المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سبحان الله .. ما أعذبها من كلمات



أهــل الحـديث
26-12-2011, 07:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



(ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم). .
في هذه الآية الثانية من السورة صورة من صور قدرة الله التي ختم بها الآية الأولى .
وحين تستقر هذه الصورة في قلب بشري يتم فيه تحول كامل في تصوراته ومشاعره واتجاهاته وموازينه وقيمه في هذه الحياة جميعاً .
إنها تقطعه عن شبهة كل قوة في السماوات والأرض وتصله بقوة الله .
وتيئسه من مظنة كل رحمة في السماوات والأرض وتصله برحمة الله .
وتوصد أمامه كل باب في السماوات والأرض وتفتح أمامه باب الله .
وتغلق في وجهه كل طريق في السماوات والأرض وتشرع له طريقه إلى الله .
ورحمة الله تتمثل في مظاهر لا يحصيها العد ;
ويعجز الإنسان عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها في ذات نفسه وتكوينه , وتكريمه بما كرمه ; وفيما سخر له من حوله ومن فوقه ومن تحته ; وفيما أنعم به عليه مما يعلمه ومما لا يعلمه وهو كثير

ورحمة الله تتمثل في الممنوع تمثلها في الممنوح .
ويجدها من يفتحها الله له في كل شيء ,
وفي كل وضع ,
وفي كل حال ,
وفي كل مكان . .
يجدها في نفسه ,
وفي مشاعره ;
ويجدها فيما حوله ,
وحيثما كان ,
وكيفما كان .
ولو فقد كل شيء مما يعد الناس فقده هو الحرمان . .
ويفتقدها من يمسكها الله عنه في كل شيء ,
وفي كل وضع ,
وفي كل حالة ,
وفي كل مكان .
ولو وجد كل شيء مما يعده الناس علامة الوجدان والرضوان !
وما من نعمة - يمسك الله معها رحمته - حتى تنقلب هي بذاتها نقمة .
وما من محنة - تحفها رحمة الله - حتى تكون هي بذاتها نعمة . .
ينام الإنسان على الشوك - مع رحمة الله - فإذا هو مهاد .
وينام على الحرير - وقد أمسكت عنه - فإذا هو شوك القتاد .
ويعالج أعسر الأمور - برحمة الله - فإذا هي هوادة ويسر .
ويعالج أيسر الأمور - وقد تخلت رحمة الله - فإذا هي مشقة وعسر .
ويخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هي أمن وسلام .
ويعبر بدونها المناهج والمسالك فإذا هي مهلكة وبوار !

ولا ضيق مع رحمة الله .
إنما الضيق في إمساكها دون سواه .
لا ضيق ولو كان صاحبها في غياهب السجن , أو في جحيم العذاب أو في شعاب الهلاك .
ولا وسعة مع إمساكها ولو تقلب الإنسان في أعطاف النعيم , وفي مراتع الرخاء .
فمن داخل النفس برحمة الله تتفجَّر ينابيع السعادة والرضا والطمأنينة .
ومن داخل النفس مع إمساكها تدب عقارب القلق والتعب والنصب والكد والمعاناة !
هذا الباب وحده يفتح وتغلق جميع الأبواب ,
وتوصد جميع النوافذ , وتسد جميع المسالك . .
فلا عليك .
فهو الفرج والفسحة واليسر والرخاء . .
وهذا الباب وحده يغلق وتفتح جميع الأبواب والنوافذ والمسالك فما هو بنافع .
وهو الضيق والكرب والشدة والقلق والعناء !
هذا الفيض يفتح ,
ثم يضيق الرزق .
ويضيق السكن .
ويضيق العيش ,
وتخشن الحياة ,
ويشوك المضجع . .
فلا عليك .
فهو الرخاء والراحة والطمأنينة والسعادة .
وهذا الفيض يمسك .
ثم يفيض الرزق ويقبل كل شيء .
فلا جدوى .
وإنما هو الضنك والحرج والشقاوة والبلاء !
المال والولد , والصحة والقوة , والجاه والسلطان . .
تصبح مصادر قلق وتعب ونكد وجهد إذا أمسكت عنها رحمة الله .
فإذا فتح الله أبواب رحمته
كان فيها السكن والراحة
والسعادة والاطمئنان .
يبسط الله الرزق - مع رحمته -
فإذا هو متاع طيب ورخاء ;
وإذا هو رغد في الدنيا وزاد إلى الآخرة .
ويمسك رحمته ,
فإذا هو مثار قلق وخوف ,
وإذا هو مثار حسد وبغض ,
وقد يكون معه الحرمان ببخل أو مرض , وقد يكون معه التلف بإفراط أو استهتار .
ويمنح الله الذرية - مع رحمته -
فإذا هي زينة في الحياة ومصدر فرح واستمتاع ,
ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح الذي يذكر الله .
ويمسك رحمته
فإذا الذرية بلاء ونكد وعنت وشقاء ,
وسهر بالليل وتعب بالنهار !
ويهب الله الصحة والقوة - مع رحمته -
فإذا هي نعمة وحياة طيبة ,
والتذاذ بالحياة .
ويمسك نعمته
فإذا الصحة والقوة بلاء يسلطه الله على الصحيح القوي ,
فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسم ويفسد الروح ,
ويدخر السوء ليوم الحساب !
ويعطي الله السلطان والجاه - مع رحمته -
فإذا هي أداة إصلاح ,
ومصدر أمن ,
ووسيلة لادخار الطيب الصالح من العمل والأثر .
ويمسك الله رحمته
فإذا الجاه والسلطان مصدر قلق على فوتهما ,
ومصدر طغيان وبغي بهما , ومثار حقد وموجدة على صاحبهما لا يقر له معهما قرار , ولا يستمتع بجاه ولا سلطان ,
ويدخر بهما للآخرة رصيداً ضخماً من النار !
والعلم الغزير . والعمر الطويل . والمقام الطيب . كلها تتغير وتتبدل من حال إلى حال . . .
مع الإمساك ومع الإرسال . .
وقليل من المعرفة يثمر وينفع , وقليل من العمر يبارك الله فيه .
وزهيد من المتاع يجعل الله فيه السعادة .
والجماعات كالآحاد . والأمم كالأفراد . في كل أمر وفي كل وضع , وفي كل حال . .ولايصعب القياس على هذه الأمثال !
ومن رحمة الله أن تحس برحمة الله !
فرحمة الله تضمك وتغمرك وتفيض عليك .
ولكن شعورك بوجودها هو الرحمة .
ورجاؤك فيها وتطلعك إليها هو الرحمة .
وثقتك بها وتوقعها في كل أمر هو الرحمة .
والعذاب هو العذاب في احتجابك عنها أو يأسك منها أو شكك فيها .
وهو عذاب لا يصبه الله على مؤمن أبداً .
(إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال .
وجدها إبراهيم - عليه السلام - في النار .
ووجدها يوسف - عليه السلام - في الجب كما وجدها في السجن .
ووجدها يونس - عليه السلام - في بطن الحوت في ظلمات ثلاث .
ووجدها موسى - عليه السلام - في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة ومن كل حراسة ,
كما وجدها في قصر فرعون وهوعدو له متربص به ويبحث عنه .
ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور .
فقال بعضهم لبعض: (فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته).
ووجدها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار . .
ووجدها كل من آوى إليها يأساً من كل ما سواها .
منقطعاً عن كل شبهة في قوة ,
وعن كل مظنة في رحمة ,
قاصداً باب الله وحده دون الأبواب .
ثم إنه متى فتح الله أبواب رحمته فلا ممسك لها .
ومتى أمسكها فلا مرسل لها .
ومن ثم فلا مخافة من أحد .
ولا رجاء في أحد .
ولا مخافة من شيء ,
ولا رجاء في شيء .
ولا خوف من فوت وسيلة ,
ولا رجاء مع الوسيلة .
إنما هي مشيئة الله .
ما يفتح الله فلا ممسك .
وما يمسك الله فلا مرسل .
والأمر مباشرة إلى الله . .
(وهو العزيز الحكيم). .
يقدر بلا معقب على الإرسال والإمساك .
ويرسل ويمسك وفق حكمة تكمن وراء الإرسال والإمساك .

(ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها). .
وما بين الناس ورحمة الله إلا أن يطلبوها مباشرة منه ,
بلا وساطة وبلا وسيلة
إلا التوجه إليه في طاعة وفي رجاء وفي ثقة وفي استسلام .
(وما يمسك فلا مرسل له من بعده).

فلا رجاء في أحد من خلقه ,
ولا خوف لأحد من خلقه .
فما أحد بمرسل من رحمة الله ما أمسكه الله .
أية طمأنينة ؟
وأي قرار ؟
وأي وضوح في التصورات والمشاعر والقيم والموازين تقره هذه الآية في الضمير ؟!
آية واحدة ترسم للحياة صورة جديدة ;
وتنشىء في الشعور قيماً لهذه الحياة ثابتة ;
وموازين لا تهتز ولا تتأرجح ولا تتأثر بالمؤثرات كلها .
ذهبت أم جاءت . كبرت أم صغرت . جلت أم هانت . كان مصدرها الناس أو الأحداث أو الأشياء !
صورة واحدة لو استقرت في قلب إنسان
لصمد كالطود للأحداث والأشياء والأشخاص والقوى والقيم والاعتبارات .
ولو تضافر عليها الإنس والجن .
وهم لا يفتحون رحمة الله حين يمسكها ,
ولا يمسكونها حين يفتحها . .
(وهو العزيز الحكيم). .
وهكذا أنشأ القرآن بمثل هذه الآية وهذه الصورة تلك الفئة العجيبة من البشر في صدر الإسلام .
الفئة التي صنعت على عين الله بقرآنه هذا لتكون أداة من أدوات القدرة ,
تنشىء في الأرض ما شاء الله أن ينشىء من عقيدة وتصور ,
وقيم وموازين ,
ونظم وأوضاع .
وتقر في الأرض ما شاء الله أن يقر من نماذج الحياة الواقعة التي تبدو لنا اليوم كالأساطير والأحلام .
الفئة التي كانت قدراً من قدر الله يسلطه على من يشاء في الأرض فيمحو ويثبت في واقع الحياة والناس ما شاء الله من محو ومن إثبات .
ذلك أنها لم تكن تتعامل مع ألفاظ هذا القرآن ,
ولا مع المعاني الجميلة التي تصورها . .
وكفى . .
ولكنها كانت تتعامل مع الحقيقة التي تمثلها آيات القرآن ,
وتعيش في واقعها بها , ولها . .

ومايزال هذا القرآن بين أيدي الناس ,
قادراً على أن ينشىء بآياته تلك أفراداً وفئات تمحو وتثبت في الأرض - بإذن الله - ما يشاء الله . .
ذلك حين تستقر هذه الصور في القلوب ,
فتأخذها جداً ,
وتتمثلها حقاً .
حقاً تحسه ,
كأنها تلمسه بالأيدي وتراه بالأبصار . .
ويبقى أن أتوجه أنا بالحمد لله على رحمة منه خاصة عرفتها منه في هذه الآية . .
لقد واجهتني هذه الآية في هذه اللحظة وأنا في عسر وجهد وضيق ومشقة .
واجهتني في لحظة جفاف روحي ,
وشقاء نفسي ,
وضيق بضائقة ,
وعسر من مشقة . .
واجهتني في ذات اللحظة .
ويسر الله لي أن أطلع منها على حقيقتها .
وأن تسكب حقيقتها في روحي ;
كأنما هي رحيق أرشفه وأحس سريانه ودبيبه في كياني .
حقيقة أذوقها لا معنى أدركه .
فكانت رحمة بذاتها .
تقدم نفسها لي تفسيراً واقعياً لحقيقة الآية التي تفتحت لي تفتحها هذا .
وقد قرأتها من قبل كثيراً .
ومررت بها من قبل كثيراً .
ولكنها اللحظة تسكب رحيقها وتحقق معناها ,
وتنزل بحقيقتها المجردة , وتقول:هأنذا . .
نموذجاً من رحمة الله حين يفتحها .
فانظر كيف تكون !
إنه لم يتغير شيء مما حولي .
ولكن لقد تغير كل شيء في حسي !
إنها نعمة ضخمة أن يتفتح القلب لحقيقة كبرى من حقائق هذا الوجود ,
كالحقيقة الكبرى التي تتضمنها هذه الآية .
نعمة يتذوقها الإنسان ويعيشها ;
ولكنه قلما يقدر على تصويرها ,
أو نقلها للآخرين عن طريق الكتابة .
وقد عشتها وتذوقتها وعرفتها .
وتم هذا كله في أشد لحظات الضيق والجفاف التي مرت بي في حياتي .
وهأنذا أجد الفرج والفرح
والري والاسترواح
والانطلاق من كل قيد
ومن كل كرب ومن كل ضيق .
وأنا في مكاني !
إنها رحمة الله يفتح الله بابها ويسكب فيضها في آية من آياته .
آية من القرآن تفتح كوة من النور .
وتفجر ينبوعاً من الرحمة .
وتشق طريقاً ممهوداً إلى الرضا والثقة والطمأنينة والراحة
في ومضة عين
وفي نبضة قلب
وفي خفقة جنان .
اللهم حمداً لك .
اللهم منزل هذا القرآن .
هدى ورحمة للمؤمنين . . .

انتهى من الظلال.
رحم الله صاحب الظلال رحمة واسعة.

(إن أفكارنا وكلماتنا تظل جثثا هامدة ، حتى إذا متنا في سبيلها أو غذيناها بالدماء انتفضت حية وعاشت بين الأحياء) صاحب الظلال.