المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين



أبو محمد 19
11-10-2011, 06:23 AM
قوله تعالى { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } .

فيها عشر مسائل :

المسألة الأولى : في العفو : قد تقدم شرحه في سورة البقرة على الاستيفاء في الإطلاق والاشتقاق ، واختلف إيراد المفسرين في تفسير هذه الآية على أربعة أقوال : [ ص: 359 ]

الأول : أنه الفضل من أموال الناس ، نسخته الزكاة ; قال ذلك ابن عباس .

الثاني : أنه الزكاة ; قال مجاهد . وسماها عفوا ; لأنه فضل المال وجزء يسير منه .

الثالث : أنه أمر بالاحتمال وترك الغلظة ، ثم نسخ ذلك بآية القتال .

الرابع : خذ العفو من أخلاق الناس ; قاله ابنا الزبير معا ، وروي ذلك في الصحيح عنهما .

المسألة الثانية : روى سفيان بن عيينة عن الشعبي أنه قال : { إن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذا يا جبريل ؟ قال جبريل : لا أدري حتى أسأل العالم ، فذهب فمكث ساعة ثم رجع ، فقال : إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك } .
المسألة الثالثة : قوله : { وأمر بالعرف } : فيه أربعة أقوال :

الأول : العرف : المعروف ; قاله عروة .

الثاني : قول لا إله إلا الله .

الثالث : ما يعرف أنه من الدين .

الرابع : ما لا ينكره الناس من المحاسن التي اتفقت عليها الشرائع .

المسألة الرابعة : { أعرض عن الجاهلين } فيه قولان :

أحدهما : أنه محكم ، أمر باللين .

الثاني : أنه منسوخ بآية القتال قاله ابن زيد .

المسألة الخامسة : روى { جابر بن سليم قال : ركبت قعودي ثم أتيت إلى مكة ، فطلبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنخت قعودي بباب المسجد ، فدلوني على رسول الله ، فإذا هو جالس عليه برد من صوف فيه طرائق حمر ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، فقال : وعليك السلام . فقلت : إنا معشر أهل البادية قوم فينا الجفاء فعلمني كلمات ينفعني الله بها . [ ص: 360 ] قال : ادن منا . فدنوت ، فقال : أعد علي . فأعدت . فقال : اتق الله ، ولا تحقرن من المعروف شيئا ، وأن تلقى أخاك بوجه منبسط ، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك ، وإن أحد سبك بما يعلم منك فلا تسبه بما تعلم فيه ; فإن الله جاعل لك أجرا وعليه وزرا ، ولا تسبن شيئا مما خولك الله . فوالذي نفسي بيده ما سببت بعده لا شاة ولا بعيرا . }

المسألة السادسة : في صحيح البخاري عن ابن عباس قال : قدم عيينة بن حصن بن حذيفة ، فنزل على ابن أخيه الجد بن قيس ، وكان من النفر الذي يدنيهم عمر ، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا ، فقال عيينة لابن أخيه : يا بن أخي ; لك وجه عند هذا الأمير ، فاستأذن لي عليه قال : سأستأذن لك . قال ابن عباس : فاستأذن الجد لعيينة ، فأذن عمر ، فلما دخل قال : هيه يا ابن الخطاب ، فوالله ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم فينا بالعدل . فغضب عمر حتى هم أن يوقع به ، فقال له : العفو يا أمير المؤمنين ، إن الله قال لنبيه : { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ، وكان وقافا عند كتاب الله .

المسألة السابعة : في تنقيح الأقوال : أما العفو فإنه عام في متناولاته ، ويصح أن يراد به خذ ما خف وسهل مما تعطى ، فقد { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل من الصدقة التمرة والقبضة والحبة والدرهم والسمل ، ولا يلمز شيئا من ذلك ولا يعيبه } : ولقد كان يسقط من الحقوق ما يقبل الإسقاط حتى قالت عائشة في الصحيح : { ما انتقم رسول الله لنفسه قط } . [ ص: 361 ]

وأما الاحتمال : فقد { كان يصبر على الأذى ، ويحتمل الجفاء ، حتى قال صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى ، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر } .

وأما مخالفة الناس : فهو كان أقدر الخلق عليها وأولاهم بها ، فإنه كان يلقى كل أحد بما يليق به من شيخ وعجوز ، وصغير وكبير ، وبدوي وحضري ، وعالم وجاهل ، ولقد { كانت المرأة توقفه في السكة من سكك المدينة ، ولقد كان يقول لأخ لأنس صغير : يا أبا عمير ، ما فعل النغير } .

ولقد { كان يكلم الناس بلغاتهم ، فيقول لمن سأله أمن امبر امصيام في امسفر ؟ فيقول له : ليس من امبر امصيام في امسفر }
[ ص: 362 ] المسألة الثامنة : في تنقيح الأقوال بالعرف : أما العرف : فالمراد به هاهنا المعروف من الدين المعلوم من مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، المتفق عليه في كل شريعة التي أمهاتها وأصولها الثلاث التي يقال إن جبريل نزل بها : أن تصل من قطعك ، فلا شيء أفضل من صلة القاطع فإنه يدل على كرم النفس ، وشرف الحلم ، وخلق الصبر الذي هو مفتاح خيري الدنيا والآخرة .

وفي الأثر : { ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها } .

وقال : { أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح } .

والذي يبين ذلك الحديث الصحيح الذي خرجه الأئمة واللفظ للبخاري : قال علي بن أبي طالب : { بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية استعمل عليها رجلا من الأنصار ، وأمرهم أن يطيعوه ، فغضب ، فقال : أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى . قال : فاجمعوا حطبا . فجمعوا . فقال : أوقدوا لي نارا . فأوقدوها . فقال : ادخلوها . فهموا ، وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون : فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار . فما زالوا حتى خمدت النار ، وسكن غضبه ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لو دخلوها ما خرجوا منها ، إنما الطاعة في المعروف } ، يريد الذي يجوز في الدين موقعه ويثبت فيه حكمه .

[ ص: 363 ] المسألة التاسعة : الإعراض عن الجاهلين : وأما الإعراض عن الجاهلين فإنه مخصوص في الكفار الذين أمر بقتالهم ، عام في كل الذي يبقى بعدهم . وقد قال سبحانه : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم } .

وقالت { أسماء : إن أمي قدمت علي راغبة وهي مشركة أفأصلها ؟ قال : نعم ، صلي أمك } .

المسألة العاشرة : قال علماؤنا : هذه الآية من ثلاث كلمات ، قد تضمنت قواعد الشريعة المأمورات والمنهيات ، حتى لم يبق فيه حسنة إلا أوضحتها ، ولا فضيلة إلا شرحتها ، ولا أكرومة إلا افتتحتها ، وأخذت الكلمات الثلاث أقسام الإسلام الثلاثة .

فقوله : { خذ العفو } تولى بالبيان جانب اللين ، ونفي الحرج في الأخذ والإعطاء والتكليف .

وقوله : { وأمر بالعرف } تناول جميع المأمورات والمنهيات ; وإنهما ما عرف حكمه ، واستقر في الشريعة موضعه ، واتفقت القلوب على علمه .

وقوله : { وأعرض عن الجاهلين } تناول جانب الصفح بالصبر الذي به يتأتى للعبد كل مراد في نفسه وغيره ، ولو شرحنا ذلك على التفصيل لكان أسفارا .

اذكر الله
11-10-2011, 03:29 PM
الله يجزاك الجنة على الطرح القيم

سلمت يمناك وآثابك الله على جهودك النقية

كل التقدير وفااائق الإحترام

جميل الثبيتي
11-10-2011, 10:48 PM
جزاك الله خيرا أخي الفاضل ابو محمد

على نقلك الهام والهادف

بارك الله بكم

غلا الروح
11-10-2011, 10:53 PM
جزاك الله جنة الفردوس
وكتب اجرك ورفع قدرك
لا هنت

غرام المشاعر
11-10-2011, 11:02 PM
بارك الله فيك
وجزاك الله خيراً

الابتسامه المهاجرة
12-10-2011, 07:18 PM
جزاك الله خير واثابك على طرحك
ونفع به ورفع قدرك عنده

غـــربة الــروح
12-10-2011, 07:59 PM
جزاك الله خير وكتب اجرك واثابك

أبو محمد 19
15-10-2011, 10:50 PM
نشكركم على دعائكم الطيب
وبارك الله فيكم

مهرة المشاعر
16-10-2011, 01:25 AM
رفع الله قدرك وانار دربك بنور الاسلام
وجعلة بميزان حسناتك

حسن1981
16-10-2011, 08:03 PM
الله يجزاك خير

*الفارس*
16-10-2011, 08:46 PM
وفقك الله لكل خير

وكتب اجرك

محمد السبيعي
18-10-2011, 10:14 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
أحسن الله اليك
وجزاك خير الجزاء

أبو محمد 19
28-10-2011, 11:58 PM
نشكركم على دعائكم الطيب
وبارك الله فيكم

سوسو
29-10-2011, 10:14 AM
جزاك الله خيرا