المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بِلاَلٌ بنُ رَبَاحٍ.. مؤذن رسول اللهٍ >>>



erty
28-10-2004, 05:08 AM
قال الفاروق عمر: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا.. يعني بلالاً

لبلال بن رباح مؤذن الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، سيرة من أروع سير النضال فى سبيل العقيدة .. وقصة لا يمل الزمان من تريديها .. ولا تشبع الآذان من سحر نشيدها.. ولد بلال فى "السراة" قبل الهجرة بنحو ثلاث وأربعين سنة، وكانت أمه تدعى "حمامة" .. وهى أمه سوداء من إماء مكة .. ولذا كان بعض الناس يدعونه بابن السوداء.
نشأ بلال فى "ام القرى" (مكة المكرمة) ، وكان مملوكا لأيتام من بنى "عبد الدار" أوصى بهم أبوهم إلى أمية بن خلف أحد رؤوس الكفر. ولما أشرقت مكة بأنوار الدين الجديد .. وهتف الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بكلمة التوحيد .. كان بلال من السابقين الأولين إلى الإسلام. فقد أسلم ولم يكن على ظهر الأرض من مسلم إلا هو وبضعة نفر من السابقين الأولين. على رأسهم خديجة بنت خويلد أم المؤمنين. وأبو بكر الصديق ، وعلى بن ابى طالب. وعمار بن ياسر، وأمه سمية. وصهيب الرومى ، والمقداد بن الأسود.

وقد لقى بلال من أذى المشركين ما لم يلقه سواه .. وعانى من قسوتهم ، وبطشهم ، وغلظ قلوبهم ما لم يعانه غيره .. وصبر هو ومن معه من المستضعفين على الابتلاء فى سبيل الله كما لم يصبر أحد. فلقد كانت لأبى بكر الصديق ، وعلى بن أبى طالب ، عصبية تمنعهما ، وقوم يحمونهما، أما أولئك المستضعفون من الأرقاء والإماء ؛ فقد نكلت بهم قريش أشد التنكيل .. فلقد أرادت أن تجعلهم عبرة لمن تحدثه نفسه بنبذ آلهتهم واتباع محمد. وقد تصدى لتعذيب هؤلاء طائفة من أغلظ كفار قريش كبداً ، وأقساهم قلبا .. فلقد باء أبو جهل – أخزاه الله – بإثم "سمية" فوقف عليها يسب ويرفث (يشتم شتما قبيحا) ، ثم طعنها برمحة طعنة دخلت من أسفل بطنها وخرجت من ظهرها .. فكانت أول شهيدة فى الإسلام..

وأما الآخرون من إخوتها فى الله وعلى رأسهم بلال بن رباح فقد أطالت قريش تعذيبهم .. كانوا إذا توسطت الشمس كبد السماء والتهبت رمال مكة بالرمضاء .. ينزعون عنهم ثيابهم ، ويلبسونهم دروع الحديد ، ويصهرونهم (يحرقونهم) بأشعة الشمس المتقدة ويلهبون ظهورهم بالسياط ، ويأمرونهم بأن يسبوا محمداً. فكانوا إذا اشتد عليهم التعذيب ، وعجزت طاقتهم عن تحمله يستجيبون لهم فيما يريدونه منهم، وقلوبهم معلقة بالله ورسوله إلا بلالا رضى الله عنه وأرضاه فقد كانت نفسه تهون عليه فى الله عز وجل. وكان الذى يتولى كبر تعذيبه أمية بن خلف وزبانيته.
لقد كانوا يلهبون ظهره بالسياط فيقول: أحد أحد .. ويطبقون على صدره الصخور فينادى: أحد أحد .. ويشتدون عليه فى النكال فيهتف: أحد أحد .. كانوا يحملونه على ذكر اللات والعزى فيذكر الله ورسوله .. ويقولون له: قل كما نقول .. فيجيبهم : إن لسانى لا يحسنه .. فيزيدون فى إيذائه ، ويمعنون فى تعذيبه .. وكان الطاغية الجبار أمية بن خلف إذا مل من تعذيبه طوق عنقه بحبل غليظ ، وأسلمه إلى السفهاء والولدان ، وأمرهم أن يطوفوا به فى شعاب مكة.. فكان بلال رضوان الله عليه يستعذب (بمعنى : انه يجد العذاب عذبا) العذاب فى سبيل الله ورسوله ، ويردد على الدوام نشيده العلوى : أحد أحد .. أحد أحد .. فلا يمل من ترداده ، ولا يشبع من إنشاده.

وقد عرض أبو بكر الصديق رضوان الله عليه على أمية بن خلف أن يشتريه منه فغالى في الثمن، وهو يظن أن أبا بكر لا يأخذه .. فاشتراه منه بتسع أوراق من الذهب .. فقال له أمية بعد أن تمت الصفقة: لو أبيت أخذه إلا بأوقية لبعته.. فقال له الصديق: لو أبيت بيعه إلا بمائة لاشتريته. ولما أخبر الصديق الرسول صلوات الله وسلامه عليه باشترائه "بلالا" ، وإنقاذه من أيدى معذبيه قال له النبى عليه الصلاة والسلام: "الشركة يا أبا بكر" (أى: شاركنى فيه) فقال له الصديق رضوان الله عليه: لقد أعتقته يا رسول الله.

ولما أذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة .. هاجر "بلال" رضوان الله عليه.. ونزل هو والصديق وعامر بن فهر فى بيت واحد، فأصيبوا بالحمى جميعاً فكان بلال إذا أقلعت عنه الحمى رفع عقيرته (أى : رفع صوته) ، وجعل يترنم بصوته العذب قائلا:
ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة بفخ (يقصد: موضع خارج مكة) وحولى "إذخر" (أى نبات طيب الرائحة) و"جليل" وهل أردن يوما مياه "مجنة" (يقصد: اسم سوق من أسواق العرب فى الجاهلية على مسافة بعيدة من مكة) وهل يبدون لى "شامة" و"طفيل" (المقصود بهما: جبلان بمكة)
ولا عجب إذا حن بلال إلى مكة وشعابها ، واشتاق وديانها وجبالها .. فهناك ذاق حلاوة الإيمان .. وهناك استعذب فى جنب (بمعنى: ابتغاء وجه الله) الله .. وهناك انتصر على نفسه وعلى الشيطان ..

استقر بلال فى "يثرب" بعيدا عن أذى قريش ، وتفرغ لنبيه وحبيبه محمد صلوات الله وسلامه عليه. فكان يغدو معه إذا غدا ، ويعود معه إذا دعا .. ويصلى معه إذا صلى ، ويغزو معه إذا غزا .. حتى أصبح ألزم له من ظله. ولما شيد الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – مسجده فى المدينة ، وشرع الأذان .. كان بلال أول مؤذن فى الإسلام. وكان إذا فرغ من الأذان وقف على باب بيت الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: حى على الصلاة، حى على الفلاح ... فإذا خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من حجرته ورآه بلال مقبلا ابتدأ بالإقامة.

وقد أهدى "النجاشى" ملك "الحبشة" الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ثلاثة رماح قصيرة من نفائس ما يقتنيه الملوك ، فاحتفظ لنفسه بواحد منها، وأعطى على بن أبى طالب واحدا ، وأعطى عمر بن الخطاب واحداً .. ثم اختص برمحه بلالا ، فجعل بلال يسعى به بين يديه أيام حياته كلها .. فكان يحمله فى العيدين ، وفى صلوات الاستسقاء ، ويركزه أمامه إذا أقيمت الصلاة فى غير المسجد.

ولقد شهد بلال مع نبيه "بدراً" ؛ فرأى بعينيه كيف أنجز الله وعده ، ونصر جنده ، وشهد مصارع الطغاه الذين كانوا يعذبونه سوء العذاب .. وأبصر أبا جهل ، وأمية بن خلف صريعين تنوشهما (يمعنى: تصيبهما) سيوف المسلمين ، وتنهل من دمائهما رماح المعذبين.
ولما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا على رأس كتيبته الخضراء كان معه داعى السماء بلال بن رباح. وحين دخل الكعبة المعظمة لم يكن فى صحبته إلا ثلاثة رجال هم: عثمان بن طلحة حامل مفاتيح الكعبة المشرفة. وأسامة بن زيد حب رسول الله وابن حبه. وبلال بن رباح مؤذن رسول الله. ولما حانت صلاة الظهر كانت الألوف المؤلفة تحيط بالرسول الأعظم صلوات الله عليه وسلامه. وكان الذين أسلموا من كفار قريش طوعا أو كرها ؛ يشهدون ذلك المشهد الكبير .. عند ذلك دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بلال بن رباح ، وأمره أن يصعد على ظهر الكعبة .. وأن يعلن من فوقها كلمة التوحيد ، فصدع بلال بالأمر .. وأرسل صوته الجهير بالأذان. فامتدت آلاف الأعناق نحوه تنظر إليه ، وانطلقت آلف الألسن تردد وراءه فى خشوع. أما الذين فى قلوبهم مرض فقد أخذ الحسد بنهش قلوبهم نهشاً ، وجعلت الضغينة تمزق قلوبهم تمزيقاً.
فما أن وصل بلال فى الأذان إلى قوله: "أشهد أن محمدا رسول الله" حتى قالت "جويرية بنت أبى جهل" : لعمرى لقد رفع الله لك ذكرك .. أما الصلاة فنصلى ولكننا والله ما نحب من قتل الأحبة. وكان أبوها قد قُتل فى "بدر"
وقال خالد بن أسيد: الحمد لله الذى اكرم أبى فلم يشهد هذا اليوم ، وكان أبوه قد مات قبل الفتح بيوم واحد.
وقال الحارث بن هشام: واثكلاه .. ليتنى مت قبل أن أرى بلالا فوق الكعبة.
وقال الحكم بن أبى العاص: هذا – والله – الخطب الجلل أن يصبح عبد بنى "جمح" ينهق على هذه البنية.

ولقد ظل بلال يؤذن للرسول صلوات الله وسلامه عليه طوال حياته. وظل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يأنس إلى هذا الصوت الذى عُذب فى الله أشد العذاب وهو يردد : أحد .. أحد . ولما انتقل الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، وحان وقت الصلاة .. قام بلال يؤذن فى الناس – والنبى الكريم صلى الله عليه وسلم مسجى (يمعنى: مغطى) لم يدفن بعد – فلما وصل إلى قوله "أشهد أن محمداً رسول الله" .. خنقته العبرات واحتبس صوته فى حلقه .. وأجهش المسلمون فى البكاء ، وأغرقوا فى النحيب. ثم أذن بعد ذلك ثلاثة أيام. فكان كلما وصل إلى قوله "أشهد أن محمدا رسول الله" بكى وأبكى .. عند ذلك طلب من أبى بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعفيه من الأذان بعد أن أصبح لا يحتمله (يقصد: لا يطيق أن يؤذن فى غياب رسول الله صلى الله عليه وسلم) .. واستأذنه فى الخروج إلى الجهاد فى سبيل الله ، والمرابطة فى بلاد الشام ..
فتردد الصديق رضوان الله عليه فى الاستجابة لطلبه ، والإذن له بمغادرة المدينة .. فقال له بلال: إن كنت اشتريتنى لنفسك فأمسكنى .. وإن كنت قد أعتقتنى لله فخلنى لمن أعتقتنى له.
فقال أبو بكر : والله ما اشترتيك إلا لله .. وما اعتقتك إلا فى سبيله.. فقال بلال: إنى لا أؤذن لأحد بعد رسول الله .. فقال أبو بكر: لك ذلك.

رحل بلال عن المدينة المنورة مع أول بعث من بعوث المسلمين ، وأقام فى "داريا" بالقرب من "دمشق" ولقد ظل ممسكا عن الأذان حتى قدم عمر بن الخطاب بلاد الشام .. فلقى بلالا رضوان الله عليه بعد غياب طويل .. وكان عمر شديد الشوق إليه ، عظيم الإجلال له ، حتى إنه إذا ذكر الصديق أمامه يقول: "إن أبا بكر سيدنا وهو الذى أعتق سيدنا" [يعنى بلالا رضوان الله عليه] وهناك عزم الصحابة على بلال أن يؤذن فى حضرة الفاروق .. فما أن ارتفع صوته بالأذان حتى بكى عمر ، وبكى معه الصحابة حتى اخضلت اللحى بالدموع. فلقد أهاج بلال أشواقهم إلى عهود المدينة المنورة ، سقيا لها من عهود .

ولقد ظل داعى السماء يقيم فى منطقة "دمشق" حتى وفاه الأجل المحتوم ، فكانت امرأته تعول إلى جانبه فى مرض الموت ، وتصيح قائلة: واحزناه .. وكان هو يفتح عينيه فى كل مرة ويجيبها قائلا: وافرحاه ..
ثم لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يردد : غدا نلقى الأحبه .. محمداً وصحبه ... غدا نلقى الأحبه .. محمداً وصحبه.

خــــالـــــد
28-10-2004, 06:04 AM
يعطيك العافية erty


جزاك الله خي . .لطرحك لهذا الموضوع المفيـــــــد


ليتنـــا نتعلــم من الصحابــة



أشكرك . , . ,






تحياتي

مجروحة الزمن
28-10-2004, 10:08 AM
بارك الله فيك اخي ارتي علي طرحك القيم

وجزاك الله خيرا

أمل عبدالعزيز
28-10-2004, 10:09 AM
أخي العزيز ارتي:

أعز الله بلال بن رباح وهذا كله بفضل من الله ونعمة الإسلام عليه,,,,,,

وكم من كريمٍ هانه كفره

وكم من ذليل أعزه اسلامه

وبلال رضى الله عنه كان ذو صوتٍ شجي ندي من يسمعه لابد أن يبكي وهو يؤذن..

جزاك الله خير ياعزيزي .......

erty
29-10-2004, 10:44 PM
خالد ...

مجروحة ...

الرهيبة ...


وفقكم الله ...

منورين بطلتكم ...

تحياتى .