المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جواب شبهة للمرجئة



أهــل الحـديث
17-12-2011, 08:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



جواب شبهة للمرجئة
* بقلم / د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد :
فإن من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل ؛ قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح . ولم يزل الأئمة يقررون هذا الأصل العظيم ، ويشتد نكيرهم على طائفتي ضلالة : الخوارج الذين أفرطوا، وغلوا، فأسقطوا وصف الإيمان عن مرتكب الكبيرة ، والمرجئة الذين فرطوا ، وتساهلوا، على اختلاف طبقاتهم ، فلم يروا العمل ركناً في الإيمان ، ولا داخلاً في حده وتعريفه .
وقد ظلت كلمة أهل السنة متفقةً على تقرير مسائل الإيمان عبر القرون المتتابعة، حتى ظهر من بعض المشتغلين بالسنة ، في السنيات الأخيرة مذهب ملفق من مقالة أهل السنة ، ومقالة المرجئة التي تخرج الأعمال عن مسمى الإيمان ، وأحدثوا القول بأن العمل ليس شرط صحة ، بل شرط كمال ، في معمعة من المماحكات والمغالطات اللفظية ، ما كان أغناهم عن تقحمها ، وإنما حملهم على ذلك ظهور بعض الاتجاهات التكفيرية . والانحراف لا يعالج بالانحراف ، وإنما يصلح الخطأ بالصواب .
وليس المراد هاهنا بسط القول في رد تلك المقولة من أصلها ، فقد صدر عن اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة، وعن كبار العلماء، وطلبة العلم، ما يكفي ويشفي ، بل المقصود الجواب عن شبهة خاصة أوردها بعضهم ، وصورتها :
( ما القدر الذي يحصل به تحقيق ركن العمل الظاهر من أعمال الجوارح ؟ أهو الأركان الأربعة ، أم الصلاة وحدها ، أم أحد الواجبات ؟ أم يتحقق جنس العمل عندكم بفعل واحد من خصال الإيمان العملية ؛ كرد السلام ، وتشميت العاطس ؟ حُدُّوا لنا حداً نعرف به المؤمن عندكم من غير المؤمن في باب العمل ) .
والجواب من طريقين :
أحدهما : طريق الإلزام : فنقول لهؤلاء : ما القدر الذي يحصل به تحقيق ركن العمل الباطن عندكم من أعمال القلوب ؟ أهو الخوف ، أم الرجاء ، أم المحبة ، أم غير ذلك ؟ وهل يكفي قيامه بالقلب لحظة من العمر ، أم ماذا ؟ حُدُّوا لنا حداً نعرف به المؤمن عندكم من غير المؤمن ؟ فإن قالوا : أعمال القلوب ليست داخلة في مسمى الإيمان ، فتلك مقالة جهم وأصحابه ، والقول بها كفر ظاهر . وإن قالوا : هي جملة من الأعمال القلبية ، وجودها هو الإيمان ، من غير أن تحد بحد يفضي إلى قول جهم، ولا اشتراط جميع ما أمر به القلب اشتراطاً يفضي إلى قول الخوارج والمعتزلة قلنا : فأعمال الجوارح كذلك ، سواءً بسواء .
الثاني : طريق التقرير : فنقول : إن الإيمان الباطن مقتضٍ ومستوجبٍ من حيث هو للعمل الظاهر، بحسب قوته وضعفه؛ فمن قام به حدٌ أدنى من الإيمان الباطن اقتضى واستوجب حداً أدنى من الإيمان الظاهر . فإن تخلف العمل الظاهر ، مع القدرة، دل ذلك على خلو القلب من الإيمان الباطن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية،رحمه الله: ( وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل ، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه، أو بقلبه ولسانه ، ولم يؤدِّ واجباً ظاهراً؛ لا صلاة ، ولا زكاة ،ولا صياماً، ولا غير ذلك من الواجبات ) شرح حديث جبريل :577 ، وقال أيضاً: (ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه، بأن الله فرض عليه الصلوات والزكاة والصيام والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجده، ولا يصوم يوماً من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع. ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح ) شرح حديث جبريل :557 .
وبذلك يتبين فساد سؤالهم من ثلاثة وجوه :
أحدهما : أن زعمهم تحقق ركن العمل بفعل خصلة من خصال الإيمان العملية ؛ كرد السلام، وتشميت العاطس، قضية فرضية في الأذهان، لا وجود لها في الخارج، ألجأت إليها مضايق النقاش. ولا يمكن أن يوجد مؤمن لا يأتي من الشرائع، مع القدرة، إلا مثل هذا .
الثاني : أنهم بنوا شبهتهم على عقيدة مرجئة الفقهاء الذين لايدخلون الأعمال في مسمى الإيمان أصلاً ، وإن تظاهر هؤلاء بمقالة أهل السنة ، بدليل أنهم طالبوا بذكر الحد الأدنى من العمل الذي يصير به المرء مؤمناً، ولو كان الأصل عندهم دخول الأعمال في مسمى الإيمان لسألوا عما يخرج المرء بتركه أو فعله من الأعمال ، عن مسمى الإيمان . فحقيقة الأمر أن الإيمان عندهم قول باللسان واعتقاد بالجنان فقط .
الثالث :أنهم خلطوا بين مسألة الحكم على تارك العمل حكاً ظاهرياً، تترتب عليه الردة والاستتابة، وغيرهما ، فيما يستعلن به صاحبه، ويقضي عليه به السلطان من الأفعال والأقوال الكفرية، أو التروك، كترك الصلاة ، وبين الحكم الباطن فيما بينه وبين الله عز وجل من كفر وإيمان . فأهل السنة يقولون : من ترك العمل مطلقاً كفر، وإن لم يترتب عليه قضاء بردة . وليس الأمر مقتصراً على ترك الصلاة . ولكن الصلاة من الأعمال الظاهرة التي ورد بخصوصها نصوص معينة . وإنما أراد هؤلاء حصر ركن العمل في ( ترك الصلاة ) ، ليصلوا إلى أنها مسألة خلافية ، الجمهور على عدم التكفير بها، فما سواها من باب أولى، ولو كان جميع العمل . والله تعالى أعلم .

* / قسم العقيدة - كلية الشريعة وأصول الدين - جامعة القصيم