المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ترجمة الشيخ أحمد علي السورتي (1336-1432)



أهــل الحـديث
22-12-2011, 07:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



أحمد علي السُّوْرَتي
(1336-1432)

هو الشيخ المسند الصالح المعمَّر أحمد علي بن الشيخ محمد بن يوسُف اللّاجْبُوري السُّوْرَتي الهِنْدي، نزيل مدينة لِسْتَر في إنكلترا، والمتوفى بها.

مولده ونشأته:
وُلد سنة ست وثلاثين وثلاث مائة وألف، وهذا هو التاريخ الذي كان يعتمده، وقيل إنه أسن من ذلك.
ومولده في مدينة لاجْبُور، من مديرية سُورَت في كَجَرات، الهند.

دراسته وشيوخه:
درس في بيته، وفي قريته، ثم التحق بالجامعة الإسلامية في دابهيل سنة 1352.

وهناك قرأ مع زملائه على الشيخ العالم المعمَّر عبد الرحمن الأمْرُوهي صحيح البخاري، والموطأ بروايتَي يحيى الليثي ومحمد بن الحسن الشيباني، وتفسير الجلالين، ومعها صحيح مسلم إن شاء الله تعالى[1]، وهو أكبر شيوخه، وأعلاهم إسناداً.

وقرؤوا سنن أبي داود، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه: على العلامة يوسف البنوري.
وقرؤوا سنن الترمذي مع الشمائل والمشكاة على الشيخ بدر عالم الميرتهي.
وأجازه هؤلاء الثلاثة إجازة عامة، وتخرج من الجامعة سنة ستين.

وممن أجاز له أيضاً من العلماء: سراج أحمد، وإسماعيل بسم الله، وشبير أحمد العثماني، وحسين أحمد المدني، والمفتي كفاية الله، ومحمد إدريس الكاندهلوي، ومحمد زكريا الكاندهلوي، ومسيح الله الجلال آبادي، وإنعام الحسن، ومنظور أحمد السهارنفوري، وحبيب الله اللدهيانوي، وعطاء الله البخاري، وأصغر حسين، وعبيد الله بن الإسلام السِّندي، كما في إجازة شيخنا المطبوعة، ويذكر الشيخ أنه أخذ عن بعضهم لما كانوا يزورون جامعة دابهيل، فكان يُقرأ عليهم الأطراف ويجيزون، وزار بعضهم في ديوبند ودهلي وسهارنفور، وحضر ختم البخاري عدة مرات وبعض مسلم عند شبّير العثماني، وقرأ على عبيد الله السندي أول حجة الله البالغة.

وكان شيخنا وقت الطلب يلازم المدرسة صباحاً، والمشايخ مساء، فجلُّ وقته في العلم.

مرحلة العطاء:
درّس شيخنا المترجم بعد التخرج في بلده لاجبور خمس سنوات، ثم في دابهيل درّس الفارسية خمس سنوات، وسافر إلى ملاوي حيث أقام نحو ربع قرن للدعوة، ثم هاجر إلى إنكلترا، وأقام مدة طويلة في مدينة لِسْتَر، وكانت له جهود في التعليم والدعوة، ولا سيما تحفيظ القرآن الكريم، وكتب قديماً حاشية صغيرة على البخاري.

ثم حُبِّب إليه التحديث في السنوات الأخيرة من عمره، لرؤيا رآها، فكان مع ضعف جسمه وإرهاق شيخوخته وأمراضه يصابر على الإقراء، وفتح مقرأة للحديث في لِسْتَر، وأقرأ هناك البخاري والموطأ وغيرهما من الكتب، واستفادت منه الجالية المسلمة هناك، ورُحل إليه، وأقرأ الموطأ في جمع حافل في مسجد إشاعة الإسلام في لندن، سمع عليه نحو 250 رجلاً، و80 امرأة، وذلك يومي 21 و22 محرم 1432.

وكان يسافر شبه سنويا للعمرة، ولما نشط للتحديث في السنوات الأخيرة حدّث في مكة والمدينة عدة مرات، منها في رمضان سنة 1426، ومما قرئ عليه فيها موطأ الشيباني.

ثم سنة 1429 ومما أقرأه فيها: الشمائل في مكة، وفي المدينة الموطأ بروايتي يحيى الليثي والشيباني، وجملة من البخاري.
ثم سنة 1430 أكملوا في المدينة البخاري عليه، والموطأ مرة أخرى، وأغلب الترمذي، وأقرأ الشمائل في مجلس عام في وقف البركة في المدينة المنورة بتاريخ 23/5/1430 حضره نحو المائة.
وفي 1431 قرئ عليه في مكة الصحيحان، وغير ذلك.

ثم استُدعي للكويت من وزارة الأوقاف مرتين تلك السنة، أقرأ فيهما مع بعض المشايخ صحيح البخاري، وختم ليلة 8 جمادى الآخرة، ثم صحيح مسلم، وختم ليلة 3 ذي القعدة، وسمع عليه فوق الألف في كل مرة، وأقرأ الموطأين هناك عقيب صحيح مسلم، وغير ذلك.

ثم في عمرته الأخيرة في ربيع الأول سنة 1432 قرئ عليه موطأ الشيباني، والشمائل، وغير ذلك.

أيامه الأخيرة وخاتمته:
تقدم أن الشيخ نشط للإقراء قبل سنوات قليلة من وفاته، وفي دورة إقراء صحيح مسلم في الكويت كان متعباً بشكل واضح، وزار المستشفى عدة مرات، وكان قليل الأكل جدًّا، وينعس في المجلس، ونظراً لأني كنت قد تشرفت بالجلوس مقابلته تماماً، فقد كنتُ أنبّه الإدارة عندما يتزايد نعاسه، وأراه يُسأل إن كان يحب أن يرتاح؟ فيبتسم بابتسامته المشرقة المحببة -التي كانت تزين سمته الجميل- ويشير بيده أنه بخير، ويصابر ويكمل المجلس لآخره، ولم نكن نتوقع أن يتيسر الختم عليه لكامل الصحيح، فالحمد لله.

ثم بعد عودته لبلده بوقت سافر لاستانبول لحضور حفل تكريم الشيخ محمود أفندي، والتقى به جماعة من أهل العلم والفضل، وكان مسروراً مغتبطاً، كما يقول تلميذه فضيلة الشيخ يحيى الغوثاني، ويضيف أنه لما رجع إلى بلده: «مرض مرضا شديداً؛ حيث أدخل العناية المركزة، إلى أن وصل لحالة يئس الأطباء من حياته، فقالوا: أخرِجوه يموت بين أهله وذويه. فخرج، وبالدعاء والذكر شفي، وعادت صحته جيدة، فلما عاد له وعيه قال: العمرة! العمرة! ولم يكن قد جاء وقتُها، فألحَّ على أهله وبناته وأولاده وأحفاده أن يذهبوا كلهم معه، وجاء للعمرة، واعتمر محمولاً، ثم زار المدينة أسبوعاً، وزار البقيع، وشهداء أحد، وغير ذلك من معالم المدينة، ولما مررنا بمسجد بني معاوية (الإجابة) تمهل قليلاً، ودعا، وكبّر... والتقى بالعديد من خواص طلابه، وأحضر لنا هدايا خاصة من الشوكولاتة الفاخرة، وهذا منه قمة الذوق والعرفان والمحبة.

وأُدخل المستشفى في المدينة المنورة، ووجدوا لديه جفافاً، حيث إنه يمر عليه أيام ولا يتناول سوى زمزم والقليل من الشاي، ثم انطلق إلى جدة، وكنت بصحبته، وكان لسانه لا يفتر عن ذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم طول الطريق».

ويذكر الشيخ الغوثاني أنه شيخنا طلب أن يُقرأ عليه الشمائل في الطريق، فختمه مع ابنه عاصم، مع قراءة أشياء أخر، وأوصلوه للمطار.

ويذكر أن الشيخ قال للابن عاصم: نريد أن نراك في بريطانيا داعية.

وأخبرني عدد ممن لقيه في سفره الأخير هذا؛ ومنهم المشايخ: عبد الله المخلافي، وخالد مرغوب، وعبد الله التوم، وصالح القريري، قالوا: كان يشعر بقرب أجله، ويقول: الدنيا أيامها معدودة. ويصرّح أنه جاء للوداع، ويطلب منهم الدعاء.

وسافر الشيخ مريضا من جدة، إلى الرياض، فلندن، ومنها إلى لستر، وذلك يوم الأحد أول ربيع الآخر سنة 1432.

ثم توفي عصر يوم الخميس خامس ربيع الآخر، الساعة الخامسة و45 دقيقة.

أخبرني بالهاتف الشيخ سليمان اللاجبوري -تلميذ شيخنا؛ وزوج حفيدته؛ ومرافقه الشخصي في مجالس السماع- قال: لما ظهر أن شيخنا رحمه الله في النزع، خرج خادمه أنور من البيت، فلقي إمام المسجد الشيخ محمد (وهو مقرب ومحبوب عند شيخنا) فاستدعاه لهذا الأمر، وشرع يقرأ عليه من سورة ياسين في حضور أقارب الشيخ، ولما وصل لقوله تعالى: (قال يا ليت قومي يعلمون، بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين): فاضت روح الشيخ، كما أخبرني من كان موجوداً.

ثم إن الشيخ صُلي عليه ضحى الجمعة في ليستر، ومع كونه وقت عَمَل هناك في إنجلترا وليس وقت العطلة أو بعد صلاة الجمعة: فقد كان الحضور طيباً جدا حسب المقاييس هناك، فصلى عليه فوق الألفين، كثير منهم من المشايخ وطلبة العلم.

وقال لي: إن زوجه -حفيدة الشيخ- وغيرها من أقاربه رأوا قبل أيام من وفاته رؤيا مفادها أن زوجة الشيخ المتوفاة أعدّت على مائدة أطيب صنوف الطعام الفاخر، وتقول: إنها جهّزتها لضيف كريم يقدم لها. فكان زوجها الشيخ رحمه الله.

وقال لي: إن الاتصالات للتعزية جاءتهم من كل مكان من العالم، وكانت كثيرة جداً.

رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

مواقف وأخبار يرويها تلاميذه في الحرمين:
قال لي الشيخ عبد الله التوم: كان من أميز ما عنده تعظيمه الشديد للسنة، ولا سيما في توحيد العبادة، وبعده عن البدع، ومرة كنا في دعوة معه وجرى حوار بين بعض الجلساء، ومنهم الشيخ أحمد عاشور عن تاريخ مولد فلان من العلماء، فالتقط الشيخ كلمة (المولد)، وظن أننا نتكلم عن مولد النبي صلى الله عليه وسلم، فتكلم طويلاً عن الموضوع، وقال: إن الاحتفال بالمولد بدعة، ولم يكن على عهد الصحابة والقرون الأولى، وشدّد في ذلك.

وأخبرني الشيخ التوم أيضاً وكذا الشيخ أحمد عاشور -ودخل حديث بعضهما في بعض- عن الشيخ أنهما كانا معه في السيارة، وجاء ذكر الإمام عبد القادر الجيلاني، فقال: هذا رجل صالح، ولكن العوام يفعلون عند قبره وكذا في المدينة منكرات ومبالغات لا تجوز، وله كتاب عظيم هو الغنية، ولكن فيه أحاديث ضعاف وأشياء تستنكر، وكان مشايخنا يجتنبون هذه الأشياء منه، وكذلك ما كان من نمطه، وشيوخنا يقولون: إن التصوف لا بد أن يكون مربوطاً بالكتاب والسنة، والسنة والشريعة هما الحاكمان على التصوف، لا العكس.

مع أن الشيخ من أسرة علمية صوفية، ولكن تأثره بالحديث والعلم قوي، وأخذ من التصوف جانب الصلاح والتزكية، وكان عابداً عنده خشوع وتنسك، وصاحب دمعة.

وقال الشيخ عاشور: قال لنا في زيارته الأخيرة قبيل وفاته: الكتب الستة هذه كتب الإسلام التي نعتمد عليها، والذين يُنكرون السنة ويدعون أنهم قرآنيون يُخشى على دينهم، وجاء أحد منهم إلى مدرستنا، وتكلم بهذا، فقال له أحد المشايخ: جدِّد إسلامك. أو نحوه. وصحيح البخاري كله صحيح، ومعتمد، ولا مطعن فيه، تلقيناه عن مشايخنا، قرأناه على شيخنا (بابا) -وهو لقب الأمروهي- عن شيوخه إلى الإمام ولي الله إلى البخاري، ومن اتهمه فاتهموه على السنة وعلى الدين، والله الذي حفظ لنا الدين حفظ لنا هذه الكتب.

وأخبرني أخي الشيخ حامد أكرم البخاري أن الشيخ في زيارته الأخيرة للمدينة ألقى لهم كلمة مهمة في العمل بالسنة، واحترام العلماء جميعاً، وأبدى في ذلك وأعاد، وكانت كلمة مؤثرة في أيامه الأخيرة، ومما قال فيها: أنا آخذ الدواء لأنه سنة، فأعمل بها.

وأخبرني الشيخ خالد مرغوب أشياء عن أيام شيخنا الأخيرة، ومنها أنه كان يكرر الوصاية بحب الصحابة جميعاً، وعدم التعرض لأي منهم، قال: حتى يزيد بن معاوية لا أحب التعرض له لأجل صحبة أبيه، والذي تولى كبر قتل الحسين هو شمر. وكان يقول: أنا لا حاجة لي في الحياة، وجئت الحرمين لأودع. فقال له بعض المشايخ: بل حياتك خير للناس ليقرؤوا عليك ويعلو سندهم.

وقال لي جماعة: إنه كان يؤكد ويكرر على احترام المذاهب الأربعة، والعلماء الكبار، وعدم التعصب المذهبي بين أصحاب المذاهب.

وقال لي الشيخ أحمد عاشور: في إحدى قراءاتنا عليه وصلنا إلى كتاب الزكاة، فلما قرأنا اسم الباب أوقف القراءة، وقال لنا: كتاب الزكاة إذا قرأناه يتكلم عن النظام الاقتصادي في الإسلام، وهذا النظام لو طُبِّق لحل مشاكل العالم المالية، حتى الاشتراكية والرأسمالية، ويجب أن لا نقرأه سرداً فقط، بل نطبقه ونعمل به.

وهذه أخبار ومواقف أفادني بها أخي الشيخ عبد الله بن أحمد التوم في مكالمة مطولة ليلة 9/4/1432، فمما قال:
لاحظت أن الشيخ يركز مع القراءة كثيراً، ويندمج مع القارئ، وإذا أحس بعدم التركيز يوقف القارئ، ويقبل على القارئ ويلتفت عليه، وإذا التقط بعض الكلمات يعلق بالأردو.

وقال: لاحظنا انفتاح الشيخ للسماع في السفرة الأخيرة، كان عند الشيخ الغوثاني فوت في موطأ الشيباني، قرأت له في الحج والنكاح، ثم توقفت ليرتاح الشيخ، فبادرنا قائلا: اقرؤوا.. اقرؤوا.. وهذا الأربعاء قبل الماضي. (أي قبل الوفاة بنحو أسبوع).

يبرز عنده حب الاتباع، قلّ ما يختم مجلس إلا بالدعاء، ويكرر الكلام عن آية: (اليوم أكملت لكم دينكم) وأن الدين كامل، ويحمد الله على كمال الدين، ويحرص على عدم الزيادة والابتداع، وعادة يتأثر عند تعظيم السنة، وعند كلامه عن قيام الأئمة بالدين كالبخاري، وشيوخه.

وفي السفرة الماضية كنت أوصله الحرم بين المغرب والعشاء، وهو حريص على القرآن وسماعه، ويختار سوراً، ثم طلب أن نقرأ ختمة، وإذا وصلنا سجدة يسجد للتلاوة، والآيات المؤثرة يكرر معي الآية.

ومن المواقف المؤثرة في هذا: كان يتحسر بشدة أنه لا يستطيع القراءة في المصحف، وفي إحدى المساجد طلب أكبر المصاحف وأتيت له به، وحاول ولكن لم يستطع، وتحسر.

كان كل عمره العملي في تدريس القرآن، نحو خمسين سنة.

عنده حب عجيب للأطفال، إذا مر طفل من أمامه بالحرم يبتسم، ويناديه، ويحاول أن يعطيه شيئا، ومرة أحد الإخوة أعطاه مائة ريال[2]!

وكان يحثني على الزواج، وكل مدة يسألني عنه بالأُرْدية: (شادي)؟

ومن أخلاقه الاحتفاء بالضيوف، زرناه العاشرة والربع تقريبا صباحاً، وكان نائماً لم يشعر بنا، فأول ما صحا اعتذر بشدة أنه لم يحس بالضيوف، ويسأل: هل أكرمتموهم وأضفتوهم؟

وكان كثير التذكر لمشايخه، ويترضى عليهم، وكذا الأئمة الستة، والأربعة، ويكرر شيخه مولانا بابا (الأمروهي)، وشيخه النانوتوي.

طلبه بعض أهالي ملاوي من الهند للإمامة والدعوة، وقضى وقتا طويلا في الباخرة، ولما وصل رأى أن أهل المسجد أتوا له بإمام ومدرس آخر! فذهب ووجد مسجدا غيره.

وهناك قصيدة لبدر عالم الميرتهي قرأناها عليه في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وهي جميلة خالية من الغلو، وكان الشيخ يتفاعل معنا.

والشيخ ودودٌ جدا، ويتكلم معك حتى لو لم تفهم عنه، وأحياناً يأتي بقصائد فارسية بالنغم، وهو يحفظ جملة منها ويترنم بها بالطريق، ونحن لا نفهم شيئا!

وكان يحترم مجلس الحديث جداً، لما دخلنا عليه كان جالساً على السرير متعبا للغاية، ولما طلبنا القراءة، تكلم وطلب أن يعدلوا جلسته، وأدلى رجليه من السرير وتحفظ، مع أنه كان لا يكاد يقدر يفتح عينيه.

وكان يوصي قائلا: الدنيا دار ممر، وأنا ضعفت وأزف العمر، فاعتنوا بالسنة، واحترام الأئمة. كان يكرر هذا في آخر زيارته.

وفي الزيارة قبل الأخيرة ودع أقاربه في بريطانيا وقال: لعلي أموت في المدينة ولا أراكم.

والشيخ عنده ضبط، لا يختلف كلامه في المقروءات والمشايخ واللقي، اللهم إلا في صحيح مسلم كان من النادر الذي اختلف فيه، وكان آخراً يصر بشدة أنه عن الأمروهي.

وبالجملة: فهو من أجلّة من أخذنا عنه سمتاً ووقاراً، وحتى لو تكلم بالأردية نشعر بالتأثر والصدق؛ حتى قبل أن يُترجم لنا.

انتهى بتصرف يسير.

ومن الفوائد الأخرى:
قال لي الشيخ التوم: كان الشيخ متعلقاً بالعبادة، ومع أنه لا يستطيع القيام من الكرسي كان في بعض المرات في المسجد أراه بجانبي يغالب نفسه أحياناً، ويقوم، ويسجد على الأرض، ويبتهل بالدعاء.

وأخبرني هو والشيخ أحمد عاشور: أن الشيخ لما جاء سنة 1429 للعمرة كان رأى رؤيا أنه يحدّث في المسجد الحرام، وأنه يقرئ البخاري، وكان قبل ذلك قليل الإقراء، ويعتذر من غالب الطلبة، ولما جاء صار هو يتطلب، ويقول: اقرؤوا علي البخاري، ويكرر ذلك، وصابر على إقرائه وتعب جداً، لأجل ما رآه من بشارة حققها الله له.

فأقرأ في المسجد الحرام، وأقرأ الصحيح في مكة، وفي المدينة، وأيضا في الكويت، وفي بريطانيا، وكل ذلك وهو مريض جداً فوق التسعين، قبل وفاته بسنتين أو ثلاثة فقط.

وأذكر في مجلس ختم الموطأ عليه في الكويت كان قد تعب كثيراً، ولكنه صابر بجهد جهيد حتى إنهاء الكتاب في الليل، وكان سفره صباح اليوم التالي، جزاه الله عنا خيراً.

ومما يُشهد به للشيخ، وأجمع عليه عارفوه: أنه بشوش جداً ومتودد واجتماعي لطيف المعشر، وكان منور الوجه والشيبة، جميل الهيئة، مع علو سنه ونحول جسمه، وله تودد خاص مع الأطفال، فقد قضى عشرات السنين معلماً للقرآن والمبادئ لأبناء المسلمين في ملاوي ثم بريطانيا، ولهذا أرجو أن يجتمع فيه الحديثان: (خيركم من طال عمره وحسن عمله)، و(خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

رحم الله شيخنا رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جنانه، وبارك في ذريته وتلاميذه.

مصادر الترجمة:
• ترجمة شيخنا التي كتبها الشيخ محمد أكرم الندوي.
• مشافهة شيخنا في المدينة وفي الكويت.
• إجازته المطبوعة.
• مشافهات ومذاكرات وإفادات متعددة مع تلاميذ الشيخ، ومضت تسميتهم في الترجمة.

------------------
الهوامش:
[1] كان شيخنا يتردد في شيخه في صحيح مسلم، بخلاف باقي الكتب، وكان أكثر ما يذكر أن سماعه على شيخه البنوري، وهذا الذي أثبته له تلميذه الشيخ محمد أكرم الندوي، ثم صار شيخنا يصمم ويصرّ آخر الأمر أنه قرأه على شيخه الأمروهي، وأفادني الشيخ خالد مرغوب أنه ثبت لديه عبر البحث في مقروءات أقران شيخنا في سُورَت وزملائه في جامعة دابهيل -ومنهم أحد أقاربه- أن الذي درّسهم صحيح مسلم آنذاك هو الأمروهي، فالحمد لله.
[2] ومما يُستطرف ما قاله أحد الإخوة الفضلاء في ملتقى أهل الحديث: «..ولا أنسى عندما رأيته في المطار سابقا، وكان برفقتي ولدي الحارث، فقبّلتُ بين عيني الشيخ، وعندما رأى ولدي بصحبتي قال فَرِحًا وهو جالس في عربته يريد تقبيل الطفل بلغته: أوووه بَتْشا! -يقصد: طفل!- فأهوى الولد مقبّلا يد الشيخ رحمه الله، ثم سألني بعدها عن الشيخ سؤالا غريبا لم أتوقعه من طفل: هل هذا الشيخ رسول؟! لأنه لم ير معمَّرا في عمره وهيئته من قبل! فأخبرته أنه شيخي».


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/1186/36957/#ixzz1hJt4Yxtp