المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار



أهــل الحـديث
21-12-2011, 09:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




لقد ذهب الحمار

حكاية مأثورة عن الجاحظ وهي أنه قال: ألّفت كتاباً في نوادر المعلمين وماهم عليه من التغفل. ثم رجعت عن ذلك وعزمت على تقطيع ذلك الكتاب.. فقد دخلت يوماً مدينة، فوجدت فيها معلماً في هيئة حسنة، فسلمت عليه فرد علي أحسن رد ورحب بي، فجلست عنده وباحثته في القرآن الكريم، فاذا هو ماهر فيه. ثم فاتحته في الفقة والنحو وعلم المعقول، وأشعار العرب، فاذا هو كامل الفقة والأدب فقلت: هذا والله مما يقوي عزمي على تقطيع الكتاب الذي تحدثت فيه عن غفلة المعلمين.
وأخذت اختلف إليه وأزوره.. حتى جئت يوماً لزيارته، فإذا الكتاب مغلق، ولم أجده.. فسألت عنه، فقيل: مات له ميت فحزن عليه وجلس في بيته للعزاء.
فذهبت إليه نحو داره وطرقت الباب فخرجت الي جارية وقالت: ما تريد؟ قلت سيدك. فدخلت ثم خرجت وقالت: بسم الله.. فدخلت إليه وإذا به جالس فقلت عظم الله أجرك فيما فقدت(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) كل نفس ذائقة الموت، فعليك بالصبر. ثم قلت له: هذا الذي توفي ولدك؟ قال: لا. قلت والدك؟ قال: لا، قلت أخوك؟ قال: لا، فقلت: إن كانت زوجتك فرحمة الله عليها وعوضك الله خيرا منها.. قال ليست بزوجتي.. إذن الميت ما هو منك؟ قال حبيبتي. فقلت في نفسي هذه أول المناحس. فقلت: سبحان الله النساء كثير، وستجد غيرها بتوفيق من الله، ومشيئته. فقال: أو تظن أني رأيتها؟ قلت في نفسي وهذه منحسة ثانية.
ثم قلت: وكيف عشقت من لم تر؟ فقال: أعلم أني كنت جالساً في هذا المكان وأنا أنظر من الطاق، اذ رأيت رجلاً عليه برد وهو يقول:
أيا أم عمرو جزاك الله مكرمة ردي علي فؤادي أينما كان
لا تأخذين فؤادي تلعبين به فكيف يلعب بالانسان انسانا
»انسانا: في موقع الفاعل عليه ان يكون بالرفع ولكن جهل المغني أشاع هذه الرواية بالنصب«
ومضى المعلم يحدث الجاحظ
فقلت في نفسي: لولا أن أم عمرو هذه ما في الدنيا أحسن منها، لما قيل فيها هذا الشعر الجميل فعشقتها.. فلما كان منذ يومين إذ مر ذلك الرجل بعينه وهو يقول:
لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار
فعلمت أنها ماتت فحزنت عليها وأغلقت المكتب وجلست في الدار أتقبل العزاء.. فقلت يا هذا إني كنت قد ألفت كتابا في نوادر معشر المعلمين، وكنت حين صاحبتك عزمت على تقطيعه لما رأيت فيك من فصاحة وعلم وأدب. والآن قد قويت عزيمتي على ابقائه وأول ما أبدأ أبدأ بك إن شاء الله.