المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفريغ محاضرة جنة الرضا في التسليم لما قدر وقضي للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله



أهــل الحـديث
28-12-2011, 04:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم
جنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى
للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

إنَّ الحمد لله نحمده َ وَنَسْتَعِيْنُ بِهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوْذُ بِاللَّهِ تَعَالَىْ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِىَ الْلَّهُ تَعَالَىْ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا الَلّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ
أَمَّا بَعْــــدُ .........
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيْثِ كِتَابُ الْلَّهِ تَعَالَي وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّيْ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ ، وَشَرِّ الْأُمُورَ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدَعِهِ وَكُلْ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِيْ الْنَّارِ الْلَّهُمَّ صَلّىِ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِ مُحَمِّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَىَ آَلِ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْعَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ ، وَبَارِكْ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِ مُحَمِّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَىَ إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَىَ آَلِ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْعَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ
كل إنسان مبتلى ولكن ببلاء مختلف عن الآخر:إن الله تعالى كتب الابتلاء علىكل فرد فلا ينجو منه أحد ، لكن يبتلى كل إنسان ببلاء يخالف بلاء الرجلالآخر ، لكن لا يمضي رجل أبدًا - سواء من المؤمنين أو الكافرين - إلا وقدابتلي في الدنيا ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسم لأصحابه خطًا مربعًا ،ثم مد خطًا من داخل المربع فتجاوز المربع ، ثم رسم خطوطًا قصارًا في داخلالمربع ، وحول هذا الخط الطويل ثم أشار إلى المربع وقال - عليه الصلاةوالسلام- :« هذاأجل ابن آدم محيط به » ، ثم أشار إلى الخط الطويل وقال: « هذا أمله » -أي: أنأمله يحتاج إلى أضعاف عمره - ثم أشار إلى الخطوط القصار حول هذا الخطالطويل وقال: « هذه الأعراض إذا نجا من عرض نهشه الآخر » ،يعني: أن الإنسان في الدنيا لا ينفك أبدًا عن عرض يعرض له وعن فتنة تلابسه .
من فوائد البلاء:إن أعظم منافع التعرض للبلاء هو أنه يجعل القلب قويًا ؛لأن القلب إنمايستمد مادة حياته من البلاء ؛ ولذلك اختار الله - عز وجل - البلاء لأوليائهوأنبيائه ، ترى هل يترك الله - عز وجل - أولياءه يتخبطون في الأرض ؟! لماذا يخرج موسى خائفًا يترقب ؟ ، لماذا يخرج نبينا - صلى الله عليه وسلم- ويختبئ في الغار ؟ ، لماذا يدال على دولة المؤمنين كثيرًا وهم أولياء الله - عزوجل - ؟! لأن القلب يستمد حياته من المحن ، ولذلك تجد أضعف الناس قلوبًا هم أهلالترف ، أما أهل الابتلاء فهم أقوى الناس قلوبًا .
العبد يوم القيامة يوزنعند الله - عز وجل - بقلبه لا بجسمه :قال إبراهيم - عليه السلام:- ﴿ وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾( الشعراء:87-89) ، وصعدعبد الله بن مسعود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=452&ftp=alam&id=1000013&spid=452) -رضي الله عنه - يومًا إلى شجرة ، فنظر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه وتضاحكوا فقال عليه الصلاة والسلام:« ما يضحككم ؟ » ، قالوا: يا رسول الله ! نضحك من دقة ساقيه - وكانابن مسعود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=452&ftp=alam&id=1000013&spid=452) ضعيفًا شديد الضعف ، بحيث أن الرياح إذا هبت كانت تكفئه ، فلما صعد إلىالشجرة رأوا دقة ساقيه فتضاحكوا، فقال النبي - عليه الصلاة والسلام -:« والذينفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد » ؛ ذلك لأن الله - عز وجل - يزن العباديوم القيامة بقلوبهم .
أيوب - عليه السلام - أنموذج في الصبر على الابتلاء:وعندنا نماذج كثيرة من صور المبتلين: أول هؤلاء المبتلين وأشهرهم هو: أيوب - عليه السلام - ، زكاه ربه - سبحانه وتعالى - فقال: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾(ص:44) ، وقد روىابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=452&ftp=alam&id=1000030&spid=452) والإمامأحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=452&ftp=alam&id=1000017&spid=452) في مسنده قصة أيوب على لسان الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، فقال:« لبثأيوب في بلائه ثمانية عشر عامًا ، فرفضه القريب والبعيد غير أخوين له ، وذاتيوم كانا يجلسان عنده ، فلما قاما وهما بالانصراف قال أحدهما للآخر: تعلمأن أيوب أصاب ذنبًا عظيمًا ؟ قال: ولم ؟ ، قال: لأن الله ابتلاه منذ ثمانيةعشر عامًا ما رفع عنه ، قال: فلم يتمالك هذا الرجل الآخر إلا أن رجع إلىأيوب - عليه السلام - ، فرجع إليه وقال له: إن أخي يقول: إنك ارتكبت ذنبًاعظيمًا ، وإلا فلماذا لم يرفع عنك الله البلاء حتى الآن ؟ فقال أيوب - عليهالسلام -: أنا لا أعرف شيئًا من ذلك ، غير أني كنت إذا سمعت الرجل يحلف ،فأخاف أن يحنث فأرجع إلى بيتي فأكفر عنه » ، هذا هو الذي يذكره أيوب - عليهالسلام - وهذه هي عادة المؤمنين ، يكرهون أن يحنث في اسم الله العظيم ، قديكذب نفسه لكن لا يتحمل أن يحنث في اسم الله ، كما روىمسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=452&ftp=alam&id=1000007&spid=452) في صحيحه من حديثأبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=452&ftp=alam&id=1000002&spid=452) - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:« أبصر عيسى - عليه السلام - رجلًا يسرق ، فقال له: أتسرق ؟ فقال الرجل: والله ما سرقت ، فقال عيسى - عليه السلام -: آمنت بالله وكذبت بصري » ، تكذيب نفسه أهون عنده من أن يحنث في اسم الله العظيم .
وقد ذكرابن عبد البر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=452&ftp=alam&id=1000529&spid=452) -والعهدة عليه في تصحيح هذا الخبر - قال: روينا بأسانيد صحيحة أن عبد الله بن رواحة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=452&ftp=alam&id=1000175&spid=452) وهو شاعر النبي - عليه الصلاة والسلام- رأته امرأته يطأ جارية له ، فغارتوجاءت بسكين ، وقالت له: فعلت وفعلت ، قال: ما فعلت ؟ قالت: إن كنت صادقًا فاقرأ شيئًا من القرآن ، فأنشدعبد الله بن رواحة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=452&ftp=alam&id=1000175&spid=452) -والمرأة ما كانت تحفظ القرآن-:
شهدت بأن وعد الله حــق * وأن النار مثوىالكافرين
وأن العرش فوق الماء طـاف * وفوق العرش رب العالمين
وتحـملهملائـكـة غـلاظ * مـلائكة الإلـه مسومين
فألقت المرأة بالسكين وقالت المرأة: آمنت بالله وكذبت بصري،هكذا فإن العبد المؤمن يكره أن يحنث في اسم الله العظيم ، يكذب نفسه ويكذبعينه ويكره أن يحنث في اسم الله ،كذلك فعل أيوب - عليه السلام - قال:« كنت أسمع الرجل يحلف فأكره أن يحنث في اسمالله» ، فكان يرجع إلى بيته فيكفر عنه .
ثم إن الله - تبارك وتعالى - امتن علىأيوب - عليه السلام - فقال له - تبارك وتعالى:-﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾(ص:42) ، فامرأته رجعت إليه فوجدت رجلًا صحيحًا معافىً ، فقالت له: أي بارك اللهفيك ! أما رأيت نبي الله أيوب ذاك الرجل المبتلى ؟ قال: هو أنا ، وهكذا فإنالله - تبارك وتعالى - منَّ عليه وملأ خزائنه ورضي عنه » ،وفي الصحيحين: « أنأيوب - عليه السلام - كان يغتسل عريانًا ، فجاء فخذ جراد من ذهب فجعل يحثو فيثوبه ، فقال الله - عز وجل - له: يا أيوب! أو لم أكن أغنيتك ؟ قال: يا رب ! لاغنى لي عن بركتك » ،فكان أيوب - عليه السلام - سيد الصابرين ، وضرب الله - عز وجل - به المثل في القرآن كثيرًا ، قال - صلى الله عليه وسلم -:« كذلك نحن معاشر الأنبياء نبتلى ثم تكون العاقبة لنا ».
إن المهم بالنسبة للعبد المبتلى هو سلامة القلب :فلا يضرك ما فاتك من جارحتك إذا سلم قلبك ، ما كان عند أيوب - عليه السلام - إلا قلبًا ، حتى إن أحاديث الإسرائيليات التي وردت في قصة أيوب فيها رواياتتقول: إن أيوب - عليه السلام - كان الدود يرعى في جسمه ، لكنه ما ضره ما فاتهمن جارحته إذ سلم قلبه ، فلا تنظر إلى جارحتك ، فأنت لا تدري لعل الله - تباركوتعالى - إن تركك صحيحًا كنت من العصاة ، فالعجز عن معصية الله نعمة .
وهنا تحضرني قصة كنت أحد أطرافها ، وملخصها: أن طفل صغيرًا عمره تسع سنوات ،ولد وفي قلبه ثقب ، ثم إن هذا الثقب أثر فيه فكان معاقًا من أطرافهالأربعة ثم عرضنا أمر هذا الطفل الصغير على بعض أهل الخير فتبرع بكرسيوتبرع بدفع نفقات جلسات كهرباء لهذا الولد الصغير ، بدأ الطفل في رحلةالعلاج ، وسبحان الذي برأه وأعاده مرة أخرى إلى صحته بعد حوالي سبع سنوات! وقف هذا الطفل على رجليه واسترد عافيته ، وحين شب صار يعمل في الأعمالاليدوية الشاقة ، سافر هذا الشاب إلى العراق من نحو عشر سنوات أو أكثر ،ولما ذهب هناك ما ترك معصية إلا فعلها ، فعل كل شيء ؛ زنى فأدمن الزنا ، وشربالخمر فأدمن شرب الخمر ، ثم رجع مرة أخرى وهو يجر أذيال خيبته ، ومن حينهاما استقام ، وهو حتى الآن لا يصلي! ، فلو بقي عاجزًا ألم يكن ذلك نعمة له ؟ .
فالله - تبارك وتعالى - يبتلي بالشروالخير ، لكن أحسن الظن بربك ، قل: إن الله اختار لي ما فيه الخير ، فلو كنتصحيحًا قد لا أكون طائعًا ، قد لا أكون ممتثلًا ، فإذا أحسنت الظن بالله -تبارك وتعالى - ضمن لك سلامة قلبك: فلا تظنن بربك ظن سوء فإن الله أولىبالجميل .