)) [شرح أصول اعتقادأهل السُّنَّة والجماعة للالكائي (ج1/ص180)].

ومِن الثاني قول ابنالمبارك حين سُئِل عن الجماعة، فقال: ((أبو بكر وعُمَر، قيل له: قد مات أبو بكروعُمَر، قال: فلان وفلان، قيل له: قد مات فلان وفلان، فقال: أبو حمزة السكري جماعة)) [الجامع الصحيح للترمذي (ج4/ص466)].


كتبه: فضيلة الشيخ د. محمديسري إبراهيم

مِن كتاب: طريق الهداية –مباديء ومقدمات علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة