المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شبهة الطرح العقلي المحض



أهــل الحـديث
19-12-2011, 11:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله و بعد:
من الحكمة التي يتميز بها أولو النهى أن يضعوا الأمور في نصابها, و أن يعرفوا متى يتكلمون , و متى يرعوون ,؟ و كذلك من مميزاتهم أنهم موقنون بأنه لا يلزم أن يطرحوا ارائهم في كل موضوع, لأن الحكمة التي تقول(من تكلم في كل شئ فهو جاهل بكل شئ) منصوبة أمام أعينهم, و فوق هذا كله قول الله تعالى( و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) , فهم يخافون ربهم فلا يتلفظون بما يعتقد أن فيه خراب دنياهم , و تبار اخرتهم, فتجدهم حريصين كل الحرص ألا يتكلموا إلا بأثر, و ألا يحاجوا إلا بخبر, و ألا يناقشوا لترجيح مصالحهم الشخصية الغضبية, و إنما همهم أن يدافعوا عن حياض الدين ضد انتحال المبطلين و تأويل الغالين, فيا لهم من فرقة طاب مسعاها, و خاب من عاداها, فكيف لمعاديها بحرب لله , و من حارب الله, فقد باء بالويل و الثبور.
من مسلمات النفوس البشرية و المجادلات الانسانية أن ما يطرحه الإنسان من فكرة أو كلمة فإن بواعث هذا الطرح من ناحية المكون لهذه الأطروحات و المشكل الأساسي لها لا يخرج عن خمسة أمور: فإما أن يكون المكون لهذه الأطروحات هو المنهج الشرعي من كتاب و سنة و أدلة شرعية , و إما أن يكون المكون لهذا الطرح هو القراءات المختلفة في كتب الديانات السماوية المختلفة و ما تلفظ بها العقلانيون أو السفسطائيون , و إما أن يكون هذا الطرح ناتجا عن تصور عقلي محض نبع من طول فكر و إدامة نظر في الأدلة العقلية و المحارات التي يقف عند عتباتها العقل لا يتردد أصحاب هذا الطرح من الخوض فيها دون شد للجام العقل ففي خوض هذه الهلكات الكأداء الخيبة الدنيوية بالحيرة و الذهول و التشتت و عدم الاقتناع بالقول الاخر لمخالفته لهذا التصور العقلي , و النوع الرابع من أنواع الطرح هو الطرح الناتج عن الهوى و الشهوة المحضة, فتجد صاحب هذا الطرح منقادا لهوى نفسه , فتجده مبررا لكل الأفعال التي تمليها عليه شهوته من دون نظر لشرع و لا لعقل, و أما الطرح الخامس فهو طرح من رفع عنه القلم و هو من فقد الة الادراك و هو المجنون و النائم و الصغير على تفصيلات ليس هذا محلها, و بالعودة لمصادرنا الشرعية نجد الطرح الأول و هو المنبثق من الشرع قد ذكر مدحه كثيرا في كتاب الله تعالى فقد قال تعالى مثلا( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) فوصف القران بالهداية و الأدلة في هذا كثيرة, و أما الطرح الثاني و هو المأخوذ من كتب الديانات الأخرى و كتب العقلانيين و غيرهم فنجد قول الله تعالى في سورة لقمان: ( و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم و يتخذها هزوا), قال البغوي: قال الكلبي ، ومقاتل : نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة كان يتجر فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدث بها قريشا ، ويقول : إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود ، وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة ، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن ، فأنزل الله هذه الآية.) انتهى كلامه رحمه الله . و لا يظنن أحد أني أضعف رواية عبدالله بن مسعود أن المقصود بهذه الاية تحريم الغناء فهذا من خلاف التنوع لا خلاف التضاد و ليرجع لكتب أصول التفسير في التفريق بين هذين النوعين. و مما يذكر في هذا الطرح أيضا حديث النبي صلى الله عليه و سلم عندما رأى عمرا بيده ألواح من التوراة فغضب النبي صلى الله عليه و سلم و قال: أو متهوكون يا عمر , و الله لقد جئت بها بيضاء نقية, و الله لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي).
و أما الطرح الثالث فهو العقل و التصوير العقلي لكل الحوادث دون الأوبة إلى مصادر التشريع , فقد روى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولون: هذا الله خلق كل شئ, فمن خلق الله؟ قال: فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل : امنا بالله.) . فلا شك أن هذا من التسلسل العقلي الذي يؤدي إلى مثل هذه التصورات الخطيرة , فأوصى النبي صلى الله عليه و سلم عند وجدان ذلك بقول امنا بالله , و هذا فيه تجديد لعقيدة التوحيد و استحضار عظمة الرب جل جلاله.
و أما الطرح الرابع و هو الهوى و الشهوة التي تنتهي بصاحبها للهوان , على قول القائل:
نون الهوان من الهوى منزوعة فإذا هويت فقد لقيت هوانا.
ورد ذم هذا النوع من الطرح في قول الله تعالى ( أفرءيت من اتخذ الهه هواه و أضله الله على علم و ختم على سمعه...) إلى اخر الاية, و ورد في حديث ضعفه بعض العلماء, ( العاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله الأماني).
و أما الطرح الخامس و هو نزع الة الادراك من جنون و نوم و صغر فهذا لا يؤاخذ الله عليه فقد و رد في السنن من حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال( رفع القلم عن ثلاثة: الصغير حتى يبلغ, و المجنون حتى يفيق, و النائم حتى يستيقظ).
و سأركز في مقالي هذا على الطرح الثالث و هو الطرح العقلي المجرد البحت الذي يجعل من الأدلة العقلية مناطا يتحكم في حكمه على الأشياء و ينبذ ما عدا ذلك خلف ظهره احتجاجا بمخالفة هذا للمعقول من الأذهان , و البعض يجعل كل ما يرد على سمعه خاضعا لسلطة العقل و مشرحة النقد و التفكيك , حتى أن القران الكريم و هو الوحي المقدس لم يسلم من التشريح النقدي و التفكيك البنيوي و الذي تولى كبره حفنة من المتفرنجة و الذين يخالون أنفسهم مفكرين إسلاميين و يزهون كونهم حصلوا على شهادات كبرى في علم الفلسفة و الذي ما أدخل على المسلمين إلا شرا , فأتى هؤلاء بهذه النظريات , و التي تظن نفسك عند قراءاتها غير فقيه بلغة العرب و لا أساليبهم الفتانة , و لكن الحقيقة أن هؤلاء لما علموا أن أفكارهم مكشوفة العوار و سهلة الانهيار , فإنهم حاولوا أشد الجهد و غايته أن يزوقوا كتاباتهم هذه بمثل هذه الأساليب الصعبة و التراكيب المعقدة , و التي لو تفكر الإنسان في حقيقة أمرها لوجد أنها مجرد تمتمات مخرف عرف ضعف فكرته فحاول تقويتها بمثل هذا التعقيد , و كأني بكلامهم كما ذكر شيخ الاسلام عن كلام بعض المتفلسفة أنه كلحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى و لا سمين فينتقل , و رحم الله الرازي حين قال:
العلم للرحمن جل جلاله و سواه في جهلاته يتغمغم
ما للعلوم و للتراب و إنما يسعى ليعلم أنه لا يعلـــم
*لا يراود عاقل شك و لا تنتابه ريبة في أهمية العقل و أنه مناط التكليف و أن دوره كبير في التفكر في عظمة الله تعالى و التبصر في نعمه و معرفة وجوب ألوهيته عز و جل , فنجد الخطابات الكثيرة في القران التي تدل على وجوب التفكر و التعقل في جمع من الأمور , فنجد كثير من الايات القرانية تنتهي بقول الله تعالى( إن في ذلك لايات لقوم يعقلون).
و في نفس الوقت لا يشك علماء الملة أن خطابات الشرع لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعارض العقل السليم , و لذا ألف شيخ الاسلام ابن تيمية رسالته المشهورة( درء تعارض النقل و العقل) و التي أثبت فيها أن النقل الصحيح لا يمكن أن يخالف النص الصريح , و أنه و إن تصور أحد أن هنالك تناقض فإما أن يكون النص غير صحيح, و أما أن يكون العقل غير صريح, و هذا واضح و معلوم, على أن هنالك كثير من الأمور التشريعية و التي لا يستطيع العقل البشري و الذي له من القدرات المحدودة الشئ القليل و النزر الضئيل , أن يفسر مثل هذه الأمور. مثل حقيقة الجنة و النار , أو كيفية صفات الله تعالى أو غيرها من الحكم التشريعية و الكونية العظيمة و التي قد يدرك العقل البشري بعضها و يجهل الكثير منها.و الشريعة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قد تأتي بمحارات العقول , و لكنها لا تأتي بمحالات العقول, بمعنى أن العقل قد يحار في بعض الأحكام الشرعية لأنه لم يملك المقدرة على معرفتها , و لكن الشريعة لا تأتي أبدا بما يستحيل في العقل, و هذا مفصل في فتاوى الشيخ رحمه الله تعالى. لذا كان إرسال العقل في هذه المحارات من التكلف المذموم و الذي قد يورث الإنسان سقوطا شنيعا في متاهات الضلال و الغواية, و قد نصح ابن الوزير رحمه الله تعالى في العواصم قوما أعملوا العقول في ما عجزت عقولهم عن إدراكه فقال:(خرست في حظيرة القدس مقولة ( لم) ’ و عشيت لجلال العز عين الفكر , فأقدام الطلب واقفة على جمر التسليم). فانظر إلى هذا الوصف الجميل من هذا الإمام رحمه الله حيث يدعو على هذا السؤال الوقح و هو طلب الكيفية و التعليل لكل الاحكام و الحكم الكونية و التشريعية , فهو يدعو الله أن يخرس هذا اللسان المتعدي, و يرى أن العين تعشو عند وصف جلال الله تعالى و عظمته , فنحن نؤمن بالله و أسمائه و صفاته على المعاني المقررة عند العلماء و لا نخوض بأفكارنا في الكيفية و التشبيه , و بعد ذلك أن أقدام العبيد واقفة على جمر التسليم و وصف التسليم بالجمرة لأنه من الأمور الشاقة على النفس , و لكن يثبت الله من يشاء و يضل من يشاء.
و على مدى تاريخنا الإسلامي نشأت جمع من الفرق المقدسة للعقل و المعطية له قدرا أكبر مما يجب أن يكون , و لعل أشهر هذه الفرق هي فرقة المعتزلة و التي ترأسها واصل بن عطاء و عمرو بن عبيد, و التي تميزت بالتقديس المطلق للعقل و إخضاع كل النصوص للعقل, و دعوى أن بعض الأحكام و الصفات الإلهية لا يقبلها العقل فنفوا و عطلوا و ضلوا و أضلوا , و أتوا بأركان لهم خمسة, تشاق أركان الإسلام الواردة في حديث ابن عمر, فزعموا أن التوحيد هو نفي الأسماء و الصفات, و أن العدل هو أن الإنسان يخلق فعل نفسه, و أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو الخروج على الحاكم , و أن المؤمن العاصي في منزلة بين الكفر و الإيمان في الدنيا, و أنه مخلد في نار جهنم, فكل هذا أتى لما ضعف تقديس النصوص عندهم , و زعموا أن العقل هو الالة الوحيدة التي من خلالها يقبل الإنسان الحكم أو يرفضه , فنزعوا مبدأ التسليم , و الذي هو أصل إلهي ذكره الله تعالى في سورة النساء:( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما). حتى أن الانبياء لم يسلموا من أذاهم فهذا الضال ثمامة بن الأشرس يرى أن موسى و عيسى و محمد عليهم الصلاة و السلام قد شبهوا و مثلوا في صفات الله , فقبح الله هذا الفكر ما أبعده عن نجعة الحق و عن لاحب الدرب السوي , و لله الأمر من قبل و من بعد.
و من ينظر في ردود أهل العلم على هؤلاء يجد أن العلماء الذين ردوا على المعتزلة إما أنهم من أهل السنة كشيخ الاسلام ان تيمية رحمه الله تعالى و تلميذه ابن القيم, فقد أقض مضاجع هؤلاء العقلانيين شيخ الإسلام بسعة علمه و موسوعيته في مذاهب الناس و تدقيقه و قوته في الحجة حتى أنه يعرف في كثير من الأحيان عن مذاهب هؤلاء ما لا يعرفونه هم عن مذاهبهم, و قد ورد عن شيخ الإسلا م عبارات تقدح في هؤلاء المعتزلة, فمنها قوله أن المعتزلة مخانيث الفلاسفة, و قد استاء بعض المتفيهقة من هذه الناحية و زعم أن شيخ الإسلام رمى هؤلاء بالشذوذ و اللواط, و ما أبعد هذا المتعجرف عن سوية اللغة , و مصطلحات الفصاحة, فما علم هذا أن مصطلح مخنث بفتح النون , هو بمعنى الملوط به و العياذ بالله, و أما إذا كانت بكسر النون فمعناها زيادة التشبه بالإناث, و الفقهاء يقولون في كتبهم أن الخنثى من اجتمعت فيه أعضاء ذكورة و أعضاء أنوثة , فلم يقصد شيخ االإسلام بمقولته ما قاله هؤلاء النوابت و إنما بقصد أن هؤلاء أخذوا من مذاهب الفلاسفة و أرادوا أن يجمعوها مع الايات و الأحاديث الشرعية فلم يفلحوا. و كذلك رد تلميذه الشيخ العلامة ابن القيم الجوزية , في كتابه العظيم ألصواعق المرسلة , و في نونيته الأخاذة , على هؤلاء المعتزلة بما يأخذ الألباب ,و بما اعتدناه منه رحمه الله تعالى من الإبداع في النظم , و القوة في المحاجة ,و السداد في الرأي. و أما الفرقة الأخرى التي ردت على المعتزلة فهم الأشاعرة , و منهم الباقلاني , و ابن المنير المالكي في رده على الكشاف للزمخشري و غيرهم. و لا شك أن الأشاعرة أخف من المعتزلة في كثير من الأمور , و إن كان عند الأشاعرة من الطوام ما عندهم, و لكن يستفاد من ردود الأشاعرة على المعتزلة في أشياء كثيرة. و من المعاصرين الذين لم يتبينوا أشاعرة أقحاح و لا معتزلة صحاح, العلامة المفسر التونسي ابن عاشور, في تفسيره التحرير و التنوير , فقد نص في أحيان كثيرة على أن القران ليس بكلام الله لفظا و معنى , بل و في زلة منه رحمه الله ادعى أن القران مخلوق, و هذا منصوص كلام المعتزلة. و المعتزلة أسسوا قواعد كثيرة اقتبسوها من كتب اليونان و الفلاسفة المشائين كأرسطو و غيره. فتشعر حين قراءتك لكتب هؤلاء العقلانيين , بأنهم يفسرون الشئ البسيط بتفسيرات معقدة تكاد تجعل هذا المفهوم البسيط أمرا معقدا لا يفقهه جهابذة الفضلاء فضلا عن العامة. و لعل من أبرز قواعدهم أن المعرفة أول واجب على العبد قبل التوحيد , و قالوا أن هذا هو منصوص الدليل العقلي, و أوجبوا على الله أشياء , و تكملوا في حق الله تعالى بأمور يشيب لها رأس الوليد , و تنتفض لها جلود المؤمنين. فهذا هو أثرهم , و هذي هي نهاياتهم , و قد أجملها ابن دقيق العيد في أبيات له قائلا:
تجاوزت حد الأكثرين إلى العلا و سافرت و استبقيتهم في المفاوز
و خضت بحارا ليس يدرك قعرها و سيرت نفسي في فسيح المفاوز
و لججت في الأفكار حتى تراجعت نفسي إ لى استحسان دين العجائز
فانظر إلى مال هذا العالم , حيث صدح أنه لا خير في هذه القياسات العقلية , و قال أن دين العجائز هو أولى و أنقى لأنهن لم يرهقن عقولهن في مثل هذه المحارات و السبل غير المرضية فكانت عاقبتهن خيرا بأمر الله, و قد روي هذا عن أبي المعالي الجويني, أنه قال عند مماته: أموت على عقيدة عجائز نيسابور, و ما أعظمها من دلالة لن اتعظ.
*و لكل قوم وارث, فقد زعم بعض من رانت عليه غفلته , أن فرقة المعتزلة انقرضت و لم يعد لها وجود, و قد غفل هذا أو تغافل عن فرقة جديدة أسمت نفسها بالتنوير, أو بالعقلانية, و هم فرقة تبعت المعتزلة في التقديس المطلق للعقل , و إخضاع كل النصوص الشرعية للتقاسيم العقلية , و إني أجزم أن الفرق الوحيد بين معتزلة الماضي و معتزلة الحاضر , أن جل معتزلة الماضي كانوا علماء مريدين للخير فأخطاؤه, و أما معتزلة الحاضر العقلانيين فإن جلهم جهلة مريدين للشر فأصابوه و لم يتنكبوه, فشتان ما بين الفريقين من هذه الناحية.
من أكبر الفرق الحاملة لوزر هذا الفكر هم المفكرون الفرانكفونيون , أو الميتافيزيقيون, أو أتباع السوربيون, و أقصد بهم جلة من المفكرين و أكثرهم من المغرب العربي , تتلمذوا في هذه الجامعة الفرنسية (السوربيون) و غيرها من جامعات أوروبا التي تدرس الفكر و الفلسفة و الأنساق البنيوية و التفكيكية و غيرها من المتاهات التي تتعب البصر قبل أن تتعب البصيرة . فأتى هؤلاء كأمثال محمد عابد الجابري, و محمد أركون, و نصر أبو زيد, و حسن حنفي, و مالك بن نبي, بهذه الأفكار الجديدة , و تنوعوا في مدى تطبيقها على تراثهم الإسلامي.
فمنهم كأركون من أخضع القران الشريف لمشرحته و زعم أنه أساطير مكتتبة, و أنها مجرد إلهام روحي, و منهم من غاص في التراث الإسلامي باحثا عن التناقضات التي يزعمها و مفتخرا بقراءة هذا الكم الهائل من الكتب, و منهم حسن حنفي,و الذي أخال كتبه تجميعا و سفسطة, و قد خدع بها بعض الجهلة, و غيرهم كثير . و لكن هؤلاء من الذين كانوا يحملون الفكر كفكر مجرد نابع عن تعلم و قراءة و تتبع , و بئس التتبع هو, و لكنا بلينا بفريق اخر , لا يملك من العلم إلا صحفا و مواقع الكترونية, و قنوات فضائية , ثم يأتي بمقتطفات لهؤلاء و يطبقها على واقع مجتمعه , فأفسد , و أرغى و أزبد , و مطعمة الأيتام من كد فرجها, لك الويل لا تزني و لا تتصدقي, فلم يحسنوا اختيار البضاعة , و لم يحسنوا تسويقها.
و هؤلاء مجموعة من المثقفين الاعلاميين , الذين اكتظت بهم وسائل إعلامنا المحلي, و لكن الذي يطمئن نوعا ما , أن هؤلاء لأنهم جهلة لم يستطيعوا أن يؤثروا في المجتمع بهذه الأفكار الموشومة , رغم أن القلة تأثرت ببعض أطروحاتهم, ولكن الأغلب من المجتمع لا يزال يثق بعلماءه و طلبة العلم الذين يجعلون العقل تحت الشرع.
و ختاما, فإن شر المطايا أقوام ينسبون للعلم الشرعي و للدعوة , اتخذهم أصحاب هذا المنهج العقلاني الضال مطية لإيصال أهدافهم السيئة للمجتمع, و هؤلاء يتميزون بالتمييع للأحكام الشرعية, و التأثر باراء الجماهير, و بسرعة التقلبات و التناقضات , و يزعم بعضهم أن هذه التقلبات تدل على الحرية و عدم الانغلاق, و ما علم هذا أن هذا هو التمييع بذاته , و المائعات تذهب مع المرحاض كما قال ذلك الطنطاوي رحمه الله.
و السلام عليكم و رحمة الله
خالد مبارك عريج
مالدن , الولايات المتحدة المريكية
24 محرم 1433هـ