المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نصيحة من الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى



أهــل الحـديث
26-12-2011, 04:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


رحابة الصدر في مسائل الخلاف

أن يكون صدره رحبا في مواطن الخلاف الذي مصدره الاجتهاد؛ لأن مسائل الخلاف
بين العلماء، إما أن تكون مما لا مجال للاجتهاد فيه ويكون الأمر فيها واض  حا فهذه لا يعذر أحد بمخالفتها، وإما أن تكون مما للاجتهاد فيها مجال فهذه يعذر فيها من خالفها، ولا
يكون قولك حجة على من خالفك فيها؛ لأننا لو قبلنا ذلك لقلنا بالعكس قوله حجة
عليك.
وأنا أريد ذا ما للرأي فيه مجال، ويسع الإنسانَ فيه الخلاف، أما من خالف طريق
السلف كمسائل العقيدة فهذه لا يقبل من أحد مخالفة ما كان عليه السلف الصالح، لكن
في المسائل الأخرى التي للرأي فيها مجال فلا ينبغي أن يتخذ من هذا الخلاف مطعن في
الآخرين، أو يتخذ منها سبب للعداوة والبغضاء.
فالصحابة - رضي الله عنهم - يختلفون في أمور كثيرة، ومن أراد أن يطلع على
اختلافهم فليرجع إلى الآثار الواردة عنهم يجد الخلاف في مسائل كثيرة، وهي أعظم من
المسائل التي اتخذها الناس هذه الأيام ديدنا للاختلاف حتى اتخذ الناس من ذلك تحزبا بأن
يقولوا: أنا مع فلان كأن المسألة مسألة أحزاب فهذا خطأ.
من ذلك مثلا كأن يقول أحد إذا رفعت من الركوع فلا تضع يدك اليمنى على
اليسرى، بل أرسلها إلى جنب فخذيك فإن لم تفعل فأنت مبتدع.
كلمة مبتدع ليست هينة على النفس، إذا قال لي هذا سيحدث في صدري شيء من
الكراهية؛ لأن الإنسان بشر، ونحن نقول هذه المسألة فيها سعة إما أن يضعها أو يرسلها،
ولهذا نص الإمام أحمد - رحمه الله - على أنه يخير بين أن يضع يده اليمنى على اليسرى
وبين الإرسال؛ لأن الأمر في ذلك واسع، ولكن ما هي السنة عند تحرير هذه المسألة؟
فالجواب: السنة أن تضع يدك اليمنى على اليسرى إذا رفعت من الركوع كما تضعها
إذا كنت قائما، والدليل فيما رواه البخاري عن سهل بن سعد قال { كان الناس يؤمرون
أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة } (1)(2) فليتنظر هل يريد

١) البخاري الأذان ( ٧٠٧ ) ، أحمد ( ٥ /332) ، مالك النداء للصلاة ( ٣٧٨ )
2) أخرجه البخاري ، كتاب صفة الصلاة ، باب : وضع اليمنى على اليسرى ، ولفظه : ((عن سهل بن سعد قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة))


بذلك في حال السجود؟ أو يريد بذلك في حال القعود؟ لا بل يريد بذلك في حالة القيام
وذلك يشمل القيام قبل الركوع والقيام بعد الركوع، فيجب أن لا نأخذ من هذا الخلاف
بين العلماء سببا للشقاق والتراع؛ لأننا كلنا نريد الحق وكلنا فعل ما أداه اجتهاده إليه، فما
دام هكذا فإنه لا يجوز أن نتخذ من ذلك سببا للعداوة والتفرق بين أهل العلم؛ لأن العلماء لم يزالوا يختلفوا حتى في عهد النبي صصص
إذن فالواجب على طلبة العلم أن يكونوا يدا واحدة، ولا يجعلوا مثل هذا الخلاف
سببا للتباعد والتباغض، بل الواجب إذا خالفت صاحبك بمقتضى الدليل عندك، وخالفكم
هو بمقتضى الدليل عنده أن تجعلوا أنفسكم على طريق واحد، وأن تزداد المحبة بينكما.
ولهذا فنحن نحب ونىء شبابنا الذين عندهم الآن اتجاها قويا إلى أن يقرنوا المسائل
بالدلائل وأن يبنوا علمهم على كتاب الله وسنة رسوله، نرى أن هذا من الخير وأنه يبشر
بفتح أبواب العلم من مناهجه الصحيحة، ولا نريد منهم أن يجعلوا ذلك سببا للتحزب والبغضاء، وقد قال الله لنبيه محمد صصص ففف ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ققق الاية 189 من سورة الانعام فالذين يجعلون أنفسهم أحزابا يتحزبون إليها لا نوافقهم على ذلك؛ لأن حزب الله واحد، ونرى أن اختلاف الفهم لا يوجب أن يتباغض
الناس وأن يقع في عرض أخيه.
فيجب على طلبة العلم أن يكونوا إخوة، حتى وإن اختلفوا في بعض المسائل الفرعية،
وعلى كل واحد أن يدعو الآخر بالهدوء والمناقشة التي يراد ا وجه الله والوصول إلى
العلم، وذا تحصل الألفة، ويزول هذا العنت والشدة التي تكون في بعض الناس، حتى قد
يصل م الأمر إلى التراع والخصام، وهذا لا شك يفرح أعداء المسلمين والتراع بين الأمة من أشد ما يكون في الضرر قال الله تعالىففف ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟققق الاية 46 من سورة الانفال
وكان الصحابة- رضي الله عنهم - يختلفون في مثل هذه المسائل، ولكنهم على قلب
واحد، على محبة وائتلاف، بل إني أقول بصراحة: إن الرجل إذا خالفك بمقتضى الدليل
عنده فإنه موافق لك في الحقيقة؛ لأن كلا منكما طالب للحقيقة وبالتالي فالهدف واحد
وهو الوصول إلى الحق عن دليل، فهو إذن لم يخالفك ما دمت تقر أنه إنما خالفك بمقتضى
الدليل عنده، فأين الخلاف؟ وذه الطريقة تبقى الأمة واحدة وإن اختلفت في بعض
المسائل لقيام الدليل عندها، أما من عاند وكابر بعد ظهور الحق فلا شك أنه يجب أن
يعامل بما يستحقه بعد العناد والمخالفة، ولكل مقام مقال