المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الـــمــادة الــثـــانــيــة فـي مـــيـــزان الإســــلام، حـــقـــائــق مـغــيـبـة !! (بحث هام لكل إسلامي مشتغل بالسياسة)



أهــل الحـديث
24-12-2011, 04:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




الـــمــادة الــثــانــيــة فـي مـــيـــزان الإســــلام،
حـــقـــائــق مـغــيـبـة !!



بسم الله والحمد لله وحده ؛
والصلاة على من لا نبي بعده ؛
وسلم تسليما كثيرا
ثم أما بعد ؛


فقد كثر الحديث والجدل عن المادة الثانية من الدستور المصري ما بين مدافع عن وجودها وما بين رافض لها وما بين مفسر لها كل على طريقته
وذلك في إطار الحديث عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية وتشكيل الأحزاب وغير ذلك من مظاهر ما يسمى باللعبة الديمقراطية
إذ وجدنا أن كثيرا من الإسلاميين قد استندوا إلى وجود المادة الثانية من الدستور المصري كأساس شرعي لمشاركتهم في المعترك الديمقراطي

ولكن ما يثير العجب هو أن أغلب الإسلاميين في مصر قد بذلوا جهدا ضخما كي لا تلغى هذه المادة ؛ ما بين بيانات ومحاضرات ومؤتمرات وحشد للناس للمشاركة في الاستفتاء .... إلخ

مع أنهم في الوقت ذاته، لم يدرسوا هذه المادة دراسة جيدة من الناحية الدستورية والقانونية، ولم يقفوا على حقيقتها وقوفا متأنيا
ونتج عن ذلك أنهم لم يبينوا للناس حقيقة هذه المادة من الناحية الشرعية
ولم يوضحوا أوجه مخالفتها لشريعة رب العالمين
ولم يظهروا للناس أن مجرد وجودها على هذه الصورة لا يعني تطبيق الشريعة، ولا يعني أن الحكم لله !!

اللهم إلا قليلا منهم ، وحتى هؤلاء فقد اكتفى أكثرهم بكلام مجمل عام، ولم يفصلوا ذلك من الناحية الشريعة والدستورية للناس خاصة المشتغلين منهم بالسياسة

حتى وصل الحال إلى أننا وجدنا أن الأغلبية الساحقة من عوام الناس صاروا يظنون أن وجود هذه المادة يعني أن مصر قد صارت دولة ذات دستور إسلامي !!،
بل وكثير من أبناء الصحوة أنفسهم ، بل وبعض مشايخها صاروا يظنون ذلك أيضا !!

حتى إن أحد كبار المشايخ في مصر قد وصل به الأمر إلى أن مدح المادة الثانية مدحا كبيرا حين قال: (وهذه المادة تمنع وصف المنازعة لله -عز وجل- في الحكم على المجالس التشريعية المصرية، ومعناها أن هذه المجالس لا تملك أن تنازع الله في حكمه، وأن شرع الله - سبحانه وتعالى- إذا ثبت فلا يمكن لأحد منازعته ، كذلك حين يقسم رئيس الدولة ورئيس الوزراء وضباط الجيش والشرطة وأعضاء مجلس الشعب والشورى يقسموا على احترام الدستور الذي ينص على أن حكم الله لا يمكن أن يعارض، فهذا شيء عظيم جدًّا) انتهى كلامه

وقد كان لزاما على العلماء بدلا من ذلك ، أن يدرسوا هذه المادة دراسة جيدة متأنية، ليحيطوا بها من جميع جوانبها الدستورية والقانونية في ضوء الشريعة، ثم يبينوا حقيقة هذه المادة وأوجه مخالفاتها للشريعة الإسلامية بكلام واضح ، حتى ولو طالبوا بإبقائها وعدم إلغاءها


ولذلك فقد كان الهدف من تلك الرسالة هو أمران رئيسيان؛
الأول؛
هو توضيح حقيقة هذه المادة من الناحية الدستورية والقانونية في ضوء الشريعة الإسلامية وذلك من أجل وضع تصور صحيح للمشاركة السياسية (سواء بالمنع أو بالجواز) استنادا إلى وجود هذه المادة ،
خاصة أن كثيرا من فصائل الإسلاميين قد بنوا رؤيتهم في المشاركة في الانتخابات البرلمانية إستنادا إلى وجود المادة الثانية في الدستور


الثاني؛
المساهمة في وضع تصور صحيح لكيفية إصلاح حال هذه المادة بل والدستور ككل بما يتوافق مع الشريعة
وذلك حتى يستطيع الإسلاميون إنشاء دستور إسلامي صحيح لا يخالف أصول الدين،
وحتى يستطيعوا تجنب خداع العلمانيين والليبراليين في هذا المجال،

إذ أن تشخيص الداء الحاصل حاليا هو أول خطوة في العلاج؛ وذلك لأننا لن نستطيع أن نقيم دستورا إسلاميا يرضى المولى جل وعلا، إلا بعد أن نعرف أوجه الخلل في الدساتير المعاصرة حتى نتمكن من علاجها

خاصة أن دخول الإسلاميين إلى العمل البرلماني قد يؤدي مع مرور الوقت إلى نسيان المفاهيم الصحيحة أو التصور الصحيح للدولة الإسلامية !!

وذلك لأن كثرة المساس بالنظام الديمقراطي الغير إسلامي وما يتضمنه من التعرض للضغوط من غير الإسلاميين، قد يخفض من سقف مطالب هؤلاء الإسلاميين من المطالبة بدستور إسلامي حقيقي إلى أن يصلوا إلى القبول بالوضع الحالي مع بعض الإصلاحات الطفيفة فيه والتي لا تجعله نظاما إسلاميا حقيقيا

وقد أشار الشيخ عبد المنعم الشحات المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية في الإسكندرية إلى معنى قريب من هذا المعنى حين قال: (نريد أن نعيش والإسلام هو مصدر نظم مجتمعنا، كما أنه مصدر عقيدتنا وعبادتنا، ولكن حتى تأتي هذه اللحظة لابد لنا مِن تقليل الشر والفساد.ومِن ثمَّ فمتى عشنا في دولة مدنية فيجب علينا أن نحاول قدر الإمكان أسلمة ما يمكن منها دون التنازل عن توضيح الصورة الواجبة المطلوبة، وإلا فلو حصلنا على بعض إصلاحات فوصفناها بأنها هي المطلوب شرعًا؛ فسيكون هذا تحريفًا للدين وخيانة للأجيال القادمة).... من مقال [المادة الثانية من الدستور بين التفعيل والتعطيل]ـ


وقبل الدخول في الموضوع وحتى لا يحمل الكلام على غير وجهه، فلابد من التفريق بين أمرين؛


الأمر الأول؛ وهو الآثار المترتبة على وجود المادة الثانية
والأمر الثاني ؛ وهو حقيقة المادة الثانية بذاتها ومدلولاتها الدستورية والقانونية



فبالنسبة للأمر الأول (ألا وهو الآثار المترتبة على وجودها)؛

فلا شك أن هناك بعض الآثار الإيجابية
أو إن شئنا الدقة فلنقل : أنها منعت بعض الآثار السلبية
مثل إصدار قوانين مؤتمر السكان وغيرها

لذلك قد لا ننكر أن وجود المادة الثانية ربما يمنع بعض الآثار السيئة
وبالتالي فوجودها قد يكون أفضل من عدم وجودها من هذا الوجه
وليس هذا هو محل الإشكال

ولكننا ينبغي أيضا ألا ننسى أن وجود المادة الثانية في الدستور على هذه الصورة الخادعة يلبس على عوام الناس دينهم
بل ويلبس أيضا حتى على كثير من أبناء الصحوة أنفسهم
بل والله وعلى بعض المشايخ أيضا كما ذكرنا آنفا !! ؛


إذ يظنون أن الدستور الذي يحكمهم هو دستور إسلامي أو يكاد !! ؛
أو يظنون أن المادة الثانية تتوافق مع الشريعة !! ؛

وهذا كله غير صحيح كما سيتضح لاحقا إن شاء الله




أما بالنسبة للأمر الثاني (الذي هو حقيقة المادة الثانية ذاتها ومدلولاتها) ؛

فلو راجعنا مواد الدستور القديم أو حتى الإعلان الدستوري الجديد نفسه
فسنرى أن المادة الثانية في حد ذاتها وفي إطارها الدستوري والقانوني تخالف أصول الإسلام، ولا قيمة لها بميزان الشريعة الإسلامية

لدرجة أنه يمكننا القول بكل ثقة أن الدساتير التي حكمتنا كلها بما فيها الإعلان الدستوري الحالي نفسه ليست دساتير إسلامية بالمرة

وذلك لعدة أسباب تتعلق إما بصياغتها هي ذاتها
أو بما يحيط بها من باقي مواد الدستور التي تضع المادة الثانية في إطار دستوري وقانوني غير إسلامي أصلا


وليس فقط لأنها (غير مفعـلة) كما يقول البعض
بل الأمر أكبر من ذلك بكثير

*****************
*****************


وإن شاء الله سوف نعرض في هذا المقام 8 مخالفات رئيسية في المادة الثانية وما يحيط بها من مواد الدستور التي تتعلق بها وذلك في ضوء تفسيرات المحكمة الدستورية العليا

وهذه المخالفات إما تتعلق بصياغة المادة ذاتها
وإما بآلية تنفيذها
وإما بنقصان سيادتها على بقية مواد الدستور أو القوانين

مع التنبيه على أن هذه ليست هي كل المخالفات الموجودة
ولكن يمكن القول أنها هي المخالفات الأكبر أو الأشد غموضا فيما يتعلق بالمادة الثانية وحدها

أولا: كلمة (مبادئ الشريعة) !!
ثانيا: كلمة (المصدر الرئيسي) !!
ثالثا: آلية تفعيلها هي آلية غير إسلامية
رابعا: لا سيادة للمادة الثانية على بقية مواد الدستور
خامسا: لا سيادة للمادة الثانية على القوانين الصادرة قبلها
سادسا: مجلس الشعب له السيادة على المادة الثانية بموجب الدستور
سابعا: الأساس الذي بنيت عليه هو اختيار الشعب لا حكم الله
ثامنا: لا أهلية شرعية للقائمين على تفسيرها وتفعيلها


***********
***********

نص المادة الثانية ؛
تقول المادة الثانية : (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع)ـ

***********
***********


أولا: كلمة (مبادئ الشريعة) !! ؛

أصبح كثير من العلمانيين يستخدمون مصطلحات براقة جذابة يخدعون بها الناس
مستغلين عدم معرفة عوام المسلمين بالمعاني الحقيقية لهذه المصطلحات

ومن أشهر تلك المصطلحات هو مصطلح (مبادئ الشريعة)
فما الذي يقصدونه من هذا المصطلح ؟؟
إن كلمة (مبادئ الشريعة) ليس مقصودا بها أحكام الشريعة !! ؛
بل قيل في تفسيرها معنيان؛

المعنى الأول؛
هو أن المقصود بها هو مجرد المبادئ العامة فقط !! ؛

مثـل ؛
مـبـدأ : العدالة
ومبدأ : لا ضرر ولا ضرار
ومبدأ : حفظ النفس والمال
ومبدأ : عدم الإكراه في الدين

وليس المقصود (أحكام) الشريعة نفسها

وهذا هو قول المستشار السنهوري الذي وضع كثيرا من الدساتير العربية
وكذلك المستشارة تهاني الجبالي حيث تقول: (كما أنها (أى مبادئ الشريعة الإسلامية) تعد مصدرا باعتبارها أكثر تحديدا من المبادئ المستمدة من القانون الطبيعى وقواعد العدالة التى لا تصلح للتطبيق المباشر، ذلك لكون (مبادئ الشريعة الإسلامي) تحتوى أيضا المبادئ الشرعية الكلية (جوامع الكلم الفقهية) التى استنبطها الفقه من الأصول وشهد بصدقها الفروع، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن «شكل العقد يحكمه قانون محل حصوله»، أو «أن الغش يفسد كل شيء» ، أو «الغرم بالغنم»، أو «لا ضرر ولا ضرار»… إلخ.)ـ من مقال في جريدة التحرير بعنوان [قصة المادة الثانية من الدستور؟]ـ

وأكبر دليل عملي على ذلك هو أن أغلب أحكام الشريعة ليست مطبقة فعلا
لا في الاقتصاد ولا في السياسة ولا في القانون المدني ولا في العقوبات الجنائية ولا في القوانين العسكرية


أما المعنى الثاني؛
فهو الذي يُـفـهـم من تفسير المحكمة الدستورية لكلمة (مبادئ الشريعة)ـ
وهو يقصر مبادئ الشريعة على الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة فقط

حيث ورد في نص حكم المحكمة الدستورية قولها: (فلا يجوز لنص تشريعى، أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يكون الاجتهاد فيها ممتنعا، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً)ـ


وهذا يعني تحايلا على أجزاء ضخمة من الشريعة والالتفاف حولها، بحجة أنها أمور اجتهادية ليست قطعية

إذ أنه يعني الالتفاف على أغلب آيات القرآن لأنها غير قطعية الدلالة ، وكذلك على كثير من الأحاديث غير قطعية الثبوت أو غير قطعية الدلالة وهي تشكل غالبية الأحاديث، بل ويعني التفافا على القياس والاجتهاد بل وربما إجماع أهل السنة بنفس تلك الحجج
إلى غير ذلك من مصادر التشريع في الإسلام

وهذا التحايل والالتفاف لا يتم بصورة مباشرة واضحة، بل بطريقة ملتوية ماكرة
إذ يتم عن طريق تفسير هذه الآيات والأحاديث على حسب الأهواء، بما يجعلها لا تتعارض مع باقي مواد الدستور التي تخالف الإسلام أصلا، وبما لا يجعلها تمنع التشريعات المخالفة لها على هيئة قوانين تحت ذريعة أن هذه الآيات أو الأحاديث قابلة للاجتهاد وليست قطعية المعنى!!ـ

والاجتهاد الذي يقصدونه لا يُطبق بالأصول الشرعية الضابطة للاجتهاد على حسب أصول أهل السنة، بل هو اجتهاد بما لا يتعارض مع المبادئ الدستورية الوضعية كما سنبين الآن

فقد تكلم المستشار عبد الرزاق السنهوري الذي وضع غالب دساتير وقوانين الدول العربية فقال ما نصه: (كيف نفسر النصوص التي استقيت من الشريعة الإسـلامية، وكيف تستخلص منها الأحكام باعتبارها مصدراً رسمياً، ونبين في إيجاز كيف تفسر النصوص المستمدة من الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدراً تاريخياً وباعتبارها مصدراً رسمياً .
الأمر الأول: هو عدم التقيد بمذهب معين من مذاهب الفقه الإسلامي، فكل مذاهب الفقه يجوز الرجوع إليها والأخذ منها، ولا محل للوقوف عند أرجح الأقوال في مذهب أبي حنيفة ، بل ولا للتقيد بالمذهب الحنفي في جملته، ولعلنا نذهب إلى مدىً أبعد فنقول: إنه لا موجب للتقيد بالمذاهب الأربعة المعروفة، فهناك مذاهب أخرى كمذهب الزيدية، ومذهب الإمامية، يمكن الانتفاع بها إلى حد بعيد .
والأمر الثاني: هو أن يراعى في الأخذ بأحكام الفقه الإسلامي التنسيق ما بين هذه الأحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها التشريع المدني في جملته، فلا يجوز الأخذ بحكم في الحكم الإسلامي يتعارض مع مبدأ من هذه المبادئ، حتى لا يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه)ـ[الوسيط في القانون المدني للسنهوري 1 / 48 - 49]ـ
كما ورد في نص حكم المحكمة الدستورية قولها: (ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء ليس أحق بالاتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء سندا، أكثرها ملائمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفا لآراء استقر عليها العمل زمنا)ـ


وهذا وحده كفيل بأن يفرغ المادة الثانية من مضمونها
لأنه يعني تفريغا للشريعة من أغلب مصادر التشريع فيها بطريقة ملتوية وخبيثة
وذلك عن طريق البحث عن الأقوال الشاذة من جميع المذاهب بما فيها مذاهب الفرق الضالة أصلا مثل الروافض الإمامية كما ذكر السنهوري
ثم بأن يؤخذ من هذه المذاهب ما يتناسب مع بقية مواد الدستور الوضعية التي تخالف الشريعة أصلا مثل؛ سيادة الشعب والمدنية والمواطنة وحرية الاعتقاد وغيرها

وهذه بعض أقوال العلماء فيمن يتتبع الرخص ؛
قال إسماعيل القاضي: (ما من عالم إلا وله زلة ، ومن أخذ بكل زلل العلماء ذهب دينه)ـ
وقال سليمان التيمي: (إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله)ـ
وقال الأوزاعي: (من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام)ـ
وقال الشاطبي: (فإذا صار المكلف في كل مسألة عنت له يتبع رخص المذاهب وكل قول وافق فيها هواه فقد خلع ربقة التقوى، وتمادى في متابعة الهوى، ونقض ما أبرمه الشارع، وأخر ما قدمه)ـ

إذا كان هذا كلام العلماء هذا كان فيمن يتتبع الرخص من أجل هواه أو ليبرر لنفسه الوقوع في بعض المحرمات ، فما بالنا فيمن يتتبع الرخص ليتوافق مع مبادئ الدستور الوضعي المخالفة لأصول الإسلام أصلا ... ؟؟


ولذلك فلا نستغرب أن يفرح كثير من العلمانيين بتفسير المحكمة الدستورية ويستندون إليه في كلامهم

ومن هؤلاء الفقيه الدستوري يحيى الجمل المشهور بعداوته للإسلاميين وبعلمانيته الواضحة والذي قال: (شوف الحكم بتاع المحكمة الدستورية رائع، حكم المحكمة الدستورية قال المادة الثانية بتتكلم عن مبادئ الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت قطعية الدلالة، ديه بقي قضية طويلة وعريضة، أنا عاوز أقول لإخوانا بتوع الفقة يجيوا نقعد مع بعض ونشوف أيه هيا المبادئ قطعية الثبوت قطعية الدلالة في غير العبادات، العبادات كلها قطعية الثبوت قطعية الدلالة .... المبادئ قطعية الثبوت والدلالة محدودة جدا جدا في كل الشرائع الإنسانية من أيام حمورابي وجوستنيان واللي أحنا فيه)ـ في إحدى البرامج على"قناة التحرير"ـ

وكذلك المستشار أحمد عبده حيث قال: (أنا كرجل قانون أفسر المادة الثانية من الدستور كي لا يصرخ بعض الناس في اتجاه إلغاءها، أو في اتجاه بقائها، المادة الثانية من الدستور جميلة جدا لا تزعج أحد لا المسلمين ولا أي ملة أخرى، تقول أن "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، هناك فرق بين بين "مبادئ الشريعة الإسلامية" و "أحكام الشريعة الإسلامية" لو "أحكام الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي" سنرى من سنقطع يده ومن سيجلد ومن سنرجمه ومن سنقتله لكن "مبادئ الشريعة الإسلامية" نقصد بها الأخلاق)ـ في برنامج "أنا المصري" بتاريخ 7/2011م

وكذلك المسشارة تهاني الجبالي حيث تقول: (أن المشروع الدستورى أورد تعبير (مبادئ الشريعة الإسلامية) لا أحكام الشريعة الإسلامية، ولو قصد النص على أحكام الشريعة لما أعجزه التصريح بذلك فى النص، وهو ما يعنى الإحالة للمبادئ العليا وحدها)ـ من مقال في جريدة التحرير بعنوان [قصة المادة الثانية من الدستور؟]ـ


وكذلك د.عمرو حمزاوي في حواره مع الإعلامي عمرو أديب
حين قال حمزاوي: ((هل في تعارض بين القوانين المصرية والمبادئ الشريعة الاسلامية؟ شاورولي على قانون مصري واحد بيعارض مبادئ الشريعة الإسلامية))؛
فقال الإعلامي / عمرو أديب: (بس أحنا في مصر مبنقطعش يد السارق)؛
فرد حمزاوي قائلا: ((لا نتحدث عن أحكام الشريعة إحنا بنتكلم عن مبادئ الشريعة!! هل في تعارض بين القوانين الوضعية المصرية وبين المبادئ الشريعة الإسلامية ؟ يجاوبوا على السؤال !))ـ

وكذلك أيضا الدكتور مصطفى الفقي كما في جريدة "جريدة المصريون" بتاريخ 18/ 3 /2007 م حيث قالت: (أيد الفقي التمسك بالمادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، وقال إن الحكومة لا تقبل أي جدال حولها وأن هذا يرجع لأسباب غير دينية لأنها ليست مادة دينية. وأكد الفقي أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر استلهام تشريعي في العالم كله باعتراف غير معتنقيها، مشيرًا إلى أن القائد الفرنسي نابليون بونابرت أخذ عنها وأن مرجعيات أوروبية عديدة وكذا الأمم المتحدة تعترف بها، موضحًا أن الدستور يتكلم عن مبادئ الشريعة وليس أحكام الشريعة)ـ

بل وقد اعترف بعض الإسلاميين بهذه الحقيقة ضمنيا مثل الدكتور « محمد سعد الكتاتني » ، وكيل مؤسسي حزب «الحرية والعدالة» والقيادي في جماعة الإخوان المسلمين
حيث قال في حواره لـ«المصري اليوم» بتاريخ 25/02/2011: (نحن نقول فيما يخص موضوع تطبيق الحدود، إننا مع كل ما هو موجود في الدستور المصري وملتزمون به، ونحن مع مبادئ الشريعة الإسلامية المتوافقة مع الدستور المصري، ونحن لا ندعو إلى تغيير الدستور الحالي، لأن هناك فرقاً بين مبادئ الشريعة الإسلامية وبين الفقه)ـ



ولكن الأمر الغريب حقًا هو فرح بعض الإسلاميين بحكم المحكمة الدستورية


أما الله الملك الحق سبحانه وتعالى فقال:ـ{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُون}ـ[سورة الجاثية : 18]ـ
ولم يقل على مبادئ الشريعة !!
ومن أحسن من الله قيلا ؟



ثانيا: كلمة (المصدر الرئيسي) !! ؛

كلمة المصدر (الرئيسي) من الناحية اللغوية والدستورية تعني أن يكون هناك مصادر فرعية أخرى للتشريع بجانب مبادئ الشريعة الإسلامية

يقول المستشار حامد الجمل: (قلنا : والمبادئ العامة للشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، ولم نقل أنها المصدر الوحيد، وكان التيار الإسلامى يرغب فى أن تكون الصياغة " والمبادئ العامة للشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع" وهذا الكلام غير ممكن فى دولة قانونية، والرئيس السادات رفض ذلك)ــ[جريدة "الأهرام اليوم" الجمعة 1 ابريل 2011]ـ

فإذا علمنا أن التشريع إنما هو حق لله وحده
فهل يصح مثلا أن يقول قائل: لا حكم رئيسي إلا لله !!؟؟
وهل يصح أن نرجع إلى حكم الله في بعض القضايا دون بعض ؟

قال تعالى:ـ{ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير}،
والله يقول:ـ{ولا يشرك في حكمه أحدا}ـ[الكهف: 26]؛
وفي قراءة ابن عامر من السبعة:ـ{ولا تشرك في حكمه أحدا}ـ
قال تعالى:ـ{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ـ[يوسف 40]ـ
وقال تعالى:ـ{أمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}ـ[الشورى]ـ

وقد يحتج البعض بأن تفسير المحكمة الدستورية قال بأن وجود مصادر فرعية يشترط عدم مخالفتها للمصدر الرئيسي

والرد ؛
أن هذا المصدر الرئيسي نفسه ليس هو الشريعة نفسها إنما مبادئها العامة فقط، وبالتالي فكلمة (الرئيسي) هذه تعطي الحق لمجلس الشعب في أن يأتي بالقوانين الوضعية الغربية كالقانون الفرنسي مثلا، حتى ولو خالفت نصوص الشريعة غير قطعية الثبوت أو غير قطعية الدلالة أو إجماع السلف أو أصول الاجتهاد

ثم إن مصادر الشريعة أصلا لا تحتاج إلى مصادر أخرى مستقلة
إذ أن الشريعة ذاتها تقرر كيفية الاستفادة من قوانين الحضارات الأخرى بما لا يخالف أحكامها،
إذن فالشريعة نفسها تحتوي جميع مصادر التشريع التي نحتاجها، بما فيها كيفية الاستفادة من الحضارات الأخرى
فما الحاجة لكلمة (الرئيسي) إذا ؟؟!!

ثم، حتى لو فرضنا جدلا أنه لا إشكال في المعنى الدستوري لهذه الكلمة،
فلماذا نأتي بلفظ يعطي إيحاءً لغويا بوجود مشرع آخر مع الله ؟
إننا مأمورون شرعا أن نسد جميع الذرائع المؤدية إلى التحاكم إلى غير الله حتى ولو كانت لفظية فقط
فما بالنا وهي ليست لفظية فقط ، بل قانونية ودستورية أيضا ؟


والسؤال الأهم من هذا وذا؛
ما الذي يضمن أنه لن يأتي من قضاة المحكمة الدستورية من يحمل نفس هذا اللفظ على معنى غير صحيح كما هو حاصل حاليا فعلا ؟
خاصة أن تفسير ذلك يخضع لأهواء قضاة المحكمة الدستورية، دون ضابط من قرآن أو سنة



ثالثا: آلية تفعيلها هي آلية غير إسلامية؛

لأن مجلس الشعب هو المخاطب بهذه المادة وفقا لتفسير المحكمة الدستورية العليا؛
وذلك يعني أنه يُـشـتـرط موافقة (مجلس الشعب) أولا على أي قانون قبل إصداره

بل وألا تصدر القوانين إن صدرت إلا باسم الشعب !! ، كما ورد في المادة (٧٢) في دستور عام 1971؛ والتي تقول : (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب) !! ؛

وكما ورد في المـادة (24) في الإعلان الدستوري الجديد 2011 ؛ والتي تقول أيضا : (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب) ؛

وليس باسم الله رب العالمين !!

يقول المستشار حامد الجمل: (وأقول أن مبادئ الشريعة لا تدخل مباشرة فى التطبيق القضائي، ولكنها تدخل فى القانون الوضعي)ـ
ويقول أيضا: (وهناك مسألة مهمة ترتكز على أن الشريعة الإسلامية لا تطبق بقوة نصوص الدستور، ولكن تطبق بإرادة المشرع المصري)ــ[جريدة "الأهرام اليوم" الجمعة 1 ابريل 2011]ـ

أي أن (مبادئ الشريعة) لا تصاغ على هيئة قوانين إلا بعد عرضها للتصويت على ممثلي الشعب أولا
ومن حقهم بعد ذلك أن يوافقوا أو ألا يوافقوا طبقا لرأي الأغلبية
فإن وافقوا، فلا تصدر هذه القوانين إلا باسم الشعب
وإن عارضوها، فلا أحد يجبرهم على إصدارها ولا حتى المحكمة الدستورية

ولتوضيح كيفية حدوث هذا
فهناك احتمالان ؛

الاحتمال الأول ؛
أن يكون القانون المراد تشريعه أمر من الفرائض أو الواجبات الشرعية مثل فرض الزكاة أو حد السرقة مثلا
ففي هذه الحالة يقوم أحد النواب بتقديم مشروع القانون إلى مجلس الشعب
ثم يتم التصويت عليه
فإن وافقت الأغلبية تم إصداره
وإن لم توافق الأغلبية يتم رفضه
وليس لأحد أن يجبر مجلس الشعب على القبول أو الموافقة على إصدار هذا القانون ولا حتى المحكمة الدستورية
وهذا يعني أن المادة الثانية غير ملزمة للمجلس في إصداره لقوانين لهذه الفرائض الشرعية أو غيرها


الاحتمال الثاني ؛
أن يكون القانون المراد تشريعه أمر من المحرمات شرعا مثل تقنين الربا مثلا
فلابد أن يقوم أحد النواب بتقديم مشروع القانون إلى مجلس الشعب
ثم يتم التصويت عليه
فإن لم توافق الأغلبية يتم رفضه
وإن وافقت الأغلبية يتم إصداره رغم مخالفته للشريعة

وهذا يعني أيضا أن المادة الثانية لا تلزم المجلس بمنعه من إصدار ما يخالف الشريعة في هذه الحالة ، اللهم إلا بعد أن يصدر القانون فعلا وليس في أثناء إصداره، وذلك عن طريق المحكمة الدستورية فقط؛ إذ أنه من حق أي مواطن يتضرر من هذا القانون المخالف للشريعة ، أن يرفع دعوى للمحكمة الدستورية ضد هذا القانون لمخالفته للمادة الثانية والمحكمة هي التي تفصل في ذلك

يقول المستشار/ محمد وفيق زين العابدين: (فإذا ما صدر نص أو قانون يخالف مبادئ الشريعة الغراء وأحكامها ، يمكن لكل من يهمه الأمر - بشأن قضية هو أحد أطرافها - أن يطعن عليه أمام المحكمة الدستورية العليا ، فإذا ما قضت المحكمة الدستورية بمخالفة النص المطعون عليه لأحكام الشريعة فإن مقتضى نص المادتين (48) ، (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة ، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة ، باعتباره قولاً فصلاً في المسألة التي فصل فيها ، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته)ـ

وبالتالي فإن المادة الثانية ليس لها أي تأثير أو سلطة أو سيادة على مجلس الشعب في عملية إصداره لقراراته ولا على عملية التصويت داخل المجلس، ولا يحق لها أن تجبره على قبول أي حكم شرعي مهما كانت أهميته أو درجة وجوبه

بل إن المجلس هو سيد قراره كما هو معلوم

إنما دور المحكمة الدستورية في تفعيل المادة الثانية يقتصر فقط على الطعن في ما أصدره مجلس الشعب من قوانين مخالفة فعلا


والإشكال هنا كيف تكون أحكام الله تحت حكم الشعب وتصدر باسم الشعب ؟
وكيف يكون الشعب له حق الاعتراض على أحكام الله متى شاء والعياذ بالله ؟
بل كيف يكون له مجرد حق الاختيار أصلا ؟

وقوله تعالى:ـ{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}ـ[القصص: 68]ـ
ويقول تعالى:ـ{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}ـ[الأحزاب : 36]ـ

وكلمة (الخيرة) في الآيتين معناها : الاختيار
أي أن المسلم ليس له حق الاختيار أصلا أمام أحكام الله
فضلا عن أن يكون له الحق في أن يرفضها

فمعنى الآية أن المسلم ليس له حق الاختيار أو التصويت على أحكام الله أصلا

ولكن قد يقول قائل : أن الشعب المسلم لن يعترض على أي أمر من أوامر الله، ولن يوافق على إباحة أي شيء محرم

والرد على هذا ؛ هو أننا لا نتحدث هل هذا ممكن الحدوث فعلا أم لا !!؟
نحن نتكلم على مجرد وجود مبدأ أن يكون من حق الشعب أن يناقش أحكام الشريعة حتى لو كنا متأكدين 100% أنه لن يعترض عليها ؟؟
إذ أن مجرد (عرضها للنقاش) على المسلمين جريمة كبيرة تخالف أصول الإسلام

بل إن هذا مبدأ علماني مدني في الأساس
قال الشيخ محمد عبد المقصود في إحدى محاضراته قبل الثورة المصرية: (ولو أن الناس صوتوا في هذا المجلس - مجلس الشعب لصالح تطبيق الشريعة فطبقت لأن المجلس وافق على ذلك ما كان هذا إسلاماً أبداً ، لكن ينبغي أن تطبق الشريعة رغم أنف الرافضين لأنها حكم الله عز وجل ، والذين يملكون تطبيقها الآن يملكون إلغائها في المستقبل ، فإذا طبقت الشريعة لأن الغالبية وافقت على تطبيقها و الدستور ينص على أن الحكم للغالبية ، معنى هذا أن يكون الدستور حاكماً على شريعة الله عز وجل ، وهذا كفرٌ مجرد بإجماع المسلمين كما ذكرت مراراً و تكراراً) انتهى كلامه

وقال الشيخ "صلاح أبو إسماعيل" الذي حاول فيها تحكيم شريعة الله في البرلمان، وانتهى من ذلك إلى القول:(لم أكن أظن أن ما قضى الله به في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - يحتاج إلى موافقة عباد الله، ولكنني فوجئت أن قول الرب الأعلى يظل في المصحف - له قداسته في قلوبنا - إلى أن يوافق عباد الله في البرلمان على تصيير كلام الله قانوناً.
وإذا اختلف قرار عباد الله في البرلمان عن حكم الله في القرآن؛ فإن قرار عباد الله يصير قانوناً معمولاً به في السلطة القضائية، مكفولاً تنفيذه من قبل السلطة التنفيذية؛ ولو عارض القرآن والسنة. والدليل على ذلك أن الله حرم الخمر، وأباحها البرلمان، وأن الله أمر بإقامة الحدود، وأهدرها البرلمان، والنتيجة على ضوء هذه الأمثلة: أن ما قرره البرلمان صار قانوناً رغم مخالفته للإسلام)ـ انتهى كلامه رحمه الله

ويقول الشيخ أحمد سالم: (مسلمة إلزامية موضوعية لا يسع دعاة الدولة المدنية إلا التسليم بها؛
ـ 1- إذا كان نص فلاسفة الدولة المدنية كتوماس هوبز حين يقول : «إنَّ الكتابَ المقدسَ لا يصبحُ قانونًا إلَّا إذا جعلَتْهُ السُّلطةُ المدنيَّةُ الشرعيَّةُ كذلِكَ» (ص/258)ـ
ـ 2- واسبينوزا حين يقول : «إنَّ الدينَ لا تكونُ لَهُ قوةُ القانونِ إلَّا بإرادةِ مَنْ لَهُ الحقُّ في الحكمِ»ـ ـ[(ص/422) ، وانظرْ : (ص/424)]ـ
ـ 3- ونفس الحقيقة يقررها أحد أشهر العلمانيين ودعاة الدولة المدنية المصريين وهو المستشار سعيد العشماوي حين يقول : ((الحكومة المدنية أو نظام الحكم المدني هو النظام الذي تقيمه الجماعة، مستنداً إلى قيمها، مرتكزاً إلى إرادتها، مستمراً برغبتها، حتى ولو طبق أحكاماً دينية أو قواعد شرعية))ـ ـ[ الخلافة الإسلامية (ص/18)]ـ
هذه النصوص الثلاثة بينة جداً في أن الحاكم أو البرلمان أو حتى الشعب بالديمقراطية المباشرة إذا اختار أحكاماً دينية وجعلها قوانين للحكم = أن ذلك لا يُخرج الدولة عن وصف المدنية؛ لأن اختيار السلطة العليا لها هو الذي أكسبها صفة الإلزام، وهذه هي آليات الدولة المدنية)ـ
ثم يقول: (من ناحية الأصول الشرعية نرى أن الأحكام الشرعية ملزمة بنفسها لا تتوقف إلزاميتها على استفتاء أو اختيار من أحد) انتهى كلامه



رابعا: لا سيادة للمادة الثانية على بقية مواد الدستور؛

أن سيادة المادة الثانية وتأثيرها يقتصر على (القوانين) فقط، وليس على (مواد الدستور) الأخرى

أي أن مجلس الشعب لا يجوز له أن يشرع (قوانين) تخالف المادة الثانية عل النحو الذي أوضحناه سابقا، ولكن من حقه أن يشرع أو يعدل في (مواد الدستور) كيفما شاء
بما في ذلك المادة الثانية نفسها (كما سيأتي لاحقا)ـ

وبالتالي فإن المادة الثانية تكون مقيدة ومحكومة بالمواد الأخرى المخالفة للشريعة ؛ وذلك لأن جميع مواد الدستور لها نفس القوة إذ أنها تشترك معا في وضع شكل الدولة
يقول المستشار حامد الجمل: (والمادة الثانية لا يمكن تفسيرها وحدها، بمعزل عن المواد الأخرى فى الدستور، ومنها ما يتعلق بالمساواة، وعدم التمييز بين المواطنين، كذلك المواد الأخرى المتعلقة بسيادة القانون، واستقلال القضاء، وأن المحاكم هى التى تتولى الفصل فى المنازعات)ـ
ـ[جريدة "الأهرام اليوم" الجمعة 1 ابريل 2011]ـيقول المستشار السنهوري : (يراعى في الأخذ بأحكام الفقه الإسلامي التنسيق بين هذه الأحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها التشريع المدني في جملته، فلا يجوز الأخذ بحكم الفقه الإسلامي يتعارض مع مبدأ من هذه المبادئ حتى لا يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه)ـ

ويقول أيضًا ردًا على سؤال للشيخ عبد الوهاب طلعت باشا؛
فقد سأله الشيخ: هل رجعتم إلى الشريعة الإسلامية!؟
فقال السنهوري : (أو كذلك أنّنا ما تركنا حكمًا صالحًا في الشريعة الإسلامية يمكن أن يوضع في هذا القانون إلاّ وضعناه)ـ
ـ[نقلاً عن كتاب (الشريعة الإلهية لا القوانين الجاهلية) للشيخ عمر الأشقر]ـ

ويقول المستشار طارق البشري : (نقطة أخيرة أختتم بها حديثي، فنحن عندما نفسر أي قانون ونستقرئ أحكامه لا ننظر إلى كل نص فيه على حدة، نحن نتفهم كل حكم بما يعنيه، ثم نضع أحكام القانون كلها جنبا إلى جنب؛ لأن كل نص إنما يحد من إطلاق غيره، ولأن المعنى المستفاد من أي نص إنما يتداخل في المعاني المستفادة من النصوص الأخرى، ولأن السياق هو الذي يضبط المعنى ويظهر وجه التفسير، واللفظ الواحد يتكشف معناه من موضعه في الجملة، والحكم الواحد تتكشف حدود معناه وضوابطه من موضعه من الأحكام الأخرى، وهذا ما يطلق عليه تعبير: النصوص يفسر بعضها بعضا‏.‏وطبقًا لهذا المفاد فإن وجود نص المادة الثانية من الدستور بين نصوص هذا الدستور وبين الأحكام الأخرى المتعلقة بالمساواة بين المواطنين، وإن اختلفت أديانهم أو مذاهبهم، إنما يجعل حكم الدستور دائرا في تفسير كل نص ما يفضي به النص الآخر، ومن ثم يكون ملزما - من وجهة النظر الدستورية في تفسير مصدرية الشريعة الإسلامية للقوانين- أن يكون ما هو دستوري من هذه المصدرية ما يتجانس مع مبادئ الدستور الأخرى وأحكامه الأخرى، وذلك في نطاق ما تسعه مبادئ الشريعة الإسلامية من وجهات نظر)ـ

ويقول الشيخ الألباني رحمه الله: (وإن كان قد نص في دستوره "دين الدولة الإسلام " فإن هذا النص قد ثبت عمليا أنه وضع لتخدير أعضاء النواب الطيِّبي القلوب!! ؛
ذلك لأنه لا يستطيع أن يغيِّر شيئاً من مواد الدستور المخالفة للإسلام، كما ثبت عمليا في بعض البلاد التي في دستورها النص المذكور.)ـ انتهى كلامه رحمه الله

وما أكثر هذه المواد والمبادئ الدستورية المخالفة للشريعة في دستورنا !! ـ
مثل تلك المواد التي تقرر سيادة الشعب ومبدأ المواطنة والديمقراطية وحرية الاعتقاد
وغيرها من المبادئ المخالفة للإسلام
هذا نوع من الخداع والنفاق السياسي، كما اعترف بذلك الفقيه الدستوري (يحيى الجمل)ـ

إذ كيف لا يكون لمبادئ الشريعة سيادة على هذه المواد المخالفة للشريعة !!؟
إن هذا وحده يجعل المادة الثانية صورية ولا قيمة حقيقية لها

بل كان يجب أن يكون لها السيادة على كل مواد الدستور جميعها ، بل وإلغاء كل المواد المخالفة لها تماما



خامسا: لا سيادة للمادة الثانية على القوانين الصادرة قبلها؛

أن تأثير هذه المادة لا يشمل كل القوانين !! ؛ بل يقتصر على القوانين التي صدرت بعدها فقط

وذلك لأن المادة الثانية بصياغتها الحالية عاجزة وتأثيرها محدود حسب حكم المحكمة الدستورية، إذ قد قررت المحكمة أن تأثير المادة يقتصر على (القوانين التي صدرت بعدها فقط)!!ـ
أما القوانين القديمة فلا تأثير للمادة الثانية عليها

يقول المستشار/ محمد وفيق زين العابدين : (وجدير بالذكر أن تحرر بعض القوانين كتلك التي تخص الجرائم والعقوبات وامتداد عقود الإيجار القديمة غير محددة المدة وغيرها عن القيد الدستوري المذكور ، فذا لأن إلزام المشرع الوضعي باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع ـ بعد تعديل المادة الثانية من الدستور ـ لا ينصرف سوى إلى التشريعات التي تصدر بعد التاريخ الذي فرضه فيه هذا الإلزام ، بحيث إذا انطوى أي منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية ، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ فإنها بمنأى عن الخضوع لهذا القيد ، ولا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها لصدورها فعلاً قبل فرضه)ـ

وكأن (مبادئ شريعة الله) ليس لها السيادة على كل القوانين ،بل على بعضها دون البعض الآخر !! ؛
كيف تكون (مبادئ الشريعة) لها السيادة على بعض القوانين والبعض الآخر لا سيادة للشريعة عليه ؟؟؟؟؟؟؟؟

قال تعالى:ـ{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}ـ[البقرة:85]ـ



سادسا: مجلس الشعب له السيادة على المادة الثانية بموجب الدستور؛

فمجلس الشعب له السيادة على هذه المادة بموجب الدستور، بمعنى أنه إن شاء عدلها أو ألغاها في أي وقت ، متى توفرت الأغلبية اللازمة لذلك بموجب الدستور

وذلك لأن باقي مواد الدستور تعطي ممثلي الشعب ما يشبه حق (الفيتو) على أحكام الشريعة
وتعطي لهم الحق في تغيير المادة الثانية أو إلغائها متى يريدون !ـ
وذلك إذا توفرت أغلبية مناسبة في مجلس الشعب
وكأن مجلس الشعب له حق الاعتراض على حكم الله متى شاء والعياذ بالله !! ـ

فهل يصح مثلا أن يقول قائل أنا سأعبد الله، ولكن من حقي أن أترك عبادته لأعبد غيره إذا شئت ؟!!
هل يوجد مسلم يقول هذا ؟!!
إن مثل هذا أو قريب منه مكتوب في الدستور، ولكن بعبارات منمقة تخفي قبح المعنى

كالمادة الثالثة على سبيل المثال والتي تقول: (السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها، ويصون الوحدة الوطنية)ـ

وكالمادة 189 من دستور 71 والتي تقول ما نصه: (لكل من رئيس الجمهورية ومجلس الشعب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يذكر في طلب التعديل المواد المطلوب تعديلها والأسباب الداعية إلى هذا التعديل. فإذا كان الطلب صادراً من مجلس الشعب وجب أن يكون موقعاً من ثلث أعضاء المجلس على الأقل. وفى جميع الأحوال يناقش المجلس مبدأ التعديل ويصدر قراره في شأنه بأغلبية أعضائه، فإذا رفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل مضى سنة على هذا الرفض. وإذا وافق مجلس الشعب على مبدأ التعديل، يناقش بعد شهرين من تاريخ هذه الموافقة، المواد المطلوب تعديلها، فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس عرض على الشعب لاستفتائه في شأنه. فإذا ووفق على التعديل اعتبر نافذاً من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء.)ـ

أي أن مجلس الشعب يحق له تعديل أي مادة من الدستور (بما فيها المادة الثانية طبعا) وذلك إذا وافقت أغلبية الثلثين ثم عرض على استفتاء شعبي ووافقت عليه الأغلبية ، كل هذا من غير ضابط من قرآن أو سنة طبعا.


وكذا نفس المعنى موجود في الإعلان الدستوري الجديد _ بل أشد _ حيث تقول المادة 60 منه: (يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى فى اجتماع مشترك ، بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، خلال ستة أشهر من انتخابهم ، لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو ، تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد فى موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويُعرض المشروع ، خلال خمسة عشر يوماً من إعداده ، على الشعب لاستفتائه فى شأنه ، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه فى الاستفتاء .)ـ

أي أن اللجنة التي ستضع الدستور الجديد لها الحق في وضع الدستور كما تشاء، سواء أبقت على المادة الثانية أو ألغتها أو عدلتها من غير ضابط من قرآن أو سنة، بل لها الحق في أن تفعل ما تشاء ، وكأن حق التشريع لها وحدها من دون الله ودون الالتزام بأي ضابط من الوحي

وهذا وحده كفيل بأن يجعل المادة منقوصة السيادة ، ويجعلها تحت حكم مجلس الشعب وخاضعة له ، لا العكس
فهل يصح أن تكون (الشريعة الإسلامية) تحت حكم مجلس الشعب ؟؟؟
وهل يجوز لنا أن نقر بهذا الحال ؟

إن هذا وحده كفيل بأن يجعل هذه المادة بلا قيمة مطلقا من الناحية الشرعية لأن هذا يصطدم بقوله تعالى:ـ{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}ـ[الأحزاب : 36]ـ
وقوله تعالى:ـ{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}ـ[القصص: 68]ـ


وهنا مسألة مهمة ؛
لو فرضنا جدلا أنه وجد دستور ما، وكانت كل مواده مستمدة من الكتاب والسنة المطهرة، ثم وضع في هذا الدستور مادة واحدة تنص على أن البرلمان له الحق في تعديل أي مادة في الدستور، إذا وافقت الأغلبية

فما هو حكم هذا الدستور في ميزان الإسلام ؟

الإجابة : هي أنه بهذه الصورة ليس دستورا إسلاميا
لأن هذا الدستور قد جعل الشعب له سيادة على مواد الدستور المستمدة من القرآن والسنة

ولحل هذه المشكلة يجب إبطال أي آلية في الدستور تسمح لمجلس النواب أو حتى لمجلس العلماء أن يعدلوا الدستور إلى دستور غير إسلامي أو حتى مجرد التصويت أو الاستفتاء على ذلك



سابعا : الأساس الذي بنيت عليه هو اختيار الشعب لا حكم الله؛

ذلك لأن بقية مواد الدستور خاصة المادتين الأولى والثالثة تجعلان المادة الثانية على كأنها ناتجة عن اختيار الشعب وإرادته، وليس على أنها عبادة لله لا يملك مسلم أن يناقشها فضلا عن أن يرفضها
وبالتالي هذا يجعلها عديمة القيمة من الناحية الشرعية !!

لأن هاتين المادتين وغيرهما تنصان على مبدأ الديمقراطية (أي مبدأ حكم الشعب لنفسه) ومبدأ (السيادة للشعب وحده)ـ

فالمادة 1 تقول : (جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى يقوم على أساس المواطنة ، والشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة)ـ
والمادة 3 تقول : (السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها، ويصون الوحدة الوطنية)ـ

فمع أن السيادة لله وحده، ومع أن حق التشريع هو لله وحده، وحق التحريم والتحليل هو لله وحده، ومع ذلك فلا يوجد أي نص دستوري يقول أن التشريع حق لله عز وجل !!! ؛
مع أن هذا الأمر من أبجديات الإسلام المسلم بها والتي لا يختلف عليها مسلمان


مثال؛ لتوضيح هذه النقطة:

لو أن حكومة من حكومات الغرب طبقت حد السرقة مثلا، ولكن ليس من باب طاعة الله أو أن هذا عبادة لله، بل من باب أن هذا يساعد على تقليل السرقة !!
فهل نقول أنهم يحكمون بشريعة الله في تلك القضية ؟
الجواب ؛ لا طبعا، وذلك لأنهم لا بد أن يسلموا لله تسليما بحقه في الحكم والتشريع كما ورد في الآية الكريمة
فهم قد طبقوا هذا الحد لأنهم يريدونه لتحقيق لمصلحتهم، وليس إذعانا لخالقهم ولا تسليما له ولا عبادة له
قال تعالى:ـ{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}ـ[النساء:65]ـ

يقول الشيخ الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي: (فلا فرق بين أن يوافق البرلمان على حكم الله أو أن يرفضه؛ لأننا لا ننظر إلى النتيجة، ولكن إلى كيفية عرض حكم الله على الناس وأخذ رأي المخلوقين في حكم الخالق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فالمبدأ موجود من الأصل، فعندما يعرض تحريم الخمر على البرلمان لاتخاذ قانون بذلك، فمعنى هذا: أنهم يجعلون حكم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى القطعي الذي جاء في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتحريم الخمر حيث يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ[المائدة:90]إلى آخر الآيات، فهو حكم قطعي صريح، وسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القولية والعملية صريحة وقطعية بذلك، يجعلونه موضع نظر عند من يملك حق التشريع الذي خوله القانون أو الدستور بأن يشرع وأعطاه حق التشريع والتحليل والتحريم، فالبرلمان إن رأى أن يوافق شرع الله، واتخذ بذلك قراراً بالإجماع أو بالأغلبية، أصبح شرع الله هو الناتج، وإن رأى البرلمان غير ذلك لم ينفذ ما أنزل الله!)ـ من محاضرة: قراءة في الدساتير القومية


ثامنا : لا أهلية علمية أو شرعية للقائمين على تفسيرها وتفعيلها؛

وذلك لأن المنوط بتفعيل هذا المادة والعمل بها أو حتى تفسيرها ليسوا من علماء الشريعة المعتبرين ولا يتم اختيارهم على أساس شرعي أصلا
إذ أن المخاطب بها ابتداء هو المشرع والذي هو مجلس الشعب ، ولكن لا يوجد آلية معينه تلزمه بها إلا من خلال المحكمة الدستورية

إذ أن تشريع القوانين يكون عن طريق نواب مجلس الشعب ، وذلك بآلية مخالفة لأصول الدين كما أوضحنا في النقطة الثالثة
ثم يتم الحكم على مدى تطبيقها من عدمه وتفسيرها عن طريق المحكمة الدستورية رغم أن قضاتها ليسوا من العلماء ولا من قضاة الشريعة

إذن فالمسئول الأساس عن مراقبة تنفيذ المادة الثانية هو المحكمة الدستورية العليا

يقول المستشار/ محمد وفيق زين العابدين : (فإذا ما صدر نص أو قانون يخالف مبادئ الشريعة الغراء وأحكامها ، يمكن لكل من يهمه الأمر - بشأن قضية هو أحد أطرافها - أن يطعن عليه أمام المحكمة الدستورية العليا ، فإذا ما قضت المحكمة الدستورية بمخالفة النص المطعون عليه لأحكام الشريعة فإن مقتضى نص المادتين ( 48 ) ، ( 49 ) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة ، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة ، باعتباره قولاً فصلاً في المسألة التي فصل فيها ، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته)ـ

وبالتالي فإن الذي يحدد مدى موافقة القوانين للمادة الثانية من عدمه لا يخضع مباشرة لفقهاء الشريعة وإنما لأهواء قضاة المحكمة الدستورية العليا

وحتى لو أراد مجلس الشعب أو المحكمة الدستورية أن يعرفوا رأي علماء الشريعة فإنهم يلجئون إلى مجمع البحوث
ولكن يكون رأي مجمع البحوث تابعا لسلطة المحكمة الدستورية وهي الحاكمة عليه لا العكس
أي أن الكلمة العليا إنما تكون للمحكمة الدستورية لا لمجمع البحوث

كما أن الحكم الصادر من المحكمة لا يصدر إلا باسم الشعب لا باسم الله
أي يكون تابعا لسلطة الشعب واستقلاله بحق التشريع من دون الله

فأين هذا كله من قول الله تعالى:ـ{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً}ـ
وأولو الأمر هنا في هذه الآية هم العلماء

إن الرجوع للعلماء الربانيين الذين يتم اختيارهم بمعايير الكفاءة العلمية والدين هو الضمانة الوحيدة لعدم تفسير نصوص الشريعة بأهواء الناس وهو ضمانة لعدم الميل عن أحكام الشرع إلى غيره ولي عنق الآيات والأحاديث لتبرير هذا الفعل

فإن قال قائل أن التحاكم إلى المحكمة الدستورية إنما هو من باب الترجيح بين أقوال الفقهاء المختلفة لتكون المحكمة الدستورية هي التي تختار من بين أقوال الفقهاء وهي التي ترجح بينها

والرد ؛ أن هذا كلام باطل مردود من وجوه ؛

الأول؛
أن المحكمة الدستورية لا يعرض عليها المسائل الخلافية بين الفقهاء للترجيح بينها !
بل إن لها الحق في الحكم على كل القوانين بما فيها ما يتعلق بأصول الدين وثوابته القاطعة التي لا خلاف فيها

الثاني؛
أن قضاة المحكمة الدستورية الذين لا يصدرون أحكامهم إلا بناء على قواعد دستورية وضعية لا على الشريعة الإسلامية

الثالث؛
أن الحكم الصادر من المحكمة لا يصدر إلا باسم الشعب لا باسم الله رب الشعب !!
أي يكون تابعا لسلطة الشعب واستقلاله بحق التشريع من دون الله

الرابع؛
أن هؤلاء القضاة ليسوا من علماء الشريعة المعتبرين أصلا ، ولم يتم اختيارهم لهذا المنصب على أساس الكفاءة في العلوم الشريعة ابتداء،
لذا فليس من الفقه في شيء أن يكون الترجيح بينهم بواسطة أناس ليسوا من علماء الشريعة ، كما أن هذه الوسيلة ليست موجودة في الفقه أصلا ولم يقل بها أحد من أهل العلم مطلقا
وإنما يكون الترجيح بوسائل معروفة في الفقه وقد ذكر منها أغلب أقوال العلماء وذلك فقط عند تساوي قوة الأدلة وليس عن طريق قضاة المحكمة الدستورية !!

**********
**********


الخلاصة؛

إن المادة الثانية لا تعرض من الناحية الدستورية البحتة على أنها (حكم الله أو شرعه) الذي لا راد له ولا معقب !!! ـ
بل تعرض على أنها (اختيار وحكم الشعب) القابل للأخذ والرد والتعديل !!! ـ
لأن سلطة الشعب فوقها وحاكمة عليها
ومن حق الشعب أن يعدلها أو يلغيها في أي وقت متى توفرت الأغلبية اللازمة لذلك بموجب الدستور

وبالتالي فهي لم تُـشـرع على أنها تعبد لله أو إذعان لحكمه أو تسليم له ولشريعته، بل شرعت لأنها توافق هوى الشعب وحكمه واختياره !!!! ـ
بالإضافة إلى عجزها وقصورها أيضا، حتى صار حال هذه المادة كظلمات بعضها فوق بعض
ـ(وهذا كله من الناحية الدستورية البحتة بصرف النظر عن النوايا)ـ

لأنه لا شأن لنا بنوايا الداعين للديمقراطية وسيادة الشعب، ولا شأن لهم هم أيضا بنوايانا
فنحن نتحدث عن (الخلفية الدستورية المشتركة) التي تحكم من يعمل تحت مظلة الدستور أو أقر به، وهذه الخلفية المشتركة هي : الدستور الوضعي الغير إسلامي

وهذه المرجعية تلزم من يتعاطون معها أو من يقرون بها، بأن هذه المادة مبنية على (اختيار وحكم الشعب) !!! وليس على أنها (حكم الله أو شرعه)!! ـ

وبناء على ذلك فالدستور الذي يحتوي على تلك المادة إنما يؤسس لنظام دولة (ديمقراطي غربي) محض، بل وعلى الطريقة الأوروبية، وليس لنظام إسلامي حقيقي

لأن السلطة التشريعية في مثل هذا النظام تكون فيها (للشعب) بالكامل رغم وجود المادة الثنية في الدستور تتحدث عن الإسلام كدين للدولة
حيث أنها تكون بإذن الشعب وتحت حكم الشعب وباختيار الشعب، ويكون للشعب الحق في إزالتها أو تعديلها متى شاء، أي يكون الشعب مهيمنا عليها

وهذا بالمناسبة موجود في أعتى الديمقراطيات الغربية التي فيها مواد في دساتيرها تتكلم عن الديانة النصرانية بل وتمنع تولي منصب الرئيس لغير النصارى
وذلك لأن هذا لا يتنافى مع الديمقراطية الغربية وليس قيدا عليها أصلا، طالما أن هذه المواد صدرت باسم الشعب وتحت حكمه وتصرفه وطالما أن له الحق في تعديلها متى شاء

كما أن الدولة في هذا النوع هي دولة أحزاب تتعاقب عليها الأحزاب الغير إسلامية مع الإسلامية
والفيصل هو رأي أغلبية الشعب وليس حكم الدين !! ؛


كيفية إصلاح المادة الثانية ؟


هذه بنود مبدئية مقترحة من أجل إصلاح الدساتير الحالية ؛

أولا ؛ تغيير نص هذه المادة الثانية ليصير : (أحكام الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع ويبطل كل ما يخالفها من مواد القانون أو الدستور)ـ


ثانيا؛ ألا يكون من اختصاص مجلس النواب الحق في المناقشة أو الاعتراض أو حتى التصويت على أي حكم من أحكام الشريعة ، بل يقتصر دورهم على مناقشة القوانين الإدارية التي لا نص فيها، ويكون ذلك من قبل أهل الاختصاص


ثالثا؛ أن يتم إلغاء جميع المواد التي تخالف الشريعة من الدستور، وعلى رأسها تلك المواد التي تعطي حق التشريع للشعب، ويتم استبدالها بمواد تعطي حق التشريع لله وحده


رابعا؛ أن يتم مراجعة جميع القوانين أيا كان تاريخ صدورها على أيدي لجنة متخصصة من علماء الشريعة لإبطال كل قانون غير متوافق مع الشريعة


خامسا؛ أن يتم اعتبار القرآن والسنة والإجماع مبادئ فوق دستورية غير خاضعة للنقاش أو التصويت أو التعديل من قبل أي مجلس نيابي أو غيره
وإبطال أي آلية في الدستور تسمح لمجلس النواب أو حتى لمجلس العلماء أن يعدلوا الدستور إلى دستور غير إسلامي أو حتى مجرد التصويت أو الاستفتاء على ذلك

سادسا؛ استحداث لجنة أو مجلس من علماء الشريعة يتم اختيارهم على أسس من العلم الشرعي، تكون وظيفتهم مراقبة تفعيل أحكام الشريعة على القوانين والفصل في القضايا الفقهية الخلافية


وهذه النقاط هي مجرد بنود مبدئية فقط، وإلا فيمكن الرجوع إلى أهل العلم المعاصرين خاصة أهل القانون منهم، ليشاركوا في صياغة دساتير جديدة لا تخالف شرع الله، خاصة أن هناك محاولات سابقة في هذا المجال يمكن الاستفادة منها


خاتمة؛

إن هذه الحقائق لابد من توضيحها للناس توضيحا تاما أيا كانت كيفية تعاطينا معها أو كيفية علاجها، وخاصة أهل القانون والسياسة في بلادنا ممن هم محل لدعوتنا

ولا يجوز أن نكتم هذا بحجة مصلحة الدعوة
ولأنه سيبنى عليها الحكم على الدستور الحالي بأنه دستور غير إسلامي لا يجوز إقراره أو اعتباره دستورا إسلاميا
ولذلك يجب أن نوضح حقيقته للناس وأن ندعوهم إلى تغييره عاجلا أو آجلا متى سنحت الفرصة


لأن هذه الأمور إنما هي من أوجب الأشياء التي ينبغي توضيحها للناس
وبيانها لهم بيانا شافيا واضحا لا مرية فيه
وذلك لأن تحكيم شريعة الله على الوجه الذي يرضيه، هو أمر من أصول الإسلام ويجب تبيينه للناس بيانا شافيا واضحا لا لبس فيه ولا خفاء
وكذلك تحذيرهم من صور الحكم بغير ما أنزل الله كالحكم بالدساتير التي تدعو إلى الحكم بغير ما أنزل الله بطرق ملتوية ماكرة تخفى على عوام الناس، وعلى كثير من خواصهم كما هو الحال في الدساتير المعاصرة

وهذه هي دعوة الأنبياء كلهم فلم يكتموها يوما تحت أي ذريعة
إذ أن أعظم مصلحة في الوجود هي الإذعان الكامل لحكم الله
وأعظم مفسدة في الوجود هي الإذعان لشرائع غيره من الدساتير الوضعية أيا كان نوعها

والله أعلى وأعلم



تنويه هام؛

لكل مسلم حق النشر والطباعة والاقتباس والاختصار بما لا يخل بالفكرة الأساسية التي بنيت عليها هذه الرسالة
وجزى الله خير كل من أعان على نشر هذه الكلمات أو طبعها أو تبناها أو ساهم في إيصالها إلى عوام المسلمين وعلمائهم لتعم الفائدة
وجزى الله خيرا كل من راجعها أو صحح ما فيها من أخطاء أيا كان نوعها إن وجدت


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين