المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (ملف)..خير الناااس.الصحب الأطهار رضي الله عنهم



سعود بن عبدالله
05-08-2010, 04:23 PM
د. راغب السرجاني
مقدمة


إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فهذا البحث في الحقيقة هو محاولة للاقتراب كثيرًا من جيل الصحابة، هذا الجيل الراقي الرفيع المستوى الذي لم يتكرر مثله في التاريخ، سواء في السابق لجيل الصحابة، أو في اللاحق له، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لن يأتي جيل مثله إلى يوم القيامة.
وعظمة هذا الجيل، وقيمته تأتي من كونه بأكمله يتصف بصفات معينة، من سلامة العقيدة، وكمال الأخلاق، وأمانة النقل، وصفاء القلب، وقوة العزيمة، وحب الجهاد، جيل بأكمله على هذه الدرجة الراقية من الأخلاق والصفات.
قد يظهر إنسان نابغة في زمان من الأزمان، أو تظهر مجموعة من الأمناء الصادقين الأبرار في جيل من الأجيال، أما أن يكون الجيل بكامله على هذه الصورة من النقاء والبهاء، فهذا هو الغريب حقًّا، وهذا هو اللافت للنظر فعلاً في أمر هذا الجيل الفريد.
فلو ظهر في زمن من الأزمان رجل مثل عمر بن الخطاب مثلا، فهذا من سعادة هذا الجيل، ومن سعادة هذا الزمن، وكذا لو ظهر رجل مثل أبي بكر الصديق، أو رجل مثل طلحة بن عبيد الله، أو مثل خالد بن الوليد، أو مثل أبي هريرة، وهكذا لو ظهر رجل واحد فقط من هذا الصنف من الرجال، لأصبح من سعادة هذا الجيل أن ظهر فيهم مثل هذا الإنسان.
لكن أن يظهر كل هؤلاء في زمن واحد هذا هو الأمر العجيب حقًّا والفريد حقًّا.
وليس الغرض في هذا البحث أن نسرد الأقوال، والأفعال التي قام بها الصحابة، فهو ليس مجرد سِيَرٍ ذاتية لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود منه التعرض لكل الأحداث التي مرّ بها الصحابة رضي الله عنهم، ولكن المقصود هو أن نتعلم كيف نقلِّد جيل الصحابة؟
كيف نكون كجيل الصحابة؟
كيف نسير في طريق الصحابة؟
كيف نصل إلى ما وصل إليه الصحابة سواء في الدنيا أو في الآخرة؟
قيمة جيل الصحابة

ولكن قبل أن نتعلم كيف وصل الصحابة إلى هذا المستوى الراقي، وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه، قبل أن نتعلم كيف يمكن أن نسير في طريقهم، أريد في البداية أن أتحدث عن قيمة هذا الجيل.
قيمة هذا الجيل في ميزان الإسلام.
قيمة هذا الجيل في ميزان التاريخ.
بل قيمة هذا الجيل في ميزان الله عز وجل.
وسبحان الله، هذا هو الجيل الوحيد الذي تستطيع أن تعرف قيمته في ميزان الله عز وجل؛ لأن هذا لا يتأتى، ولا يمكن معرفته أبدًا على وجه اليقين إلا بإخبار من الله عز وجل في القرآن الكريم، أو عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما عموم البشر بعد هذا الجيل فلا يمكن الجزم أبدا بأن هذا الجيل جيل ثقيل في ميزان الله عز وجل، فمن أين نعرف هذا؟!
من الممكن أن نرجح أن هذا إنسانٌ فاضل، أو أنه يسير على طريق الهدى، لكن لا يمكن الجزم بأنه فعلا على طريق الله عز وجل؛ لأن التقييم الإلهي للفرد لا يعتمد فقط على ظاهر الأعمال التي نراها نحن بأعيننا، وإنما يعتمد أيضا على القول، وعلى النيات، وهذا لا يمكن للبشر أن يتيقنوا منه أبدا.
نعم هناك شواهد تشير إلى فضائل الرجال والنساء، ولكن هذا كما ذكرنا لا يمكن أن يكون على وجه اليقين، ومن الممكن أن نرى إنسانًا ما، ظاهر الصلاح بينما هو في حقيقته يختلف تمامًا، ولا يعلم ذلك إلا الله عز وجل.
تعالوا بنا نقرأ ونتدبر ما قاله الله عز وجل عن أصحاب بيعة الرضوان:
[لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبً] {الفتح:18} .
هذه الآية لم تُذكر في حق صحابي واحد، أو اثنين، بل ذُكرت في حق ألف وأربعمائة من الصحابة، وقد رضي الله عنهم جميعًا.
أيضا اسمع وتدبر قول الله تعالى:
[لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ العُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] {التوبة:117} .
فهذه الآية نزلت في حق ثلاثين ألفًا من الصحابة رضي الله عنهم، وهم من شارك في غزوة تبوك.
أما الأجيال التي جاءت بعد جيل الصحابة رضي الله عنهم، فمن المستحيل أن نصل إلى يقين أن الله عز وجل تاب على فلان بعينه، لأن الإنسان مهما بلغ من العمل في الدنيا، لا يستطيع أحد أن يجزم بخيريته، أو مكانته عند الله أو درجته في الجنة، أو يتيقن من نجاته من النار.
وقد غرس الرسول صلى الله عليه وسلم في صحابته رضي الله عنهم هذا المعنى اللطيف، والذي نستطيع أن نستوعبه مما رواه البخاري عن خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ- امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ بَايَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً، فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ.
أي أنه لما ذهب المهاجرون إلى المدينة، قام النبي صلى الله عليه وسلم بتقسيم المهاجرين على دور الأنصار، وذلك عن طريق القرعة، تقول السيدة أم العلاء رضي الله عنها:
فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، وَغُسِّلَ، وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ:
رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ.
وسبحان الله من يستطيع منا أن يصل إلى ما وصل إليه عثمان بن مظعون رضي الله عنه، من سَبْقٍ إلى الإسلام، وهجرةٍ إلى الحبشة، وهجرةٍ إلى المدينة، وقد فقد رضي الله عنه عَيْنَهُ في سبيل الله، من يستطيع منا أن يصل إلى ما وصل إليه عثمان بن مظعون رضي الله عنه من ثبات وعزيمة وجهاد وصحبة للرسول صلى الله عليه وسلم، إنسان متكامل حقًا، ومع هذا كله يقول النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة أم العلاء عندما سمعها تقول هذا الكلام:
وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ.
تقول السيدة أم العلاء:
فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟
فَقَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ.
فعثمان بن مظعون من أهل الجنة فعلا، ويرجو له الرسول صلى الله عليه وسلم الخير كله، لكنه يريد أن يزرع في قلب أم العلاء، وفي قلوب كل المسلمين أننا لا يمكن أبدًا أن نجزم يقينًا أن إنسانًا معينا قد أكرمه الله عز وجل إلا عن طريق الوحي، وعن طريق إخبار الله عز وجل في القرآن، أو إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة المطهرة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم قولة عجيبة جدًا، بل في منتهى الغرابة، وهذا من تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي.
يتحدث عن نفسه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ما زال على قيد الحياة:
وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي.
فقالت السيدة أم العلاء:
فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا.
فقد فهمت رضي الله عنها الدرس، واستوعبت الحكمة التي أرادها رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك نفهم ما قاله الصحابي الكريم أبو بكرة رضي الله عنه وأرضاه كما جاء في البخاري ومسلم قَالَ:
أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
وَيْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ.
مِرَارًا، ثُمَّ قَالَ:
مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ.
والشاهد من كل هذه الروايات أن الأجيال التي جاءت بعد جيل الصحابة لا يمكن أبدا الجزم بخيريتها، ولا يمكن الجزم بخيرية رجل بعينة ما دام القرآن، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجزم بذلك، ولم يذكر ذلك بوحي، أو بدليل من عند الله عز وجل، وبالطبع هذا ليس مع جيل الصحابة، لأنه قد عُلم على وجه اليقين أنهم سبقوا، وقد عُلم على وجه اليقين أن الله عز وجل قد زكّاهم، فلا يصح أن يقال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدًا.
لأن عمر بن الخطاب قد زكاه الله عز وجل، وزكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه خاصية فريدة جدًا جدًا لجيل الصحابة، فجيل الصحابة هذا جيل فريد، فريد حقًا، ولن يتكرر، ولأسباب هامة لن يتكرر في التاريخ.
فلماذا وصل هذا الجيل إلى هذا المستوى الراقي جدًا؟
أنا أعتبر وصول هذا الجيل إلى هذا المستوى الراقي راجع إلى أسباب ثلاثة:
السبب الأول: أن هذا الجيل جيل مختار من الله عز وجل، وهذا يعني أن هؤلاء الصحابة بأعيانهم خُلقوا ليكونوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لا بد من وجود أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ لأن له دورًا لا بدّ له من أن يؤديه، لا بد من وجود عمر بن الحطاب رضي الله عنه؛ لأن عليه دورًا يجب أن يقوم به، ولن يقوم به غيره، لا بد من وجود عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وبلال، وخالد، والسيدة خديجة، والسيدة عائشة (http://vb.g111g.com/أم_المؤمنين_عائشة_بنت_أبي_ب� �ر)، كل الصحابة لا بد من وجودهم بأعيانهم، فالله عز وجل كما يصطفى رسله من الملائكة، ويصطفى رسله من البشر، فكذلك هو يصطفي أصحاب رسوله
[اللهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ]{الحج:75} .
لنتدبر كيف يتحدث الله عز وجل عن أصحاب عيسى عليه السلام:
[وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ]{المائدة:111} .
أي أن الله عز وجل خاطب أصحاب عيسى عليه السلام عن طريق الإلهام، أو الوحي غير المباشر، لا بد أن يعينه على تبليغ رسالته، فيختارهم الله عز وجل بطريقة معينة، بل ما هو أصعب، أصحاب موسى عليه السلام وكلنا يعرف ما اشتهروا به من الشر، والأذى، وسوء الأدب، ومع ذلك يقول الله عز وجل عنهم في كتابه:
[وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى العَالَمِينَ(32)وَآَتَيْنَا هُمْ مِنَ الآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ] {الدُخان:32،33} .
هذا في حق أصحاب موسى عليه السلام مع ما اشتهروا به من الأذى والشر.
أما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى الإمام أحمد بسنده عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ:
فَقَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً أَصْحَابُهُ، وَكَانُوا إِذَا نَزَلُوا أَنْزَلُوهُ أَوْسَطَهُمْ.
فهم يجعلون رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسطهم حمايةً له صلى الله عليه وسلم، فلما استيقظوا من نومهم في جوف الليل، ولم يجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول عبادة بن الصامت:
فَفَزِعُوا وَظَنُّوا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اخْتَارَ لَهُ أَصْحَابًا غَيْرَهُمْ، فَإِذَا هُمْ بِخَيَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَبَّرُوا حِينَ رَأَوْهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْفَقْنَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اخْتَارَ لَكَ أَصْحَابًا غَيْرَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَا، بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
الصحابة مختارون؛ لأن على أكتافهم تبعة حمل هذا الدين كاملًا من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الأرض أجمعين، ليس هناك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول فماذا لو كان أصحابة يتصفون بكذب، أو بخيانة، أو بكسل، أو بفتور، أو بحبٍ للدنيا، أو انغماس فيها، ماذا سيكون حال الأرض إلى يوم القيامة لو نقل إلينا الدين مشوهًا؟ أو نقل إلينا الدين مغيرًا أو مبدلًا، لذلك اختار الله عز وجل من البشر من يستمعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بإنصات، ويستمعون إليه بإمعان وتقدير ثم ينقلون هذا الذي ،استمعوا إليه جميعا فيقيمون بذلك الحجة على أهل الأرض أجمعين، وإلا كيف يحاسب الله أهل الأرض؟
كيف يحاسب من يأتي من البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وقد قال الله عز وجل:
[وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولً] {الإسراء:15} .
إذن لا بد أن يوجد جيل يحمل الأمانة، ويُحمّل الأجيال التي تأتي من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمانة تمامًا كأن في وسطهم رسول، وليس هناك رسول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الأمر الأول الذي من أجله كان هذا الجيل فريدًا، وغير متكرر، إنه جيل اختاره الله عز وجل بعناية لصحبة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
السبب الثاني: هو أن هذا الجيل مرّ بتجربة فريدة تمامًا ، تراكم خبرات لم يرها أحد من المسلمين بعدهم، هذا الجيل مرّ بتجربة في غاية الندرة، تعالوا بنا نرى هذه التجربة، وهذا الجيل الفريد:
أولا: رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوه رأي العين، واجتمعوا به، وتعاملوا معه، وصلوا خلفه، واستمعوا إلى حديثه، وهذا الأمر هائل في حد ذاته، إن المؤمن بعد جيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى جيلنا الآن، وإلى يوم القيامة إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يعتبر هذا حدثًا ضخمًا، وهو بالفعل حدث ضخم، والرسول صلى الله عليه وسلم يهتم جدًا بهذا الحدث، تخيل مجرد رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، هذا أمر يهتم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي.
وأعظم من ذلك ما رواه البخاري أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فَي الْيَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي.
وفي رواية: فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ.
فمجرد الرؤية أمر جليل، وعظيم جدًا فما بالكم بمن كان يراه بعينه في كل يوم، وفي كل لحظة ليس في المنام فحسب، بل في الحقيقة، وليس ساعة أو ساعتين لا، بل عمرًا كاملًا.
وأريد منك أن تتخيل معي هذا الموقف:
عندما أصف لك إنسانًا ما أنه أسدى إلى أحد الناس معروفًا، فإنك تحبه لهذه الصفة الحسنة، فماذا يكون منك إذا كان هذا الإنسان قد أسدى هذا المعروف إليك أنت، هذا بلا شك يزرع محبته في قلبك.
إذا سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، غُرسَت محبته في قلبك، فما بالك إذا كان هذا العطاء لك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يعطيك بنفسه، وأنت الذي تأخذ منه بنفسك.
عندما تسمع ما قاله عبد الله بن الحارث رضي الله عنه وأرضاه كما جاء في الترمذي يقول:
مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عندما تعرف هذا الأمر تزداد محبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بالك إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبتسم لك، وأنت بنفسك ترى وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم يبتسم في وجهك.
عندما أقول لك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعود المرضى، ويشهد الجنائز، لا شك أنك تحبه فما بالك إذا كنت أنت المريض الذي زاره النبي صلى الله عليه وسلم، وما بالك إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يشهد جنازة قريبٍ لك، كيف ستكون علاقتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم تكون درجة إيمانك به.
والنظر في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم له تأثير خاص، لنسمع عبد الله بن سلام يصف لنا شعوره عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف كما في الترمذي قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ. قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، فمجرد الرؤية لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تترك في القلب أثرًا لا ينسى، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ.
كما أن رؤية خاتم النبوة تترك في نفس من يراه أثرًا لا ينسى، وكثير من صحابة النبي صلى الله عليه رأوا بأعينهم خاتم النبوة بين كتفيه صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء الصحابة الذين رأوا هذا الخاتم سلمان الفارسي رضي الله عنه، وعبد الله بن سرجس رضي الله عنه، وعمرو بن أخطب رضي الله عنه، وغيرهم كثير رأوا هذا الخاتم، ولا شك أن رؤية هذا الخاتم تترك أثرًا في نفس من يراه، وليس من رأى كمن سمع.
فهذا هو الأمر الأول في التجربة الفريدة التي مرّ بها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعايشون القرآن، فإذا كنا نحن نقرأ القرآن، ونسمع عن أسباب النزول، فإن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم عاشوا هذه الأسباب، وتعايشوا مع القرآن، وهو ينزل في الأوقات المختلفة، رأوه حال حدوثه، ولا شك أن هذه الرؤية وهذه المعايشة كانت ترفع درجة إيمانهم إلى أكبر درجة يمكن أن نتخيلها.
لنتخيل معًا أمر هذه المرأة التي جاءت تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر زوجها، ومدى تفاعلها مع الآيات التي نزلت في حقها، وتخيّل حالها وهي تصلى بسورة المجادلة أو تقرأها أو تسمعها "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها" هي بنفسها السيدة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها وأرضاها تقرأ قد سمع الله:
[قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ] {المجادلة:1} .
من المؤكد أن تفاعلها مع كل كلمة مختلفٌ تمامًا عن تفاعل بقية المسلمين مع نفس الآيات، وتخيل أيضًا تفاعل زوجها أوس بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه مع الآيات، تخيل وهو يسمع هذا التحذير الإلهي:
[الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ القَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ] {المجادلة:2} .
لا شك أنه وهو يسمع هذه الآيات ليس كأحد منا، لأنه عاش هذه الآيات حال حدوثها وحال نزولها.
تخيل أيضًا تفاعل جيران السيدة خولة بنت ثعلبه رضي الله عنها وأرضاها، وهم يقرءون صدر سورة المجادلة، يعلمون أنها نزلت في جارتهم هذه بعينها خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، تخيل تفاعل المجتمع المسلم بكامله مع هذه الآيات.
خرج عمر بن الخطاب، ومعه الناس فمرّ بعجوز فاستوقفته، فوقف فجعل يحدثها وتحدثه فقال له رجل:
يَا أَمِيرُ الْمَؤُمِنِيَن، حبست الناس على هذه العجوز. كان لا يعرفها، فقال: ويلك، تدري من هي؟
سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات هذه خولة بنت ثعلبة التي أنزل الله فيها :
[قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ] {المجادلة:1} .
والله لو أنها وقفت إلى الليل ما فارقتها إلا للصلاة، ثم أرجع إليها.
أرأيت مدى تعظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لأمر هذه السيدة؛ لأن هذه الآيات نزلت في حقها.
ضع هذا المفهوم على كل آيات القرآن الكريم، لأن كل آيات القرآن نزلت في حوادث معينة، أو في ظروف معينة، أو في وقت معين كان الصحابة رضي الله عنهم يعيشون مع كل كلمة، لا أقول مع كل آية، بل مع كل كلمة في كل آية تنزل من عند الله عز وجل.
تخيل نفسك أنك تشارك في غزوة بدر، ثم تسمع سورة الأنفال بعد هذه المشاركة، من المؤكد أن إحساسك بالآيات سيكون مختلفا تمامًا عن إحساس عامة المسلمين الذين يقرءون سورة الأنفال، ويتخيلون- مجرد تخيل- ما حدث للمسلمين في بدر.
الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يتخيلون هذا الأمر، بل إنهم عاشوا هذه التجربة كاملة، عاشوا غزوة بدر من أولها إلى آخرها
[يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] {الأنفال:1} .
فالصحابي عندما يقرأ هذه الآيات، أو يسمعها يتذكر ما حدث عند تقسيم الأنفال، وما حدث من مشادة عندها.
[وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ] {الأنفال:7} .
فالصحابي عندما يقرأ هذه الآيات يتذكر أنهم إنما كانوا يريدون القافلة، ومع ذلك أراد الله أمرًا آخر، فهم يعيشون مع كل كلمة من كلمات الله عز وجل.
[إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ] {الأنفال:11} .
النعاس نزل على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، وتكرر ذلك في غزوة أحد، كما قال الله عز وجل:
[ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً] {آل عمران:154} .
قال أبو طلحة الأنصاري:
كنت ممن أصابه النعاس يوم أحد، ولقد سقط السيف من يدي مرارًا يسقط، وآخذه، يسقط وآخذه، ولقد نظرت إليهم يميدون، وهم تحت الحجب، فسيدنا أبو طلحة الأنصاري عندما يقرأ هذه الآيات
[ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً] {آل عمران:154} .
ويكون هو ممن غشيه النعاس في هذه الغزوة ويقصّ لمن حوله من الناس انظر كيف يكون تفاعلهم مع الآيات.
[وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ] {الأنفال:44}
هذه الآيات نزلت في غزوة بدر، وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: لقد قُلّلوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تُراهم سبعين؟ ألف من المشركين يراهم المسلمون سبعين فقط، فقال له الرجل:
أراهم مائة. قال : فأسرنا رجلًا منهم فقلنا: كم هم؟
قال: ألفًا.
كان الصحابة رضي الله عنهم يتفاعلون مع الحديث القرآني عن أحد، وعن تبوك، وعن غيرها من المواقف، والغزوات، والأحداث التي مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يعايشون كل آيةٍ من القرآن الكريم معايشةً كاملةً، وهذا يعطي بعدًا آخر لهذا الجيل الفريد.
عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه وأرضاه، هذا الصحابي الجليل الذي نزلت فيه صدر سورة (عبس) وكلنا يعرف هذه القصة المشهورة، تخيلوا عبد الله بن أم مكتوم وهو يقرأ [عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى(2)وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى] {عبس:1، 2،3} إلى آخر الآيات.
هل يمكن أن يسهو في الصلاة؟!
كيف لا يخشع في صلاته؟!
وتخيل أيضًا الرجل الذي يقف بجواره في الصلاة، خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسمع الآيات من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلم أن المقصود بهذه الآيات هو عبد الله بن أم مكتوم الذي يقف بجواره في الصف.
تخيل حال سيدنا أبي بكرٍ صديق ودرجة إيمانه ودرجة قربه من الله عز وجل وهو يقرأ قول الله تعالى:
[وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى(17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى(18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى(19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى(20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى]. {الليل:17: 21}.

ويعلم أن هذه الآيات نزلت فيه هو شخصيًا، كيف يكون إحساسه وهو يقرأ هذه الآيات؟
تُرى ما هو إحساس زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه وهو يقرأ:
[فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولً] {الأحزاب:37} .

كيف يكون إحساسه رضي الله عنه وهو يقرأ هذه الآيات ويعلم أن الله عز وجل قد سمّاه باسمه.
إنه أمر هائل، يقول الله عز وجل:
[فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ] فالله عز وجل سمى زيدًا باسمه في القرآن، وتخيل إحساس السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها، وأرضاها وهي تقرأ:
[فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَ] من السيدة زينب [وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَ] أي زوجناك السيدة زينب بنت جحش، كانت السيدة زينب بنت جحش تفخر على زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول لهن:
زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات.
تخيل معايشة السيدة زينب، ومعايشة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ومعايشة كل نساء المسلمين أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم يجلسون مع السيدة زينب بنت جحش، وهم يعرفون فيمن نزلت هذه الآيات، ويعرفون أحداث هذه القصة بالتفصيل.
إذن فالصحابة كانوا يعايشون القرآن تمامًا، ويتفاعلون مع كل آية، ومع كل كلمة، وينصتون إلى الخطاب الإلهي لهم بأذن تختلف كثيرًا عن آذان غيرهم من المسلمين، وبقلوب تختلف كثيرًا عن قلوب كثير من المسلمين، فهؤلاء هم الصحابة رضي الله عنهم.
الأمر الثالث الذي يضيف بُعدًا آخر لتجربة الصحابة الفريدة أن الصحابة رضي الله عنهم رأوا إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغيب،
نحن أيضًا نسمع عن ذلك، لكن ليس من رأى كمن سمع، فالذين يعيشون في الحدث، ويتشوقون لمعرفة ما يحدث على بعد مئات، أو آلاف الأميال، ليس كمن يسمع عن هذا الأمر بعد مائة سنة، أو مائتين، أو بعد ألف سنة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر صحابته بأمر حدث على بعد مئات أو آلاف الأميال.
تعالوا بنا نرى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقفون حوله في المدينة المنورة، وهو يصف لهم ما يحدث في سرية مؤتة على بعد مئات الأميال من المدينة المنورة.
وتخيلوا صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهم يستمعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصف لهم أحداث المعركة يقول صلى الله عليه وسلم: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ الرَّايَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ الرَّايَةَ فَأُصِيبَ- وعيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان الدمع- ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ.
وبعد ذلك يرجع الجيش المسلم، ويعرف المسلمون في المدينة المنورة أن كل كلمة قالها الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم كانت كلمة صدق، وكلمة حق
كم يكون إيمان الصحابة بهذا الرسول وبهذا الدين؟!
لقد عاشوا رضي الله عنهم رؤية إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغيب.
تخيلوا عندما يأتي عاملا كسرى يطلبان من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذهب معهما إلى كسرى فارس، قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ رَبِّي قَتَلَ رَبَّكُمَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ.
وهذا الكلام كان ليلة الثلاثاء 10 جمادى الأولى في سنة 7 من الهجرة، وحدد الصحابة هذه الليلة وعُلم أن كسرى فارس كان قد قُتل في ذات الليلة.
نحن نسمع الآن عن الحدث، لكن الصحابة عاشوا في الحدث، وانتظروا مرور الأيام وعلموا أن كسرى فارس قُتل في هذه الليلة، إن هذا الأمر يعمق الإيمان في قلوب الصحابة رضي الله عنهم.
الصحابة شاهدوا المعجزات الحسية أيضا التي نسمع عنها الآن.
لا شك أن القرآن الكريم أعظم معجزة بين أيدينا، لكن الصحابة رضي الله عنهم مع القرآن الكريم شاهدوا المعجزات الحسية، مثل:
- معجزة انشقاق القمر
وقد حُكي ذلك من روايات عدة في البخاري وغيره، يقول جبير بن مطعم: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار فرقتين، فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل، فقالوا:
سحرنا محمد.
وقالوا: إن كان سحرنا، فإنه لا يسحر الناس كلهم.
فقالوا: انظروا السفار- أي المسافرين- القادمين من خارج مكة، فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق- صلى الله عليه وسلم- وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به.
فسُئل السفار، وكانوا قد قدموا من كل جهة فقالوا:
رأينا.
أي رأوا انشقاق القمر، فأنزل الله عز وجل:
[اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ] {القمر:1} .
أنا أريدك أن تتخيل نفسك تعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في داخل مكة، وأنت ترى القمر يُشق إلى فرقتين، هذا يغرس الإيمان العجيب القوي جدًا في قلوب الصحابة.
- شاهدوا حنين جذع النخلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
روى أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ، فَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ حَنَّ الْجِذْعُ- صدر مه صوتُ حنينٍ وألمٍ لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم- فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاحْتَضَنَهُ، فَسَكَنَ، وَقَالَ:
لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وفي رواية جابر بن عبد الله يقول:
حتى سمعه- أي سمع حنين الجذع- أهلُ المسجد.
تخيّل نفسك في المسجد، وفد سمعت بأذنيك حنين جذع النخلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
- شاهدوا البركة في الطعام، والشراب، والسلاح، والصحة، وفي كل شيء
أمثلة كثيرة لا تحصى، وكلها عجيب.
موقف جابر بن عبد الله في الأحزاب، رأى رضي الله عنه وأرضاه جوعًا شديدًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه سرًا ليأكل في بيته من طعام قليل عنده طعام قليل جدا (ماعز وخبز) حتى أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه سماه طعيمًا
قال: يا رسول الله عندي طُعَيم.
ودعا رسول الله، واثنين، أو ثلاثة على الأكثر من أصحابه صلى الله عليه وسلم، قال جابر بن عبد الله فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الخندق جميعًا، فجاء من سمع النداء، وكانوا قد تجاوزوا الألف، فأكلوا جميعًا من الطعام وشبعوا، وبقيت برمة اللحم ملأى بما فيها حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر زوجة جابر أن توزّع الطعام على جيرانها، تخيل نفسك ممن أكل من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهويمسك ببرمة طعام صغيرة لا تكفي إلا لإطعام ثلاثة أو أربعة ومع هذا يأكل منها ألف ويتم توزيع الباقي، على جيران جابر بن عبد الله.
- موقف قتادة بن النعمان رضي الله عنه وأرضاه في غزوة أحد لما سقطت عينه على وجنتيه، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يحمل عينه على يده، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى مكانها، فكانت أحسن عينيه وأحدّهما.
تخيّل نفسك قتادة بن النعمان أو تخيل نفسك من أصحاب قتادة الذين شاهدوا عينه تقع على وجنته، وشاهدوا عينه بعد ذلك، وهي صحيحة في مكانها كم يكون الإيمان في قلبك؟.
ومن هذا القبيل من الأحداث ما لا يحصى، الصحابة رأوا بأعينهم صورًا يستحيل على غيرهم أن يراها.
- شاهدوا الملائكة في بدر
في صحيح مسلم عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ:
أَقْدِمْ حَيْزُومُ.
فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ، فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ، فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ.
وتخيل مدى إحساس هذا الصحابي بمعايشة الملائكة له في أرض المعركة وفي أرض القتال، يقول أبو داود المازني رضي الله عنه وأرضاه من المسلمين الذين شاركوا في بدر:
إني لأتبع رجلًا من المشركين لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري.
من قتله؟ لا شك أنه ملك من الملائكة.
الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرون جبريل عليه السلام، وقد أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في صورة رجل، وبعد أن يذهب من بينهم كانوا يعرفون أن من كان يقف بينهم منذ قليل هو جبريل عليه السلام أعظم الملائكة على الإطلاق.
روى مسلم عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ:
بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ- وصف دقيق فهو يعيش التجربة كلها- وَقَالَ:
يَا مُحَمَّدُ ،أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ...
قَالَ عمر: ثُمَّ انْطَلَقَ- أي الرجل- فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي:
يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟
قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ.
وكان جبريل عليه السلام يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورة أحد الصحابة الذين اشتهروا بالجمال وهو (دحية الكلبي) رضي الله عنه وأرضاه، وكان الصحابة يعرفون على أي صورة كان يأتي جبريل عليه السلام، ومن لم ير الموقف أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتاه على صورة دحية الكلبي، وكلهم يعرفه، فيتخيلون موقف مجيء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة هذا الصحابي الذي يعرفونه جميعًا.
وهذا الموقف تكرر كثيًرا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- تخيلو أيضًا الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يحدّث المسلمين عن عمرو بن لُحَي، وهو أول من جمع العرب على الأصنام، وجاء بعبادة الأصنام من الشام إلى مكة، ويحكي لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمرو بن لُحَي، ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وَأَشْبَهُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أَكْثَمَ.
وهو أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فيتعايش الصحابة مع قصة هذا الرجل الذي أدخل الأصنام إلى جزيرة العرب معايشة أكبر بتخيلهم له، وهو على صورة رجل منهم يعرفونه جميعًا، فيسأل معبد بن أكثم، وكان جالسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول معبد بن أكثم:
أي رسول الله، يُخشى عليَّ من شبهه؟
قال: لَا، أَنْتَ مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ.
- بل أكثر من ذلك، فتنة الدجال الضخمة التي ستأتي بعد ذلك، وهي من علامات الساعة الكبرى، تخيلوا الرسول صلى الله عليه وسلم يحكي لصحابته عن الدجال، وكما نقرأ نحن الأحاديث الصحيحة التي جاءت في وصف الدجال، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يضيف نقطة أخرى استفاد منها صحابة النبي صلى الله عليه وسلم قال:
فَإِنَّهُ- أي الدجال- أَعْوَرُ الْعَيْنِ، أَجْلَى الْجَبْهَةِ- أي يوجد انحصار لمقدمة الرأس من الشعر، أي نصف أصلع- عَرِيضُ النَّحْرِ، فِيهِ دَفَأٌ- أي انحناء في الجسد- كَأَنَّهُ قَطَنُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى.
وفي رواية أخرى: كَأَنَّهُ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ قَطَنٍ.
وهو أحد الصحابة، فقال هذا الصحابي:
يا رسول الله، هل يضرني شبهه؟
قال: لَا، أَنْتَ امْرُؤٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ امْرُؤٌ كَافِرٌ.
أي أن الصحابة رضي الله عنهم يعرفون كيف يكون شبه الدجال، نحن نتخيل الدجال من الأحاديث التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الصحابة فكانوا يعرفون ملامحة دون تخيّلٍ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شَبّهه في هيئته بأحد الصحابة، وهم يعرفونه جميعًا، وهذا الأمر يضيف بُعدًا آخر لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
شيء آخر انفرد به صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم بُشّروا بالجنة وهم ما زالوا أحياء.
كان الصحابي يسير على الأرض، وهو يعلم علم اليقين أنه من أهل الجنة،
كيف يصبر على الحياة بعد ذلك؟!
هذا ليس فقط في حق العشرة المبشرين بالجنة، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وأبو عبيدة، وسعيد بن زيد، بل إن كثيرًا من صحابته صلى الله عليه وسلم بُشرّوا بالجنة وهم أحياء.
في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ:
يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ- يَعْنِي تَحْرِيكَ- نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ.
قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ.
فكان رضي الله عنه يعيش في الدنيا وهو يعلم أنه من أهل الجنة، لأجل هذا وعند موته رضي الله عنه كانت زوجته تبكي وتصرخ فقال لها:
لماذا تبكين؟ غدًا ألقى الأحبة محمدًا وصحبه.
انظروا إلى أي مدى يقبل بلال على الموت، فهو رضي الله عنه يقبل على الموت بفرحة شديدة؛ لأنه على يقين أنه ذاهب إلى الجنة، لقد أخبره بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، كان يجلس مع الصحابة رضي الله عنهم جميعًا، فصعد شجرة ليأتي بعود من الأراك، أو بتمر من نخلة- على اختلاف الروايات- فضحك الصحابة من دقة ساقيْ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:.
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ
تخيّل كيف يعيش عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بعد ذلك في الدنيا وهو يعلم أنه أثقل في ميزان الله من جبل أحد.
- الحسن والحسين:
روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
كم تكون قيمة الدنيا في عين الحسن والحسين وقد علما أنهما سيدا شباب أهل الجنة.
- السيدة خديجة رضي الله عنها.
يخاطب جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري عن أبي هريرة:
أَقْرِئْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ- أي لؤلؤ- لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ.
أي لا ضوضاء ولا تعب في هذا البيت، فالسيدة خديجة رضي الله عنها تعلم أنها من أهل الجنة، بل يُقرأ عليها السلام من ربها ومن جبريل، ولها قصر في الجنة من لؤلؤ لا صخب فيه ولا نصب، فكيف تتعلق بالدنيا مع هذا كله ؟!
كيف لا تخشع في صلاتها؟
كيف لا تكثر من الإنفاق في سبيل الله؟
كيف لا تشتاق إلى الجنة؟
فهي رضي الله عنها بُشرت بالجنة باسمها.
- ولما تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، قال له عكّاشة بن محصن:
ولما قام رجل آخر يطلب نفس الطلب قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ.
من هذا نستطيع أن نفهم لماذا عاش عكاشة رضي الله عنه حياتا كلها جهاد في سبيل الله، فشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمرّ على ذلك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى استشهد في اليمامة، وهو يحارب المرتدين؛ لأنه يعلم أنه من أهل الجنة.
وهذا الأمر نقل الصحابة رضي الله عنهم من المرحلة الإيمانية المسماة بعلم اليقين، إلى المرتبة الإيمانية الأعلى المسماة بمرتبة عين اليقين
[كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ(5)لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ(6)ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليَقِينِ] {التَّكاثر:5: 7}.
فالصحابة كانوا يرون كل شي بأعينهم، وحتى أمور الغيب رأوا منها الكثير بأعينهم بوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذن فهذه تجربة فريدة جدًا مرّ بها جيل الصحابة، وهو جيل مختلف عن كل الأجيال التي سبقته والتي لحقته في أنه:
أولًا: جيل مختار، اختاره الله عز وجل لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: أنه عاش تجربة فريدة لم يعشها جيل سابق، أو لاحق على جيلهم رضي الله عنهم.
ثالثًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صرّح بأن هذا الجيل هو خير الأجيال، روى البخاري ومسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ.
هذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمران:
فلا أدري أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قرنه مرة أو ثلاثة.
فخير الأجيال وخير الناس هم قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جيل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ.
تخيل أن لك مثل جبل أحد ذهبًا وأنقفته كله في سبيل الله، فهذا لا يساوي ملء الكفين من إنفاق أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
لماذا؟
لأن لهم أجرالسبق فهم الذين علمونا الإنفاق، وعلمونا قهر النفس، وانفاق الأموال في سبيل الله عز وجل، وهذا يعطيهم الأجر العظيم ويصل بهم إلى أن يكونوا خيرالناس وخير القرون وخير الأجيال.
من كل ما سبق يتضح لنا أننا نتعامل مع أرقى جيل في الوجود، مع الجيل الذي يصلح تمامًا أن يُتخذَ قدوة، كما قال عبد الله بن مسعود:
من كان مستنًا فليستن بمن قد مات فإن الحيّ لا تُؤمن عليه الفتنة.
ونحن نرى عظماء كثيرين يعيشون بيننا، لكننا لا نعرف من فيهم سيثبت على الحق، ومن فيهم سيغيّر ويبدّل بعد ذلك، لكن من مات فقد علمنا أنه قد مات على الحق وخاصّة جيل الصحابة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا يستطيع أحد أن يقول أنه يذكر ذلك تعظيمًا لنفسه، بل إنه يذكر حقيقةً لا بدّ أن يعلمها كل المسلمين وإذا علموها استفادوا منها استفادة جمة لذلك وجب عليه أن يذكر هذا الأمر، وكتمان هذه الحقيقة إنما هو كتمان لعلم هام جدًا هو علم تقدير الصحابة، وتعظيمهم، وتكريم هذا الجيل بأكمله، لأنهم جيل القدوة، يقول عبد الله بن مسعود:
كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبًا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفًا، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.
لذلك علينا أن نجعل هدفنا من مطالعة هذا البحث أن نتعلم كيف نكون مثل الصحابة؟
وهذا معناه أننا نريد أن نتعلم كيف نكون مسلمين حق الإسلام؟
كيف نؤمن بالله عز وجل حق الإيمان؟
كيف نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الحب؟
كيف نفهم هذا الدين حق الفهم؟
دراسة حياة الصحابة هي دراسة الإسلام، السير في طريق الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم هو السير في طريق الجنة.
نسأل الله عز وجل أن يلحقنا بهم في أعلى عليين في صحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ادع الله لي يا رسول الله أن يجعلني منهم.
قال: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ".
ولما قام رجل آخر يطلب نفس الطلب قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ".

من هذا نستطيع أن نفهم لماذا عاش عكاشة رضي الله عنه حياتا كلها جهاد في سبيل الله، فشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمرّ على ذلك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى استشهد في اليمامة، وهو يحارب المرتدين؛ لأنه يعلم أنه من أهل الجنة.

وهذا الأمر نقل الصحابة رضي الله عنهم من المرحلة الإيمانية المسماة بعلم اليقين، إلى المرتبة الإيمانية الأعلى المسماة بمرتبة عين اليقين

[كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليَقِينِ] {التَّكاثر:5: 7}.

فالصحابة كانوا يرون كل شي بأعينهم، وحتى أمور الغيب رأوا منها الكثير بأعينهم بوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذن فهذه تجربة فريدة جدًا مرّ بها جيل الصحابة، وهو جيل مختلف عن كل الأجيال التي سبقته والتي لحقته في أنه:

أولاً: جيل مختار، اختاره الله عز وجل لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: أنه عاش تجربة فريدة لم يعشها جيل سابق، أو لاحق على جيلهم رضي الله عنهم.

ثالثًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صرّح بأن هذا الجيل هو خير الأجيال، روى البخاري ومسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ".

هذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمران:

فلا أدري أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قرنه مرة أو ثلاثة.

فخير الأجيال وخير الناس هم قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جيل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ".

تخيل أن لك مثل جبل أحد ذهبًا وأنقفته كله في سبيل الله، فهذا لا يساوي ملء الكفين من إنفاق أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.

لماذا؟

لأن لهم أجرالسبق فهم الذين علمونا الإنفاق، وعلمونا قهر النفس، وانفاق الأموال في سبيل الله عز وجل، وهذا يعطيهم الأجر العظيم ويصل بهم إلى أن يكونوا خيرالناس وخير القرون وخير الأجيال.

من كل ما سبق يتضح لنا أننا نتعامل مع أرقى جيل في الوجود، مع الجيل الذي يصلح تمامًا أن يُتخذَ قدوة، كما قال عبد الله بن مسعود:

من كان مستنًّا فليستن بمن قد مات؛ فإن الحيَّ لا تُؤمن عليه الفتنة.

ونحن نرى عظماء كثيرين يعيشون بيننا، لكننا لا نعرف من فيهم سيثبت على الحق، ومن فيهم سيغيّر ويبدّل بعد ذلك، لكن من مات فقد علمنا أنه قد مات على الحق وخاصّة جيل الصحابة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا يستطيع أحد أن يقول أنه يذكر ذلك تعظيمًا لنفسه، بل إنه يذكر حقيقةً لا بدّ أن يعلمها كل المسلمين وإذا علموها استفادوا منها استفادة جمة لذلك وجب عليه أن يذكر هذا الأمر، وكتمان هذه الحقيقة إنما هو كتمان لعلم هام جدًا هو علم تقدير الصحابة، وتعظيمهم، وتكريم هذا الجيل بأكمله، لأنهم جيل القدوة، يقول عبد الله بن مسعود:

كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبًا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفًا، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.

لذلك علينا أن نجعل هدفنا من مطالعة هذا البحث أن نتعلم كيف نكون مثل الصحابة؟

وهذا معناه أننا نريد أن نتعلم كيف نكون مسلمين حق الإسلام؟

كيف نؤمن بالله عز وجل حق الإيمان؟

كيف نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الحب؟

كيف نفهم هذا الدين حق الفهم؟

دراسة حياة الصحابة هي دراسة الإسلام، السير في طريق الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم هو السير في طريق الجنة.

نسأل الله عز وجل أن يلحقنا بهم في أعلى عليين في صحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 04:29 PM
أبو أيوب الأنصاري

مقدمة

هو خالد بن زيد بن كليب بن مالك بن النجار أبو أيوب الأنصاري.
معروف باسمه وكنيته.
وأمه هند بنت سعيد بن عمرو من بني الحارث بن الخزرج من السابقين. روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أبي بن كعب، روى عنه البراء بن عازب وزيد بن خالد، والمقدام بن معد يكرب وابن عباس وجابر بن سمرة وأنس وغيرهم من الصحابة وجماعة من التابعين، شهد العقبة وبدرا وما بعدها، ونزل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة فأقام عنده حتى بنى بيوته ومسجده.
إسلامه:
أسلم أبو أيوب قبل هجرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المدينة، وشهد العقبة.
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
حدث عبدا لله عباس فقال خرج أبو بكر رضي الله عنه في الهاجرة يعني نصف النهار في شدة الحر فرآه عمر رضي الله عنه فقال يا أبا بكر ما أخرجك هذه الساعة؟ قال ما أخرجني إلا ما أجد من شدة الجوع فقال عمر و أنا والله ما أخرجني غير ذلك فبينما هما كذلك إذ خرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:( ما أخرجكما هذه الساعة؟) قالا والله ما أخرجنا إلا ما نجده في بطوننا من شدة الجوع فقال صلى الله عليه وسلم (: وأنا والذي نفسي بيده ما أخرجني غير ذلك قوما معي فانطلقوا فأتوا باب أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.)
وكان أبو أيوب يدخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم طعاما فإذا لم يأت أطعمه لأهله فلما بلغوا الباب خرجت إليهم أم أيوب وقالت مرحبا بنبي الله ومن معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين أبو أيوب؟ فسمع أبو أيوب صوت النبي صلى الله عليه وسلم وكان يعمل في نخل قريب له فاقبل يسرع وهو يقول مرحبا برسول الله وبمن معه ثم قال يا رسول ليس هذا بالوقت كنت تجيء فيه فقال صدقت ثم انطلق أبو أيوب إلى نخيله فقطع منه عذقا فيه تمر ورطب وبسر وقال يا رسول الله كل من هذا وسأذبح لك أيضاً. فقال:( إن ذبحت فلا تذبحن ذات لبن ) وقدم الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ منه رسول الله قطعة من لحم الجدي ووضعها في رغيف وقال: يا أبا أيوب بادر بهذه القطعة إلى فاطمة الزهراء فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام فلما أكلوا وشبعوا قال النبي صلى الله عليه وسلم:( خبز ولحم وتمر وبسر ورطب ودمعت عيناه ثم قال: والذي نفسي بيده هذا هو النعيم الذي تسالون عنه يوم القيامة ) وبعد الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب ائتنا غدا) وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصنع له احد معروفاً إلا أحب أن يجازيه فلما كان الغد ذهب أبو أيوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فأهداه جارية صغيرة تخدمه وقال له: استوص بها خيرا عاد أبو أيوب إلى زوجته ومعه الجارية وقال لزوجته هذه هدية من رسول الله لنا ولقد أوصانا بها خيرا وان نكرمها فقالت أم أيوب وكيف تصنع بها خيرا لتنفذ وصية رسول الله فقال أفضل شيء إن نعتقها ابتغاء وجه الله وقد كان.
فهذه أخي المسلم نبذة عن حياة هذا الصحابي الجليل في سلمه أما عن موقفه من الجهاد في سبيل الله؛ فقد عاش أبو أيوب رضي الله عنه حياته غازيا حتى قيل إنه لم يتخلف عن غزوة غزاها المسلمون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته ظل جنديا في ساحات الجهاد وكانت آخر غزواته حين جهز معاوية جيشا بقيادة ابنه يزيد لفتح ( القسطنطينية ) وكان أبو أيوب وقتها بلغ عمره ثمانين سنة ولم يمنعه كبر سنه من أن يقاتل في سبيل الله ولكن في الطريق مرض مرضا أقعده عن مواصلة القتال وكان آخر وصاياه أن أمر الجنود أن يقاتلوا وان يحملوه معهم وان يدفنوه عند أسوار(القسطنطينية) ولفظ أنفاسه الأخيرة وهناك حفروا له قبرا وواروه فيه.


بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم

ـ كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد دخل المدينة مختتماً بمدخله هذا رحلة هجرته الظافرة، ومستهلا أيامه المباركة في دار الهجرة التي ادَّخر لها القدر ما لم يدخره لمثلها في دنيا الناس.
وسار الرسول وسط الجموع التي اضطرمت صفوفها وأفئدتها حماسة، ومحبة وشوق، ممتطيا ظهر ناقته التي تزاحم الناس حول زمامه، كُلٌّ يريد أن يستضيف رسول الله.
وبلغ الموكب دور بني سالم بن عوف، فاعترضوا طريق الناقة قائلين:
( يا رسول الله، أقم عندن، فلدينا العدد والعدة والمنعة ).ويجيبهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وقد قبضوا بأيديهم على زمام الناقة:(خَلّوا سَبيلَها فَإِنَّها مَأمُورة). ويبلغ الموكب دور بني بياضة، فَحيّ بني ساعدة، فحيّ بني الحارث بن الخزرج، فحيّ عدي بن النجار.
وكل بني قبيلة من هؤلاء يعترض سبيل الناقة، وملحين أن يسعدهم النبي ( صلى الله عليه وسلم) بالنزول في دورهم، وهو يجيبهم وعلى شفتيه ابتسامة شاكرة:( خَلّوا سَبيلَها فَإِنَّها مَأمُورة ). فكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) ممعناً في ترك هذا الاختيار للقدر الذي يقود خطاه، ومن أجل هذا ترك هو أيضاً زمام ناقته وأرسله، فلا هو يثني به عنقه، ولا يستوقف خطاه، وتوجّه إلى الله بقلبه، وابتهل إليه بلسانه:( اللَّهُمَّ خر لِي، واختَرْ لِي ).وأمام دار بني مالك بن النجار بركت الناقة، ثم نهضت وطوَّفت بالمكان، ثم عادت إلى مبركها الأول، وألقت جرانه، واستقرت في مكانه.
وكان هذا السعيد الموعود، الذي بركت الناقة أمام داره، وصار الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ضيفه، ووقف أهل المدينة جميعا يغبطونه على حظوظه الوافية، هو البطل أبو أيوب الأنصاري، الذي جعلت الأقدار من داره أول دار يسكنها المهاجر العظيم والرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم.
ـ وروى عن سعيد بن المسيب أن أبا أيوب أخذ من لحية رسول الله -صلى الله عليه وسلم -شيئا فقال له: لا يصيبك السوء يا أبا أيوب وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة، وابن أبي عاصم من طريق أبي الخير عن أبي رهم أن أبا أيوب حدثهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل في بيته وكنت في الغرفة فهريق ماء في الغرفة، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا نتتبع الماء شفقا أن يخلص إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنزلت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا مشفق فسألته فانتقل إلى الغرفة قلت يا رسول الله: كنت ترسل إلي بالطعام فأنظر فأضع أصابعي حيث أرى أثر أصابعك حتى كان هذا الطعام قال: أجل إن فيه بصلا فكرهت أن آكل من أجل الملك، وأما أنتم فكلو.
وروى أحمد من طريق جبير بن نفير، عن أبي أيوب قال: لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة اقترعت الأنصار أيهم يؤويه فقرعهم أبو أيوب.. الحديث.
أثره في الآخرين:
ولقد عاش أبو أيوب رضي الله عنه طول حياته غازي، وكانت آخر غزواته حين جهز معاوية رضي الله عنه جيشا بقيادة ابنه يزيد، لفتح القسطنطينية وكان أبو أيوب آنذاك شيخا طاعنا في السن يحبو نحو الثمانين من عمره فلم يمنعه ذلك من أن ينضوي تحت لواء يزيد وان يمخر عباب البحر غازياً في سبيل الله.. لكنه لم يمض غير قليل على منازلة العدو حتى مرض أبو أيوب مرضا أقعده عن مواصلة القتال، فجاء يزيد ليعوده وسأله: ألك من حاجة يا أبا أيوب؟
فقال: اقرأ عني السلام على جنود المسلمين، وقل لهم: يوصيكم أبو أيوب أن توغلوا في أرض العدو إلى أبعد غاية، وأن تحملوه معكم، وأن تدفنوه تحت أقدامكم عند أسوار القسطنطينية، ولفظ أنفاسه الطاهرة
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
يروي الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره شرقوا أو غربو..
وعن البراء بن عازب عن أبي أيوب رضي الله عنهم قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجبت الشمس فسمع صوتا فقال يهود تعذب في قبورها وعن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
مواقفه مع التابعين:
عن الزهري، عن سالم، قال: أعرست، فدعا أبي الناس، فيهم أبو أيوب، وقد ستروا بيتي بجنادي أخضر. فجاء أبو أيوب، فطأطأ رأسه، فنظر فإذا البيت مستر. فقال: يا عبد الله، تسترون الجدر؟ فقال أبي واستحيى: غلبنا النساء يا أبا أيوب. فقال: من خشيت أن تغلبه النساء، فلم أخش أن يغلبنك. لا أدخل لكم بيتا، ولا آكل لكم طعام!
وعن محـمد بن كعب، قال: كان أبو أيوب يخالف مروان، فقال: ما يحملك على هذ؟ قال: إني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الصلـوات، فإن وافقته وافقناك، وإن خالفته خالفناك.
وعن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن أبيه، قال: انضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري في البحر، وكان معنا رجل مزاح، فكان يقول لصاحب طعامن: جزاك الله خيرا وبرا، فيغضب فقلنا لأبي أيوب: هنا من إذا قلنا له: جزاك الله خيرا يغضب. فقال: اقلبوه له. فكنا نتحدث: إن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر.
فقال له المزاح: جزاك الله شرا وعرا، فضحك، وقال: ما تدع مزاحك.
الوفاة:
قال الوليد عن سعيد بن عبد العزيز: أغزى معاوية ابنه في سنة خمس وخمسين في البر والبحر، حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها، ثم قفل.
وعن الأصمعي،عن أبيه: أن أبا أيوب قبر مع سور القسطنطينية، وبني عليه، فلما أصبحوا، قالت الروم: يا معشر العرب، قد كان لكم الليلة شأن. قالوا: مات رجل من أكابر أصحاب نبينا، والله لئن نبش، لا ضرب بناقوس في بلاد العرب. فكانوا إذا قحطوا، كشفوا عن قبره، فأمطروا
قال الواقدي: مات أبو أيوب سنة اثنتين وخمسين، وصلى عليه يزيد، ودفن بأصل حصن القسطنطينية. فلقد بلغني أن الروم يتعاهدون قبره، ويستسقون به.
وقال خليفة: مات سنة خمسين. وقال يحيي بن بكير: سنة اثنتين وخمسين

كاسب العز
05-08-2010, 04:30 PM
بارك الله فيك

لك مني أجمل تحية

تقبل مرورى

كاسب العز

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 04:32 PM
السور بن مخرمه

هوالمسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى القرشي الزهري وأمه عاتكة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف ممن أسلمن وهاجرن.

وكانت له مواقف مع رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) فعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن المسور بن مخرمة قال:
أقبلت بحجر أحمله ثقيل وعلي إزار خفيف قال فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أضعه حتى بلغت به إلى موضعه فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ارجع إلى ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة.(1)
وجاء في سنن أبي داود عن المسور بن مخرمة أنه قال:
قسم رسول الله( صلى الله عليه وسلم) أقبية ولم يعط مخرمة شيئا فقال مخرمة يا بني انطلق بنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فانطلقت معه قال ادخل فادعه لي قال فدعوته فخرج إليه وعليه قباء منها فقال "خبأت هذا لك" قال فنظر إليه. زاد ابن موهب: مخرمة ثم اتفقا قال رضي مخرمة. قال قتيبة عن ابن أبي مليكة لم يسمه.

من مواقفه مع الصحابة:
مواقف كثيرة قد حدثت بين المسور بن مخرمة وبين الصحابة ( رضوان الله عليهم ) ومن هذه المواقف وقوفه مع عبدالله بن الزبير؛ حتي يتصالح مع خالته أم المؤمنبن السيدة عائشة (http://vb.g111g.com/أم_المؤمنين_عائشة_بنت_أبي_ب� �ر) ( رضي الله عنها )
جاء في الدر المنثور أن عائشة رضي الله عنها حدثت: أن عبد الله بن
الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها
فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا نعم
قالت عائشة: فهو لله نذر أن لا أكلم ابن الزبير كلمة أبدا
فاستشفع ابن الزبير بالمهاجرين حين طالت هجرتها إياه
فقالت: والله لا أشفع فيه أحدا أبدا ولا أحنث نذري الذي نذرت أبدا فلما طال على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهما من بني زهرة فقال لهما: أنشدكما الله إلا أدخلتماني على عائشة فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي فأقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين عليه بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة فقالا: السلام على النبي ورحمة الله و بركاته أندخل؟ فقالت عائشة: ادخلوا
قالوا: أكلنا يا أم المؤمنين؟
قالت: نعم ادخلوا كلكم
ولا تعلم عائشة أن معهما ابن الزبير فلما دخلوا دخل ابن الزبير في الحجاب و اعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدان عائشة إلا كلمته وقبلت منه ويقولان: " قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة و أنه لا يحل للرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال " فلما أكثروا التذكير والتحريج طفقت تذكرهم وتبكي وتقول: إني قد نذرت والنذر شديد فلم يزالوا بها حتى كلمت ابن الزبير ثم أعتقت بنذرها أربعين رقبة لله ثم كانت تذكر بعدما أعتقت أربعين رقبة فتبكي حتى تبل دموعها خمارها.

وموقف آخر مع عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) "عن المسور بن مخرمة أنه دخل هو وابن عباس على عمر بن الخطاب فقالا الصلاة يا أمير المؤمنين بعد ما أسفر فقال نعم لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى والجرح يثعب دم".(2)

واجتمعت جماعة فيما حول مكة في الحج وحانت الصلاة فتقدم رجل من آل أبي السائب أعجمي اللسان قال فأخره المسور بن مخرمة وقدم غيره فبلغ عمر بن الخطاب فلم يعرفه بشيء حتى جاء المدينة فلما جاء المدينة عرفه بذلك فقال المسور أنظرني يا أمير المؤمنين أن الرجل كان أعجمي اللسان وكان في الحج فخشيت أن يسمع بعض الحاج قراءته فيأخذ بعجمته فقال هنالك ذهبت بها فقال نعم فقال قد أصبت.(3)

وجاء في صحيح البخاري عن عمرو بن الشريد قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي إذ جاء أبو رافع مولى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال يا سعد ابتع مني بيتي في دارك فقال سعد والله ما أبتاعهما فقال المسور والله لتبتاعنهما فقال سعد والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة قال أبو رافع لقد أعطيت بها خمسمائة دينار ولولا أني سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول ( الجار أحق بسقبه ). ما أعطيتكها أربعة آلاف وأنا أعطى بها خمسمائة دينار فأعطاها إياهم.

وحدث أن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة أنهما اختلفا بالأبواء فقال عبد الله بن عباس يغسل المحرم رأسه وقال المسور:
لا يغسل المحرم رأسه فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري أسأله عن ذلك فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستتر بثوب قال فسلمت عليه فقال من هذا؟ فقلت أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) يغسل رأسه وهو محرم؟ فوضع أبو أيوب( رضي الله عنه) يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب اصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ثم قال هكذا رأيته (صلى الله عليه وسلم ) يفعل.

عن أم بكر أن مروان دعا المسور بن مخرمة يشهده حين تصدق بداره على عبد الملك قال فقال المسور وترث فيها العبسية قال لا قال فلا أشهد قال ولم قال إنما أخذت من احدى يديك فجعلته في الأخرى فقال وما أنت وذاك احكم أنت إنما أنت شاهد فقال وكلما فجرتم فجرة شهدت عليها قال عبد الملك والعبسية كانت امراة مروان.(4)

دخل المسور بن مخرمة على مروان فجلس معه وحادثه فقال المسور لمروان في شيء سمعه: بئس ما قلت فركضه مروان برجله فخرج المسور. ثم إن مروان نام فأتي في المنام فقيل له: ما لك وللمسور كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا قال: فأرسل مروان إلى المسور فقال: إني زجرت عنك في المنام وأخبره بالذي رأى. فقال المسور: لقد نهيت عنه في اليقظة والنوم وما أراك تنتهي.(5)
من مواقفه مع التابعين:
له موقف مع علي بن الحسين ( رضي الله عنه ):
حينما قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية بعد مقتل الحسين بن علي( رضي الله عنهما) لقي المسور بن مخرمة علي بن الحسين فقال له هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ قال فقلت له لا قال له هل أنت معطي سيف رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبدا حتى تبلغ نفسي إن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة فسمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم فقال إن فاطمة مني وإني أتخوف أن تفتن في دينها.
قال ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن قال حدثني فصدقني ووعدني فأوفى لي وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا.(6)


من الأحاديث التي نقلها عن الرسول:
عن المسور بن مخرمة أن: عمرو بن عوف وهو حليف بني عامر بن لؤي وكان شهد بدرا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أخبره أن رسول الله( صلى الله عليه وسلم) بعث أبا عبيدة بن الجراح فقدم بمال من البحرين وسمعت الانصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) فلما صلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين رآهم ثم قال أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء قالوا أجل يا رسول الله قال فأبشروا وأملوا ما يسركم فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم.(7)

وجاء في صحيح البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان قالا:
خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي (صلى الله عليه وسلم) الهدي وأشعر وأحرم بالعمرة.

عن المسور بن مخرمة: أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت النبي (صلى الله عليه وسلم) فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت.(8)

وفاته:
توفي المسور بن مخرمة يوم جاء نعي يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير سنة أربع وستين وصلى عليه ابن الزبير بالحجون أصابه حجر المنجنيق وهو يصلي بالحجر فأقام خمسة أيام وتوفي في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين وولد بعد الهجرة بسنتين وقدم به المدينة في عقب ذي الحجة سنة ثمان وشهد عام الفتح وهو ابن ست سنين وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين. (9)

المصادر:

1- صحيح مسلم [ جزء 1 - صفحة 268 ]
2- اعتقاد أهل السنة [ جزء 4 - صفحة 825 ]
3- مسند الشافعي [ جزء 1 - صفحة 54 ]
4- الورع [ جزء 1 - صفحة 73 ]
5- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 438 ]
6- صحيح مسلم [ جزء 4 - صفحة 1902 ]
7- سنن الترمذي [ جزء 4 - صفحة 640 ]
8- صحيح البخاري [ جزء 5 - صفحة 2038 ]
9- مجمع الزوائد [ جزء 9 - صفحة 732 ]

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 04:33 PM
وفيك ياكاسب العز


حياك الله

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 04:34 PM
الأرقم بن أبي الأرقم


<h2>نسبه وقبيلته</h2>
الأرقم بن أبي الأرقم وكان اسمه عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم يكنى أبا عبد الله قال ابن السكن أمة تماضر بنت حذيم السهمية ويقال بنت عبد الحارث الخزاعية.
<h1>

إسلامه

كان من السابقين الأولين قيل أسلم بعد عشرة وقال البخاري له صحبة وذكره ابن إسحاق وموسى بن عقبة فيمن شهد بدرا وروى الحاكم في ترجمته في المستدرك أنه أسلم سابع سبعة.
وقد أسلم الأرقم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرج أبو بكر الصديق يريد رسول الله وكان له صديقا في الجاهلية، فلقيه فقال: يا أبا القاسم فقدت من مجالس قومك واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها فقال رسول الله: إني رسول الله أدعوك إلى الله عز وجل فلما فرغ رسول الله من كلامه أسلم أبو بكر فانطلق عنه رسول الله وما بين الأخشبين أحد أكثر سرورا منه بإسلام أبي بكر ومضى أبو بكر وراح لعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير ابن العوام وسعد بن أبي وقاص فأسلموا ثم جاء الغد عثمان بن مظعون وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم فأسلموا رضي الله عنهم.


دار الأرقم ومكانتها في الإسلام

تُعد دار الأرقم رضي الله عنه وأرضاه إحدى الدور التي كان لها دور هام في تاريخ الإسلام، فقد كانت المحضن التربوي الأول الذي ربى النبي صلى الله عليه وسلم فيه طليعة أصحابه الذين حملوا معه المسئولية الكبرى في تبليغ رسالة الله تعالى، يقول ابن عبد البر: وفي دار الأرقم ابن أبي الأرقم هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا من قريش بمكة يدعو الناس فيها إلى الإسلام في أول الإسلام حتى خرج عنها وكانت داره بمكة على الصفا فأسلم فيها جماعة كثيرة وهو صاحب حلف الفضول.
لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم؟
1- أن الأرقم لم يكن معروفًا بإسلامه، فما كان يخطر ببال قريش أن يتم لقاء محمد وأصحابه بداره.
2 - أن الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه وأرضاه من بني مخزوم، وقبيلة بني مخزوم هي التي تحمل لواء التنافس والحرب ضد بني هاشم، فلو كان الأرقم معروفًا بإسلامه فلا يخطر في البال أن يكون اللقاء في داره، لأن هذا يعني أنه يتم في قلب صفوف العدو
3 - كان الأرقم رضي الله عنه فتىً عند إسلامه، فلقد كان في حدود السادسة عشرة من عمره، ويوم أن تفكر قريش في البحث عن مركز التجمع الإسلامي، فلن يخطر في بالها أن تبحث في بيوت الفتيان الصغار من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بل يتجه نظرها وبحثها إلى بيوت كبار أصحابه، أو بيته هو نفسه عليه الصلاة والسلام، ومن ثم نجد أن اختيار هذه الدار كان في غاية الحكمة من جميع النواحي.


مواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم

عن الأرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر: ضعوا ما كان معكم من الأثقال فرفع أبو أسيد الساعدي سيف ابن عائذ المزربان فعرفه الأرقم بن أبي الأرقم فقال هبه لي يا رسول الله فأعطاه إياه.
وعنه رضي الله عنه أنه جاء إلى رسول الله فسلم عليه فقال: أين تريد؟ فقال: أردت يا رسول الله ههنا وأومأ بيده إلى حيز بيت المقدس، قال: "ما يخرجك إليه أتجارة؟" فقال: قلت لا ولكن أردت الصلاة فيه، قال: "الصلاة ههنا وأومأ بيده إلى مكة خير من ألف صلاة وأومأ بيده إلى الشام"


وفاته

عن محمد بن عمران بن هند عن أبيه قال: حضرتْ الأرقم بن أبي الأرقم الوفاة فأوصى أن يصلي عليه سعد فقال مروان: أتحبس صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم لرجل غائب أراد الصلاة عليه؟ فأبى عبد الله بن الأرقم ذلك على مروان وقامت معه بنو مخزوم ووقع بينهم كلام ثم جاء سعد فصلى عليه وذلك سنة 55 هـ بالمدينة وتوفي وهو ابن بضع وثمانين سنة.
المراجع:
الإصابة في تمييز الصحابة.......... ابن حجر العسقلاني
صفة الصفوة.................... ابن الجوزي
المستدرك....................... الحاكم النيسابوري
الاستيعاب...................... ابن عبد البر
</h1>

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 04:36 PM
عبدالله بن عباس



اسمه وشرف نسبه

هو حَبْر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم رسول الله. ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ابن ثلاث عشرة سنة إذ تُوفِّي رسول الله. كان أبيض طويلاً مشربًا صفرة، جسيمًا وسيمًا، صبيح الوجه، فصيحًا.

علمه الغزير ومجالسه

قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: كان ابن عباسقد فات الناس بخصال: بعلم ما سبقه، وفقه فيما احتيج إليه من رأيه، وحلم ونسب ونائل، وما رأيت أحدًا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول اللهمنه، ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أفقه في رأي منه، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا بتفسير القرآن ولا بحساب ولا بفريضة منه، ولا أثقب رأيًا فيما احتيج إليه منه، ولقد كان يجلس يومًا ولا يذكر فيه إلا الفقه، ويومًا التأويل، ويومًا المغازي، ويومًا الشعر، ويومًا أيام العرب، ولا رأيت عالمًا قَطُّ جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلاً قط سأله إلا وجد عنده علمًا.

وعن أبي صالح قال: لقد رأيت من ابن عباسمجلسًا لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها به الفخر؛ لقد رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر على أن يجيء ولا يذهب.

ليلة في بيت النبي

عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه قال: أمرني العباسقال: بِتْ بآل رسول اللهليلة. فانطلقت إلى المسجد، فصلى رسول اللهالعشاء الآخرة حتى لم يبق في المسجد أحد غيره. قال: ثم مر بي فقال: "من هذا؟" فقلت: عبد الله. قال: "فمه؟" قلت: أمرني أبي أن أبيت بكم الليلة. قال: "فالْحِقْ". فلما دخل قال: "افرشوا لعبد الله". قال: فأتيت بوسادة من مسوح. قال: وتقدم إليَّ العباس أن لا تنامَنَّ حتى تحفظ صلاته. قال: فقدم رسول اللهفنام حتى سمعت غطيطه. قال: ثم استوى على فراشه، فرفع رأسه إلى السماء فقال: "سبحان الملك القدوس" ثلاث مرات، ثم تلا هذه الآية من آخر سورة آل عمران حتى ختمها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، ثم قام فبال، ثم استنَّ بسواكه، ثم توضأ، ثم دخل مصلاه فصلى ركعتين ليستا بقصيرتين ولا طويلتين. قال: فصلى ثم أوتر، فلما قضى صلاته سمعته يقول: "اللهم اجعل في بصري نورًا، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في لساني نورًا، واجعل في قلبي نورًا، واجعل عن يميني نورًا، واجعل عن شمالي نورًا، واجعل أمامي نورًا، واجعل من خلفي نورًا، واجعل من فوقي نورًا، واجعل من أسفل مني نورًا، واجعل لي يوم القيامة نورًا، وأعظم لي نورًا".

تربية النبيله

عن ابن عباسقال: أهدي إلى النبيبغلة، أهداها له كسرى، فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه، ثم سار بي مليًّا، ثم التفت فقال: "يا غلام". قلت: لبيك يا رسول الله. قال: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد مضى القلم بما هو كائن، فلو جهد الناس أن ينفعوك بما لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه، ولو جهد الناس أن يضروك بما لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فاصبر؛ فإن في الصبر على ما تكرهه خيرًا كثيرًا، واعلم أن مع الصبر النصر، واعلم أن مع الكرب الفرج، واعلم أن مع العسر اليسر".

حرصه على اتباع سنة رسول الله

عن ابن عباسأنه طاف مع معاويةبالبيت، فجعل معاويةيستلم الأركان كلها، فقال له ابن عباس: لمَ تستلم هذين الركنين، ولم يكن رسول اللهيستلمهما؟ فقال معاوية: ليس شيءٌ من البيت مهجورًا. فقال ابن عباس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. فقال معاوية: صدقت.

ومن مناقبه

أثنى عليه النبيقائلاً: "وإن حبر هذه الأمة لعبد الله بن عباس".
وقد أثنى عليه عدد من الرجال، منهم عمر بن الخطابالذي يقول عنه: "ذلك فتى الكهول، له لسان سئُول، وقلب عقول".
وقال القاسم بن محمد: "ما سمعت في مجلس ابن عباس باطلاً قط، وما سمعت فتوى أشبه بالسنة من فتواه".

وفي مجلس الفاروق

عن ابن عباسقال: كان عمر بن الخطابإذا دعا الأشياخ من أصحاب محمددعاني معهم، فدعانا ذات يوم أو ذات ليلة فقال: إن رسول اللهقال في ليلة القدر ما قد علمتم؛ فالتمسوها في العشر الأواخر، ففي أي الوتر ترونها؟ فقال بعضهم: تاسعه. وقال بعضهم: سابعه، وخامسه، وثالثه. فقال: ما لك يابن عباس لا تتكلم؟ قلت: إن شئت تكلمت. قال: ما دعوتك إلا لتكلم. فقال: أقول برأي؟ فقال: عن رأيك أسألك. فقلت: إني سمعت رسول الله: "إن الله تبارك وتعالى أكثر ذكر السبع، فقال: السموات سبع، والأرضون سبع، وقال: {ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 26، 31]. فالحدائق ملتف، وكل ملتف حديقة، والأَبّ ما أنبتت الأرض مما لا يأكل الناس". فقال عمر: أعجزتم أن تقولوا مثل ما قال هذا الغلام الذي لم تستوِ شئون رأسه؟! ثم قال: إني كنت نهيتك أن تكلم، فإذا دعوتك معهم فتكلم.

ذكاؤه الفذّ وسرعة بديهته

بعث الإمام عليابن عباسذات يوم إلى طائفة من الخوارج، فدار بينه وبينهم حوار طويل، ساق فيه الحجة بشكل يبهر الألباب؛ فقد سألهم ابن عباس: "ماذا تنقمون من علي؟"
قالوا: "نَنْقِم منه ثلاثًا: أولاهُن أنه حكَّم الرجال في دين الله، والله يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ} [الأنعام: 57]. والثانية: أنه قاتل ثم لم يأخذ من مقاتليه سَبْيًا ولا غنائم، فلئن كانوا كفارًا فقد حلّت له أموالهم، وإن كانوا مؤمنين فقد حُرِّمَت عليه دماؤهم. والثالثة: أنه رضي عند التحكيم أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين استجابةً لأعدائه، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين".

وأخذ ابن عباسيُفَنّد أهواءهم، فقال: "أمّا قولكم: إنه حَكّم الرجال في دين الله، فأي بأس؟! إن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم} [المائدة: 95]. فَنَبِّئوني بالله، أتحكيم الرجال في حَقْن دماء المسلمين أحق وأوْلى، أم تحكيمهم في أرنب ثمنها درهم؟!
وأما قولكم: إنه قاتل فلم يسْبِ ولم يغنم، فهل كنتم تريدون أن يأخذ عائشة زوج الرسول وأم المؤمنين سَبْيًا، ويأخذ أسلابها غنائم؟!
وأما قولكم: إنه رضي أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين حتى يتم التحكيم، فاسمعوا ما فعله رسول الله يوم الحديبية؛ إذ راح يُملي الكتاب الذي يقوم بينه وبين قريش، فقال للكاتب: اكتب: "هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله". فقال مبعوث قريش: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صَدَدْناك عن البيت ولا قاتلناك، فاكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. فقال لهم الرسول: "والله إني لرسول الله وإن كَذَّبْتُم". ثم قال لكاتب الصحيفة: "اكتب ما يشاءون، اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله".

واستمر الحوار بين ابن عباس والخوارج على هذا النسق الباهر، وما كاد ينتهي النقاش حتى نهض منهم عشرون ألفًا معلنين اقتناعهم، وخروجهم من خُصومة الإمام علي.

ومن أقواله

عن ابن عباسقال: إذا أتيت سلطانًا مهيبًا تخاف أن يسطو بك، فقل: الله أكبر، الله أكبر من خلقه جميعًا، الله أعز مما أخاف وأحذر، أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو، الممسك السموات السبع أن تقعن على الأرض إلا بإذنه من شر عبدك فلان وجنوده وأتباعه وأشياعه من الجن والإنس، إلهي كن لي جارًا من شرهم، جل ثناؤك، وعز جارك، وتبارك اسمك، ولا إله غيرك. ثلاث مرات.

وله أقوال كثيرة في الحكمة والنصيحة منها: "خذ الحكمة ممن سمعت؛ فإن الرجل يتكلم بالحكمة وليس بحكيم، فتكون كالرمية خرجت من غير رامٍ".

وفاتـه

مات عبد الله بن العباسبالطائف سنة ثمانٍ وستين، وهو ابن إحدى وثمانين سنة.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 04:38 PM
الأشعث بن قيس الكندي



اسمه ولقبه وبيان حاله

هو الأشعث بن قيس بن معديكرب الكندي أحد بني الحارث بن معاوية، ويكنى أبا محمد؛ وإنما سمي الأشعث لشعوثة رأسه. ولدسنة 23 ق.هـ، وكان شريفًا مطاعًا جوادًا شجاعًا، له صحبة. وكان من ذوي الرأي والإقدام موصوفًا بالهيبة، وهو أول راكب في الإسلام مشت معه الرجال يحملون الأعمدة بين يديه ومن خلفه.

حاله في الجاهلية

كان في الجاهلية رئيسًا مطاعًا في كندة، وكان من ملوك كندة، وهو صاحب مرباع حضرموت، وكان الأشعث بن قيس من أصحاب النبي، وكان قبل ذلك ملكًا على جميع كندة، وكان أبوه قيس بن معديكرب ملكًا على جميع كندة أيضًا، عظيم الشأن.

عمره عند الإسلام

كان عمرهعندما أسلم 33 سنة، إذ إنه ولد قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة، وقدم بوفد كندة سنة عشر من الهجرة.

قصة إسلامه

قدم الأشعث بن قيس على رسول اللهفي ثمانين أو ستين راكبًا من كندة، ولم يأتِ وفد بهذه الضخامة وهذه الكثافة؛ وذلك لإثبات عزتهم ومنعتهم، وهو وفد يتناسب مع مقام الملوك. أما مظاهر أبهة الملك فكانت: "فدخلوا عليه مسجده وقد رجلوا جممهم، واكتحلوا، ولبسوا جباب الحبرات، مكثفة بالحرير". فهو ليس وفدًا عاديًّا كبقيَّة الوفود، وقد خطفوا أبصار الناس، وهمهم الأول أن يشعروا النبيبعزتهم وأنفتهم، وعلى رأسهم سيدهم الأشعث بن قيس.

فلما دخلوا، قال رسول الله: "أوَ لم تسلموا؟" قالوا: بلى. قال: "فما هذا الحرير في أعناقكم؟" فشقوه ونزعوه وألقوه. وقام سيدهم الأشعث ليفخر أنه وقريش من أرومة واحدة، فهم جميعًا أبناء الملوك، وهم بنو آكل المرار.

فسُرَّ رسول اللهلحسن تصرفهم، واستجابتهم لله ورسوله، لكنه لن يطمس حقيقة النسب، وأراد بحكمتهأن يتألفهم بعد هذه الوحشة؛ فابتسم رسول الله، وقال: "ناسب بهذا النسب ربيعة بن الحارث، والعباس بن عبد المطلب". ثم قال رسول الله: "نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمّنا، ولا ننتفي من أبينا".

ولا علاقة لقريش بآكل المرار، وإن كانت إحدى جدات النبيمن بني آكل المرار، لكن سيد ولد آدم -عليه الصلاة والسلام- لا يتبع نسب أمه، بل يتبع نسب أبيه، ولا ينتفي منه، فهو من قريش.

الرسول يعلمه المساواة والتواضع

يقال: إن الأشعث بن قيس الكنديقال لرسول الله: أتتكافأ دماؤنا؟ فقال: "نعم، لو قتلت رجلاً من باهلة لقتلتك به". وباهلة هي قبيلة مرذولة في العرب.

أهم ملامح شخصيته

القيادة

حيث كان ملكًا على قومه في الجاهلية والإسلام.

الكرم والسخاء

يظهر هذا من موقفه عندما تزوج أخت سيدنا أبي بكر الصديق، ونحر من نوق المدينة الكثير حتى ظن الناس أنه ارتد، فأطعم الناس، وأعطى أصحاب النوق أثمانها.

بعض المواقف من حياته مع الرسول

عن الأشعث بن قيس قال: أتيت النبيفي رهط من قومي لا يروني أفضلهم، فقلنا: يا رسول الله، إنا نزعم أنكم منا. فقال النبي: "لا، نحن بنو النضر بن كنانة لا ننتفي من أبينا، ولا نقفو أمَّنا". قال الأشعث: لا أسمع أحدًا نفى قريشًا من النضر بن كنانة إلا جلدته.

وفي مسند الإمام أحمد عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ". فَقَالَ الأَشْعَثُ: فِيَّ كَانَ وَاللَّهِ ذَلِكَ، كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ أَرْضٌ فَجَحَدَنِي، فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟" قُلْتُ: لا. فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: "احْلِفْ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَنْ يَحْلِفَ. فَذَهَبَ بِمَالِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} [آل عمران: 77] إِلَى آخِرِ الآيَة.

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍعَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَتَغَدَّى فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، ادْنُ إِلَى الْغَدَاءِ. فَقَالَ: أَوَلَيْسَ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ رَسُولُ اللَّهِقَبْلَ رَمَضَانَ، فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِكَ.

وروى سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد قال: شهدت جنازة فيها جرير والأشعث رضي الله عنهما، فقدم الأشعث جريرًا وقال: إني ارتددت ولم ترتد.

وقد شاركفي فتح أصفهان مع النعمان بن مقرن، فلما استخلف عمرخرج الأشعثمع سعدإلى العراق فشهد القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند، واختط بالكوفة دارًا في كندة ونزلها. وقد استعمله عثمانعلى أذربيجان. وشهد تحكيم الحكمين، وكان آخر شهود الكتاب.

موقفه في حرب صفين ونصحه للأمة

نصح الأشعث بن قيسمعاويةقائلاً: "اللهَ اللهَ يا معاوية في أمة محمد، هَبُوا أنكم قتلتم أهل العراق، فمن للبعوث والذراري؟! أم هبوا أنا قتلنا أهل الشام فمن للبعوث والذراري؟! الله الله، فإن الله يقول: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9]. فقال له معاوية: فما الذي تريد؟ قال: نريد أن تخلوا بيننا وبين الماء، فوالله لتخلن بيننا وبين الماء أو لنضعن أسيافنا على عواتقنا، ثم نمضي حتى نرد الماء أو نموت دونه. فقال معاويةلأبي الأعور عمرو بن سفيان: يا أبا عبد الله، خلِّ بين إخواننا وبين الماء. فقال أبو الأعور لمعاوية: كلا، والله لا نخلي بينهم وبين الماء، يا أهل الشام، دونكم عقيرة الله؛ فإن الله قد أمكنكم منهم. فعزم عليه معاوية حتى خلى بينهم وبين الماء، فلم يلبثوا بعد ذلك إلا قليلاً حتى كان الصلح بينهم، ثم انصرف معاويةإلى الشام بأهل الشام، وعليّ إلى العراق بأهل العراق.

أثره في الآخرين

روى عنه قيس بن أبي حازم، وأبو وائل، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وعبد الرحمن بن عدي الكندي. وهي أحاديث يسيرة عن النبي، وعن عمر بن الخطاب. ومما روى عن النبي: "لاَ يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ".

وفاته

ماتبالكوفة سنة أربعين أو إحدى وأربعين، وهو ابن ثلاث وستين. قيل: بعد قتل علي بن أبي طالببأربعين ليلة. وقد صلى عليه الحسن بن علي رضي الله عنهما.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 04:41 PM
الأقرع بن حابس الدارمي

اسمه ولقبه

هو الأقرع بن حابس بن عقال التميمي المجاشعي الدارمي، اسمه فراس بن حابس؛ ولقب الأقرع لقرع كان به في رأسه. وهو عم الشاعر المشهور الفرزدق.

حاله في الجاهلية

كانمن سادات العرب في الجاهلية، إذ كان من وجوه قومه بني تميم. وهو أحد حكام العرب في الجاهلية، كان يحكم في كل موسم، وهو أول من حرَّم القمار.

قصة إسلامه

لما قدم وفد تميم كان معهم، فلما قدموا المدينة قال الأقرع بن حابسحين نادى: يا محمد، إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ، وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ. فقال رسول الله: "ذَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ". وقيل: بل الوفد كلهم نادوا بذلك، فخرج إليهم رسول اللهوقال: "ذلكم الله، فما تريدون؟" قالوا: نحن ناس من تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا لنشاعرك ونفاخرك. فقال النبي: "ما بالشعر بعثنا، ولا بالفخار أمرنا، ولكن هاتوا". فقال الأقرع بن حابس لشاب منهم: قم يا فلان، فاذكر فضلك وقومك. فقال: الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه، وآتانا أموالاً نفعل فيها ما نشاء، فنحن خير من أهل الأرض، أكثرهم عددًا، وأكثرهم سلاحًا، فمن أنكر علينا قولنا فليأتِ بقول هو أحسن من قولنا، وبفعال هو أفضل من فعالنا".

فقال رسول اللهلثابت بن قيس بن شماس الأنصاري-وكان خطيب النبي-: "قم فأجبه". فقام ثابتفقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، دعا المهاجرين من بني عمه أحسن الناس وجوهًا، وأعظم الناس أحلامًا، فأجابوه. والحمد لله الذي جعلنا أنصاره ووزراء رسوله وعزًّا لدينه، فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فمن قالها مُنع منا نفسه وماله، ومن أباها قاتلناه، وكان رغمُه في الله تعالى علينا هيّنًا. أقول قولي هذا، وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات. فقال الزبرقان بن بدر لرجل منهم: يا فلان، قم فقُلْ أبياتًا تذكر فيها فضلك وفضل قومك. فقال:

نحن الكرام فلا حي يعادلنـا *** نحن الرءوس وفينا يقسم الربـع
ونطعم الناس عند المحل كلهم *** من السديف إذا لم يؤنس القزع
إذا أبيـنا فلا يأبى لنا أحـد *** إنا كذلك عند الفـخر نرتفـع

فقال رسول الله: "عليَّ بحسان بن ثابت". فحضر، وقال: قد آن لكم أن تبعثوا إلى هذا العود[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1). فقال له رسول الله: "ثَمَّ، فأجبه". فقال: أسمعني ما قلت. فأسمعه، فقال حسان:

نصرنا رسـول الله والدين عنـوة *** على رغم عات من معد وحاضر
بضرب كإبزاغ المخاض مشاشـه *** وطعن كأفواه اللقـاح الصـوادر
ألسنا نخوض الموت في حومة الوغى *** إذا طاب ورد الموت بين العساكر
فأحياؤنا من خير من وطئ الحصى *** وأمـواتنا من خير أهل المقـابر
فلولا حيـاء الله قلنـا تكرمـًا *** على الناس بالخَيْفين هل من منافـر

فقام الأقرع بن حابسفقال: إني والله يا محمد، لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء، قد قلت شعرًا فاسمعه. قال: "هات". فقال:
أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا *** إذا خالفونا عند ذكـر المكـارم
وأنَّا رءوس الناس من كل معسر *** وأن ليس في أرض الحجاز كدارم

فقال رسول الله: "قم يا حسان، فأجبه". فقال:
بني دارم لا تفخروا إن فخركم *** يعود وبالاً عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتـم *** لنا خول من بين ظئـر وخادم

فقال رسول الله: "لقد كنت غنيًّا يا أخا بني دارم أن يذكر منك ما كنت ترى أن الناس قد نسوه". فكان رسول اللهأشد عليهما من قول حسان.

فقام الأقرع بن حابسفقال: يا هؤلاء، ما أدري ما هذا الأمر، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أرفع صوتًا، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أرفع صوتًا، وأحسن قولاً. ثم دنا إلى النبيفقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال رسول الله: "لا يضرّك ما كان قبل هذا".

وفي وفد بني تميم نزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4].

ثم أسلم القوم وبقوا بالمدينة مدةً يتعلمون القرآن والدين، ثم أرادوا الخروج إلى قومهم، فأعطاهم النبيوكساهم.

بعض المواقف من حياته مع الرسول

شهدمع رسول اللهفتح مكة وحنينًا والطائف. ومن مواقفه مع النبي:
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ. قَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلاَّ خِلاَفِي. قَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ. فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا} حَتَّى انْقَضَتْ.

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَقَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِالْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا. فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِثُمَّ قَالَ: "مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ".

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِقَامَ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ". فَقَالَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ: كُلُّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ فَقَالَ: "لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، ثُمَّ إِذًا لاَ تَسْمَعُونَ وَلاَ تُطِيعُونَ، وَلَكِنَّهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ".

وكانمن المؤلفة قلوبهم؛ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كانت المؤلفة قلوبهم خمسة عشر رجلاً، منهم: أبو سفيان بن حرب، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن الفزاري، وسهيل بن عمرو العامري (رضي الله عنهم أجمعين).

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

شهد الأقرع بن حابسمع خالد بن الوليدحروب العراق، وأبلى فيها بلاءً حسنًا، وكان على مقدمة خالد بن الوليد. واستعمله عبد الله بن عامر على جيش سيَّره إلى خراسان، فأصيب بالجوزجان هو والجيش، وذلك في زمن عثمان. ويُروى أن عيينة والأقرع استقطعا أبا بكر أرضًا، فقال لهما عمر: إنما كان النبييتألفكما على الإسلام، فأما الآن فاجهدا جهدكما؛ وقطع الكتاب.

وفاته

استشهدبجوزجان سنة 31هـ.
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) العود: الجمل المسن.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 04:46 PM
البراء بن عازب


مقدمة

البراء بن عازب بن حارث بن الخزرج الأنصاري ويكنى أبا عمارة...
ولد رضي الله عنه قبل الهجرة بعشر سنوات، قال رضي الله عنه: استصغرني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر أنا وابن عمر فرَدّنا فلم نشهدها، وقال محمد بن عمر: أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة ولم يجز قبلها.


من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم

عن البراء بن عازب قال لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فصافحني فقلت يا رسول الله إن كنت أحسب المصافحة إلا في العجم قال نحن أحق بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه بمودة ونصيحة، إلا ألقى الله ذنوبهما بينهما.
وعنه رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه أو اغبر بطنه يقول:
"والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينـا
فأنزلن سـكينة علينـا وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينـا إذا أرادوا فتنة أبينـا"
ورفع بها صوته "أبينا أبينا"
وفي البخاري عن سعد بن عبيدة قال حدثني البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رهبة ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت مت على الفطرة فاجعلهن آخر ما تقول" فقلتُ أستذكرهن وبرسولك الذي أرسلت قال "لا وبنبيك الذي أرسلت"


من مواقفه مع الصحابة رضي الله عنهم

روى البخاري بسنده عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يحدث قال ابتاع أبو بكر من عازب رحلا فحملته معه. قال: فسأله عازب عن مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أخذ علينا بالرصد فخرجنا ليلا فأحثثنا ليلتنا ويومنا حتى قام قائم الظهيرة ثم رفعت لنا صخرة فأتيناها ولها شيء من ظل قال: ففرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروة معي ثم اضطجع عليها النبي صلى الله عليه وسلم.
فانطلقت أنفض ما حوله فإذا أنا براع قد أقبل في غنيمة يريد من الصخرة مثل الذي أردنا فسألته: لمن أنت يا غلام؟
فقال: أنا لفلان.
فقلت له: هل في غنمك من لبن؟
قال: نعم.
قلت له: هل أنت حالب؟
قال: نعم.
فأخذ شاة من غنمه فقلت له: انفض الضرع.
قال: فحلب كثبة من لبن ومعي إداوة من ماء عليها خرقة قد روأتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فصببت على اللبن حتى برد أسفله، ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضيت، ثم ارتحلنا والطلب في إثرنا، قال البراء: فدخلت مع أبي بكر على أهله، فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حمى فرأيت أباها فقبل خدها وقال كيف أنت يا بنية.
وروى البخاري بسنده عن البراء رضي الله عنه قال: أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرئاننا القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء فما جاء حتى قرأت سبح اسم ربك الأعلى في سور مثلها.
وكان البراء بن عازبٍ رضي الله عنه من قادة الفتوح، وقد عينه عثمان بن عفان رضي الله عنه في خلافته على الري سنة 24هـ فغزا قزوين وما والاها, وفتحها وفتح زنجان عنوة.
وقد شهد البراء بن عازبٍ رضي الله عنه غزوة تستر مع أبي موسى وشهد أيضًا وقعتي الجمل وصفين وقتال الخوارج ونزل الكوفة وابتنى بها دارًا...


من مواقفه مع التابعين

عن أبي داود قال لقيني البراء بن عازب فأخذ بيدي وصافحني وضحك في وجهي ثم قال: تدري لم أخذت بيدك؟
قلت: لا إلا إني ظننتك لم تفعله إلا لخير. فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لقيني ففعل بي ذلك ثم قال: أتدري لم فعلت بك ذلك؟ قلت: لا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن المسلِمَين إذا التقيا وتصافحا وضحك كل واحد منهما في وجه صاحبه لا يفعلان ذلك إلا لله لم يتفرقا حتى يغفر لهما.
أثره في الأخرين دعوته وتعليمه:
عن أبي إسحاق قال: قال لي البراء بن عازب: ألا أعلمك دعاء علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : إذا رأيت الناس قد تنافسوا الذهب والفضة فادع بهذه الدعوات : اللهم إني أسألك الثبات في الأمر وأسألك عزيمة الرشد وأسألك شكر نعمتك والصبر على بلائك وحسن عبادتك والرضا بقضائك وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلمبعض الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم:

روى البخاري بسنده عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أو يوجه إلى الكعبة فأنزل الله { قد نرى تقلب وجهك في السماء } . فتوجه نحو الكعبة . وقال السفهاء من الناس وهم اليهود { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } . فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجل ثم خرج بعدما صلى فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس فقال وهو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه توجه نحو الكعبة فتحرف القوم حتى توجهوا نحو الكعبة [يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ]
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإضحى بعد الصلاة فقال: (من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة ولا نسك له )
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله
عن البراء بن عازب قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وإفشاء السلام وإجابة الداعي وتشميت العاطس ونصر المظلوم وإبرار القسم ونهانا عن الشرب في الفضة فإنه من يشرب فيها في الدنيا لا يشرب فيها في الآخرة وعن التختم بالذهب وركوب المياثر ولباس القسي والحرير والديباج والإستبرق.
من أقواله رضي الله عنه:
عن البراء بن عازب قال: من تمام التحية أن تصافح أخاك
وعنه رضي الله عنه قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: تلك السكينة تنزلت بالقرآن.
وفاته:
توفي رضي الله عنه وأرضاه بالكوفة سنة 72 هـ= في إمارة مصعب بن الزبير.
المراجع:
الاستيعاب..................... ابن عبد البر
الإصابة في تمييز الصحابة........ ابن حجر العسقلاني

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 04:48 PM
أبو العاص بن الربيع


نسبه وقبيلته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15120_image002.jpg
هو أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي العبشمي صهر رسول اللهوزوج ابنته زينب -رضي الله عنها- أكبر بناته كان يعرف بجرو البطحاء هو وأخوه[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

أهم ملامح شخصيته

1- الوفاء بالعهد، فمن ذلك أن رسول اللهأثنى على أبي العاص في مصاهرته وقال: "حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي".

2- الأمانة، فلقد كان أبو العاص من رجال قريش المعدودين مالاً وأمانة وتجارة[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

إسلامه

لم يزل أبو العاص مقيمًا على شركه حتى إذا كان قبيل فتح مكة خرج بتجارة إلى الشام بأموال من أموال قريش أبضعوها معه، فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلاً لقيته سرية لرسول الله، وقيل إن رسول اللهكان هو الذي وجه السرية للعير التي فيها أبو العاص قافلة من الشام وكانوا سبعين ومائة راكب أميرهم زيد بن حارثة وذلك في جمادى الأولى في سنة ست من الهجرة فأخذوا ما في تلك العير من الأثقال وأسروا أناسا من العير فأعجزهم أبو العاص هربا فلما قدمت السرية بما أصابوا أقبل أبو العاص من الليل في طلب ماله حتى دخل على زينب ابنة رسول اللهفاستجار بها فأجارته، فلما خرج رسول اللهإلى صلاة الصبح فكبر وكبر الناس معه.

فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: صرخت زينب -رضي الله عنها- أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع قال فلما سلم رسول اللهمن صلاته أقبل على الناس. فقال: "أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم. قال: أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء كان حتى سمعت منه ما سمعتم، إنه يجير على المسلمين أدناهم. ثم انصرف رسول اللهفدخل على ابنته زينب فقال: أي بنية أكرمي مثواه، ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له".

وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول اللهبعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص وقال لهم: "إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً، فإن تحسنوا تردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم ذلك فهو فيء الله الذي أفاءه عليكم فأنتم أحق به". قالوا: يا رسول الله، بل نرده عليه. قال: فردوا عليه ماله حتى إن الرجل ليأتي بالحبل ويأتي الرجل بالشنة والأداوة، حتى إن أحدهم ليأتي بالشطاط حتى ردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئًا، ثم احتمل إلى مكة فأدى إلى كل ذي مال من قريش ماله ممن كان أبضع منه. ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيرًا فقد وجدناك وفيًّا كريمًا. قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وما منعني من الإسلام عنده إلا تخوفًا أن تظنوا أني إنما أردت آخذ أموالكم، فلما أداها اللهإليكم وفرغت منها أسلمت. ثم خرج حتى قدم على رسول الله[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

من مواقفه مع الصحابة

مع زينب بنت رسول الله قبل إسلامه

فعن عائشة زوج النبيقالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول اللهفي فداء أبي العاص وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها فلما رآها رسول اللهرق لها رقة شديدة وقال: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا". فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردوا عليها الذي لها. قال: وكان رسول اللهقد أخذ عليه ووعده ذلك أن يخلي سبيل زينب إليه إذ كان فيما شرط عليه في إطلاقه ولم يظهر ذلك منه ولا من رسول اللهفيعلم، إلا أنه لما خرج أبو العاص إلى مكة وخلى سبيله بعث رسول اللهزيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار فقال: "كونا ببطن ناجح حتى تمر بكما زينب فتصحبانها، فتأتياني بها". فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها، فخرجت جهرة[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

الوفاة

قال إبراهيم بن المنذر: مات أبو العاص بن الربيع في خلافة أبي بكر في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة من الهجرة، وفيها أرّخه ابن سعد[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 4/1701.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) الذهبي: تاريخ الإسلام 3/75، 76.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين 3/262، حديث رقم (5038).

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) الهيثمي: مجمع الزوائد 9/343.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 7/251.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 04:50 PM
البراء بن مالك



التعريف به ومولده

هوالصحابي الجليل البراء بن مالك بن النضر الأنصاري أخو أنس بن مالك لأبيه وأمه[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

ولد البراء بن مالك بالمدينة وبها عاش إلى أن خرج مقاتلاً في سبيل الله في اليمامة وفي أرض الفرس حتى لقي الله شهيدًا

أثر الرسولفي تربيته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/955_image002.jpg
ربّاه النبيعلى حب الشهادة في سبيل الله وعلى اليقين بنصر الله، وأخبر النبيأنه مستجاب الدعوة...

عن أنس قال دخلت على البراء بن مالك وهو يتغنى فقلت له قد أبدلك الله ما هو خير منه فقال: أترهب أن أموت على فراشي لا والله ما كان الله ليحرمني ذلك وقد قتلت مائة منفردا - أي مبارزة من المشركين في ميادين القتال - سوى من شاركت فيه...

انظر إلى يقين البطل المغوار بربه وحسن ظنه بمولاه


أهم ملامح شخصيته

الشجاعة والإقدام وحب الجهاد

عن أنس بن مالك قال لما بعث أبو موسى على البصرة كان ممن بعث البراء بن مالك وكان من ورائه فكان يقول له اختر عملا فقال البراء ومعطي أنت ما سألتك قال نعم قال أما إني لا أسألك إمارة مصر ولا جباية خراج ولكن أعطني قوسي وفرسي ورمحي وسيفي وذرني إلى الجهاد في سبيل الله فبعثه على جيش فكان أول من قتل...

وعن ابن سيرين: قال: لقي البراء بن مالك يوم مسيلمة رجلا يقال له حمار اليمامة قال: رجل طوال في يده سيف أبيض قال: وكان البراء رجلا قصيرا فضرب البراء رجليه بالسيف فكأنما أخطأه فوقع على قفاه قال: فأخذت سيفه وأغمدت سيفي فما ضربت إلا ضربة واحدة حتى انقطع فألقيته وأخذت سيفي...

وكتب عمر بن الخطاب أن لا تستعملوا البراء بن مالك على جيش من جيوش المسلمين فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم أي لفرط شجاعته...

وعن محمد بن سيرين: أن المسلمين انتهوا إلى حائط قد أغلق بابه فيه رجال من المشركين - يوم حرب مسيلمة الكذاب - فجلس البراء بن مالكعلى ترس فقال ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم فرفعوه برماحهم فألقوه من وراء الحائط فاقتحم إليهم وشد عليهم وقاتل حتى افتتح باب الحديقة فجرح يومئذ بضعة وثمانين جرحاً ولذلك أقام خالد بن الوليد عليه شهراً يداوي جرحه....

وعن أنس بن مالك قال: لما كان يوم العقبة بفارس، و قد زوى الناس، قام البراء بن مالك فركب فرسه و هي تزجي، ثم قال لأصحابه: بئس ما عودتكم أقرانكم عليكم فحمل على العدو ففتح الله على المسلمين...

عن ابن سيرين قال: بارز البراء بن مالك أخو أنس بن مالك مرزبان الزآرة فقتله وأخذ سلبه فبلغ سلبه ثلاثين ألفا فبلع ذلك عمر بن الخطاب فقال لأبي طلحة إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء قد بلغ مالا كثيرا ولا أرانا إلا خامسيه...

أهم المعارك ودوره فيها

مع مجاهد من المجاهدين الذين رباهم النبيونهلوا من ينابيع حكمته وشاهدوا بطولته، ليسجل التاريخ بطولة وشجاعة هذا المجاهد الذي كان يطلب الموت في كل مظانه، وكان قلبه منعقدًا بطلب الشهادة في سبيل الله سائلاً الله بلسانه أن يتقبله الله في قافلة الشهداء وقد كان إنه المقاتل المجاهد الشهيد البراء بن مالك.

معركة اليمامة

لما انتهى أصحاب مسيلمة إلى حائط حفير فتحصنوا به وأغلقوا الباب فقال البراء بن مالك ضعوني على برش واحملوني على رؤوس الرماح ثم ألقوني من أعلاها داخل الباب ففعلوا ذلك وألقوه عليهم فوقع وقام وقاتل المشركين وقتل مسيلمة قلت وقد ذكر ذلك مستقصى في أيام الصديق حين بعث خالد بن الوليد لقتال مسيلمة وبني حنيفة وكانوا في قريب من مائة ألف أو يزيدون وكان المسلمون بضعة عشر ألفا فلما التقوا جعل كثير من الأعراب يفرون فقال المهاجرون والأنصار خلصنا يا خالد فميزهم عنهم وكان المهاجرون والأنصار قريبا من ألفين وخمسمائة فصمموا الحملة وجعلوا يتدابرون ويقولون يا أصحاب سورة البقرة بطل السحر اليوم فهزموهم بأذن الله وألجئوهم إلى حديقة هناك وتسمى حديقة الموت فتحصنوا بها فحصروهم فيها ففعل البراء بن مالك أخو أنس بن مالك وكان الأكبر ما ذكر من رفعه على الأسنة فوق الرماح حتى تمكن من أعلى سورها ثم ألقى نفسه عليهم ونهض سريعا إليهم ولم يزل يقاتلهم وحده ويقاتلونه حتى تمكن من فتح الحديقة ودخل المسلمون يكبرون وانتهوا إلى قصر مسيلمة حتى قتل مسيلمة بحربة وحشي وبسيف أبي دجانة[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

معركة تستر

عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال بينما أنس بن مالك وأخوه عند حصن من حصون العدو يعني بالحريق وكانوا يلقون كلاليب في سلاسل محماة فتعلق بالإنسان فيرفعونه إليهم ففعلوا ذلك بأنس فأقبل البراء حتى تراءى في الجدار ثم قبض بيده على السلسلة فما برح حتى قطع الحبل ثم نظر إلى يده فإذا عظامها تلوح قد ذهب ما عليها من اللحم وأنجى الله أنس بن مالك.
وبذلك وروى الترمذي عن أنس أن النبيقال: "رب أشعث أغبر لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك".

فلما كان يوم تستر من بلاد فارس انكشف الناس فقال المسلمون يابراء أقسم على ربك فقال أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم والحقتني بنبيك فحمل وحمل الناس معه فقتله مرزبان الزارة من عظماء الفرس وأخذ سلبه فانهزم الفرس وقتل البراء[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

بين الأخوة في الله والأخوة في النسب

عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: بينما أنس بن مالك و أخوه البراء بن مالك عند حصن من حصون العدو، والعدو يلقون كلاليب في سلاسل محماة فتعلق بالإنسان فيرفعونه إليهم فعلق بعض تلك الكلاليب بأنس بن مالك فرفعوه حتى أقلوه من الأرض فأتي أخوه البراء بن مالك فقيل: أدرك أخاك وهو يقاتل في الناس فأقبل يسعى حتى نزل في الجدار ثم قبض بيده على السلسلة وهي تدار فما برح يجرهم ويداه تدخنان، حتى قطع الحبل ثم نظر إلى يديه فإذا عظامها تلوح قد ذهب ما عليها من اللحم أنجى الله عز وجل أنس ابن مالك بذاك...

من مواقف البراء بن مالك مع الرسول

عن أنس بن مالك يقول: كان البراء بن مالك رجل حسن الصوت فكان يرجز لرسول اللهفي بعض أسفاره فبينما هو يرجز إذ قارب النساء فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: إياك و القوارير قال: فامسك...

من مواقف البراء بن مالك مع الصحابة

عن أنس قال: لقي أبي بن كعب البراء بن مالك فقال: يا أخي ما تشتهي؟ قال: سويقا وتمرا فجاء فأكل حتى شبع فذكر البراء ابن مالك ذلك لرسول اللهفقال: اعلم يا براء أن المرء إذا فعل ذلك بأخيه لوجه الله لا يريد بذلك جزاء ولا شكورا بعث الله إلى منزله عشرة من الملائكة يقدسون الله ويهللونه ويكبرونه ويستغفرون له حولا فإذا كان الحول كتب له مثل عبادة أولئك الملائكة وحق على الله أن يطعمهم من طيبات الجنة في جنة الخلد وملك لا يبيد

وعن أنس قال قال رسول الله: " كم ضعيف مستضعف ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك " وإن البراء لقي زحفا من المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا له يا براء إن رسول اللهقال: " لو أقسمت على الله لأبرك فأقسم على ربك " . قال: أقسمت عليك يا رب منحتنا أكتافهم ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا له يا براء أقسم على ربك فقال أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقني بنبي اللهفمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيدا

أثر البراء بن مالك في الآخرين دعوته وتعليمه

قال أنس بن مالك ركب البراء فرسا يوم اليمامة ثم قال أيها الناس إنها والله الجنة وما لي إلى المدينة سبيل فمصع فرسه مصعات ثم كبس وكبس الناس معه فهزم الله المشركين...

من أقوال البراء بن مالك

عن أنس أن خالد بن الوليد قال للبراء يوم اليمامة: قم يا براء. قال: فركب فرسه فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يأهل المدينة لا مدينة لكم اليوم، وإنما هو الله وحده والجنة[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

وفاة البراء بن مالك

لقي البراء زحفا من المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا له: يا براء إن رسول اللهقال: "لو أقسمت على الله لأبرك فأقسم على ربك". قال: أقسمت عليك يا رب منحتنا أكتافهم ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا له يا براء أقسم على ربك فقال أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقني بنبي اللهفمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيدًا[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).

ولقي البراء بن مالك ربه شهيدًا على يد الهرمزان بعد أن منحى الله المسلمين أكتاف الفرس.
وهكذا انتهت حياة الشهيد المجاهد الصحابي البراء بن مالك الذي كان لا يهاب القتل أو الموت الموقن بالشهادة في سبيل الله التي طلبها في كل معاركه، حتى نالها في تستر.

قالوا عنه

قال فيه النبيما روى أنس بن مالك أن رسول اللهقال: "كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ"[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6).
وكتب عمر بن الخطابإلى قائد جيش المسلمين ألا تستعملوا البراء بن مالك على جيش من جيوش المسلمين فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم[7] (http://vb.g111g.com/#_ftn7).
قال عنه ابن عبد البر كان البراء بن مالك هذا أحد الفضلاء ومن الأبطال الأشداء قتل من المشركين مائة رجل مبارزة سوى من شارك فيه[8] (http://vb.g111g.com/#_ftn8).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) الاستيعاب 1/47.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) البداية والنهاية 6/268.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) الإصابة في تمييز الصحابة 1/281.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) الإصابة في تمييز الصحابة 1/281.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) الاستيعاب 1/47.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6) سنن الترمذي 5/692.

[7] (http://vb.g111g.com/#_ftnref7) الاستيعاب 1/47.

[8] (http://vb.g111g.com/#_ftnref8) الاستيعاب 1/47.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 04:55 PM
العلاء بن الحضرمي


التعريف به ونسبه

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/1261_image002.jpg
العلاء بن الحضرمي -واسم الحضرمي عبد الله- بن عباد بن أكبر بن ربيعة بن مالك بن أكبر بن عويف بن مالك بن الخزرج بن أبي بن الصدف[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

ولا يختلفون أنه من حضرموت حليف حرب بن أمية ولاه النبيالبحرين، وتوفي النبيوهو عليها فأقره أبو بكر خلافته كلها ثم أقره عمر وتوفي في خلافة عمر سنة أربع عشرة[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

فكره العسكري

المباغتة ويظهر مبدأ المباغتة في غزوه للبحرين في حروب الردة فقد باغت أهل البحرين بعد أن وصل إليه الخبر بأنهم سكارى فاغتنم هذه الفرصة ليسجل نصراً عظيماً عليهم.

أهم المعارك ودوره فيها

غزو البحرين

بعث الصديقالعلاء بن الحضرمي إلى البحرين فلما دنا منها جاء إليه ثمامة بن أثال في محفل كبير وجاء كل أمراء تلك النواحي فانضافوا إلى جيش العلاء بن الحضرمي فأكرمهم العلاء وترحب بهم وأحسن إليهم وقد كان العلاء من سادات الصحابة العلماء العباد مجابي الدعوة اتفق له في هذه الغزوة أنه نزل منزلا فلم يستقر الناس على الأرض حتى نفرت الإبل بما عليها من زاد الجيش وخيامهم وشرابهم وبقوا على الأرض ليس معهم شيء سوى ثيابهم وذلك ليلا ولم يقدروا منها على بعير واحد فركب الناس من الهم والغم ما لا يحد ولا يوصف وجعل بعضهم يوصي إلى بعض فنادى منادي العلاء فاجتمع الناس إليه فقال:

أيها الناس ألستم المسلمين؟ ألستم في سبيل الله؟ ألستم أنصار الله؟ قالوا: بلى.

قال: فأبشروا، فوالله لا يخذل الله من كان في مثل حالكم.

ونودي بصلاة الصبح حين طلع الفجر فصلى بالناس فلما قضى الصلاة جثا على ركبتيه وجثا الناس ونصب في الدعاء ورفع يديه وفعل الناس مثله حتى طلعت الشمس وجعل الناس ينظرون إلى سراب الشمس يلمع مرة بعد أخرى وهو يجتهد في الدعاء فلما بلغ الثالثة إذا قد خلق الله إلى جانبهم غديرا عظيما من الماء القراح فمشى ومشى الناس إليه فشربوا واغتسلوا فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل من كل فج بما عليها لم يفقد الناس من أمتعتهم سلكا فسقوا الإبل عللا بعد نهل فكان هذا مما عاين الناس من آيات الله بهذه السرية ثم لما اقترب من جيوش المرتدة وقد حشدوا وجمعوا خلقا عظيما نزل ونزلوا وباتوا متجاورين في المنازل.

فبينما المسلمون في الليل إذ سمع العلاء أصواتًا عالية في جيش المرتدين فقال:

هل من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء، فقام عبد الله بن حذف فدخل فيهم فوجدهم سكارى لا يعقلون من الشراب، فرجع إليه فأخبره؛ فركب العلاء من فوره والجيش معه فقتلوهم قتلا عظيما، وقلَّ من هرب منهم، واستولى على جميع أموالهم وحواصلهم وأثقالهم فكانت غنيمة عظيمة جسيمة.

ثم شرع العلاء بن الحضرمي في قسم الغنيمة ونقل الأثقال وفرغ من ذلك وقال للمسلمين: اذهبوا بنا إلى دارين لنغزو من بها من الأعداء، فأجابوا إلى ذلك سريعا.

فسار بهم حتى أتى ساحل البحر ليركبوا في السفن، فرأى أن الشقة بعيدة لا يصلون إليهم في السفن حتى يذهب أعداء الله فاقتحم البحر بفرسه وهو يقول:

يا ارحم الراحمين يا حكيم يا كريم يا أحد يا صمد يا محيي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت يا ربنا .. وأمر الجيش أن يقولوا ذلك ويقتحموا ففعلوا ذلك فأجاز بهم الخليج بأذن الله يمشون على مثل رملة دمثة فوقها ماء لا يغمر أخفاف الإبل ولا يصل إلى ركب الخيل ومسيرته للسفن يوم وليلة فقطعه إلى الساحل الآخر فقاتل عدوه وقهرهم واحتاز غنائمهم ثم رجع فقطعه إلى الجانب الآخر فعاد إلى موضعه الأول وذلك كله في يوم ولم يترك من العدو مخبرا، واستاق الذراري والأنعام والأموال ولم يفقد المسلمون في البحر شيئا سوى عليقة فرس لرجل من المسلمين.

ومع هذا رجع العلاء فجاءه بها ثم قسم غنائم المسلمين فيهم فأصاب الفارس ألفين والراجل ألفا مع كثرة الجيش وكتب إلى الصديق فأعلمه بذلك فبعث الصديق يشكره على ما صنع وقد قال رجل من المسلمين في مرورهم في البحر وهو عفيف بن المنذر ... ألم تر أن الله ذلل بحره ... وأنزل بالكفار إحدى الجلائل ...

دعونا إلى شق البحار فجاءنا ... بأعجب من فلق البحار الأوائل ..[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

غزو فارس

أحب العلاء أن يفعل فعلا في فارس نظير ما فعله سعد فيهم فندب الناس إلى حربهم فاستجاب له أهل بلاده فجزاهم أجزاء فعلى فرقة الجارود بن المعلي وعلى الأخرى السوار بن همام وعلى الأخرى خليد بن المنذر بن ساوى وخليد هو أمير الجماعة فحملهم في البحر إلى فارس وذلك بغير إذن عمر له في ذلك وكان عمر يكره ذلك لأن رسول اللهوأبا بكر ما غزيا فيه المسلمين فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس فخرجوا من عند اصطخر فحالت فارس بينهم وبين سفنهم.

فقام في الناس خليد بن المنذر فقال: أيها الناس إنما أراد هؤلاء القوم بصنيعهم هذا محاربتكم وانتم جئتم لمحاربتهم فاستعينوا بالله وقاتلوهم فإنما الأرض والسفن لمن غلب واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالا شديدا في مكان من الأرض يدعى طاوس ثم أمر خليد المسلمين فترجلوا وقاتلوا فصبروا ثم ظفروا فقتلوا فارس مقتلة لم يقتلوا قبلها مثلها ثم خرجوا يريدون البصرة فغرقت بهم سفنهم ولم يجدوا إلى الرجوع في البحر سبيلا ووجدوا شهرك في أهل اصطخر قد اخذوا على المسلمين بالطرق فعسكروا وامتنعوا من العدو.

ولما بلغ عمر صنع العلاء بن الحضرمي اشتد غضبه عليه وبعث إليه فعزله وتوعده وأمره بأثقل الأشياء عليه وابغض الوجوه إليه فقال الحق بسعد بن أبي وقاص فخرج العلاء إلى سعد بن أبي وقاص مضافا إليه وكتب عمر إلى عتبة بن غزوان أن العلاء بن الحضرمي خرج بجيش فاقطعهم أهل فارس وعصاني وأظنه لم يرد الله بذلك فخشيت عليهم أن لا ينصروا أن يغلبوا وينشبوا فاندب إليهم الناس واضممهم إليك من قبل أن يجتاحوا فندب عتبة المسلمين واخبرهم بكتاب عمر إليه في ذلك فانتدب جماعة من الأمراء الأبطال منهم هاشم بن أبي وقاص وعاصم بن عمرو وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن والأحنف بن قيس وغيرهم في اثني عشر ألفا وعلى الجميع أبو سبرة بن أبي رهم فخرجوا على البغال يجنبون الخيل سراعا فساروا على الساحل لا يلقون أحدا حتى انتهوا إلى موضع الوقعة التي كانت بين المسلمين من أصحاب العلاء وبين أهل فارس بالمكان المسمى بطاوس وإذا خليد بن المنذر ومن معه من المسلمين محصورون قد أحاط بهم العدو من كل جانب وقد تداعت عليهم تلك الأمم من كل وجه وقد تكاملت إمداد المشركين ولم يبق إلا القتال فقدم المسلمون إليهم في أحوج ما هم فيه إليهم فالتقوا مع المشركين رأسا فكسر أبو سبرة المشركين كسرة عظيمة وقتل منهم مقتلة عظيمة جدا واخذ منهم أموالا جزيلة باهرة واستنقذ خليدا ومن معه من المسلمين من أيديهم واعز به الإسلام وأهله ودفع الشرك وذله ولله الحمد والمنة ثم عادوا إلى عتبة بن غزوان إلى البصرة[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

وفاته

توفي سنة أربع عشرة ومنهم من يقول إنه تأخر إلى سنة إحدى وعشرين[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) أسد الغابة 1/783.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) أسد الغابة 1/783.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) البداية والنهاية 6/328-329.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) البداية والنهاية 7/84.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) البداية والنهاية 7/120.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 04:55 PM
أبوأمامة بن سهل بن حنيف



نسبه وقبيلته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15128_image002.jpg
أبو أمامة بن سهل بن حنيف بن وهب الأنصاري من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، اسمه أسعد، سماه رسول اللهباسم جده أبي أمامة أسعد بن زرارة أبي أمه، وكناه بكنيته، ودعا له وبرّك عليه[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

من الأحاديث التي رواها عن رسول الله

عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: أن النبيأتي بامرأة قد زنت، فقال: ممن؟ قالت: من المقعد الذي في حائط سعد. فأرسل إليه فأتي به محمولاً، فوضع بين يديه فاعترف، فدعا رسولبإثكالٍ، فضربه ورحِمَهُ لزمانته وخفف عنه[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

وروى ابن ماجه في سننه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلاً رمى رجلاً بسهم فقتله، وليس له وارث إلا خال. فكتب في ذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر أن النبيقال: "الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له"[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

الوفاة

توفي أبو أمامة بن سهل بن حنيف سنة مائة، وهو ابن نيف وتسعين سنة[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن عبد البر: الاستيعاب 4/1602.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) النسائي: سنن النسائي، حديث رقم (5412)، قال الألباني: صحيح 8/242.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) ابن ماجه: سنن ابن ماجه، حديث رقم (2737)، قال الألباني: صحيح 2/914.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) ابن عبد البر: الاستيعاب 4/1602.

سليمان الذويخ
05-08-2010, 08:05 PM
مشكور ويعطيك الف عافيه ،

بارك الله فيك و وفقك وأسعدك في الدنيا والآخرة

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 08:15 PM
حياك الله ياسليمان

أسعدني تواجدك وجزاك الله خير

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 08:17 PM
البراء بن معرور


مقدمة

البراء بن معرور بن صخر الأنصاري الخزرجي السلمي أبو بشر.
قال موسى بن عقبة عن الزهري: كان البراء بن معرور من النفر الذين بايعوا البيعة الأولى بالعقبة وهو أول من بايع في قول ابن إسحاق، وأول من استقبل القبلة، وأول من أوصى بثلث ماله.


بيعته

كان نقيب قومه بني سلمة. وكان أول من بايع ليلة العقبة الأولى.
وعن محمد بن سعد قال: إن البراء أول من تكلم من النقباء ليلة العقبة حين لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم السبعون من الأنصار فبايعوه، وأخذ منهم النقباء فقام البراء، فحمد الله وأثنى عليه فقال: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وحيانا به فكنا أول من أجاب لإاجبنا الله ورسوله وسمعنا وأطعنا يا معشر الأوس والخزرج، قد أكرمكم الله بدينه، فإن أخذتم السمع والطاعة والمؤازرة بالشكر فأطيعوا الله ورسوله ثم جلس رضي الله عنه.
قال ابن حجر في الإصابة: وكان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور.


مواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق: حدثني معبد بن كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين، أخو بني سلمة، أن أخاه عبد الله بن كعب، وكان من أعلم الأنصار، حدثه أن أباه كعبا حدثه، وكان كعب ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، قال: خرجنا في حجاج قومنا من المشركين، وقد صلينا وفقهنا، ومعنا البراء بن معرور، سيدنا وكبيرنا.
فلما وجهنا لسفرنا، وخرجنا من المدينة، قال البراء لنا: يا هؤلاء، إني قد رأيت رأيا، فوالله ما أدري، أتوافقونني عليه، أم لا؟ قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: قد رأيت أن لا أدع هذه البَنيِّة مني بظهر، يعني الكعبة، وأن أصلي إليها. قال: فقلنا: والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام، وما نريد أن نخالفه. قال: فقال: إني لمصل إليها. قال: فقلنا له: لكنا لا نفعل.
قال: فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام، وصلى إلى الكعبة، حتى قدمنا مكة. قال: وقد كنا عبنا عليه ما صنع، وأبى إلا الإقامة على ذلك. فلما قدمنا مكة قال لي: يا ابن أخي، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نسأله عما صنعت في سفري هذا، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء، لما رأيت من خلافكم إياي فيه.
قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا لا نعرفه، ولم نره قبل ذلك، فلقينا رجلا من أهل مكة، فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هل تعرفانه؟ فقلنا: لا ؛ قال: فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه؟ قال: قلنا: نعم - قال: و قد كنا نعرف العباس، وكان لا يزال يقدم علينا تاجرا - قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس.
قال: فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه، فسلمنا ثم جلسنا إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟ قال: نعم، هذا البراء بن معرور، سيد قومه ؛ وهذا كعب بن مالك.
قال: فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشاعر؟ قال: نعم. قال: فقال له البراء بن معرور: يا نبي الله، إني خرجت في سفري هذا، وقد هداني الله للإسلام، فرأيت أن لا أجعل هذه البَنِيَّة مني بظهر، فصليت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء، فماذا ترى يا رسول الله؟ قال: قد كنت على قبلة لو صبرت عليها. قال: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى معنا إلى الشام. قال: وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات، وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم.
قال ابن هشام: وقال عون بن أيوب الأنصاري:
ومنا المُصلي أول الناس مُقبلا * على كعبة الرحمن بين المشاعر
يعني البراء بن معرور. وهذا البيت في قصيدة له.
من كلماته
قال البراء بن معرور في موقف البيعة:
يا أبا الفضل اسمع منا فسكت العباس فقال البراء لك والله عندنا كتمان ما تحب أن نكتم وإظهار ما تحب أن نظهر وبذل مهج أنفسنا ورضا ربنا عنا إنا أهل حلقة وافرة وأهل منعة وعز وقد كنا على ما كنا عليه من عبادة حجر ونحن كذا فكيف بنا اليوم حين بصرنا الله ما أعمى على غيرنا وأيدنا بمحمد صلى الله عليه وسلم ابسط يدك فكان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور


وفاته

روى أن البراء بن معرور مات قبل الهجرة فوجه قبره إلى الكعبة وكان قد أوصى عليه يعني على قبره وكبر أربعاً.
وعن أبي قتادة: أن البراء بن معرور أوصى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بثلث ماله يصرفه حيث شاء فرده النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق وغيره: مات البراء بن معرور قبل قدوم النبي بشهر.
المراجع:
الإصابة في تمييز الصحابة................. ابن حجر
صفة الصفوة............................ ابن الجوزي
السيرة النبوية............................ ابن هشام
نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء...... محمد بن حسن بن عقيل
<

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 08:18 PM
الحباب بن المنذر

أهم ملامح شخصيته

1- الشجاعة
فهذا الصحابى قد شهد المشاهد كلها مع رسول الله ولعل ثباته يوم أحد من أكثر المواقف التي تدل على شجاعته
فقد ثبت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد في عصابة صبروا ومعه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرين وسبعة من الأنصار أبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وأبو عبيدة بن الجراح والزبير بن العوام ومن الأنصار الحباب بن المنذر وأبو دجانة وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وأسيد بن الحضير وسعد بن معاذ.(1)
2- الثقة بالنفس والذكاء والرأي الراجح وظهر ذلك جليا في موقفه في غزوة بدر الكبرى عندما أشار على الرسول بالمكان الأمثل للمسلمين.


من مواقفه مع الرسول في حياته

ففي يوم بدر " وسار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) يبادرهم يعني قريشا إليه يعني إلى الماء فلما جاء أدنى ماء من بدر نزل عليه فقال الحباب بن المنذر بن الجموح : يا رسول الله منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " بل هو الرأي والحرب والمكيدة " قال الحباب : يا رسول الله ليس بمنزل ولكن انهض حتى تجعل القلب كلها من وراء ظهرك ثم غور كل قليب بها إلا قليبا واحدا ثم احفر عليه حوضا فنقاتل القوم ونشرب ولا يشربون حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله( صلى الله عليه وسلم) : " قد أشرت بالرأي " ففعل ذلك.(2)
ياله من موقف عظيم من رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) موقف يدل علي التواضع ، وقبول الرأي الصواب أينما كان ، وموقف رائع من الحباب ( رضي الله عنه ) ، فهو الذي رباه النبي ( صلي الله عليه وسلم ) علي مبدأ الشورى ، وأن الدين النصيحة .

وفي غزوة أحد أظهر من البطولة والفتوة والتضحية بالنفس الشيء العجيب " روى سعد بن عبادة قال : بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم عصابة من أصحابه على الموت يوم أحد حتى انهزم المسلمون فصبروا وكرموا وجعلوا يسترونه بأنفسهم يقول الرجل منهم : نفسي لنفسك الفداء يا رسول الله وجهي لوجهك الوقاء يا رسول الله وهم يحمونه ويقونه بأنفسهم حتى قتل منهم من قتل وهم أبو بكر وعمر وعلي والزبير وطلحة وسعد وسهل بن حنيف وابن أبي الأفلح والحارث بن الصمة وأبو دجانة والحباب بن المنذر.



بعض المواقف من حياتة مع الصحابة

أبدي الحباب بن المنذر برأيه في سقيفة بني ساعدة فقد اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا منا أمير ومنكم أمير فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر فكان عمر يقول والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه نحن الأمراء وأنتم الوزراء فقال الحباب بن المنذر السلمي لا والله لا نفعل أبدا منا أمير ومنكم أمير قال فقال أبو بكر لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب دارا وأكرمهم أحسابا يعني قريشا فبايعوا عمر وأبا عبيدة فقال عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وأنت خيرنا وأحبنا إلى نبينا (صلى الله عليه وسلم) فأخذ عمر بيده فبايعه فبايعه الناس .


من كلماته

من شعر الحباب بن المنذر:
ألم تعلما لله در أبيكما ... وما الناس إلا أكمه وبصير
أنا وأعداء النبي محمد ... أسود لها في العالمين زئير
نصرنا وآوينا النبي وماله ... سوانا من أهل الملتين نصير (3)

تاريخ الوفاة
توفي الحباب بن المنذر في خلافة عمر بن الخطاب وليس له عقب
وقال ابن سعد:مات في خلافة عمر وقد زاد على الخمسين سنة .(4)

المصادر .
1- كنز العمال جـ 10 - صـ 717

2- أسد الغابة جـ 1 - صـ 231

3- الإصابة جـ 1صـ 454
4- الطبقات الكبرى جـ 3 - صـ 567

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 08:20 PM
الصحابة واتباع الرسول


مقدمة

الصحابة واتباع الرسول
حديثنا في هذا الفصل عن الصحابة رضوان الله عليهم، وكيف كانوا يتبعون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وكيف كانوا يتعاملون مع هذه السنة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الحقيقة إن نظرة الصحابة إلى السنة كانت نظرة فريدة حقا، وتعظيم الصحابة للسنة كان بدرجة لا يتخيلها إلا من درس حياة الصحابة بعمق، ودرس كل نقطة من نقاط حياة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
ثم تفاوتت بعد ذلك نظرة اللاحقين إلى السنة الذين جاءوا بعد الصحابة، فاختلفت نظرتهم للسنة، فمنهم من عظمها، ولكن كشيء نظري جميل، تاريخ رائع لإنسان عظيم، لكن يأخذ منها، ويترك كيفما شاء, ومن الناس من اعتقد أنها شيء من الكماليات قد يجمل، ولكن ليس ضروريا, ومن الناس من اعتقد أن السنة كانت أشياء خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست لعموم الأمة، فإذا تكلمت معه عن عمل للرسول صلى الله عليه وسلم، أو قول له توضح له معاملة الرسول في أمر من الأمور، فيرد بأنه رسول، أما أنا فلست برسول, ومن الناس من تطاول على السنة، وطعن فيها، وألقى بالشبهات، واتبع المتشابه، وأعرض عن المحكم، فلذلك نجد تفاوتًا كبيرًا في تلقي معنى السُّنة في الأجيال التي لحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم.
لذلك نريد أن نوضح نظرة الصحابة للسنة،
كيف كانوا ينظرون إلى السنة؟
لأن هذه هي النظرة الصحيحة التي نتمنى منها معرفة التعامل مع السنة النبوية المطهرة المشرفة.
فارتباط الصحابة بالسنة كان سببًا مباشرا لوصول الصحابة إلى رضا الله عز وجل، وإلى حب الله عز وجل، فحب الله عز وجل لك، ومغفرة ذنوبك مرهون باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولقد صرح بذلك الله عز وجل في كتابه فقال:

[قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]
{آل عمران:31} .


فحياة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت التفسير العملي للقرآن الكريم، كانت التطبيق الواقعي لما أراده الله عز وجل من العباد، كانت التطبيق الواقعي لما أراده الله عز وجل من العبادة، كل صغيرة، وكبيرة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت لهدف، كانت مقصودة، وكانت محسوبة، وكانت متابعة بالوحي، تستطيع أن تقول بمنتهى الاطمئنان أن كل أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت متابعة بالوحي الكريم من الله عز وجل، أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم قد تكون بأمر من الله عز وجل, وقد يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينزل الوحي إما بالتأكيد على هذا الفعل، وإما بتعديله إلى شيء آخر.
فإذن كل نقطة من نقاط حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت متابعة بالوحي، ولا يحدث هذا الأمر إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، والأنبياء، فلا ينبغي أن يُقَلد إنسانًا تقليدًا مطلقًا إلا الرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل إنسان غير الرسول صلى الله عليه وسلم قد يصيب ويخطئ، فكل إنسان يصيب ويخطئ، وكل إنسان يؤخذ من كلامه ومن أفعاله ويُرَد، كل إنسان إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.
الصحابة كانوا يفقهون ذلك جيدا، وظهر ذلك في كثير من أفعالهم، أو قل ظهر ذلك في كل أفعالهم، كما سنرى إن شاء الله.


معنى السُّنة

بدايةً، قبل الخوض في غمار الموضوع، وقبل أن نعرف مدى كان اتباع الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، نلقي الضوء على معنى السنة، وما المقصود بها.
السُّنُّة هي: الطريقة، سنة فلان بمعنى: طريقة فلان في الحياة، سواء كانت هذه الطريقة محمودة، أم مذمومة، فكلمة سنة لغة تعني: طريقة فلان، فإن كانت طريقته محمودة، فهذه سنة محمودة، وإن كانت طريقته سيئة، إذن هذه سنة سيئة، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه:

[قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ]
{الأنفال:38}.


سنة الأولين المكذبين الذين كذبوا بأنبيائهم، ورسلهم فكان عليهم العذاب والهلكة.
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَتْ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ.
فالسنة هي الطريق، فمن فعل شيئًا حسنًا، وقلده الناس يأخذ من الأجر ما لهذا العمل، ويأخذ مثل أجور كل من قلده في ذلك العمل، وأيضًا من يفعل شيئًا مذمومًا، نفس الكلام يندرج عليه، لهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ حسنات على كل أمة الإسلام والمسلمين، فكل من يعمل خيرا في الإسلام، فهذا إنسان يقلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثَمّ يضاف لحسناته، نسأل الله عز وجل أن يلحقنا به صلى الله عليه وسلم في أعلى عليين.
إذن عندما نقول سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإننا نقصد طريقته، ومنهاجه، وأسلوبه في الحياة صلى الله عليه وسلم، ولا نقصد هنا السنة كما عرفها الفقهاء، وهي:
ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجوب، أي النوافل.
الفقهاء قسموا الأحكام التكليفية التي كُلف بها البشر إلى خمسة أقسام:
واجب، وحرام، وسنة، ومكروه، ومباح.
ولما نتكلم عن موضوع السنة فليس المقصود بالسنة النافلة، ولكن المقصود بالسنة كما عَرّفها علماء الأصول، قالوا:
السُّنة: هي كل ما نُقِل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير.
فكل ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لو كان المنقول فرضا أو سنة، لا فرق ما دام قد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء كان يسمى فرضا أو يسمى نافلة، أصبح اسمه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
القول، أو الفعل، أو التقرير، ويقصد بالقول: أيّ كلمة تكلمها صلى الله عليه وسلم، فمثلًا قال:
إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.
فأصبحت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال:
الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا.
فأي حديث قاله ينطبق عليه هذا التعريف.
ويقصد بالفعل مثل ما نقله الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفعال فعلها، كأداء الصلاة، كان يصلي الظهر أربع ركعات، كل ركعة يقرأ الفاتحة، وكل ركعة يركع، ويسجد، من حركة لحركة يقول: الله أكبر. وفي رفعه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده. وكل ما ذكرناه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه ما هو فرض، وفيه ما هو نافلة، لكن كل هذه الأشياء تدخل تحت تعريف أفعال الرسول، وبالتالي كلها سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويقصد بالتقرير: شيء أقره الرسول صلى الله عليه وسلم، بمعنى أن صحابي من الصحابة فعل شيئًا أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول سكت عنه، ولم يتكلم، فأصبحت سنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يسكت عن باطل.
أو أتى أحد الصحابة بشيء، واستحسنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فأصبح هذا العمل سنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مدح هذا الفعل، حتى ولو لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالسنة من هذا التعريف: هي كل قول، أو فعل، أو تقرير، والأمثلة لا تحصى؛ لأن الأمثلة كلها عبارة عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بكاملها، فكل كلمة خرجت من فمه صلى الله عليه وسلم، وكل حركة تحركها، وكل سكنة سكنها صلى الله عليه وسلم، أي ابتسامة ابتسمها، وأي غضبة غضبها صلى الله عليه وسلم، وأي أمر حدث أمامه وسكت، أصبح سنة، وكل أمر حدث أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، ونهى عنه يصبح عكس السنة.
فأنت مطالب أن تعرف كل حياة الرسول لتكون متبع لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
نؤكد مرة أخرى أننا لا نقصد بكلمة السنة النوافل، بل نقصد منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقته في الحياة.
وهناك ظاهرة غريبة جدًا ما تكررت في حياة أي إنسان على وجه الأرض، إلا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أنه ليس في حياته صلى الله عليه وسلم مطلقا أي سر، ليس في حياته سر، فكل حياته مكشوفة أمامه لنتعلم كيف نقتدي به، ونقلده، ولعل هذا هو أحد الحكم التي من أجلها تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من إحدى عشرة زوجة، هو لم يجمع أكثر من تسعة في وقت واحد، لكن هذا العدد هو الذي ينقل كل صغيرة وكبيرة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، كانوا يعيشون معه في البيت، فرأوا كل شيء داخل البيت، زوجة واحدة لا تسطيع أن تنقل كل هذا الكم الضخم من معاملاته، ومن الحياة الشخصية التي داخل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يريد لحياته بكاملها أن تكون مكشوفة، ومعروفة للأمة، وكل نقطة في حياته صلى الله عليه وسلم ستضيف شيئا جديدًا.
وبذلك لم يبق أي خبر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لا نعرفه، فكل شيء معروف، وبذلك نستطيع أن نحقق قول الله سبحانه وتعالى

[لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرً]
{الأحزاب:21} .


إذن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم هي الحياة بأسرها, له سنة صلى الله عليه وسلم في كيفية الاعتقاد في الله عز وجل، ولا بد أن نعتقد في الله كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو خرجنا عن طريقته لضللنا, له سنة في الشعائر، ويقصد بالشعائر: الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج، قيام الليل، قراءة القرآن، له سنة في كل ذلك لا بد أن تُتّبع, له سنة في طلب العلم, له سنة في نقل هذا العلم بضوابط معينة لا بد من السير عليها، وهذه الضوابط ليست نوافل وفقط، بل هناك فروض كثيرة جدا, له سنة في الدعوة، طريقة في امتلاك قلوب الآخرين, طريقة في التأثير عليهم، والوصول إليهم بدعوة الله عز وجل، له سنة في الطعام، والشراب، والذبح، والصيد، ولا يقصد بسنته في الطعام أن يقصد طريقته في الأكل فقط، بل هناك أكل حرام حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يأت تحريمه في القرآن الكريم، فأصبح حرام، فالسنة شيء خطير فيها حلال، وفيها حرام، فيها أوامر، وفيها نواهٍ، ليست شيئًا اختياريًا نأخذ منها ونترك كما نريد.
الرسول كانت له سنة في البيوع، والتجارة، والزراعة، والشركات، قوانين، وتشريعات، وأصول ينبغي على كل تاجر معرفتها، كانت له سنة في القضاء، وفي فض النزاع، وفي الفصل في الخصومات, له سنة في الجهاد، والقتال، والغزوات، والعلاقات مع العدو، متى تحارب ومتى تعاهد, له سنة في التعامل مع زوجاته، ومع أولاده، ومع أصحابه، وجيرانه، وضيوفه، حتى مع أعدائه، سنة في كل شيء من الأشياء التي تواجه الإنسان المسلم في كل حياته.
لذا نستطيع القول بأن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها ذات أهمية، ولم يكن في حياته أشياء خاصة، وأشياء عامة، فكل شيء قاله، أو فعله، أو أقره، هو سنة من سننه صلى الله عليه وسلم، فنحن لا نتكلم على حياة إنسان، أو تاريخ إنسان، نحن نتكلم عن دين، نتكلم عن شرع، عن قانون متكامل، عن دستور محكم، نتكلم عن وحي من رب العالمين سبحانه وتعالى، وهذا هو المقصود من السنة في الحديث الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله، وابن ماجه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه وأرضاه قال:
وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قلنا:
يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟
قال: قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلِهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ.
تركتكم على البيضاء الملة الواضحة النقية، لا يوجد فيها شيء واضح، وشيء مبهم، بل كلها بيضاء، ليس فيها ليل أسود، بل كلها نهار ساطع أبيض، وبعد هذا الكلام يحذر النبي صلى الله عليه وسلم تحذيرًا خطيرا جدًا فيقول:
مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا.
من يطل به العمر سيرى اختلافا كثيرا، كزماننا الآن، فما العمل عند الاختلاف، الشرق يقول كذا، والغرب يقول كذا، والمسلمون أنفسهم منهم من يقول كذا، أو كذا، أو كذا، اختلافات، وآراء، ومدارس، ما العمل؟
مليون رأي، من يقول: إن الباليه فن راقي، وأن ما فيه من العري، والإباحية نوع من قمة الإبداع الفني الجميل.
ومن يقول: الرشوة إكرامية، أو عمولة، أو سمسرة، ومشي حالك، وكَبّر دماغك.
ومن يقول: إن كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدي.
وتسمع أمثلة ما تدل إلا على السلبية المقيتة كمن يقول: (ملناش دعوة يعني إحنا اللي هنصلح الكون يا عم أنا مالي خليني في حالي)
وكل فريق من هؤلاء لديه حجة، وعنده منطق، ومن الممكن أن يجادلك ساعة وساعتين، فما العمل عند الاختلاف؟
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي.
ولا يعقل أن تكون معنى السنة في الحديث النافلة، بل معناها طريق الحياة، منهج الرسول، كل أمر من أمور الدنيا كلها.
فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ.
الخلفاء الراشدون سيدنا أبو بكر، وسيدنا عمر، وسيدنا عثمان، وسيدنا علي رضي الله عنهم أجمعين.
فإذا تعرض لك أمر في حياتك، ضع مكانك الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أبو بكر، أو عمر، أو عثمان، أو علي، ولتنظر ماذا ممكن أن يفعل لو هنا، كحفلة بالية مثلا، هل كان سيحضرها الرسول صلى الله عليه وسلم؟
هل كان من الممكن أن يسلم على الراقصين والراقصات، ويوزع هدايا؟ ويقول: ما شاء الله على الفن الجميل، والإبداع الراقي.
أم كان سيمنعها ويحرمها؟
تخيل أنه صلى الله عليه وسلم مكانك، وفي وقتها ستعرف الإجابة.
هذا الكلام ليس سهلًا، بل من الصعب بمكان؛ لذا قال الرسول:
عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِزِ.
تمسكوا بكل ما تملكون من قوة، ومن عزيمة بهذه السنة، وبسنة الخلفاء الراشيدن المهديين، وإذا كان التمسك صعبًا، إلا أنه ليس مستحيل، عضوا عليها بالنواجز، تمسكوا بها، بكل طاقة عندكم.
إن السنة التي نريدها هي التي جات في الحديث الشريف الذي رواه الحاكم، والبيهقي، وابن عبد البر، والإمام مالك عن عمرو بن عوف رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كَتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّتِي.
فالسنة في هذا الحديث ليس المقصود بها النافلة، بل المقصود بها حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها.
وفي فهمنا لهذا المعنى الدقيق للسنة نستطيع أن نفهم الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه وقال فيه صلى الله عليه وسلم:
كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى.
قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى أن يدخل الجنة؟
قال: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى.
فالمسألة في غاية الخطورة، إن مخالفتك لسنة النبي صلى الله عليه وسلم مخاطرة بجنة عرضها السموات والأرض.
فمن هذا المنطلق كانت السنة هي المصدر الثاني للتشريع في الإسلام، المصدر الثاني للقانون في الإسلام، للدستور في الإسلام، فمصدر القانون في الإسلام، أو الدستور في الإسلام أمرين رئيسين: أول أمر:
القرآن الكريم، والأمر الثاني: السنة المطهرة.
ولا يصلح دستور، أو قانون في الإسلام من غير قرآن وسنة، لا غنى أبدا عن أحدهما.
ومع كل ما قلناه وتحدثنا عنه، لكن تجد كثيرا من الناس يعترض على السنة، يقولون: إن القرآن يكفي ولا نحتاج للسنة.
يطعنون في قضايا كثيرة جدا جاءت في السنة المطهرة، فتجد من يطعن في الشفاعة، ومن يطعن في الحياة في القبر، ومن يطعن في الهدي الظاهر، ومن يطعن في الحدود، ويتاح لهم مساحة واسعة جدا في الإعلام، مع أن الرد عليهم سهل جدا، وميسور، ومستحيل أن تجد مؤمنا واحدا حريصا على دينه يستطيع أن يستغنى عن السنة.


تعامل الصحابة مع السنة

كيف كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يتعاملون مع السنة ويتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم؟
كيف كان حرصهم على أن يعرفوا كل نقطة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
كم نالهم من التعب من أجل ألا تتركهم سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم؟
روى البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد- هذا الجار هو عتبان بن مالك- وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينزل يوما، وأنزل يوما، فإذا نزلت جئت بخبر ذلك اليوم من الوحي، وإذا نزل فعل مثل ذلك.
فالقضية تهمه وتشغل باله، فحياته لم تقف، بل يعمل، ويتاجر، ويتزوج، لكنه حريص كل الحرص أن يعرف كل نقطة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
إن من يسمع عن قصة سيدنا عمر، أو يسمع عن تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم يظن أن سيدنا عمر ليله ونهاره مع الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يتركه لحظة من لحظات حياته، ولكن الأمر على عكس ذلك، فكانت لهم حياتهم الخاصة، ولكن في نفس الوقت كان حريصًا على معرفة كل شيء في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
لماذا لا نتشبه بهم، ونقتفي أثرهم؟
وإذا كنت تختلق أعذارًا بأنه ليس لديك وقت لتفعل كما كان يفعل سيدنا عمر وسيدنا عتبان بن مالك، فمن الممكن أن تقرأ في السنة، وتنقل ما قرأته لجارك، وينقل لك ما قرأه، وتسطيعون أن تقتسموا فروع العلم المختلفة، وتدارسوها، وبذلك تسطيع معرفة منهج، وسنة النبي صلى الله عليك وسلم.
إن عمر بن الخطاب وهو من هو، كان يتعلم، ويتعاون لمعرفة السنة النبوية من عتبان بن مالك، يتعاون معه على البر والتقوى، مع أن هذا الجار كثير منا لا يعرفه، فمن منا يعرف عتبان بن مالك؟
فليس أبا بكر، أو عثمان، ومع ذلك سيدنا عمر كان يستفيد منه، وأكيد عمر رضي الله عنه كان يفيده.
ولنتذكر قصة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما التي ذكرناها في فصل الصحابة والعلم، كم كان حريصًا على السنة! وكان ينام على باب بيت الصحابة، يحكي عن نفسه، فيقول فيما رواه الدارمي بسند صحيح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول عن نفسه:
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لرجل من الأنصار:
يا فلان هلم فلنسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم اليوم كثير.
قال: واعجبا لك يا ابن عباس أترى الناس يحتاجون إليك، أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟
فيقول عبد الله بن عباس: فترك ذلك، وأقبلت أنا- يعني على المسألة- فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتيه، وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، فتسفي الريح على وجهي التراب، فيخرج فيراني، فيقول:
يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك. فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك.
فأسأله عن الحديث. قال ابن عباس رضي الله عنهما:
فبقي الرجل، حتى رأني، وقد اجتمع الناس علي.
مرت الأيا وعبد الله بن عباس أصبح من علماء المسلمي واجتمع عليه الناس فقال الرجل الانصاري:
كان هذا الفتى أعقل مني.
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول عن نفسه:
إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة.
يستعجب الناس من رواية أبي هريرة لكل الأحاديث التي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى أكثر من سبعة آلاف حديث، حتى من عاصره كان يستعجب من هذا الكم الضخم الذي رواه أبو هريرة فقد أسلم في سنة سبعة من الهجرة، لم يصاحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أربع سنين فقط، لكنه روى أكثر من سبعة آلاف حديث من صحبة أربع سنين فقط مع الرسول صلى الله عليه وسلم، أكثر من روى الصحابة، روى أكثر من كل الصحابة الذين عاشوا مع الرسول عشرين سنة، وأكثر من عشرين سنة،
فيقول:
إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا عن رسول الله صلى اله عليه وسلم قوله تعالى:

[إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ(159)إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ]
{البقرة:159،160} .


تحذير خطير جدا للذي يكتم آيات الله عز وجل، أو يكتم أي علم وصل عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبو هريرة يخاف من هذا التحذير، فكل معلومة عرفها من الرسول صلى الله عليه وسلم أحب أن يقولها، فقال كل الأحاديث التي عرفها، وكيف تسنى لأبي هريرة معرفة هذا الكم الهائل من الأحاديث عن غيره من الصحابة؟
يفسر ذلك أبو هريرة بقوله:
إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق في الأسواق- يعني التجارة- وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل بأموالهم، وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني.
فكان من الفقراء المحتاجين رضي الله عنه وأرضاه من أهل الصفة، فكان أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه يسد ثغرة مهمة جدًا، وهي نقل الأحاديث النبوية بمفرده كما ذكرنا أكثر من سبعة آلاف حديث، فجلوسه مع النبي صلى الله عليه وسلم كان مفيدًا جدا، ولكن لم يتفرغ كل الصحابة تفرغ أبو هريرة, بل عملوا في سد ثغرات أخرى، وليس المطلوب منك أن تكون كأبي هريرة، وتفرغ نفسك تفرغًا تامًا، وتترك أعمالك، وتجارتك، ولكن يتعاون كل المجتمع على سد كل الثغرات، فالصحابة لم يتفرغوا كلهم لنقل الحديث كأبي هريرة، لكنهم تعاونوا ليستفيدوا من بعضهم البعض، والصحابة لم يكن عندهم مانع أن يقطعوا المسافات، والمسافات، والبلاد، والبلاد، من أجل معرفة رأي الرسول صلى الله عليه وسلم في قضية من القضايا، حرص عجيب على السنة، وهذا المعنى هو الذي نريد ترسيخه فينا في هذا الفصل.
روى البخاري عن عقبة، عن الحاكم رضي الله عنه وأرضاه أحد الصحابة كان يعيش في مكة، والرسول كان يعيش في المدينة، فتزوج عقبة ابنة أبي إيهاب بن عزيز رضي الله عنه، فأتته امرأة، قالت له:
إيه، إني قد أرضعت عقبة، والذي تزوج.
فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتيني ولا أخبرتيني قبل الزواج.
لكنه كان تزوج، فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ذهب من مكة للمدينة ليسأله صلى الله عليه وسلم، فسأله ولم يكن يعرف ذلك قبل الزواج، وتزوج، وبعد ما تزوج عرف، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:
كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ.
يعني أنت عرفت، ثم أمره أن يفارقها، ففارقها عقبة، ونكحت زوجا غيره، الشاهد هو حرص الصحابة الشديد على رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأي الشرع، لم يسأل أحد الصحابة في مكة، وينتهي الأمر، ولكنه يسافر من مكة للمدينة خمسمائة كيلوا في الصحراء؛ لكي يسأل عن مسألة واحدة، فالمسألة مهمة، وتستلزم، لكن ليس كل إنسان يحرص هذا الحرص على معرفة رأي الدين.
كثير من الناس تسألني عن مسائل طلاق، وزواج، وتعرف منه بعد ما تسمع حكايته أنه طلق قبل ذلك مرة، واثنتين، وثلاثة، ولا يزال مع امرأته، وتسأله كيف ذلك؟
فيقول: سألت واحد أعرفه، وقال لي لو كنت غضبان فليس ذلك بطلاق. ويمر الأمر ببساطة.
قضايا ضخمة جدا في حياة الناس، لكن ببساطة شديدة تؤخذ الأمور، نحن نحتاج أن نبذل مجهودا ومجهودا كبيرا لنعرف رأي الدين في كل قضية من القضايا مهما صغرت هذه القضية في أعيننا، لا بد من معرفة رأي الدين، لا يوجد أمر صغير، وأمر كبير، بل يوجد أمر حلال، وأمر حرام، هذا ما نريد فهمه ودراسته من حياة الصحابة.
روى الإمام أحمد، والطبراني، وأبو يعلى رحمهما الله جميعا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: بلغني حديثا عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الرجل سيدنا جابر، ويعيش في المدينة المنورة، سمع أن هناك حديثا قاله أحد الصحابة في الشام، وكان عبد الله بن أنيس رضي الله عنه وأرضاه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيش في الشام، ويريد سيدنا جابر بن عبد الله أن يسمع بنفسه الحديث من عبد الله بن أنيس، وهذا ما يسميه علماء الحديث بعلو السند، بدلًا ما يسمع من فلان عن فلان عن عبد الله بن أنيس، بل يسمع منه مباشرة، فيكون أوثق في المعرفة، يقول:
فاشتريت بعيرا، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرا، حتى قدمت عليه الشام، فإذا عبد الله بن أنيس الأنصاري رضي الله عنه، فقلت للبواب:
قل له جابر على الباب.
فقال: ابن عبد الله؟
فقال: نعم.
فخرج يطأ ثوبه، فاعتنقني، واعتنقته، فقلت:
حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص، فخشيت أن تموت، أو أموت قبل أن أسمعه.
فقال عبد الله بن أنيس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
يُحَشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ- أَوْ قَالَ: الْعِبَادُ- عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا.
فقالوا: وما بهمًا؟
فقال: لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهَ حَتَّّى اللَّطْمَةُ.
فكيف الحال بمن يظلم، ويعذب، ويشرد، بدون وجه حق؟
يقول عبد الله بن أنيس: فقلنا: كيف وإنما نأتي الله عز وجل عراة غرلا بهما؟
قال صلى الله عليه وسلم:
بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ.
فأخذه جابر بن عبد الله، ورجع إلى المدينة المنورة، حديث واحد يا ترى عندنا كم كتاب في المكتبة فيهم أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم نقرأها، ونحتج بأنه لا وقت لدينا، فكيف استطاع جابر بن عبد الله أن يذهب إلى الشام في شهر ويعود في شهر من أجل حديث واحد؟
الفارق أنه يعطي له أهمية كبيرة، أحيانًا يفرغ الإنسان منا نفسه أسبوعا كاملا ليذهب فيه للمصيف؛ لأنه يعرف قيمة المصيف, تجد عنده ساعتين يشاهد المباراة؛ لأنه يعرف قيمة المباراة، ومن الممكن يفرغ نفسه نصف يوم ليشاهد المباراة في الإستاد لأن الموضوع له قيمة عنده.
فعلى قدر أهمية الموضوع تجد له وقت، فلو أعطيت لدراسة السنة، وعلم رأي الدين في قضية من القضايا أهمية ستجد وقت تعمل كجابر، وغيره من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
روى أحمد، والبيهقي عن عطاء بن أبي رباح رحمه الله- عطاء من التابعين- يقول:
إن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه رحل إلى عقبة بن عامر رضي الله؛ ليسأله عن حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم- أبو أيوب يعيش في المدينة المنورة، وعقبة بن عامر يعيش في مصر- يقول: فلما قدم إلى منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه، وكان أمير مصر في ذلك الوقت، خرج إليه، فعانقه، ثم قال له مسلمة:
ما جاء بك يا أبا أيوب؟
قال: حديث سمعه عقبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستر المؤمن، دلني على عقبة أسمع منه الحديث.
فقال: نعم.
فذهب معه لسيدنا عقبة رضي الله عنه، قال عقبة لما رأى أبا أيوب:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
مَنْ سَتَرَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا عَلَى كُرْبَتِهِ سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
هذا السطر الذي من أجله جاء أبو أيوب من المدينة المنورة إلى مصر، فيقول راوي الحديث:
ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعًا إلى المدينة.
لم يقعد في مصر، ولا لحظة، الهدف عنده واضح جدا، الهدف عنده أن يعرف السنة، ليس لديه وقت يصرفه في حاجة أخرى، هؤلاء هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ليس المقصود أن تسافر من بلد لبلد لتتعلم السنة، وإن كان هذا أحيانا كثيرا جدًا يكون مطلوب، لكن المقصود منك أن تكون واسع الاطلاع على الكتب الموجودة في بيتك، وتقرأها، وتشتري إن لم يكن عندك في البيت، احضر درس العلم في مكانك الذي تسكن فيه، واسأل الشيخ الذي تعرفه عن القضايا التي تعرض لك في حياتك من قضايا الإسلام، وما أكثر هذه القضايا؛ لأن هذه القضايا فيها عمرك كله، كل صغيرة وكبيرة في حياتك، هذا هو المقصود من سماع هذه الحكايات عن جيل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
الصحابة كانوا يقاطعون من لم يلتزم بالسنة، والمقصود بمقاطعة من لم يلتزم بالسنة: هو مقاطعة من يصر على مخالفة نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وليس من يترك النافلة.
السنة هي حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو النواهي التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالصحابة حين يعرفون أحدا يصر على مخالفة نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقاطعونه.
روى البخاري، ومسلم، وغيرهما عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أنه رأى رجلا يقذف- يعني يرمي طيرا بحجر بالنبلة- بالمقلاع، فقال له:
لا تقذف، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القذف، ثم قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إِنَّه لَا يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ، وَلَا يُنْكَى بِهِ عَدُوٌّ.
يعني تعلمه لن يفيدك في الصيد، ولن ينفع في الجهاد، لكنها قد تكسر السن، وتفقأ العين، فليس هناك أي مصلحة في استعمال هذا القذف، والطير الذي قذف بالحجارة، لو وقع ميت، لن ينفع أكله، الشرع يسميه وقيذا، وأكل الوقيذ محرم؛ لأنه مات بقوة الرمي، لم يمت بحدها، فلا توجد مصالح في الموضوع، فالله سبحانه وتعالى لما ذكر المحرمات في الطعام في سورة المائدة ذكر منها [وَالمَوْقُوذَةُ] {المائدة:3} ، يعني فهو من أكثر من وجه ممنوع، فعبد الله بن مغفل رأى الرجل يقذف، فأمره ألا يقذف، وفسر ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم رأه بعد ذلك يقذف، بعد ما نصحه، وأمره، ونهاه، فقال له:
أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن القذف، أو كره القذف، وأنت تقذف، لا أكلمك كذا وكذا.
في رواية مسلم، قال:
لا أكلمك أبدا.
في الأول نصحه، ثم لما رآه يقوم بعمل في نظره كبير جدًا، رآه يخالف السنة، قرر أن يقاطعه.
ومن هنا أجاز العلماء أن يُقَاطع الذي يخالف السنة عمدا، حتى، وإن كانت المقاطعة أكثر من ثلاثة أيام، طبعا بعد أن يقدم له النصح والإرشاد.


اتباع دون سؤال عن الحكمة

الشيء العظيم في الصحابة أنهم كانوا يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دون أن يسألوا عن الحكمة، روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود، ولا يعرف الحكمة من ذلك يقول:
إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
هذه الجملة أسلوب حياة، فالرسول إن قال شيئا، أو فعله، أعمله حتى لو لم أكن أفهم الحكمة.
فالسنة كانت منهج حياة؛ لذا كانت الحياة سهلة عند الصحابة، ومواطن الحيرة كانت قليلة جدا، يصبح كل الهم هو البحث عن فعل الرسول، أو قول الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا عرفنا رأيه تتبعناه.
روى البخاري عن عمر رضي الله عنه قال:
فما لنا وللرَّمَل إنما كنا راءينا به المشركين وقد أهلكهم الله.
والرَّمَل هو المشي السريع مع تقارب الخطى، يعنى من ضمن مناسك الحج هذا الكلام أول ما فُعِل كان في عمرة القضاء سنة سبعة هجرية، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يري الكفار قوة المسلمين، فأمر الصحابة بالكشف عن الأكتاف، وبالرَّمَل السريع؛ ليُخَوّف المشركين من قوة المسلمين، فظن عمر انتهاء الأمر الآن؛ لأنه لا يوجد مشركون، كل الجزيرة أسلمت وكل الحجاج مسلمون، فليس له شأن، ثم رجع لنفسه بسرعة، وقال:
شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نحب أن نتركه.
حتى لو قال العقل غير ذلك، لا بد من اتباع عمل الرسول صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري، ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب- قبل تحريم الذهب على الرجال- فاتخذ الناس خواتيم من الذهب.
لم يقل لهم البسوا، لكن الصحابة حريصة على أن تقلد الرسول في كل شيء، ثم بعد ذلك قال:
إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَنَبَذْتُهُ.
ثم قال: إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا.
حُرّم على الرجال، فنبذ الناس خواتيمهم، فالموضوع في غاية البساطة عند الصحابة، فهم لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من لبس الخاتم حينما لبسه، ولم يسألوه عن الحكمة لما نبذه.
روى أبو داود، وأحمد، والدارمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه قال:
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم، ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، قال:
مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟
قالوا: رأيناك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ آتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرٌ. أو قال: أَذًى.
خلعهم صلى الله عليه وسلم لسبب مؤقت، وهذا السبب ليس عند الصحابة. لكن الشاهد هو حرص الصحابة على الاتباع، لم ينتظروا إلى انتهاء الصلاة، ثم يسألوا، فبمجرد رؤية الرسول يفعل شيئا، يعملونه.
هناك كثير يظنون أن هذا الكلام مبالغة من الصحابة، أبدا الرسول صلى الله عليه وسلم ليس مجرد شخص معجبين به، أو انبهر الصحابة بأفعاله, فالرسول صلى الله عليه وسلم رسول من الله رب العالمين، كل خطوة من خطواته بأمر من الوحي، أو مراجعة بالوحي، ففي تقليده نحن نعمل ما أراده ربنا سبحانه وتعالى منا، وحينما نعمل ما أراده ربنا سبحانه وتعالى نسعد في الدنيا، ونسعد في الآخرة إن شاء الله، وندخل الجنة التي هي منتهى أحلام المؤمنين، لهذا كان الصحابة يحرصون جدا على تقليد الرسول في كل حركة من حركاته صلى الله عليه وسلم الرسول، وكان صلى الله عليه وسلم حريص جدا على ترسيخ هذا المعنى في قلوب، وعقول الصحابة، فتربى الصحابة على هذه الصورة.
موقف من المواقف المهمة في حياة الصحابة يرويه الإمام مالك في موطأه عن عطاء بن يسار رحمه الله، وعطاء من كبار التابعين بالمدينة، روى أن رجل قَبّل امرأته، وهو صائم في رمضان، فوجد من ذلك وجدا شديدا- يعنى حزن حزنا كبيرا يخاف أن يكون قد ارتكب محظورا- فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك.
عنده مراقبة داخلية لله عز وجل، حريص أنه يعرف رأي الرسول صلى الله عليه وسلم.
بعث امرأته تسأل إحدى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، فدخلت الزوجة على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك لها، فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبّل، وهو صائم فرجعت، فأخبرت زوجها، بذلك فزاده شرًا، وقال:
لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، الله يحل لرسوله صلى الله عليه وسلم ما شاء.
وهذا اجتهاد من الرجل، فرجع امرأته إلى أم سلمة، فوجدت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مَا لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ؟
فأخبرته أم سلمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أَلَا أَخْبَرْتِيهَا أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ.
فقالت السيدة أم سلمة له:
قد أخبرتها، فذهبت إلى زوجها، فأخبرته، فزاده ذلك شرا، وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، الله يحل لرسوله ما شاء.
فغضب الرسول غضبا شديدا صلى الله عليه وسلم، ومواطن الغضب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قليلة جدا، لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله عز وجل، وهذا الرجل يشدد على نفسه، ولكن لا بد من تقليد الرسول في كل نقطة من نقاط حياته، قال صلى الله عليه وسلم:
وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ.
فما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحلال، والذي منعه هو الحرام، من غير تكلف في شيء، فعمله صلى الله عليه وسلم في العبادة، في الطاعة، في التقرب إلى الله، وما دام أمر المسلمين به، أو لم يخص به رسول صلى الله عليه وسلم، فعلى المسلمين أن يعملوه من غير زيادة، ولا نقصان.
وهذا الموقف خير دليل على اتباع أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، الرسول صلى الله عليه وسلم أخرج جيشًا لحرب الروم قبل موته بأيام قليلة، ثم مات صلى الله عليه وسلم، وارتدت جزيرة العرب بكاملها إلا ثلاث مدن وقرية. وتخوف الناس على المدينة، بل تخوفوا على الإسلام، ولكن في هذا الجو المشحون، والمدينة وضعها في منتهى الخطورة، والجزيرة كلها مرتدة، وقد تهجم على المدينة في أي لحظة، في هذا الجو المشحون أصر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه على إنفاذ جيش أسامة بن زيد لمحاربة الروم، ولم يوجهه لمحاربة المرتدين، أو لحماية المدينة، بل عمل على إنفاذه لمحاربة الروم، وإن كان خطر المرتدين على المدينة أوقع، ولكن لا بد من إنفاذه؛ لأن مُخْرِجه هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاءت الناس تخاطب الصديق رضي الله عنه وأرضاه ليترك الجيش في المدينة لحمايتها، ولكنه أَبَى، وقال:
لو أن الطير تخطفنا، ولو أن السباع حول المدينة، ولو جرت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين ما رددت جيشًا وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حللت لواء عقده.
كيف يأمر الرسول بأمر، أو يعمل شيئًا، وأخالفه، وهذا من فهمه رضي الله عنه وأرضاه، ومن أعظم صفات الصديق رضي الله عنه وأرضاه, دقة الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما كلمه الناس، وقالت له:
لو عزلت أسامة بن زيد من على رأس الجيش، ووضعت رجلًا آخر كبيرًا في السن مكانه.
وكان يكلمه عمر بن الخطاب، فقال له كلمة شديدة جدا، قال له:
ثكلتك أمك يا ابن الخطاب، يؤمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزعه أنا.
فكل خطوات الصديق كانت موفقة، لأنه كان يرى بعين الرسول صلى الله عليه وسلم.
إن الصحابة كانت تقلد الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور لا يجب فيها التقليد، كانت هناك أمور عفوية تلقائية، فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم مرة أو اثنتين، وقد يفعله الإنسان من غير قصد ولا تعمد، مثل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عبد الله بن عمر كان يوقف القافلة، وينزل من على ناقته يصلى في بقعة ما أثناء سفرة ركعتين، فاستعجب الناس من هذا الموقف، ولما سئل في ذلك، قال:
في هذا المكان صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا المكان ليس فيه فضل معين، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلى ركعتين، ركعتين حاجة، أو ركعتين استخارة، لكن سيدنا عبد الله بن عمر رأى الرسول يفعل أمرًا، فهو يقلده في كل نقطة، بل أكثر من ذلك، فذات مرة أوقف القافلة، وكانت القافلة قائمة من راحتها، ولكنه نزل ليتبول في هذا المكان؛ لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتبول في هذا المكان.
ولا نقلل من هذا الأمر، ولكن ندرك حرصه رضي الله عنه في تتبع كل نقطة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، دارت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم دورتين في مكان قبل أن ينيخها، فكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه إذا وصل إلى ذلك المكان أدار ناقته دورتين قبل أن ينيخها، فهو مادام قد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، يفعل مثله.
وهذه مبالغة، لكنه مأجور عليها إن شاء الله؛ لأنه حريص على الاتباع، ولا يترك أي أمر، من المفروض أنه إذا كان يتبع في هذه الأمور، فهو من المؤكد يتبع في كل أمر، وهذا هو المهم، وهذا هو السلوك الذي من الممكن أن ينجي صاحبه، وهو ما نريد تعلمه.
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخطب فقال للناس بعد ما صعد على المنبر، قال لهم:
اجْلِسُوا.
بعض الصحابة كانوا واقفين، فقال لهم: اجلسوا.
فسمع ذلك ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، وكان على باب المسجد، فجلس على باب المسجد، يوجد مكان بداخل المسجد، لكنه سمع كلمة اجلسوا، فنفذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وجلس على باب المسجد، فرآه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له:
تَعَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ.
قد أصبح في تكوين عبد الله بن مسعود، أنه لا يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا استعجبتم من كل هذه الأمثلة، أختم به وهو أعجب من كل ما مضى روى مسلم، وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ذات يوم إلى منزله، فأخرج إليه فلقا من خبز- يعني كسرات من خبر- فقال صلى الله عليه وسلم ينادي على زوجاته، فقال: مَا مِنْ أُدْمٍ.
والأُدم هو غموس، وفي رواية إدام.
فقالوا: لا إلا شيئا من خل.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّ الْخَلَّ نِعْمَ الْأُدْمِ.
وفي رواية:
نِعْمَ الْأُدْمِ الْخَلُّ، نِعْمَ الْأًُدْمِ الْخَلُّ.
وانتتهت القصة، وجلس سيدنا جابر يأكل خلًا مع سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم. وسمع سيدنا جابر هذه الكلمة، قال:
فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي الله صلى الله عليه وسلم.
مع أنه شيء فطري يختلف من إنسان لإنسان، لكنه سمع الرسول يمدح في الخل، ويقول: نعم الأدم الخل.
بعدما سمع هذه الكلمة أصبح يحب الخل، ويقول طلحة بن نافع أحد رواة الحديث: ما زلت أحب الخل منذ سمعتها من جابر.
فطلحة بن نافع رحمه الله أراد أن يقلد الرسول، حتى في حب الخل، فظل يحب الخل منذ سمع هذا الكلام من جابر، هذا اتباع دقيق لرسول صلى الله عليه وسلم وصل أحيانا إلى حد المبالغة، لكنهم حريصون جميعا على تقليد الحبيب صلى الله عليه وسلم.
الصحابة كانوا يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا يعلمون أن اتباعه هو خير الدنيا، والآخرة، وأنه لا مناص من اتباعه حتى يدخلوا الجنة، وأنهم لو اتبعوا أي مخلوق غيره، فلا سبيل إلى دخول الجنة، إلا خلفه صلى الله عليه وسلم، وفوق ذلك الصحابة كانوا يتبعون الرسول؛ لأنهم كانوا يحبونه حبا لا نستطيع أن نصفه، حتى لا يتخيل أحدنا أنه يخالف سنته، امتنزج حبه بدمائهم، ولحومهم، وعظامهم صلى الله عليه وسلم، فأصبح وكأنه فطري مزروع فيهم، فهم يحبونه، ولا بد من أن يتبعوه، وفوق ذلك، وأعظم منه، أنهم كانوا يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يحبون الله عز وجل الذي خلقهم، ورزقهم، وأحياهم، ثم يميتهم، وبعد الموت بعث، وبعد البعث حساب، والذي يحاسب هو الله عز وجل، والذي بيده الجنة والنار هو الله عز وجل، والذي عرفنا سبيل حب الله عز وجل، هو الله عز وجل قال في كتابه:

[قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]
{آل عمران:31} .


فسبيل حب الله عز وجل هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، لا نجاة والله بغير اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، نسأل الله عز وجل أن يبصرنا بسنة نبينا، وحبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يضع أقدامنا على الطريق القويم، وأن يجمعنا معه،

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 08:24 PM
الحسن بن علي


شرفه ونسبه

هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، المدني الشهيد، سِبْط رسول اللهوريحانته من الدنيا، وهو سيِّد شباب أهل الجنة، فهو ابن السيدة فاطمة بنت رسول الله، وأبوه أمير المؤمنين علي. وقد ولد الحسنفي نصف رمضان سنة 3هـ.

أثر الرسول في تربيته

ظل الحسن بن علييتربى على يد المصطفىما يقرب من ثماني سنوات، ربّاه على عينه، وكان النبييحبه حبًّا جمًّا، وقد تولّى النبيتربيته منذ اليوم الأول لولادته؛ فسمَّاه الحسن، وأذَّنفي أذنه ليرسِّخ في قلبه معاني عظمة الله، وليطرد عنه الشيطان. كما برّك[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1) النبيالحسن، وحنّكه[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2). وكان النبييداعب الحسن كثيرًا، ويقبِّله ويعانقه حبًّا له وعطفًا عليه.

وكان النبييؤصِّل في الحسنمنذ الصغر حب الإصلاح بين المسلمين، ويربط هذا الأمر بالسيادة؛ فقد روى البخاري بسنده عن أبي بكرةأن النبيصعد بالحسن بن عليالمنبرَ فقال: "ابني هذا سيِّد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين". وقد تحققت هذه النبوءة التي تنبّأ بها رسول اللهبعد ذلك.

أهم ملامح شخصيته

جوانب العظمة والسمو البشري والأخلاقي في شخصية الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- من الكثرة بمكان، لكن أهم ما يميّزه هو هذا الملمح العظيم في شخصيته، وهو الحرص الواضح والدائم على حقن دماء المسلمين ووحدتهم، ويكسو هذا الحرص حياة الحسنطولاً وعرضًا، ويؤكد ذلك المواقف الكثيرة التي عاشها الحسن، وتعايش معها انطلاقًا من هذا المبدأ العظيم.

وخير شاهد على ذلك تنازل الحسنعن الخلافة لمعاويةحقنًا لدماء المسلمين، وأبرم الصلح معه بعد بضعة أشهر من مبايعته للخلافة، فكان ذلك فاتحة خير على المسلمين؛ إذ توحَّدت جهودهم، وسمِّي عام 41هـ عام الجماعة، وعاد المسلمون للجهاد والفتوحات.

بعض المواقف من حياته مع الرسول

روى الإمام أحمد بسنده عن أبي الحوراء السعدي قال: قلت للحسن بن علي: ما تذكر من رسول الله؟ قال: أذكر أني أخذت تمرة من تمر الصدقة، فألقيتها في فِيَّ، فانتزعها رسول اللهبلعابها فألقاها في التمر. فقال له رجل: ما عليك لو أكل هذه التمرة. قال: "إنَّا لا نأكلُ الصدقة".

وروى البخاري بسنده عن أبي هريرةقال: كنت مع رسول اللهفي سوقٍ من أسواق المدينة فانصرف فانصرفت، فقال: "أَيْنَ لُكَعُ -ثَلاَثًا- ادْعُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ". فقام الحسن بن علي يمشي وفي عنقه السِّخاب[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3)، فقال النبيبيده هكذا، فقال الحسن بيده هكذا، فالتزمه فقال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ". وقال أبو هريرة: "فما كان أحدٌ أحب إليَّ من الحسن بن علي بعدما قال رسول اللهما قال".

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

مع أبي بكر

عن عقبة بن الحارث أن أبا بكر الصديقلقي الحسن بن عليفضمَّه إليه، وقال: "بأبي، شبيهٌ بالنبي ليس شبيهٌ بعلي". وعليٌّ يضحك.

مع أبي هريرة

عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: كنا مع أبي هريرةفجاء الحسن بن علي بن أبي طالبفسلم علينا، فرددنا، ولم يعلم به أبو هريرة، فقلنا له: يا أبا هريرة، هذا الحسن بن عليقد سلم علينا. فلحقه وقال: وعليك السلام يا سيدي. ثم قال: سمعت رسول اللهيقول: "إنه سيِّد".

مع ابن عباس

روى الإمام أحمد بسنده أن جنازة مرّت على الحسن بن علي وابن عباس رضي الله عنهما، فقام الحسنوقعد ابن عباس، فقال الحسن لابن عباس: ألم تر إلى النبيمرّت به جنازة فقام؟! فقال ابن عباس: بلى، وقد جلس. فلم ينكر الحسن ما قال ابن عباس.

من مواقفه مع التابعين

وعن عليأنه خطب ثم قال: إن ابن أخيكم الحسن بن علي قد جمع مالاً، وهو يريد أن يقسمه بينكم. فحضر الناس، فقام الحسنفقال: إنما جمعته لفقرائكم. فقام نصف الناس، فكان أول من أخذ منه الأشعث بن قيس.

وعن عبد الله بن شداد أن الحسن بن عليمر براعٍ يرعى، فأتاه بشاةٍ فأهداها له، فقال له: حرٌّ أنت أم مملوك؟ فقال: مملوك. فردَّها عليه، فقال: إنها لي. فقَبِلها منه، ثم اشتراه واشترى الغنم وأعتقه، وجعل الغنم له.

أثره في الآخرين

عن الحسن بن عليقال: علمني رسول اللهكلمات أقولهن في قنوت الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت".

وعن سوادة بن أبي الأسود عن أبيه قال: دخل على الحسن بن عليٍّنفرٌ من أهل الكوفة وهو يأكل طعامًا، فسلموا عليه وقعدوا، فقال لهم الحسن: الطعام أيسر من أن يقسم عليه الناس، فإذا دخلتم على رجلٍ منزله فقرَّب طعامه، فكلوا من طعامه، ولا تنتظروا أن يقول لكم هلمُّوا؛ فإنما يوضع الطعام ليؤكل. قال: فتقدم القوم فأكلوا، ثم سألوه حاجتهم فقضاها لهم.

بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى

روى الترمذي بسنده عن أبي الحوراء السعدي قال: قلت للحسن بن علي: ما حفظت من رسول الله؟ قال: حفظت من رسول الله: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة".

وروى الإمام أحمد بسنده عن الحسن بن علي، عن أبيه -رضي الله عنهما- قال: كنت عند النبي، فأقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: "يا علي، هذان سيِّدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين والمرسلين".

بعض كلماته

لما بويع لهبالخلافة قال: "والله لا أبايعكم إلا على ما أقول لكم". قالوا: ما هي؟ قال: "تسالمون من سالمت، وتحاربون من حاربت". ولما تمت البيعة خطبهم.

وروي أنهكان يقول: "العَشاء قبل الصلاة يذهب النفس اللوَّامة". ومن كلماته: "الدنيا ظل زائل".

ومن كلماته أيضًالبَنِيهِ وبني أخيه: "تعلموا؛ فإنكم صغار قوم اليوم، وتكونوا كبارهم غدًا، فمن لم يحفظ منكم فليكتب".

وفاته

توفيسنة 49 من الهجرة، وقيل سنة خمسين عن 47 عامًا. يقال: إنَّه مات مسمومًا، ودُفن في بقيع الغرقد بجانب أمِّه فاطمة الزهراء.
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) أي: دعا له بالبركة.
[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) التحنيك أن يُمضغ التمر أو نحوه، ثم يُدلك به حنك الصغير.
[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) السخاب: خيط من خرز يوضع في العنق كالقلادة.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 08:27 PM
الصحابة والأخوة

مقدمة

ما زلنا نبحث عن معالم الطريق الذي سار فيه الصحابة نسأل الله عز وجل أن يلحقنا بهم في أعلى عليين، نتحدث عن مفهوم جديد، مفهوم جديد من المفاهيم الإسلامية، وكيف تعامل الصحابة مع هذا المفهوم، مفهوم لا يستقيم لأمة الإسلام أن تقوم بغيره هذا هو مفهوم الأخوة.
دور النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الحب والأخوة:
مما لا شك فيه أن الأخوة من دعامات المجتمع الصالح، ولبنة أساسية من لبنات إقامة الأمة الإسلامية الصالحة، فأي مجتمع صالح لا بد أن يقوم على أساس الأخوة.
ويروى البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا".
وهذا من بلاغته، وجمال تشبيهه صلى الله عليه وسلم، بنيان الأمة الإسلامية كالعمارة الضخمة الكبيرة، فمن المستحيل أن تبني عمارة كبيرة، وضخمة، وتضع طوبة، بجوار أخرى، فوق طوبة، دون أن يكون بينهن رابط، وإذا كنت تسطيع عمل ذلك في ارتفاع متر، أو مترين، فلن تسطيع عمله في عمارة ضخمة، فالأسمنت الذي بين طوبة، وطوبة، والخراسانة التي بين طابق، وآخر هي الأخوة.
فكذالك الأمة الإسلامية فلن تسطيع بناء أمة من غير أخوة؛ لذلك قال الله سبحانه وتعالى:
[إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] {الحجرات:10}.
على سبيل الحصر، فلا ينفع أن تكون هناك أمة للمؤمنين من غير أخوة، ولهذا السبب فإن أول الأساسات التي أنشأها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة عندما هاجر إليها من مكة، كان أساس الإخوة، آخى بين الأوس والخزرج، وفَكّ النزاع القديم الأصيل في المدينة، وليس فك نزاع فقط، بل عمل على زرع الحب بين الطرفين، أخوة، ومودة، وحب، هذا العمل ما تعودت عليه المدينة من قبل، الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد مجرد التعايش السلمي، بل أراد أن تكون أخوة في الله، وحبا في الله، ثم عمل على المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين التي وصلت إلى حد الميراث، مثلها كمثل أخوة النسب تماما، بل هي أشد من الأخوة في النسب، الأوس والخزرج قحطانيون من اليمن، وقريش عدنانيون من مكة، لكن الإسلام جمع بينهم، ولم يقم الإسلام بهم دولة فقط، بل عمل على أن يكون الحب في الله سمة بارزة بين الأفراد في هذه الدولة، هذا ما قام الإسلام بعمله في المدينة المنورة.
ومعظم شعائر الإسلام تقوم على الجماعة، وتحض عليها، تقوم على المجتمع، ولا بد لهذا المجتمع أن يقوم على أواصر الحب والمودة.
فصلاة الجماعة، الله سبحانه وتعالى يعطيك في صلاة الجماعة أكثر مما يعطيك وأنت تصلي نفس الصلاة في بيتك سبعة وعشرين ضعف من أجل أن ترتبط بجماعة المسلمين.
والزكاة لا بد أن تكون من واحد لمجموعة، أو واحد لواحد، وما كانت الزكاة أمرا فرديا.
أما الحج فمؤتمر جماعي كبير جدا من كل أقطار الأرض، يجتمع المسلمون ويقيمون هذا المؤتمر كل عام.
والجهاد لا يقوم به إلا مجموعة، فلن يخرج جيش فيه فرد، أو فردان أو ثلاثة، لأن هذا العمل يشمل كل الأمة من كل الأقطار.
والدعوة لا بد وأن يوجد داعية ومدعوين، والعلم كذلك عالم، ومتعلمين، والشورى لا تكون إلا بين مجموعة من المسلمين، وكل شيء يحتاج مجموعة، وكل شيء في الإسلام يحتاج عملًا جماعيًا.
فقضية الاستخلاف على الأرض لن تكون إلا بعمل جماعي، فلا بد أن يكون هناك من يزرع، ومن يبني، ومن يبيع، ومن يعالج، ومن يخترع، ومن يحارب، ويدافع، ولا بد من تفاعل، وتنسيق بين كل هؤلاء، ومن المستحيل أن يخرج عملا نافعا وناضجا إذا لم توجد بين كل هؤلاء ألفة بين قلوبهم، ورابطة قوية تجمعهم.
وهناك صراع حتمي سيحدث بين أهل الحق، وأهل الباطل، سنة من سنن الله في الأرض، وهذا الصراع سيحتاج إلى وحدة بين أهل الحق في مواجهة أهل الباطل، فهل من الممكن أن يتصارع أهل الحق، مع أهل الباطل، ويكون بين أهل الحق وبين بعضهم غل وشحناء وبغضاء، ثم بعد ذلك يستطيعون محاربة أهل الباطل، والانتصار عليهم.
وإذا تصارع أهل الحق لن تكون هناك شرائع، ولا جهاد، ولا شورى، ولا استخلاف؛ لذلك أوجب الله عز وجل الأخوة بين أفراد المجتمع المسلم الصالح، أوجب الحب في الله، ونهى عن الشحناء، والبغضاء، والكراهية، وبذلك يستطيع المؤمنون بالله أن يقوموا بأمر الاستخلاف كما أراد الله عز وجل.


مفهوم الأخوة عند الصحابة

ولقد فقه الصحابة أهمية الأخوة بين بعضهم البعض دون ارتباط بنسب، ولا مال، ولا مصلحة، فهِموا أنهم لن تكون لهم أمة، ولن يعبدوا الله حق عبادته، ولن يقوموا بأمر الاستخلاف كما ينبغي أن يكون، إلا بأخوة بينهم، ولا ينكر أحد قيمة الأخوة، والألفة في بناء المجتمعات الصالحة كل البشر، لا ينكرون قيمة الأخوة، والمحبة بين أفراد المجتمع الواحد، لكن كل مجتمع له نظرة خاصة جدا لموضوع الأخوة، وموضوع المحبة، كلٌّ يفهمها بطريقة، فما هي نظرة الصحابة لمعنى الإخوة؟
وكيف كان فهمهم لقضية الحب في الله؟
ما مفهوم مجتمع الصحابة عن قضية الحب بين أفراد المجتمع، أو الأخوة بين أفراد المجتمع؟
سنذكر أربع مفاهيم أعتقد أنها كانت تميز نظرة الصحابة في مسألة الأخوة.


المفهوم الأول: الأخوة طريق للجنة

الصحابة كانت تفهم أن الأخوة طريق للجنة، وهذا كان يعطيها قدرا عاليا مهيبا من القيمة، كانوا يفهمون الإخوة على أنها طريق من طرق الجنة، مثل الصلاة، والصوم، والجهاد، والدعوة، ومثل كل هذه الطرق، واستمدوا فهمهم لهذا الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتأكيدًا لهذا المعنى الجميل لأهمية الحب، والأخوة يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم، والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا.
الرسول يقسم أن البشر لن يدخلوا الجنة حتى يؤمنوا، وهذا أمر معروف ولكن ما يثير عجب كثير من الناس قول صلى الله عليه وسلم:
وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحابُّوا.
إذن هذا شرط من شروط الإيمان.
ويوجد كثير من الناس ليست لديهم مشكلة في قطع علاقاتها مع الآخرين، ولا يدري أنه يخاطر بقضية الإيمان، وبدخول الجنة، فالموضوع ليس هينًا أو سهلًا:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا.
وثم يمنحك أحد الطرق بزيادة المحبة، أو تأصيل المحبة بين المسلمين:
أَلَا أَدُّلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ.
وهذا حديث آخر يرويه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقَيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي.
تخيل في هذا اليوم الصعب العسير، وعندما تدنو الشمس من الرءوس قرابة ميل، لا يدري رسول الله صلى الله عليه وسلم المقصود بالميل، هو ميل المسافة، أو الميل الذي تكتحل به العين، الشمس تدنو إلى هذه الدرجة، ومع ذلك، فهناك طائفة من الناس سينجيها الله من هذا الحر، وهم المتحابون بجلال الله عز وجل، الذين كان يحب بعضهم بعضا، دون نسب، ودون مصالح، ودون منافع.
ويروى الترمذي، وقال: حديث صحيح. عن أنس رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.
فكم صديق أو جار يحب أن يكون صديقه أو جاره ينال مثل ما عنده من أموال، أو يحب أن ينال ابن جاره عملًا كعمل ابنه، أو أولاد صديقه، فهل هناك من يشعر بتلك العواطف وهذه المشاعر، أم الكل يتمنى، ويحب دائما أن يكون أحسن، وأعظم، وأغنى، وأمهر من كل من حوله؟
فالقضية خطيرة جدا لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وهذا الكلام صعب، بل شديد الصعوبة، ومن أجل صعوبته فثوابه أكبر من أن تتخيله.
ويعظم لنا النبي صلى الله عليه وسلم من ثواب أولئك الذين غمرهم الحب إلى هذه الدرجة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه، روى أبو داود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
الأنبياء، والشهداء يغبطون هؤلاء الذين أعطوا درجة عالية جدا يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى، فمكانتهم قريبة من الله سبحانه وتعالى لدرجة أن الأنبياء، والشهداء يغبطون هؤلاء الناس، فما العمل الضخم الذي رفع هؤلاء من درجتهم إلى هذه الدرجة، فتشوق الصحابة لمعرفة هؤلاء، فقالوا:
يا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تخبرنا من هم؟
قال: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا ِبرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بِيْنَهُمْ وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطُونَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وِإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ.
ثم قرأ صلى الله عليه وسلم:
[أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ] {يونس:62}.
هؤلاء هم أولياء الله عز وجل، ليس الولي الذي يمشي فوق الماء، ويطير في الهواء، بل هؤلاء الأولياء، هم الذين يتحابون بروح الله على غير أنساب بينهم، أو على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، وهذه هي المكانة العالية التي منحها الله عز وجل لقيمة الأخوة، ومفهوم الأخوة.
وعلى الجانب الآخر التشاحن بين الإخوة، يمنع مغفرة الله عز وجل للعباد، فلقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا.
فقد تُحْرم مغفرة الله لك، أو تؤخر عنك بسب شحناء، أو بغضاء، أو غل مع جارك، أو صاحبك، أو قريبك إلى أن تصطلحوا.
وعلاقتك مع إخوانك هي التي تحدد تلك الأمور لذلك كان الشافعي يقول:
أُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَسْتُ مِنْهُمْ لَعَلِّي أَنْ أَنَالَ بِهِمْ شَفَاعَه
وَأَكَرَهْ مَنْ تِجَارَتُهُ الْمَعَاصِي وَإِنْ كُنَّا سَوَاءً فِي الْبِضَاعَه
يقول إن حبه للصالحين قد يكون سببًا في دخول الجنة، مفهوم راقي عند الشافعي رحمه الله، أحمد بن حنبل رحمه تلميذ الشافعي سمعه يقول هذين البيتين فقال له:
تُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ وَمِنْكُمْ سَوْفَ يَلْقَوْنَ الشَّفَاعَه
وَتَكْرَهُ مَنْ تِجَارَتُهُ الْمَعَاصِي وَقَاكَ اللَّهُ مِنْ شَرِّ الْبِضَاعَه
هذا المعنى معنى الأخوة، والحب في لله، وحب كل المسلمين زرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوب أصحابه، ورباهم على ذلك، مستغلًا لكل حديث ليوضح للصحابة أمور دينهم، بأسلوب بسيط جدًا، وبرقة معهودة منه صلى الله عليه وسلم.
ومازلنا في المفهوم الأول للأخوة عند الصحابة، وهو أن الأخوة هي طريق من طرق الجنة، ويكلمهم النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل من أهل الجنة في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد بسند صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
وانظر، الصحابة في منتهى الاشتياق، فمن هو الصحابي الذي يمشي على وجه الأرض وهو من أهل الجنة؟
فيقول أنس بن مالك راوي الحديث:
فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه في يده الشمال.
ووصف سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه عن الرجل يدل على أن الرجل بسيط جدا، وغير معروف بين الصحابة، مجرد رجل من الأنصار كما يقول أنس، ولو كان معروفا لكان سماه باسمه، لكنه رجل غير معروف.
فلما كان الغد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، قال نفس الكلمات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة.
وانتظر الصحابة، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، نفس الرجل الأنصاري، وطلع بنفس الهيئة، فلما كان اليوم الثالث، قال الني صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا:
يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة.
فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى، فكان بإمكان الرسول أن يقول لهم في منتهى الوضوح عمل هذا الرجل، لكن أراد الرسول أن يشوقهم إلى أن يعرفوا قصة هذا الرجل، وما أرجى عمل عمله؛ ليكون من أهل الجنة وهو رجل بسيط لا يعرفه أحد؛ ليكون ذلك أبلغ في استيعاب الدرس، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال له:
إني لاحيت أبي- يعني خاصمت أبي- فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تئويني إليك، حتى تمضي فعلتَ.
قال: نعم.
قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث.
فأنس رواي الحديث رضي الله عنه وأرضاه يحكي أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يحكي حكايته مع هذا الرجل العجيب، فيقول أنس بن مالك يروي رواية عبد الله بن عمرو بن العاص أنه لم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار استيقظ من نومه، وتقلب في فراشه ذكر الله عز وجل، وكبر، يذكر الله، ويكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث اليالي، وكدت أن أحتقر عمله، هو لا يقصد الاحتقار بمعناه، ولكن استقله، فالرجل يصلي، ويذكر الله عز وجل، ولا يقول إلا خيرا ككل الصحابة، فلماذا خص الرسول هذا الرجل بالذات، ويؤكد ثلاث مرات أنه من أهل الجنة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، كان من عباد الصحابة، كان يصوم معظم الأيام، ويقوم معظم الأيام، ويقرأ القرآن، ويختمه في ثلاثة أيام، ولم يرى عملًا للأنصاري يرفع درجاته في الدنيا إلى الدرجة التي أكدها الرسول صلى الله عليه وسلم مرة واثنتين وثلاثة، فبدأ يصارحه، فقلت:
يا عبد الله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضب، ولا هجر، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لك ثلاث مرات:
يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك؛ لأنظر ما عملك، فأقتضي بك، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: ما هو إلا ما رأيت.
يقول عبد الله بن عمرو العاص: فلما وليت دعاني، فقال:
ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غِشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه.
فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق.
من الصعب جدا أن تحب الخير لكل الناس، لكن مع صعوبتها، فإن أجرها الجنة، حتى ولو كنت رجلا بسيطا، لست عالم من العلماء، أو عظيم من العظماء.
فإذن ترسخ في أذهان الصحابة أن دخول الجنة مقرون بحبك لأخيك، دون مصلحة، أو رحم، وترسخ لديهم أن الشحناء، والبغضاء، والهجر، معوقات واضحة لدخول الجنة، وعلى قدر حبهم للجنة، أحبوا بعضهم البعض، وعلى قدر اشتياقهم للجنة غفر بعضهم لبعض، فهذا هو المفهوم الأول في أذهان الصحابة عن مسألة الإخوة في الله، أو عن معنى الإخوة في الله، أنها طريق واضح للجنة.


المفهوم الثاني: الأخوة مسئولية

وهذا المفهوم في منتهى الخطورة، وفيه تميز شديد عند الصحابة، وأشعر أن هناك نقص شديد في زماننا في هذا المفهوم.
فلابد أن تعرف عن الأخوة أنها مسئولية، فالأخوة ليست مجرد كلمة تقال، أو إحساس يشعر به الإنسان، الأخوة ليست أخذا بلا عطاء، ليست مصالح تقضى لك كلما ازدادت معارفك، ليست قوة في سلطانك كلما ازدادت علاقاتك، بل الأخوة تبعات، على العكس من مفهوم كثير من الناس تماما عن الأخوة.
فالأُخُوّة مسئولية، وتضحية، وبذل، وعطاء، وإنفاق بلا مردود، أو بلا طلب مردود، الأخوة إيثار على النفس، وحب خالص من القلب، لا يراد به إلا وجه الله تعالى، عمل الرسول صلى الله عليه وسلم على تربية الصحابة على معاني الأخوة، أو معاني الحب في الله، أو التعاون في المجتمع الذي تعيش فيه مع إخوانك.
والحديث الذي جاء بروايات كثيرة متكاملة، وكلها في البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، وغيرها من كتب، وهذا الحديث يوضح تلك المعاني التي غرسها الرسول صلى الله عليه وسلم في أصحابه، والحديث في رواية البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كُلُّ سُلَامَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ.
والسلامى هو العظم، أو المِفْصَل.
وعند أبي داود وأحمد، واللفظ لأبي داود حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، قَالَ سَمِعْتُ أَبِي، بُرَيْدَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
فِي الْإِنْسَانِ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ مَفْصِلًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْهُ بِصَدَقَةٍ.
عدد المفاصل في الجسم ثلاثمائة، وستون، فعليك كل يوم ثلاثمائة وستون صدقة، ويوضح صلى الله صلى الله عليه وسلم مفهوم الصدقة، فيقول:
كُلَّ يَوْمٍ يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ. وهذا أول مثل ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو مساعدة الناس، تعين الرجل ليركب دابته، أو ترفع متاعه عليه، ثم يقول:
وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ.
والكلمة الطيبة حتمًا ستكون بينك وبين إنسان، فالكلمة الطيبة صدقة،
وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ.
وهذا عمل، وإن كان من الأعمال الفردية، إلا أنه يلتقي بالمسلمين في صلاة الجماعة.
وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ.
فدلك الطريق لمن لا يعرفه صدقة.
وهذه إحدى الروايات للحديث في البخاري، وهناك روايات أخرى متكاملة كثيرة جدا، ففي رواية يقول:
يعدل بين الاثنين صدقة.
الإصلاح بين الناس، وبين المتخاصمين صدقة. وفي رواية:
ويميط الأذى عن الطريق صدقة. فيها مساعدة الناس.
وفي رواية:
يعين ذا الحاجة الملهوف.
وفي رواية:
فليعمل المعروف، وليمسك عن الشر، فإنها له صدقة، فهو إما خير تفعله في الناس، أو شر تكفه عنهم.
وفي رواية:
تسليمه على من لقي صدقة.
وفي رواية:
وتبسمك في وجه أخيك صدقة.
وفي رواية:
وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة.
وفي رواية:
وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة.
الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يوضح لنا مفهوم الصدقة الحقيقية التي تدفعها عن أعضائك، وعن النعم التي مَنّ الله بها عليك، وهي مساعدتك لغيرك، وهي أن تشعر بالمسئولية تجاة الناس في المجتمع الذي تعيش فيه، أو الأمة التي تحيا فيها.
فلو أن المجتمع يفقه الأخوة كما فقهها الصحابة على أنها اختبار، وامتحان، وبذل، وعطاء، ومجهود، وأنها مسئولية، وليست منافع، ومصالح أكتسبها من معارفي، وكلما ازدادت معارفك ازدادت مكاسبك، بل العكس على ذلك تمامًا، فكلما ازدادت معارفك كثرت أعمالك وتضحياتك من أجل إخوانك. وهذا المعنى وضحه النعمان بن مقرن رضي الله عنه وأرضاه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب خطبته المشهورة في موقعة نهاواند وقال للصحابة في هذه الموقعة في خطبته قال لهم:
ولا يكل أحدكم قرنه إلى أخيه.
فلا يُلقي أحد مسئوليته على إخوانه، بل عليه أن يحمل عن من لا يستطيع. ثم قال كلمة في منتهى الصعوبة:
فإن الكلب يدافع عن صاحبه.
شيء صعب جدا أن يتدنى المؤمن إلى درجة أقل من الحيوان، فالحيوان يدافع عن أصحابه، فأولى بالمؤمن أن يدافع عن إخوانه، هذا مفهوم المسئولية عند النعمان بن مقرن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند عموم الصحابة.
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
فالجزاء من جنس العمل، لكن لو نفست عن مؤمن كربة، فربنا سبحانه وتعالى بنفسه هو الذي ينفس عنك يوم القيامة، وإذا يسرت على معسر، فربنا سبحانه وتعالى بنفسه هو الذي ييسر عليك في الدنيا، وفي الآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا وفي الآخرة.
ثم يقول صلى الله عليه وسلم جملة في منتهى الجمال، وتشمل كل ما مضى: وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ.
فمساعدتك لإخوانك، وبَذْلِك لهم، وقضاؤك لحوائجهم، ولو كان شيئًا بسيطًا، ومحدودًا إلا أن الله يكون في عونك كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ.
فمهما ألمت بك أزمات، أو وقعت بك ضائقات، أو نزلت نازلة، كان الله في عونك، ولهذا كان الصحابة يبذلون حياتهم كلها لنفع الآخرين، لمساعدة الآخرين، وللتضحية من أجل الآخرين، يقومون بكل هذه الأشياء؛ لأن المردود عندهم أعلى، وأعظم؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يعطيهم، فالأخوة عند الصحابة مسئولية وتضحية.
وتجد هذه المعاني راسخة في طائفة من الصحابة، وهي قبيلة الأشعريين، القبيلة التي منها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، هذه القبيلة كان لها عادة جميلة جدا، فالرسول عليه الصلاة والسلام علق على هذه العادة، وشكر في هذه العادة، روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ- يعني فني زادهم وطعامهم- أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ- سواء كانوا في سفر أو في غزو أو حتى وهم داخل المدينة- جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي َثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيِّةِ.
ويعلق الرسول فيقول:
فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ.
الأشعريون من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو منهم، ومع أن الأشعريين من اليمن، لكن فعلتهم هي التي رفعت درجتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر ابن عباس رضي الله عنها أن الناس قحطوا في زمان أبي بكر، وفي هذا الوقت جاءت قافلة لعثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه إلى المدينة المنورة، جاءت هذه القافلة فتسارع التجار لشراء هذه القافلة الكبيرة، فسألهم عثمان: كم تربحوني؟
قالوا: العشرة اثني عشر.
قال: قد زادني على هذا الربح.
قالوا: فالعشرة خمسة عشر.
وهذا ربح ضخم جدا، أمام كل عشرة دراهم سيكون المكسب خمسة عشر درهم، قال:
قد زادني.
قالوا: من الذي زادك ونحن تجار المدينة؟
قال: الله عز وجل زادني بكل درهم عشرة، فهل لديكم أنتم المزيد. ثم قال: اللهم إني وهبتها فقراء المدينة.
بلا ثمن، وبلا حساب تبرع بكل القافلة الضخمة إلى فقراء المدينة.
فلو لم يكن لديه مشاعر تجاه المسلمين، فقد يخرج الزكاة 2.5%، ثم بعد ذلك لا يهتم بأمر المسلمين، لكن سيدنا عثمان فَقِه أن الأخوة تضحية، وبذل، وعطاء لفقراء المسلمين، ولعموم المسلمين، ولأمة الإسلام، ولجيش الإسلام، وهذا هو ديدن عثمان بن عفان في كل عمره، وهذه حياة الصحابة.
وليست المسئولية مادية، وفقط، بل كان الصحابي يعين إخوانه على الطاعة، على طاعة الله عز وجل، روى البخاري أن معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه كان يقول للرجل من إخوانه:
اجلس بنا نؤمن ساعة.
وليس كل الأعمال انغماس في الدنيا، لكن أنا أساعد إخواني في الدروس، وأساعدهم في طاعة الله، هذا هو المعنى الذي ذكره الله عز وجل على لسان موسى عليه السلام في سورة طه قال:
[وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي(29)هَارُونَ أَخِي(30)اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(31)وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي(32)كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا(33)وَنَذْكُرَكَ كَثِيرً] {طه:29: 34}
هكذا فالمؤمن يتعاون مع أخيه، يعين أخاه، وأخوه يعينه، في يوم من الأيام كل واحد يتبادل مع أخيه منفعة المعاونة على الطاعة، وهذا هو العون الحقيقي، ولم يكن الصحابي سلبيا أبدا في تعليم إخوانه الخير الذي عرفه، والقصة الجملية التي يرويها البخاري توضح لنا أنهم كان لا يدخرون وسعًا في نصح إخوانهم، فعن وهب بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه قال:
آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان، وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة- أي رثة الهيئة والثياب وكان ذلك قبل فرض الحجاب، فقال لها:
ما شأنك؟
قالت: أخوك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا.
فأبو الدرداء صوام للنهار، قوام في الليل.
فلما سمع سيدنا سلمان ذلك الكلام قرر أن ينصح أخاه ويعلمه.
فيقول الراوي وهب بن عبد الله رضي الله عنه يقول:
وجاء له أبو الدرداء، فصنع له طعاما، فقال له سلمان:
كل.
قال: فإني صائم.
فقال سلمان:
ما أنا بآكل حتى تأكل.
فقطع صيامه وأكل، وهذا الصيام صيام تطوع، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم الليل من أول الليل، فقال سلمان:
نم.
فنام، وأبو الدرداء لا يستطيع النوم؛ لأنه قد تعود على القيام
[تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ] {السجدة:16}.
ثم ذهب ليقوم، فأمره سلمان بالنوم، فلما كان من آخر الليل، قال سلمان:
قم الآن.
فصليا، فقال له سلمان بعد ما صلى ينصحه ويعلمه درس في منتهى الرقي فيقول له:
إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا- وفي رواية الترمذي: وإن لضيفك عليك حقا- ثم قال: فأعط كل ذي حق حقه.
ولم يقتنع أبو الدرداء، فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يشكو سلمان، وذكر له كل هذه القصة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
صَدَقَ سَلْمَانُ، صَدَقَ سَلْمَانُ.
فأقر سلمان على التعليم اللطيف الذي عمله لأبي الدرداء رضي الله عنهم أجمعين.
والشاهد أن سلمان الفارسي رضي الله عنه فرغ من وقته يوما وليلة؛ ليعلم آخاه درسا ينفعه؛ ليحافظ على بيته، قد يوقف الإنسان أشغاله، وحياته، ونظامه، كله من أجل أن يحافظ لأخوه على بيته، وقد يرى الإنسان مشاكل طاحنة في بيت أخيه، ولا يسعى لحلها وتمر حياته بصورة طبيعية، وهذا لم يفهم الأخوة على أنها مسئولية، توجب عليه التناصح، وبذل نفسك له، وقضاء حوائجه، حتى لو اضطررت إلى أن تقطع من وقتك، وتسافر لأخيك، أو تدخل معه في قضية من القضايا، تساعده في حلها، وهذا ما فقهه الصحابة عن الأخوة.
وأخرج الطبراني، والبيهقي، والحاكم، وقال: صحيح.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان معتكف، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأمر الاعتكاف أمر هام جدا، وأمر خطير جدا، والمؤمن لا يخرج من الاعتكاف إلا لضرورة شديدة.
فآتاه رجل، فسلم عليه، ثم جلس، فقال له ابن عباس- الرجل قاعد جنب ابن عباس، لم يتكلم، لكن شكله مكتئب جدا، شكله حزين، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما:
يا فلان أراك حزينًا.
قال: نعم يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفلان علي حق، وحان أجله، وليس معي ما يقضيه.
فقال له ابن عباس رضي الله عنهما:
إن أحببت أن أكلمه لك.
ولم يكن معه مال ليساعده بالإنفاق، ولكن أكلم الرجل ليصبر عليك، فقال الرجل:
نعم.
فخرج ابن عباس رضي الله عنهما من اعتكافه ليقضي حاجة الرجل، فقال الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟
فقال ابن عباس رضي الله عنهما:
سمعت صاحب هذا القبر، الكلام والعهد به قريب، فدمعت عين ابن عباس رضي الله عنهما فدمعت عيناه وهو يقول، وهذا الكلام للرسول صلى الله عليه وسلم:
مَنْ مَشَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، وَبَلَغَ فِيهَا- أي قضاها- كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ اعْتِكَافِ عَشْرِ سِنِينَ.
فقه عال جدا لمعنى الأخوة، والبذل من أجل الآخرين، فالاعتكاف يعود على الفرد، أما خدمة الآخرين فتعود على المجتمع بأسره.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقدم خدمة الناس على اعتكاف عشر سنين، وفي مسجده صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث صحيح رواه الحاكم والطبراني، والبيهقي، وكذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول:
السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلِةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ.
كثير من يعظم أمر الجهاد في سبيل الله، وهو أمر عظيم حقا، ويعظم الصيام، ويعظم القيام، لكن كم فرد يعظم السعي على الأرملة، والسعي على المسكين.
والسعي على الأرملة والمسكين ليس مرة في العام، بل الساعي المتكفل بأرمله، أو المتكفل بمسكين، يسعى عليه إلى أن يبلغ رشده، وهذا هو المجتمع المسلم، وهذه أسس راسخة لبناء المجتمع المسلم القوي، وما كان هذا كلام وفقط، بل كان أفعال متكررة، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه نعي جعفر يقول برقة مشاعره المعهوده:
اصْنَعُوا لِأَهْلِ جَعْفَرَ طَعَامًا، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ.
وهذا فقه الشعور بالآخرين، يغرسه النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه، وليس كما يحدث الآن أن أهل الميت هم الذين يصنعون الطعام، ويستقبلون الناس، وهذا الأمر على خلاف السنة.
فالأخوة مسئولية، وبذل، وعطاء، وليست مكاسب، ومنافع تعود عليك من أخيك.
ومن عظم مسؤليتها تجد الصحابي لا يقبل أن يقال في حق أخيه كلمة فيها قدح، أو فيها جرح، وهو غائب ويرد غيبة أخيه، ويدافع عنه، وروى أبو داود، وأحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وعن أبي طلحة بن سهل الأنصاري رضي الله عنه أنهما قالا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مَا مِنْ امِرِئٍ يَخْذِلُ امْرَأً مُسْلِمًا في مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتَهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتِهِ، وَمَا مِنِ امْرِِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نَصْرَتَهُ.
وهذا ما ترسخ فهمه لدى الصحابة، فلهذا لم يقبل الصحابي أبدا أن أحدا من الصحابة يُجْرح إلى جواره بكلمة، أو بقدح، أو بطعن، ولا يرد، وروى البخاري ومسلم موقفًا يوضح ذلك الأمر، فعن كعب بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، وكعب بن مالك من الثلاثة المخلفين في غزوة تبوك، وهو نفسه كان يحكي هذه القصة في صحيح البخاري، فيقول رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اكتشف غيابه في الغزوة، قال:
مَا فَعَلَ كَعْبٌ.
يطمئن على أصحابه، فقال رجل من بني سَلِمة:
يا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبسه برداه- يعني ثيابه، أي حبسته ثيابه- ونظره في عطفه.
أي حسن وبهاء الثوب الذي عليه، أي شغلته الدنيا عن القدوم إلى الغزوة، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه:
بئس ما قلت، والله يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علمنا عليه إلا خيرا. يدافع عن أخيه كعب، حتى وكعب متخلف عن غزوة من أهم غزوات في حياة المؤمنين، لكن يعذر أخاه إلى أن يعرف ما السبب الذي خلفه عن هذه الموقعة، أو عن هذه الغزوة، هذه هي الأخوة، والمعنى الذي ترسخ في أذهان الصحابة عن قضية الأخوة.
ولما وقع الناس في عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في حادثة الأفك المشهورة قالت أم أيوب لزوجها أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما:
يا أبا أيوب أما تسمع ما يقوله الناس في عائشة؟
قال: نعم وذلك الكذب.
يدافع وهو في بيته مع زوجته، ثم قال لزوجته:
أكنتِ فاعلة ذلك يا أم ايوب؟
قالت: والله ما كنت لأفعله.
قال: وعائشة والله خيرا منك.
أبو أيوب الأنصاري يدافع عن السيدة عائشة (http://vb.g111g.com/أم_المؤمنين_عائشة_بنت_أبي_ب� �ر) في غياب كل الناس، وهو مع زوجته، لكن من حق السيدة عائشة (http://vb.g111g.com/أم_المؤمنين_عائشة_بنت_أبي_ب� �ر) رضي الله عنها على أبي أيوب الأنصاري أن يدافع عنها في غيبتها، وهذا ما يحفظ فعلا حرمة المؤمنين ويحفظ حرمة المؤمنات.
والكلام في هذا المفهوم كثير، مفهوم أن الأخوة مسئولية، والأخوة تضحية، ولن نستطيع أن نستفيض في كل الروايات في هذا الموضوع؛ لأن هذا معناه أننا نتكلم عن حياة الصحابة من أولها لآخرها، وهذا كان المفهوم الثاني للصحابة عن قضية الأخوة، أو عن معنى الأخوة، الأخوة مسؤلية، وبذل وعطاء.


المفهوم الثالث: الأخوة لكل من آمن بالله

الأخوة لكل من آمن بالله العظيم ربا، وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم نبيا، وبالإسلام دينا، ولمن قَرُب، ومن بَعُد، لمن كان عربيا، أو كان أعجميا، لمن كان حديث الإسلام، أو سابقا بالإيمان، لمن تعرف ومن لا تعرف، فأي مسلم من المسلمين يستحق كل حقوق الأخوة، حتى وإن كنت لا تعرفه من قبل، شمول رائع في مفهوم الأخوة.
عمر بن الخطاب كلنا نعرف قصة إسلامة يطرق الباب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم يوم أن أسلم يطرقه، وله تاريخ طويل مؤلم مع المسلمين، تعذيب، وإيذاء، ومعاداة، وكراهية، وفي آخر لحظة من لحظات كفره، كان ذاهبا ليقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، يطرق الباب، ولما نظروا من ثقب الباب، وقالوا: عمر.
قال حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه:
افتحوا له الباب، فإن كان يريد خيرا، بذلناه له، وإن جاء يريد شرا قتلناه بسيفه.
ثم دخل عمر وآمن عمر، وبعد إيمانه انقلب كل البغض، وتحولت كل الكراهية الشديدة التي كانت لعمر بن الخطاب في قلوب المؤمنين إلى حب لعمر رضي الله عنه، وكيف ارتضوا أن يخرجوا خلف عمر بن الخطاب، وخلف حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما في صفين إلى الكعبة، مع أنه كان من وقت قريب يعذبهم، ويحاربهم، وهذه هي معجزة هذا الدين، أصبح عمر أخًا لكل المسلمين، يدافع عنهم، ويدافعون عنه، هذه هي الأمة التي رضي الله عنها، والتي أنعم عليها بهذه النعمة، نعمة الأخوة، استفاد عمر رضي الله عنه وأرضاه من هذا الدرس الذي فعله معه المؤمنون، فأصبح مقياس الحب، والكره في قلب عمر مربوطا بالإيمان، والإيمان فقط.
ويروي الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عندما أسلم ثمامة بن أثال رضي الله عنه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، أسلم ثمامة بن أثال في أواخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد حياة طويلة من محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول عمر بن الخطاب:
لقد كان والله في عيني أصغر من الخنزير، وإنه في عيني الآن أعظم من الجبل.
اختلفت النظرة بمجرد أن دخل ثمامة بن أثال رضي الله عنه وأرضاه في دين الإسلام بمجرد أن آمن، أصبح له كل حقوق الأخوة، وأولها الحب في الله، الحب الخالص لهذا الأخ في الله لأنه آمن، وقد تحدث هذه العاطفة الأخوية الراقية مع مؤمن لم يره الإنسان من قبل مطلقا، وتشعر ناحية هذا الرجل بهذه العاطفة القوية، وذلك في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال:
آتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرجل لا يعرفه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال:
يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابني الجهد.
بلغ به الجوع مبلغًا حتى أصابه الجهد، فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والرسول، لم ينسى القضية فهو يشعر بأخوة حقيقية له مع أنه لم يره من قبل، قال:
أَلَا رَجُلٌ يُضَيِّفُهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ.
فقام رجل من الأنصار، فقال:
أنا يا رسول الله.
فذهب إلى أهله، فقال لامراته:
ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخري شيئا.
قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية.
قال: فإذا أرادت الصبية العشاء فنوميهم، فأطفئ السراج وأريه أنّا نأكل، ونطوي بطوننا الليلة.
ففعلت، ثم غدى الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثاني، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا الكلام في البخاري:
لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ مَنْ صَنِيعِكُمَا بَضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ.
مع أن الأنصاري لا يعرف هذا الرجل من قبل، ولكن ترسخ هذا الفهم لدى الصحابة، حتى وإن لم يكن يعرفه، أو قابله من قبل، لكن المهم أن هذا الإنسان مؤمن بالله عز وجل.
ومن أجل هذه الإخوة في الإيمان دون سابق معرفة، فإن الله عز وجل أوجب على المسلمين أن ينفروا لنجدة إخوانهم المسلمين في البلاد الأخرى، إن إحتاج أهل هذه البلاد إلى مساعدة، واتفق الفقهاء على أنه لو سبيت امراة من أهل المشرق، امرأة من أهل المشرق لا تعرفها، ولن يستطيع أهل هذه البلاد تخليصها، وجب ذلك على أهل المغرب، كل المسلمين عليهم تحرير امرأة واحدة فقط، فكيف لو سبي شعب من المسلمين؟
أجلى الرسول صلى الله عليه وسلم بني قينقاع من المدينة دفاعًا عن رجل مسلم واحد قتل، وعن امرأة مسلمة واحدة كشفت عورتها، هذا هو المفهوم الذي زرعه الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحابة، قد لا يعرف جيش المسملين الذي ذهب لمحاربة بني قينقاع من المدينة المنورة الرجل الذي قتل أو المرأة التي كشفت عورتها.
وخرّج المعتصم جيشا لإنقاذ امرأة واحدة في بلاد الروم، امرأة مؤمنة واحدة صفعت في بلاد الروم لم تقتل في بلاد الروم، بل صُفِعت، فخرّج جيشًا كاملًا لفك أسر هذه المرأة، وكان المعتصم على رأس الجيش من أجل امرأة قد لا يعرفها أحد، وقد لا يعرفها المعتصم نفسه.
وخرّج الحاجب المنصور وكان في الخلافة الأموية في الأندلس خرج جيشا لفك أسر ثلاث نساء مؤمنات، ثلاث نساء فقط، هذا هو مفهوم الإسلام عن الإخوة في الإيمان، لا فرق بين مصري، ولا سوري، ولا فلسطيني، ولا شيشاني، ولا كشميري، ولا بوسنوي، ولا أي أحد من المسلمين، لا فرق، الكل إخوة في الله، إخوة في الإيمان، إخوة في الإسلام، والله عز وجل سائلك عن أي تقصير في حقوق من ارتبطوا معنا برباط عقائدي واحد.


المفهوم الرابع: الأخوة نعمة من نعم الله

والمفهوم الأخير بإيجاز سريع هو أن هذه الأخوة في الله، هي نعمة من الله عز وجل، نسعد بها في دنيانا، وكذلك نسعد بها في آخرتنا، فأنا أقوم بهذه الأعمال ليس للثواب في الآخرة وفقط، بل يعطيني الله عز وجل في الدنيا سعادة، وقد يتصارع أهل الأرض جميعا على الدنيا، ولا يجدوا هذه السعادة التي أجدها مع أخي المسلم، نعمة حقيقية، يقول الله عز وجل:
[وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانً] {آل عمران:103} نعمة كبيرة جدا من الله عز وجل، وهذه النعمة والله لا تعدلها أموال الأرض جميعا، فكل أموال الدنيا، وكل نعيم الدنيا لا يساوي هذه النعمة، وهذا الكلام ليس فيه مبالغات؛ لأنه كلام ربنا سبحانه وتعالى، ويقول في كتابه سبحانه وتعالى:
[وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] {الأنفال:63} فهذه نعمة واحدة أغلى من كل ما في الأرض.
الأخوة نعمة، ونعمة جليلة جدا، وعظيمة جدا، وأحيانا لا يدرك هذه النعمة إلا الذي فقدها، أمم الأرض جميعا تحسد المسلمين على هذه المنة العظيمة، مَن في الأرض يضحي لأجل إخوانه، إلا المسلمين، قال الله عز وجل في حق اليهود:
[بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ] {الحشر:14}.
وقال في حق النصارى:
[وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ] {المائدة:14}.
لكن أمة الإسلام تعيش فعلا في نعمة، تعيش فعلا في سعادة في الدنيا بسبب هذه الأخوة.
فمن المستحيل أن يضحي المؤمن الفاهم العاقل بهذه السعادة ويطلب أي نعيم في الدنيا، أو أي مال في الدنيا في نظير هذه الأخوة، إن أعلى معدلات الاكتئاب النفسي توجد عند الرجال، والنساء أو الأطفال الذين يعانون من الوحدة، وراجعوا إحصائيات الاكتئاب النفسي الموجودة في أمريكا، والموجودة في إنجلترا، والموجودة في السويد، وفي الدانمارك، وفي البلاد التي يقال عنها بلاد راقية جدا، راجعوا معدلات الاكتئاب النفسي تجدوا أنها عالية جدا، وكلها مربوطة بموضوع الوحدة، وهو انعدام هذه النعمة التي حبانا الله به، الابن أول ما يبلغ 16 -17 سنة يترك بيت أبيه، وأمه، ولا يسأل عنهم، وكأن الأمر لا يعنيه.
وعلى النقيض تخيل مجتمع الإسلام بهذه الصورة التي شرحناها سعادة ما بعدها سعادة في الدنيا قبل الآخرة، هذه نعمة الإسلام الكبرى.
هذا بإيجاز هو المفهوم الرابع للصحابة عن معنى الأخوة، وعن قضية الأخوة، إن الأخوة تورث السعادة في الدنيا، قبل الآخرة، ولذلك كان من المستحيل أنهم يضحوا بهذه السعادة من أجل أي شيء في الدنيا، أي شيء مهما كان كبيرا في عين الناس، هذه هي مفاهيم الصحابة عن الأخوة، وكيف تعاملوا مع هذه المسألة الهامة في بناء الأمة الإسلامية.
فالأخوة طريق للجنة.
الأخوة مسئولية.
الأخوة لكل مؤمن مهما بعد أو قرب عرفته أم لم تعرفه.
الأخوة تورث السعادة في الدنيا وفي الآخرة.
أختم حديثي بالحديث القدسي الذي رواه الإمام أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَقَّتْ -وفي رواية: وَجَبَتْ- مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ".
نسأل الله عز وجل حبه، وحب من يحبه، وحب عمل يقربنا إلى حبه.
<

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 08:29 PM
الحسين بن علي

شرفه ونسبه

هو الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أبو عبد الله القرشي الهاشمي السِّبْط الشهيد بكَرْبَلاء، ابن بنت رسول اللهفاطمة الزهراء رضي الله عنها، وريحانته من الدنيا. وُلِدَ الحسينُ سنة أربع من الهجرة، وله من الولد: علي الأكبر، وعلي الأصغر، وله العَقِب، وجعفر، وفاطمة، وسكينة.

مكانته وفضله

رُوِيَت أحاديث عديدة تدل على فضله وتعلق الرسول الكريمبه وبأخيه الحسن، منها عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله: "هما ريحانتاي من الدنيا" يعني الحسن والحسين رضي الله عنهما.

وعن أبي سعيدٍ قال: قال رسول الله: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".

وعن زر، عن عبد الله قال: قال رسول الله: "هذان ابناي فمن أحبهما فقد أحبني"، يعني الحسن والحسين رضي الله عنهما.

مما روى عن رسول الله

عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن النبيقال: "يصلي المريض قائمًا إن استطاع، فإن لم يستطع صلى قاعدًا، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلي قاعدًا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيًا رجله مما يلي القبلة".

وعن أبي محمد بن علي قال: حدثني أبي علي بن الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله: "من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته".

يزيد بن معاوية ومحاولة أخذ البيعة من الحسين

بعد وفاة معاويةسنة ستين، وَلِي الخلافة يزيد بن معاوية فلم يكن له همٌّ حين ولي إلا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية البيعة له؛ فكتب إلى عامله على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان يأمره بأخذ البيعة من هؤلاء النفر الذين أبوا على معاوية استخلاف ولده، وعلى رأسهم الحسين بن علي.

وقد خرج الحسينتحت جنح الظلام متجهًا إلى مكة، واستصحب معه بنيه وإخوته وجُلّ أهل بيته، وفي الطريق لقي ابنُ عمر وابن عباس الحسينَ وابن الزبير -رضي الله عنهم- في طريقهما إلى مكة، وكان ابن عمر وابن عباس قادمَيْن منها إلى المدينة فسألاهما عما وراءهما، فقالا: قد مات معاوية، والبيعة ليزيد. فقال لهما ابن عمر: "اتقيا الله، ولا تفرقا جماعة المسلمين".

وعندما قدما المدينة وجاءت البيعة ليزيد من البلدان بايع ابن عمر وابن عباس، ولم تكد أخبار وفاة معاوية ولجوء الحسين وابن الزبير إلى مكة ممتنعين عن البيعة ليزيد، تصل إلى أهل الكوفة حتى حَنُّوا إلى تمردهم وانتقاضهم القديم، فراسلوا الحسين ودعوه إليهم ووعدوه النصرة.

إرسال الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة

لقد كثر إرسال الكتب من أهل العراق إلى الحسين، وخاصة بعد ذهابه إلى مكة يحثونه فيها على سرعة المجيء إليهم، فقد كتب إليه بعض أهلها: "أما بعد، فقد اخضرت الجنان، وأينعت الثمار، وطمت الجمام، فإذا شئت فأقدم على جندٍ مجندة لك، والسلام".

فالتزم الحسينالحذر والحيطة، وأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إلى العراق ليكشف له حقيقة هذا الأمر والاتفاق، فإن كان متحتمًا وأمرًا حازمًا محكمًا بعث إليه ليركب في أهله وذويه. فسار مسلم من مكة فاجتاز بالمدينة، حتى وصل إلى مشارف الكوفة.

فلما دخل مسلم بن عقيل الكوفة، تسامع أهل الكوفة بقدومه فجاءوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين، وحلفوا له لينصرنه بأنفسهم وأموالهم، فاجتمع على بيعته من أهلها ثمانية عشر ألفًا. ولقد كان الشيعة في الكوفة يبايعون مسلم بن عقيل سرًّا؛ مستغلين ورع عامل يزيد على الكوفة النعمان بن بشير الأنصاريالذي لم تُجْدِ نصائحه لهم بالطاعة ولزوم الجماعة حتى كتب بعض أهل الكوفة الموالين لبني أمية إلى يزيد بما يحدث، فأرسل إلى عبيد الله بن زياد عامله على البصرة يضم إليه الكوفة أيضًا؛ لكي يقضي على بوادر هذا التمرد، ويطلب من أهل الكوفة النصرة والبيعة.

ولقد استطاع ابن زياد أن يكتشف أمر مسلم بن عقيل ومقره وأعوانه عن طريق مولى لهم، فقبض ابن زياد على بعض أتباع مسلم بن عقيل وحبسهم، ثم تمكّن ابن زياد من مسلم بن عقيل فضرب عنقه.

مسير الحسين إلى العراق

عندما تتابعت الكتب إلى الحسين من جهة أهل العراق، وتكرَّرت الرسل بينهم وبينه، وجاءه كتاب مسلم بن عقيل بالقدوم عليه بأهله، ثم وقع في غضون ذلك ما وقع من قتل مسلم بن عقيل، والحسينلا يعلم بشيء من ذلك، فعزم على المسير إليهم، وكان ذلك أيام التروية قبل مقتل مسلم بيوم واحد -فإن مسلمًا قُتِلَ يوم عرفة- وعندما استشعر الناس خروجه أشفقوا عليه من ذلك، وحذَّرُوه منه، وأشار عليه ذوو الرأي منهم والمحبة له بعدم الخروج إلى العراق، وأمروه بالمقام في مكة، وذكّروه ما حدث لأبيه وأخيه معهم.

فقد جاء ابن عباس إلى الحسين فقال له: يابن عم، إني أَتَصَبَّرُ ولا أَصْبِر، إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك، إن أهل العراق قوم غُدر فلا تغترَنَّ بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوهم ثم أقدم عليهم، وإلا فَسِرْ إلى اليمن فإن به حصونًا وشعابًا ولأبيك به شيعة، وكن عن الناس في مَعزِل، واكتب إليهم وبثَّ دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب. فقال الحسين: يابن عم، والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير. فقال له: فإن كنت ولا بد سائرًا فلا تسر بأولادك ونسائك، فوالله إني لخائف أن تُقتَلَ كما قُتِلَ عثمانُ ونساؤه وولده ينظرون إليه.

أما ابن الزبيرفقد تعجب من مسير الحسينإلى أهل العراق وهو يعلم علم اليقين أنهم قتلوا أباه وطعنوا أخاه، فقال له: أين تذهب، إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟! فقال: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إليَّ من أن تُستَحَلَّ بي (يعني مكة).

أما يزيد بن معاوية فقد كتب إلى ابن زياد قائلاً: "قد بلغني أن الحسين قد توجّه إلى نحو العراق، فضع المراصد والمسالح واحترس، واحبس على الظِّنة، وخذ على التهمة، غير أن لا تقتل إلا من قاتلك، واكتب إليَّ في كل ما يحدث من خبر، والسلام". وهذا القول واضح وظاهر في أن لا يقتل عبيدُ الله الحسينَ وأصحابه إلا إذا قاتلوه.

وأثناء سير الحسينفي طريقه إلى العراق بلغه خبر مقتل ابن عمه مسلم، فأثناه ذلك، واعتزم العودة إلى مكة، لكن إخوة مسلم قالوا: "والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نُقتَلَ". فقال: "لا خير في الحياة بعدكم".

استشهاد الحسين

عندما أشرف الحسينُ على العراق، رأى طليعة لابن زياد، فلما رأى ذلك رفع يديه فقال: "اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي من كل أمر نزل ثِقةً وعُدَّة، فكم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، فأنزلته بك وشكوته إليك، رغبة فيه إليك عمّن سواك، ففرجته وكشفته وكفيتنيه، فأنت لي وليُّ كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل غاية".

وكان قوام هذه الطليعة ألف فارس بقيادة الحر بن يزيد التميمي، فقال لهم الحسين: أيها الناس، إنها معذرة إلى الله وإليكم، إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم ورسلكم أنِ اقْدِمْ علينا، فليس لنا إمام، لعل الله أن يجعلنا بكم على الهدى؛ فقد جئتكم، فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلنا منه. فلم يجيبوه بشيء في ذلك، ثم قال له الحر: إنا أُمِرْنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد. فقال الحسين: الموت أدنى إليك من ذلك. ثم أمر أصحابه فركبوا لينصرفوا، فمنعهم الحر من ذلك، حتى أتى الجيش الذي أرسله عبيد الله بن زياد وعدته أربعة آلاف فارس، والتقوا في كربلاء جنوبي بغداد. وعندما التقوا خيَّرهم الحسينُ بين ثلاث فقال: "إما أن تَدَعُوني فأنصرف من حيث جئت، وإما أن تدعوني فأذهب إلى يزيد، وإما أن تدعوني فألحق بالثغور".

وكان أمير الجيش عمر بن سعد بن أبي وقاص، وعندما سمع عمر بن سعد كلام الحسين استحسنه، وأرسل إلى ابن زياد بذلك يحسِّن له أن يختار أحد الاقتراحات الثلاثة، وكاد عبيد الله أن يقبل لولا أن شِمْر بن ذي الجَوْشن -وهو من الطغاة أصحاب الفتن- قال له: "لئن رحل من بلادك، ولم يضع يده في يدكم، ليكوننَّ أولى بالقوة والعز، ولتكوننَّ أولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة؛ فإنها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه، فإن عاقبت فأنت ولي العقوبة، وإن غفرت كان ذلك لك".

وقد استثار شمر بكلامه هذا ابن زياد، فوافق على كلام شمر، وأرسله ومعه كتاب إلى عمر بن سعد بأن يقاتل الحسين إذا لم يستسلم، وإذا لم يُرِدْ عمر أن يقاتله، فليتنحَّ عن إمرة الجيش وليسلمها إلى شمر.

وعندما ورد شمر على عمر بن سعد بن أبي وقاص وأفهمه رسالته، خاف عمر على نفسه من ابن زياد، ولم يقبل بأن يتنحَّى لشمر، واستمر قائدًا للجيش، فطلب إلى الحسين تسليم نفسه، لكن الحسين لم يفعل ونشب القتال. ويجب أن نلحظ هنا أن الحسين لم يبدأ بالقتال، بل إن موقفه كان عدم الاستسلام فقط.

وقع القتال بين فئة صغيرة لا تبلغ الثمانين رجلاً وبين خمسة آلاف فارس وراجل، على أنه انضم إلى الحسين أفراد رأوا أن أهل العراق خانوا الحسين، وأن من واجبهم الاستماتة بين يديه، فانتقلوا إليه مع معرفتهم بالموت الذي ينتظرهم، وكانت الواقعة، فقُتِلَ رجال الحسين على بكرة أبيهم (حوالي 72 رجلاً)، وقتل الحسين معهم.

وفي أثناء القتال كان يُستحث أهل العراق على حرب الحسين، فكان يقال لهم: "يا أهل الكوفة، الزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مَرَقَ من الدين وخالف الإمام". فكان أهل الكوفة إذن يستحثون على الطاعة ولزوم الجماعة، ويُبيَّن لهم أن الحسين وأصحابه إنما هم مارقون من الدين.

ثم بعث ابن زياد بالرءوس، ومن بينها رأس الحسين إلى يزيد بن معاوية بالشام، فدمعت عينا يزيد بن معاوية وقال: كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن سمية (عبيد الله بن زياد)، أَمَا واللهِ لو أني صاحبُه لعفوت عنه، ورَحِمَ اللهُ الحسين.

ثم أكرم يزيد بن معاوية نساء الحسين وأهله وأدخلهنَّ على نساء آل معاوية وهُنَّ يبكين ويَنُحْنَ على الحسين وأهله، واستمر ذلك ثلاثة أيام، ثم أرسل يزيد بن معاوية إليهن يسأل كل امرأة عما أُخِذَ منها، فليس منهنَّ امرأةٌ تدَّعي شيئًا بالغًا ما بلغ إلا أضعفه لها. ثم أمر يزيد بن معاوية النعمان بن بشير أن يبعث معهنَّ رجلاً أمينًا معه رجال وخيل يصحبهن أثناء السفر إلى المدينة.

وعندما ودعهن يزيد قال لعلي بن الحسين (علي الأصغر): قبَّح الله ابن سمية! أما والله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة إلا أعطيته إياها، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي، ولكنَّ الله قضى ما رأيت. ثم جهَّزه وأعطاه مالاً كثيرًا، وكساهم وأوصى بهم ذلك الرسول. وقال لعلي: كاتِبْنِي بكل حاجة تكون لك.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 08:32 PM
الصحابة والدعوة


مقدمة

الصحابة والدعوة
مما لا شك فيه أن الدعوة إلى الله عز وجل عملٌ من أشرف الأعمال التي يمكن أن يقوم بها كلُّ مؤمن ومؤمنة.
يقول الله عز وجل في كتابة الكريم:
[وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ] {فصِّلت:33} . فمن كل الأقوال التي يمكن أن يقولها الإنسان، ومن كل الكلمات التي يمكن أن ينطق بها بشر، تظل كلمة الدعوة هي أحسن الأقوال، وأحسن الكلمات [وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ] {فصِّلت:33}.
هذه الكلمة العظيمة (الدعوة) هي وظيفة الأنبياء، والمرسلين، فأنبياء الله سبحانه وتعالى وظيفتهم الأولى هي الدعوة إلى الله عز وجل يقول الله تعالى في كتابه:
[وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ] {إبراهيم:4} .
فالهداية بيد الله عز وجل، لكن لا بد أن تقام الحجة على العبد، لا بد أن تصل الدعوة إلى العباد، فمن الذي يصل بالدعوة إلى العباد؟
الأنبياء، وبعد آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، من الذي يصل بالدعوة إلى الناس؟
إنهم أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، المؤمنون بهذا الدين، المسلمون إسلاما حقيقيا صادقا، هم الذين يتحركون بالدعوة، لقد ختم الأنبياء بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس هناك نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بد أن يحمل المؤمنون الصادقون هذه المهمة العظيمة التي كان يحملها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن سبقه من أنبياء الله عز وجل [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ] {إبراهيم:4} .
ويقول عز وجل:
[بِالبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] {النحل:44} .
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
إن من يبين للناس الحلال والحرام، ومن يعرف الناس بالمعروف، ويأمرهم به، ويبين للناس المنكر، وينهاهم عنه، إن من يفعل ذلك إنما يعمل بعمل الأنبياء والمرسلين.
لذلك جعل الله عز وجل هذه الصفة، صفة الدعوة، أو صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صفة لازمة لمن حمل لقب (مؤمن) فما دمت مؤمنا فلا بد أن تكون داعية إلى الله عز وجل، إذا أردت أن تستكمل صفة الإيمان فلا بد من الدعوة إلى الله.
يقول الله عز وجل:
[وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ] {التوبة:71}.
وذكر الله عز وجل أن أول ما يتصفون به أنهم:
[يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ]
{التوبة:71} .

وتستطيع أن تلاحظ أن الله تعالى قدم صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، مع كونهما ركني الدين العظيمين، فالصلاة كما نعلم هي أعظم أركان الإسلام، وهي عمود الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين، ومع هذه المكانة العظيمة للصلاة يقدم الله عز وجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أمرها.
كذلك الزكاة ركن من الأركان الإسلام الأساسية، ولكن قدم الأمر بالمعروف والنهي على أمرها أيضا.
الله عز وجل يريد أن يربي المؤمنين على ألا يعيشوا لأنفسهم فقط، لا يقبل من المؤمن بحال أن يصلي، ويزكي، ويقوم بأعمال فردية، دون أن يدعو غيره إلى الله عز وجل.
إن الإنسان إذا شعر بعظمة هذه الرسالة أصبح مقتنعا بأهمية نقلها إلى غيره من الناس، فهذه هي الغاية من هذه الرسالة، ومن هذه الأمة.
ولا يقبل من المؤمن أيضا أن يأخذ هذه الرسالة، ويستوعبها فحسب، بل لا بد بعد هذا الاستيعاب أن ينقل هذه الخير إلى من حوله من الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.
ثم لاحظ التعليق الرباني اللطيف الجميل في هذه الآيات:
[أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ] {التوبة:71}.
أي أولئك الذين يتصفون بهذه الصفات من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله عز وجل ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم [أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ] {التوبة:71}.
ولم خصهم الله تعالى بالرحمة؟
لأنهم رحموا عباد الله عز وجل، فالجزاء من جنس العمل، فهؤلاء لما رأوا الناس يتجهون إلى هاوية سحيقة، ويتجهون إلى النيران، ويتجهون إلى البعد عن الله عز و جل، ويتجهون إلى المعيشة الضنك، لما رأوا هؤلاء يتجهون إلى هذا الطريق ما استراحوا إلا بعد أن وضحوا لهم طريق الدعوة، وطريق الإسلام، طريق الله عز وجل، فقد رحموا عباد الله عز وجل، وأوضحوا لهم الطريق، فلا بد أن يرحمهم الله عز وجل، ويهديهم طريقهم، ويدخلهم الجنة سبحانه وتعالى، والجزاء من جنس العمل.
ما من شك أن المسلمين جميعا يفقهون قيمة الدعوة إلى الله تعالى، وقيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكننا في هذه السطور نريد أن نتعرف على نظرة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لقضية الدعوة إلى الله عز وجل، قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


كيف تكون صحابيا في دعوتك؟

كيف تكون صحابيا في أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر؟
وهي بلا شك قضية في غاية الأهمية، لأنه لا يمكن على الإطلاق أن تبنى أمة من دون دعوة، ربما وجد أفراد قلائل وعظماء أيضا، لكن أن تبنى أمة بكاملها من غير دعوة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين غيرهم من غير المسلمين، هذا في الواقع أمر مستحيل تماما، لأن الأمة أفراد كثيرة، ومجتمع كبير وهائل من البشر، فلا بد إذن من أن تصل الدعوة إلى الناس جميعا.
تعالوا بنا نرى كيف كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يفكرون في قضية الدعوة؟
وكيف كانت الدعوة هي القضية الأساسية في حياتهم؟
إنك إذا طالعت سيرة أي صحابي سوف تجد حتما أن الدعوة أحد الأركان الأساسية في حياته، ولن تجد في حياة أي من الصحابة رضي الله عنهم جميعا يوما، أو يومين، أو شهرا، أو شهرين، أو سنة، أو سنتين من دون دعوة، فكل حياتهم موجهة إلى تعليم الآخرين، ودعوتهم إلى الإيمان بالله عز وجل وطاعته، وطاعة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
من المستفيد الأول من الدعوة؟
ومن الأشياء المهمة في نظرة الصحابة إلى الدعوة أنهم كانوا يعرفون من هو المستفيد الأول من الدعوة إلى الله تعالى.
ترى من هو؟
هل هو الداعية أم أنه المدعو؟
في الحقيقة المستفيد الأول من الدعوة هو الداعية نفسه، هذا الرجل الذي يدعو الناس إلى الله هو المستفيد الأول، سواء استجاب الناس له، أو لم يستجيبوا، وسواء سمعوا له حال دعوته لهم، أو لم يسمعوا، فهو مستفيد على كل الأحوال.
فأنت كما تصلي، وتصوم، وتزكي، وتجاهد في سيل الله، وكما تقوم بأي عمل من أعمال الخير، وتطلب الأجر، والثواب من الله عز وجل، فكذلك الحال بالنسبة للدعوة إلى الله، فأنت عندما تدعو تأخذ الأجر من الله تعالى.
وإذا كان بإمكانك أن تتخيل حجم الثواب على الصلاة، والزكاة، والحج، والإنفاق في سبيل الله، وقد أخبرنا الله عز وجل في كتابه الكريم وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية بأجر هذه الأعمال، فإنه لا يمكن لعقل أن يتخيل ثواب الدعوة إلى الله عز وجل.
تعالوا بنا نطالع هذا الحديث، لنرى هذا الحجم الهائل من الحسنات، في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:</SPAN>
مَنْ دَعَا إِلَى هَدْيٍ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مَنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا.
فإذا أردت أن تحصي ما يحصل عليه الداعية من الأجر، سوف تجد كَمّا هائلا من الحسنات.
فعلى سبيل المثال إذا دعوت إنسانا إلى الصلاة، ولم يكن يصلي مطلقا، وأذن الله بهدايته على يديك، فإن كل الصلوات التي يصليها هذا الرجل، والتي ربما تخفى عليك تماما، هي في ميزان حسناتك، وقد يسافر هذا الرجل الذي علمته الصلاة من بلدك، ولا تراه بعد ذلك، ويعيش ما شاء الله له أن يعيش عشرين سنة، أو خمسين، أو مائة، وتكتب كل صلواته الفرض منها، والنافلة، ما صلاه بالليل، أو النهار يكتب كله في ميزان حسناتك.
أيضا هذا الرجل إذا علم أولاده الصلاة، فكل صلوات أولاده تكتب في ميزان حسناتك أيضا، وكذا إذا علم جيرانه، وإذا عمل بالدعوة إلى الله في أي مكان، أو أي زمان فكل من يدعوهم في ميزان حسناتك، ولا ينقص من أجورهم شيء.
ربما تظل هذه الدائرة تتسع حتى بعد موتك بسنين طويلة، بل ربما تظل تكتب لك الحسنات إلى يوم القيامة، وعن طريق أناس لم تعرفهم، ولم ترهم، ولم تعش في زمانهم، كما هو الحال بالنسبة لنا، فالأمة كلها تضيف الحسنات لمن دعوها، وأوصلوا إليها ما هي عليه من الخير، تضيف الحسنات في ميزان الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، وبقية الصحابة، وبقية التابعين، وبقية من حملوا هذه الرسالة، وأوصلوها إلينا.
كم هو كثير هذا الخير الذي يعود على الإنسان من الدعوة إلى الله عز وجل!
لأجل هذا كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يضحون بكل شيء في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، يبذلون العرق، والجهد، والمال، والنفس، وكل شيء في سبيل، هذه القضية العظيمة؛ قضية الدعوة إلى الله تعالى لما لها من الأجر العظيم والثواب الجزيل عند الله عز وجل.
ومن هنا نستطيع أن نفهم جيدا كلام ربنا سبحانه وتعالى:
[وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ]
{فصِّلت:33} .

لا أحد على الإطلاق، فإن الذاكر لله تعالى، والقائم يصلي، وقارئ القرآن، أعمالهم لا شك فاضلة، ولكن تبقى الدعوة إلى الله أفضل، وأعظم، وأعلى قيمة من هذا كله؛ لأن الداعية إلى الله لا يكتفي بهذه الأعمال من ذكر، وصلاة، وقراءة للقرآن، بل يدعو غيره إليها، وهذا فضل عظيم، وكبير.


عقوبة ترك الدعوة

وعلى الجانب الآخر فإن ترك أمر الدعوة إلى الله تعالى هو أمر في غاية الخطورة، ليس على العبد فحسب، بل على الأمة كلها.
روى أحمد في مسنده، والترمذي رحمه الله، وقال: حديث حسن.</SPAN>
عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.
يقسم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يقسم إلا على أمر عظيم، لأننا نصدقه صلى الله عليه وسلم دون أن يقسم، ولكن عليه الصلاة والسلام يريد أن يعمق معنى الأمر بالمعروف في نفوس الصحابة، وفي نفوس الأمة كلها ومن ثم يقول صلى الله عليه وسلم:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ.</SPAN>
فإذا وجدت نفسك في أزمات كثيرة، وتدعو الله عز وجل كثيرا، وهو سبحانه لا يستجيب لك، فلتراجع نفسك في أمر الدعوة إلى الله جيدا، فربما يكون تأخير استجابة الدعاء بسبب هذا الأمر.
في الواقع هذه مشكلة كبيرة، وهي أن كثيرا منا يعبدون الله عز وجل، لكن دون أن يدعو الناس إليه سبحانه وتعالى، ربما يكون جاره بعيدا عن الله، أو زميله في العمل، وربما زوجته، أو أولاده، أو أمه، أو أبوه، أو إخوته، ومع هذا كله لا يشغله كثيرا هذا الأمر.
فلماذا يعيش الناس إذن؟
هل يعيشون لأنفسهم فحسب؟
ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط.
صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يعيشيون لأنفسهم، ولم يكونوا يعيشيون لأولادهم، وأهليهم، وإخوانهم، وعشيرتهم فحسب، بل إنهم كانوا يعيشون لأهل الأرض جميعا، وسنرى تطبيق ذلك عمليا في السطور القادمة.
روى الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن حبان، وحسنه الألباني عن عائشة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرفت في وجهه أن قد حفزه شيء- أي أنه صلى الله عليه وسلم قد همه شيء- فتوضأ، ثم خرج، فلم يكلم أحدا، فدنوت من الحجرات، فسمعته يقول:</SPAN>
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: مُرُوا بِالْمَعْرَوفِ وْانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي فَلَا أُجِيبُكُمْ، وَتَسْأَلُونِي فَلَا أُعْطِيكُم وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلَا أَنْصُرُكُمْ.
أليس من الجائز أن يكون السبب في الانهيار الذي نرى عليه الأمة الإسلامية هو التقصير الكبير في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؟
أليس من الجائز أن يكون تأخير النصر عن الأمة، وما تتعرض له من أزمات طاحنة، ومشكلات كبيرة، إنما هو بسبب إهمالها في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ربما كنا نعمل وفي مرحلة إعداد، ولكن عندنا قصور في هذا الجانب، وهذا من الممكن أن يؤخر الأمة كلها، بل إنه من الممكن أن يكون سببا في استئصال أمة كاملة.
ترى ما هي أول مشكلة وقع فيها بنو إسرائيل؟
ألم يكن بينهم مؤمنون؟
في الواقع كان في بني إسرائيل مؤمنون، ولكنهم لم يقوموا بواجبهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكانت الهلكة لهم، لنرى وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني إسرائيل وكيف كان سقوطهم وهلاكهم:
روى أبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:</SPAN>
إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولَ: يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فِإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ. ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ.
أي يجده على نفس المعصية التي نهاه عنها ولا يؤثر ذلك على العلاقة بينهما، وتنسى قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ.</SPAN>
ثم قال:
[لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(78)كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(79)تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ(80)وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ]
{المائدة:78: 81} .

ثم قال:</SPAN>
كَلَا وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِي الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَيَلْعَنَنِّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ.
إننا أمة الإسلام لا نملك كرامات معينة من عرق، أو نسب، وخيريتنا إنما هي لأسباب معروفة، ولصفات معروفة، ولنهج معروف، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسير عليه، ولو خالفناه، أو قصرنا فيه، فما من شك أن يحدث لنا ما حدث لبني إسرائيل، وغيرهم من الهلاك.
إننا لسنا قريبين من الله لأجل أننا من جنس العرب، أو لأننا من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم اسما فقط، لا، بل لا بد من العمل، ولا بد أن أن نتصف بالصفات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم موضحا لنا السبب الذي لأجله كانت هذه الأمة هي خير أمة أخرجت للناس، فلو لم تتبع الأمة أمر ربها كان اللعن، والطرد كما حدث مع بني إسرائيل.
أمة الإسلام أمة باقية إلى يوم القيامة، ولن تهلك بكاملها على الإطلاق لأجل الرسالة الباقية التي تحملها إلى الخلق أجمعين، لكن من الممكن أن تستبدل، نعم يستبدل الله عز وجل الجيل الفاسد الذي لا يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر بجيل صالح يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويقوم بأمر الله عز وجل [وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] {محمد:38} .
فالأمة التي لا تستوفي شروط الخيرية تستبدل بأمة أخرى غيرها، فكم من الأمم الإسلامية السابقة قد استبدلها الله بغيرها، دول إسلامية سقطت، وأخرى قامت قياما تحافظ فيه على شروط الخيرية التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم بقوله:
[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ]
{آل عمران:110}.

ومع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزء من الإيمان بالله، إلا أن الله عز وجل قدمهما لبيان أهميتهما، وعظم أمرهما، وأن المؤمن، وإن كان من أصحاب الأعمال الكثيرة الصالحة، لكنه لا يلزم هذين الأمرين، فلن يكون في الأمة خيرية، ولن تتصف الأمة بهذه الصفة العظيمة.
إن من أهم مهام هذه الأمة إصلاح الأوضاع على وجه الأرض كلها، ليس في بلاد المسلمين فحسب، بل تعليم الناس جميعا في كل مكان في الأرض، ولتعلم يقينا أن عليك واجبا لمن يعيشون في الصين، وفي روسيا، وفي أوربا، وفي أمريكا، وفي استراليا، وفي بريطانيا، ولمن يعيشون في الجزر النائية في المحيطات البعيدة، عليك أن تبلغهم هذه الرسالة العظيمة، وأن تعلمهم، وأن تصبر على آذاهم، ويحاربونك، وتظل تعلمهم، وتدعوهم، ويرفضون، وتظل تعلمهم، وتدعوهم، وأنت بهذا لا تتفضل عليهم، وإنما هو واجبك تجاههم.
هذه هي خيرية هذه الأمة، وإذا كنت لا تريد أن تكون من خير الأمم فلا عليك، شرط أن تتخلى عن القول بأنك من خير أمة أخرجت للناس مع تركك لأمر الدعوة إلى الله.
الأمر في غاية الخطورة، يقول أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه كما في البخاري:
خير الناس للناس- يصف رضي الله عنه أمة الإسلام- تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام.
ويقصد أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه بكلامه هذا الفتوحات الإسلامية، التي كانت مهمتها الأولى هي تعليم الناس الخير، ودعوتهم إلى الله عز وجل، ودخل كثير من الناس الإسلام، وهم كارهون في البداية لأمر هذه الجيوش الإسلامية التى دخلت بلادهم، وربما دخل بعضهم الإسلام؛ لأنه الدين العظيم والمهيمن على الأرض في ذلك الوقت، وله دولة قوية قاهرة، ولكنهم عرفوا بعد ذلك عظمة هذا الدين، وحسن إسلامهم، وأصبحوا من أهل الجنة، وكان من الممكن أن يكونوا من أهل النار لو ظلوا يعبدون النار طوال حياتهم، أو يعبدون المسيح، أو الشجر، أو الحشرات كما كان يحدث في الهند، فقد عبد الناس كل شيء إلا الله عز وجل، فكان من واجب المسلمين أن يعلموهم وأن يبلغوهم رسالة الله، وبعد أن كانوا كارهين أصبحوا من أهل الجنة، وهذا خير عظيم.
فهذه هي مهمة الأمة المسلمة أن تعلم الناس جميعا الخير، وهذا هو سبب خيريتها، فهي أمة لا تقيم العدل في إطار دولتها فقط، أو في إطار حدودها فحسب، وتترك العالم من حولها يظلم كما يريد، ويسرق كما يحب، ويعصي الله عز وجل حسب ما يرى هواه.
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:</SPAN>
عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ.
وهؤلاء هم من جاءوا بلاد المسلمين، وهم أسرى مع المسلمين العائدين من المعارك والفتوحات الإسلامية، فلما عرفوا حقيقة الإسلام وأحبوه دخلوا فيه، وحسن إسلامهم فصاروا من أهل الجنة مع أنهم كانوا لا يريدون، لكن أمة الإسلام الآمرة بالمعروف، والناهية عن المنكر كانت هي السبب في دخولهم الجنة، وهذا فضل كبير وعظيم.
ولأجل هذا [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ] {آل عمران:110}.
الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يفهمون هذه الحقائق جيدا ويعرفون ما الذي يمكن أن يحدث لو لم يكن هناك أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
حديث رائع ومثل عظيم يضربه النبي صلى الله عليه وسلم يوضح هذا الأمر جيدا:
روى البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:</SPAN>
مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ، وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ، وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا.
فالسفينة كلها ستنجو بلا شك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه لصحابته رضي الله عنهم جميعا ولأمته كلها.
وقد استوعب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر جيدا، وتحركوا به في حياتهم، وتولد عن هذه المشاعر التي دخلت في نفوس الصحابة إحساس عميق بالمسئولية الكبيرة في تبيلغ هذه الرسالة العظيمة، وأنه ما دمت مؤمنا فلا بد أن تدعو غيرك إلى الخير، تدعو غيرك إلى الإسلام، إلى الله عز وجل، ليس لأجل تكثير الحسنات، وتثقيل الميزان، وإن كان هذا مهما، ولكن لأن هذه وظيفة إجبارية على كل مؤمن، فكما أن الإنسان لا يكون مؤمنا إذا امتنع عن الصلاة، أو الزكاة، فكذلك الحال، فما دمت مؤمنا لا بد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وبغير الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر يفسد الأفراد، وتفسد الأمة، بل تفسد الأرض كلها، ولأجل هذا كانت الفتوحات الإسلامية التي انسابت في الأرض كلها شمالا، وجنوبا، شرقا، وغربا، فتوح فارس، والروم، وشمال أفريقيا، وفتوح الأندلس، وفتوح الهند.
كل البلاد التي فتحت بالإسلام كان الهدف الأساسي من الفتح هو تعليم الناس دينهم، وكان الصحابة رضي الله عنهم يرون هذا الأمر أحد واجباتهم الأساسية، وليس من نوافل الأعمال.
ربعي بن عامر رضي الله عنه، لنتدبر كلامه رضي الله عنه وأرضاه وهو من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين فتحوا بلاد فارس.
ماذا قال هذا الصحابي الجليل عندما دخل على رستم قائد الفرس؟
هذا القائد اسمه هكذا (رَسْتَمْ) وليس (رُسْتُم) كما هو مشهور بين الناس، وهو اسم فارسي.
لما قال لسيدنا ربعي بن عامر رضي الله عنه:
ما جاء بكم؟
قال له ربعي رضي الله عنه بفهمه الدقيق العميق لمهمة المسلم في الحياة:
لقد ابتعثنا الله.
تدبر كلامه رضي الله عنه، فإن البعث لا يكون إلا للأنبياء، والمرسلين، وقد ختموا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فتحملت الأمة هذه المسئولية إلى يوم القيامة، وأصبح أفراد هذه الأمة مبعوثين كالأنبياء، والمرسلين لتعليم الناس ودعوتهم إلى الله عز وجل.
يقول رضي الله عنه:
لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد.
كل العباد في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف الأزمنة، والأمكنة مسئولية في رقبة كل المسلمين.
لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
ومن المعروف أن أهل فارس لم يكونوا يعبدون كسرى، كما أن أهل الروم لم يكونوا يعبدون قيصر، لكن هؤلاء الزعماء كسرى وقيصر، ومن على شاكلتهم كانوا يشرعون لأقوامهم، وشعوبهم، ويضعون لهم القوانين المخالفة لما أمر الله عز وجل به، وباتباع هذه الشعوب لهذا التشريع كأنهم يعبدونهم، فلما جاء الإسلام أمر الله المسلمين أن يذهبوا إلى هؤلاء ليعلموهم أن الأمر والحكم لله عز وجل، وأن الناس جميعا لا بد، وأن يسيروا على منهج الله عز وجل، ولا يخالفوا أمره، وأن يبتعدوا عن كل ما نهى الله عز وجل عنه، وهذه هي العبادة الحقيقية، فالمسلمون لهم مهمة في منتهى الوضوح:
لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
سواء كانت هذه العبادة حسية، أو كانت طاعة مخالفة لما أمر الله عز وجل به.
ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
هذه هي مهمة الأمة المسلمة، التي فهمها الصحابي الجليل ربعي بن عامر، وفهمها كل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الفهم هو ما نريده أن نصل به إلى كل مسلم.
لا يأس مع الدعوة
شيء آخر من الأهمية بمكان في قضية الدعوة عند الصحابة رضوان الله عليهم:
اليأس لم يتطرق على الإطلاق إلى قلب أحد من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في قضية الدعوة، إذا دعوت إنسانا إلى الله مرة، واثنتين، وثلاثة، وعشرين، ومائة، ولم يستجب، فلا تيأس لأنه لا يوجد في قضية الأجر على الدعوة ما يسمى بالجهد الضائع، ولا يصح أن يقال أن فلانا بعينه لا رجاء فيه ولن يهتد أبدا.
لماذا؟
لأن القلوب بين أصابع الرحمن سبحانه وتعالى يقلبها كيف يشاء، وأجرك كداع إلى الله لن يضيع منه شيء، سواء استجاب المدعو، أو لم يستجب، أجرك واقع على الله عز وجل.
[إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ]
{القصص:56}.

إذن فكل الناس يدعون إلى الله عز وجل، ندعو المسلمين البعيدين عن طريق الله ندعوهم إلى الله عز وجل، ندعو اليهود والنصارى والمجوس والمشركين والهنود وكل الناس ندعوهم إلى الله عز وجل، هذه هي مهمة المسلمين الأساسية.
لنرى كيف كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يتعاملون مع قضية الدعوة، ونقتدي بهم.


أبو بكر الصديق رضي الله عنه والدعوة إلى الله

كانت حياة الصديق رضي الله عنه وأرضاه كلها قائمة على قضية الدعوة، فمن أول يوم آمن فيه الصديق، وهو يتحرك لهذا الدين، ولهذه الدعوة، منذ أن شعر بحلاوة هذا الدين أراد أن ينقل هذا الإحساس إلى كل الناس، ومع أن عمره رضي الله عنه في الإسلام لم يتجاوز ساعات قليلة، إلا أنه كانت لديه حمية عظيمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحرك رضي الله عنه ليأتي بعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، هؤلاء الخمسة من أعاظم الصحابة والمسلمين والمجاهدين، هؤلاء هم من حملوا على أكتافهم أمانة الرسالة وأمانة الدعوة، وأمانة التبليغ، هؤلاء هم من علموا أهل الأرض جميعا الإسلام.
جاء بهم الصديق رضي الله عنه وأرضاه في أول يوم، وفي اليوم الثاني جاء بأبي عبيدة بن الجراح، وعثمان بن مظعون، والأرقم بن أبي الأرقم، وأبي سلمة بن عبد الأسد.
أي جهد هذا وأي بذل هذا وأي خير هذا!
إن كل ما يفعله هؤلاء من الخير يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجورهم، عندما يتبرع عثمان بن عفان بتجهيز جيش العسرة يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره، عندما يبني عثمان رضي الله عنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره، عندما يشتري بئر رومة من حر ماله يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره، كَمّ من الحسنات لا يمكن تخيله بحال من الأحوال.
عندما يخرج الزبير بن العوام رضي الله عنه مجاهدا في سبيل الله محاربا ومدافعا عن دين الله في شمال مصر، وفي الشام وفي العراق، وهنا، وهناك يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره، عندما يربي ابنه عبد الله بن الزبير على الخير يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره، عندما يربي ابنه عروة بن الزبير على الخير يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره، وأي أمر من أمور الخير يفعله الزبير بن العوام رضي الله عنه يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره.
وتخيل معي أسماء من ذكرناهم قريبا، وما لهم من الأعمال العظيمة، والتي يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجورهم عليها، ومع هذا كله أنفق ماله كله أيضا على الدعوة إلى الله، فقد أعتق عبيدا كثيرين من ماله، وكما أن هواية بعض الناس جمع الطوابع، أو التحف، كانت هواية الصديق رضي الله عنه وأرضاه هي جمع المؤمنين، كان رضي الله عنه وأرضاه يفهم جيدا طبيعة الدنيا، ويفهم رسالته في الحياة:
ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
يرى بلال بن رباح يعبد غير الله، فيذهب إليه سريعا، ويدعوه إلى عبادة الله، ويؤمن بلال، ويعذب في سبيل الله، ويدفع أبو بكر ماله ليعتقه، ويستنقذه من العذاب، لا يرجو منه جزاء ولا شكورا، إلا مرضاة الله عز وجل.
أعتق رضي الله عنه عامر بن فهيرة، وأدخله في الإسلام، الزنيرة، وابنة الزنيرة، وكثير من المعذبين، والمعذبات من الصحابة، والصحابيات في أرض مكة، أدخلهم رضي الله عنه في دين الإسلام، وأعتقهم، أي خير هذا وأي عظمة هذه!
إنها الدعوة إلى الله عز وجل، أدخل الصديق رضي الله عنه وأرضاه عائلته كلها في الإسلام، أم رومان زوجته رضي الله عنها، أولاده أسماء، وعبد الله، أما السيدة عائشة (http://vb.g111g.com/أم_المؤمنين_عائشة_بنت_أبي_ب� �ر) أم المؤمنين رضي الله عنها فقد ولدت في الإسلام، ثم دخلت أمه في الإسلام، ثم أكبر أبنائه عبد الرحمن، ثم دخل أبوه في الإسلام رضي الله عنهم وأرضاهم جميعا، خير عظيم، وأجر ضخم، وكبير في ميزان الصديق رضي الله عنه وأرضاه.
لأجل هذا لو وزنت إيمان الصديق بأي إيمان لا بد أن يرجح إيمان الصديق، بل لو وزنت إيمان الصديق بإيمان الأمة لرجح إيمان الصديق.
لماذا؟
لأن الأمة عندما تعمل إنما تضيف لحسنات الصديق، وأي مسلم يعمل خيرا إنما يعمل عن طريق دعوة الصديق رضي الله عنه في بداية الدعوة، فلو قمت فصليت ركعتين يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجرك، لو أنفقت شيئا في سبيل الله يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجرك، لو أن إنسانا جاهد في فلسطين، أو العراق، أو الشيشان، يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره، لو كتب عالم كتابا ينتفع الناس به، أو ألقى محاضرة وتناقلها الناس عبر شرائط الكاسيت، أو الفيديو، أو عبر الإنترنت، يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره.
هل تخيلت معي هذا الحجم الهائل الضخم الكبير من الحسنات؟
هذه هي الدعوة إلى الله، وهذا هو الصديق، وهؤلاء هم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.


الطفيل بن عمرو الدوسي والدعوة إلى الله

بعدما أسلم، وقصة إسلامه من القصص الجميلة الرائعة لا يتسع المجال لذكرها، لكنه بعد أن أسلم بسماعه بعض الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسماعه بعض آيات من كتاب الله عز وجل، قال:
فوالله ما سمعت قولا قط أحسن، ولا أمرا أعدل منه، قال:
فأسلمت وشهدت شهادة الحق ثم قال، وهو ليس من لأهل مكة، وإنما دوس قبيلة مشهورة من قبائل اليمن وهي بعيدة عن مكة بمئات الأميال، قال:
يا نبي الله، إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم، وداعيهم إلى الإسلام.
أي شيء عرفه الطفيل رضي الله عنه عن الإسلام حتى يدعو قومه إليه؟!
إنني على يقين أن الكثير من المسلمين لديه من العلم، ومن المعرفة عن الإسلام أكثر مما لدى الطفيل في هذا الوقت، فهو رضي الله عنه لم يسلم إلا منذ دقائق قليلة جدا، نحن قرأنا القرآن كله كثيرا، وعرفنا أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفنا الصلاة، والصوم، والزكاة، وتفاصيل أخرى كثيرة عن هذا الدين، لم يكن الطفيل رضي الله عنه قد عرفها بعد، لكن هل تحركنا كما تحرك الطفيل لهذا الدين؟
فارق ضخم، وشاسع بين الطفيل رضي الله عنه بعلمه المحدود في ذلك الوقت، وبين من عنده العلم الكثير لكنه لا يتحرك لهذا الدين.
الطفيل بن عمرو الدوسي منذ أن شعر بحلاوة هذا الدين، أراد أن ينقله إلى أهله، وإلى أحبابه، وإلى عشيرته، وإلى قومه، وإلى الناس أجمعين، فهو لا يتحمل أن ينفرد بهذا الخير لنفسه فقط، بل لا بد من أن يدعو الآخرين، ويعلمهم، ويفيض عليهم من هذا الخير، ومع أنه لم يسلم إلا منذ دقائق، لكنه أصبح داعية يفقه معنى الدعوة، وحقيقة الدعوة، وقيمة الدعوة، وتعالوا بنا نذهب معه في هذه الرحلة إلى اليمن، لنرى هذه القصة الجميلة في دعوته لأهله وقومه، يقول الطفيل رضي الله عنه: فلما نزلت أتاني أبي، وكان شيخا كبيرا، فقلت: إليك عني أبت، فلست منك، ولست مني.
قال: ولم أي بني؟!
قلت: إني أسلمت.
قال: أي بني فديني دينك.
فأسلم.
لا شك أن هذه الطريقة في الدعوة طريقة حادة وقاسية، ولكن على أي حال قد آتت ثمارها في هذا الموقف، ولذا استعمل الطفيل رضي الله عنه نفس الوسيلة مع زوجته يقول:
ثم أتتني صاحبتي- أي زوجته- فقلت لها مثل ذلك، فأسلمت، وقالت:
أيخاف عليّ من ذي الشرى- صنم لهم- فقلت: لا، أنا ضامن لذلك.
إذن فهذه الوسيلة التي يستعملها في الدعوة مع حدتها، وقسوتها نجحت مرتين، فلا بأس إذن- من وجهة نظره رضي الله عنه- لا بأس أن يستعملها مع باقي القوم، ولكن في هذه المرة لم يكتب لوسيلته النجاح، يقول رضي الله عنه: ثم دعوت دوسا فأبطئوا عن الإسلام.
وظل يدعو الناس بهذه الحدة فلم يسلم أحد، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة وقال له:
يا رسول الله، إن دوسا قد عصت، وأبت، فادع الله عليها.
إن الإيمان وعدمه هو الذي يحدد الرابطة القلبية عند الطفيل رضي الله عنه، فقد كان يحب قومه كثيرا، ويريد أن ينقل إليهم حلاوة هذا الدين، ولذة هذه الدعوة، ولكنهم عندما رفضوا الاستجابة لأمر الله انقطعت الرابطة بينه وبينهم، وأصبح يكرههم في الله عز وجل إلى درجة أنه يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وظن الناس أنه يدعو عليهم، وقيل: هلكت دوس.
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة، والحريص على كل نفس، وعلى كل بشر رآه، أو لم يره، كان أحرص على قوم الطفيل، وعشيرته من الطفيل نفسه، رفع الحبيب صلى الله عليه وسلم يده وقال:</SPAN>
اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، وائْتِ بِهِمْ.
ثم قال للطفيل:
ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكِ فَادْعُهُمْ.
وقال له كلمة في منتهى الروعة قال له:
وَارْفُقْ بِهِمْ.</SPAN>
ويبدو أن الطفيل رضي الله عنه قص على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدث بينه وبين أبيه، زوجته، وما حدث مع قومه، ووجد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الطريقة الحادة القاسية لا تجدي في الدعوة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق، فالرفق بالناس، والرحمة بهم، ومحاولة لإيصال الخير لهم بألطف الطرق، وأيسرها هي الوسيلة المثلى في الدعوة إلى الله عز وجل.
يقول الطفيل رضي الله عنه وأرضاه:</SPAN>
فرجعت، فلم أزل بأرض دوس أدعوهم للإسلام، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
فقد مرت الأيام، والشهور، والسنين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، والطفيل رضي الله عنه في اليمن يعلم الناس، ويدعوهم إلى الإسلام،
ثم هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، يقول الطفيل رضي الله عنه:
لم أزل بأرض دوس، أدعوها حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ومضى بدر، وأحد، والخندق، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم من قومي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، حتى نزلت المدينة بسبعين، أو ثمانين بيتا من دوس، ثم لحقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين.
فهل كان الطفيل رضي الله عنه جالسا في اليمن يضيع الوقت، في حال كان المسلمون يجاهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقومون بهذه المعارك الضخمة، إنه كان يقوم بمهمة من أعظم المهمات، إنها مهمة الدعوة إلى الله، وتعليم قبيلة دوس الإيمان والخير، وإذا كان رضي الله عنه قد ذهب إلى المدينة المنورة بمن أسلم معه من قومه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، أي في السنة السابعة للهجرة، يكون رضي الله عنه قد استمر في دعوته لقومه دوس ما لا يقل عن عشر سنوات.
دور في منتهى الخطورة وفي منتهى الأهمية، وبعد نجاحه في القيام بهذا الأمر الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل المدينة بمن معه، سبعين، أو ثمانين بيتا، أو عائلة من دوس، فهم ليسوا سبعين أو ثمانين فردا، وإنما هم عائلات.
وتخيل معي، هذا الكم الهائل من الحسنات التي تكتب في ميزان الطفيل رضي الله عنه وأرضاه، كلما صلى أحدهم صلاة، أو أنفق نفقة، أو جاهد في سبيل الله، أخذ الطفيل مثل أجره، بل لو استشهد أحد منهم في سبيل الله كتب للطفيل رضي الله عنه أجر الشهادة، حقق الطفيل رضي الله عنه هذا الخير العظيم في هذه السنين القليلة بعلمه القليل، فكم من السنين مرت علينا؟
وكم من العلم نعرف؟
فهل أدينا زكاة ما نعرف من العلم؟
هل أدينا زكاة العمر؟
هل أدينا زكاة الإسلام؟
هل أدينا زكاة الهداية إلى دين الله عز وجل؟
هل أدينا زكاة الإيمان بالله عز وجل؟
كم من الناس عرفنا لهم الإسلام؟
كم من الناس أوصلنا لهم هذا الدين؟
كم من الناس جعلناهم يحبون الإسلام؟
أتدرون من أتى به الطفيل ضمن هؤلاء السبعين عائلة الذين أتى بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
إنه أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه، فكل ما جاء من الخير العظيم على يد أبي هريرة رضي الله عنه، يكتب في ميزان حسنات الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه وأرضاه، وتخيل كل الأحاديث التي نقلها أبو هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أكثر من سبعة آلاف حديث، وبعض الأقاويل أنها أكثر من عشرة آلاف حديث نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظر إلى هذا الكم الهائل الضخم الذي جاء عن هذا الصحابي العظيم أبي هريرة، كل هذا العلم يكتب في ميزان حسنات الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه وأرضاه، وتخيل أيضا حياة أبي هريرة رضي الله عنه، لو لم يوجه إليه الطفيل رضي الله عنه هذه الدعوة إلى الإسلام، فقد كان يعيش فقيرا معدما في قبيلة بعيدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا كان سيفعل أبو هريرة لو لم تصله هذه الدعوة كان سيعيش- مهما عاش- حياة لا معنى لها، ولا هدف لها، ولا قيمة لها، ثم يموت، ولا يسمع به أحد، ولن ينتفع به أحد، ولن يحفر اسمه في أي صفحة من صفحات التاريخ، لكن بعد أن كلمه الطفيل في أمر الإسلام والإيمان وآمن بالله ورسوله، فلتفتح الآن ليس صفحة واحدة، بل صفحات، وصفحات من التاريخ، افتح صحيح البخاري ومسلم،
افتح سنن الترمذي، والنسائي، وأبي داود وابن ماجه،
افتح مسند الإمام أحمد بن حنبل، وموطأ الإمام مالك، ومعجم الطبراني،
افتح أي كتاب من كتب السيرة، أو من كتب السنة، قلما تجد صفحة تخلو من اسم أبي هريرة، كل هذا في ميزان حسنات الطفيل بن عمرو الدوسي، وما كان كل هذا ليحدث لولا الدعوة إلى الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذه هي الدعوة إلى الله.
[وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ]
{فصِّلت:33}.

ومن ثم لم يترك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة في أي حال من الأحوال، ولا لأي ظرف من الظروف، بل في حروبهم، ومع أعدائهم لا ينسون قضية الدعوة إلى الله تعالى، ويكونون في حرص تام على دعوة أعدائهم إلى الله تعالى.
وقد تعلموا هذا النهج الأخلاقي الرفيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انظر ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب في خيبر:
انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُّ عَلَيْهِمْ.</SPAN>
هذا الكلام في ميدان المعركة ومع من؟
مع اليهود أشد الناس عداوة للمؤمنين، وبعد خيانات عظيمة من بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، وما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الإسلام، ثم يقول صلى الله عليه وسلم:</SPAN>
فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِي اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ.
وهي أبل عظيمة جدا كانت تتفاخر بها العرب، فلو أن واحدا فقط أسلم من هذا الحصن العظيم، وبه الآلاف من اليهود لكان خيرا عظيما، وفي رواية: خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ.</SPAN>
شيء في منتهى العظمة، أن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير من الدنيا، وما فيها، فما بالك إذا كانوا عشرة، أو عشرين، أو ألفا، أو ملايين؟
لهذا لم يكن الصحابة رضي الله عنهم يضيعون أي فرصة دون أن يدعوا إلى الله عز وجل.
الأمثلة كثيرة ويصعب حصرها، وهذا مثل أخير نختم به.


خالد بن الوليد رضي الله عنه في موقعة اليرموك

كانت موقعة اليرموك- كما نعرف جميعا- بقيادة خالد بن الوليد، وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما، وعن الصحابة أجمعين.
الجيوش مصطفة على الناحيتن، جيش الرومان، وأمامه جيش المسلمين، تقول الرواية:
وخرج (جرجه) وهو أحد الأمراء الرومان الكبار من الصف- أي من صف المشركين في ميدان المعركة- واستدعى خالد بن الوليد، وكان من الممكن أن يقول سيدنا خالد، وهو قائد الجيش إن هذه مؤامرة أو مكيدة تدبر له، ويراد منها قتله، ولكنه رضي الله عنه ما كان يتردد على الإطلاق إذا طلب أحد لقاءه أو منازلته في ميدان الحرب، فجاء اليه حتى اختلفت أعناق فرسيهما، وقد أمن كل منهما صاحبه، فقال جرجه:
يا خالد، أخبرني فاصدقنى، ولا تكذبني، فان الحر لا يكذب، ولا تخادعني، فان الكريم لا يخادع المسترسل بالله، هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء، فأعطاكه فلا تسله على أحد إلا هزمتهم؟
سؤال في منتهى الغرابة يقوله هذا القائد الروماني في تعجب شديد، وانتصارات سيدنا خالد رضي الله عنه بالفعل كثيرة جدا، سواء في بلاد فارس، أو بلاد الروم، وبأعداد، وعُدد قليلة على أعداد من المشركين، وعُدد هائلة وضخمة.
هذا القائد الروماني في استغرابه الشديد يستحلف خالدا أن يصدقه القول، قال خالد: لا.
قال: فبم سميت سيف الله؟
ورد عليه سيدنا خالد ردا في منتهى البراعة، وفي منتهى الحكمة، ومنتهى الفقه لقضية الدعوة فقد أحس أن جرجه الروماني هذا يتكلم بلسان غريب عن قومه، وفي قلبه نوع من الميل إلى الإسلام، في قلبه نوع من الشك فيما عليه الرومان من دين، نوع من التفاؤل، نوع من الطموح، والجيوش مصطفة على الناحيتين، جيش الرومان وأمامه جيش المسلمين، فبماذا رد سيدنا خالد رضي الله عنه؟
قال رضي الله عنه:
إن الله بعث فينا نبيه، فدعانا، فنفرنا منه، ونأينا عنه جميعا، ثم إن بعضنا صدقه، وتابعه، وبعضنا كذبه، وباعده، فكنت فيمن كذبه، وباعده.
لماذا يقول سيدنا خالد هذا الكلام؟ ويذكر أنه كان ممن كذب وباعد رسول الله في بداية الأمر؟
إنه يريد أن يقول لهذا القائد إني كنت مثلك أحارب المسلمين، وأقاتلهم، ولكن هداني الله إلى الإسلام، وربما تكون أنت كذلك، ويكمل خالد رضي الله عنه يقول:
ثم إن الله أخذ بقلوبنا، ونواصينا، فهدانا به، وبايعناه، فقال لي:
أَنْتَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ.
ودعا لي بالنصر، فسميت سيف الله، بذلك فأنا من أشد المسلمين على المشركين.
فقال جرجه: يا خالد إلام تدعون؟
قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عند الله عز وجل.
قال: فمن لم يجبكم؟
قال: فالجزية ونمنعهم.
قال: فإن لم يعطها؟
قال: نؤذنه بالحرب، ثم نقاتله.
قال: فما منزلة من يجيبكم، ويدخل في هذا الأمر اليوم؟
قال: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا، ووضيعنا، وأولنا، وآخرنا.
قال جرجه: فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر مثل ما لكم من الأجر، والذخر؟
قال: نعم وأفضل.
قال: وكيف يساويكم وقد سبقتموه؟
فقال خالد: إنا قبلنا هذا الأمر عنوة، وبايعنا نبينا، وهو حي بين أظهرنا، تأتيه أخبار السماء، ويخبرنا بالكتاب، ويرينا الآيات، وحق لمن رأى ما رأينا، وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب، والحجج، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة، ونية كان أفضل منا.
فقال جرجه: بالله، لقد صدقتني، ولم تخادعني، ولم تآلفني؟
قال: تالله لقد صدقتك، وإن الله وليّ ما سألت عنه.
فعند ذلك قلب جرجه الترس- فهو حتى هذه اللحظة على استعداد للقتال ولكنه بعد أن سمع هذا الكلام وبعد أن دعاه خالد إلى الإسلام- قلب الترس ومال مع خالد وقال: علمنى الإسلام، فمال به خالد إلى فسطاطه، فشن عليه قربة من ماء، ثم صلى به ركعتين وحملت الروم مع انقلابه مع خالد، فركب خالد وجرجه معه، فضرب فيهم خالد، وجرجه من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب، وصلى المسلمون صلاة الظهر، وصلاة العصر إيماء وأصيب جرجه رحمه الله.
وسبحان الله استشهد رحمه الله، ولم يصل إلا الركعتين اللتين صلاهما عندما أسلم.
هذه هي الدعوة بمفهوم الصحابة رضي الله عنهم، فليس هناك على الإطلاق ما يمنع من الدعوة، إن إيمان الأفراد أغلى عند الصحابة من كنوز الدنيا كلها، والعدو الكافر الذي يبغضونه ينقلب أحب الناس إلى قلوبهم، إذا آمن بالله تعالى، فهم رضي الله عنهم يحبون الخير لأهل الأرض جميعا، ويعرفون مهمتهم بوضوح تام، وهي تعبيد الناس لرب العالمين، ووظيفتهم استنقاذ الناس من نار الجحيم.
ماذا لو قاتل جرجه في صفوف الرومان؟
ماذا لو لم يفرغ له خالد رضي الله عنه من وقته، وجهده، وفكره، ودعوته؟
ماذا تكون النتيجة؟
كان سيصبح من قتلى الرومان، مجرد واحد من قتلى الرومان في موقعة اليرموك، وتكون حياته قد انتهت على حرب ضد الإسلام والمسلمين.
هذا هو الفرق الشاسع بين الدعوة إلى الله تعالى، وبين ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ماذا لو فقدت هذه الأمة هذه الصفة النبيلة؛ الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ماذا لو فقدت الأمة هذه الصفات الرائعة؟
هذا هو مفهوم الدعوة عند الصحابة، هذا هو فقه الدعوة إلى الله عز وجل وقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى قدر هذا الفقه كان عمل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
لذلك سبق الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا هداه مهديين، وأن يبصرنا بسنة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 08:33 PM
الصحابة والدعوة


مقدمة

الصحابة والدعوة
مما لا شك فيه أن الدعوة إلى الله عز وجل عملٌ من أشرف الأعمال التي يمكن أن يقوم بها كلُّ مؤمن ومؤمنة.
يقول الله عز وجل في كتابة الكريم:
[وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ] {فصِّلت:33} . فمن كل الأقوال التي يمكن أن يقولها الإنسان، ومن كل الكلمات التي يمكن أن ينطق بها بشر، تظل كلمة الدعوة هي أحسن الأقوال، وأحسن الكلمات [وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ] {فصِّلت:33}.
هذه الكلمة العظيمة (الدعوة) هي وظيفة الأنبياء، والمرسلين، فأنبياء الله سبحانه وتعالى وظيفتهم الأولى هي الدعوة إلى الله عز وجل يقول الله تعالى في كتابه:
[وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ] {إبراهيم:4} .
فالهداية بيد الله عز وجل، لكن لا بد أن تقام الحجة على العبد، لا بد أن تصل الدعوة إلى العباد، فمن الذي يصل بالدعوة إلى العباد؟
الأنبياء، وبعد آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، من الذي يصل بالدعوة إلى الناس؟
إنهم أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، المؤمنون بهذا الدين، المسلمون إسلاما حقيقيا صادقا، هم الذين يتحركون بالدعوة، لقد ختم الأنبياء بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس هناك نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بد أن يحمل المؤمنون الصادقون هذه المهمة العظيمة التي كان يحملها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن سبقه من أنبياء الله عز وجل [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ] {إبراهيم:4} .
ويقول عز وجل:
[بِالبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] {النحل:44} .
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
إن من يبين للناس الحلال والحرام، ومن يعرف الناس بالمعروف، ويأمرهم به، ويبين للناس المنكر، وينهاهم عنه، إن من يفعل ذلك إنما يعمل بعمل الأنبياء والمرسلين.
لذلك جعل الله عز وجل هذه الصفة، صفة الدعوة، أو صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صفة لازمة لمن حمل لقب (مؤمن) فما دمت مؤمنا فلا بد أن تكون داعية إلى الله عز وجل، إذا أردت أن تستكمل صفة الإيمان فلا بد من الدعوة إلى الله.
يقول الله عز وجل:
[وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ] {التوبة:71}.
وذكر الله عز وجل أن أول ما يتصفون به أنهم:
[يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ]
{التوبة:71} .

وتستطيع أن تلاحظ أن الله تعالى قدم صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، مع كونهما ركني الدين العظيمين، فالصلاة كما نعلم هي أعظم أركان الإسلام، وهي عمود الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين، ومع هذه المكانة العظيمة للصلاة يقدم الله عز وجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أمرها.
كذلك الزكاة ركن من الأركان الإسلام الأساسية، ولكن قدم الأمر بالمعروف والنهي على أمرها أيضا.
الله عز وجل يريد أن يربي المؤمنين على ألا يعيشوا لأنفسهم فقط، لا يقبل من المؤمن بحال أن يصلي، ويزكي، ويقوم بأعمال فردية، دون أن يدعو غيره إلى الله عز وجل.
إن الإنسان إذا شعر بعظمة هذه الرسالة أصبح مقتنعا بأهمية نقلها إلى غيره من الناس، فهذه هي الغاية من هذه الرسالة، ومن هذه الأمة.
ولا يقبل من المؤمن أيضا أن يأخذ هذه الرسالة، ويستوعبها فحسب، بل لا بد بعد هذا الاستيعاب أن ينقل هذه الخير إلى من حوله من الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.
ثم لاحظ التعليق الرباني اللطيف الجميل في هذه الآيات:
[أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ] {التوبة:71}.
أي أولئك الذين يتصفون بهذه الصفات من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله عز وجل ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم [أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ] {التوبة:71}.
ولم خصهم الله تعالى بالرحمة؟
لأنهم رحموا عباد الله عز وجل، فالجزاء من جنس العمل، فهؤلاء لما رأوا الناس يتجهون إلى هاوية سحيقة، ويتجهون إلى النيران، ويتجهون إلى البعد عن الله عز و جل، ويتجهون إلى المعيشة الضنك، لما رأوا هؤلاء يتجهون إلى هذا الطريق ما استراحوا إلا بعد أن وضحوا لهم طريق الدعوة، وطريق الإسلام، طريق الله عز وجل، فقد رحموا عباد الله عز وجل، وأوضحوا لهم الطريق، فلا بد أن يرحمهم الله عز وجل، ويهديهم طريقهم، ويدخلهم الجنة سبحانه وتعالى، والجزاء من جنس العمل.
ما من شك أن المسلمين جميعا يفقهون قيمة الدعوة إلى الله تعالى، وقيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكننا في هذه السطور نريد أن نتعرف على نظرة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لقضية الدعوة إلى الله عز وجل، قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


كيف تكون صحابيا في دعوتك؟

كيف تكون صحابيا في أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر؟
وهي بلا شك قضية في غاية الأهمية، لأنه لا يمكن على الإطلاق أن تبنى أمة من دون دعوة، ربما وجد أفراد قلائل وعظماء أيضا، لكن أن تبنى أمة بكاملها من غير دعوة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين غيرهم من غير المسلمين، هذا في الواقع أمر مستحيل تماما، لأن الأمة أفراد كثيرة، ومجتمع كبير وهائل من البشر، فلا بد إذن من أن تصل الدعوة إلى الناس جميعا.
تعالوا بنا نرى كيف كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يفكرون في قضية الدعوة؟
وكيف كانت الدعوة هي القضية الأساسية في حياتهم؟
إنك إذا طالعت سيرة أي صحابي سوف تجد حتما أن الدعوة أحد الأركان الأساسية في حياته، ولن تجد في حياة أي من الصحابة رضي الله عنهم جميعا يوما، أو يومين، أو شهرا، أو شهرين، أو سنة، أو سنتين من دون دعوة، فكل حياتهم موجهة إلى تعليم الآخرين، ودعوتهم إلى الإيمان بالله عز وجل وطاعته، وطاعة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
من المستفيد الأول من الدعوة؟
ومن الأشياء المهمة في نظرة الصحابة إلى الدعوة أنهم كانوا يعرفون من هو المستفيد الأول من الدعوة إلى الله تعالى.
ترى من هو؟
هل هو الداعية أم أنه المدعو؟
في الحقيقة المستفيد الأول من الدعوة هو الداعية نفسه، هذا الرجل الذي يدعو الناس إلى الله هو المستفيد الأول، سواء استجاب الناس له، أو لم يستجيبوا، وسواء سمعوا له حال دعوته لهم، أو لم يسمعوا، فهو مستفيد على كل الأحوال.
فأنت كما تصلي، وتصوم، وتزكي، وتجاهد في سيل الله، وكما تقوم بأي عمل من أعمال الخير، وتطلب الأجر، والثواب من الله عز وجل، فكذلك الحال بالنسبة للدعوة إلى الله، فأنت عندما تدعو تأخذ الأجر من الله تعالى.
وإذا كان بإمكانك أن تتخيل حجم الثواب على الصلاة، والزكاة، والحج، والإنفاق في سبيل الله، وقد أخبرنا الله عز وجل في كتابه الكريم وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية بأجر هذه الأعمال، فإنه لا يمكن لعقل أن يتخيل ثواب الدعوة إلى الله عز وجل.
تعالوا بنا نطالع هذا الحديث، لنرى هذا الحجم الهائل من الحسنات، في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:</SPAN>
مَنْ دَعَا إِلَى هَدْيٍ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مَنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا.
فإذا أردت أن تحصي ما يحصل عليه الداعية من الأجر، سوف تجد كَمّا هائلا من الحسنات.
فعلى سبيل المثال إذا دعوت إنسانا إلى الصلاة، ولم يكن يصلي مطلقا، وأذن الله بهدايته على يديك، فإن كل الصلوات التي يصليها هذا الرجل، والتي ربما تخفى عليك تماما، هي في ميزان حسناتك، وقد يسافر هذا الرجل الذي علمته الصلاة من بلدك، ولا تراه بعد ذلك، ويعيش ما شاء الله له أن يعيش عشرين سنة، أو خمسين، أو مائة، وتكتب كل صلواته الفرض منها، والنافلة، ما صلاه بالليل، أو النهار يكتب كله في ميزان حسناتك.
أيضا هذا الرجل إذا علم أولاده الصلاة، فكل صلوات أولاده تكتب في ميزان حسناتك أيضا، وكذا إذا علم جيرانه، وإذا عمل بالدعوة إلى الله في أي مكان، أو أي زمان فكل من يدعوهم في ميزان حسناتك، ولا ينقص من أجورهم شيء.
ربما تظل هذه الدائرة تتسع حتى بعد موتك بسنين طويلة، بل ربما تظل تكتب لك الحسنات إلى يوم القيامة، وعن طريق أناس لم تعرفهم، ولم ترهم، ولم تعش في زمانهم، كما هو الحال بالنسبة لنا، فالأمة كلها تضيف الحسنات لمن دعوها، وأوصلوا إليها ما هي عليه من الخير، تضيف الحسنات في ميزان الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، وبقية الصحابة، وبقية التابعين، وبقية من حملوا هذه الرسالة، وأوصلوها إلينا.
كم هو كثير هذا الخير الذي يعود على الإنسان من الدعوة إلى الله عز وجل!
لأجل هذا كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يضحون بكل شيء في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، يبذلون العرق، والجهد، والمال، والنفس، وكل شيء في سبيل، هذه القضية العظيمة؛ قضية الدعوة إلى الله تعالى لما لها من الأجر العظيم والثواب الجزيل عند الله عز وجل.
ومن هنا نستطيع أن نفهم جيدا كلام ربنا سبحانه وتعالى:
[وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ]
{فصِّلت:33} .

لا أحد على الإطلاق، فإن الذاكر لله تعالى، والقائم يصلي، وقارئ القرآن، أعمالهم لا شك فاضلة، ولكن تبقى الدعوة إلى الله أفضل، وأعظم، وأعلى قيمة من هذا كله؛ لأن الداعية إلى الله لا يكتفي بهذه الأعمال من ذكر، وصلاة، وقراءة للقرآن، بل يدعو غيره إليها، وهذا فضل عظيم، وكبير.


عقوبة ترك الدعوة

وعلى الجانب الآخر فإن ترك أمر الدعوة إلى الله تعالى هو أمر في غاية الخطورة، ليس على العبد فحسب، بل على الأمة كلها.
روى أحمد في مسنده، والترمذي رحمه الله، وقال: حديث حسن.</SPAN>
عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.
يقسم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يقسم إلا على أمر عظيم، لأننا نصدقه صلى الله عليه وسلم دون أن يقسم، ولكن عليه الصلاة والسلام يريد أن يعمق معنى الأمر بالمعروف في نفوس الصحابة، وفي نفوس الأمة كلها ومن ثم يقول صلى الله عليه وسلم:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ.</SPAN>
فإذا وجدت نفسك في أزمات كثيرة، وتدعو الله عز وجل كثيرا، وهو سبحانه لا يستجيب لك، فلتراجع نفسك في أمر الدعوة إلى الله جيدا، فربما يكون تأخير استجابة الدعاء بسبب هذا الأمر.
في الواقع هذه مشكلة كبيرة، وهي أن كثيرا منا يعبدون الله عز وجل، لكن دون أن يدعو الناس إليه سبحانه وتعالى، ربما يكون جاره بعيدا عن الله، أو زميله في العمل، وربما زوجته، أو أولاده، أو أمه، أو أبوه، أو إخوته، ومع هذا كله لا يشغله كثيرا هذا الأمر.
فلماذا يعيش الناس إذن؟
هل يعيشون لأنفسهم فحسب؟
ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط.
صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يعيشيون لأنفسهم، ولم يكونوا يعيشيون لأولادهم، وأهليهم، وإخوانهم، وعشيرتهم فحسب، بل إنهم كانوا يعيشون لأهل الأرض جميعا، وسنرى تطبيق ذلك عمليا في السطور القادمة.
روى الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن حبان، وحسنه الألباني عن عائشة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرفت في وجهه أن قد حفزه شيء- أي أنه صلى الله عليه وسلم قد همه شيء- فتوضأ، ثم خرج، فلم يكلم أحدا، فدنوت من الحجرات، فسمعته يقول:</SPAN>
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: مُرُوا بِالْمَعْرَوفِ وْانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي فَلَا أُجِيبُكُمْ، وَتَسْأَلُونِي فَلَا أُعْطِيكُم وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلَا أَنْصُرُكُمْ.
أليس من الجائز أن يكون السبب في الانهيار الذي نرى عليه الأمة الإسلامية هو التقصير الكبير في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؟
أليس من الجائز أن يكون تأخير النصر عن الأمة، وما تتعرض له من أزمات طاحنة، ومشكلات كبيرة، إنما هو بسبب إهمالها في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ربما كنا نعمل وفي مرحلة إعداد، ولكن عندنا قصور في هذا الجانب، وهذا من الممكن أن يؤخر الأمة كلها، بل إنه من الممكن أن يكون سببا في استئصال أمة كاملة.
ترى ما هي أول مشكلة وقع فيها بنو إسرائيل؟
ألم يكن بينهم مؤمنون؟
في الواقع كان في بني إسرائيل مؤمنون، ولكنهم لم يقوموا بواجبهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكانت الهلكة لهم، لنرى وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني إسرائيل وكيف كان سقوطهم وهلاكهم:
روى أبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:</SPAN>
إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولَ: يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فِإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ. ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ.
أي يجده على نفس المعصية التي نهاه عنها ولا يؤثر ذلك على العلاقة بينهما، وتنسى قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ.</SPAN>
ثم قال:
[لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(78)كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(79)تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ(80)وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ]
{المائدة:78: 81} .

ثم قال:</SPAN>
كَلَا وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِي الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَيَلْعَنَنِّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ.
إننا أمة الإسلام لا نملك كرامات معينة من عرق، أو نسب، وخيريتنا إنما هي لأسباب معروفة، ولصفات معروفة، ولنهج معروف، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسير عليه، ولو خالفناه، أو قصرنا فيه، فما من شك أن يحدث لنا ما حدث لبني إسرائيل، وغيرهم من الهلاك.
إننا لسنا قريبين من الله لأجل أننا من جنس العرب، أو لأننا من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم اسما فقط، لا، بل لا بد من العمل، ولا بد أن أن نتصف بالصفات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم موضحا لنا السبب الذي لأجله كانت هذه الأمة هي خير أمة أخرجت للناس، فلو لم تتبع الأمة أمر ربها كان اللعن، والطرد كما حدث مع بني إسرائيل.
أمة الإسلام أمة باقية إلى يوم القيامة، ولن تهلك بكاملها على الإطلاق لأجل الرسالة الباقية التي تحملها إلى الخلق أجمعين، لكن من الممكن أن تستبدل، نعم يستبدل الله عز وجل الجيل الفاسد الذي لا يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر بجيل صالح يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويقوم بأمر الله عز وجل [وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] {محمد:38} .
فالأمة التي لا تستوفي شروط الخيرية تستبدل بأمة أخرى غيرها، فكم من الأمم الإسلامية السابقة قد استبدلها الله بغيرها، دول إسلامية سقطت، وأخرى قامت قياما تحافظ فيه على شروط الخيرية التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم بقوله:
[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ]
{آل عمران:110}.

ومع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزء من الإيمان بالله، إلا أن الله عز وجل قدمهما لبيان أهميتهما، وعظم أمرهما، وأن المؤمن، وإن كان من أصحاب الأعمال الكثيرة الصالحة، لكنه لا يلزم هذين الأمرين، فلن يكون في الأمة خيرية، ولن تتصف الأمة بهذه الصفة العظيمة.
إن من أهم مهام هذه الأمة إصلاح الأوضاع على وجه الأرض كلها، ليس في بلاد المسلمين فحسب، بل تعليم الناس جميعا في كل مكان في الأرض، ولتعلم يقينا أن عليك واجبا لمن يعيشون في الصين، وفي روسيا، وفي أوربا، وفي أمريكا، وفي استراليا، وفي بريطانيا، ولمن يعيشون في الجزر النائية في المحيطات البعيدة، عليك أن تبلغهم هذه الرسالة العظيمة، وأن تعلمهم، وأن تصبر على آذاهم، ويحاربونك، وتظل تعلمهم، وتدعوهم، ويرفضون، وتظل تعلمهم، وتدعوهم، وأنت بهذا لا تتفضل عليهم، وإنما هو واجبك تجاههم.
هذه هي خيرية هذه الأمة، وإذا كنت لا تريد أن تكون من خير الأمم فلا عليك، شرط أن تتخلى عن القول بأنك من خير أمة أخرجت للناس مع تركك لأمر الدعوة إلى الله.
الأمر في غاية الخطورة، يقول أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه كما في البخاري:
خير الناس للناس- يصف رضي الله عنه أمة الإسلام- تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام.
ويقصد أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه بكلامه هذا الفتوحات الإسلامية، التي كانت مهمتها الأولى هي تعليم الناس الخير، ودعوتهم إلى الله عز وجل، ودخل كثير من الناس الإسلام، وهم كارهون في البداية لأمر هذه الجيوش الإسلامية التى دخلت بلادهم، وربما دخل بعضهم الإسلام؛ لأنه الدين العظيم والمهيمن على الأرض في ذلك الوقت، وله دولة قوية قاهرة، ولكنهم عرفوا بعد ذلك عظمة هذا الدين، وحسن إسلامهم، وأصبحوا من أهل الجنة، وكان من الممكن أن يكونوا من أهل النار لو ظلوا يعبدون النار طوال حياتهم، أو يعبدون المسيح، أو الشجر، أو الحشرات كما كان يحدث في الهند، فقد عبد الناس كل شيء إلا الله عز وجل، فكان من واجب المسلمين أن يعلموهم وأن يبلغوهم رسالة الله، وبعد أن كانوا كارهين أصبحوا من أهل الجنة، وهذا خير عظيم.
فهذه هي مهمة الأمة المسلمة أن تعلم الناس جميعا الخير، وهذا هو سبب خيريتها، فهي أمة لا تقيم العدل في إطار دولتها فقط، أو في إطار حدودها فحسب، وتترك العالم من حولها يظلم كما يريد، ويسرق كما يحب، ويعصي الله عز وجل حسب ما يرى هواه.
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:</SPAN>
عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ.
وهؤلاء هم من جاءوا بلاد المسلمين، وهم أسرى مع المسلمين العائدين من المعارك والفتوحات الإسلامية، فلما عرفوا حقيقة الإسلام وأحبوه دخلوا فيه، وحسن إسلامهم فصاروا من أهل الجنة مع أنهم كانوا لا يريدون، لكن أمة الإسلام الآمرة بالمعروف، والناهية عن المنكر كانت هي السبب في دخولهم الجنة، وهذا فضل كبير وعظيم.
ولأجل هذا [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ] {آل عمران:110}.
الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يفهمون هذه الحقائق جيدا ويعرفون ما الذي يمكن أن يحدث لو لم يكن هناك أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
حديث رائع ومثل عظيم يضربه النبي صلى الله عليه وسلم يوضح هذا الأمر جيدا:
روى البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:</SPAN>
مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ، وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ، وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا.
فالسفينة كلها ستنجو بلا شك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه لصحابته رضي الله عنهم جميعا ولأمته كلها.
وقد استوعب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر جيدا، وتحركوا به في حياتهم، وتولد عن هذه المشاعر التي دخلت في نفوس الصحابة إحساس عميق بالمسئولية الكبيرة في تبيلغ هذه الرسالة العظيمة، وأنه ما دمت مؤمنا فلا بد أن تدعو غيرك إلى الخير، تدعو غيرك إلى الإسلام، إلى الله عز وجل، ليس لأجل تكثير الحسنات، وتثقيل الميزان، وإن كان هذا مهما، ولكن لأن هذه وظيفة إجبارية على كل مؤمن، فكما أن الإنسان لا يكون مؤمنا إذا امتنع عن الصلاة، أو الزكاة، فكذلك الحال، فما دمت مؤمنا لا بد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وبغير الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر يفسد الأفراد، وتفسد الأمة، بل تفسد الأرض كلها، ولأجل هذا كانت الفتوحات الإسلامية التي انسابت في الأرض كلها شمالا، وجنوبا، شرقا، وغربا، فتوح فارس، والروم، وشمال أفريقيا، وفتوح الأندلس، وفتوح الهند.
كل البلاد التي فتحت بالإسلام كان الهدف الأساسي من الفتح هو تعليم الناس دينهم، وكان الصحابة رضي الله عنهم يرون هذا الأمر أحد واجباتهم الأساسية، وليس من نوافل الأعمال.
ربعي بن عامر رضي الله عنه، لنتدبر كلامه رضي الله عنه وأرضاه وهو من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين فتحوا بلاد فارس.
ماذا قال هذا الصحابي الجليل عندما دخل على رستم قائد الفرس؟
هذا القائد اسمه هكذا (رَسْتَمْ) وليس (رُسْتُم) كما هو مشهور بين الناس، وهو اسم فارسي.
لما قال لسيدنا ربعي بن عامر رضي الله عنه:
ما جاء بكم؟
قال له ربعي رضي الله عنه بفهمه الدقيق العميق لمهمة المسلم في الحياة:
لقد ابتعثنا الله.
تدبر كلامه رضي الله عنه، فإن البعث لا يكون إلا للأنبياء، والمرسلين، وقد ختموا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فتحملت الأمة هذه المسئولية إلى يوم القيامة، وأصبح أفراد هذه الأمة مبعوثين كالأنبياء، والمرسلين لتعليم الناس ودعوتهم إلى الله عز وجل.
يقول رضي الله عنه:
لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد.
كل العباد في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف الأزمنة، والأمكنة مسئولية في رقبة كل المسلمين.
لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
ومن المعروف أن أهل فارس لم يكونوا يعبدون كسرى، كما أن أهل الروم لم يكونوا يعبدون قيصر، لكن هؤلاء الزعماء كسرى وقيصر، ومن على شاكلتهم كانوا يشرعون لأقوامهم، وشعوبهم، ويضعون لهم القوانين المخالفة لما أمر الله عز وجل به، وباتباع هذه الشعوب لهذا التشريع كأنهم يعبدونهم، فلما جاء الإسلام أمر الله المسلمين أن يذهبوا إلى هؤلاء ليعلموهم أن الأمر والحكم لله عز وجل، وأن الناس جميعا لا بد، وأن يسيروا على منهج الله عز وجل، ولا يخالفوا أمره، وأن يبتعدوا عن كل ما نهى الله عز وجل عنه، وهذه هي العبادة الحقيقية، فالمسلمون لهم مهمة في منتهى الوضوح:
لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
سواء كانت هذه العبادة حسية، أو كانت طاعة مخالفة لما أمر الله عز وجل به.
ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
هذه هي مهمة الأمة المسلمة، التي فهمها الصحابي الجليل ربعي بن عامر، وفهمها كل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الفهم هو ما نريده أن نصل به إلى كل مسلم.
لا يأس مع الدعوة
شيء آخر من الأهمية بمكان في قضية الدعوة عند الصحابة رضوان الله عليهم:
اليأس لم يتطرق على الإطلاق إلى قلب أحد من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في قضية الدعوة، إذا دعوت إنسانا إلى الله مرة، واثنتين، وثلاثة، وعشرين، ومائة، ولم يستجب، فلا تيأس لأنه لا يوجد في قضية الأجر على الدعوة ما يسمى بالجهد الضائع، ولا يصح أن يقال أن فلانا بعينه لا رجاء فيه ولن يهتد أبدا.
لماذا؟
لأن القلوب بين أصابع الرحمن سبحانه وتعالى يقلبها كيف يشاء، وأجرك كداع إلى الله لن يضيع منه شيء، سواء استجاب المدعو، أو لم يستجب، أجرك واقع على الله عز وجل.
[إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ]
{القصص:56}.

إذن فكل الناس يدعون إلى الله عز وجل، ندعو المسلمين البعيدين عن طريق الله ندعوهم إلى الله عز وجل، ندعو اليهود والنصارى والمجوس والمشركين والهنود وكل الناس ندعوهم إلى الله عز وجل، هذه هي مهمة المسلمين الأساسية.
لنرى كيف كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يتعاملون مع قضية الدعوة، ونقتدي بهم.


أبو بكر الصديق رضي الله عنه والدعوة إلى الله

كانت حياة الصديق رضي الله عنه وأرضاه كلها قائمة على قضية الدعوة، فمن أول يوم آمن فيه الصديق، وهو يتحرك لهذا الدين، ولهذه الدعوة، منذ أن شعر بحلاوة هذا الدين أراد أن ينقل هذا الإحساس إلى كل الناس، ومع أن عمره رضي الله عنه في الإسلام لم يتجاوز ساعات قليلة، إلا أنه كانت لديه حمية عظيمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحرك رضي الله عنه ليأتي بعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، هؤلاء الخمسة من أعاظم الصحابة والمسلمين والمجاهدين، هؤلاء هم من حملوا على أكتافهم أمانة الرسالة وأمانة الدعوة، وأمانة التبليغ، هؤلاء هم من علموا أهل الأرض جميعا الإسلام.
جاء بهم الصديق رضي الله عنه وأرضاه في أول يوم، وفي اليوم الثاني جاء بأبي عبيدة بن الجراح، وعثمان بن مظعون، والأرقم بن أبي الأرقم، وأبي سلمة بن عبد الأسد.
أي جهد هذا وأي بذل هذا وأي خير هذا!
إن كل ما يفعله هؤلاء من الخير يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجورهم، عندما يتبرع عثمان بن عفان بتجهيز جيش العسرة يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره، عندما يبني عثمان رضي الله عنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره، عندما يشتري بئر رومة من حر ماله يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره، كَمّ من الحسنات لا يمكن تخيله بحال من الأحوال.
عندما يخرج الزبير بن العوام رضي الله عنه مجاهدا في سبيل الله محاربا ومدافعا عن دين الله في شمال مصر، وفي الشام وفي العراق، وهنا، وهناك يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره، عندما يربي ابنه عبد الله بن الزبير على الخير يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره، عندما يربي ابنه عروة بن الزبير على الخير يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره، وأي أمر من أمور الخير يفعله الزبير بن العوام رضي الله عنه يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره.
وتخيل معي أسماء من ذكرناهم قريبا، وما لهم من الأعمال العظيمة، والتي يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجورهم عليها، ومع هذا كله أنفق ماله كله أيضا على الدعوة إلى الله، فقد أعتق عبيدا كثيرين من ماله، وكما أن هواية بعض الناس جمع الطوابع، أو التحف، كانت هواية الصديق رضي الله عنه وأرضاه هي جمع المؤمنين، كان رضي الله عنه وأرضاه يفهم جيدا طبيعة الدنيا، ويفهم رسالته في الحياة:
ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
يرى بلال بن رباح يعبد غير الله، فيذهب إليه سريعا، ويدعوه إلى عبادة الله، ويؤمن بلال، ويعذب في سبيل الله، ويدفع أبو بكر ماله ليعتقه، ويستنقذه من العذاب، لا يرجو منه جزاء ولا شكورا، إلا مرضاة الله عز وجل.
أعتق رضي الله عنه عامر بن فهيرة، وأدخله في الإسلام، الزنيرة، وابنة الزنيرة، وكثير من المعذبين، والمعذبات من الصحابة، والصحابيات في أرض مكة، أدخلهم رضي الله عنه في دين الإسلام، وأعتقهم، أي خير هذا وأي عظمة هذه!
إنها الدعوة إلى الله عز وجل، أدخل الصديق رضي الله عنه وأرضاه عائلته كلها في الإسلام، أم رومان زوجته رضي الله عنها، أولاده أسماء، وعبد الله، أما السيدة عائشة (http://vb.g111g.com/أم_المؤمنين_عائشة_بنت_أبي_ب� �ر) أم المؤمنين رضي الله عنها فقد ولدت في الإسلام، ثم دخلت أمه في الإسلام، ثم أكبر أبنائه عبد الرحمن، ثم دخل أبوه في الإسلام رضي الله عنهم وأرضاهم جميعا، خير عظيم، وأجر ضخم، وكبير في ميزان الصديق رضي الله عنه وأرضاه.
لأجل هذا لو وزنت إيمان الصديق بأي إيمان لا بد أن يرجح إيمان الصديق، بل لو وزنت إيمان الصديق بإيمان الأمة لرجح إيمان الصديق.
لماذا؟
لأن الأمة عندما تعمل إنما تضيف لحسنات الصديق، وأي مسلم يعمل خيرا إنما يعمل عن طريق دعوة الصديق رضي الله عنه في بداية الدعوة، فلو قمت فصليت ركعتين يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجرك، لو أنفقت شيئا في سبيل الله يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجرك، لو أن إنسانا جاهد في فلسطين، أو العراق، أو الشيشان، يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره، لو كتب عالم كتابا ينتفع الناس به، أو ألقى محاضرة وتناقلها الناس عبر شرائط الكاسيت، أو الفيديو، أو عبر الإنترنت، يأخذ الصديق رضي الله عنه مثل أجره.
هل تخيلت معي هذا الحجم الهائل الضخم الكبير من الحسنات؟
هذه هي الدعوة إلى الله، وهذا هو الصديق، وهؤلاء هم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.


الطفيل بن عمرو الدوسي والدعوة إلى الله

بعدما أسلم، وقصة إسلامه من القصص الجميلة الرائعة لا يتسع المجال لذكرها، لكنه بعد أن أسلم بسماعه بعض الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسماعه بعض آيات من كتاب الله عز وجل، قال:
فوالله ما سمعت قولا قط أحسن، ولا أمرا أعدل منه، قال:
فأسلمت وشهدت شهادة الحق ثم قال، وهو ليس من لأهل مكة، وإنما دوس قبيلة مشهورة من قبائل اليمن وهي بعيدة عن مكة بمئات الأميال، قال:
يا نبي الله، إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم، وداعيهم إلى الإسلام.
أي شيء عرفه الطفيل رضي الله عنه عن الإسلام حتى يدعو قومه إليه؟!
إنني على يقين أن الكثير من المسلمين لديه من العلم، ومن المعرفة عن الإسلام أكثر مما لدى الطفيل في هذا الوقت، فهو رضي الله عنه لم يسلم إلا منذ دقائق قليلة جدا، نحن قرأنا القرآن كله كثيرا، وعرفنا أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفنا الصلاة، والصوم، والزكاة، وتفاصيل أخرى كثيرة عن هذا الدين، لم يكن الطفيل رضي الله عنه قد عرفها بعد، لكن هل تحركنا كما تحرك الطفيل لهذا الدين؟
فارق ضخم، وشاسع بين الطفيل رضي الله عنه بعلمه المحدود في ذلك الوقت، وبين من عنده العلم الكثير لكنه لا يتحرك لهذا الدين.
الطفيل بن عمرو الدوسي منذ أن شعر بحلاوة هذا الدين، أراد أن ينقله إلى أهله، وإلى أحبابه، وإلى عشيرته، وإلى قومه، وإلى الناس أجمعين، فهو لا يتحمل أن ينفرد بهذا الخير لنفسه فقط، بل لا بد من أن يدعو الآخرين، ويعلمهم، ويفيض عليهم من هذا الخير، ومع أنه لم يسلم إلا منذ دقائق، لكنه أصبح داعية يفقه معنى الدعوة، وحقيقة الدعوة، وقيمة الدعوة، وتعالوا بنا نذهب معه في هذه الرحلة إلى اليمن، لنرى هذه القصة الجميلة في دعوته لأهله وقومه، يقول الطفيل رضي الله عنه: فلما نزلت أتاني أبي، وكان شيخا كبيرا، فقلت: إليك عني أبت، فلست منك، ولست مني.
قال: ولم أي بني؟!
قلت: إني أسلمت.
قال: أي بني فديني دينك.
فأسلم.
لا شك أن هذه الطريقة في الدعوة طريقة حادة وقاسية، ولكن على أي حال قد آتت ثمارها في هذا الموقف، ولذا استعمل الطفيل رضي الله عنه نفس الوسيلة مع زوجته يقول:
ثم أتتني صاحبتي- أي زوجته- فقلت لها مثل ذلك، فأسلمت، وقالت:
أيخاف عليّ من ذي الشرى- صنم لهم- فقلت: لا، أنا ضامن لذلك.
إذن فهذه الوسيلة التي يستعملها في الدعوة مع حدتها، وقسوتها نجحت مرتين، فلا بأس إذن- من وجهة نظره رضي الله عنه- لا بأس أن يستعملها مع باقي القوم، ولكن في هذه المرة لم يكتب لوسيلته النجاح، يقول رضي الله عنه: ثم دعوت دوسا فأبطئوا عن الإسلام.
وظل يدعو الناس بهذه الحدة فلم يسلم أحد، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة وقال له:
يا رسول الله، إن دوسا قد عصت، وأبت، فادع الله عليها.
إن الإيمان وعدمه هو الذي يحدد الرابطة القلبية عند الطفيل رضي الله عنه، فقد كان يحب قومه كثيرا، ويريد أن ينقل إليهم حلاوة هذا الدين، ولذة هذه الدعوة، ولكنهم عندما رفضوا الاستجابة لأمر الله انقطعت الرابطة بينه وبينهم، وأصبح يكرههم في الله عز وجل إلى درجة أنه يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وظن الناس أنه يدعو عليهم، وقيل: هلكت دوس.
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة، والحريص على كل نفس، وعلى كل بشر رآه، أو لم يره، كان أحرص على قوم الطفيل، وعشيرته من الطفيل نفسه، رفع الحبيب صلى الله عليه وسلم يده وقال:</SPAN>
اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، وائْتِ بِهِمْ.
ثم قال للطفيل:
ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكِ فَادْعُهُمْ.
وقال له كلمة في منتهى الروعة قال له:
وَارْفُقْ بِهِمْ.</SPAN>
ويبدو أن الطفيل رضي الله عنه قص على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدث بينه وبين أبيه، زوجته، وما حدث مع قومه، ووجد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الطريقة الحادة القاسية لا تجدي في الدعوة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق، فالرفق بالناس، والرحمة بهم، ومحاولة لإيصال الخير لهم بألطف الطرق، وأيسرها هي الوسيلة المثلى في الدعوة إلى الله عز وجل.
يقول الطفيل رضي الله عنه وأرضاه:</SPAN>
فرجعت، فلم أزل بأرض دوس أدعوهم للإسلام، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
فقد مرت الأيام، والشهور، والسنين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، والطفيل رضي الله عنه في اليمن يعلم الناس، ويدعوهم إلى الإسلام،
ثم هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، يقول الطفيل رضي الله عنه:
لم أزل بأرض دوس، أدعوها حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ومضى بدر، وأحد، والخندق، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم من قومي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، حتى نزلت المدينة بسبعين، أو ثمانين بيتا من دوس، ثم لحقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين.
فهل كان الطفيل رضي الله عنه جالسا في اليمن يضيع الوقت، في حال كان المسلمون يجاهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقومون بهذه المعارك الضخمة، إنه كان يقوم بمهمة من أعظم المهمات، إنها مهمة الدعوة إلى الله، وتعليم قبيلة دوس الإيمان والخير، وإذا كان رضي الله عنه قد ذهب إلى المدينة المنورة بمن أسلم معه من قومه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، أي في السنة السابعة للهجرة، يكون رضي الله عنه قد استمر في دعوته لقومه دوس ما لا يقل عن عشر سنوات.
دور في منتهى الخطورة وفي منتهى الأهمية، وبعد نجاحه في القيام بهذا الأمر الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل المدينة بمن معه، سبعين، أو ثمانين بيتا، أو عائلة من دوس، فهم ليسوا سبعين أو ثمانين فردا، وإنما هم عائلات.
وتخيل معي، هذا الكم الهائل من الحسنات التي تكتب في ميزان الطفيل رضي الله عنه وأرضاه، كلما صلى أحدهم صلاة، أو أنفق نفقة، أو جاهد في سبيل الله، أخذ الطفيل مثل أجره، بل لو استشهد أحد منهم في سبيل الله كتب للطفيل رضي الله عنه أجر الشهادة، حقق الطفيل رضي الله عنه هذا الخير العظيم في هذه السنين القليلة بعلمه القليل، فكم من السنين مرت علينا؟
وكم من العلم نعرف؟
فهل أدينا زكاة ما نعرف من العلم؟
هل أدينا زكاة العمر؟
هل أدينا زكاة الإسلام؟
هل أدينا زكاة الهداية إلى دين الله عز وجل؟
هل أدينا زكاة الإيمان بالله عز وجل؟
كم من الناس عرفنا لهم الإسلام؟
كم من الناس أوصلنا لهم هذا الدين؟
كم من الناس جعلناهم يحبون الإسلام؟
أتدرون من أتى به الطفيل ضمن هؤلاء السبعين عائلة الذين أتى بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
إنه أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه، فكل ما جاء من الخير العظيم على يد أبي هريرة رضي الله عنه، يكتب في ميزان حسنات الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه وأرضاه، وتخيل كل الأحاديث التي نقلها أبو هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أكثر من سبعة آلاف حديث، وبعض الأقاويل أنها أكثر من عشرة آلاف حديث نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظر إلى هذا الكم الهائل الضخم الذي جاء عن هذا الصحابي العظيم أبي هريرة، كل هذا العلم يكتب في ميزان حسنات الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه وأرضاه، وتخيل أيضا حياة أبي هريرة رضي الله عنه، لو لم يوجه إليه الطفيل رضي الله عنه هذه الدعوة إلى الإسلام، فقد كان يعيش فقيرا معدما في قبيلة بعيدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا كان سيفعل أبو هريرة لو لم تصله هذه الدعوة كان سيعيش- مهما عاش- حياة لا معنى لها، ولا هدف لها، ولا قيمة لها، ثم يموت، ولا يسمع به أحد، ولن ينتفع به أحد، ولن يحفر اسمه في أي صفحة من صفحات التاريخ، لكن بعد أن كلمه الطفيل في أمر الإسلام والإيمان وآمن بالله ورسوله، فلتفتح الآن ليس صفحة واحدة، بل صفحات، وصفحات من التاريخ، افتح صحيح البخاري ومسلم،
افتح سنن الترمذي، والنسائي، وأبي داود وابن ماجه،
افتح مسند الإمام أحمد بن حنبل، وموطأ الإمام مالك، ومعجم الطبراني،
افتح أي كتاب من كتب السيرة، أو من كتب السنة، قلما تجد صفحة تخلو من اسم أبي هريرة، كل هذا في ميزان حسنات الطفيل بن عمرو الدوسي، وما كان كل هذا ليحدث لولا الدعوة إلى الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذه هي الدعوة إلى الله.
[وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ]
{فصِّلت:33}.

ومن ثم لم يترك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة في أي حال من الأحوال، ولا لأي ظرف من الظروف، بل في حروبهم، ومع أعدائهم لا ينسون قضية الدعوة إلى الله تعالى، ويكونون في حرص تام على دعوة أعدائهم إلى الله تعالى.
وقد تعلموا هذا النهج الأخلاقي الرفيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انظر ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب في خيبر:
انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُّ عَلَيْهِمْ.</SPAN>
هذا الكلام في ميدان المعركة ومع من؟
مع اليهود أشد الناس عداوة للمؤمنين، وبعد خيانات عظيمة من بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، وما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الإسلام، ثم يقول صلى الله عليه وسلم:</SPAN>
فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِي اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ.
وهي أبل عظيمة جدا كانت تتفاخر بها العرب، فلو أن واحدا فقط أسلم من هذا الحصن العظيم، وبه الآلاف من اليهود لكان خيرا عظيما، وفي رواية: خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ.</SPAN>
شيء في منتهى العظمة، أن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير من الدنيا، وما فيها، فما بالك إذا كانوا عشرة، أو عشرين، أو ألفا، أو ملايين؟
لهذا لم يكن الصحابة رضي الله عنهم يضيعون أي فرصة دون أن يدعوا إلى الله عز وجل.
الأمثلة كثيرة ويصعب حصرها، وهذا مثل أخير نختم به.


خالد بن الوليد رضي الله عنه في موقعة اليرموك

كانت موقعة اليرموك- كما نعرف جميعا- بقيادة خالد بن الوليد، وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما، وعن الصحابة أجمعين.
الجيوش مصطفة على الناحيتن، جيش الرومان، وأمامه جيش المسلمين، تقول الرواية:
وخرج (جرجه) وهو أحد الأمراء الرومان الكبار من الصف- أي من صف المشركين في ميدان المعركة- واستدعى خالد بن الوليد، وكان من الممكن أن يقول سيدنا خالد، وهو قائد الجيش إن هذه مؤامرة أو مكيدة تدبر له، ويراد منها قتله، ولكنه رضي الله عنه ما كان يتردد على الإطلاق إذا طلب أحد لقاءه أو منازلته في ميدان الحرب، فجاء اليه حتى اختلفت أعناق فرسيهما، وقد أمن كل منهما صاحبه، فقال جرجه:
يا خالد، أخبرني فاصدقنى، ولا تكذبني، فان الحر لا يكذب، ولا تخادعني، فان الكريم لا يخادع المسترسل بالله، هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء، فأعطاكه فلا تسله على أحد إلا هزمتهم؟
سؤال في منتهى الغرابة يقوله هذا القائد الروماني في تعجب شديد، وانتصارات سيدنا خالد رضي الله عنه بالفعل كثيرة جدا، سواء في بلاد فارس، أو بلاد الروم، وبأعداد، وعُدد قليلة على أعداد من المشركين، وعُدد هائلة وضخمة.
هذا القائد الروماني في استغرابه الشديد يستحلف خالدا أن يصدقه القول، قال خالد: لا.
قال: فبم سميت سيف الله؟
ورد عليه سيدنا خالد ردا في منتهى البراعة، وفي منتهى الحكمة، ومنتهى الفقه لقضية الدعوة فقد أحس أن جرجه الروماني هذا يتكلم بلسان غريب عن قومه، وفي قلبه نوع من الميل إلى الإسلام، في قلبه نوع من الشك فيما عليه الرومان من دين، نوع من التفاؤل، نوع من الطموح، والجيوش مصطفة على الناحيتين، جيش الرومان وأمامه جيش المسلمين، فبماذا رد سيدنا خالد رضي الله عنه؟
قال رضي الله عنه:
إن الله بعث فينا نبيه، فدعانا، فنفرنا منه، ونأينا عنه جميعا، ثم إن بعضنا صدقه، وتابعه، وبعضنا كذبه، وباعده، فكنت فيمن كذبه، وباعده.
لماذا يقول سيدنا خالد هذا الكلام؟ ويذكر أنه كان ممن كذب وباعد رسول الله في بداية الأمر؟
إنه يريد أن يقول لهذا القائد إني كنت مثلك أحارب المسلمين، وأقاتلهم، ولكن هداني الله إلى الإسلام، وربما تكون أنت كذلك، ويكمل خالد رضي الله عنه يقول:
ثم إن الله أخذ بقلوبنا، ونواصينا، فهدانا به، وبايعناه، فقال لي:
أَنْتَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ.
ودعا لي بالنصر، فسميت سيف الله، بذلك فأنا من أشد المسلمين على المشركين.
فقال جرجه: يا خالد إلام تدعون؟
قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عند الله عز وجل.
قال: فمن لم يجبكم؟
قال: فالجزية ونمنعهم.
قال: فإن لم يعطها؟
قال: نؤذنه بالحرب، ثم نقاتله.
قال: فما منزلة من يجيبكم، ويدخل في هذا الأمر اليوم؟
قال: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا، ووضيعنا، وأولنا، وآخرنا.
قال جرجه: فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر مثل ما لكم من الأجر، والذخر؟
قال: نعم وأفضل.
قال: وكيف يساويكم وقد سبقتموه؟
فقال خالد: إنا قبلنا هذا الأمر عنوة، وبايعنا نبينا، وهو حي بين أظهرنا، تأتيه أخبار السماء، ويخبرنا بالكتاب، ويرينا الآيات، وحق لمن رأى ما رأينا، وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب، والحجج، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة، ونية كان أفضل منا.
فقال جرجه: بالله، لقد صدقتني، ولم تخادعني، ولم تآلفني؟
قال: تالله لقد صدقتك، وإن الله وليّ ما سألت عنه.
فعند ذلك قلب جرجه الترس- فهو حتى هذه اللحظة على استعداد للقتال ولكنه بعد أن سمع هذا الكلام وبعد أن دعاه خالد إلى الإسلام- قلب الترس ومال مع خالد وقال: علمنى الإسلام، فمال به خالد إلى فسطاطه، فشن عليه قربة من ماء، ثم صلى به ركعتين وحملت الروم مع انقلابه مع خالد، فركب خالد وجرجه معه، فضرب فيهم خالد، وجرجه من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب، وصلى المسلمون صلاة الظهر، وصلاة العصر إيماء وأصيب جرجه رحمه الله.
وسبحان الله استشهد رحمه الله، ولم يصل إلا الركعتين اللتين صلاهما عندما أسلم.
هذه هي الدعوة بمفهوم الصحابة رضي الله عنهم، فليس هناك على الإطلاق ما يمنع من الدعوة، إن إيمان الأفراد أغلى عند الصحابة من كنوز الدنيا كلها، والعدو الكافر الذي يبغضونه ينقلب أحب الناس إلى قلوبهم، إذا آمن بالله تعالى، فهم رضي الله عنهم يحبون الخير لأهل الأرض جميعا، ويعرفون مهمتهم بوضوح تام، وهي تعبيد الناس لرب العالمين، ووظيفتهم استنقاذ الناس من نار الجحيم.
ماذا لو قاتل جرجه في صفوف الرومان؟
ماذا لو لم يفرغ له خالد رضي الله عنه من وقته، وجهده، وفكره، ودعوته؟
ماذا تكون النتيجة؟
كان سيصبح من قتلى الرومان، مجرد واحد من قتلى الرومان في موقعة اليرموك، وتكون حياته قد انتهت على حرب ضد الإسلام والمسلمين.
هذا هو الفرق الشاسع بين الدعوة إلى الله تعالى، وبين ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ماذا لو فقدت هذه الأمة هذه الصفة النبيلة؛ الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ماذا لو فقدت الأمة هذه الصفات الرائعة؟
هذا هو مفهوم الدعوة عند الصحابة، هذا هو فقه الدعوة إلى الله عز وجل وقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى قدر هذا الفقه كان عمل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
لذلك سبق الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا هداه مهديين، وأن يبصرنا بسنة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:25 PM
أبو جندل بن سهيل بن عمرو


نسبه وقبيلته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15094_image002.jpgهو أبو جندل بن سهيل بن عمرو القرشي العامري[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1). أسلم قديمًا بمكة، فحبسه أبوه وأوثقه في الحديد، ومنعه الهجرة[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

من مواقفه مع رسول الله

في صلح الحديبية والصحيفة تكتب إذ طلع أبو جندل بن سهيل يرسف في الحديد وكان أبوه حبسه فأفلت، فلما رآه أبوه سهيل بن عمرو قام إليه فضرب وجهه، وأخذ بتلابيبه وقال: يا محمد، قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا!

قال: صدقت. فصاح أبو جندل بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أرد إلى المشركين يفتنوني في ديني!
وقد كانوا خرجوا مع رسول اللهلا يشكون في الفتح، فلما صنع أبو جندل ما صنع وقد كان دخل -لما رأوا رسول اللهحمل على نفسه في الصلح ورجعته- أمر عظيم، فلما صنع أبو جندل ما صنع زاد الناس شرًّا على ما بهم، فقال رسول الله لأبي جندل: "أبا جندل، اصبر واحتسب؛ فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا. وإنا صالحنا القوم وإنا لا نغدر"[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

من مواقفه مع الصحابة

له موقف مع أبي بصير فقد انفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو الذي ردَّهيوم الحديبية، وخرج من مكة في سبعين راكبًا أسلموا فلحقوا بأبي بصير، وكرهوا أن يقدموا على رسول اللهفي مدة الهدنة خوفًا من أن يردهم إلى أهلهم، وانضم إليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة وطوائف من العرب ممن أسلم حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل، فقطعوا مارة قريش لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه، ولا تمر بهم عير إلا أخذوها، حتى كتبت قريش لهتسأله بالأرحام إلا آواهم ولا حاجة لهم بهم، فكتب رسول اللهإلى أبي جندل وأبي بصير أن يقدما عليه، وأن من معهم من المسلمين يلحق ببلادهم وأهليهم ولا يتعرضوا لأحدٍ مر بهم من قريش ولا لعيرهم، فقدم كتاب رسول اللهعليهما وأبو بصير مشرف على الموت لمرضٍ حصل له، فمات وكتاب رسول اللهفي يده يقرؤه، فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدًا[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

من كلماته

قال أبو جندل وهو مع أبي بصير[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5):
أبلغ قريشًا من أبي جندل *** أني بذي المروة بالساحل
في معشر تخفق أيمـانهم *** بالبيض فيها والقنى الذابل
يأبون أن تبقى لهم رفقة *** من بعد إسلامهم الواصل
أو يجعل الله لهم مخرجا *** والحق لا يغلب بالباطـل
فيسلـم المرء بإسلامه *** أو يقتل المـرء ولم يأتـل

الوفاة

مات بالشام في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة في خلافة عمر بن الخطاب[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن عبد البر: الاستيعاب 4/1621.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) ابن سعد: الطبقات الكبرى 7/405.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) ابن الأثير: أسد الغابة 6/59.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) المصدر السابق 6/40.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) ابن عبد البر: الاستيعاب 4/1622.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6) الحاكم النيسابوري: المستدرك (5209)، 3/311.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:27 PM
النعيمان بن عمرو الأنصارى


هو النعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن النجار الأنصاري، وقد تمتع النعيمان بن عمرو بكثير من الصفات العذبة والشمائل الكريمة منها: الشجاعة والإقدام على مواطن الجهاد قال ابن سعد شهد بدرا وأحد والخندق والمشاهد كلها.
وكان من صفاته كذلك حب الفكاهة والطرفة وخاصة مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت أم سلمة رضي الله عنها: (كان الضحاك مضحاكا مزاحا)
بعض مواقفه مع النبي (صلى الله عليه وسلم):
كان لا يدخل المدينة إلا اشترى منها ثم جاء بها إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فيقول هذا أهديته لك فإذا جاء صاحبها يطلب نعيمان بثمنها أحضره إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم) وقال أعط هذا ثمن متاعه فيقول أوَ لم تهده لي فيقول: إنه والله لم يكن عندي ثمنه، ولقد أحببت أن تأكله، فيضحك ويأمر لصاحبه بثمنه.
ودخل أعرابي على النبي (صلي الله عليه وسلم) وأناخ ناقته بفنائه فقال بعض الصحابة للنعيمان الأنصاري لو عقرتها فأكلناها فإنا قد قرمنا اللحم ففعل فخرج وصاح وعقره يا محمد فخرج النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال من فعل هذا فقالوا هو النعيمان فأتبعه يسأل عنه حتى وجده قد دخل دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب واستخفي تحت سرب لها فرقة جريد فأشار إلى النبي حيث هو فأخرجه فقال ما حملك على ما صنعت قال الذين دلوك على يا رسول الله هم الذين أمروني بذلك قال فجعل يمسح التراب عن وجهه ويضحك ثم غمها للأعرابي.(1)
وهنا تتجلي عظمة النبي ( صلي الله عليه وسلم ) فلم ينكر علي هذا الصحابي الذي عقر الناقة ما فعله لأنه يحب المزاح، فالرسول يعلم أن النفس البشرية تتفاوت من إنسان إلي آخر فهناك من هو جاد في كل شيء وهناك من يحب المزاح ؛ ولكنه ( صلي الله عليه وسلم ) قد حكم للأعرابي بثمن الناقة.
بعض مواقفه مع الصحابة
كان من السمات المميزة لهذا الصحابي الجليل، كثرة المزاح، وحب الضحك حتى قال عنه النبي (عليه الصلاة والسلام ) ( يدخل الجنة وهو يضحك)
وكثيرة هي المواقف الضاحكة من نعيمان، فعن أم سلمة (رضي الله عنها) أن أبا بكر الصديق (رضي الله عنه) خرج في تجارة له إلى بُصري (بلدة من بلاد الشام) ومعه نعيمان الأنصاري، وسليط بن حرملة - وكلاهما ممن شهد بدراً - وكان سليط هو المسئول عن الزاد وتدبيره في الرحلة، فبينما هم في استراحة من الاستراحات أثناء الطريق، إذا بنعيمان جاع جوعا شديدا، فطلب من سليط أن يطعمه فأبى عليه ذلك إلا في حضرة أبي بكر من الخارج - الذي يبدو أنه خرج لبعض شأنه - فاغتاظ منه نعيمان وقال له لأغيظنك.
وفي سفرهم ذاك مروا بقوم من العرب فاختلى بهم نعيمان وقال لهم: أتشترون مني عبد، قالو:نعم وفرحوا كثيراً بذلك، لأنه - على ما يبدو - من النادر أن يجدوا عرضاً كهذا والعرب، كانوا يحتاجون لمن يسترقونهم لخدمتهم، فأشار نعيمان للقوم على صاحبه سليط وقال لهم: إن هذا عبدي وله كلام، فسوف يقول لكم لست عبداً وأنني ابن عمه، فإذا كنتم ستصدقونه فلا داعي لهذه الصفقة ولا تفسدوا على عبدين، قالوا: ل... بل نشتريه ولا نكترث لقوله، فدفعوا إليه عشرة من الإبل لحرصهم على شراء العبد المزعوم ثم جاءوا معه ليستلموا الصفقة فامتنع سليط منهم وقال للقوم إنه يستهزئ بي فلم يصدقوه وقالوا له: لقد أخبرنا خبرك وأخذوه بالقوة ووضعوا فوق عنقه عمامة كعادة زي العبيد.
ولما حضر أبو بكر (رضي الله عنه) وأخبروه بالخبر لحق بالقوم وأكد لهم أن صاحبه يمزح ورد عليهم إبلهم قال ابن عبد البر: فلما قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقصوا عليه قصة نعيمان وبيعه لسليط ضحك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأصحابه حولا كاملا، أي أنهم كان يتملكهم الضحك كلما تذكروا القصة لحول بأكمله.
تقول بعض الروايات أن اسم ذلك الصحابي الذي باعه نعيمان - مزاحا - هو سويبط وليس سليطا.
ولقي نعيمان أبا سفيان بن الحارث فقال يا عدو الله أنت الذي تهجو سيد الأنصار نعيمان بن عمرو؟ فاعتذر له فلما ولى قيل لأبى سفيان إن نعيمان هو الذي قال لك ذلك فعجب منه.
الوفاة:
وقد بقى النعيمان حتى توفي في خلافة معاوية رضي الله عنهم جميعا.(2)

المصادر:
1- الإصابة ج 5 ط.دار الفكر
2- ابن سعد في الطبقات 3 / 494

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:28 PM
الزبير بن العوام


اسمه وشرف منزلته

هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي، أبو عبد الله حواريّ رسول الله، وهو ابن عمة رسول اللهصفية بنت عبد المطلب، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى بعد مقتل عُمر.

ولد الزبير بن العوامسنة 28 قبل الهجرة، وقد أسلم بمكة قديمًا على يد الصِّدِّيق، وكان عمره حينئذٍ 15 سنة، وعذّبه قومه لإسلامه، فقد كان عم الزبير يعلقه في حصير، ويدخن عليه بالنار ليرجع إلى الكفر، فيقول: لا أكفر أبدًا.

هجرته

كان من المهاجرين بدينهم إلى الحبشة، تزوج أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، وهاجرا إلى المدينة، فولدت له أول مولود للمسلمين في المدينة عبد الله بن الزبير، ثم مصعب.

قلة روايته للحديث

كانحريصًا على ملازمة رسول الله، إلا أنه لم يروِ الكثير من الأحاديث؛ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ: مَا لِي لاَ أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِكَمَا أَسْمَعُ ابْنَ مَسْعُودٍ وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا؟! قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ".

من مناقبه

1- كان أول من سلَّ سيفًا في سبيل الله؛ فعن عروة وابن المسيب قالا: أول رجل سلَّ سيفه في الله الزبير، وذلك أن الشيطان نفخ نفخة، فقال: أُخذ رسول الله. فأقبل الزبيريشق الناس بسيفه، والنبيبأعلى مكة.

2- حواري رسول الله؛ فعَنْ جَابِر بن عبد اللهقَالَ: قَالَ النَّبِيُّيَوْمَ الأَحْزَابِ: "مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟" قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا. ثُمَّ قَالَ: "مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟" قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ".

3- نزلت بسيماه الملائكة؛ فعن عروة بن الزبير -رضي الله عنهما- قال: كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء، فنزل جبريل على سيماء الزبير.

4- في "يوم قريظة" جمع له رسول اللهبين أبويه؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما- عَنِ الزُّبَيْرِقَالَ: جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِأَبَوَيْهِ يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: "بِأَبِي وَأُمِّي".

في غزوة بدر

كان الزبيرأحد مغاوير الإسلام وأبطاله في يوم الفرقان، وكان على الميمنة، وقد قتل الزبير في هذا اليوم العظيم عبيدة بن سعيد بن العاص، كما قتل السائب بن أبي السائب بن عابد، ونوفل بن خويلد بن أسد عمه.

من أخلاقه

كان وقافا عند أوامر رسول الله

عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّفِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ. فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِلِلزُّبَيْرِ: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ". فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ. فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ". فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65].

متوكلا على الله

كان توكله على الله منطلق جوده وشجاعته وفدائيته، وحين كان يجود بروحه أوصى ولده عبد اللهبقضاء ديونه قائلاً: "إذا أعجزك دين، فاستعن بمولاي". فسأله عبد الله: "أي مولى تعني؟" فأجابه: "الله، نعم المولى ونعم النصير". يقول عبد اللهفيما بعد: فوالله ما وقعت في كربةٍ من دَيْنِهِ إلا قلت: يا مولى الزبير، اقضِ دينه. فيقضيه.

ومما روى عن رسول الله

عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لاَ حَالِقَةُ الشَّعَرِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ".

موقعة الجمل

بعد استشهاد عثمان بن عفانأتمَّ المبايعة الزبير وطلحة لعليٍّ، وخرجوا إلى مكة معتمرين، ومن هناك خرجوا إلى البصرة للأخذ بثأر عثمان، وكانت وقعة الجمل عام 36هـ؛ طلحة والزبير -رضي الله عنهما- في فريق، وعليٌّفي الفريق الآخر. وانهمرت دموع عليعندما رأى أم المؤمنين عائشة في هودجها بأرض المعركة، وصاح بطلحة: "يا طلحة، أجئت بعرس رسول اللهتقاتل بها، وخبأت عرسك في البيت؟" ثم قال للزبير: "يا زبير، نشدتك الله، أتذكر يوم مر بك رسول اللهونحن بمكان كذا، فقال لك: (يا زبير، ألا تحب عليًّا؟) فقلت: ألا أحب ابن خالي، وابن عمي، ومن هو على ديني؟ فقال لك: (يا زبير، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم). فقال الزبير: نعم أذكر الآن، وكنت قد نسيته، والله لا أقاتلك".

وأقلع طلحة والزبير -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب، ولكن دفعا حياتهما ثمنًا لانسحابهما، ولقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا؛ فالزبيرتعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرًا وهو يصلي، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهمٍ أودى بحياته.

موقف استشهاده

لما كان الزبيربوادي السباع نزل يصلي فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله، وسارع قاتل الزبير إلى عليٍّ يبشره بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذي استلبه بين يديه، لكن عليًّاصاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن، وأمر بطرده قائلاً: "بشِّرْ قاتلَ ابن صفية بالنار". وحين أدخلوا عليه سيف الزبيرقبَّله الإمام علي، وأمعن في البكاء وهو يقول: "سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله".

وبعد أن انتهى عليمن دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلاً: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47]. ثم نظر إلى قبريهما وقال: سمعت أذناي هاتان رسول اللهيقول: "طلحة والزبير جاراي في الجنة".

وقد قُتل الزبير بن العوامفي جمادى الأولى سنة ست وثلاثين من الهجرة، وله ست أو سبع وستون سنة.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:29 PM
السائب بن الأقرع


مقدمة

http://ar.islamstory.net/images/stories/al-saeb_al-akra3.jpg هو السائب بن الأقرع بن عوف بن جابر بن سفيان بن سالم بن مالك الثقفي.(1)
كان السائب بن الأقرع صغيرا عندما رأي الرسول ( صلي الله عليه وسلم ) فلذلك لم يدرك الجاهلية.
وقد تمتع بصفات عذبه وخلال كريمة منها:
1- الأمانة فكان مسئولا عن الغنائم في فتح نهاوند مع حذيفة بن اليمان.
2- الشجاعة والإقدام فقد اشترك مع النعمان بن مقرن في فتح نهاوند.
من مواقفه مع الرسول

دخلت أمه مليكة تبيع العطر مع النبي( صلى الله عليه وسلم) فقال لها: " يا مليكة ألك حاجة " قالت: نعم قال: " فكلميني فيها أقضها لك ". فقالت: لا والله إلا أن تدعو لابني وهو معها وهو غلام فأتاه فمسح برأسه ودعا له.(2) وبذلك نال السائب شرف وضع يد النبي ( صلي الله عليه وسلم ) علي رأسه.
من مواقفه مع الصحابة:
له موقف مع مسروق عندما تزوج ابنته فقد حدثنا أبو إسحاق أن مسروقا زوج ابنته للسائب بن الأقرع على عشرة آلاف اشترطها لنفسه وقال جهز امرأتك من عندك قال وجعلها مسروق في المجاهدين والمساكين والمكاتبين.(3)
وله موقف آخر مع عمر بن الخطاب " بعث عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) السائب بن الأقرع مولى ثقيف وكان رجلا كاتبا حاسبا فقال الحق بهذا الجيش فكن فيهم فإن فتح الله عليهم فاقسم على المسلمين فيئهم وخذ خمس الله وخمس رسوله وإن هذا الجيش أصيب فاذهب في سواد الأرض فبطن الأرض خير من ظهرها.
قال السائب فلما فتح الله على المسلمين نهاوند أصابوا غنائم عظاما فوالله إني لأقسم بين الناس إذ جاءني علج من أهلها فقال أتؤمنني على نفسي وأهلي وأهل بيتي على أن أدلك على كنوز النخيرجان وهي كنوز آل كسرى تكون لك ولصاحبك لا يشركك فيها أحد قال قلت نعم قال فابعث معي من أدله عليها فبعثت معه فأتى بسفطين عظيمين ليس فيهما إلا اللؤلؤ والزبرجد والياقوت فلما فرغت من قسمي بين الناس احتملتهما معي ثم قدمت على عمر بن الخطاب فقال ما وراءك يا سائب فقلت خير يا أمير المؤمنين فتح الله عليك بأعظم الفتح واستشهد النعمان بن مقرن رحمه الله فقال عمر إنا لله وإنا إليه راجعون قال ثم بكى فنشج حتى إني لأنظر إلى فروع منكبيه من فوق كتده قال فلما رأيت ما لقي قلت والله يا أمير المؤمنين ما أصيب بعده من رجل يعرف وجهه فقال المستضعفون من المسلمين لكن أكرمهم بالشهادة يعرف وجوههم وأنسابهم وما يصنعون بمعرفة عمر بن أم عمر ثم قام ليدخل فقلت إن معي مالا عظيما قد جئت به ثم أخبرته خبر السفطين قال أدخلهما بيت المال حتى ننظر في شأنهما والحق بجندك قال فأدخلتهما بيت المال وخرجت سريعا إلى الكوفة قال وبات تلك الليلة التي خرجت فيها فلما أصبح بعث في أثري رسولا فوالله ما أدركني حتى دخلت الكوفة فأنخت بعيري وأناخ بعيره على عرقوبي بعيري فقال الحق بأمير المؤمنين فقد بعثني في طلبك فلم أقدر عليك إلا الآن قال قلت ويلك ماذا ولماذا قال لا أدري والله قال فركبت معه حتى قدمت عليه فلما رآني قال مالي ولابن أم السائب بل ما لابن أم السائب ومالي قال قلت وما ذاك يا أمير المؤمنين قال ويحك والله ما هو إلا أن نمت في الليلة التي خرجت فيها فباتت ملائكة ربي تسحبني إلى ذينك السفطين يشتعلان نارا يقولون لنكوينك بهما فأقول إني سأقسمهما بين المسلمين فخذهما عني لا أبا لك والحق بهما فبعتهما في أعطية المسلمين وأرزاقهم قال فخرجت بهما حتى وضعتهما في مسجد الكوفة وغشيني التجار فابتاعهما مني عمرو بن حريث المخزومي بألفي ألف ثم خرج بهما إلى أرض الأعاجم فباعهما بأربعة آلاف ألف فما زال أكثر أهل الكوفة مالا بعد".(4)

الوفاة

قال ابن منده ولي أصبهان ومات بها وعقبه بها منهم مصعب بن الفضيل بن السائب.(5)
والظاهر أنه مات بعيد مقتل عثمان إذ لم يرد له ذكر فى حروب الفتنة الكبرى بين على بن أبى طالب ومعاوية ولو كان عاش بعد عثمان طويلا لما تخلى عنه على بن أبى طالب.
المصادر:
1- الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 3 - صفحة 16 ]
2- أسد الغابة [ جزء 1 - صفحة 1415 ]
3- الطبقات الكبرى [ جزء 6 - صفحة 82 ]
4- تاريخ الطبري [ جزء 2 - صفحة 519 ]
5- الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 3 - صفحة 17

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:30 PM
معوذ ابن عفراء

هو معوذ ابن عفراء وهي أمه وهو معوذ بن الحارث بن رفاعة ابن الحارث، وهو من الستة النفر الذين أسلموا أول من أسلم من الأنصار بمكة وشهد العقبتين. (1)
من مواقفه مع الصحابة:
قال عبد الرحمن بن عوف ( رضي الله عنه ) إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فاذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن فكأني لم آمن بمكانهما إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه يا عم أرني أبا جهل فقلت يا ابن أخي ما تصنع به قال عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه وقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله قال فما سرني أنني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما اليه فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا عفراء.(2)
الوفاة:
قتل معوذ بن عفراء عدو الله أبا جهل بن هشام يوم بدر ثم قاتل حتى قتل يومئذ ببدر شهيدا قتله أبو مسافع.(3)
ونال ( رضي الله عنه ) الشهادة في سبيل الله.
المصادر:
1- الطبقات الكبرى [ جزء 3 - صفحة 492 ]
2- البداية والنهاية [ جزء 3 - صفحة 288 ]
5- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 452 ]

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:31 PM
عرفجة بن هرثمة البارقي


هو عرفجة بن هرثمة بن عبد العزى بن زهير بن ثعلبة بن عمرو- أخي بارق، واسم بارق: سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو مزيقيا.
أحد أمراء الفتوح، وقد تقدم أنهم كانوا لا يؤمرون إلا الصحابة. ـ وقد ذكره هشام بن الكلبي بهذا النسب، وجعله من بني عمرو وأخي بارق، وقال: عداده في بارق.
هو الذي جند الموصل، وواليها، وله فيها أخبار.وهو الذي أمد به عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان لما ولاه أرض البصرى وكتب إليه: إني قد أمددتك بعرفجة بن هرثمة وهو ذو مجاهدة ومكايدة للعدو، فإذا قدم عليك فاستشره.
وأخبر أبو غسان ربيع بن سلمة، عن أبو عبيدة قال: الذي جند الموصل عثمان بن عفان، وأسكنها أربعة آلاف من الأزد وطيئ وكندة وعبد القيس، وأمر عرفجة بن هرثمة البارقي فقطع بهم من فارس إلى الموصل، وكان قد بعثه عثمان يغير على أهل فارس.
بعض مواقف من حياته:

أخبر محمد بن إسحاق قال: لما انتهت إلى عمر مصيبة أهل الجسر قدم عليه جرير بن عبد الله من اليمن في ركب من بجيلة وعرفجة بن هرثمة وكان عرفجة يومئذ سيد بجيلة وكان حليفا لهم من الأزد فكلمهم وقال: قد علمتم ما كان من المصيبة في إخوانكم بالعراق فسيروا إليهم وأنا أخرج إليكم من كان منكم في قبائل العرب وأجمعهم إليكم قالو: نفعل يا أمير المؤمن فأخرج إليهم قيس كبة وسحمة وعرينة من بني عامر بن صعصعة وهذه بطون من بجيلة وأمر عليهم عرفجة بن هرثمة فغضب من ذلك جرير بن عبد الله فقال لبجيلة: كلموا أمير المؤمنين ؛ فقالو: استعملت علينا رجلا ليس منا فأرسل إلى عرفجة فقال: ما يقول هؤلاء قال: صدقوا يا أمير المؤمنين لست منهم ؛ لكني من الأزد ؛ كنا أصبنا في الجاهلية دما في قومنا فلحقنا ببجيلة فبلغنا فيهم من السؤدد ما بلغك فقال عمر: فاثبت على منزلتك ؛ فدافعهم كما يدافعونك. فقال: لست فاعلا ولا سائرا معهم فسار عرفجة إلى البصرة بعد أن نزلت وأمر عمر جريرا على بجيلة فسار بهم مكانه إلى العراق وأقام جرير بالكوفة.
بعث العلاء عرفجة بن هرثمة الى أسياف فارس فقطع في السفن فكان أول من فتح جزيرة بأرض فارس واتخذ فيها مسجدًا وأغار على باريخان والأسياف وذلك في سنة أربع عشرة.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:32 PM
معاذ ابن عفراء

هو معاذ بن الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد الأنصاري المعروف بابن عفراء وهي أمه شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم).(1)
إسلامه:
لما حضر الموسم (موسم الحج) حج نفر من الأنصار منهم معاذ بن عفراء وأسعد بن زُرَارة. وأتاهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأخبرهم خبرهم الذي اصطفاه الله به من نبوته وكرامته وقرأ عليهم القرآن فلما سمعوا قوله أنصتوا واطمأنت أنفسهم إلى دعوته وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب من ذكرهم إياه بصفته وما يدعوهم إليه فصدقوه وآمنوا به وكانوا من أسباب الخير(2) ودخل نور الإيمان إلي قلب معاذ ( رضي الله عنه )، وبدأ يقدم روحه وكل ما يملك في سبيل الله ( عزوجل ).
وآخى رسول الله { صلى الله عليه وسلم} بين معمر بن الحارث ومعاذ بن عفراء.
أهم ملامح شخصيته:
تميز معاذ بن عفراء بالشجاعة وحب التضحية فى سبيل الله.
وله موقف يسجله التاريخ للصحابي الجليل ففي غزوة بدر الكبري، موقف يظهر فيه شجاعة معاذ بن عفراء ( رضي الله عنه ) يقول: سمعت القوم وهم في مثل الحرجة وأبو جهل فيهم وهم يقولون: أبو الحكم يعني أبا جهل لا يخلص إليه. فلما سمعتها جعلته من شأني فقصدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة عظيمة فطنت قدمه بنصف ساقه. وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي. وأجهضني القتال عنه. ولقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي فلما آذتني وضعت قدمي عليها وتمطيت حتى طرحتها.(3)
كذلك تميز معاذ بن عفراء ( رضي الله عنه ) بحبه النبى {صلى الله عليه وسلم} والدليل على ذلك ما يرويه لنا سيدنا عبد الرحمن بن عوف يوم بدر.
فعن عبد الرحمن بن عوف قال إني لواقف في الصف يوم بدر فنظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم فما حاجتك إليه قال أنبئت أنه يسب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سواده سوادي حتى يموت الأعجل منا فغمزني الآخر فقال لي قوله قال فعجبت لذاك قال فلم ألبث أن رأيت أبا جهل في الناس قال فقلت لهما ألا تريان ها ذاك صاحبكما الذي تسألان عنه قال فابتدراه بسيفيهما يغربانه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما بسيفيكما قالا لا قال فنظر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح قال والرجلان معاذ بن الجموح ومعاذ بن عفراء.(4)
وجاء في الروض الأنف أن الذي قتل أبا جهل معاذ ومعوذ ابنا عفراء "وأصح من هذا كله حديث أنس حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يأتيني بخبر أبي جهل الحديث وفيه أن ابني عفراء قتلاه". ومن هنا يكون اشتراك معاذ بن عمرو بن الجموح في قتل أبي جهل بعيد.
من مواقفه مع الصحابة:
كان عمر يأمر بحلل تنسج لأهل بدر يتنوق فيه، فبعث إلى معاذ بن عفراء حلة فقال لى معاذ: يا أفلح بع هذه الحلة، فبعتها له بألف و خمسمائة درهم، ثم قال: اذهب فابتع بها رقاب، فاشتريت له خمس رقاب، ثم قال: والله إن امرأ اختار قشرين - يلبسهما - على خمس رقاب يعتقها لغبين الرأى، اذهبوا فأنتم أحرار فبلغ عمر أنه لا يلبس ما يبعث به إليه فاتخذ له حلة غليظة أنفق عليها مائة درهم، فلا اتاه بها الرسول قال: ما أراه بعثك بها إلى، قال، بلى، فأخذ الحلة فأتى بها عمر فقال: يا أمير المؤمنين بعثت إلى بهذه الحلة؟ قال: نعم، إن كنا لنبعث إليك بالحلة مما نتخذ لك ولإخوانك، فبلغنى أنك لا تلبسه، فقال: يا أمير المؤمنين إنى وإن كنت لا ألبسها فإني أحب أن يـأتى من صالح ما عندك فأعاد إليه حلته.
ومما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن نصر بن عبد الرحمن عن جده معاذ أنه طاف مع معاذ بن عفراء فلم يصل فقلت ألا تصلي فقال إن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال: لا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس ولا بعد الصبح حتى تطلع الشمس.(5)
وفاته:
عاش معاذ بن عفراء إلى زمن عثمان وقال خليفة بن خياط في موضع آخر وقد مات معاذ بن عفراء في خلافة علي بن أبي طالب.(6)

المراجع:
1- الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 6 - صفحة 93 ]
2- مجمع الزوائد [ جزء 6 - صفحة 46 ]
3- أسد الغابة [ جزء 1 - صفحة 1022 ]
4- تهذيب الكمال [ جزء 13 - صفحة 7 ]
5- سنن النسائي [ جزء 1 - صفحة 258 ]
6- تهذيب الكمال [ جزء 28 - صفحة 116 ]

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:33 PM
الضحاك بن قيس


مقدمة

هو الضحاك بن قيس بن خالد بن وهب الفهري، قال الطبري: مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو - أي الضحاك - غلام يافع. واستبعد بعضهم أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بعد فيه فإن أقل ما قيل في سنه عند موت النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ابن ثمان سنين.


من مواقفه مع النبي في حياته

عن جرير بن حازم قال: جلس إلينا شيخ في دكان أيوب فسمع القوم يتحدثون فقال: حدثني مولاي عن رسول الله( صلى الله عليه وسلم) فقلت له: ما اسمه؟ قال: قرة بن دعموص النميري قال: قدمت المدينة فأتيت النبي( صلى الله عليه وسلم) وحوله الناس فجعلت أريد أن أدنو منه فلم أستطع فناديته: يا رسول الله استغفر للغلام النميري قال: " غفر الله لك " قال: وبعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الضحاك بن قيس ساعيا فلما رجع رجع بإبل جلة فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ):
أتيت هلال بن عامر ونمير بن عامر وعامر ربيعة فأخذت حلة أموالهم؟
فقال: يا رسول الله إني سمعتك تذكر الغزو فأحببت أن أتيك بإبل جلة تركبها وتحمل عليها. فقال: " والله الذي تركت أحب إلي من الذي أخذت ارددها وخذ من حواشي أموالهم وصدقاتهم ". قال: فسمعت المسلمين يسمون تلك الإبل المسان المجاهدات.(1)


من مواقفه مع الصحابة

له موقف مع معاوية ( رضي الله عنه ) فعن معاوية بن أبي سفيان أنه قال على المنبر حدثني الضحاك بن قيس وهو عدل أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لا يزال وآل من قريش قال الزبير كان الضحاك بن قيس مع معاوية بدمشق وكان ولاه الكوفة ثم عزله ثم ولاه دمشق وحضرموت معاوية.
ولما مات أخذ الضحاك بن قيس أكفانه وصعد المنبر وخطب الناس وقال: إن أمير المؤمنين معاوية كان حد العرب وعود العرب قطع الله به الفتنة وملكه على العباد وسير جنوده في البر والبحر وكان عبدا من عبيد الله دعاه فأجابه وقد قضى نحبه وهذه أكفانه فنحن مدرجوه ومدخلوه قبره ومخلوه وعمله فيما بينه وبين ربه إن شاء رحمه وإن شاء عذبه.(2) وصلى عليه الضحاك.
وموقف آخر مع مع مروان بن الحكم وابن الزبير.
لما مات معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان اختلف الناس بالشام. فكان أول من خالف من أمراء الأجناد النعمان بن بشير بحمص. دعا إلى ابن الزبير ودعا زفر بن الحارث بقنسرين لابن الزبير ودعا الضحاك بن قيس الفهري بدمشق إلى ابن الزبير سرا لمكان من بها من بني أمية وكلب. وبلغ حسان بن مالك بن بحدل ذلك وهو بفلسطين. وكان هواه في خالد بن يزيد فأمسك وكتب إلى الضحاك بن قيس كتابا يعظم فيه حق بني أمية وبلاءهم عنده ويذم ابن الزبير ويذكر خلافه ومفارقته الجماعة ويدعوا إلى أن يبايع إلى الرجل من بني حرب. وبعث بالكتاب إليه مع ناغضة بن كريب الطابخي وأعطاه نسخة الكتاب وقال: إن قرأ الضحاك كتابي على الناس وإلا فاقرأه أنت وكتب إلى بني أمية يعلمهم ما كتب به إلى الضحاك وما أمر به ناغضة ويأمرهم أن يحضروا ذلك. فلم يقرأ الضحاك كتاب حسان فكان في ذلك اختلاف وكلام فسكتهم خالد بن يزيد ونزل الضحاك فدخل الدار. فمكثوا أياما ثم خرج الضحاك ذات " يوم " فصلى بالناس صلاة الصبح ثم ذكر يزيد بن معاوية فشتمه فقام إليه رجل من كلب فضربه بعصا واقتتل الناس بالسيوف ودخل الضحاك دار الإمارة فلم يخرج وافترق الناس ثلاث فرق: فرقة زبيرية وفرقة بحدلية - هواهم لبني حرب - والباقون لا يبالون لمن كان الأمر من بني أمية. وأرادوا الوليد بن عتبة بن أبي سفيان على البيعة له. فأبى وهلك تلك الليالي. فأرسل الضحاك بن قيس إلى بني أمية فأتاه مروان بن الحكم وعمرو بن سعيد وخالد وعبد الله ابنا يزيد بن معاوية فاعتذر إليهم وذكر حسن بلائهم عنده وأنه لم يرد شيئا يكرهونه وقال: اكتبوا إلى حسان بن مالك بن بحدل حتى ينزل الجابية ثم نسير إليه فنستخلف رجلا منكم فكتبوا إلى حسان فنزل الجابية وخرج الضحاك بن قيس وبنوا أمية يريدون الجابية. فلما استقلت الرايات موجهة قال معن بن ثور السلمي ومن معه من قيس دعوتنا إلى بيعة رجل أحزم الناس رأيا وفضلا وبأسا. فلما أجبناك خرجت إلى هذا الأعرابي من كلب تبايع لابن أخته ! قال: فتقولون ماذا؟ قالوا: نصرف الرايات وننزل فنظهر البيعة لابن الزبير ففعل. وبايعه الناس. وبلغ ابن الزبير فكتب إلى الضحاك بعهده على الشام وأخرج من كان بمكة من بني أمية. وكتب إلى من بالمدينة بإخراج من بها من بني أمية إلى الشام. وكتب الضحاك إلى أمراء الأجناد ممن دعا إلى ابن الزبير
لما رأى ذلك مروان خرج يريد ابن الزبير ليبايع له ويأخذ منه أمانا لبني أمية وخرج معه عمرو بن سعيد فلقيهم عبيد الله بن زياد بأذرعات مقبلا من العراق فأخبروه بما أرادوا فقال لمروان: سبحان الله أرضيت لنفسك بهذا؟ تبايع لأبي خبيب وأنت سيد قريش وشيخ بني عبد مناف؟؟ والله لأنت أولى بها منه. فقال له مروان: فما الرأي؟ قال: الرأي أن ترجع وتدعو إلى نفسك وأنا أكفيك قريشا ومواليها فلا يخالفك منهم أحد. فرجع مروان وعمرو بن سعيد وقدم عبيد الله بن زياد دمشق فنزل بباب الفراديس فكان يركب إلى الضحاك كل يوم فيسلم عليه ثم يرجع إلى منزله. فعرض له يوما في مسيره رجل فطعنه بحربة في ظهره وعليه الدرع فأثبت الحربة فرجع عبيد الله إلى منزله. وأمام ولم يركب إلى الضحاك. فأتاه الضحاك إلى منزله فاعتذر إليه. وأتاه بالرجل الذي طعنه فعفا عنه عبيد الله وقبل من الضحاك وعاد عبيد الله يركب إلى الضحاك في كل يوم فقال له يوما: يا أبا أنيس العجب لك - وأنت شيخ قريش - تدعو لابن الزبير وتدع نفسك وأنت أرضى عند الناس منه لأنك لم تزل متمسكا بالطاعة والجماعة وابن الزبير مشاق مفارق مخالف. فادع إلى نفسك فدعا إلى نفسه ثلاثة أيام. فقالوا له: أخذت بيعتنا وعهودنا لرجل ثم دعوتنا إلى خلعه من غير حدث أحدثه والبيعة لك ! وامتنعوا عليه. فلما رأى ذلك الضحاك عاد إلى الدعاء إلى ابن الزبير فأفسده ذلك عند الناس وغير قلوبهم عليه فقال له عبيد الله بن زياد: من أراد ما تريد لم ينزل المدائن والحصون يتبرز ويجمع إليه الخيل فاخرج عن دمشق واضمم إليك الإجناد. وكان ذلك من عبيد الله بن زياد مكيدة له فخرج الضحاك فنزل المرج وبقي عبيد الله بدمشق ومروان وبنوا أمية بتدمر وخالد وعبد الله ابنا يزيد بن معاوية بالجابية عند حسان بن مالك بن بحدل. فكتب عبيد الله إلى مروان أن ادع الناس إلى بيعتك ثم سر إلى الضحاك. فقد أصحر لك. فدعا مروان بني أمية فبايعوه وتزوج أم خالد بن يزيد بن معاوية وهي ابنة أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة واجتمع الناس على بيعة مروان فبايعوه. وخرج عبيد الله حتى نزل المرج وكتب إلى مروان فأقبل في خمسة آلاف وأقبل عبيد الله بن زياد من حوارين في ألفين من مواليه وغيرهم من كلب ويزيد بن أبي النمس بدمشق قد أخرج عامل الضحاك منها. وأمد مروان بسلاح ورجال. وكتب الضحاك إلى أمراء الأجناد فقدم عليه زفر بن الحارث الكلابي من قنسرين وأمده النعمان بن بشير الأنصاري بشرحبيل بن ذي الكلاع في أهل حمص فتوافوا عند الضحاك بالمرج. فكان الضحاك في ثلاثين ألفا ومروان في ثلاثة عشر ألفا أكثرهم رجالة. ولم يكن في عسكر مروان غير ثمانين عتيقا: أربعون منها لعباد بن زياد وأربعون لسائر الناس. فأقاموا بالمرج عشرين يوما يلتقون في كل يوم ويقتتلون. فقال عبيد الله بن زياد يوما لمروان: إنك على حق وابن الزبير ومن دعا إليه على باطل وهم أكثر منك عددا وعدة ومع الضحاك فرسان قيس فأنت لا تنال منهم ما تريد إلا بمكيدة فكدهم فقد أحل الله ذلك لأهل الحق. والحرب خدعة فادعهم إلى الموادعة ووضع الحرب حتى تنظر. فإذا أمنوا وكفوا عن القتال فكر عليهم. فأرسل مروان إلى الضحاك يدعوه إلى الموادعة ووضع الحرب حتى ينظر فأصبح الضحاك والقيسية فأمسكوا عن القتال وهم يطمعون أن مروان يبايع لابن الزبير وقد اعد مروان اصحابه. فلم يشعر الضحاك وأصحابه إلا بالخيل قد شدت عليهم ففزع الناس إلى راياتهم وقد غشوهم وهم على غير عدة فنادى الناس: يا أبا أنيس أعجزا بعد كيس فقال الضحاك: نعم أنا أبو أنيس عجز لعمري بعد كيس فاقتتلوا ولزم الناس راياتهم وصبروا وصبر الضحاك فترجل مروان وقال: قبح الله من يوليهم اليوم ظهره حتى يكون الأمر لإحدى الطائفتين فقتل الضحاك بن قيس - قتله رجل من كلب يقال له زحمة بن عبيد الله - وصبرت قيس عند راياتها يقاتلون عندها. فنظر رجل من بني عقيل إلى ما تلقى قيس عند راياتها من القتل فقال: اللهم العنها من رايات واعترضها بسفيه فجعل يقطعها فإذا سقطت الراية تفرق أهلها. ثم انهزم الناس فنادى منادي مروان: لا تتبعوا موليا. فأمسك عنهم.(3)


من مواقفه مع التابعين

عن عامر الشعبي قال: لما قاتل مروان الضحاك بن قيس أرسل إلى أيمن بن خريم الأسدي فقال: إنا نحب أن نقاتل معنا فقال: إن أبي وعمي شهدا بدرا فعهدا إلي أن لا أقاتل أحدا يشهد أن لا إله إلا الله فإن جئتني ببراءة من النار قاتلت معك فقال: اذهب ووقع فيه وسبه فأنشأ أيمن يقول:
ولست مقاتلا رجلا يصلي... على سلطان آخر من قريش
له سلطانه وعلي إثمي... معاذ الله من جهل وطيش
أقاتل مسلما في غير شيء... فليس بنافعي ما عشت عيشي.(4)
بعض الأحاديث التي نقلها عن النبي
جاء في كنز العمال للمتقي الهندي عن الضحاك بن قيس قال: كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية تخفض الجواري فقال لها رسول الله( صلى الله عليه وسلم): يا أم عطية إذا خفضت ( خفضت: الخفض للنساء كالختان للرجال. فلا تنهكي فإنه أحظى للزوج وأسرى للزوج
وأورد ابن كثير في البداية والنهاية "عن على بن زيد عن الحسن أن الضحاك بن قيس كتب إلى الهيثم حين مات يزيد بن معاوية السلام عليك أما بعد فأنى سمعت رسول الله ص يقول إن بين يدى الساعة فتنا كقطع الليل المظلم فتنا كقطع الدخان يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه يصبح الرجل مؤمنا ويسمى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام أخلاقهم ودينهم بعرض من الدنيا قليل"
وعن الضحاك بن قيس الفهري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إذا أتى الرجل القوم فقالوا: مرحبا فمرحبا به يوم يلقى ربه. وإذا أتى الرجل القوم فقالوا: قحطا فقحطا له يوم القيامة.(5)
وجاء في كنز العمال "أخلصوا أعمالكم لله فإن الله لا يقبل إلا ما خلص له.
( قط ) عن الضحاك بن قيس"
"لا يزال على الناس وال من قريش" (6)


وفاته رضي الله عنه

خدعة عبيد الله بن زياد فقال أنت شيخ قريش وتبايع لغيرك، فدعا إلى نفسه، فقاتله مروان ثم دعا إلى ابن الزبير، فقاتله مروان فقُتل الضحاك بمرج راهط سنة أربع وستين، وقال الطبري: كانت الوقعة في نصف ذي الحجة سنة أربع وستين، وبه جزم ابن منده وذكر ابن زيد في وفياته من طريق يحيى بن بكير عن الليث أن وقعة مرج راهط كانت بعد عيد الأضحى بليلتين.(7)
المصادر.
1- مجمع الزوائد [ جزء 3 - صفحة 233 ]
2- الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 3 - صفحة 479 ]
3- مختصر تاريخ دمشق [ جزء 1 - صفحة 1523 ]
4- مجمع الزوائد [ جزء 7 - صفحة 579 ]
5-كنز العمال [ جزء 12 - صفحة 55 ]
6- مجمع الزوائد [ جزء 10 - صفحة 480 ]
7- الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 3 - صفحة 479 ]

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:34 PM
العرباض بن سارية السلمي


هو العِرْبَاضُ بن سارية السلمي من أعيان أهل الصفة، سكن حمص. وهو أحد البكائين الذين نزل فيهم قول الله عز وجل: "وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْه... "
بعض المواقف من حياته مع النبي صلى الله عليه وسلم:
يروي موسى بن سعد عن عرباض بن سارية قال: كنت ألزم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر، فرأينا ليلة ونحن بتبوك وذهبنا لحاجة فرجعنا إلى منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تعشى ومن عنده من أضيافه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يدخل في قبة ومعه زوجه أم سلمة، فلما طلعت عليه قال: أين كنت منذ الليلة؟ فأخبرته، فطلع جعال بن سراقة وعبد الله بن مغفل المزني فكنا ثلاثة كلنا جائع، نعيش بباب النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فطلب شيئاً نأكله فلم يجده، فخرج إلينا فنادى بلالاً: يا بلال! هل من عشاء لهؤلاء النفر؟ قال: لا: والذي بعثك بالحق لقد نفضنا جربنا وحميتنا! قال: انظر عسى أن تجد شيئاً، فأخذ الجرب ينفضها جراباً جراباً فتقع التمرة والتمرتان حتى رأيت بين يديه سبع تمرات ثم دعا بصحفة فوضع فيها التمر، ثم وضع يده على التمرات وسمى الله وقال:" كلوا بسم الله"، فأكلنا، فأحصيت أربعة وخمسين تمرة أكلتها، أعدها ونواها في يدي الأخرى، وصاحباي يصنعان ما أصنع وشبعنا، وأكل كل واحد منهما خمسين تمرة، ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هي! فقال:" يا بلال! ارفعها في جرابك فإنه لا يأكل منها أحد إلا نهل شبعاً"؛ فبتنا حول قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يتهجد من الليل فقام تلك الليلة يصلي، فلما طلع الفجر رجع ركعتي الفجر، فأذن بلال وأقام، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، ثم انصرف إلى فناء قبة، فجلس وجلسنا حوله فقراء من المؤمنين عشرة، فقال:" هل لكم في الغداء؟" قال عرباض: فجعلت أقول في نفسي أي غداء؟ فدعا بلالاً بالتمرات فوضع يده عليهن في الصحفة ثم قال:" كلوا بسم الله"، فأكلنا والذي بعثه بالحق حتى شبعنا وإنا لعشرة ثم رفعوا أيديهم منها شبعاً وإذا التمرات كما هي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لولا أني أستحي من ربي لأكلنا من هذه التمرات حتى نرد المدينة من آخرنا"، فطلع غليم من أهل البلد فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم التمرات بيده، فدفعها إليه، فولى الغلام يلوكهن.
بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
روت أم حبيبة بنت العرباض ابن سارية عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم كل ذي ناب من السبع وعن كل ذي مخلب من الطير وعن لحوم الحمر الأهلية وعن المجثمة وعن الخليسة وأن توطأ الحبالى حتى يضعن ما في بطونهن..
وعن جبير بن نفير عن العرباض بن سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الصف الأول ثلاثا وعلى الثاني واحدة.
ـ وروى أبو رهم عن العرباض بن سارية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو إلى السحور في شهر رمضان وقال هلموا إلى الغداء المبارك..
ـ وعن العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم إلى ربنا في الذين يتوفون من الطاعون فيقول الشهداء إخواننا قتلوا كما قتلنا ويقول المتوفون على فرشهم إخواننا ماتوا على فرشهم كما متنا فيقول ربنا انظروا إلى جراحهم فإن أشبه جراحهم جراح المقتولين فإنهم منهم ومعهم فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم..
ـ وفي الترمذي: من حديث عرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن..
أثره في الآخرين دعوته وتعليمه:
روى أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحجر بن حجر، قالا: أتينا العرباض بن سارية. وهو ممن نزل فيه: وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ فسلمنا، وقلن: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين. فقال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقيل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبْدًا حبشيًّ. فإنه من يعِشْ منكم بعدي، فسَيَرى اختلافًا كثير. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور ; فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ويروى عن أبي الفيض أنه قال: سمعت عمر أبا حفص الحمصي قال: أعطى معاوية المقدام حمارا من المغنم فقال له العرباض بن سارية: ما كان لك أن تأخذه وما كان له أن يعطيك كأني بك في النار تحمله على عنقك فرده.
بعض كلماته:
كان العرباض بن سارية، يحب أن يُقْبَضَ، فكان يدعو: اللهم كبرت سني، ووهن عظمي، فاقبضني إليك.
وفاته:
قال محمد بن عوف: كان قديم الإسلام جدا، وقال خليفة: مات في فتنة ابن الزبير، وقال أبو مسهر: مات بعد ذلك سنة خمس وسبعين.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:36 PM
الطفيل بن عمرو بن طريف

مقدمة

هو الطفيل بن عمرو بن طريف الدوسي، قال البغوي: أحسبه سكن الشام..
حاله في الجاهلية:
كان سيدًا لقبيلة دوس في الجاهلية وشريف من أشراف العرب المرموقين وواحدًا من أصحاب المروءات المعدودين، لا تنزل له قدر عن نار، ولا يوصد له باب أمام طارق، يطعم الجائع ويؤمن الخائف وويجير المستجير، وهو إلى ذلك أديب أريب لبيب وشاعر مرهف الحس رقيق الشعور، بصير بحلو البيان ومره حيث تفعل فيه الكلمة فعل الساحر.


قصة إسلامه:

عن محمد بن إسحاق قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرى من قومه يبذله لهم النصيحة ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه وجعلت قريش حين منعه الله منهم يحذرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب، وكان طفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها فمشى إليه رجال من قريش وكان الطفيل رجلاً شريفاً فقالوا له أبا الطفيل، إنك قدمت بلادنا فهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، فرق جماعتنا، وإما قوله كالسحرة يفرق بين المرء وبين أبيه وبين الرجل وأخيه وبين الرجل وزوجته وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه ولا تسمع منه، قال: فو الله ما زالوا بي حتى أجمعت على أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه حتى حشوت أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفاً من أن يبلغني من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه.
قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة قال فقمت قريباً منه فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله: قال: فسمعت كلاماً حسناً. قال فقلت في نفسي واثكل أمي إني لرجل لبيب شاعر ما يخفي على الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته، فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا لي فوالله ما برحوا يخوفنني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه فسمعت قولاً حسناً فاعرض علي أمرك فعرض علي الإسلام وتلا علي القرآن فوالله ما سمعت قولاً قط أحسن ولا أمراً أعدل منه، وقال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق...
وكان إسلام الطفيل في مكة بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف بعد دعوة ثقيف إلى إسلامه ورفضهم الإيمان برسالته. وكان ذلك في السنة العاشرة من بعثه النبي صلى الله عليه وسلم. وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة قومه إلى الإسلام، فقال يا رسول الله اجعل لي آية تكون لي عوناً، فدعا له رسول الله صلى لله عليه وسلم فجعل الله في وجهه نوراً فقال: يا رسول الله إني أخاف أن يجعلوها مثله، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار النور في سوطه وكان يضئ في الليلة المظلمة ولذا يُسمى ذو النور...
وقد ذُكر أيضًا أن الطفيل لما قدم مكة ذكر له ناس من قريش أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يختبر حاله فأتاه فأنشده من شعره، فتلا النبي صلى الله عليه وسلم الإخلاص والمعوذتين فأسلم في الحال وعاد إلى قومه...
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمه الرفق في الدعوة:
روى البخاري بسنده عن أبي هريرة قال قدم الطفيل بن عمرو الدوسي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن دوساً قد عصت، فادع الله عليهم فقال: "اللهم اهد دوساً"...
وقال لي أخرج إلى قومك فادعهم وارفق بهم، فخرجت أدعوهم حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
ومضت بدراً وأحد والخندق ثم قدمت بمن أسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر حتى نزلنا المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس، ولحقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لنا مع الناس وقلنا يا رسول الله اجعلنا في ميمنتك واجعل شعارنا مبروراً، ففعل.


من مواقفه:

روى مسلم بسنده عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هل لك في حصن حصين ومنعة قال حصن كان لدوس في الجاهلية فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه فقال له ما صنع بك ربك فقال غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال ما لي أراك مغطيا يديك قال قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر
وذكر ابن إسحاق أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسل الطُّفَيْل بن عمرو ليُحْرِق صَنَم عمرو بن حثمة الذي كان يقال له ذُو الْكَفِينِ, فأحرقه.
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً التي كانت في شهر شوال من السنة الثامنة الهجرية، وأراد المسير إلى الطائف، بعث الطفيل إلى ذي الكفين، صنم عمرو بن حممة، يهدمه وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف فقال الطفيل : يا رسول الله أوصني قال: "افش السلام، وابذل الطعام، واستحي من الله كما يستحي الرجل ذو الهيئة من أهله، إذا "أسأت فأحسن، إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين"
أثره في الأخرين "دعوته ـ تعليمه":
دعوة الطفيل لأبيه وزوجته وإسلامهما:
بعد أن أسلم رضي الله عنه وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو قومه ذهب إليهم يقول رضي الله عنه: فلما نزلتُ أتاني أبي وكان شيخاً كبيراً. قال فقلت: إليك عني يا أبت فلست مني ولست منك، قال: ولِمَ يا بني، قال: قلت أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم قال أبي ديني دينك، فاغتسل وطهر ثيابه ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فاسلم، قال: ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عني فلست منك ولست مني قالت: لِمَ بأبي أنت وأمي؟ قال: قلت: فرق بيني وبينك الإسلام، فأسلمت، ودعوت دوساً إلى الإسلام فأبطأوا عليّ.
وخرج الطفيل إلى قومه فلم يزل بأرض دوس يدعوهم إلى الله حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
ومضى يوم بدر وأحد والخندق، والطفيل بأرض قومه يدعوهم إلى الإسلام حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم من قومه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بغزوة خيبر، حتى نزل المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس، ثم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لهم مع المسلمين فقد قدم أبو هريرة والطفيل وأصحابهما الدوسيون فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يشركهم في الغنيمة ففعلوا وهكذا هدى الله من هدى إلى الإسلام من دوس على يد الطفيل، وعلى يد جندب بن عمرو بن حممة الدوسي، وكان جندب هذا يقول في الجاهلية "إن للخلق خالقاً وولكن لا أدري من هو" فلما سمع بخبر النبي صلى الله عليه وسلم خرج ومعه خمسة وسبعون رجلاً من قومه فأسلم فأسلموا..
راوية الإسلام أبو هريرة يسلم علي يد الطفيل:
كان ممن أتى بهم الطفيل ضمن هؤلاء السبعين عائلة الذين أتى بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه
فكل ما جاء من الخير العظيم على يدِ أبي هريرة رضي الله عنه، يُكتب في ميزان حسنات الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه وأرضاه...
وتخيل كل الأحاديث التي نقلها أبو هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من سبعة آلاف حديث، وبعض الأقاويل أنها أكثر من عشرة آلاف حديث نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم...


بعض كلماته:

قال الطفيل بن عمرو يخاطب قريشاً وكان قد هددوه لما أسلم:
ألا أبلغ لديك بني لؤي دليل هدى موضح كل رشد
أن اللـه جلله بهـاد وأعلى جـده على كل جد
أن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي الكفين صنم عرو بن حممة فأحرقه بالنار وهو يقول:
يا ذا الكفين لست من عبادكا إني حشوت النار في فؤدكا ميلادنا أكبر من ميلادكا


وفاته:

عاد الطفيل مع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة الطائف إلى المدينة المنورة فكان مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة حتى قبض...
فلما ارتدت العرب خرج المسلمون المسلمون لقتالهم، فجاهد رضي الله عنه حتى فرغوا من طليحة الأسدي وأرض نجد كلها.
ثم بعثه أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى مسيلمة الكذاب، يقول رضي الله عنه: خرجت ومعي ابني مع المسلمين - عمرو بن الطفيل - حتى إذا كنا ببعض الطريق رأيت رؤيا فقلت لأصحابي إني رأيت رؤيا عبروها قالوا : وما رأيت قلت : رأيت رأسي حلق وأنه خرج من فمي طائر وأن امرأة لقيتني وأدخلتني في فرجها وكان ابني يطلبني طلبا حثيثا فحيل بيني وبينه . قالوا : خيرا فقال : أما أنا والله فقد أولتها . أما حلق رأسي فقطعه وأما الطائر فروحي وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تحفر لي وأدفن فيها فقد رجوت أن أقتل شهيدا وأما طلب ابني إياي فلا راه إلا سيغدو في طلب الشهادة ولا أراه يلحق بسفرنا هذا . فقتل الطفيل شهيدا يوم اليمامة وجرح ابنه ثم قتل باليرموك بعد ذلك في زمن عمر بن الخطاب شهيدا
قال ابن حجر في الفتح:
وَذَكَرَ مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ اِبْن شِهَاب أَنَّ الطُّفَيْل بْن عَمْرو اُسْتُشْهِدَ بَأَجْنَادِينَ فِي خِلَافَة أَبِي بَكْر , وَكَذَا قَالَ أَبُو الْأَسْوَد عَنْ عُرْوَة , وَجَزَمَ اِبْن سَعْد بِأَنَّهُ اُسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَة...
من مراجع البحث:
الإصابة في تمييز الصحابة.......... ابن حجر العسقلاني
صفة الصفوة .................... ابن الجوزي
الاستيعاب....................... ابن عبد البر

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:36 PM
أبو دجانة


مقدمة

هو سماك بن خرشة بن الخزرج أسلم مبكراً مع قومه الأنصار، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عتبة بن غزوان، وشهد معركة بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم...


أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته

عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : عرض رسول الله صلى الله عليه و سلم سيفا يوم أحد فقال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقمت فقلت : أنا رسول الله فأعرض عني ثم قال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقلت : أنا يا رسول الله فأعرض عني ثم قال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقام أبو دجانة سماك بن خرشة فقال : آنا آخذه يا رسول الله بحقه فما حقه؟ قال: أن لا تقتل به مسلما و لا تفرّ به عن كافر قال : فدفعه إليه وكان إذا كان أراد القتال أعلم بعصابة...
فلما أخذ أبو دجانة السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك فعصبها برأسه فجعل يتبختر بين الصفين - قال ابن إسحاق: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى أبا دجانة يتبختر: "إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن" -
قال: قلت: لأنظرن إليه اليوم كيف يصنع قال : فجعل لا يرتفع له شيء إلا هتكه و أفراه حتى انتهى إلى نسوة في سفح الجبل معهن دفوف لهن فيهن إمرأة تقول:
( نحن بنات طارق نمشي على النمارق )
( إن تقبلوا نعانق و نبسط النمارق )
( أو تدبروا نفارق فراق غير وامق )
قال فأهوى بالسيف إلى امرأة ليضربها ثم كف عنها فلما انكشف له القتال قلت له كل عملك قد رأيت ما خلا رفعك السيف على المرأة لم تضربها قالا إني و الله أكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أقتل به امرأة.


من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة

عن قتادة بن النعمان قال : كنت نصب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أقي وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهي وكان أبو دجانة سماك بن خرشة موقيا لظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره حتى امتلأ ظهره سهاما وكان ذلك يوم أحد...
من مواقفه مع الصحابة رضي الله عنهم
قال زيد بن أسلم: دُخل على أبي دجانة وهو مريض - وكان وجهه يتهلل - فقيل له: ما لوجهك يتهلل فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين : كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني أما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما
ما قيل عنه:
عن ابن عباس قال : دخل عليٌّ بسيفه على فاطمة رضي الله عنهما و هي تغسل الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: خذيه فلقد أحسنت به القتال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن كنت قد أحسنت القتال اليوم فلقد أحسن سهل بن حنيف وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وأبو دجانة.


وفاته

شهد - رضي الله عنه - اليمامة ويقال إنه كان ممن اقتحم على بني حنيفة يومئذ الحديقة فانكسرت رجله فلم يزل يقاتل حتى قتل يومئذ وقد قتل مسيلمة وحشي بن حرب رماه وحشي بالحربة وعلاه أبو دجانة بالسيف قال وحشي: فربك أعلم أيُّنا قتله.
توفي أبو دجانة رضي عنه وأرضاه سنة 12 هـ= 633 م.
المراجع
أسد الغابة.................... ابن الأثير
البداية والنهاية................ ابن كثير
المستدرك.................... الحاكم النيسابوري
<

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:37 PM
العباس بن عبادة


هو العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري المهاجري الخزرجي .
إسلامه
كان ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة وشهد معه العقبتين وقيل بل كان في النفر الستة الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأسلموا قبل سائر الأنصار.
أثر الرسول في تربيته:
ويتضح ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين قال العباس بن عبادة بن نضلة: والذي بعثك بالحق لئن شئت ( لنميلن ) غدا على أهل منى بأسيافنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم...
من ملامح شخصيته
فهمه للإسلام ووضوح رؤيته
قال العباس بن عبادة بن نضلة الانصاري أخو بني سالم بن عوف يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟
قالوا: نعم
قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس فإن كنتم ترون أنكم إذا أنهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الاموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة
قال عاصم: فوالله ما قال العباس هذه المقالة إلا ليشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بها العقد...
وقال عبد الله بن أبي بكر: ما قالها إلا ليؤخر بها أمر القوم تلك الليلة ليشهد عبد الله بن أبي أمرهم فيكون أقوى لهم...
قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا قال: "الجنة" قالوا: ابسط يدك فبسط يده فبايعوه.....
مواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم
قال العباس بن عبادة بن نضلة: والذي بعثك بالحق لئن شئت ( لنميلن ) غدا على أهل منى بأسيافنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم...
خرج العباس بن عبادة بن نضلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة وقام معه حتى هاجر إلى المدينة فكان أنصاريا مهاجريا
وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عثمان بن مظعون رضي الله عنهما
وفاته
لم يشهد بدرًا، وقتل يوم أحد شهيدًا ( 3 هـ )....
من مراجع البحث
الإصابة في تمييز الصحابة........... ابن حجر العسقلاني
الوافي في الوفيات.................. الصفدي
البداية والنهاية..................... ابن كثير
أسد الغابة في معرفة الصحابة....... ابن الأثير

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:38 PM
قتادة بن النعمان

هو قتادة بن النعمان بن زيد الأنصاري الأوسي ثم الظفري يكنى أبا عمرو وقيل: أبو عمر، وقيل: أبو عبد الله. وهو أخو أبي سعيد الخدري لأمه...
وهو الظفري الأنصاري وظفر هو كعب بن الخزرج.....
ولد قبل الهجرة باثنين وأربعين سنة، حيث أنه توفي سنة ثلاث وعشرين من الهجرة وهو ابن خمس وستين سنة، ومعنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعثَ وعُمر قتادة تسع وعشرين سنة.
عمره عند الإسلام:
لم يعرف تحديدا عمره عندما أسلم، والواضح أنه أسلم مبكر، فقد شهد بدر، وغيرها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم...
أهم ملامح شخصيته:
الثبات: { دفاعه المستميت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد }
الفروسية: وكان الرماة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المذكور منهم: سعد بن أبي وقاص.... وقتادة بن النعمان..
السبق: كان رضي الله عنه دائما من السباقين إلى الخيرات، فهو أحد السبعين المؤسسين للدولة الإسلامية في مهده، ومن ثم يطلق عليه "عقبي" أي ممن شهد العقبة. و شهد قتادة بن النعمان العقبة مع السبعين من الأنصار....المستدرك جزء 3 - صفحة 334 وكانت أمه أنيسة بنت قيس النجارية - رضي الله عنها- ممن بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من أصحاب الليل:
روى الإمام أحمد بسنده عن أبي سعيد الخدري قال بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله قل هو الله أحد فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي عليه السلام " والذي نفسي بيده لتعدل نصف القرآن أو ثلثه "
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن الهيثم بن عدي عن أبيه قال أصيبت عين قتادة بن النعمان يوم أحد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهي في يده فقال ما هذا يا قتادة قال هذا ما ترى يا رسول الله قال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت رددتها ودعوت الله لك فلم تفتقد منها شيئا فقال والله يا رسول الله إن الجنة لجزاء جزيل وعطاء جليل ولكني رجل مبتلى بحب النساء وأخاف أن يقلن أعور فلا يردنني ولكن تردها لي وتسأل الله لي الجنة فقال أفعل يا قتادة ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فأعادها إلى موضعها فكانت أحسن عينيه إلى أن مات ودعا الله له بالجنة......
ودخل ابنه على عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: من أنت يا فتى؟ فقال:
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه * فردت بكف المصطفى أحسن الرد
فعادت كما كانت لأحسن حالها * فياحسن ما عين ويا طيب ما يد
فقال عمر: بمثل هذا فليتوسل إلينا المتوسلون ثم قال:
تلك المكارم لا قعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وأعطى - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - قتادة بن النعمان وصلى معه العشاء الأخيرة في ليلة مظلمة مطيرة عرجونا فقال انطلق فإنه سيضىء لك من بين يديك عشرا ومن خلفك عشرا فإذا دخلت بيتك فسترى سوادا فاضربه حتى يخرج فإنه الشيطان فانطلق فأضاء له العرجون حتى دخل بيته ووجد السواد فضربه حتى خرج.....
وفي مسند الإمام أحمد عن محمد بن إبراهيم أن قتادة بن النعمان الظفري وقع بقريش فكأنه نال منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا قتادة لا تسبن قريشا فلعلك أن ترى منهم رجالا تزدري عملك مع أعمالهم وفعلك مع أفعالهم وتغبطهم إذا رأيتهم لولا أن تطغى قريش لأخبرتهم بالذي لهم عند الله عز وجل " .
عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر وكان بشير رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينحله لبعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذاو وقال فلان كذا وكذا فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالو: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الرجل الخبيث أو كما قال الرجل وقالوا ابن الأبيرق: قالها قالو: وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير فقدمت ضافطة - والضافِطةُ والضَّفّاطةُ العِير تحملُ المَتاع - من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فجعله في مشربة له وفي المشربة سلاح ودرع وسيف فعدي عليه من تحت البيت فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي إنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لن: قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم قال: وكان بنو أبيرق قالوا ـ ونحن نسأل في الدار: والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلا منا له صلاح وإسلام فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال: أنا أسرق؟! والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة قالو: إليك عنا أيها الرجل فما أنت بصاحبها فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له قال قتادة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سآمر في ذلك فلما سمع بذلك بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له أسير بن عمرو فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار فقالو: يارسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال قتادة: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته فقال: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثبت قال: فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الله المستعان فلم نلبث أن نزل القرآن { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما } يعني بني أبيرق { واستغفر الله } أي مما قلت لقتادة { إن الله كان غفورا رحيما }
وشهد قتادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها وكانت معه يوم الفتح راية بني ظفر...
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
كرم وورع:
عن عمر بن قتادة بن النعمان قال: لما احمر الرطب انطلق قتادة فصنع لحائطه مفتاحا - وكان له قبل ذلك مفتاح - فجاء به إلى أخيه المهاجري فقال له: إن الرطب مفتاح وهذا المفتاح لك ومعي مفتاح. قال: وكان قتادة إذا خرج اتبعته بنية له فإذا فتح الباب لاذت منه حتى تدخل فتجمع فإذا رآها نهاها نهيا كأنها ليست منه ثم انطلق إلى المهاجري فقال له: إن بنية لي ربما دخلت فجمعت أتحلل لنا ذلك؟ قال المهاجري: نعم...
أثره في الآخرين:
هو من الدعاة إلى الله تعالى فهو " أول من دخل المدينة بسورة من القرآن وهي سورة مريم ".
وممن روى عنه - رضي الله عنه -
1- جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام وهو من الصحابة.
2- سعد بن مالك بن سنان وهو من الصحابة.
3- عبد الرحمن بن أبي سعيد وهو من الطبقة الوسطى من التابعين.
4- عمر بن قتادة بن النعمان ( ابنه ) وهو من الطبقة الوسطى من التابعين.
5- محمود بن لبيد بن عقبة وهو من الصحابة - رضي الله عنهم جميع.
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
روى الترمذي بسنده عن قتادة بن النعمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء".
وروى ابن ماجة بسنده عن عن أبي سعيد الخدري عن قتادة بن النعمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة بعده.
الوفاة:
مات قتادة بن النعمان سنة ثلاث وعشرين وهو يومئذ بن خمس وستين سنة وصلى عليه عمر بن الخطاب رحمه الله بالمدينة ونزل في قبره أخوه لأمه أبو سعيد الخدري ومحمد بن مسلمة والحارث بن خزمة، ودفن بالمدينة حيث توفي رضي الله عنه.
المراجع:
أسد الغابة - الثقات - المستدرك - الإصابة - صفة الصفوة...

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:39 PM
العباس بن عبد المطلب


اسمه وشرف مكانته

هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم عم رسول الله، ويكنى أبا الفضل، ولد في مكة قبل مولد الرسولبعامين أو ثلاثة. وأمه نتيلة بنت جناب بن كليب، وهي أول من كسا الكعبة الحرير والديباج، وذلك أن العباسضاع وهو صغير، فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت، فوجدته ففعلت. له أحد عشر أخًا، وست أخوات. وقد وُلد للعباس عشرة من الذكور ما عدا الإناث.

حاله في الجاهلية

كانت السقاية لبني هاشم، وكان أبو طالب يتولاها، فلما اشتد الفقر بأبي طالب، أسند السقاية إلى أخيه العباس، وكان من أكثر قريش مالاً، فقام بها، وعليه كانت عمارة المسجد. وكان نديمه في الجاهلية أبا سفيان بن حرب.

مواقفه قبل إعلان إسلامه

شهد مع رسول اللهبيعة العقبة الثانية، وأُخرج إلى بدر مكرهًا مثل غيره من بني هاشم، فأسر وشد وثاقه، وسهر النبيتلك الليلة ولم ينم، فقالوا: ما يسهرك يا نبي الله؟ قال: "أسهر لأنين العباس". فقام رجل من القوم فأرخى وثاقه، ثم أمر الرسولأن يفعل ذلك بالأسرى كلهم. وفدى العباس نفسه وابني أخيه عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفه عتبة بن عمرو، وكان أكثر الأُسارى يوم بدر فداءً، لأنه كان رجلاً موسرًا، فافتدى نفسه بمائة أوقية من ذهب.

قصة إسلامه

لم يعلن العباسإسلامه إلا عام الفتح، مما جعل بعض المؤرخين يعدونه ممن تأخر إسلامهم، بيد أن روايات أخرى من التاريخ توحي أنه كان من المسلمين الأوائل، ولكن كتم إسلامه؛ يقول أبو رافع خادم الرسول: "كنت غلامًا للعباس بن عبد المطلب، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس، وأسلمت أمُّ الفضل، وأَسْلَمْتُ، وكان العباس يكتم إسلامه".

فكان العباسإذن مسلمًا قبل غزوة بدر، وكان مقامه بمكة بعد هجرة الرسولوصحبه خُطَّة أدت غايتها على خير نسق، وكانت قريش دومًا تشك في نوايا العباس، ولكنها لم تجد عليه سبيلاً، كما ذُكِرَ أن الرسولقد أمر العباسبالبقاء في مكة.

بيعة العقبة

وفي بيعة العقبة الثانية عندما قدم مكة في موسم الحج وفد الأنصار، ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان؛ ليعطوا الله ورسوله بيعتهم، وليتفقوا مع الرسولعلى الهجرة إلى المدينة، أنهى الرسولنبأ هذا الوفد إلى عمه العباس، فقد كان يثق بعمه في رأيه كله، فلما اجتمعوا كان العباسأول المتحدثين فقال: "يا معشر الخزرج، إن محمدًا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أَبَى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلِّموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده".

وكان الرسوليذكُر بالمدينة ليلة العقبة فيقول: "أيِّدتُ تلك الليلة بعمّي العبّاس، وكان يأخذ على القومِ ويُعطيهم".

أهم ملامح شخصيته

كان العباسجوّادًا مفرط الجود، وصولاً للرحم والأهل، فطنًا إلى حدّ الدهاء، وبفطنته هذه التي تعززها مكانته الرفيعة في قريش، استطاع أن يدرأ عن الرسولحين يجهر بدعوته الكثير من الأذى والسوء.

بعض المواقف من حياته مع الرسول

لم تكن قريش تُخفي شكوكها في نوايا العباس؛ ولذا فقد وجدت في غزوة بدر فرصة لاختبار حقيقة العباس، فدخل العباسالغزوة مكرهًا، ويلتقي الجمعان في غزوة بدر، وينادي الرسولفي أصحابه قائلاً: "إن رجالاً من بني هاشم ومن غير بني هاشم قد أخرجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدهم فلا يقتله، من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنما أخرج مستكرهًا". وقد أسر العباسفيمن أسر يوم بدر، وكان أسره على يد أبي اليسر كعب بن عمرو، وقد طلب منه الرسولأن يفدي نفسه وذويه، فرفض العباسقائلاً: "إني كنت مسلمًا قبل ذلك، وإنما استكرهوني". قال: "الله أعلم بشأنك، إن يكُ ما تدعى حقًّا فالله يجزيك بذلك، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فَافْدِ نفسك". وبعثت له أم الفضل من مكة بالفدية، فأطلق الرسولسراحه.

ويجيء يوم حنين ليؤكد فدائية العباس، فقد كان صوت العباسيومئذٍ وثباته من ألمع مظاهر السكينة والاستبسال، فبينما كان المسلمون مجتمعين في أحد أودية "تهامة" ينتظرون مجيء عدوهم، كان المشركون قد سبقوهم إلى الوادي وكمنوا لهم في شعابه شاحذين أسلحتهم، وعلى حين غفلة انقضوا على المسلمين في مفاجأة مذهلة جعلتهم يهرعون بعيدًا، وكان حول النبي ساعتئذٍ أبو بكر، وعمر، وعليّ، والعباس وبعض الصحابةولم يكن العباسبجواره فقط، بل كان بين قدميه آخذًا بخطام بغلته، يتحدى الموت والخطر، وأمره الرسولأن يصرخ في الناس، وكان جسيمًا جهوري الصوت، فراح ينادي: "يا معشر الأنصار، يا أصحاب البيعة". فردوا "لبيك لبيك"، وانقلبوا راجعين جميعًا بعد أن شتتهم هجوم المشركين المفاجئ، وقاتلوا وثبتوا، فنصرهم الله.

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

لما كان عام الرمادة، وهو عام الجدب سنة ثماني عشرة، استسقى عمر بن الخطاببالعباسقائلاً: "اللهم إنا كنا نستسقيك بنبيِّنا إذا قحطنا، وهذا عمه بين أظهرنا ونحن نستسقيك به" فلم ينصرف حتى أطبق السحاب، وسقوا بعد ثلاثة أيام.

ودخل عليه عثمان بن عفان، وكان العباسخال أمه أروى بنت كريز فقال: يا خال، أوصني. فقال: "أوصيك بسلامة القلب، وترك مصانعة الرجال في الحق، وحفظ اللسان، فإنك متى تفعل ذلك تُرضي ربك، وتصلح لك رعيتك".

أثره في الآخرين

يقول العباس لعبد الله بن العباس -رضي الله عنهما- ناصحًا: "يا بني، إن الله قد بلغك شرف الدنيا فاطلب شرف الآخرة، واملك هواك، واحرز لسانك إلا مما لك".

بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى

عن عامر بن سعد، عن العباس بن عبد المطلب، أنه سمع رسول اللهيقول: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً".

بعض كلماته

قال العباس بن عبد المطلبلابنه عبد الله بن عباسحين اختصه عمر بن الخطابوقرّبه: "يا بُنيّ، لا تكذبه فيطرحك، ولا تغتب عنده أحدًا فيمقتك، ولا تقولن له شيئًا حتى يسألك، ولا تفشين له سرًّا فيزدريك".

وقيل للعباس: أنت أكبر أم رسول الله؟ فقال: "هو أكبر مني وأنا ولدتُ قبله".

الوفاة

كانت وفاتهفي يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من رجب سنة اثنتين وثلاثين، وصلى عليه عثمان، ودُفن بالبقيع

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:41 PM
عبد الله بن أبي بكر

هو عبد الله بن أبي بكر الصديق التيمي القرشي. صحابي من المسلمين الأوائل. وهو شقيق أسماء بنت أبي بكر..
دوره في الهجرة:
قال ابن إسحاق: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثا ومعه أبو بكر وجعلت قريش فيه حين فقدوه مائة ناقة لمن يرده عليهم. وكان عبد الله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم يسمع ما يأتمرون به وما يقولون في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر.
وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنه يرعى في عيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبح، فإذا عبد الله بن أبي بكر غدا من عندهما إلى مكة، اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفي عليه حتى إذا مضت الثلاث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيريهما وبعير له وأتتهما أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بسفرتهم، ونسيت أن تجعل لها عصاما فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس لها عصام فتحل نطاقها فتجعله عصام، ثم علقتها به..
بعض كلماته:
كان عبد الله قد تزوج عاتكة، وكان بها معجبا، فشغلته عن أموره، فقال له أبوه طلقها، فطلقها، ثم ندم فقال:
أعاتك لا أنساك ما ذر شارق وما لاح نجم في السماء محلق
لها خلق جزل ورأي ومنصب وخلق سوي في الحياة ومصدق
ولم أر مثلي طلق اليوم مثلها ولا مثلها في غير شيء تطلق
فلما سمعه أبو بكر رقَّ له فأمره بمراجعتها، فراجعها، ومات وهي عنده، ولها مرثية.
الوفاة:
فإن ذكر أصحاب المغازي أنه رمى بسهم في حصار الطائف، فجرح، ثم اندمل ثم انتقض، فمات في خلافة أبيه في شوال سنة إحدى عشرة، وروى الحاكم بسند له عن القاسم بن محمد، أن أبا بكر قال لعائشة أتخافون أن تكونوا دفنتم عبد الله بن أبي بكر، وهو حي؟ فاسترجعت فقال: أستعيذ بالله، ثم قدم وفد ثقيف، فسألهم أبو بكر هل فيكم من يعرف هذا السهم؟ فقال سعيد بن عبيد: أنا بريته ورشته، وأنا رميت به، فقال: الحمد لله أكرم الله عبد الله بيدك، ولم يهنك بيده، قال: ومات بعد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بأربعين ليلة، وفيهم الهيثم بن عدي وهو واه، قالوا: لما مات نزل حفرته عمر وطلحة وعبد الرحمن بن أبي بكر وكان يعد من شهداء الطائف.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:42 PM
أبو المطرف سليمان بن صرد


النسب والقبيلة

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15118_image002.jpgسليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون أبو المطرف الخزاعي، يقال كان اسمه يسار، فغيره النبي[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).
وكان اسمه في الجاهلية يسارًا، فسماه رسول اللهسليمان، وكانت له سن عالية وشرف في قومه.

أهم ملامح شخصيته

اتصف سليمان بن صرد بكثير من الصفات الحميدة، والتي جعلت له مكانة بين الصحابة (رضوان الله عليهم)
1-الشجاعة وظهرت في حضوره صفين مع علي بن أبي طالب ويوم خرج ليطالب بدم الحسين بن علي.
2-كثرة الشك والوقوف وهذا سبب ندمه على ما كان من خذلانه للحسين.
فقد كتب إلى الحسين بن علي أن يقدم الكوفة فلما قدمها أمسك عنه ولم يقاتل معه كان كثير الشك والوقوف فلما قتل الحسين ندم هو والمسيب بن نجية الفزاري وجميع من خذل الحسين ولم يقاتل معه[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).
وخرج سليمان بن صرد في نحو أربعة آلاف مقاتل في عام 65هـ وذلك بعد مقتل الحسين بأربعة سنوات، حتي يكفروا عن تخاذلهم عن الحسين بن علي في معركة كربلاء والتقوا مع جيش الأمويين في معركة عين الوردة وكانوا في نحو أربعة آلاف مقاتل، واستطاع الجيش الأموي هزيمتهم، ومات سليمان بن صرد.
3- ومن صفاته الرائعة كذلك أنه كان نبيلا عابدا زاهدا[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

من مواقفة مع الصحابة

كان من أنصار علي بن أبي طالب؛ فعن سليمان بن صرد قال: أتيت عليًّا حين فرغ من الجمل، فلما رآني قال: يا ابن صرد، تنأنأت وتزحزحت وتربصت، كيف ترى الله صنع؟ قلت: يا أمير المؤمنين، إن الشوط بطين، وقد أبقى الله من الأمور ما تعرف فيها عدوك من صديقك. فلما قام، قلت للحسن بن علي: ما أراك أغنيت عني شيئًا، وقد كنت حريصًا أن أشهد معه. فقال: هذا يقول لك ما تقول، وقد قال لي يوم الجمل حين مشى الناس بعضهم إلى بعض: يا حسن، ثكلتك أمك أو هبلتك أمك، والله ما أرى بعد هذا من خير[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

من الأحاديث التي رواها عن رسول الله

عن سليمان بن صرد قال: "كنت جالسًا مع النبيورجلان يستبان فأحدهما احمرَّ وجهه وانتفخت أوداجه، فقال النبي: "إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد". فقالوا له: إن النبيقال تعوذ بالله من الشيطان. فقال: وهل بي جنون؟

وفي سنن الترمذي قال سليمان بن صرد لخالد بن عرطفة (أو خالد لسليمان): أما سمعت رسول اللهيقول: "من قتله بطنه لم يعذب في قبره؟" فقال أحدهما لصاحبه: نعم.

وعن سليمان بن صرد: أن أعرابيًّا صلى مع النبيومعه قرن فأخذها بعض القوم، فلما سلم النبيقال الأعرابي: فأين القرن؟ فكأن بعض القوم ضحك، فقال النبي: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يروعن مسلمًا"[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).

وعن سليمان بن صرد قال: قال النبي: "استاكوا وتنظفوا وأوتروا؛ فإن الله وتر يحب الوتر".

وجاء في تفسير القرطبي قال سليمان بن صرد -وهو ممن أدرك النبي-: لما أرادوا إلقاء إبراهيم في النار جعلوا يجمعون له الحطب، فجعلت المرأة العجوز تحمل على ظهرها وتقول: أذهب به إلى هذا الذي يذكر آلهتنا. فلما ذُهب به ليطرح في النار وقال: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [الصافات: 99]، فلما طرح في النار قال: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال الله تعالى: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا} [الأنبياء: 69]. فقال أبو لوط -وكان ابن عمه-: إن النار لم تحرقه من أجل قرابته مني. فأرسل الله عنقًا من النار، فأحرقه.

الوفاة

كان ممن كاتب الحسين ثم تخلف عنه، ثم قدم هو والمسيب بن نجبة في آخرين فخرجوا في الطلب بدمه وهم أربعة آلاف، فالتقاهم عبيد الله بن زياد بعين الوردة بعسكر مروان، فقُتل سليمان ومن معه، وذلك في سنة خمس وستين في شهر ربيع الآخر، وكان لسليمان يوم قتل ثلاث وتسعون سنة، وكان الذي قتل سليمان يزيد بن الحصين بن نمير، رماه بسهم فمات، وحمل رأسه ورأس المسيب إلى مروان[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 3/172.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) ابن سعد: الطبقات الكبرى 4/292.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) ابن كثير: البداية والنهاية 8/280.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) نعيم بن حماد: الفتن 1/89.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) الطبراني: المعجم الكبير 7/99.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 3/172.

سعود بن عبدالله
05-08-2010, 11:42 PM
الفضل بن العباس بن عبد المطلب

النسب والقبيلة

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15095_image002.jpgالفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، يكنى أبا عبد الله، وقيل: بل يكنى أبا محمد. أمه أم الفضل لبابة الصغرى بنت الحارث، أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي. وهو ابن عم رسول الله، وهو أكبر ولد العباس بن عبد المطلب، وبه كان العباس يكنى[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

بعض المواقف من حياته مع الرسول

قيل: إن الفضل بن العباس غسل إبراهيم -يعني ابن النبي- ونزل في قبره مع أسامة ابن زيد[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

وكان ممن ثبت مع رسول اللهفي غزوة حنين؛ إذ أقبل رسول اللهوأصحابه وانحط بهم الوادي في عماية الصبح، فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم، فانكفأ الناس منهزمين، وركبت الإبل بعضها بعضًا، فلما رأى رسول اللهأمر الناس ومعه رهط من أهل بيته ورهط من المهاجرين والعباس آخذ بحكمة البغلة البيضاء وقد شجرها. وثبت معه من أهل بيته: علي بن أبي طالب، وأبو سفيان بن الحارث، والفضل بن العباس، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وغيرهم. وثبت معه من المهاجرين: أبو بكر وعمر. فثبتوا حتى عاد الناس[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

وفي سنن الدارمي "...وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَكَانَ رَجُلاً حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ النَّبِيُّمَرَّ بِالظُّعُنِ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَأَخَذَ النَّبِيُّيَدَهُ فَوَضَعَهَا عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ رَأْسَهُ مِنْ الشِّقِّ الآخَرِ، فَوَضَعَ النَّبِيُّيَدَهُ مِنْ الشِّقِّ الآخَرِ"[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

وروى الإمام أحمد بسنده عن علي بن أبي طالب، أن النبيوقف بعرفة وهو مردف أسامة بن زيد فقال: "هذا الموقف وكل عرفة موقف...". وفي آخر الحديث "...ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ مِنْ خَثْعَمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَقَدْ أَفْنَدَ، وَأَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللهِ فِي الْحَجِّ، وَلا يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا، فَيُجْزِئُ عَنْهُ أَنْ أُؤَدِّيَهَا عَنْهُ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ: "نَعَمْ". وَجَعَلَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْهَا". قال العباس: يا رسول الله، إني رأيتك تصرف وجه ابن أخيك. قال: "إني رأيت غلامًا شابًّا وجارية شابة، فخشيت عليهما الشيطان"[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).

وقد غزا مع رسول اللهحنينًا، وشهد معه حجة الوداع، وشهد غسله، وهو الذي كان يصب الماء على عليٍّ يومئذ[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6). وكان فيمن غسّل رسول الله، وولي دفنه[7] (http://vb.g111g.com/#_ftn7).

أثره في الآخرين

من تلاميذهوالذين رووا عنه أحاديث النبي:
1- ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.
2- رفيع بن مهران.
3- سليمان بن يسار.
4- عامر بن واثلة.
5- عباس بن عبيد الله بن عباس القرشي الهاشمي.
6- أبو هريرة (عبد الرحمن بن صخر).
7- عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي.
8- عكرمة مولى ابن عباس.
9- كريب بن أبي مسلم مولى ابن عباس.

بعض الأحاديث التي نقلها عن رسول الله

روى البخاري بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبيأردف الفضل، فأخبر الفضل أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة[8] (http://vb.g111g.com/#_ftn8).

وروى مسلم بسنده عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس وكان رديف رسول اللهأنه قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا "عليكم بالسكينة" وهو كافٌّ ناقته حتى دخل محسرًا وهو من منى، قال: "عليكم بحصى الخذف الذي يُرمى به الجمرة". وقال: لم يزل رسول اللهيلبي حتى رمى الجمرة.

وحدثنيه زهير بن حرب، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير بهذا الإسناد غير أنه لم يذكر في الحديث "ولم يزل رسول اللهيلبي حتى رمى الجمرة"، وزاد في حديثه: والنبييشير بيده كما يخذف الإنسان[9] (http://vb.g111g.com/#_ftn9).

وفي سنن النسائي عن الفضل بن العباس أنه كان رديف النبيفجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إن أمي عجوز كبيرة إن حملتها لم تستمسك، وإن ربطتها خشيت أن أقتلها. فقال رسول الله: "أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيه؟" قال: نعم. قال: "فحج عن أمك"[10] (http://vb.g111g.com/#_ftn10).

وفاته

خرجمجاهدًا إلى الشام، فمات بناحية الأردن في طاعون عمواس سنة 18هـ في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب[11] (http://vb.g111g.com/#_ftn11). لم يترك ولدًا إلا أم كلثوم تزوجها الحسن بن علي -رضي الله عنهما- ثم فارقها، فتزوجها أبو موسى الأشعري[12] (http://vb.g111g.com/#_ftn12).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 5/375، ابن الأثير: أسد الغابة 4/388، ابن عبد البر: الاستيعاب 3/1269.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) ابن الأثير: أسد الغابة 1/64، ابن عبد البر: الاستيعاب 1/59.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) ابن الأثير: أسد الغابة 6/155.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) سنن الدارمي: حديث رقم (1850)، 2/67.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) مسند أحمد: حديث رقم (564)، 2/8، 9.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/1269.

[7] (http://vb.g111g.com/#_ftnref7) ابن سعد: الطبقات الكبرى 7/399.

[8] (http://vb.g111g.com/#_ftnref8) رواه البخاري: باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة والارتداف في السير رقم (1601)، 2/605.

[9] (http://vb.g111g.com/#_ftnref9) رواه مسلم: باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر رقم (3149، 3150)، 4/71.

[10] (http://vb.g111g.com/#_ftnref10) رواه النسائي في سننه، باب حج الرجل عن المرأة رقم (2643، 5394)، 5/119، 8/229، وقال الألباني: شاذ.

[11] (http://vb.g111g.com/#_ftnref11) ابن سعد: الطبقات الكبرى 4/54.

[12] (http://vb.g111g.com/#_ftnref12) ابن الأثير: أسد الغابة 4/388، ابن عبد البر: الاستيعاب 3/1270.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:13 AM
القعقاع بن عمرو التميمي


هو القعقاع بن عمرو التميمي..

وقد ظهرت ملامح شخصيته رضي الله عنه بوضوح شديد في الفتوحات فقد كان رضي الله عنه شجاعاً مقداماً ثابتاً في أرض المعارك وبجوار شجاعته وشدة باسه على أعداء الله كان من شديد الذكاء وذا عبقرية عسكرية في ادارة المعارك ويظهر ذلك في موقعة القادسية .

بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:

للقعقاع مواقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يخاطب من أمامه بما يحب أو مما يؤثر في نفسه ولما كان حديثه مع القعقاع وهو رجل يحب الجهاد يكلمه النبي صلى الله عليه وسلم عن الإعداد للجهاد فيقول سيف عن عمرو بن تمام عن أبيه عن القعقاع بن عمرو قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- : ما أعددت للجهاد؟ قلت: طاعة الله ورسوله والخيل قال: تلك الغاية .

آثره في الأخرين (دعوته ـ تعليمه):

لقد كان للقعقاع أثرأ كبيرأ في نفوس الأخرين ففي اليوم الثاني من معركة القادسية أصبح القوم وفي أثناء ذلك طلعت نواصي الخيل قادمة من الشام وكان في مقدمتها هاشم بن عتبة بن أبي وقاص والقعقاع بن عمرو التميمي، وقسم القعقاع جيشه إلى أعشار وهم ألف فارس ، وانطلق أول عشرة ومعهم القعقاع ، فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية ، وهكذا حتى تكامل وصولهم في المساء ، فألقى بهذا الرعب في قلوب الفرس ، فقد ظنوا أن مائة ألف قد وصلوا من الشام ، فهبطت هممهم ، ونازل القعقاع( بهمن جاذويه ) أول وصوله فقتله ، ، ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن توابيتها قد تكسرت بالأمس فاشتغلوا هذا اليوم بإصلاحها ، وألبس بعض المسلمين إبلهم فهي مجللة مبرقعة ، وأمرهم القعقاع أن يحملوا على خيل الفرس يتشبهون بها بالفيلة ، ففعلوا بهم هذا اليوم ، وبات القعقاع لاينام ، فجعل يسرب أصحابه إلى المكان الذي فارقهم فيه بالأمس ، وقال : إذا طلعت الشمس فأقبلوا مائة مائة ، ففعلوا ذلك في الصباح ، فزاد ذلك في هبوط معنويات الفرس.
وابتدأ القتال في الصباح في هذا اليوم الثالث وسمي يوم عمواس ، والفرس قد أصلحوا التوابيت ، فأقبلت الفيلة يحميها الرجالة فنفرت الخيل ، ورأ ى سعد الفيلة عادت لفعلها يوم أرماث فقال لعاصم بن عمرو والقعقاع : اكفياني الفيل الأبيض ، وقال لحمال والربيل : اكفياني الفيل الأجرب ،فأخذ الأولان رمحين وتقدما نحو الفيل الأبيض فوضعا رمحيهما في عيني الفيل الأبيض ، فنفض رأسه وطرح ساسته ، ودلى مشفره فضربه القعقاع فوقع لجنبه ، وفي هذه الليلة حمل القعقاع وأخوه عاصم والجيش على الفرس بعد صلاة العشاء ، فكان القتال حتى الصباح ، فلم ينم الناس تلك الليلة ، وكان القعقاع محور المعركة. فلما جاءت الظهيرة وأرسل الله ريحاً هوت بسرير رستم ، وعلاه الغبار، ووصل القعقاع إلى السرير فلم يجد رستم الذي هرب.

ما قيل عنه:

ـ لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف رجل " ..أبو بكر..

ـ كتب عمر بن الخطاب الي سعد :( أي فارس أيام القادسية كان أفرس ؟ وأي رجل كان أرجل ؟ وأي راكب كان أثبت ؟)000فكتب إليه :( لم أر فارساً مثل القعقاع بن عمرو ! حمل في يوم ثلاثين حملة ، ويقتل في كل حملة كمِيّاً ..

بعض كلماته:

شهد القعقاع -رضي الله عنه اليرموك ، فقد كان على كُرْدوسٍ من كراديس أهل العراق يوم اليرموك ، وكان للقعقاع في كل موقعة شعر فقد قال يوم اليرموك :000
ألَمْ تَرَنَا على اليرموك فُزنا00000كما فُزنـا بأيـام العـراق
فتحنا قبلها بُصـرى وكانتْ00000محرّمة الجناب لدَى البُعـاق
وعذراءُ المدائـن قد فتحنـا00000ومَرْجَ الصُّفَّرين على العِتَـاقِ
فضضنا جمعَهم لمّا استحالوا00000على الواقوص بالبتـر الرّقاقِ
قتلنا الروم حتـى ما تُساوي00000على اليرموك ثفْروق الوِراقِ ..



الوفاة: توفي بالكوفة.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:14 AM
المثنى بن حارثة


المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم بن سعد بن مرة بن ذهل بن شيبان الربعي الشيباني..حاله في الجاهلية كان المشهور عن المثنى بن حارثة أنه من أشراف قبيلته وشيخ حربها ورجاحة عقله وإدارته المتميزة في المعارك. وفي الجاهلية أغار المثنى بن حارثة الشيباني، وهو ابن أخت عمران ابن مرة، على بني تغلب، وهم عند الفرات، فظفر بهم فقتل من أخذ من مقاتلتهم وغرق منهم ناسٌ كثير في الفرات وأخذ أموالهم وقسمها بين أصحابه. قصة

إسلامه: وفد المثنَى بن حارثة بن ضَمضَم الشّيبانيّ إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- سنة تسع مع وفد قومه، وكان شهماً شجاعاً ميمون النقيبة حسن الرأي..
أهم ملامح شخصيته: ـ حسن إدارته الشديدة للمعارك: كانت أنباء هزيمة الجسر ثقيلة على المسلمين؛ حتى إن عمر بن الخطاب ظل أشهرا طويلة لا يتكلم في شأن العراق؛ نظرا لما أصاب المسلمين هناك، ثم ما لبث أن أعلن النفير العام لقتال الفرس في العراق؛ فتثاقل الناس عليه، وعندما رأى ذلك قرر أن يسير هو بنفسه للقتال والغزو، فأشعل سلوكه ذلك الحماسة في قلوب المسلمين، فقدمت عليه بعض القبائل من الأزد تريد الجهاد في الشام، فرغبهم في الجهاد في العراق، ورغبهم في غنائم كسرى والفرس، وقدمت عليه قبيلة بجيلة، واشترطوا أن يقاتلوا في العراق على أن يأخذوا ربع الغنائم التي يحصلون عليها، فوافق عمر، وبدأت الجموع المجاهدة تتوافد على المثنى، الذي لم يكف عن ترغيب العرب في الجهاد. واكتملت قوات المسلمين تحت قيادة المثنى بن حارثة، في مكان يسمى "البويب" (يقع حاليا قرب مدينة الكوفة)، وكان نهر الفرات بين الجيشين، وكان يقود الفرس "مهران الهمداني" الذي أرسل إلى المثنى يقول له: "إما أن تعبروا إلينا أو أن نعبر إليكم"، فرد عليه المثنى "أن اعبروا أنتم إلينا". وكان ذلك في (14 من رمضان 14هـ = 31 من أكتوبر 1635م). ويرى بعض المؤرخين أنها وقعت في رمضان سنة 13هـ، إلا أن تتبع ما وقع من أحداث في العراق يجعل الرأي الأقرب للصواب هو 14هـ. وقد أمر المثنى المسلمين بالفطر حتى يقووا على القتال، فأفطروا عن آخرهم، ورأى المثنى أن يجعل لكل قبيلة راية تقاتل تحتها؛ حتى يعرف من أين يخترق الفرس صفوف المسلمين، وفي هذا تحفيز للمسلمين للصمود والوقوف في وجه الفرس. وأوصى المثنى المسلمين بالصبر والصمت والجهاد؛ لأن الفرس عندما عبروا إلى المسلمين كانوا يرفعون أصواتهم بالأهازيج والأناشيد الحماسية، فرأى المثنى أن ذلك من الفشل وليس من الشجاعة. وخالط المثنى جيشه مخالطة كبيرة فيما يحبون وفيما يكرهون؛ حتى شعر الجنود أنه واحد منهم، وكانوا يقولون: "لقد أنصفتنا من نفسك في القول والفعل". ونظم المثنى جيشه، وأمرهم ألا يقاتلوا حتى يسمعوا تكبيرته الثالثة، ولكن الفرس لم يمهلوه إلا أن يكبر تكبيرة واحدة حتى أشعلوا القتال، وكان قتالا شديدا عنيفا، تأخر فيه النصر على المسلمين، فتوجه المثنى إلى الله تعالى وهو في قلب المعركة بالدعاء أن ينصر المسلمين، ثم انتخب جماعة من أبطال المسلمين وهجموا بصدق على الفرس فهزموهم، وعندما استشهد "مسعود بن حارثة" وكان من قادة المسلمين وشجعانهم وهو أخو المثنى قال المثنى: "يا معشر المسلمين لا يرعكم أخي؛ فإن مصارع خياركم هكذا"، فنشط المسلمون للقتال، حتى هزم الله الفرس. وقاتل مع المثنى في هذه المعركة أنس بن هلال النمري وكان نصرانيا، قاتل حمية للعرب، وكان صادقا في قتاله، وتمكن أحد المسلمين من قتل "مهران" قائد الفرس، فخارت صفوف الفرس، وولوا هاربين، فلحقهم المثنى على الجسر، وقتل منهم أعدادا ضخمة، قدرها البعض بمائة ألف، ولكن هذا الرقم لا يشير إلى العدد الفعلي، ولكنه كناية عن الكثرة فقط. وقد سميت معركة البويب بـ"يوم الأعشار"؛ لأنه وجد من المسلمين مائة رجل قتل كل منهم عشرة من الفرس، ورأى المسلمون أن البويب كانت أول وأهم معركة فاصلة بين المسلمين والفرس، وأنها لا تقل أهمية عن معركة اليرموك في الشام. ومن روعة المثنى أنه اعترف بخطأ ارتكبه أثناء المعركة رغم أنه حسم نتيجة المعركة، فقال: "عجزت عجزة وقى الله شرها بمسابقتي إياهم إلى الجسر حتى أحرجتهم؛ فلا تعودوا أيها الناس إلى مثلها؛ فإنها كانت زلة فلا ينبغي إحراج من لا يقوى على امتناع." بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم: ذكر قاسم بن ثابت فيما رأيته عنه من حديث عبد الله ابن عباس عن علي بن أبي طالب في خروجهما هو وأبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك قال علي وكان أبو بكر في كل خير مقدماً فقال ممن القوم فقالوا من شيبان بن ثعلبة فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبي أنت وأمي هؤلاء غرر في قومهم وفيهم مفروق بن عمر وهانئ بن قبيصة ومثنى بن حارثة والنعمان بن شريك وكان مفروق بن عمر قد غلبهم جمالاً ولساناً وكانت له غديرتان وكان أدنى القوم مجلساً من أبي بكر رضي الله عنه فقال له أبو بكر رضي الله عنه كيف العدد فيكم فقال مفروق أنا لنزيد على الألف ولن تغلب الألف من قلة فقال أبو بكر كيف المنعة فيكم فقال مفروق علينا الجهد ولكل قوم جد فقال أبو بكر فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم فقال مفروق إنا لأشد ما نكون غضباً لحين نلقى وأنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله يديلنا ويديل علينا أخرى لعلك أخو قريش فقال أبو بكر أوقد بلغكم أنه رسول الله فها هو ذا فقال مفروق قد بلغنا أنه يذكر ذلك فإلام تدعو يا أخا قريش فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله وأن تؤوني وتنصروني فإن قريشاً قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد فقال مفروق وإلام تدعو أيضاً يا أخا قريش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون" فقال مفروق وإلام تدعو أيضاً يا أخا قريش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" فقال مفروق دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك وكأنه أراد أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال هذا هانئ ابن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا فقال هانئ قد سمعنا مقالتك يا أخا قريش وإني أرى أن تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر زلة في الرأي وقلة نظر في العاقبة وإنما تكون الزلة مع العجلة ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقداً ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى بن حارثة فقال وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا فقال المثنى قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب هو جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا واتباعنا دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر وإنا إنما نزلنا بين صريي اليمامة والسمامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذان الصريان فقال أنهار كسرى ومياه العرب فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول وأما ما كان من مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثاً ولا نؤوي محدثاً وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه أنت هو مما يكرهه الملوك فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسأتم في الرد إذ فصحتم في الصدق وإن دين الله لن ينصره إلا من حاط من جميع جوانبه أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نسائهم أتسبحون الله وتقدسونه فقال النعمان بن شريك اللهم لك ذا فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا" ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فقال يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض وبها يتجاوزون فيما بينهم
بعض مواقفه مع الصحابة: ـ عندما أسلم المثنى بن حارثة كان يغِير هو ورجال من قومه على تخوم ممتلكات فارس، فبلغ ذلك الصديق أبا بكر رضي الله عنه، فسأل عن المثنى، فقيل له: "هذا رجل غير خامل الذكر، ولا مجهول النسب، ولا ذليل العماد". ولم يلبث المثنى أن قدم على المدينة المنورة، وقال للصديق: "يا خليفة رسول الله استعملني على من أسلم من قومي أقاتل بهم هذه الأعاجم من أهل فارس"، فكتب له الصديق عهدا، ولم يمضِ وقت طويل حتى أسلم قوم المثنى..أثره في الآخرين ـ وعندما رأى المثنى البطء في الاستجابة للنفير قام خطيبا في الناس فقال ":أيها الناس لا يعظمن عليكم هذا الوجه؛ فإنا قد فتحنا ريف فارس، وغلبناهم على خير شقي السواد، ونلنا منهم، واجترأنا عليهم، ولنا إن شاء الله ما بعده".
بعض كلماته: وقال المرزباني: كان مخضرما وهو الذي يقول: سألوا البقية والرماح تنوشهم شرقي الأسنة والنحور من الدم فتركت في نقع العجاجة منهم; جزرا لساغبة ونسر قشعم
الوفاة: لمّا ولي عمر بن الخطاب الخلافة سيّر أبا عبيد بن مسعود الثقفي في جيش الى المثنى، فاستقبله المثنى واجتمعوا ولقوا الفرس بـ( قس الناطف ) واقتتلوا فاستشهد أبو عبيد، وجُرِحَ المثنى فمات من جراحته قبل القادسية، رضي الله عنهما...
المراجع الإصابة في تمييز الصحابة. عيون الأثر في المغازي والسير. موقع إسلام أون لاين.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:15 AM
المستورد بن شداد


النسب والقبيلة

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15122_image002.jpgالمستورد بن شداد بن عمرو بن حسل بن الأحب بن فهر بن مالك. لما قبض النبيكان غلامًا، قاله الواقدي. وقال غيره: إنه سمع من النبي سماعًا وأتقنه[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1). ولهذا لم يكن له مواقف تذكر مع رسول الله.

بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول

عن المستورد بن شداد قال: سمعت النبييقول: "من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادمًا، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنًا". قال: قال أبو بكر: أخبرت أن النبيقال: "من اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق"[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

وجاء في سنن الترمذي عن المستورد بن شداد قال: كنت مع الركب الذين وقفوا مع رسول اللهعلى السخلة الميتة، فقال رسول الله: "أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها؟" قالوا: من هوانها ألقوها يا رسول الله. قال: "فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها".

وفي مسند الإمام أحمد عن المستورد بن شداد صاحب النبي، قال: "رأيت رسول اللهإذا توضأ خلل أصابع رجليه بخنصره".

وعن المستورد بن شداد أخي بني فهم أخبره قال: قال رسول الله: "من أكل بمسلم أكلة أطعمه الله بها أكلة من نار جهنم يوم القيامة، ومن أقام بمسلم مقام سمعة أقامه الله يوم القيامة مقام سمعة ورياء، ومن اكتسى بمسلم ثوبا كساه الله ثوبًا من النار يوم القيامة"[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

وفي المعجم الكبير "عن المستورد بن شداد عن أبيه قال: "أتيت رسول اللهفأخذت بيده، فإذا هي ألين من الحرير وأبرد من الثلج".

وعن المستورد بن شداد: قال سمعت رسول الله: "يذهب الصالحون الأول فالأول حتى يبقى مثل حثالة التمر لا يبالي الله بها"[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

الوفاة

مات بمصر في ولاية معاوية[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5). وقال ابن حجر في الإصابة: "توفي بالإسكندرية سنة خمس وأربعين"[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن الأثير: أسد الغابة 5/162.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) سنن أبي داود (2947)، 3/95. وقال الألباني: صحيح.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) الحاكم: المستدرك 4/142.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) الطبراني: المعجم الكبير (17474)، 20/302.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) الحاكم: المستدرك 3/683.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6)ابن حجر: الإصابة 6/90.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:16 AM
المغيرة بن شعبة


اسمه ونعته

هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، أبو عبد الله، من كبار الصحابة أولي الشجاعة والمكيدة والدهاء، كان ضخم القامة، عَبْل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين، أصهب الشعر جعده، وكان لا يفرقه.

حاله في الجاهلية ثم إسلامه

روى الواقدي، عن محمد بن يعقوب بن عتبة، عن أبيه، وعن جماعة قالوا: قال المغيرة بن شعبة: كنا متمسكين بديننا ونحن سدنة اللات، فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم. فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس وإهداء هدايا له، فأجمعت الخروج معهم، فاستشرت عمي عروة بن مسعود، فنهاني، وقال: ليس معك من بني أبيك أحد. فأبيت، وسرت معهم، وما معهم من الأحلاف غيري، حتى دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر، فركبت زورقًا حتى حاذيت مجلسه، فأنكرني، وأمر من يسألني، فأخبرته بأمرنا وقدومنا، فأمر أن ننزل في الكنيسة، وأجرى علينا ضيافة، ثم أدخلنا عليه، فنظر إلى رأس بني مالك فأدناه، وأجلسه معه، ثم سأله: أكلكم من بني مالك؟ قال: نعم، سوى رجل واحد. فعرَّفه بي، فكنت أهون القوم عليه، وسُرَّ بهداياهم، وأعطاهم الجوائز، وأعطاني شيئًا لا ذكر له. وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم، ولم يعرض عليَّ أحد منهم مواساة، وخرجوا، وحملوا معهم الخمر، فكنا نشرب، فأجمعت على قتلهم، فتمارضت، وعصبت رأسي، فوضعوا شرابهم، فقلت: رأسي يُصدع ولكني أسقيكم. فلم ينكروا، فجعلت أصرف لهم، وأترع لهم الكأس، فيشربون ولا يدرون، حتى ناموا سكرًا، فوثبت وقتلتهم جميعًا، وأخذت ما معهم.

فقدمت على النبي، فأجده جالسًا في المسجد مع أصحابه، وعليَّ ثياب سفري، فسلمت، فعرفني أبو بكر، فقال النبي: "الحمد لله الذي هداك للإسلام". قال أبو بكر: أمن مصر أقبلتم؟ قلت: نعم. قال: ما فعل المالكيون؟ قلت: قتلتهم، وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلى رسول اللهليخمسها. فقال النبي: "أما إسلامك فنقبله، ولا آخذ من أموالهم شيئًا؛ لأن هذا غدر، ولا خير في الغدر". فأخذني ما قَرُب وما بعُد[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1)، وقلت: إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت الساعة. قال: "فإن الإسلام يجُبُّ ما كان قبله".

أهم ملامح شخصيته

كان يقال له: مغيرة الرأي؛ فقد كان من دهاة العرب، وشهد اليمامة وفتوح الشام والعراق، ولاّه عمر البصرة، ففتح مَيْسان، وهمذان، وعدة بلاد.

بعض المواقف من حياته مع رسول الله

يقول المغيرة بن شعبة: بعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى رسول اللهليكلمه، فأتاه فكلمه، وجعل يمس لحيته، وأنا قائم على رأس رسول اللهمقنّع في الحديد، فقال المغيرةلعروة: كُفَّ يدك قبل أن لا تصل إليك. فقال: من ذا يا محمد؟ ما أَفَظَّه وأغلظه!! قال: "ابن أخيك". فقال: يا غدر، والله ما غسلت عني سوءتك إلا بالأمس.

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

مع عمر

استعمل عمر بن الخطابالمغيرة بن شعبةعلى البحرين، فكرهوه، فعزله عمر، فخافوا أن يرده؛ فقال دهقانهم: إن فعلتم ما آمركم لم يرده علينا. قالوا: مرنا. قال: تجمعون مائة ألف حتى أذهب بها إلى عمر، فأقول: إن المغيرة اخْتَان هذا، فدفعه إليَّ. قال: فجمعوا له مائة ألف، وأتى عمر، فقال ذلك. فدعا المغيرة، فسأله، قال: كذب، أصلحك الله، إنما كانت مائتي ألف. قال: فما حملك على هذا؟ قال: العيال والحاجة. فقال عمرللعِلْج: ما تقول؟ قال: لا والله لأصدقَنَّك، ما دفع إليَّ قليلاً ولا كثيرًا. فقال عمرللمغيرة: ما أردت إلى هذا؟ قال: الخبيث كذب عليَّ، فأحببت أن أخزيه.

مع علي

قال المغيرة بن شعبةلعليحين قتل عثمان: اقعد في بيتك ولا تدعُ إلى نفسك؛ فإنك لو كنت في جحر بمكة لم يبايعوا غيرك. وقال لعلي: إن لم تطعني في هذه الرابعة لأعتزلَنَّك، ابعثْ إلى معاويةعهده، ثم اخلعه بعدُ. فلم يفعل، فاعتزله المغيرة باليمن. فلما شُغِل عليٌّ ومعاوية -رضي الله عنهما- فلم يبعثوا إلى الموسم أحدًا، جاء المغيرةفصلى بالناس، ودعا لمعاوية.

أثره في الآخرين

أرسل رستم إلى سيدنا سعد بن أبي وقاصأنِ ابْعَثْ إلينا برجلٍ نكلمه، فكان فيمن بعثه المغيرة بن شعبة، فأقبل إليهم وعليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب وبُسُطهم على غَلْوَة لا يُوصل إلى صاحبهم حتى يُمشى عليها، فأقبل المغيرةحتى جلس مع رستم على سريره، فوثبوا عليه وأنزلوه ومعكوه، وقال: قد كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قومًا أسفه منكم، إنا معشر العرب لا نستعبد بعضنا بعضًا، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، فكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعضٍ، فإن هذا الأمر لا يستقيم فيكم ولا يصنعه أحدٌ، وإني لم آتكم، ولكن دعوتموني اليوم، علمت أنكم مغلبون، وأن ملكًا لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول. فقالت السفلة: صدق والله العربي. وقالت الدهاقين: والله لقد رمى بكلام لا تزال عبيدنا ينزعون إليه، قاتل الله أولينا! ما كان أحمقهم حين كانوا يصغرون أمر هذه الأمة! ثم تكلم رستم فحمد قومه وعظّم أمرهم، وحقّر من شأن العرب، وعرض عليه الأموال لينصرف العرب عن بلاد فارس.

فتكلم المغيرةفحمد الله وأثنى عليه وقال: "إن الله خالق كل شيء ورازقه، فمن صنع شيئًا فإنما هو يصنعه، وأما الذي ذكرت به نفسك وأهل بلادك من الظهور على الأعداء والتمكن في البلاد فنحن نعرفه، فالله صنعه بكم ووضعه فيكم وهو له دونكم، وأما الذي ذكرت فينا من سوء الحال والضيق والاختلاف فنحن نعرفه ولسنا ننكره، والله ابتلانا به والدنيا دولٌ، ولم يزل أهل الشدائد يتوقعون الرخاء حتى يصيروا إليه، ولم يزل أهل الرخاء يتوقعون الشدائد حتى تنزل بهم، ولو شكرتم ما آتاكم الله لكان شكركم يقصر عما أوتيتم، وأسلمكم ضعف الشكر إلى تغير الحال، ولو كنا فيما ابتلينا به أهل كفر لكان عظيم ما ابتلينا به، مستجلبًا من الله رحمةً يرفه بها عنا؛ إن الله تبارك وتعالى بعث فينا رسولاً". ثم ذكر له الخيارات الثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال، وقال له: "وإن عيالنا قد ذاقوا طعام بلادكم، فقالوا: لا صبر لنا عنه".

فقال رستم: إذن تموتون دونها. فقال المغيرة: "يدخل من قُتل منا الجنة، ومن قتل منكم النار، ويظفر من بقي منا بمن بقي منكم".

بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى

عن عبد الملك بن عمير، عن ورَّاد كاتب المغيرة بن شعبة، قال: أملى عليَّ المغيرة بن شعبةفي كتاب إلى معاويةأن النبيكان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".

وعن المغيرة بن شعبةقال: كسفت الشمس على عهد رسول اللهيوم مات إبراهيم، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم. فقال رسول الله: "إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم فصلوا وادعوا الله".

بعض كلماته

قال المغيرة بن شعبة: اشكر من أنعم عليك، وأنعم على من شكرك؛ فإنه لا بقاء للنعم إذا كفرت، ولا زوال لها إذا شكرت.

وفاته

تُوُفِّي المغيرة بن شعبةبالكوفة سنة خمسين للهجرة، وهو ابن سبعين سنة.
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) أي: أصابني خوف أو حزن.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:22 AM
المقداد بن الأسود



مقدمة

هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة، من قضاعة، وقيل من كندة. أبو معبد أو أبو عمرو. نسب إلى الأسود بن عبد يغوث الزهري; لأنه تبناه في الجاهلية.
ـ قال ابن الكلبي: كان عمرو بن ثعلبة أصاب دما في قومه، فلحق بحضرموت، فحالف كندة، فكان يقال له:الكندي، وتزوج هناك امرأة فولدت له المقداد.
ـ فلما كبر المقداد وقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي، فضرب رجله بالسيف وهرب إلى مكة، فحالف الأسْود بن عبد يغوث الزهري، وكتب إلى أبيه، فقدم عليه، فتبنى الأسود المقداد، فصار يقال: المقداد بن الأسود، وغلبت عليه واشتهر بذلك؛ فلما نزلت: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ قيل له: المقداد بن عمرو، واشتهرت شهرته بابن الأسود.
ـ وكان المقداد يكنى أبا الأسود، وقيل: كنيته أبو عمر، وقيل: أبو سعيد. وأسلم قديما، وتزوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد بعدها، وكان فارسا يوم بدر حتى إنه لم يثبت أنه كان فيها على فرس غيره.
ـ وكان فارساً شجاعاً « يقوم مقام ألف رجل » على حد تعبير عمرو بن العاص وكان من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو أول فارس في الإسلام وكان من الفضلاء النجباء، الكبار، الخيار من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم )سريع الإجابة إذا دعي إلى الجهاد حتى حينما تقدمت به سنه، وكان يقول في ذلك أبت علينا سورة البحوث انفروا خفافاً وثقالاً.
وكان إلى جانب ذلك رفيع الخلق، عالي الهمة، طويل الأناة، طيب..


قصة إسلامه

الذي يظهر من مجمل النصوص أن المقداد كان من المبادرين الأُول لاعتناق الإسلام، فقد ورد فيه:أنه أسلم قديماً، وذكر ابن مسعود أن أول من أظهر إسلامه سبعة، وعدّ المقداد واحداً منهم.
إلا أنه كان يكتم إسلامه عن سيده الأسود بن عبد يغوث خوفاً منه على دمه شأنه في ذلك شأن بقية المستضعفين من المسلمين الذين كانوا تحت قبضة قريش عامة، وحلفائهم وساداتهم خاصة، أمثال عمار وأبيه وبلالٍ وغيرهم ممن كانوا يتجرعون غصص المحنة ؛ فما الذي يمنع الأسود بن عبد يغوث من أن يُنزل أشد العقوبة بحليفه إن هو أحس منه أنه قد صبأ إلى دين محمد؟؟ سيما وأن الأسود هذا كان أحد طواغيت قريش وجباريهم، وأحد المعاندين لمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمستهزئين به وبما جاء، إنه ـ ولا شك
ـ في هذا الحال لن يكون أقل عنفاً مع حليفه من مخزوم مع حلفائها. لأجل هذا كان المقداد يتحين الفرص لإنفلاته من ربقة « الحلف » الذي أصبح فيما بعد ضرباً من العبودية المقيتة، ولوناً من ألوان التسخير المطلق للمحالف يجرده عن كل قيمة، ويُحرم معه من أبسط الحقوق.




أهم ملامح شخصيته

حبه للإسلام
حب المقداد -رضي الله عنه- للإسلام ملأ قلبه بمسئولياته عن حماية الإسلام، ليس فقط من كيد أعدائه، بل ومن خطأ أصدقائه، فقد خرج يوما في سريَّة تمكن العدو فيها من حصارهم، فأصدر أمير السرَّية أمره بألا يرعى أحد دابته، ولكن أحد المسلمين لم يحِط بالأمر خُبْرا فخالفه، فتلقى من الأمير عقوبة أكثر مما يستحق، أو لا يستحقها على الإطلاق، فمر المقداد بالرجل يبكي ويصيح فسأله فأنبأه ما حدث، فأخذ المقداد بيمينه ومضيا صوب الأمير، وراح المقداد يناقشه حتى كشف له خطأه وقال له:( والآن أقِدْهُ من نفسك، ومَكِّنْهُ من القصاص )000وأذعن الأمير، بيد أن الجندي عفا وصفح وانتشى المقداد بعظمة الموقف وبعظمة الدين الذي أفاء عليهم هذه العزة، فراح يقول:( لأموتَنَّ والإسلام عزيز )...




بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:


يروي عبد الرحمن بن أبي ليلى عن المقداد بن الاسود قال قدمت المدينة أنا وصاحبان فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد فأتينا الى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا له فذهب بنا الى منزله وعنده أربعة أعنز فقال احلبهن يا مقداد وجزئهن أربعة أجزاء واعط كل انسان جزءا فكنت أفعل ذلك فرفعت للنبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فاحتبس واضطجعت على فراشي فقالت لي نفسي إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أتى أهل بيت من الأنصار فلو قمت فشربت هذه الشربة فلم تزل بي حتى قمت فشربت جزءا فلما دخل في بطني ومعائي أخذني ما قدم وما حدث فقلت يجيء الآن النبي صلى الله عليه وسلم جائعا ظمآنا فلا يرى في القدح شيئا فسجيت ثوبا على وجهي وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم تسليمة تسمع اليقظان ولا توقظ النائم فكشف عنه فلم ير شيئا فرفع رأسه الى السماء فقال اللهم اسق من سقاني وأطعم من أطعمني فاغتنمت دعوته وقمت فأخذت الشفرة فدنوت الى الأعنز فجعلت أجسهن أيتهن اسمن لأذبحها فوقعت يدي على ضرع إحداهن فاذا هي حافل ونظرت الى الأخرى فاذا هي حافل فنظرت فاذا هن كلهن حفل فحلبت في الاناء فأتيته به فقلت اشرب فقال ما الخبر يا مقداد فقلت اشرب ثم الخبر فقال بعض سوآتك يا مقداد فشرب ثم قال اشرب فقلت اشرب يا نبي الله فشرب حتى تضلع ثم أخذته فشربته ثم أخبرته الخبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم هيه فقلت كان كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذه بركة منزلة من السماء أفلا أخبرتني حتى اسقي صاحبيك فقلت إذا شربت البركة أنا وأنت فلا أبالي من أخطأت.
ـ ومن طريق يعقوب بن سليمان، عن ثابت البناني، قال:كان المقداد وعبد الرحمن بن عوف جالسَين فقال له مالك: ألا تتزوج؟ قال: زوجني ابنتك. فغضب عبد الرحمن وأغلظ <455> له، فشكا ذلك للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، فقال: أنا أزوجك. فزوجه بنت عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب.
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عرق الظبية دون بدر استشار الناس فقال: أشيروا علي أيها الناس! فقام أبو بكر فقال و أحسن ثم قام عمر فقال مثل ذلك ثم قام المقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله! أمض بنا لأمر الله فنحن معك و الله لا نقول لك مثل ما قالت بنو إسرائيل لموسى { اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا ههنا قعدون } و لكن اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون و الذي بعثك بالحق! لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تنتهي إليه رسول الله! فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم خيرا و دعا له بخير
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته
ولاّه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إحدى الإمارات يوما، فلما رجع سأله النبي:( كيف وجدت الإمارة؟)000فأجاب:( لقد جَعَلتني أنظر الى نفسي كما لو كنت فوق الناس، وهم جميعا دوني، والذي بعثك بالحق، لا أتأمرَّن على اثنين بعد اليوم أبداً )000
وروى ثابت البناني عن أنس بن مالك عن المقداد بن الأسود أنه قال والله لا أشهد لأحد أنه من أهل الجنة حتى أعلم ما يموت عليه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لقلب ابن آدم أسرع انقلابا من القدر إذا استجمعت غليا "




بعض المواقف من حياته مع التابعين

يقول صفوان بن عمرو، حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: جلسنا إلى المقداد يوما، فمر به رجل، فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت، فاستمعت، فجعلت أعجب، ما قال إلا خيرا، ثم أقبل عليه، فقال:ما يحمل أحدكم على أن يتمنى محضرا غيبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه. والله لقد حضر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقوام كبهم الله على مناخرهم في جهنم، لم يجيبوه، ولم يصدقوه، أولا تحمدون الله، لا <389> تعرفون إلا ربكم مصدقين بما جاء به نبيكم، وقد كفيتم البلاء بغيركم؟ والله لقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- على أشد حال بعث عليه نبي في فترة وجاهلية، ما يرون دينا أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان حتى إن الرجل ليرى والده، أو ولده، أو أخاه كافرا، وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان، ليعلم أنه قد هلك من دخل النار، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حميمه في النار، وأنها للتي قال الله تعالى رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ..
أثره في الآخرين (دعوته ـ تعليمه):
يحدث أبو بلال عن أبي راشد الحبراني أنه وافى المقداد بن الأسود ، وهو يجهز ، قال: فقلت: يا أبا الأسود قد أعذر الله إليك ، أو قال: قد عذرك الله ، يعني في القعود عن الغزو ; فقال: أتت علينا سورة براءة: { انفروا خفافا وثقالا }. بعض الأحاديث التي نقلها عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن أبي النضر، عن سليمان بن يسار، عن المقداد بن الأسود: أن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل إذا دنا من امرأته فخرج منه المذي: ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته وأنا أستحي أن أسأله! فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة.
ما قيل عنه:
ـ وقال أبو ربيعة الأيادي، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-:
إن الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم: علي، والمقداد وأبو ذر، وسلمان ؛ أخرجه التِّرمِذي وابن ماجه؛ وسنده حسن.




الوفاة:


ـ أخرج يعقوب بن سفيان، وابن شاهين، من طريقه بسنده إلى كريمة بنت المقداد قالت: كان المقداد عظيم البطن، وكان له غلام روميّ، فقال له: أشق بطنك فأخرج من شحمه حتى تلطف، فشق بطنه، ثم خاطه؛ فمات المقداد، وهرب الغلام..
ـ واتفقوا على أنه مات سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان. قيل: وهوابن سبعين سنة.
ـ مات في سنة ثلاث وثلاثين، وصلى عليه عثمان بن عفان وقبره بالبقيع رضي الله عنه.
المراجع
الإصابة في تمييز الصحابة
الاستيعاب
البداية والنهاية
السيرة لابن حبان

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:24 AM
المقدام بن معد يكرب


هو المقدام بن معد يكرب بن عمرو بن يزيد بن معد يكرب بن عبد الله بن وهب بن ربيعة بن الحارث.(1)
من مواقفه مع الصحابة:
أما عن مواقفه مع الصحابة ( رضوان الله عليهم ) فقد وفد المقدام بن معد يكرب وعمرو بن الأسود ورجل من بني أسد من أهل قنسرين إلى معاوية بن أبي سفيان فقال معاوية للمقدام أعلمت أن الحسن بن علي توفي؟ فرجع ( أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون ) المقدام فقال له رجل أتراها مصيبة؟ قال له ولم لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فقال " هذا مني وحسين من علي؟ " فقال الأسدي جمرة أطفأها الله عز وجل قال فقال المقدام أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك وأسمعك ما تكره ثم قال يا معاوية إن أنا صدقت فصدقني وإن أنا كذبت فكذبني قال أفعل قال فأنشدك بالله هل سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهى عن لبس الذهب؟ قال نعم قال فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهى عن لبس الحرير؟ قال نعم قال فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليه؟ قال نعم قال فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية فقال معاوية قد علمت أني لن أنجو منك يا مقدام قال خالد فأمر له معاوية بما لم يأمر لصاحبيه وفرض لابنه في المائتين ففرقها المقدام على أصحابه قال ولم يعط الأسدي أحدا شيئا مما أخذ فبلغ ذلك معاوية فقال أما المقدام فرجل كريم بسط يده وأما الأسدي فرجل حسن الإمساك لشيئه.(2)

من الأحاديث التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

روي البخاري في صحيحه "أن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( كيلوا طعامكم يبارك لكم )
شرح الحديث: ( كيلوا طعامكم )أي زنوه عند شرائه أو بيعه. ( يبارك لكم ) لامتثال أمر الشارع بكيله حتى لا يحصل شك أو منازعة وبفضل التسمية عند كيله ولدعائه صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة في مد المدينة وصاعها.
وعن المقداد بن معد يكرب قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) توضأ فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه فأمرهما حتى بلغ القفا ثم ردهما إلى المكان الذي منه بدأ.
وعن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور [ العين ] ويشفع في سبعين من أقاربه.(3)
وعن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه إياه"
وورد في سنن ابن ماجة "عن المقدام بن معد يكرب أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "إن الله يوصيكم بأمهاتكم ( ثلاثا ). إن الله يوصيكم بآبائكم. إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب".
وجاء في سنن الدارمي عن المقدام بن معد يكرب الكندي: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حرم أشياء يوم خيبر الحمار وغيره ثم قال ليوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله فهو مثل ما حرم الله.

الوفاة

مات بالشام سنة سبع وثمانين وهو ابن إحدى وتسعين سنة عاش إلى خلافة عبد الملك ويقال: إلى خلافة ابنه الوليد(4).

المصادر:
1- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 467 ]
2- سنن أبي داود [ جزء 2 - صفحة 466 ]
3- سنن الترمذي [ جزء 4 - صفحة 187 ]
4- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 467

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:25 AM
المنذر بن ساوى

هو المنذر بن ساوى بن عبد الله بن زيد بن عبد الله بن دارم التميمى صاحب البحرين وينسب المنذر بن ساوى إلى الأسبذ قرية بهجر فيقال المنذر بن ساوى السبذى.

(1)أما عن جاهليته ( رضي الله عنه ) فقد كان المنذر بن ساوى نصرانيا إذ كان كان قومه من عبد شمس نصارى وتعتبر أخبار بن ساوى قبل إسلامه قليلة للغاية ويبدأ ذكره فى المصادر با ستقباله علاء الحضرمى يحمل رسالة النبى( صلى الله عليه وسلم).
(2) إسلامه بعث رسول الله( صلى الله عليه وسلم) العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى و كتب إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام فكتب المنذر إلى رسول الله (صلى الله عليه و سلم): أما بعد يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل البحرين فمنهم من أحب الإسلام و أعجبه و دخل فيه و منهم من كرهه و بأرضي مجوس و يهود فأحدث إلي في ذلك أمرك فكتب إليه رسول الله (صلى الله عليه و سلم): [ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو و أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد عبده و رسوله أما بعد: فإني أذكرك الله عز و جل فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه و إنه من يطع رسلي و يتبع أمرهم فقد أطاعني و من نصح لهم فقد نصح لي و إن رسلي قد أثنوا عليك خيرا و إني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه و عفوت على أهل الذنوب فاقبل منهم و إنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك و من أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية ]
(3) أما عن مواقفه مع الرسول ( صلي الله عليه وسلم ) فإنه لم يقابل المنذر رسول الله ولم يكن فى الوفد الذى حضر من البحرين لمقابلة رسول الله وإنما كتب إليه معهم بإسلامه. ولكن كان بينهما خطابات يسأل فيها المنذر ويستشير رسول الله فى بعض الأمور منها معاملته لليهود والمجوس الذين لم يسلموا بأرض البحرين.من مواقفه مع الصحابة وعن مواقفه مع الصحابة فقد حضر عنده في مرضه عمرو بن العاص فقال له يا عمرو هل كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يجعل للمريض شيئا من ماله قال نعم الثلث قال ماذا أصنع به قال إن شئت تصدقت به على أقربائك وإن شئت على المحاويج وإن شئت جعلته صدقة من بعدك حبسا محرما فقال إني أكره ان أجعله كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام ولكني أتصدق به ففعل ومات فكان عمرو بن العاص يتعجب منه. ومن الأحاديث التي رواها عن النبي (صلي الله عليه وسلم ) "عن زيد بن أسلم عن المنذر بن ساوى أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كتب إليه أن افرض على كل رجل ليس له أرض أربعة دراهم وعباءة".
(4)الوفاة: توفي النبي (صلى الله عليه وسلم) والمنذر بن ساوى في سنة احدي عشرة من الهجرة، فقد اشتكيا في شهر واحد ثم مات المنذر بعد النبي( صلى الله عليه وسلم) بقليل.
(5) المصادر: 1- أسد الغابة [ جزء 1 - صفحة 1050 ] 2 - جمهرة انساب العرب (232) 3- البداية والنهاية [ جزء 6 - صفحة 327 ] 4- عيون الأثر [ جزء 2 - صفحة 352 ] 5- تاريخ الطبري [ جزء 2 - صفحة 285 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:28 AM
المهاجر بن أمية


هو المهاجر بن أمية بن المغيرة القرشي المخزومي أخو أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) لأبيها وأمها وكان اسمه الوليد فكره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اسمه وقال لأم سلمة: "هو المهاجر". (1)
وشهد بدرا مع المشركين وقتل أخواه يومئذ هشام ومسعود وكان اسمه الوليد.(2)

وأخبار المهاجر في المصادر المعتمدة قليلة جدا فلا نعرف عن أيامه الأولى قبل إسلامه شيئا كما لا نعرف متى أسلم بالضبط.
أثر الرسول في تربيته:
تخلف عن رسول الله( صلى الله عليه وسلم) بتبوك فرجع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو عاتب عليه فشفعت فيه أخته أم سلمة فقبل شفاعتها فأحضرته فاعتذر إلى النبي فرضي عنه
ويبدو أنه كان لهذا العتاب - بالرغم من عفو النبي السريع- أثره فلم تذكر المراجع أن المهاجر تأخر عن رسول الله أو عن خليفته أبو بكر (رضي الله عنه) بعد ذلك بالرغم من صعوبة ما كلف به(سفارته لليمن على عهد رسول الله - حروب الردة في خلافة أبى بكر).
أهم ملامح شخصيته:
1- الشجاعة والكفاءة القتالية (فقد اختاره أبو بكر ليكون من قادة الجيوش في حروب الردة وكان على يديه الانتصار في معركة النجير.
2- الأمانة فقد استعمله رسول الله على صدقات كندة والصدف.
3- كان على جانب عظيم من الفصاحة وحسن الخلق وخير دليل على ذلك اختيار النبي له ليكون سفيرا من سفرائه.
وله مواقف مع النبي ( صلي الله عليه وسلم ) منها تغيير الرسول (صلي الله عليه وسلم ) اسمه من الوليد إلي المهاجر.
فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وعندها رجل فقال من هذا قالت أخي الوليد قدم مهاجرا فقال هذا المهاجر فقالت يا رسول الله هو الوليد فأعاد فأعادت فقال انكم تريدون أن تتخذوا الوليد حنانا انه يكون في أمتي فرعون يقال له الوليد.(3)
وفاته:
أما عن وفاته فإننا لا نعلم سنة وفاته فلم تذكرها المراجع وقد ورد ذكره في عمال أبى بكر ولم يرد ذكره بعد ذلك.(4)

المصادر:

1- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 456 ]
2- الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 6 - صفحة 228 ]
3- الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 6 - صفحة 613 ]
4- أسد الغابة [ جزء 1 - صفحة 1050 ]
<

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:29 AM
النضير بن الحارث


النسب والقبيلة

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15127_image002.jpgالنضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي. أسلم بحنين، وأعطاه رسول اللهمن غنائم حنين مائة من الإبل[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

وقيل: كان من المهاجرين، وقيل: كان من مسلمة الفتح[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2). وهاجر النضير بن الحارث إلى الحبشة ثم قدم مكة، فارتد ثم أسلم يوم الفتح أو بعده.

أهم ملامح شخصيته

1- كثرة الشكر لله على هدايته له، فقد كان النضير يكثر الشكر لله تعالى على ما منَّ عليه من الإسلام، ولم يمت على ما مات عليه أخوه النضر وآباؤه[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

2- رجاحة العقل والحكمة، ولقد كان يعدُّ من حكماء قريش، وكانمن أعلم الناس.

3- الحلم، وكان النضير بن الحارث من أحلم الناس[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

4- جمال الخلقة، فقد كانمن أجمل الناس[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).

بعض المواقف من حياته مع الرسول

ذكر النضير بن الحارث عداوته للنبي، وأنه خرج مع قومه من قريش إلى حنين وهم على دينهم بعد، قال: ونحن نريد إن كانت دائرة على محمد أن نغير عليه، فلم يمكنا ذلك، فلما صار بالجعرانة فوالله إني لعلى ما أنا عليه إن شعرت إلا برسول اللهفقال: "أنضير؟" قلت: لبيك. قال: "هل لك إلى خير مما أردت يوم حنين، مما حال الله بينك وبينه؟" قال: فأقبلت إليه سريعًا. فقال: "قد آن لك أن تبصر ما كنت فيه توضع". قلت: قد أدري أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئًا، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. فقال رسول الله: "اللهم زده ثباتًا". قال النضير: فوالذي بعثه بالحق، لكأن قلبي حجر ثباتًا في الدين، وتبصره بالحق. فقال رسول الله: "الحمد لله الذي هداه"[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6).

من كلماته

كان يقول: الحمد لله الذي منَّ علينا بالإسلام، ومنَّ علينا بمحمد، ولم نمت على ما مات عليه الآباء، وقتل عليه الإخوة وبنو العم.

وفاته

خرج إلى الشام غازيًا فحضر اليرموك، وقتل شهيدًا يومئذ في رجب سنة خمس عشرة في خلافة عمر بن الخطاب[7] (http://vb.g111g.com/#_ftn7).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 5/ 448.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) ابن الأثير: أسد الغابة 5/338.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) السابق نفسه.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) ابن عساكر: تاريخ دمشق 62/101.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) ابن كثير: البداية والنهاية 4/364.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6) السابق نفسه.

[7] (http://vb.g111g.com/#_ftnref7) تاريخ دمشق: 62/103.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:39 AM
الحباب بن المنذر


نسبه وقبيلته

الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري الخزرجي السلمي.

أهم ملامح شخصيته

1- الشجاعة

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15119_image002.jpgفهذا الصحابي قد شهد المشاهد كلها مع رسول الله، ولعل ثباته يوم أحد من أكثر المواقف التي تدل على شجاعته؛ فقد ثبت رسول اللهيوم أحد في عصابة صبروا ومعه أربعة عشر رجلاً؛ سبعة من المهاجرين وسبعة من الأنصار أبو بكر، وعبد الرحمن بن عوف، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وأبو عبيدة بن الجراح، والزبير بن العوام، ومن الأنصار: الحباب بن المنذر، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة، وسهل بن حنيف، وأسيد بن الحضير، وسعد بن معاذ[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

2- الثقة بالنفس والذكاء والرأي الراجح

وظهر ذلك جليًّا في موقفه في غزوة بدر الكبرى، عندما أشار على الرسولبالمكان الأمثل للمسلمين.

من مواقفه مع الرسول في حياته

ففي يوم بدر "وسار رسول اللهيبادرهم -يعني قريشًا- إليه (يعني إلى الماء)، فلما جاء أدنى ماء من بدر نزل عليه، فقال الحباب بن المنذر بن الجموح: يا رسول الله، منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال رسول الله: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة". قال الحباب: يا رسول الله، ليس بمنزل ولكن انهض حتى تجعل القلب كلها من وراء ظهرك، ثم غور كل قليب بها إلا قليبًا واحدًا، ثم احفر عليه حوضًا، فنقاتل القوم ونشرب ولا يشربون، حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله: "قد أشرت بالرأي"، ففعل ذلك[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

يا له من موقف عظيم من رسول الله! موقف يدل على التواضع وقبول الرأي الصواب أينما كان، وموقف رائع من الحباب، فهو الذي رباه النبيعلى مبدأ الشورى، وأن الدين النصيحة.

وفي غزوة أحد أظهر من البطولة والفتوة والتضحية بالنفس الشيء العجيب؛ روى سعد بن عبادة قال: بايع رسول اللهعصابة من أصحابه على الموت يوم أحد حتى انهزم المسلمون فصبروا وكرموا وجعلوا يسترونه بأنفسهم، يقول الرجل منهم: نفسي لنفسك الفداء يا رسول الله، وجهي لوجهك الوقاء يا رسول الله. وهم يحمونه ويقونه بأنفسهم حتى قتل منهم من قتل، وهم أبو بكر وعمر وعلي والزبير وطلحة وسعد وسهل بن حنيف وابن أبي الأفلح والحارث بن الصمة وأبو دجانة والحباب بن المنذر.

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

أبدى الحباب بن المنذر برأيه في سقيفة بني ساعدة، فقد اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منا أمير ومنكم أمير. فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر، فكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلامًا قد أعجبني، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر. ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال الحباب بن المنذر السلمي: لا والله لا نفعل أبدًا، منا أمير ومنكم أمير. قال: فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء، هم أوسط العرب دارًا، وأكرمهم أحسابًا -يعني قريشًا- فبايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وأنت خيرنا وأحبنا إلى نبينا. فأخذ عمر بيده فبايعه، فبايعه الناس.

من كلماته

من شعر الحباب بن المنذر:
ألم تعلما للـه در أبيكما *** وما النـاس إلا أكمه وبصير
بأنّا وأعداء النبـي محمد *** أسـود لها في العالمين زئيـر
نصرنا وآوينا النبي وما له *** سوانا مـن أهل الملتين نصير[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3)

تاريخ الوفاة

توفي الحباب بن المنذرفي خلافة عمر بن الخطاب، وليس له عقب. وقال ابن سعد: مات في خلافة عمر، وقد زاد على الخمسين سنة[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) علاء الدين البرهان فوري: كنز العمال (30044)، 10/432، 433.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) ابن الأثير: أسد الغابة 1/533، 534.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 2/10.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) ابن سعد: الطبقات الكبرى 3/567.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:42 AM
النعمان بن بشير

هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس بن زيد الأنصارى الخزرجى ويكنى عبد الله.
ولم يدرك النعمان الجاهلية فقد كان أول مولود ولد في الإسلام من الأنصار بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا.
وهو أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة رضي الله عنه. (1)

وكان النعمان أول مولود ولد بالمدينة بعد الهجرة للأنصار في جمادى الأول سنة ثنتين من الهجرة فأتت به أمه تحمله إلى النبي (صلي الله عليه وسلم) فحنكه وبشرها بأنه يعيش حميدا ويقتل شهيدا ويدخل الجنة.(2)
من مواقفة مع الصحابة:
كان النعمان ذا منزلة من معاوية( رضي الله عنه ) وكان معاوية يقول يا معشر الأنصار تستبطئونني وما صحبني منكم إلا النعمان بن بشير وقد رأيتم ما صنعت به وكان ولاه الكوفة وأكرمه.(3)
من مواقفه مع التابعين:
قيل إن أعشى همدان قدم على النعمان بن بشير وهو على حمص وهو مريض فقال له النعمان ما أقدمك قال لتصلني وتحفظ قرابتي وتقضى ديني فقال والله ما عندي ولكني سائلهم لك شيئا ثم قام فصعد المنبر ثم قال يا أهل حمص إن هذا ابن عمكم من العراق وهو مسترفدكم شيئا فما ترون فقالوا احتكم في أموالنا فأبى عليهم فقالوا قد حكمنا من أموالنا كل رجل دينارين وكانوا في الديوان عشرين ألف رجل فعجلها له النعمان من بيت المال أربعين ألف دينار فلما خرجت أعطياتهم أسقط من عطاء كل رجل منهم دينارين.(4)

وقال أبو مخنف (وهو شيعي ) بعث يزيد بن معاوية إلي النعمان بن بشير الأنصاري فقال له ائت الناس وقومك فافثأهم عما يريدون فإنهم إن لم ينهضوا في هذا الأمر لم يجترئ الناس على خلافي وبها من عشيرتي من لا أحب أن ينهض في هذه الفتنة فيهلك.
فأقبل النعمان بن بشير فأتى قومه ودعا الناس إليه عامة وأمرهم بالطاعة ولزوم الجماعة وخوفهم الفتنة وقال لهم إنه لا طاقة لكم بأهل الشأم فقال عبد الله بن مطيع العدوي ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من أمرنا فقال النعمان أما والله لكأني بك لو قد نزلت تلك التي تدعو إليها وقامت الرجال على الركب تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف ودارت رحا الموت بين الفريقين قد هربت على بغلتك تضرب جنبيها إلى مكة وقد خلفت هؤلاء المساكين يعني الأنصار يقتلون في سككهم ومساجدهم وعلى أبواب دورهم فعصاه الناس.(5)
من الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم
عن النعمان بن بشير قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مسير له إذ خفق رجل على راحلته فأخذ رجل من كنانته سهما فانتبه الرجل مذعورا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلما "
عن النعمان بن بشير أن أباه نحله غلاما وأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده فقال: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ قال: لا قال: فاردده.(6)
وعن الشعبي قال سمعت النعمان بن بشير يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول وأومأ النعمان بإصبعيه إلى أذنيه إن الحلال بين والحرام بين وبين ذلك مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشتبهات فقد استبرأ لدينه ولعرضه ومن وقع في المشتبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى أوشك أن يقع فيه ألا إن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه.
عن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.(7)

وعن النعمان بن بشير قال صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم ثم أقبل علينا بوجهه فقال" سووا صفوفكم ولا تختلفوا فيخالف الله عز وجل بينكم يوم القيامة ".
فلقد رأيتنا وإن الرجل منا ليلتمس بمنكبه منكب أخيه وبركبته ركبة أخيه وبقدمه قدم أخيه.(8)
كلماته.
عن سماك بن حرب قال سمعت النعمان بن بشير يقول ألستم في طعام وشراب ما شئتم لقد رأيت نبيكم وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه.
الوفاة:
وبعد موت يزيد بن معاوية بايع النعمان لإبن الزبير فتنكر له أهل حمص، فخرج هارباً فتبعه خالد بن خليّ الكلاعي فقتله سنة خمس وستين للهجرة.
المصادر:
1- البداية والنهاية [ جزء 3 - صفحة 230 ]
2- البداية والنهاية [ جزء 8 - صفحة 244 ]
3- طبقات فحول الشعراء [ جزء 2 - صفحة 463 ]
4- البداية والنهاية [ جزء 8 - صفحة 245 ]
5- تاريخ الطبري [ جزء 3 - صفحة 351 ]
6- كنز العمال [ جزء 16 - صفحة 820 ]
7- الأربعون الصغرى [ جزء 1 - صفحة 150 ]
8- الفوائد [ جزء 2 - صفحة 129 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:44 AM
النعمان بن المقرن

هو النعمان بن عمرو بن مقرن بن عائذ بن مزينة.
قصة إسلامه:
كان يوم إسلامه يوما مشهودا إذ أسلم معه عشرة أخوة له ومعهم أربعمائة فارس بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال فيهم (ان للإيمان بيوتا و للنفاق بيوتا وان بيـت بني مقرن من بيوت الايمان)بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
ولقد شهد النعمان الغزوات كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان له ولقبيلته دور بارز في محاربة المرتدين000
وأخرج ابن شاهين من طريق يحيى بن عطية، عن أبيه، عن عمرو بن النعمان بن مقرن قال: قدم رجال من مزينة فاعتلوا على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنهم لا أموال لهم يتصدقون منها، وقدم النعمان بن مقرن بغنم يسوقها إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فنزلت فيه: وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ الآية
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
وكان النعمان بطل معركة نهاوند يوم أن ندبه أمير المؤمنين عمر لهذه المهمة الجليلة اذ كتب اليه قائل:(فانه قد بلغني أن جموعا من الأعاجم كثيرة قد جمعوا لكم بمدينة نهاوند، فاذا أتاك كتابي هذا فسر بأمر الله وبنصر الله بمن معك من المسلمين، ولا توطئهم وعرا فتؤذيهم ولا تمنعهم حقا فتكفرهم ولا تدخلهم غيضة فان رجلا من المسلمين أحب الي من مئة ألف دينار والسلام عليكم)000 فسار النعمان بالجيش والتقى الجمعان، ودارت المعركة حتى ألجـأ المسلمون الفـرس الى التحصـن فحاصروهم وطال الحصـار عدة أسابيع وفكر المسلمون في طريقة يستخرجون فيها الفرس من حصونهم لمناجزتهم، فبعثوا عليهم خيـلا تقاتلهم بقيـادة القعقاع حتى اذا خرجـوا من خنادقهم تراجـع القعقاع فطمعوا وظنوا أن المسلمين قد هزمو، وكان النعمان قد أمـر جيش المسلمين ألا يقاتلوا حتى يأذن لهم وخاطبهم قائل:(اني مكبر ثلاثا فاذا كبرت الثالثة فاني حامل فاحملو، وان قتلت فالأمر بعدي لحذيفة فان قتل ففلان )000حتى عد سبعة آخرهم المغيرة، ثم دعا ربه قائلا: (اللهم أعزز دينك وانصر عبادك واجعل النعمان أول شهيد اليوم، اللهم اني أسألك أن تقر عيني بفتح يكون فيه عز الاسلام واقبضني شهيدا )000فبكى الناس من شدة التأثر ودارت المعركة على مشارف نهاوند، وقاد النعمان المعركة بشجاعة نادرة وظفر بالشهادة التي كان يتمناه، وتحقق الفتح العظيم الذي طلبه من الله، فأخذ أخوه نعيم بن مقرن الراية وسلمها لحذيفة، فكتم أمر استشهاده حتى تنتهي المعركة000 وذهب البشير يخبر أمير المؤمنين عمر و يقول له:( فتح الله عليك، وأعظم الفتح، واستشهد الأمير )000فقال عمر:( انا لله وانا اليه راجعون )000واعتلى المنبر ونعى الى المسلمين النعمان بن المقرن أمير نهاوند وشهيدها000وبكى000وبكى000حتى علا صوته بالبكاء000رضي الله عن النعمان القائد المنتصر شهيد معركة فتح الفتوح
بعض الأحاديث التي نقلها عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن النعمان بن عمرو بن مقرن قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.
وعن معقل بن يسار، عن النعمان بن مقرن أنه قال: شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا لم يقاتل أول النهار، انتظر حتى تزول الشمس صححه الترمذي.
وعن أبي خالد الوالبي عن النعمان بن مقرن قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسب رجل رجلا عنده قال فجعل الرجل المسبوب يقول عليك السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إن ملكا بينكما يذب عنك كلما يشتمك هذا قال له بل أنت وأنت أحق به وإذا قال له عليك السلام قال لا بل لك أنت أحق به..
وعن النعمان بن مقرن قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربع مائة من مزينة فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره فقال بعض القوم يا رسول الله ما لنا طعام نتزوده فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر زودهم فقال ما عندي إلا فاضلة من تمر وما أراها تغني عنهم شيئا فقال انطلق فزودهم فانطلق بنا إلى علية له فإذا فيها تمر مثل البكر الأورق فقال خذوا فأخذ القوم حاجتهم قال وكنت أنا في آخر القوم قال فالتفت وما أفقد موضع تمرة وقد احتمل منه أربع مائة رجل..
موقف الوفاة:
عن معقل بن يسار: أن عمر شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وأذربيجان فقال: أصبهان: الرأس، وفارس وأذربيجان: الجناحان، فإذا قطعت جناحا فاء الرأس وجناح، وإن قطعت الرأس، وقع الجناحان. فقال عمر للنعمان بن مقرن: إني مستعملك، فقال: أما جابيا، فلا، وأما غازيا، فنعم، قال: فإنك غازٍ. فسرحه، وبعث إلى أهل الكوفة ليمدوه وفيهم حذيفة والزبير والمغيرة، والأشعث، وعمرو بن معدي كرب. فذكر الحديث بطوله. وهو في " مستدرك الحاكم " وفيه: فقال: اللهم ارزق النعمان الشهادة بنصر المسلمين، وافتح عليهم. فأمنوا، وهز لواءه ثلاث. ثم حمل، فكان أول صريع رضي الله عنه. ووقع ذو الحاجبين من بغلته الشهباء، فانشق بطنه، وفتح الله، ثم أتيت النعمان وبه رمق، فأتيته بماء، فصببت على وجهه أغسل التراب، فقال: من ذ؟ قلت: معقل قال ما فعل الناس؟ قلت: فتح الله. فقال: الحمد لله. اكتبوا إلى عمر بذلك، وفاضت نفسه رضي الله عنه.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:44 AM
أبو الحكم رافع بن سنان

نسبه وقبيلته هو رافع بن سنان الأنصاري الأوسي أبو الحكم المدني.

(1) من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم قال عبد الحميد بن جعفر أخبرني أبي عن جدي رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ابنتي وهي فطيم أو شبهه وقال رافع ابنتي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " اقعد ناحية " وقال لها " اقعدي ناحية " قال وأقعد الصبية بينهما ثم قال "ادعواها" فمالت الصبية إلى أمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم اهدها " فمالت الصبية إلى أبيها فأخذها.
(2) المصادر :1- تهذيب الكمال [ جزء 9 - صفحة 28 ] 2- سنن أبي داود [ جزء 1 - صفحة 681 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:45 AM
أبو الدحداح الأنصاري


هو أبو الدحداح، وقيل: أبو الدحداحة بن الدحداحة الأنصاري مذكور في الصحابة.
قال أبو عمر: لا أقف على اسمه ولا نسبه أكثر من أنه من الأنصار حليف لهم.
وقيل ثابت بن الدحداح؛ هو أبو الدحداح الأنصاري.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن عبد الله بن مسعود قال لما نزلت هذه الآية من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له قال أبو الدحداح الأنصاري وان الله ليريد منا القرض قال نعم يا أبا الدحداح قال أرني يدك يا رسول قال فناوله رسول الله يده قال فاني قد أقرضت ربي حائطي قال وحائطه له فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها قال فجاء أبو الدحداح فنادى يا ام الدحداح قالت لبيك قال اخرجي من الحائط فقد أقرضته ربي عز وجل.
وفي رواية أخرى أنها لما سمعته يقول ذلك عمدت إلى صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم فقال النبي. صلى الله عليه وسلم كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح.
وعن أنس أن رجلا أتي النبي. صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول إن لفلان نخلة وان قوام حائطي بها فأمره أن يعطيني إياها حتى أقيم بها حائطي فقال النبي. صلى الله عليه وسلم أعطها إياه بنخلة في الجنة فأبى فأتي أبو الدحداح الرجل فقال بعني نختلك بحائطي ففعل فأتي أبو الدحداح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني ابتعت النخلة بحائطي.فاجعلها له فقد أعطيتكها فقال النبي. صلى الله عليه وسلم كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة قالها مرارا فأتي أبو الدحداح امرأته فقال: يا أم الدحداح اخرجي من الحائط فقد بعته بنخلة في الجنة، فقالت: ربح البيع، ربح البيع، أو كلمة تشبهها.
ما رواه عن النبي:
أخرج أبو نعيم من طريق فضيل بن عياض، عن سفيان، عن عوف بن أبي جحيفة، عن أبيه أن أبا الدحداح قال لمعاوية سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: من كانت الدنيا همته حرم الله عليه جواري فإني بعثت بخراب الدنيا، ولم أبعث بعمارتها.
من كلماته
روى الواقدي عن عبد الله بن عامر قال قال ثابت بن الدحداح يوم أحد والمسلمون أوزاع يا معشر الأنصار إلي إلي إن كان محمد قد قتل فان اله حي لا يموت فقاتلوا عن دينكم فنهض إليه نفر من الأنصار فجعل يحمل بمن معه وقد وقفت له كتيبة خشناء فيها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة فحمل عليه خالد بن الوليد بالرمح فأنفذه فوقع ميتا وقتل من كان معه.
الوفاة:
شهد أحداً وقتل بها شهيداً طعنه خالد بن الوليد برمح فأنفذه وقيل إنه مات على فراشه مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية. ولما توفي رضي الله عنه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصم بن عدي فقال: هل كان له فيكم نسب؟ قال: لا فأعطى ميراثه ابن أخته أبا لبابة بن المنذر
ـ وروى من طريق عقيل، عن ابن شهاب مرسلا بمعناه، وقد تقدم في ترجمة ثابت بن الدحداح أنه يكنى أبا الدحداح وأنه مات في حياة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فبنى أبو عمر على أنه هذا، والحق أنه غيره.
ـ وهذا ينبغي أن يكون لثابت، فقد تقدم في ترجمته أنه جرح بأحد فقيل: مات بها وقيل: عاش ثم انتقضت فمات بعد ذلك بمدة، وهو الراجح..

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:48 AM
أبو الدرداء

هو الفارس الحكيم أبو الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي صاحب رسول الله. وكان أبو الدرداءمن آخر الأنصار إسلامًا، وكان يعبد صنمًا، فدخل ابن رواحة ومحمد بن مسلمة -رضي الله عنهما- بيته فكسرا صنمه، فرجع فجعل يجمع الصنم، ويقول: ويحك! هلاَّ امتنعت! ألا دفعت عن نفسك. فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أو يدفع عن أحد، دَفَع عن نفسه ونفعها.

فقال أبو الدرداء: أعِدِّي لي ماء في المغتسل. فاغتسل، ولبس حلته، ثم ذهب إلى النبي، فنظر إليه ابن رواحهمقبلاً، فقال: يا رسول الله، هذا أبو الدرداء، وما أراه إلا جاء في طلبنا. فقال: "إنما جاء ليسلم، إن ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم".

منزلته وفضله

لأبي الدرداءالمكانة العالية والمنزلة المرموقة بين صحابة النبي؛ قال عنه رسول اللهيوم أُحد: "نعم الفارس عويمر". وقال عنه أيضًا: "هو حكيم أمتي".

وقد كانأحد أربعة جمعوا القرآن كله في عهد النبي؛ فقد روى البخاري بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍقَالَ: "مَاتَ النَّبِيُّوَلَمْ يَجْمَعْ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ".

أثر الرسول في تربيته

كان للنبيالأثر الأكبر في تربية أبي الدرداء، وقد كان الحبيبيوصيه كثيرًا بما يجلب عليه الخير في الدنيا والآخرة؛ ففي صحيح مسلم عن أبي الدرداءقال: "أوصاني حبيبيبثلاثٍ لن أدعهن ما عشت: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وبأن لا أنام حتى أوتر".

وروي أن عمر بن الخطابدخل على أبي الدرداءفدفع الباب فإذا ليس فيه غلق، فدخل في بيت مظلم فجعل يلمسه حتى وقع عليه، فجسّ وسادة فإذا هي برذعة، وجسّ دثاره فإذا كساء رقيق. قال عمر: ألم أوسِّع عليك؟! ألم أفعل بك؟!
فقال له أبو الدرداء: أتذكر حديثًا حدثناه رسول الله؟
قال: أيُّ حديث؟
قال: "ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب".
قال: نعم.
قال: فماذا فعلنا بعده يا عمر؟
قال: فما زالا يتجاوبان بالبكاء حتى أصبحا.

من ملامح شخصية أبي الدرداء

الزهد في الدنيا

قال أبو الدرداء: ما يسرني أن أقوم على الدرج من باب المسجد فأبيع وأشتري فأصيب كل يوم ثلاثمائة دينار أشهد الصلاة كلها في المسجد، ما أقول: إن اللهلم يحل البيع ويحرم الربا، ولكن أحب أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.

علمه

عن يزيد بن عميرة قال: لما حضرت معاذ بن جبلالوفاة، قيل له: يا أبا عبد الرحمن، أوصنا. فقال: "التمسوا العلم عند عويمر (أبي الدرداء)؛ فإنه من الذين أوتوا العلم". وقد ولي أبو الدرداءقضاء دمشق، وكان من العلماء الحلماء الألِبَّاء.

حاله مع ربه

عن أبي الدرداءأنه كان يقوم من جوف الليل، فيقول: "نامَتِ العُيُونُ، وَغارَتِ النُّجُومُ، وأنْتَ حَيٌّ قَيُّوم". وعن أبي الدرداءقال: "لأَنْ أقول: الله أكبر مائة مرة أحبُّ إليَّ من أن أتصدق بمائة دينار".

خوفه وخشيته

قال أبو الدرداء: "أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث: أضحكني مُؤمِّل دنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك بملء فِيهِ ولا يدري أرضي الله أم أسخطه؟! وأبكاني فراق الأحبة محمد وحزبه، وهول المطلع عند غمرات الموت، والوقوف بين يدي الله، ولا أدري إلى الجنة أم إلى النار؟!".

وقال أبو الدرداءلبعيرٍ له عند الموت: "أيها البعير، لا تخاصمني إلى ربك؛ فإني لم أكُ أحمِّلك فوق طاقتك".

حرصه على الأخوة في الله

كان أبو الدرداءيقول: أعوذ بالله أن يأتي عليَّ يوم لا أذكر فيه عبد الله بن رواحة، كان إذا لقيني مقبلاً ضرب بين ثديي، وإذا لقيني مدبرًا ضرب بين كتفي، ثم يقول: يا عويمر، اجلس فلنؤمن ساعة. فنجلس فنذكر الله ما شاء، ثم يقول: يا عويمر، هذه مجالس الإيمان.

ولما قيل لأبي الدرداء: ألا تبغض أخاك وقد فعل كذا؟ قال: "إنما أبغض عمله وإلاَّ فهو أخي، وأخوة الدين أوكد من أخوة القرابة". وكان أبو الدرداءيقول: "إني لأدعو لسبعين من إخواني في سجودي، أسمِّيهم بأسمائهم".

حرصه على الدعوة إلى الله

عن رجل من النخع قال: سمعت أبا الدرداءحين حضرته الوفاة قال: أحدثكم حديثًا سمعته من رسول الله، سمعت رسول اللهيقول: "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، واعدد نفسك في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم؛ فإنها تستجاب، ومن استطاع منكم أن يشهد الصلاتين العشاء والصبح ولو حبوًا، فليفعل".

من مواقفه مع الصحابة

موقفه مع سلمان الفارسي

روى البخاري بسنده عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: آخى النبيبين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء مُتبذِّلة، فقال لها: ما شأنك؟
قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا.
فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا، فقال: كُلْ.
قال: فإني صائم.
قال: ما أنا بآكل حتى تأكل.
قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نَمْ. فنام ثم ذهب يقوم، فقال: نَمْ. فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن. فصليا، فقال له سلمان: "إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حق حقه". فأتى النبيفذكر ذلك له، فقال النبي: "صدق سلمان".

موقفه مع أبي بن كعب

عن أبي الدرداءقال: جلس رسول اللهيومًا على المنبر، فخطب الناس وتلا آية وإلى جنبي أبيّ بن كعب، فقلت له: يا أبيّ، ومتى أنزلت هذه الآية؟ قال: فأبى أن يكلمني. ثم سألته، فأَبَى أن يكلمني حتى نزل رسول الله، فقال أبيّ: ما لك من جمعتك إلا ما لغيت. فلما انصرف رسول اللهجئته فأخبرته، فقلت: أَيْ رسول الله، إنك تلوت آية وإلى جنبي أبيّ بن كعب، فقلت له: متى أنزلت هذه الآية؟ فأبى أن يكلمني، حتى إذا نزلتَ زعم أبيّأنه ليس لي من جمعتي إلا ما لغيت. فقال: "صدق أبيّ، إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ".

من مواقفه مع التابعين

موقفه مع أهل الشام

عن الضحاك قال: قال أبو الدرداء: يا أهل دمشق، أنتم الإخوان في الدين، والجيران في الدار، والأنصار على الأعداء، ما يمنعكم من مودتي، وإنما مؤنتي على غيركم، ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجُهّالكم لا يتعلمون، وأراكم قد أقبلتم على ما تُكفّل لكم به، وتركتم ما أمرتم به، ألا إن قومًا بنوا شديدًا، وجمعوا كثيرًا، وأمَّلُوا بعيدًا، فأصبح بنيانهم قبورًا، وأملهم غرورًا، وجمعهم بورًا، ألا فتعلّموا وعلِّموا؛ فإن العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير في الناس بعدهما".

موقفه يوم فتح قبرص

عن جبير بن نفير قال: لما فتحت قبرص فُرِّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداءجالسًا وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟!
قال: ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على اللهإذا تركوا أمره.

أثره في الآخرين (دعوته وتعليمه)

روي أن أبا الدرداءكتب إلى سلمان: "يا أخي، اغتنم صحتك وفراغك قبل أن ينزل بك من البلاء ما لا يستطيع العباد ردَّه، واغتنم دعوة المبتلى. يا أخي، ليكن المسجد بيتك؛ فإني سمعت رسول اللهيقول: "المساجد بيت كل تقي"، وقد ضمن اللهلمن كانت المساجد بيوتهم بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله. ويا أخي، ارحم اليتيم وأدنه وأطعمه من طعامك؛ فإني سمعت رسول اللهيقول وقد أتاه رجل يشتكي قساوة قلبه، فقال رسول الله: "أتحب أن يلين قلبك؟" فقال: نعم. قال: "أدن اليتيم منك، وامسح رأسه وأطعمه من طعامك؛ فإن ذلك يلين قلبك وتقدر على حاجتك". ويا أخي، لا تغترن بصحبة رسول الله؛ فإنا عشنا بعده دهرًا طويلاً، والله أعلم بالذي أصبنا بعده".

وعن أبي قلابة أن أبا الدرداءمر على رجلٍ قد أصاب ذنبًا فكانوا يسبونه، فقال: "أرأيتم لو وجدتموه في قَلِيبٍ، ألم تكونوا مستخرجيه؟!
قالوا: بلى.
قال: "فلا تسبُّوا أخاكم، واحمدوا اللهالذي عافاكم".
قالوا: أفلا تبغضه؟!
قال: "إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي".

بعض ما رواه عن رسول الله

روى مسلم بسنده عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِأَنَّ النَّبِيَّقَالَ: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف، عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ".

وروى الترمذي بسنده عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّقَالَ: "مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ".

من كلمات أبي الدرداء

كان أبو الدرداءحكيمًا وأيَّ حكيم، ومن بستان حكمته قوله: "لو أن رجلاً هرب من رزقه كما يهرب من الموت، لأدركه رزقه كما يدركه الموت".
وقوله: "من كثر كلامه كثر كذبه، ومن كثر حلفه كثر إثمه، ومن كثرت خصومته لم يسلم دينه".
وقال أيضًا: "من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه، فقد قلَّ علمه وحضر عذابه، ومن لم يكن غنيًّا عن الدنيا فلا دنيا له".

موقف الوفاة

عن أم الدرداء -رضي الله عنها- أن أبا الدرداءلما احتضر جعل يقول: من يعمل لمثل يومي هذا؟! من يعمل لمثل ساعتي هذه؟! من يعمل لمثل مضجعي هذا؟! ثم يقول: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110].
مات أبو الدرداءسنة اثنتين وثلاثين من الهجرة بدمشق، وقيل: سنة إحدى وثلاثين

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:51 AM
أبو العاص بن الربيع


نسبه وقبيلته:
هو أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي العبشمي صهر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وزوج ابنته زينب أكبر بناته كان يعرف بجرو البطحاء هو وأخوه.(1)
أهم ملامح شخصيته:
1-الوفاء بالعهد قال الذهبي في تاريخ الإسلام: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أثنى على أبي العاص في مصاهرته وقال: "حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي"
2-الأمانة فلقد كان أبو العاص من رجال قريش المعدودين مالا وأمانة وتجارة.(2)
إسلامه:
لم يزل أبو العاص مقيما على شركه حتى إذا كان قبيل فتح مكة خرج بتجارة إلى الشام بأموال من أموال قريش أبضعوها معه فلما فرغ من تجارته و أقبل قافلا لقيته سرية لرسول الله (صلى الله عليه و سلم) و قيل إن رسول الله (صلى الله عليه و سلم) كان هو الذي وجه السرية للعير التي فيها أبو العاص قافلة من الشام و كانوا سبعين و مائة راكب أميرهم زيد بن حارثة و ذلك في جمادى الأولى في سنة ست من الهجرة فأخذوا ما في تلك العير من الأثقال و أسروا أناسا من العير فأعجزهم أبو العاص هربا فلما قدمت السرية بما أصابوا أقبل أبو العاص من الليل في طلب ماله حتى دخل على زينب ابنة رسول الله (صلى الله عليه و سلم) فاستجار بها فأجارته فلما خرج رسول الله( صلى الله عليه و سلم) إلى صلاة الصبح فكبر و كبر الناس معه.
فعن عائشة( رضي الله عنها) قالت: صرخت زينب (رضي الله عنها): أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع قال فلما سلم رسول الله( صلى الله عليه و سلم) من صلاته أقبل على الناس فقال: أيها الناس هل سمعتم ما سمعت قالوا: نعم قال: أما و الذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء كان حتى سمعت منه ما سمعتم إنه يجير على المسلمين أدناهم ثم انصرف رسول الله (صلى الله عليه و سلم) فدخل على ابنته زينب فقال: أي بنية أكرمي مثواه و لا يخلص إليك فإنك لا تحلين له
وعن عائشة (رضي الله عنها): أن رسول الله (صلى الله عليه و سلم) بعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص و قال لهم: إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم و قد اصبتم له مالا فإن تحسنوا تردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك و إن أبيتم ذلك فهو فيىء الله الذي أفاءه عليكم فأنتم أحق به قالوا: يا رسول الله بل نرده عليه قال: فردوا عليه ماله حتى إن الرجل ليأتي بالحبل و يأتي الرجل بالشنة و الأداوة حتى أن أحدهم ليأتي بالشطاط حتى ردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئا ثم احتمل إلى مكة فأدى إلى كل ذي مال من قريش ماله ممن كان أبضع منه ثم قال: يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه قالوا: لا فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله و ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوفا أن تظنوا اني إنما أردت أخذ أموالكم فلما أداها الله عز و جل إليكم و فرغت منها أسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم. (3)
من مواقفه مع الصحابة:
مع زينب بنت رسول الله قبل إسلامه فعن عائشة زوج النبي( صلى الله عليه وسلم* ) قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله( صلى الله عليه وسلم) في فداء أبي العاص وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها فلما رآها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رق لها رقة شديدة وقال: " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا ". فقالوا: نعم يا رسول الله فأطلقوه وردوا عليها الذي لها. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ عليه ووعده ذلك أن يخلي سبيل زينب إليه إذ كان فيما شرط عليه في إطلاقه ولم يظهر ذلك منه ولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلم إلا أنه لما خرج أبو العاص إلى مكة وخلى سبيله بعث رسول الله( صلى الله عليه وسلم) زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار فقال: " كونا ببطن ناجح حتى تمر بكما زينب فتصحبانها فتأتياني بها ". فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها فخرجت جهرة.(4)
الوفاة:
قال إبراهيم بن المنذر مات أبو العاص بن الربيع في خلافة أبي بكر في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة من الهجرة وفيها أرخه ابن سعد.(5)
المصادر:
1- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 545 ]
2- تاريخ الإسلام [ جزء 1 - صفحة 260 ]
3- المستدرك [ جزء 3 - صفحة 262 ]
4- مجمع الزوائد [ جزء 9 - صفحة 343 ]
5- الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 7 - صفحة 251 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:53 AM
أبو الهيثم بن التيهان


هو أبو الهيثم مالك بن التيهان بن مالك بن عتيك بن عمرو الأوسي الأنصاري.
وقيل هو أول صحابي ضرب على يد الرسول في بيعة العقبة الثانية، وقال ابن إسحاق: فبنو النجار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يده وبنو عبد الأشهل يقولون بل أبو الهيثم بن التيهان.
إسلامه:
قال محمد بن عمر وكان أبو الهيثم يكره الأصنام في الجاهلية ويؤفف بها ويقول بالتوحيد هو وأسعد بن زرارة وكانا من أول من أسلم من الأنصار بمكة ويجعل في الثمانية النفر الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة من الأنصار فأسلموا قبل قومهم ويجعل أبو الهيثم أيضا في الستة النفر الذين يروى أنهم أول من لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار بمكة فأسلموا قبل قومهم وقدموا المدينة بذلك وأفشوا بها الإسلام.
قال محمد بن عمر وأمر الستة أثبت الأقاويل عندنا إنهم أول من لقي رسول الله عليه السلام من الأنصار فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا وقد شهد أبو الهيثم العقبة مع السبعين من الأنصار وهو أحد النقباء لاثني عشر أجمعوا على ذلك كلهم وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي الهيثم بن التيهان وعثمان بن مظعون وشهد أبو الهيثم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل إن أول من أسلم من الأنصار أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس خرجا إلى مكة يتنافران إلى عتبة بن ربيعة فقال لهما قد شغلنا هذا المصلي عن كل شيء يزعم أنه رسول الله قال وكان أسعد بن زرارة وأبو الهيثم بن التيهان يتكلمان بالتوحيد بيثرب فقال ذكوان بن عبد قيس لأسعد بن زرارة حين سمع كلام عتبة دونك هذا دينك فقاما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الإسلام فأسلما ثم رجعا إلى المدينة فلقي أسعد أبا الهيثم بن التيهان فأخبره بإسلامه وذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وما دعا إليه فقال أبو الهيثم فأنا أشهد معك أنه رسول الله وأسلم.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
لما هم الرسول صلى الله عليه وسلم بأخذ العهد على الأنصار في بيعة العقبة قام فتكلم وتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الإسلام ثم قال أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم. قال فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال نعم والذي بعثك بالحق (نبيا) لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا ( عن كابر) قال فاعترض القول والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الهيثم بن التيهان، فقال يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبال، وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعن؟ قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم
قال ابن هشام: وقال الهدم الهدم: ( يعني الحرمة) أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم؟.
ومن مواقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم ما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه فيقول: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله! قال: أما والذي نفسي بيده أخرجني الذي أخرجكما! قوموا فقاموا معه، فأتى رجلًا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلًا فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء. إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه ثم قال: الحمد لله! ما أحد اليوم أكرم أضيافًا مني! قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المدية، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إياك والحلوب! فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، فلما أن شبعوا وروا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر والذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم يوم القيامة! أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم.
الرجل المكرم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه -رضي الله عنهما-: أبو الهيثم مالك بن التيهان.
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
وعن محمد بن يحيى بن حبان أن أبا الهيثم بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خارصا، ثم بعثه أبو بكر فأبى، وقال: إني كنت إذا خرصت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجعت، دعا لي فتركه بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن أبي الهيثم بن التيهان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المستشار مؤتمن)
الوفاة:
نقل أبو عمر عن الأصمعي، قال: سألت قوم أبي الهيثم، فقالوا: مات في حياة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ قال: وهذا لم يتابع عليه قائله. وعن صالح بن كيسان قال توفي أبو الهيثم في خلافة عمر.وقال غيره توفي سنة عشرين. قال الواقدي هذا أثبت عندنا ممن روى أنه قتل بصفين مع علي.
وقيل: إنه توفى سنة إحدى وعشرين.
وقيل: شهد صفين مع علي، وهو الأكثر. وقال بذلك ابن الأثير.
وقيل: إنه قتل بها، وهذا ساقه أبو بشر الدولابي، من طريق صالح بن الوجيه، وقال: ممن قتل بصفين أبو الهيثم بن التيهان، وعبد الرحمن بن بديل، وآخرون.
المراجع
الإصابة في تمييز الصحابة
الطبقات الكبرى
المعجم الكبير
سير أعلام النبلاء

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:54 AM
أبو أمامة بن سهل


نسبه وقبيلته:
أبو أمامة بن سهل بن حنيف بن وهب الأنصاري من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس اسمه أسعد سماه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) باسم جده أبي أمامة أسعد بن زرارة أبي أمه وكناه بكنيته ودعا له وبرك عليه.(1)
من الأحاديث التي رواها عن رسول الله:
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بامرأة قد زنت فقال ممن قالت من المقعد الذي في حائط سعد فأرسل إليه فأتي به محمولا فوضع بين يديه فاعترف فدعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) باثكال فضربه ورحمه لزمانته وخفف عنه.(2)
وروي ابن ماجة في سننه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله . وليس له وارث إلا خال . فكتب في ذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر . فكتب إليه عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الله و رسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له).
الوفاة:
وتوفي أبو أمامة بن سهل بن حنيف سنة مائة وهو ابن نيف وتسعين سنة(3).

المصادر:
1- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 509 ]
2- سنن النسائي [ جزء 8 - صفحة 242 ]
3- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 27 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:55 AM
أبو بصير


هو أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي حليف بني زهرة.
موقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واطمأن بها أقبل إليه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي حليف بني زهرة فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخنس بن شريق الثقفي ولأزهر بن عبد عوف وبعثا بكتابهما مع مولى لهما ورجل من بني عامر بن لؤي استأجره ليرد عليهم صاحبهم أبا بصير فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفعا إليه كتابهما فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بصير فقال له: " يا أبا بصير إن هؤلاء القوم قد صالحونا على ما قد عملت وإنا لا نغدر فالحق بقومك ". فقال يا رسول الله تردني إلى المشركين يفتنوني في ديني!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اصبر يا أبا بصير واحتسب فإن الله جاعلا لك ولمن معك من المستضعفين من المؤمنين فرجا ومخرجا". قال: فخرج أبو بصير وخرجا حتى إذا كانوا بذي الحليفة جلسوا إلى سور جدار فقال أبو بصير للعامري: أصارم سيفك قال: نعم. قال: أنظر إليه قال: إن شئت فاستله. فضرب به عنقه وخرج المولى يشتد وطلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فلما رآه قال: هذا رجل قد رأى فزع. فلما انتهى إليه قال: قتل صاحبكم صاحبي. فما برح حتى طلع أبو بصير متوشح السيف فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله وفت ذمتك وقد امتنعت بنفسي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ويل أمه "!
محش حرب لو كان معه رجال "!
فخرج أبو بصير حتى نزل بالعيص وكان طريق أهل مكة إلى الشام فسمع به من كان بمكة من المسلمين فلحقوا به حتى كان في عصبة من المسلمين قريب من ستين أو سبعين وكانوا لا يظفرون برجل من قريش إلا قتلوه ولم يمر بهم عير إلا اقتطعوها حتى كتبت فيهم قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم لما آواهم فلا حاجة لنا بهم ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموا عليه المدينة. وقيل إن أبا جندل بن سهيل بن عمرو كان ممن لحق بأبي بصير وكان عنده 0
وفاته
قدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي جندل وأبو بصير يموت فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يقرؤه فدفنه أبو جندل مكانه وصلى عليه وبنى على قبره مسجدا، وذكر ابن إسحاق هذا الخبر بهذا المعنى وبعضهم يزيد فيه على بعض والمعنى متقارب إن شاء الله تعالى.
المراجع:
سنن البيهقي الكبرى
أسد الغابة
الاستيعاب

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:55 AM
أبو جندل


هو أبو جندل بن سهيل بن عمرو القرشي العامري.(1)
أسلم قديما بمكة فحبسه أبوه وأوثقه في الحديد ومنعه الهجرة.(2)
من مواقفه مع الرسول:
في صلح الحديبية والصحيفة تكتب إذ طلع أبو جندل بن سهيل يرسف في الحديد وكان أبوه حبسه فأفلت. فلما رآه أبوه سهيل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلابيبه وقال يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذ!
قال: صدقت. فصاح أبو جندل بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين يفتنوني في ديني!
وقد كانوا خرجوا مع رسول الله( صلى الله عليه وسلم ) لا يشكون في الفتح فلما صنع أبو جندل ما صنع وقد كان دخل - لما رأوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حمل على نفسه في الصلح ورجعته - أمر عظيم فلما صنع أبو جندل ما صنع زاد الناس شرا على ما بهم فقال رسول الله لأبي جندل: " أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرج. وإنا صالحنا القوم وإنا لا نغدر "(3)
من مواقفه مع الصحابة:
له موقف مع أبي بصير فقد انفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو الذي رده (صلى الله عليه وسلم ) يوم الحديبية وخرج من مكة في سبعين راكبا أسلموا فلحقوا بأبي بصير وكرهوا أن يقدموا على رسول الله( صلى الله عليه وسلم) في مدة الهدنة خوفا من أن يردهم إلى أهلهم وانضم إليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة وطوائف من العرب ممن أسلم حتى بلغوا ثلثمائة مقاتل فقطعوا مارة قريش لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه ولا تمر بهم عير إلا أخذوها حتى كتبت قريش له صلى الله عليه وسلم تسأله بالأرحام إلا آواهم ولا حاجة لهم بهم فكتب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى أبي جندل وأبي بصير أن يقدما عليه وإن من معهم من المسلمين يلحق ببلادهم وأهليهم ولا يتعرضوا لأحد مر بهم من قريش ولا لعيرهم فقدم كتاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) عليهما وأبو بصير مشرف على الموت لمرض حصل له فمات وكتاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) في يده يقرأه فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدا. (4)
من كلماته:
أورد ابن عبد البر في الاستيعاب " قال أبو جندل وهو مع أبي بصير:
أبلغ قريشا من أبي جندل... أني بذي المروة بالساحل
في معشر تخفق أيمانهم... بالبيض فيها والقنى الذابل
يأبون أن تبقى لهم رفقة... من بعد إسلامهم الواصل
أو يجعل الله لهم مخرج... والحق لا يغلب بالباطل
فيسلم المرء بإسلامه... أو يقتل المرء ولم يأتل
الوفاة:
مات بالشام في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.(5)
المصادر:
1- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 516 ]
2- الطبقات الكبرى [ جزء 7 - صفحة 405 ]
3- أسد الغابة [ جزء 1 - صفحة 1153 ]
4- محمد رسول الله [ جزء 1 - صفحة 423 ]
5- المستدرك [ جزء 3 - صفحة 311 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 12:57 AM
أبو ذر الغفاري


اسمه ولقبه

هو أبو ذَرّ، ويقال أبو الذَرّ جندب بن جنادة الغفاري. وقد اختلف في اسمه فقيل: جندب بن عبد الله، وقيل: جندب بن السكن، والمشهور جندب بن جنادة. وأم أبي ذَرّ هي رملة بنت الوقيعة الغفارية، وقد أسلمت رضي الله عنها.

كانآدم طويلاً أبيض الرأس واللحية، أسمر اللون نحيفًا، قال أبو قلابة عن رجل من بني عامر: "دخلت مسجد مِنى فإذا شيخ معروق آدم (أي أسمر اللون)، عليه حُلَّة قِطْريٌّ، فعرفت أنه أبو ذَرّ بالنعت".

حاله في الجاهلية

ولد أبو ذرفي قبيلة غفار بين مكة والمدينة، وقد اشتهرت هذه القبيلة بالسطو، وقطع الطريق على المسافرين والتجار وأخذ أموالهم بالقوة، وكان أبو ذَرّرجلاً يصيب الطريق، وكان شجاعًا يقطع الطريق وحده، ويُغير على الناس في عماية الصبح على ظهر فرسه أو على قدميه كأنه السبع، فيطرق الحي ويأخذ ما يأخذ.

ومع هذا كان أبو ذَرّ ممن تألّه[1]: "أخذ أبو بكربيدي فقال: يا أبا ذر. فقلت: لبيك يا أبا بكر. فقال: هل كنت تأله في جاهليتك؟ قلت: نعم، لقد رأيتني أقوم عند الشمس (أي عند شروقها)، فلا أزال مصليًا حتى يؤذيني حرّها، فأخرّ كأني خفاء. فقال لي: فأين كنت توجَّه؟ قلت: لا أدري إلا حيث وجهني الله، حتى أدخل الله عليَّ الإسلام". (http://vb.g111g.com/#_ftn1) في الجاهلية، وكان يقول: لا إله إلا الله، ولا يعبد الأصنام. قال أبو ذر

النور يسري إلى قلب أبي ذَر وقبيلته

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال أبو ذر: كنت رجلاً من غفار، فبلغنا أن رجلاً قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل كلِّمه وَأْتني بخبره. فانطلق فلقيه، ثم رجع فقلت: ما عندك؟ فقال: والله لقد رأيت رجلاً يأمر بالخير، وينهى عن الشر. فقلت له: لم تشفني من الخبر. فأخذت جرابًا وعصًا، ثم أقبلت إلى مكة فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد. قال: فمر بي عليٌّ، فقال: كأن الرجل غريب؟ قال: قلت: نعم. قال: فانطلق إلى المنزل. قال: فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره، فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء.

قال: فمر بي عليٌّ فقال: أما نال للرجل يعرف منزله بعد؟ قال: قلت: لا. قال: انطلق معي. قال: فقال: ما أمرك؟ وما أقدمك هذه البلدة؟ قال: قلت له: إن كتمت عليَّ أخبرتك. قال: فإني أفعل. قال: قلت له: بلغنا أنه قد خرج هاهنا رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه. فقال له: أما إنك قد رشدت، هذا وجهي إليه فاتبعني، ادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحدًا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي، وامضِ أنت. فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي، فقلت له: اعرض عليَّ الإسلام. فعرضه فأسلمت مكاني، فقال لي: "يا أبا ذَرّ، اكتم هذا الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل".

فقلت: والذي بعثك بالحق لأصرخَنَّ بها بين أظهرهم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فقاموا فضُربت لأموت، فأدركني العباس فأكب عليَّ، ثم أقبل عليهم فقال: ويلكم! تقتلون رجلاً من غفار، ومتجركم وممركم على غفار. فأقلعوا عني، فلما أن أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فصُنع بي مثل ما صنع بالأمس، وأدركني العباس فأكبّ عليَّ، وقال مثل مقالته بالأمس.

وكان أبو ذرّمن كبار الصحابة، قديم الإسلام، يقال: أسلم بعد أربعة فكان خامسًا، وبعد أن أسلم آخى النبيبينه وبين المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة وهو المُعْنِق ليموت.

أثر الرسول في تربيته

كان للنبيأثرٌ كبير وواضحٌ في حياة أبي ذر؛ وذلك لقدم إسلامه، وطول المدة التي قضاها مع النبي؛ فعن حاطب قال: قال أبو ذر: "ما ترك رسول اللهشيئًا مما صبّه جبريل وميكائيل -عليهما السلام- في صدره إلا قد صبه في صدري".

وعن أبي هريرةقال: قال أبو ذَرّ: يا رسول الله، ذهب أصحاب الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضول أموال يتصدقون بها. فقال رسول الله: "يا أبا ذَرّ، ألا أعلمك كلمات تدرك بهن من سبقك، ولا يلحقك من خلفك إلا من أخذ بمثل عملك؟" قال: بلى يا رسول الله. قال: "تكبر الله دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتحمده ثلاثًا وثلاثين، وتسبحه ثلاثًا وثلاثين، وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".

أهم ملامح شخصيته

الزهد الشديد والتواضع

قيل لأبي ذرٍّ: ألا تتخذ أرضًا كما اتخذ طلحة والزبير؟ فقال: "وما أصنع بأن أكون أميرًا، وإنما يكفيني كل يوم شربة من ماء أو نبيذ أو لبن، وفي الجمعة قَفِيزٌ من قمح".

وعن أبي ذر قال: "كان قوتي على عهد رسول اللهصاعًا من التمر، فلست بزائدٍ عليه حتى ألقى الله تعالى".

صدق اللهجة

قال أبو ذَرّ: قال لي رسول الله: "ما تقلّ الغبراء ولا تظل الخضراء على ذي لهجة أصدق وأوفى من أبي ذَرّ، شبيه عيسى ابن مريم". قال: فقام عمر بن الخطابفقال: يا نبي الله، أفنعرف ذلك له؟ قال: "نعم، فاعرفوا له".

الحرص على الجهاد رغم الصعوبات

عن عبد الله بن مسعودقال: لما سار رسول اللهإلى تبوك، جعل لا يزال يتخلف الرجل فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان. فيقول: "دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه". حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيره. فقال رسول الله: "دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه". فتلوَّم أبو ذَرّعلى بعيره فأبطأ عليه، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره فخرج يتبع رسول اللهماشيًا، ونزل رسول اللهفي بعض منازله ونظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق. فقال رسول الله: "كن أبا ذَرّ". فلما تأمله القوم، قالوا: يا رسول الله، هو -والله- أبو ذَرّ. فقال رسول الله: "رحم الله أبا ذَرّ، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده".

بعض المواقف من حياته مع الرسول

وفي صحيح مسلم عن أبي ذَرّ قال: سألت رسول الله: هل رأيت ربك؟ قال: "نور أنَّى أراه". قال النووي: أي حجابه نور، فكيف أراه؟!

وعن أبي ذَرّقال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: "يا أبا ذَرّ، إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها".

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

مع معاوية

عن زيد بن وهب قال: مررت بالرَّبَذَة، فإذا أنا بأبي ذَرّفقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه} [التوبة: 34]، قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب. فقلت: نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمانيشكوني، فكتب إليَّ عثمانأنِ اقْدِمْ المدينة. فقدمتها فكثر عليَّ الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذاك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريبًا. فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمَّرُوا عليَّ حبشيًّا لسمعت وأطعت.

مع أبي بن كعب

عن أبي ذَرّأنه قال: دخلت المسجد يوم الجمعة والنبييخطب، فجلست قريبًا من أبي بن كعب، فقرأ النبيسورة براءة، فقلت لأبيّ: متى نزلت هذه السورة؟ قال: فتجهمني ولم يكلمني. ثم مكثت ساعة، ثم سألته فتجهمني ولم يكلمني، ثم مكثت ساعة ثم سألته فتجهمني ولم يكلمني، فلما صلى النبيقلت لأبيّ: سألتك فتجهمتني ولم تكلمني. قال أبيّ: ما لك من صلاتك إلا ما لغوت.
فذهبت إلى النبيفقلت: يا نبي الله، كنت بجنب أبيٍّ وأنت تقرأ براءة، فسألته متى نزلت هذه السورة فتجهمني ولم يكلمني، ثم قال: ما لك من صلاتك إلا ما لغوت. قال النبي: "صدق أُبَيّ".

بعض المواقف من حياته مع التابعين

مع عبد الله بن الصامت

عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذَرّقال: قال رسول الله: "إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود". قلت: يا أبا ذَرّ، ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يابن أخي، سألت رسول اللهكما سألتني، فقال: "الكلب الأسود شيطان".

مع صدقة بن أبي عمران

عن صدقة بن أبي عمران بن حطان قال: أتيت أبا ذَرّ فوجدته في المسجد مختبئًا بكساء أسود وحده، فقلت: يا أبا ذَرّ، ما هذه الوحدة؟ فقال: سمعت رسول اللهيقول: "الوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة، وإملاء الخير خير من السكوت، والسكوت خير من إملاء الشر".

بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول

روى البخاري بسنده عن أبي ذرقال: سألت النبي، أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله". قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أعلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها". قلت: فإن لم أفعل. قال: "تعين ضَايِعًا أو تصنع لأخرق". قلت: فإن لم أفعل. قال: "تدع الناس من الشر؛ فإنها صدقة تصدق بها على نفسك".

وعن أبي ذر، عن النبيقال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم". قال: فقرأها رسول اللهثلاث مرارًا، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: "المُسْبِل، والمنَّان، والمُنْفِق سلعته بالحلف الكاذب".

أثره في الآخرين

منذ أسلمأصبح من الدعاة إلى الله I، فدعا أباه وأمه وأهله وقبيلته، ولما أسلم أبو ذرقال: انطلق النبيوأبو بكر وانطلقت معهما حتى فتح أبو بكر بابًا، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، قال: فكان ذلك أول طعام أكلته بها، فلبثت ما لبثت، فقال رسول الله: "إني قد وجهت إلى أرض ذات نخل -ولا أحسبها إلا يثرب- فهل أنت مبلغ عني قومك؛ لعل الله ينفعهم بك ويأجرك فيهم".
قال: فانطلقت حتى أتيت أخي أنيسًا، قال: فقال لي: ما صنعت؟ قال: قلت: إني أسلمت وصدقت. قال: فما بي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقت. ثم أتينا أُمَّنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما، فإني قد أسلمت وصدقت. فتحملنا حتى أتينا قومنا غفارًا. قال: فأسلم بعضهم قبل أن يقدم رسول اللهالمدينة، وكان يؤمِّهم خُفاف بن إيماء بن رَحَضَة الغفاري، وكان سيِّدهم يومئذ، وقال بقيتهم: إذا قدم رسول اللهأسلمنا. قال: فقدم رسول اللهفأسلم بقيتهم. قال: وجاءت "أسلم" فقالوا: يا رسول الله، إخواننا، نُسلم على الذي أسلموا عليه. فقال رسول الله: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله".

مواقف خالدة في حياة أبي ذر

ينتقل الزاهد الورع خليفة وأمير المؤمنين عمر بن الخطابإلى جوار ربه ورسوله، تاركًا خلفه فراغًا هائلاً، ويبايع المسلمون عثمان بن عفانوتستمر الفتوحات وتتدفق الأموال من البلاد المفتوحة، فارس والروم ومصر، وظهرت بين العرب طبقات غنية كنزت الأموال، وبنت القصور، وعاشت عيشة الأمراء، كما ظهرت بجانبهم طبقات فقيرة لا تجد ما تقتات به. خرج أبو ذرإلى معاقل السلطة والثروة يغزوها بمعارضته معقلاً معقلاً، وأصبح في أيام معدودات الراية التي التفَّتْ حولها الجماهير والكادحون، وكان إذا نزل بأرض ردد قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34، 35]. ولقد بدأ بأكثر تلك المعاقل سيطرة ورهبة هناك بالشام حيث معاوية بن أبي سفيانيحكم أرضًا من أكثر بلاد الإسلام خصوبة وخيرًا وفيئًا، ويستشعر معاوية الخطر، وتفزعه كلمات الثائر الجليل، ولكنه يعرف قدره، فلا يقربه بسوء، ويكتب من فوره للخليفة عثمان بن عفان، ويكتب عثمان لأبي ذر يستدعيه إلى المدينة، ويجري بينهما حوار طويل ينتهي بأن يقول له أبو ذر: "لا حاجة لي في دنياكم". وطلب أبو ذر من عثمانأن يسمح له بالخروج إلى "الرَّبَذَة"، فأذن له.

موقفه من الثورات

أتى أبا ذر وفدٌ من الكوفة وهو في الرَّبَذَة، يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد عثمان بن عفان، فزجرهم بكلمات حاسمة قائلاً: "والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة، أو جبل لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت، ورأيت أن ذلك خيرٌ لي، ولو سيَّرني ما بين الأفق إلى الأفق، لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو ردني إلى منزلي لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت، ورأيت أن ذلك خيرٌ لي".
وهكذا أدرك ما تنطوي عليه الفتنة المسلحة من وبال وخطر؛ فتحاشاها.

بعض كلماته

من أقواله: "حجوا حجة لعظائم الأمور، وصوموا يومًا شديد الحر لطول يوم النشور، وصلوا ركعتين في سوداء الليل لوحشة القبور".

وفاته

تُوفِّي أبو ذر الغفاريبالرَّبَذَة سنة 32هـ/ 652م.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:01 AM
أبو سبرة بن أبى رهم

هو أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود القرشي العامري (1)
إسلامه:
أسلم قديماَ فقد ذكر فيمن هاجر هجرة الحبشة الأولى هو وزوجته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو
من ملامح شخصيته:
الشجاعة والإقدام فقد شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

توفي أبو سبرة في خلافة عثمان بن عفان(2)

المصادر:
1- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 532 ]
2- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 532 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:02 AM
أبو سعيد الخدري


هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن الأبجر وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي أبو سعيد الخدري.. مشهور بكنيته..
كان ممن حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سننا كثيرة، وروى عنه علما جما، وكان من نجباء الأنصار وعلمائهم وفضلائهم.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
يقول أبو سعيد، قال: أتى علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ونحن أناس من ضعفة المسلمين ما أظن رسول الله يعرف أحدا منهم، وإن بعضهم ليتوارى من بعض من العري. فقال رسول الله بيده، فأدارها شبه الحلقة، قال: فاستدارت له الحلقة، فقال: "بما كنتم تراجعون"؟ قالو: هذا رجل يقرأ لنا القرآن، ويدعو لنا، قال: "فعودوا لما كنتم فيه"، ثم قال: "الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم" ثم قال: "ليبشر فقراء المؤمنين بالفوز يوم القيامة قبل الأغنياء بمقدار خمسمائة عام، هؤلاء في الجنة يتنعمون، وهؤلاء يحاسبون"
تابعه جعفر بن سليمان عن المعلى، أخرجه أبو داود وحده..
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
لما بايع الناس معاوية ليزيد كان الحسين ممن لم يبايع له، وكان أهل الكوفة يكتبون إلى حسين يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية، كل ذلك يأبى، فقدم منهم قوم إلى محمد بن الحنفية يطلبون إليه أن يخرج معهم، فأبى وجاء إلى الحسين فأخبره بما عرضوا عليه وقال: إن القوم إنما يريدون أن يأكلوا بن، ويشيطوا دماءن. فأقام حسين على ما هو عليه من الهموم، مرة يريد أن يسير إليهم، ومرة يجمع الإقامة. فجاءه أبو سعيد الخدري فقال: يا أبا عبد الله، إني لكم ناصح، وإني عليكم مشفق، وقد بلغني أنه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم، فلا تخرج، فإني سمعت أباك يقول بالكوفة: والله لقد مللتهم وأبغضتهم، وملوني وأبغضوني، وما بلوت منهم وفاء، ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم ثبات ولا عزم على أمر، ولا صبر على السيف.
بعض المواقف من حياته مع التابعين:
وقد اختفى جماعة من سادات الصحابة، منهم جابر بن عبد الله، وخرج أبو سعيد الخدري فلجأ إلى غار في جبل، فلحقه رجل من أهل الشام. قال: فلما رأيته انتضيت سيفي فقصدني، فلما رآني صمم على قتلي، فشمت سيفي، ثم قلت إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ فلما رأى ذلك قال: من أنت؟ قلت: أنا أبو سعيد الخدري قال: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: نعم. فمضى وتركني.
ـ وعن عياض بن عبد الله قال: رأيت أبا سعيد الخدري جاء ومروان يخطب فقام فصلى ركعتين فجاء إليه الأحراس ليجلسوه فأبي أن يجلس حتى صلى الركعتين فلما أقضينا الصلاة أتيناه فقلنا يا أبا سعيد: كاد هؤلاء أن يفعلوا بك ، فقال: ما كنت لأدعها لشيء بعد شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء رجل وهو يخطب فدخل المسجد بهيئة بذة فقال " أصليت "؟ قال: لا ، قال: " فصل ركعتين " ثم حث الناس على الصدقة فألقوا ثيابا فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل منها ثوبين فلما كانت الجمعة الأخرى جاء الرجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أصليت "؟ قال: لا قال: " فصل ركعتين " ، ثم حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة فطرح الرجل أحد ثوبيه فصاح به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " خذه " ، فأخذه ، ثم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم " انظروا إلى هذا جاء تلك الجمعة بهيئة بذة فأمرت الناس بالصدقة فطرحوا ثيابا فأعطيته منها ثوبين فلما جاءت الجمعة وأمرت الناس بالصدقة فجاء فألقى أحد ثوبيه " ـ وعن عاصم عن ابن سيرين قال: كان أبو سعيد الخدري <317> قائما يصلي فجاء عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يمر بين يديه فمنعه وأبى إلا أن يمضي فدفعه أبو سعيد فطرحه فقيل له: تصنع هذا بعبد الرحمن فقال: والله لو أبى إلا أن آخذه بشعره لأخذت.
آثره في الآخرين (دعوته ـ تعليمه):
عن إسماعيل بن رجاء بن ربيعة عن أبيه قال: كنا عند أبي سعيد الخدري في مرضه الذي توفي فيه قال: فأغمي عليه فلما أفاق قال قلنا له الصلاة يا أبا سعيد قال: كفان قال: أبو بكر يريد كفان يعني أومأ بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
ـ يحدث عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن..
ـ ويروي عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحيا أو الحياة شك مالك فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية..
قال وهيب حدثنا عمرو الحياة وقال خردل من خير
ـ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا فما أولت ذلك يا رسول الله قال الدين..
وعن صالح ذكوان عن أبي سعيد الخدري
قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار فقالت امرأة واثنتين فقال واثنتين
ـ وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وعن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال سمعت أبا حازم عن أبي هريرة قال ثلاثة لم يبلغوا الحنث..
ما قيل فيه:
قال حنظلة بن أبي سفيان عن أشياخه كان من أفقه أحداث الصحابة
وقال الخطيب كان من أفاضل الصحابة وحفظ حديثا كثيرا
الوفاة:
قيل: مات سنة أربع وسبعين. وقيل: أربع وستين. وقال المدائني: مات سنة ثلاث وستين. وقال العسكري:مات سنة خمس وستين
المراجع:
الإصابة في تمييز الصحابة
سير أعلام النبلاء
الاستيعاب
مسند أحمد بن حنبل
فتح الباري بشرح صحيح البخاري

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:04 AM
أبو سفيان صخر بن حرب


اسمه ولقبه

هو أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي الأموي. ولد أبو سفيان قبل عام الفيل بعشر سنين، وأسلم عام الفتح.

من مواقفه في الجاهلية

في يوم أُحد كان أبو سفيان بن حرب هو الذي قاد قريشًا كلها يوم أُحد، ولم يكن بأعلم من رسول اللهبقيادة الجيش وتنظيمه، لكن أبا سفيان استطاع أن يجند عددًا كبيرًا من قريش، فكانت عدتهم 3000، فيهم 700 دارع، ومعهم 200 فرس.

وموقف آخر مع زيد بن الدَّثِنَة؛ إذ اجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان حين قَدِمَ ليُقتل: أنشدك بالله يا زيد، أتحب أن محمدًا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه، وأنك في أهلك. قال: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي. فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا كحبِّ أصحاب محمد محمدًا.

إسلامه

لما نزل رسول اللهبمَرّ الظَّهْران، قال العباس: واصباح قريش! والله لئن دخل رسول اللهمكة عنوة قبل أن يستأمنوه، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر. قال: فجلست على بغلة رسول اللهالبيضاء، فخرجت عليها حتى جئت الأراك، فقلت: لعلِّي ألقى بعض الحطّابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول اللهفيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة.

قال: فوالله إني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كاليوم قط نيرانًا ولا عسكرًا. قال: يقول بديل: هذه والله نيران خزاعة حَمَشَتْهَا الحرب. قال: يقول أبو سفيان: خزاعة والله أذل وألأم من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها. قال: فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة. فعرف صوتي فقال: أبو الفضل؟ قلت: نعم. فقال: ما لك فداك أبي وأمي؟ فقلت: ويحك يا أبا سفيان! هذا رسول اللهفي الناس، واصباح قريش والله. قال: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟

قال: قلت: لئن ظفر بك ليضربَنَّ عنقك، فاركب معي هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله، فأستأمنه لك. قال: فركب خلفي ورجع صاحباه، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول اللهقالوا: عم رسول اللهعلى بغلته. حتى مررت بنار عمر بن الخطابفقال: من هذا؟ وقام إليَّ، فلما رأى أبا سفيان على عجز البغلة قال: أبو سفيان، عدو الله؟! الحمد لله الذي أمكن الله منك بغير عقد ولا عهد. ثم خرج يشتد نحو رسول الله، وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة الرجل البطيء، فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول اللهودخل عمر، فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه.

فقلت: يا رسول الله، إني أجرته. ثم جلست إلى رسول الله، فأخذت برأسه فقلت: لا والله، لا يناجيه الليلة رجل دوني. قال: فلما أكثر عمر في شأنه قلت: مهلاً يا عمر، أما والله أن لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك عرفت أنه من رجال بني عبد مناف. فقال: مهلاً يا عباس، والله لإسلامك يوم أسلمت أحب إليَّ من إسلام أبي لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحبِّ إلى رسول اللهمن إسلام الخطاب. فقال رسول الله: "اذهب به إلى رحلك يا عباس، فإذا أصبحت فأتني به".

فذهبت به إلى رحلي فبات عندي، فلما أصبح غدوت به على رسول الله، فلما رآه رسول اللهقال: "ويحك يا أبا سفيان! ألم يأنِ لك أن تشهد أن لا إله إلا الله؟!" قال: بأبي أنت وأمي، ما أكرمك وأحلمك وأوصلك! لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئًا. قال: "ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟!" قال: بأبي وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! هذه والله كان في النفس منها شيء حتى الآن. قال العباس: ويحك يا أبا سفيان! أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قبل أن يُضرب عنقك. قال: فشهد شهادة الحق وأسلم.

أهم ملامح شخصيته

تميز أبو سفيانبكثيرٍ من الصفات التي قلما توجد في إنسان، وهذا ما جعله جديرًا بزعامة قريش:

1- الدهاء والحكمة (موقفه يوم بدر وفراره بالقافلة).

2- الشجاعة والإقدام (موقفه يوم حنين وعدم فراره من المعركة).

3-حب الفخر وحب الزعامة (موقفه يوم فتح مكة)، ولم يعِب النبيعليه ذلك.

4- البخل، غير أنه يتكلف الجود إذا اقتضى الأمر؛ يدفعه ثمنًا للزعامة.

من مواقفه مع الرسول

قال ابن الأثير في أسد الغابة: كانت راية رسول اللهبيد سعد بن عبادةيوم الفتح، فمر بها على أبي سفيان، وكان أبو سفيان قد أسلم، فقال له سعد: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشًا. فلما مر رسول اللهفي كتيبة من الأنصار، ناداه أبو سفيان: يا رسول الله، أمرت بقتل قومك، زعم سعد أنه قاتلنا. وقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما: يا رسول الله، ما نأمن سعدًا أن تكون منه صولة في قريش. فقال رسول الله: "يا أبا سفيان، اليوم يوم المرحمة، اليوم أعز الله قريشًا". فأخذ رسول اللهاللواء من سعد، وأعطاه ابنه قيسًا.

وقد شهد أبو سفيانحنينًا، وأبلى فيها بلاءً حسنًا، وكان ممن ثبت ولم يفر يومئذ، ولم تفارق يده لجام بغلة رسول اللهحتى انصرف الناس إليه.

من مواقفه مع الصحابة

مع ابنته أم حبيبة قبل إسلامه

لما جاء أبو سفيان إلى المدينة قبل الفتح؛ لما أوقعت قريش بخزاعة ونقضوا عهد رسول الله، فخاف فجاء إلى المدينة ليجدد العهد، فدخل على ابنته أم حبيبة، فلم تتركه يجلس على فراش رسول الله، وقالت: "أنت مشرك".

من الأحاديث التي رواها عن رسول الله

روى عنه سماك بن حرب، أن النبيقال: "ما قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها حقه من قويها غير متعتع".

من كلماته

من ذلك قوله يوم اليرموك: "والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم، ولا تبلغن رضوان الله غدًا إلا بصدق اللقاء، والصبر في المواطن المكروهة".

ولما حضرته الوفاة، قال: لا تبكوا عليَّ؛ فإني لم أتنطَّف بخطيئة منذ أسلمت.

وفاته

اختُلف في وفاة أبي سفيان؛ فقيل تُوُفِّي سنة إحدى وثلاثين، وقيل سنة اثنتين وثلاثين، وقيل سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه عثمان.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:05 AM
أبو سلمة بن عبد الأسد


هو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي
وتزوج (رضي الله عنه ) من أم سلمة، وهي هند بنت أبي أمية، ثم صارت بعده للنبي ( صلي الله عليه وسلم ) وأمه هي برة بنت عبد المطلب
ابنة عمة النبي ( صلي الله عليه وسلم )، وقد اشتهر بكنيته أكثر من اسمه.(1)
وقال ابن حجر في الإصابة: وكان اسمه عبد مناف فغيره النبي صلى الله عليه وسلم فسماه عبد الله.
قصة إسلامه:
أورد ابن حجر في الإصابة:
قال ابن إسحاق أسلم بعد عشرة أنفس، وكان من السابقين الأولين، وكان إسلامه هو وعثمان بن مظعون وعبيدة بن الحارث بن المطلب وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد في ساعة واحدة قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. (2)
أهم ملامح شخصيته:
روي ابن أبي عاصم في الأوائل من حديث ابن عباس، أن أول من يأخذ كتابه بيمينه أبو سلمة بن عبد الأسد، واول من يأخذ كتابه بشماله أخوه سفيان بن عبد الأسد.
وكان أول من هاجر إلى المدينة وزاد ابن منده وإلى الحبشة وذكره موسى بن عقبة وغيره من أصحاب المغازي، فيمن هاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة وفيمن شهد بدرا...
وعن هجرة أبي سلمة إلي المدينة يقول ابن حجر:
عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة قال لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل بعيرا له وحملني وحمل معي ابني سلمة ثم خرج يقود بعيره فلما رآه رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا هذه نفسك غلبتنا عليها أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها في البلاد ونزعوا خطام البعير من يده وأخذوني فغضب عند ذلك بنو عبد الأسد وأهووا إلى سلمة وقالوا والله لا نترك ابننا عندها إذا نزعتموها من صاحبنا فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد ورهط أبي سلمة وحبسني بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجي أبو سلمة حتى لحق بالمدينة ففرق بيني وبين زوجي وابني فكنت أخرج كل غداة وأجلس بالأبطح فما أزال أبكي حتى أمسي سبعا أو قريبها حتى مر بن رجل من بني عمي فرأى ما في وجهي فقال لبني المغيرة ألا تخرجون من هذه المسكينة فرقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها فقالوا الحقي بزوجك إن شئت ورد على بنو عبد الأسد عند ذلك ابني فرحلت بعيري ووضعت ابني في حجري ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة وما معي أحد من خلق الله فكنت أبلغ من لقيت حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة أخا بني عبد الدار فقال أين يا بنت أبي أمية قلت أريد زوجي بالمدينة فقال هل معك أحد فقلت لا والله إلا الله وابني هذا فقال والله مالك من مترك فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يقودني فوالله ما صحبت رجلا من العرب أراه كان أكرم منه إذا نزل المنزل أناخ بن ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري قدمه ورحله.
ومما روى عن المصطفى( صلى الله عليه وسلم):
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم عندك احتسبت مصيبتي فأجرني فيها وأبدلني منها خيرا فلما احتضر أبو سلمة قال اللهم اخلف في أهلي خيرا مني فلما قبض قالت أم سلمة إنا لله وإنا إليه راجعون عند الله احتسبت مصيبتي فأجرني فيها"
وفاته رضي الله عنه:
قال البغوي: قال أبو بكر بن زنجويه: توفي أبو سلمة في سنة أربع من الهجرة بعد منصرفه من أحد، انتقض به جرح كان أصابه بأحد، فمات منه فشهده رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وكذا قال ابن سعد، إنه شهد بدرا، وأحدا فجرح بها، ثم بعثه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- على سرية إلى بني أسد في صفر سنة أربع، ثم رجع، فانتقض جرحه، فمات في جمادى الآخرة، وبهذا قال الجمهور: كابن أبي خيثمة ويعقوب بن سفيان وابن البرقي والطبري، وآخرون، وأرخه بن عبد البر في جمادى الآخرة، سنة ثلاث، والراجح الأول..
المراجع:

1- الطبقات الكبرى 1/ 204
2- الإصابة 3/ 586

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:06 AM
أبو طلحة الأنصاري


هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي أبو طلحة مشهور بكنيته.
ووهم من سماه سهل بن زيد وهو قول ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة في تسمية من شهد العقبة، وقد قال ابن سعد: أخبرنا معن بن عيسى أخبرنا أبو طلحة من ولد أبي طلحة قال اسم أبي طلحة زيد..
وأمه هي عبادة بنت مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي ابن عمرو بن مالك بن النجار وهو مشهور بكنيته. شهد بدرا.
قصة إسلامه:
بدأت قصة إسلام أبي طلحة يوم أراد أن يخطب أم سُليم، حيث ذهب إليها فلما بلغ منزله، واستأذن إليه، فعرض نفسه عليها.
ـ فقالت: إن مثلك يا أبا طلحة لا يُرد، ولكني لن أتزوجك فأنت رجل كافر.
ـ فقال: والله ما هذا الذي يمنعكِ مني يا أم سليم.
ـ قالت: فماذا إذ؟!
ـ قال: الذهب والفضة. يعني أنها آثرت غيره عليه أكثر غنىً منه.
ـ قالت: بل إني أشهِدك يا أبا طلحة، وأشهد الله ورسوله ؛ أنك إن أسلمت رضيت بك زوج، وجعلت إسلامك لي مهر.
فلما سمع أبو طلحة كلام أم سليم، انصرف ذهنه إلى صنمه الذي اتخذه من الخشب، يتوجه إليه بالعبادة.
ـ هنا قالت أم سليم: ألست تعلم يا أبا طلحة أن إلهك الذي تعبده من دون الله قد نبت من الأرض؟!
ـ فقال: بلى.
ـ قالت: ألا تشعر بالخجل وأنت تعبد جذع شجرة، جعلت بعضه لك إلهاً، بينما جعل غيرك بعضه الآخر وقوداً يخبز عليه عجينه؟!
ـ قال: ومَن لي الإسلام؟.
ـ قالت: أنا أعلمك كيف تدخل فيه: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ثم تذهب إلى بيتك فتحطم صنمك وترمي به.
ففعل أبو طلحة كل ذلك. ثم تزوَّج من أم سليم. فكان المسلمون يقولون:
" ما سمعنا بمهر قط كان أكرم من مهر أم سليم، فقد جعلت مهرها الإسلام".
أحب أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فكان يديم النظر إليه ولا يرتوي من الاستماع إلى عذب حديثه.
أهم ملامح شخصيته:
هو صحابي من الشجعان والرماة المعدودين في الجاهلية والإسلام. كان أحد النقباء الاثني عشر في بيعة العقبة. شهد بدرا وما بعدها من المشاهد، وكان من أكبر أنصار الإسلام.
ومن شجاعته ما يرويه أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: من قتل كافرا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم
وكما كان أبو طلحة جواداً بنفسه في ساعات البأس ، كان أيضاً جواداً بماله في مواقف البذل: *ومن ذلك أنه كان له بستان من نخيل وأعناب لم تعرف المدينة بستاناً أعظم منه شجر، ولا أطيب ثمر، ولا أعذب منه ماءً.
وبينما كان أبو طلحة يصلي في بستانه، أثار انتباهه طائر أخضر اللون، أحمر المنقار، فأعجبه منظره، وشرد عن صلاته بسببه، فلم يدرِ كم صلى ثلاثاً أم أربع. فلما فرغ من صلاته ذهب إلى رسول الله، وشكا له نفسه التي شغلها البستان والطائر عن الصلاة، ثم قال: أشهد يا رسول الله أني جعلت هذا البستان صدقة لله تعالى، فضعه حيث يحب الله ورسوله.
*وفي الصحيحين عن أنس لما نزلت (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) قال أبو طلحة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة أرجو برها وذخرها. فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بخ بخ ذاك مال رابح الحديث.
* عاش أبو طلحة حياته صائماً مجاهد، فقد أثر عنه أنه بقي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم نحواً من ثلاثين عاماً صائماً، لم يفطر إلا حيث يَحرم الصوم.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال البخاري:عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم. فأخرجت أقراصا من شعير، ثم أخرجت خمارا لها، فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت يدي ولاثتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فذهبت به، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسلك أبو طلحة؟" فقلت: نعم. قال: "بطعام؟" فقلت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: "قوموا" فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليس عندنا ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم. فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلم يا أم سليم، ما عندك؟" فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت، وعصرت أم سليم عكة فآدمته، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن يقول، ثم قال: "ائذن لعشرة". فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: "ائذن لعشرة". فأذن لهم. فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: "ائذن لعشرة" فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: "ائذن لعشرة". فأكل القوم كلهم والقوم سبعون أو ثمانون رجلا. وقد رواه البخاري في مواضع أخر من "صحيحه" ومسلم من غير وجه عن مالك.
ـ وروى عنه ربيبه أنس وابن عباس وأبو الحباب سعيد بن يسار وغيرهم وروى مسلم وغيره من طريق ابن سيرين عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لما حلق شعره بمنى فرق شقه الأيمن على أصحابه الشعرة والشعرتين وأعطى أبا طلحة الشق الأيسر كله.
ـ ولما كان يوم أُحد ؛ وانكشف المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فنفذ إليه المشركون من كل جانب، فكسروا رَباعيته، وشجوا جبينه، وجرحوا شفته، وأسالوا الدم على وجهه.
انتصب أبو طلحة أمام رسول الله كالجبل الراسخ، ووقف عليه الصلاة والسلام خلفه يتترس به، وأخذ أبو طلحة يرمي سهامه على جنود المشركين واحداً بعد واحد، وما زال أبو طلحة ينافح عن رسول الله حتى كسر ثلاث أقواس، وقتل كثيراً من جند المشركين...
ـ وعن أنس بن مالك قال كان أبو طلحة يجثو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرب ويقول:
نفسي لنفسك الفداء... ووجهي لوجهك الوفاء
ثم ينشر كنانته بين يديه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لصوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة رجل "
وروى حميد عن أنس. قال: كان أبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه من خلف أبي طلحة ليرى مواقع النبل. قال: وكان أبو طلحة يتطاول بصدره يقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: نحري دون نحرك.
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
عن أنس بن مالك قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي فخرج في بعض حاجاته وقبض الصبي فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل الصبي فقالت أم سليم: هو أسكن مما كان. وقربت إليه العشاء فأكل ثم اصاب منها فلما فرغ قالت: واروا الصبي. قال: فلما اصبح أبو طلحة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: " أعرستم الليلة قال: نعم. قال: بارك الله لكم ".
وفي غير هذا الحديث: فلما فرغ أبو طلحة قالت أم سليم: أرأيت أبا طلحة آل فلان فإنهم استعاروا عارية من آل فلان فلما طلبوا العارية أبوا أن يردوه. قال أبو طلحة: " ما ذلك لهم. قالت أم سليم: فإن ابنك كان عارية من الله تعالى متعك به إذ شاء وأخذه إذ شاء. ـ بعض الأحاديث التي نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ـ عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشرى في وجهه فقلنا إنا لنرى البشرى في وجهك فقال إنه أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا..
ـ وعن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرئ قومك السلام فإنهم ما علمت أعفة صبر.
ـ وروى أنس عن أبي طلحة قال رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر وما منهم يومئذ أحد إلا يميد تحت حجفته من النعاس فذلك قوله عز وجل ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا ـ وأخبر عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده قال فوجدت عنده سهل بن حنيف قال فدعا أبو طلحة إنسانا ينزع نمطا تحته فقال له سهل لم تنزعه فقال لأن فيه تصاوير وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما قد علمت قال سهل أولم يقل إلا ما كان رقما في ثوب فقال بلى ولكنه أطيب لنفسي..
ـ وعن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه قال قال أبو طلحة كنا قعودا بالأفنية نتحدث فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا فقال ما لكم ولمجالس الصعدات اجتنبوا مجالس الصعدات فقلنا إنما قعدنا لغير ما باس قعدنا نتذاكر ونتحدث قال إما لا فأدوا حقها غض البصر ورد السلام وحسن الكلام..
ـ وأخبر الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول سمعت أبا طلحة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل..
بعض كلماته:
لما عزم المسلمون على أن يغزوا في البحر في خلافة عثمان رضي الله عنه، أخذ أبو طلحة يجهز نفسه للخروج مع المسلمين، فقال له أبناؤه:
" يرحمك الله يا أبان، لقد صرت شيخاً كبير، وقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فهلا رَكَنتَ إلى الراحة، وتركتنا نغزوا عنك. "
ـ فقال: إن الله عزَّ وجل يقول: انفروا خفافاً وثقالاً
فهو قد استنفرنا جميعاً شيوخاً وشباب..ثم أبى إلا الخروج..
موقف الوفاة:
اختُلف في وفاته فقال الواقدي: وتبعه ابن نمير ويحيى بن بكير وغير واحد مات سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه عثمان وقيل: قبلها بسنتين، وقال أبو زرعة الدمشقي: عاش بعد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أربعين سنة، وكأنه أخذه من رواية شعبة عن ثابت عن أنس قال: كان أبو طلحة لا يصوم على عهد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من أجل الغزو فصام بعده أربعين سنة لا يفطر إلا يوم أضحى أو فطر.
قلت: فعلى هذا يكون موته سنة خمسين أو سنة إحدى وخمسين وبه جزم المدائني، ويؤيده ما أخرجه في الموطأ وصححه الترمذي من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه دخل على أبي طلحة... فذكر الحديث في التصاوير وعبيد الله لم يدرك عثمان ولا عليا فدل على تأخر وفاة أبي طلحة.
وقال ثابت عن أنس أيضا مات أبو طلحة غازيا في البحر فما وجدوا جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام، ولم يتغير أخرجه الفسوي في تاريخه وأبو يعلي وإسناده صحيح.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:08 AM
أبو عبيدة بن الجراح


اسمه وكنيته

هو عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري، أبو عبيدة، مشهور بكنيته وبالنسبة إلى جده، وأمه أميمة بنت غنم. ولد سنة 40 قبل الهجرة/ 584م. وكان رجلاً نحيفًا معروق الوجه، خفيف اللحية طوالاً، أجنأ (في كاهله انْحِناء على صدره)، أثرم (أي أنه قد كسرت بعض ثنيته).

قصة إسلامه

كان أبو عبيدةمن السابقين الأولين إلى الإسلام، فقد أسلم في اليوم التالي لإسلام أبي بكر، وكان إسلامه على يدي الصِّدِّيق نفسه، فمضى به وبعبد الرحمن بن عوف وبعثمان بن مظعون وبالأرقم بن أبي الأرقم إلى النبي، فأعلنوا بين يديه كلمة الحق، فكانوا القواعد الأولى التي أقيم عليها صرح الإسلام العظيم.

عمره عند الإسلام

أسلمفي بداية الدعوة، أي قبل الهجرة بثلاث عشرة سنة، هاجر الهجرتين، وشهد بدرًا وما بعدها.

من مناقبه

(1) هو أحد العشرة المبشرين بالجنة؛ قال النبي: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعليّ في الجنة، وعثمان في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة".

(2) حب النبيله وثناؤه عليه؛ روى الترمذي عن أبي هريرةقال: قال رسول الله: "نِعْمَ الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح".

وعن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: أيُّ أصحاب رسول اللهكان أحب إلى رسول الله؟ قالت: أبو بكر. قلت: ثم مَن؟ قالت: عمر. قلت: ثم من؟ قالت: ثم أبو عبيدة بن الجراح. قلت: ثم من؟ قال: فسكتت.

أثر الرسول في تربيته

من هذه المواقف التي تدل على مدى تأثره بتربية النبيله:
في السنة الثامنة للهجرة أرسل الرسولعمرو بن العاصإلى أرض بَلِيّ وعُذْرة في غزوة ذات السلاسل، ووجد عمرو بن العاصأن قوة أعدائه كبيرة، فأرسل إلى الرسوليستمده، فندب النبيالناس من المهاجرين الأولين، فانتدب أبو بكر وعمر في آخرين، فأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح مددًا لعمرو بن العاص. فلما قدموا عليه، قال عمرو: أنا أميركم. فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين. فقال: إنما أنتم مددي. فلما رأى ذلك أبو عبيدة، وكان حسن الخُلق، متبعًا لأمر رسول اللهوعهده، فقال: "تعلم يا عمرو أن رسول اللهقال لي: (إن قدمت على صاحبك فتطاوعا)، وإنك إن عصيتني أطعتك".

ومن أثر الرسولفي تربيته هذا الموقف البارع؛ فعن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدةيحيد عنه، فلما أكثر الجرَّاح قصده أبو عبيدة فقتله؛ فأنزل الله فيه هذه الآية: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].

وما كان لأبي عبيدةأن يعزم هذه العزمة إلا بروح من الله، تنفض عن قلبه الطاهر السليم كل عَرَضٍ من أعراض الدنيا الفانية، وتجرده من كل رابطة وآصرة إلا رابطة العقيدة.

أهم ملامح شخصيته

الأمانة والقيادة

روى البخاري بسنده عن حذيفةقال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول اللهيريدان أن يلاعناه. قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كان نبيًّا فلاعنَّا، لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلاً أمينًا، ولا تبعث معنا إلا أمينًا. فقال: "لأبعثن معكم رجلاً أمينًا حق أمين". فاستشرف له أصحاب رسول الله، فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح". فلما قام، قال رسول الله: "هذا أمين هذه الأمة".

الثبات في الميدان والدفاع عن الرسول

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت أبا بكريقول: لما كان يوم أُحد ورُمي رسول اللهفي وجهه حتى دخلت في وجنتيه حلقتان من المغفر، فأقبلت أسعى إلى رسول اللهوإنسان قد أقبل من قِبل المشرق يطير طيرانًا، فقلت: اللهم اجعله طاعة حتى توافينا إلى رسول الله. فإذا أبو عبيدة بن الجراحقد بدرني، فقال: أسألك بالله يا أبا بكر إلاَّ تركتني فأنزعه من وجنة رسول الله. قال أبو بكر: فتركته. فأخذ أبو عبيدة بثنية إحدى حلقتي المغفر فنزعها وسقط على ظهره، وسقطت ثنيَّة أبي عبيدة، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيَّةٍ أخرى فسقطت، فكان أبو عبيدة في الناس أثرم.

الزهد

أرسل عمر بن الخطابإلى أبي عبيدةبأربعة آلاف درهم وأربعمائة دينار، وقال لرسوله: انظر ما يصنع؟ فقسّمها أبو عبيدة، فلما أخبر عمرَ رسولُه بما صنع أبو عبيدة بالمال، قال: "الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا".

مشاورة الجند

كانمن القادة الذين يستشيرون رجالهم في كل خطوة يخطونها، وعندما تحتشد الروم لاستعادة أرض الشام استشار أصحابه، فأشار عليه الأكثرية بقبول الحصار في حمص، أما خالد فأشار عليه بالهجوم على جموع الروم، ولكن أبا عبيدة أخذ برأي الأكثرية.

بعض المواقف من حياته مع الرسول

وكانممن ثبت مع الرسوليوم أُحد، وقد أسرع إلى رسول اللهونزع الحلقتين من المغفر اللتين دخلتا في وجنة رسول الله.

وروى الإمام أحمد بسنده عن أبي جمعة حبيب بن سباع قال: تغدينا مع رسول اللهومعنا أبو عبيدة بن الجراح، قال: فقال: يا رسول الله، هل أحد خير منا؟! أسلمنا معك، وجاهدنا معك. قال: "نعم، قوم يكونون من بعدكم، يؤمنون بي ولم يروني".

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

مع أبي بكر الصديق

بعث أبو بكرإلى أبي عبيدةهلُمَّ حتى أستخلفك؛ فإني سمعت رسول اللهيقول: "إن لكل أمة أمينًا، وأنت أمين هذه الأمة". فقال أبو عبيدة: ما كنت لأتقدم رَجُلاً أمره رسول اللهأن يؤُمَّنا.

وقال أبو بكر الصديقيوم السقيفة: "قد رضيت لكم أحد هذيْن الرجلين"، يعني عُمر وأبا عبيدة.

مع عمر بن الخطاب

كان عمريقول: "لم أكن مغيرًا أمرًا قضاه أبو عبيدة".

وأول كتاب كتبه عمرحين وَلِي كان إلى أبي عبيدة يوليه على جند خالد، إذ قال له: "أوصيك بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه، الذي هدانا من الضلالة وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد، فقم بأمرهم الذي يحق عليك...".

مع خالد بن الوليد

لما عزل عمرخالدًاوولّى أبا عبيدة، قام خالدوقال للناس: "بُعث عليكم أمين هذه الأمة". وقال أبو عبيدةللناس عن خالد: سمعت رسول اللهيقول: "خالد سيف من سيوف الله، نعم فتى العشيرة...".

بعض المواقف من حياته مع التابعين

وعن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح: خذ من خيلنا صدقة. فأبى، ثم كتب إلى عمر بن الخطابفأبى، فكلموه أيضًا فكتب إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر بن الخطاب: "إن أحبوا فخذها منهم، وارددها عليهم، وارزق رقيقهم". قال مالك: أي ارددها على فقرائهم.

أثره في الآخرين

روى عنه أحاديث النبيمن الصحابة أبو ثعلبة جرثوم الخشني، وسمرة بن جندب، وصدي بن عجلان، ومن التابعين عبد الرحمن بن غنم، وعبد الله بن سراقة، وعبد الملك بن عمير، وعياض بن غطيف.

في تعليمه الفقه وغيره

عند الإمام أحمد بسنده عن أبي أمامة قال: أجار رجل من المسلمين رجلاً، وعلى الجيش أبو عبيدة بن الجراح، فقال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص: لا نجيره. وقال أبو عبيدة: نجيره؛ سمعت رسول اللهيقول: "يجير على المسلمين أحدهم".

بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى

في سنن الدارمي بسنده عن أبي عبيدة بن الجراحقال: قال رسول الله: "أول دينكم نبوة ورحمة، ثم ملك ورحمة، ثم ملك أعفر، ثم ملك وجبروت يستحل فيها الخمر والحرير".

وفي سنن الدارمي أيضًا عن سمرة، عن أبي عبيدة بن الجراحقال: كان في آخر ما تكلم به رسول اللهقال: "أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب".

بعض كلماته

- قال يوم السقيفة: "يا معشر الأنصار، إنكم أول من نصر وآزر، فلا تكونوا أول من بدل وغيَّر".

- ومن أهم كلماته في إثارة حماسة جنده للحرب وتحريضهم على الجهاد مقولته تلك: "عباد الله، انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. عباد الله اصبروا؛ فإن الصبر منجاة من الكفر، ومرضاة للرب، ومدحضة للعار، لا تتركوا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدءوهم بقتال، وأشرعوا الرماح، واستتروا بالدرق (أي الدروع)، والزموا الصمت إلا من ذكر اللهفي أنفسكم حتى يتم أمركم إن شاء الله".

وفاته

تُوُفِّي أبو عبيدة بن الجراحفي طاعون عَمْواس سنة ثماني عشرة، عن ثمانٍ وخمسين سنة، وصلى عليه معاذ بن جبل.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:12 AM
أبو عزيز بن عمير

هو زرارة بن عمير أخو مصعب بن عمير وهو أبو عزيز وهو بكنيته أشهر، له صحبة وسماع من النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه نبيه بن وهب وكان ممن شهد بدرا كافرا وأسر يومئذ.

مواقفه مع الصحابة:

لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسارى بدر فرقهم على المسلمين وقال: "أستوصوا بالأسارى خيرا " قال نبيه: فسمعت من يذكر عن أبي عزيز قال: كنت في الأسارى يوم بدر فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " استوصوا بالأسارى خيرا " فإن كان ليقدم إليهم الطعام فما يقع بيد أحدهم كسرة إلا رمى بها إلي ويأكلون التمر يؤثروني فكنت أستحي فآخذ الكسرة فأرمي بها إليه فيرمي بها إلي.

مواقفه مع مصعب:

قال أبو سليمان في حديث مصعب أنه لما أسلم قالت له أمه والله لا ألبس خمارا ولا أستظل أبدا ولا آكل ولا أشرب حتى تدع ما أنت عليه وكانت امرأة ميلة فقال أخوه أبو عزيز بن عمير يا أمه دعيني وإياه فإنه غلام عاف ولو أصابه بعض الجوع لترك ما هو عليه فحبسه

ويقول أبو عزيز مر بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني فقال شد يديك به فان أمه ذات متاع لعلها تفديه منك.

لما قال أخوه مصعب لابي اليسر وهو الذي أسره ما قال قال له أبو عزيز يا أخي هذه وصاتك بي فقال له مصعب إنه أخي دونك فسالت أمه عن أغلى ما فدى به قرشي فقيل لها أربعة آلاف درهم فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها.

وقال ابن الكلبي والزبير: قتل أبو عزيز يوم أحد كافرا. قال أبو عمر: وذلك غلط ولعل المقتول بأحد كافرا أخ لهم قتل كافرا

وقال الزبير بن بكار وابن الكلبي وأبو عبيد والبلاذري والدارقطني: إن أبا عزيز قتل يوم أحد كافرًا. ورد ذلك أبو عمر بأن ابن إسحاق عد من قتل من الكفار من بني عبد الدار أحد عشر رجلا ليس فيهم أبو عزيز وإنما فيهم أبو يزيد بن عمير

المراجع:

الإصابة في تمييز الصحابة

أسد الغابة

غريب الحديث للخطابي

البداية والنهاية

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:13 AM
أبو مالك الأشعري

هو كعب بن عاصم أبو مالك الأشعري قدم في السفينة مع الأشعريين على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وغزا معه وروى عنه
ويقول أبو موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لأبي مالك الأشعري على خيل الطلب وأمره أن يطلب هوازن حين انهزمت.
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه وكان صلى الله عليه وسلم يجيب على كل سؤال بما يناسب صاحبه وسأل أبو مالك الأشعري رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما تمام البر؟ قال: أن تعمل في السر عمل العلانية.
مواقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم:
يقول أبو مالك الأشعري أنه قدم هو وأصحابه في سفينة ومعه فرس أبلق فلما أرسلوا وجدوا إبلا كثيرة من إبل المشركين فأخذوها فأمرهم أبو مالك أن ينحروا منها بعيرا فيستعينوا بها ثم مضى على قدميه حتى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بسفره وأصحابه والإبل الذي أصابوا ثم رجع إلى أصحابه فقال الذين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: إعطنا يا رسول الله من هذه الإبل فقال: اذهبوا إلى أبي مالك فلما أتوه قسمها أخماسا خمسا بعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ ثلث الباقي بعدالخمس فقسمه بين أصحابه والثلثين الباقيين بين المسلمين فقسم بينهم فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ما رأينا مثل ما صنع أبو مالك بهذا المغنم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت أنا ما صنعت إلا كما صنع
بعض ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
ـ روى أبو مالك الأشعري أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى له الأربعة مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
ـ روى أبو مالك الأشعري: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ". قال الشيخ الألباني: صحيح
ـ ويروي أبو سلام أن: أبا مالك الأشعري قال: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: إن في أمتي أربع من أمر الجاهلية ليسوا بتاركيهن: الفخر في الأحساب ـ و الطعن في الأنساب ـ و الاستسقاء بالنجوم ـ والنياحة على الميت ـ فإن النائحة إذا لم تتب قبل أن تقوم فإنها تقوم يوم القيامة عليها سرابيل من قطران ثم يغلي عليهن دروع من لهب النار
ـ وروى أبو مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله عز وجل لمن أطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام
الله وجوههم نورا و يجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الناس، ولا يفزعون، ويخاف الناس و لا يخافون "
ـ وعن عبد الرحمن بن غنم أن أبا مالك الأشعري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إسباغ الوضوء شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان والتسبيح والتكبير يملأ السماوات والأرض والصلاة نور والزكاة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك
ـ ويقول عبد الرحمن بن غنم الأشعري أن أبا مالك الأشعري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله عزوجل قال من انتدب خارجا في سبيلي غازيا ابتغاء وجهي وتصديق وعدي وإيمانا برسلي فهو ضامن على الله عزوجل إما يتوفاه في الجيش بأي حتف شاء فيدخله الجنة وإما يسيح في ضمان الله عزوجل وإن طالت غيبته حتى يرده إلى أهله مع ما نال من أجر وغنيمة وقال: من فصل في سبيل الله فمات أو قتل أو وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد.
ـ وعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها

وفاته:
لقد كان أبو مالك الأ شعري رضي الله عنه ناصحاً لله ورسوله حتى في لحظة مماته فعن شريح بن عبيد: أن أبا مالك الأشعري لما حضرته الوفاة قال: يا معشر الأشعريين ليبلغ الشاهد منكم الغائب إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: حلوة الدنيا مرة الآخرة و مرة الدنيا حلوة الآخرة
وتوفي أبو مالك الأشعري في خلافة عمر بن الخطاب
وقال شهر بن حوشب عن ابن غنم: طعن معاذ وأبو عبيدة وأبو مالك في يوم واحد
وكانت وفاته سنة ثمان عشرة للهجرة
المراجع:
أسد الغابة
الوافي في الوفيات
الطبقات الكبرى
سنن أبي داود
المستدرك
المعجم الكبير
سنن النسائي
سنن الترمذي
طبقات ابن خياط
تاريخ الإسلام

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:14 AM
أبو مريم الحنفي


أبو مريم الحنفي واسمه إياس بن ضبيح بن المحرش بن عبد عمرو، وكان من أهل اليمامة وكان من أصحاب مسيلمة ثم تاب وأسلم وحسن إسلامه وولي قضاء البصرة بعد عمران بن الحصين في زمن عمر بن الخطاب.
من مواقفه مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عن محمد بن سيرين قال: كانوا يرون أن أبا مريم الحنفي قتل زيد بن الخطاب يوم اليمامة قال: وقال أبو مريم لعمر: يا أمير المؤمنين إن الله أكرم زيدا بيدي ولم يهني بيده...
وفاته توفي أبو مريم بسنبيل ناحية الأهواز وكان قليل الحديث
المصادر: الطبقات الكيرى....... ابن سعد الاستيعاب............; ابن عبد البر

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:15 AM
أبو مسعود البدري


هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة أبو مسعود البدري وهو مشهور بكنيته
لم يشهد بدرا وإنما سكن بدرا. وشهد العقبة الثانية وكان أحدث من شهدها سنا قاله ابن إسحاق.وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد وقال البخاري وغيره: إنه شهد بدرا ولا يصح.
ويحدث عمر بن عبد العزيز في أمارته: أن المغيرة بن شعبة أخر العصر وهو أمير الكوفة فدخل أبو مسعود عقبة ابن عمرو الأنصاري جد زيد بن حسن شهد بدرا فقال لقد علمت نزل جبريل فصلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات ثم قال هكذا أمرت.
وبذلك عده البخاري في البدريين وقال مسلم بن الحجاج في الكنى شهد بدرا وقال أبو أحمد الحاكم يقال أنه شهد بدرا.
وسكن الكوفة وكان من أصحاب علي واستخلفه علي على الكوفة لما سار إلى صفين.
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
قال أبو مسعود البدري كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي اعلم أبا مسعود فلم أفهم الصوت من الغضب قال فلما دنا مني إذ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود قال فألقيت السوط من يدي فقال اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام قال فقلت لا أضرب مملوكا بعده أبدا
مواقفه مع الصحابة:
يقول أبو وائل: دخل أبو موسى الأشعري و أبو مسعود البدري على عمار وهو يستنفر الناس فقالا له: ما رأينا منك أمرا منذ أسلمت أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر فقال عمار: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرا أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر قال فكساهما عمار حلة حلة وخرج إلى الصلاة يوم الجمعة.
وعن همام بن الحرث قال صلى بنا حذيفة على دكان مرتفع فسجد عليه فجبذه أبو مسعود البدري فتابعه حذيفة فلما قضى الصلاة قال أبو مسعود: أليس قد نهى عن هذا فقال له حذيفة ألم ترني قد تابعتك.
دخل أبو مسعود الأنصاري على حذيفة في مرضه الذي مات فيه فاعتنقه فقال الفراق فقال نعم حبيب جاء على فاقة ألا أفلح من ندم أليس بعد ما أعلم من اليقين.
وحدث أن المغيرة بن شعبة آخر الصلاة يوما فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال ما هذا يا مغيرة أليس قد علمت أن جبريل نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بهذا أمرت.
مواقفه مع التابعين
مع أهل الكوفة:
يقول خيثمة بن عبد الرحمن: لما خرج علي استخلف أبا مسعود على الكوفة وتخبأ رجال لم يخرجوا مع علي فقال أبو مسعود على المنبر أيها الناس من كان تخبأ فليظهر فلعمري لئن كان إلى الكثرة إن أصحابنا لكثير وما نعده قبحاً أن يلتقي هذان الجبلان غداً من المسلمين فيقتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء. حتى إذا لم يبق إلا رجرجة من هؤلاء وهؤلاء ظهرت إحدى الطائفتين. ولكن نعد قبحاً أن يأتي الله بأمر من عنده يحقن به دماءهم ويصلح به ذات بينهم.
أثره في الآخرين:
يقول سعيد بن جبير رآني أبو مسعود البدري في يوم عيد ولي ذؤابة فقال يا غلام أو يا غليِّم إنه لا صلاة في مثل هذا اليوم قبل صلاة الإمام فصل بعدها ركعتين وأطل القراءة.
وعن عطاء بن السائب حدثني سالم البراد وكان أوثق عندي من نفسي قال: قال لنا أبو مسعود البدري: ألا أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ركع وضع كفيه على ركبتيه وفرق بين أصابعه وجافى عن إبطيه حتى استقر كل شيء منه ثم كبر ثم سجد وجافى عن إبطيه حتى استقر كل شيء منه ثم كبر فاستوى قاعدا حتى استقر كل شيء منه فصلى بنا أربع ركعات هكذا ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أو هكذا كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال بشير بن عمرو: قلنا لأبي مسعود: أوصنا. قال: عليكم بالجماعة فإن الله لن يجمع الأمة على ضلالة حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر.
بعض ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم
روى أبو مسعود البدري مرفوعا إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت)
وحدث أبو مسعود البدري [ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا - أو قال – سلما
يقول أبو مسعود الأنصاري كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت فقال إن هذا الأمر لا يزال فيكم وأنتم ولاته ما لم تحدثوا عملا فينزعه الله منكم فإذا فعلتم ذلك سلط الله عليكم شرارا من خلقه فالتحوكم كما يلتحي القضيب.
وروى أبو مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل فقال يا رسول الله! إنه أبدع بي فاحملني فقال له ائت فلانا فاستحمله فأتاه فحمله ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الدال على الخير كفاعله)
وفاته:
قال خليفة مات قبل سنة أربعين وقال المدائني مات سنة أربعين قلت والصحيح أنه مات بعدها فقد ثبت أنه أدرك إمارة المغيرة على الكوفة وذلك بعد سنة أربعين قطعا قيل مات بالكوفة وقيل مات بالمدينة.
المراجع:
أسد الغابة
صحيح البخاري
تهذيب التهذيب
صحيح مسلم
المستدرك
مسند الشافعي
مصنف ابن أبي شيبة
الطبقات الكبرى
المعجم الكبير
مختصر إرواء الغليل
سنن الدارمي
سير أعلام النبلاء
الشرح الكبير
جلاء الأفهام
العلل للدارقطني
الاستذكار
الإصابة في تمييز الصحابة

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:17 AM
أبو نائلة الأنصاري


اسمه سلكان بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأنصاري الأوسي الأشهلي أخو سلمة بن سلامة بن وقش وقيل اسمه سعد وقيل سعد أخوه وقيل سلكان لقب واسمه سعد وهو مشهور بكنيته ثبت ذكره في الصحيح في قصة قتل كعب بن الأشرف.(1)
أهم ملامح شخصيته:
1 - الفروسية:
حيث أنه - رضي الله عنه من الرماة المعدودين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذن فهو محارب جيد وفارس بارع.
2 - المفاصلة مع أعداء الله:
فقد كان - رضي الله عنه - ممن شارك في قتل عدو الله كعب بن الأشرف الذي هو أخوه من الرضاعة.
3 - التضحية بكل غال ورخيص في سبيا الحفاظ على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد كان أبو نائلة من أكثر الصحابة ثباتا ودفاعا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان - رضي الله عنه - ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى ذلك ابن حبان في كتابه " الثقات ". (2)
وكان من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شاعرا (3)
وسيدنا أبو نائلة كان ممن بعثهم الرسول صلى الله عليه وسلم لقتل عدو الله كعب بن الأشرف، ويظهر ذلك من أحداث االسرية التي بعثها الرسول صلى الله عليه وسلم لقتل اليهودي كعب بن الأشرف والذي كان أخا لأبي نائلة - رضي الله عنه - من الرضاعة:
سرية قتل كعب بن الأشرف اليهودي
وذلك لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان سبب قتله أنه كان رجلا شاعرا يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويحرض عليهم ويؤذيهم فلما كانت وقعة بدر كبت وذل وقال بطن الأرض خير من ظهرها اليوم فخرج حتى قدم مكة فبكى قتلى قريش وحرضهم بالشعر ثم قدم المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اكفني بن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار... (4)
وفي البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله فقام محمد بن مسلمة فقال يا رسول الله أتحب أن أقتله قال نعم قال فأذن لي أن أقول شيئا قال قل فأتاه محمد بن مسلمة فقال إن هذا الرجل قد سألنا صدقة وإنه قد عنانا وإني قد أتيتك أستسلفك قال وأيضا والله لتملنه قال إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين و حدثنا عمرو غير مرة فلم يذكر وسقا أو وسقين أو فقلت له فيه وسقا أو وسقين فقال أرى فيه وسقا أو وسقين فقال نعم ارهنوني قالوا أي شيء تريد قال ارهنوني نساءكم قالوا كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب قال فارهنوني أبناءكم قالوا كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن بوسق أو وسقين هذا عار علينا ولكنا نرهنك اللأمة قال سفيان يعني السلاح فواعده أن يأتيه فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم فقالت له امرأته أين تخرج هذه الساعة فقال إنما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة وقال غير عمرو قالت أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم قال إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة إن الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب قال ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلين قيل لسفيان سماهم عمرو قال سمى بعضهم قال عمرو جاء معه برجلين وقال غير عمرو أبو عبس بن جبر والحارث بن أوس وعباد بن بشر قال عمرو جاء معه برجلين فقال إذا ما جاء فإني قائل بشعره فأشمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه وقال مرة ثم أشمكم فنزل إليهم متوشحا وهو ينفح منه ريح الطيب فقال ما رأيت كاليوم ريحا أي أطيب وقال غير عمرو قال عندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب قال عمرو: فقال أتأذن لي أن أشم رأسك. قال: نعم، فشمه ثم أشم أصحابه، ثم قال: أتأذن لي؟ قال: نعم، فلما استمكن منه قال: دونكم، فقتلوه، ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه. (5)
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
كان - رضي الله عنه - ممن شهد دفن سعد بن معاذ بل ونزل معه في القبر
عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال لما انتهوا إلى قبر سعد نزل فيه أربعة نفر الحارث بن أوس بن معاذ وأسيد بن الحضير وأبو نائلة سلكان بن سلامة وسلمة بن سلامة بن وقش ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على قدميه فلما وضع في قبره تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبح ثلاثا فسبح المسلمون ثلاثا حتى ارتج البقيع ثم كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا وكبر أصحابه ثلاثا حتى ارتج البقيع بتكبيره فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقيل يا رسول الله رأينا بوجهك تغيرا وسبحت ثلاثا قال تضايق على صاحبكم قبره وضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا سعد منها ثم فرج الله عنه.(6)
المراجع:
(1) الإصابة في تمييز الصحابة جزء 7 - صفحة 409 .
(2) الثقات لابن حبان جزء 3 - صفحة 178 .
(3) الاستيعاب جزء 1 - صفحة 568 .
(4) الطبقات الكبرى جزء 2 - صفحة 31
(5) البخاري - كتاب المغازي - باب قتل كعب بن الأشرف - حديث رقم 3731
(6) الطبقات الكبرى جزء 3 - صفحة 432.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:21 AM
أبو هريرة


اسمه ولقبه

اختلف المؤرخون في اسمه، وهو في أصح الروايات، عبد شمس في الجاهلية، وعبد الرحمن بن صخر الدوسي الأزدي في الإسلام، ولقبه أبو هريرة لهِرَّة كان يحملها ويعتني بها، وكان رسول اللهيدعوه أبا هرّ. وقد ولدفي بادية الحجاز سنة 19 قبل الهجرة، وأمه ميمونة بنت صبيح.

حاله في الجاهلية

كان أبو هريرةقبل أن يسلم يعيش فقيرًا معدمًا في قبيلة بعيدة عن رسول الله، يقولعن نفسه: نشأت يتيمًا، وهاجرت مسكينًا، وكنت أجيرًا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعُقْبَة رجلي، فكنت أخدم إذا نزلوا، وأحدو لهم إذا ركبوا، فزوجنيها الله، فالحمد لله الذي جعل الدين قوامًا، وجعل أبا هريرة إمامًا.

قصة إسلامه وعمره عند الإسلام

أسلمعلى يد الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي، وهو من أوائل الذين أسلموا على يد الطفيل، وكان عمرهحينما أسلم حوالي ست عشرة سنة.

أثر الرسول في تربيته

كان للنبيالأثر الأكبر في تنشئة وتربية أبي هريرة، فمنذ أن قدم إلى النبيلم يفارقه أبدًا، وفي سنوات قليلة حصّل من العلم عن الرسولما لم يحصله أحد من الصحابة، وكان النبييوجِّهه كثيرًا؛ فعنهأن النبيقال له: "يا أبا هريرة، كن ورعًا تكن أعبد الناس".

وعن أبي هريرة، أن النبيقال له: "أوصيك يا أبا هريرة بخصالٍ لا تدعهن ما بقيت". قال: أوصني ما شئت. فقال له: "عليك بالغسل يوم الجمعة، والبكور إليها، ولا تلغ، ولا تله. وأوصيك بصيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ فإنه صيام الدهر. وأوصيك بركعتي الفجر لا تدعهما وإن صليت الليل كله؛ فإن فيهما الرغائب" قالها ثلاثًا.

أهم ملامح شخصيته

استيعابه للحديث

قال أبو هريرة: "ما كان أحد أحفظ لحديث رسول اللهمني إلا عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يعي بقلبه وأعي بقلبي، وكان يكتب وأنا لا أكتب، استأذن رسول اللهفي ذلك، فأذن له".

قال البخاري: "روى عنه أكثر من ثمانمائة رجل من بين صاحبٍ وتابعٍ". وممن روى عنه من الصحابة: ابن عباس، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وواثلة بن الأسقع، وعائشة رضي الله عنهم أجمعين.

عبادته

عن أبي عثمان النهدي قال: تضيفت أبا هريرة سبعًا، فكان هو وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أَثْلاثًا، يصلي هذا ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا ثم يوقظ هذا.

وعن عكرمة أن أبا هريرة: كان يسبح في كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة، ويقول: أسبح بقدر ذنبي.

تواضعه

عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أن أبا هريرة أقبل في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يومئذٍ خليفة لمروان، فقال: "أَوْسِعِ الطريق للأمير".

ورعه وخوفه

عن أبي المتوكل أن أبا هريرةكانت له زنجية فرفع عليها السوط يومًا، فقال: "لولا القصاص لأغشيتك به، ولكني سأبيعك ممن يوفيني ثمنك، اذهبي فأنت لله".

جهاده

كانممن شهد غزوة مُؤْتة مع المسلمين؛ يقول: "شهدت مؤتة، فلما دنونا من المشركين رأينا ما لا قِبل لأحد به من العُدَّة والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب، فبرق بصري، فقال لي ثابت بن أَقْرَم: يا أبا هريرة، كأنك ترى جموعًا كثيرة؟ قلت: نعم. قال: إنك لم تشهد بدرًا معنا، إنا لم ننصر بالكثرة".

بعض المواقف من حياته مع الرسول

عن أبي هريرةأن النبيلقيه في بعض طريق المدينة وهو جنب فانخنست منه، فذهب فاغتسل ثم جاء فقال: "أين كنت يا أبا هريرة؟" قال: كنت جنبًا؛ فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة. فقال: "سبحان الله! إن المسلم لا ينجس".

وعن أبي العالية، عن أبي هريرةقال: أتيت رسول اللهبتمرات فدعا فيهن بالبركة، وقال: "اجعلهن في مزودك، فإذا أردت أن تأخذ منه شيئًا فأدخل يدك فخذه، ولا تنثره". فجعلته في مزودي، فوجهت منه رواحل في سبيل الله تعالى، وكنت آكل منه وأطعم، وكان في حقوتي حتى كان يوم قتل عثمان، فوقع فذهب.

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

مع عمر بن الخطاب

عن أبي هريرةأن عمر بن الخطابدعاه ليستعمله، فأبى أن يعمل له، فقال: أتكره العمل وقد طلبه من كان خيرًا منك؟!
قال: مَن؟
قال: يوسف بن يعقوب عليهما السلام.
فقال أبو هريرة: يوسف نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة ابن أميمة أخشى ثلاثًا أو اثنتين.
فقال عمر: أفلا قلت خمسًا؟
قال: أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حكم، وأن يضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي.

مع عثمان بن عفان

روى سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: إني لمحصور مع عثمانفي الدار. قال: فرُمِي رجل منا، فقلت: يا أمير المؤمنين، الآن طاب الضراب، قتلوا منا رجلاً. قال عثمان: عزمت عليك يا أبا هريرة إلا رميت سيفك؛ فإنما تراد نفسي، وسأقي المؤمنين بنفسي. قال أبو هريرة: فرميت سيفي لا أدري أين هو حتى الساعة.

بعض المواقف من حياته مع التابعين

عن سعيد بن مرجانة أنه قال: سمعت أبا هريرةيقول: قال رسول الله: "من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربًا منه من النار، حتى إنه يعتق باليد اليد، وبالرجل الرجل، وبالفرج الفرج".

أثره في الآخرين (دعوته وتعليمه)

كان أبو هريرةصاحب أثر كبير في كل مَن حوله بما يحمله من كنوز عظيمة، وهي أحاديث النبي، وقد أسدىللأمة خيرًا عظيمًا بنقله هذا الكمّ الضخم والكبير من أحاديث النبي.

ومن ذلك أنه مر بسوق المدينة، فوقف عليها فقال: يا أهل السوق، ما أعجزكم! قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراث رسول اللهيقسَّم، وأنتم ها هنا لا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه. قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد. فخرجوا سراعًا إلى المسجد، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم: ما لكم؟ قالوا: يا أبا هريرة، فقد أتينا المسجد فدخلنا فلم نرَ فيه شيئًا يُقسّم. فقال لهم أبو هريرة: أما رأيتم في المسجد أحدًا؟ قالوا: بلى، رأينا قومًا يصلون، وقومًا يقرءون القرآن، وقومًا يتذاكرون الحلال والحرام. فقال لهم أبو هريرة: ويحكم! فذاك ميراث محمد.

وقد روى عنه الكثير من الصحابة والتابعين، ووصل عددهم إلى ما يزيد على أربعمائة، وورد عنهفي الكتب التسعة (البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجه وأحمد ومالك والدارمي) ما يزيد على ثمانية آلاف وسبعمائة حديثٍ.

الوفاة

لما حضرت أبا هريرةالوفاةُ بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: "بُعد المفازة، وقلة الزاد، وعقبة كئود المهبط منها إلى الجنة أو النار".

وقد تُوُفِّي أبو هريرةبالمدينة سنة سبع وخمسين، وله ثمانٍ وسبعون.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:21 AM
أبوأمامة الباهلي

هو صدي بن عجلان بن وهب أبو أمامة الباهلي غلبت عليه كنيته ولم يعلم في اسمه اختلافا وكان يسكن حمص.
أثر الرسول في تربيته
يقول أبو أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو يحرك شفتيه فقال ماذا تقول يا أبا أمامة قال أذكر ربي تعالى قال أفلا أخبرك بأكبر وأفضل من ذكر الليل مع النهار والنهار مع الليل تقول سبحان الله عدد ما خلق وسبحان الله ملء ما خلق وسبحان الله عدد ما في الأرض والسماء وسبحان الله ملء ما في الأرض والسماء وسبحان الله عدد ما أحصى كتابه وسبحان الله ملء ما أحصى كتابه وسبحان الله عدد كل شيء وسبحان الله ملء كل شيء وتقول الحمد لله مثل ذلك
بعض ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم
يقول أبو أمامة الباهلي: شهدت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع فقال قولا كثيرا حسنا جميلا وكان فيها [ من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا ومن أسلم من المشركين فله أجره وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا وسمع أبو أمامة الباهلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة.
ويروي أبو أمامة الباهلي: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل رجل خرج غازيا في سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما ننال من أجر وغنيمة ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله عز وجل"
وعن أبي أمامة الباهلي قال قلت: يا رسول الله مرني بأمر ينفعني الله به قال عليك بالصيام فإنه لا مثل له.
ويحدث أبو أمامة الباهلي فيقول جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شيء له فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شيء له ثم قال إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه.
وعن أبي أمامة الباهلي: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وهو قربة لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم.
موقفه مع هرقل
عن أبي أمامة الباهلي عن هشام بن العاص الأموي قال بعثت أنا ورجل من قريش الى هرقل ندعوه إلى الإسلام فنزلنا على جبلة فدعوناه إلى الإسلام فإذا عليه ثياب سواد فسأله عن ذلك قال حلفت ألا أنزعها حتى أخرجكم من الشام قال فقلنا له والله لنأخذن مجلسك هذا ولنأخذن منك الملك الأعظم أخبرنا بهذا نبينا قال لستم بهم ثم ذكر قصة دخولهم على هرقل واستخلائهم فأخرج لهم ربعة فيها صفات الأنبياء إلى أن أخرج لهم صورة محمد صلى الله عليه وسلم فإذا هي بيضاء فقال أتعرفون هذا قال فبكينا وقلنا نعم فقام قائما ثم جلس فقال والله انه لهذا قلنا نعم قال فأمسك ثم قال أما انه كان آخر البيوت ولكني عجلته لأنظر ما عندكم ثم قال لو طابت نفسي بالخروج من ملكي لوددت أني كنت عبدا لأسدكم في ملكه حتى أموت قال فلما رجعنا حدثنا أبا بكر فبكى ثم قال لو أراد الله به خيرا لفعل ثم قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يعرفون نعت النبي صلى الله عليه وسلم
موقفه مع التابعين:
عن سليم بن عامر قال جاء رجل إلى أبي أمامة فقال يا أبا أمامة إني رأيت في منامي الملائكة تصلي عليك كلما دخلت وكلما خرجت وكلما قمت وكلما جلست قال أبو أمامة اللهم غفرا دعونا عنكم وأنتم لو شئتم صلت عليكم الملائكة ثم قرأ [يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما]
أثره في الآخرين(دعوته وتعليمه)
يقول محمد بن زياد الألهاني كنت آخذا بيد أبي أمامة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرفت معه إلى بيته فلا يمر بمسلم ولا صغير ولا أحد إلا قال سلام عليكم سلام عليكم فإذا انتهى إلى باب داره التفت إلينا ثم قال أي بن أخي أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نفشي السلام
عن محمد بن زياد رأيت أبا أمامة أتى على رجل في المسجد وهو ساجد يبكي في سجوده ويدعو ربه فقال أبو أمامة أنت أنت لو كان هذا في بيتك عن سليمان بن حبيب المحاربي دخلت على أبي أمامة مع مكحول وبن أبي زكريا فنظر إلى أسيافنا فرأى فيها شيئا من وضح فقال إن المدائن والأمصار فتحت بسيوف ما فيها الذهب ولا الفضة فقلنا إنه أقل من ذلك فقال هو ذاك أما إن أهل الجاهلية كانوا أسمح منكم وكانوا لا يرجون على الحسنة عشر أمثالها وأنتم ترجون ذلك ولا تفعلونه قال فقال مكحول لما خرجنا من عنده لقد دخلنا على شيخ مجتمع العقل
يقول سليمان بن حبيب المحاربي قال: دخلت مسجد حمص فإذا مكحول وابن أبي زكرياء جالسان فقال مكحول: لو قمنا إلى أبي أمامة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأدينا من حقه وسمعنا منه قال: فقمنا جميعا حتى أتيناه فسلمنا عليه فرد السلام ثم قال: إن دخولكم علي رحمة لكم وحجة عليكم ولم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيء أشد خوفا على هذه الأمة من الكذب والعصبية ألا وإياكم والكذب والعصبية ألا وإنه أمرنا أن نبلغكم ذلك عنه ألا وقد فعلنا فأبلغوا عنا ما بلغناكم
وفاته
توفي سنة إحدى وثمانين وهو ابن إحدى وتسعين سنة ويقال مات سنة ست وثمانين.
المراجع
تهذيب الكمال
تفسير الطبري
صحيح مسلم
سنن أبي داود
سنن النسائي
صحيح ابن خزيمة
الإصابة في تمييز الصحابة
أسد الغابة
الاستيعاب

سـامـيـه
06-08-2010, 01:22 AM
يعطيك العافيه ماقصرت

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:23 AM
<H1 class=contentheading>أبي بن كعب </H1>





مقدمة

هو أُبيّ بن كعب بن قيس الأنصاري الخزرجي، له كنيتان: أبو المنذر؛ كناه بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو الطفيل؛ كناه بها عمر بن الخطاب بابنه الطفيل، وأمه صهيلة بنت النجار وهي عمة أبي طلحة الأنصاري، وكان أُبيّ رضي الله عنه أبيض الرأس واللحية لا يخضب.
إسلامه:
كان رضي الله عنه ممن أسلم مبكرًا، وقد شهد بيعة العقبة الثانية، وبعد الهجرة آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.


أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد فقال ما هؤلاء فقيل هؤلاء ناس ليس معهم قرآن وأبي بن كعب يصلي وهم يصلون بصلاته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصابوا ونعم ما صنعوا"، وكانت هذه الكلمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثابة الدافع الذي جعل أُبي رضي الله عنه أحد المجتهدين وأحد علماء الصحابة وقرّائهم، ومع اجتهاده إلا أنه كان دائما يستأذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن أبي بن كعب قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا على بلى وعذرة وجميع بني سعد بن هديم من قضاعة قال: فصدقتهم حتى مررت برجل منهم وكان منزله وبلده من أقرب منازلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قال: فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا ابنة مخاض قال: فقلت له: أد ابنة مخاض فإنها صدقتك فقال: ذاك مالا لبن فيه ولا ظهر وإيم الله ما قام في مالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رسول له قبلك وما كنت لأقرض الله من مالي مالا لبن فيه ولا ظهر ولكن خذ هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها فقلت: ما أنا بآخذ ما لم أؤمر به وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب فإما أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت علي فافعل فإن قبله منك قبله وإن رد عليك رده قال: فإني فاعل فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض علي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ صدقة مالي وأيم الله ما قام في مالي رسول الله ولا رسول له قط قبله فجمعت له مالي فزعم أن ما على فيه ابنة مخاض وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر وقد عرضت عليه ناقة فتية عظيمة سمينة ليأخذها فأبى علي وهاهي ذه قد جئتك بها يا رسول الله فخذها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك الذي عليك وإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك، قال: فها هي ذه يا رسول الله قد جئتك بها فخذها قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا له في ماله بالبركة.
وكان دائما ما يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي عنه رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله ما جزاء الحمى قال: تجري الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق قال أبي: اللهم إني أسألك حمى لا تمنعني خروجا في سبيلك ولا خروجا إلى بيتك ولا مسجد نبيك قال: فلم يمس أبي قط إلا وبه حمى.
الرسول صلى الله عليه وسلم يضرب في صدره فيفيض عرقًا:
روى مسلم بسنده عن أبي بن كعب قال كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال لي يا أبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثانية اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها فقلت اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إليَّ الخلقُ كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
الرسول يعلمه:
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أبي بن كعب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبي وهو يصلي فالتفت أبي ولم يجبه وصلى أبي فخفف ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك السلام: "ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك" فقال يا رسول الله: إني كنت في الصلاة قال: "أفلم تجد فيما أوحي إلي (اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ)" قال: بلى ولا أعود إن شاء الله...
وروى الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أعلمك سورة ما أنزل في التوراة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها" قلت: بلى قال: "فإني أرجو أن لا أخرج من ذلك الباب حتى تعلمها" ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت معه فأخذ بيدي فجعل يحدثني حتى بلغ قرب الباب قال فذكرته فقلت: يا رسول الله السورة التي قلت لي، قال "فكيف تقرأ إذا قمت تصلي" فقرأ بفاتحة الكتاب قال: "هي هي، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتُ بعد"


أهم ملامح شخصيته:

عميد قرّاء الصحابة وأحد علمائهم:
الله عز وجل يأمر رسوله العظيم صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القرآن على أبي بن كعب:
روى البخاري بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيٍّ: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ "لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ" قَالَ: وَسَمَّانِي قَالَ: "نَعَمْ" فَبَكَى.
فكان رضي الله ممن جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري بسنده عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.
وقد شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه أقرأ الأمة فعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب وأفرضهم زيد بن ثابت وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ألا وإن لكل أمة أمينا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"
بل وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يستقرأوا القرآن عليه ففي البخاري بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول استقرئوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود فبدأ به وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل قال لا أدري بدأ بأبي أو بمعاذ بن جبل.
وعند الإمام أحمد بسنده عن سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْفَجْرِ فَتَرَكَ آيَةً فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: "أَفِي الْقَوْمِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ" قَالَ أُبَيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ: نُسِخَتْ آيَةُ كَذَا وَكَذَا أَوْ نُسِّيتَهَا قَالَ: "نُسِّيتُهَا"
ويشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعة علمه:
ففي صحيح مسلم بسنده عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله: "يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم" قال: قلت: الله ورسوله أعلم قال: "يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم" قال: قلت: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" قال: فضرب في صدري وقال: "والله ليهنك العلم أبا المنذر".
قال النووي في شرح مسلم: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لِأُبَيِّ بْن كَعْب لِيَهْنِكَ الْعِلْم أَبَا الْمُنْذِر ) فِيهِ مَنْقَبَة عَظِيمَة لِأُبَيٍّ وَدَلِيل عَلَى كَثْرَة عِلْمه. وَفِيهِ تَبْجِيل الْعَالِم فُضَلَاء أَصْحَابه وَتَكْنِيَتهمْ ، وَجَوَاز مَدْح الْإِنْسَان فِي وَجْهه إِذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَة ، وَلَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ إِعْجَاب وَنَحْوه ; لِكَمَالِ نَفْسه وَرُسُوخه فِي التَّقْوَى.
وقد أخذ عن أُبي قراءة القرآن ابنُ عباس وأبو هريرة وعبدُ الله بن السائب وعبدُ الله بن عياش بن أبي ربيعة وأبو عبد الرحمن السلمي، وحدث عنه سويد بن غفلة وعبد الرحمن بن أبزى وأبو المهلب وآخرون...
فقد عرف الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا له حقه، وأنزلوه المنزلة التي يستحقها وعرفوا له علمه وفضله، وكان يسألونه عما لا يعرفون، روى البخاري بسنده عن ابن عباس أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى قال ابن عباس هو خضر فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس فقال إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيه هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل جاءه رجل فقال هل تعلم أحدا أعلم منك قال موسى لا فأوحى الله عز وجل إلى موسى بلى عبدنا خضر فسأل موسى السبيل إليه فجعل الله له الحوت آية وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه وكان يتبع أثر الحوت في البحر فقال لموسى فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره قال ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا خضرا فكان من شأنهما الذي قص الله عز وجل في كتابه.
ويكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
أول من كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة أبي بن كعب وهو أول من كتب في آخر الكتاب: وكتب فلان قال: وكان أبي إذا لم يحضر دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت فكتب.
وعن زرّ بن حبيش قال: سألت أبي بن كعب رضي الله عنه فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر فقال: رحمه الله أراد أن لا يتكل الناس، أما إنه قد علم أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين، فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها.
وكان رضي الله عنه أول من أمّ الناس في صلاة التراويح فعن عبد الرحمن بن عبد القارىء أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله.
وعن أبي بن كعب قال: أما أنا فأقرأ القرآن في ثماني ليال.
وعن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب أتى على هذه الآية "الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ" فأتى أبي بن كعب فسأله: أينا لم يظلم؟ فقال له: يا أمير المؤمنين إنما ذاك الشرك أما سمعت قول لقمان لابنه: "يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ".
المستدرك...الحاكم
إلى بيته يُؤتى الحكم:
عن ابن سيرين قال: اختصم عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء فحكما أبي بن كعب فأتياه فقال عمر بن الخطاب إلى بيته يؤتى الحكم فقضى على عمر باليمين فحلف ثم وهبها له معاذ.
جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت له:إني وضعت بعد وفاة زوجي قبل انقضاء العدة فقال عمر: أنت لآخر الأجلين، فمرت بأبي بن كعب فقال لها: من أين جئت؟ فذكرت له وأخبرته بما قال عمر فقال: اذهبي إلى عمر وقولي له إن أبي بن كعب يقول قد حللت فإن التمستيني فإني ها هنا فذهبت إلى عمر فأخبرته فقال: ادعيه فجاءته فوجدته يصلي فلم يعجل عن صلاته حتى فرغ منها ثم انصرف معها إليه فقال له عمر: ما تقول هذه؟ فقال أبي: أنا قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم"وأولات الأحمال اجلهن أن يضعن حملهن" فالحامل المتوفى عنها زوجها أن تضع حملها فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم نعم فقال عمر للمرأة: اسمعي ما تسمعين.
وخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس فقال: من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإن الله تعالى جعلني خازنا. المستدرك للحاكم


بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:

روى البخاري بسنده عن سويد بن غفلة قال لقيت أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: أخذت صرة مائة دينار فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال عرفها حولا فعرفتها حولا فلم أجد من يعرفها ثم أتيته فقال عرفها حولا فعرفتها فلم أجد ثم أتيته ثلاثا فقال احفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها فاستمتعت فلقيته بعد بمكة فقال لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا.
الرسول وأُبي وابن صياد:
في البخاري بسنده أيضًا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبي بن كعب قبل ابن صياد فحدث به في نخل فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل طفق يتقي بجذوع النخل وابن صياد في قطيفة له فيها رمرمة فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا صاف هذا محمد فوثب ابن صياد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تركته بَيَّنَ"
ويصاب يوم الأحزاب فيعالجه النبي صلى الله عليه وسلم:
في صحيح مسلم بسنده و حدثني بشر بن خالد حدثنا محمد يعني ابن جعفر عن شعبة قال سمعت سليمان قال سمعت أبا سفيان قال سمعت جابر بن عبد الله قال رمي أبي يوم الأحزاب على أكحله - هو عرق في وسط الذراع - فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن جابر بن عبد الله قال جاء أبي بن كعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كان مني الليلة شيء في رمضان قال: وما ذاك يا أبي؟ قال: نسوة في داري قلن إنا لا نقرأ القرآن فنصلي بصلاتك قال: فصليت بهن ثماني ركعات ثم أوترت قال:
فكان شبه الرضا ولم يقل شيئا. صحيح ابن حبان
وعن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام فقال يا أيها الناس اذكروا الله يا أيها الناس اذكروا الله يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه فقال أبي بن كعب: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك منها؟ قال ما شئت قال: الربع قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك قال: النصف قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك قال: الثلثين قال: ما شئت وإن زدت فهو خير قال: يا رسول الله أجعلها كلها لك قال: إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك. قال الحاكم في المستدرك: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.


بعض المواقف من حياته مع الصحابة:

مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: اخرجوا بنا إلى أرض قومنا قال: فخرجنا فكنت أنا و أبي بن كعب في مؤخرة الناس فهاجت سحابة فقال أبي: اللهم اصرف عنا أذاها، فلحقناهم وقد ابتلت رجالهم فقال عمر: ما أصابكم الذي أصابنا؟ قلت: إن أبا المنذر دعا الله أن يصرف عنا أذاها فقال عمر: ألا دعوتم لنا معكم؟
وعن ابن عباس قال: كان للعباس دار إلى جنب المسجد وفي المسجد ضيق فأراد عمر أن يدخلها في المسجد فأبى فقال: اجعل بيني وبينك رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلا بينهما أبي بن كعب فقضى للعباس على عمر فقال عمر: ما أحد من أصحاب محمد أجرأ علي منك فقال أبي: أو أنصح لك مني قال: يا أمير المؤمنين أما بلغك حديث داود أن الله عز وجل أمره ببناء بيت المقدس فأدخل فيه بيت امرأة بغير إذنها فلما بلغ حجز الرجال منعه الله بناءه قال داود: يا رب منعتني بناءه فاجعله في عقبي فقال العباس: أليس قد صارت لي وقضى لها بها؟ قال: فإني أشهدك أني قد جعلتها لله عز وجل.
وعن ابن سيرين قال: تسلف أبي بن كعب من عمر بن الخطاب مالا قال: أحسبه عشرة آلاف ثم إن أبيا أهدى له بعد ذلك من تمرته وكانت تبكر وكان من أطيب أهل المدينة تمرة فردها عليه عمر فقال أبي: ابعث بمالك فلا حاجة لي في شيء منعك طيب تمرتي، فقبلها، وقال: إنما الربا على من أراد أن يربي وينسىء.
مع أبي موسى الأشعري وأبي سعيد الخدري:
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري يقول: كنا في مجلس عند أبي بن كعب فأتى أبو موسى الأشعري مغضبا حتى وقف فقال أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع قال أبي وما ذاك قال استأذنت على عمر بن الخطاب أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت ثم جئته اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئت أمس فسلمت ثلاثا ثم انصرفت قال قد سمعناك ونحن حينئذ على شغل فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك قال استأذنت كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا فقال أبي بن كعب فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا قم يا أبا سعيد فقمت حتى أتيت عمر فقلت قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا
مع أبي ذر:
في سنن ابن ماجة بسنده عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم فذكرنا بأيام الله وأبو الدرداء أو أبو ذر يغمزني فقال متى أنزلت هذه السورة إني لم أسمعها إلا الآن فأشار إليه أن اسكت فلما انصرفوا قال سألتك متى أنزلت هذه السورة فلم تخبرني فقال أبي ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وأخبره بالذي قال أبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق أبي".
مع سعد بن الربيع:
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: من يأتيني بخبر سعد بن الربيع فإني رأيت الأسنة قد أشرعت إليه؟ فقال أبي بن كعب: أنا وذكر الخبر وفيه: أقرأ على قومي السلام وقل لهم: يقول لكم سعد بن الربيع: الله الله وما عاهدتم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة فوالله مالكم عند الله عذر إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف، وقال أبي: فلم أبرح حتى مات فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: رحمه الله نصح لله ولرسوله حيا وميتا.
مع جندب بن عبد الله البجلي:
وعن جندب قال: أتيت المدينة لأتعلم العلم فلما دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا الناس فيه حلق يتحدثون قال: فجعلت أمضي حتى انتهيت إلى حلقة فيها رجل شاحب عليه ثوبان كأنما قدم من سفر فسمعته يقول: هلك أصحاب العقد ورب الكعبة ولا آسي عليهم يقولها ثلاثا هلك أصحاب العقد ورب الكعبة هلك أصحاب العقد ورب الكعبة هلك أصحاب العقد ورب الكعبة قال: فجلست إليه فتحدث ما قضي له ثم قام فسألت عنه فقالوا: هذا سيد الناس أبي بن كعب قال: فتبعته حتى أتى منزله فإذا هو رث المنزل رث الكسوة رث الهيئة يشبه أمره بعضه بعضا، فسلمت عليه فرد علي السلام قال: ثم سألني: ممن أنت؟ قال: قلت من أهل العراق قال: أكثر شيء سؤلا وغضب قال: فاستقبلت القبلة ثم جثوت على ركبتي ورفعت يدي هكذا ومد ذراعيه فقلت: اللهم إنا نشكوهم إليك، إنا ننفق نفقاتنا وننصب أبداننا ونرحل مطايانا ابتغاء العلم فإذا لقيناهم تجهموا لنا وقالوا لنا قال: فبكى أبي وجعل يترضاني ويقول: ويحك أني لم أذهب هناك ثم قال أبي: أعاهدك لأن أبقيتني إلى يوم الجمعة لأتكلمن بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أخاف فيه لومة لائم قال: ثم انصرفت عنه وجعلت أنتظر يوم الجمعة فلما كان يوم الخميس خرجت لبعض حاجتي فإذا الطرق مملوءة من الناس لا آخذ في سكة إلا استقبلني الناس، قال، فقلت ما شأن الناس؟ قالوا: إنا نحسبك غريبا قال: قلت أجل قالوا: مات سيد المسلمين أبي بن كعب قال: فلقيت أبا موسى بالعراق فحدثته فقال: هلا كان يبقى حتى تبلغنا مقالته؟ قال في المستدرك: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
موقفه مع الجني:
عن أبي بن كعب: أنه كان له جرن فيه تمر فكان يتعاهده فوجده ينقص فحرسه ذات ليلة فإذا هو بداية شبه الغلام المحتلم قال: فسلمت فرد السلام فقلت: ما أنت جني أم إنسي؟ قال: جني قلت: ناولني يدك فناولني فإذا يده يد كلب وشعره شعر كلب فقلت: هكذا خلق الجن؟ قال: لقد علمت الجن أن ما فيهم من هو أشد مني قلت ما حملك على ما صنعت؟ قال: بلغني أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك فقال له أبي: فما الذي يجيرنا منكم؟ قال هذه الآية آية الكرسي التي في سورة البقرة من قالها حين يمسي أجير منا حتى يصبح ومن قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسي - فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: "صدق الخبيث" فتح القدير للشوكاني


أثره في الآخرين:

روى البخاري بسنده عن ابن عباس أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى قال ابن عباس هو خضر فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس فقال إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيه هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل جاءه رجل فقال هل تعلم أحدا أعلم منك قال موسى لا فأوحى الله عز وجل إلى موسى بلى عبدنا خضر فسأل موسى السبيل إليه فجعل الله له الحوت آية وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه وكان يتبع أثر الحوت في البحر فقال لموسى فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره قال ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا خضرا فكان من شأنهما الذي قص الله عز وجل في كتابه.
وكان رضي الله ممن جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري بسنده عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.
وقد أخذ عن أُبي قراءة القرآن ابنُ عباس وأبو هريرة وعبدُ الله بن السائب وعبدُ الله بن عياش بن أبي ربيعة وأبو عبد الرحمن السلمي، وحدث عنه سويد بن غفلة وعبد الرحمن بن أبزى وأبو المهلب وآخرون...
وعن زرّ بن حبيش قال:سألت أبي بن كعب رضي الله عنه فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر فقال: رحمه الله أراد أن لا يتكل الناس، أما إنه قد علم أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين، فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها.
وعن أسلم المنقري قال: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى يحدث عن أبيه قال: لما وقع الناس في أمر عثمان رضي الله عنه قلت لأبي بن كعب: أبا المنذر ما المخرج من هذا الأمر؟ قال: كتاب الله وسنة نبيه ما استبان لكم فاعملوا به وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه.


بعض ما رواه عن الرسول صلى الله عليه وسلم

في سنن أبي داود عن عن أبي بن كعب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الصبح فقال " أشاهد فلان؟ " قالوا لا قال " أشاهد فلان؟ " قالوا لا قال " إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على الركب وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل وحسّنه الألباني
وعنه رضي الله عنه قال: كان رجل لا أعلم أحدا من الناس ممن يصلي القبلة من أهل المدينة أبعد منزلا من المسجد من ذلك الرجل وكان لا تخطئه صلاة في المسجد فقلت لو اشتريت حمارا تركبه في الرمضاء والظلمة فقال ما أحب أن منزلي إلى جنب المسجد فنمي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن قوله ذلك فقال أردت يا رسول الله أن يكتب لي إقبالي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي إذا رجعت فقال " أعطاك الله ذلك كله أعطاك الله جل وعز ما احتسبت كله أجمع. قال الألباني: صحيح
عن أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم في الوتر قال "سبحان الملك القدوس" قال الألباني: صحيح
بعض كلماته:
من أقواله رضي الله عنه: تعلموا العربية كما تعلمون حفظ القرآن.
وقوله: لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن قوله تعالى: "وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ" ولكن قولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وقوله رضي الله عنه: الشهداء في قباب من رياض بفناء الجنة يبعث لهم حوت وثور يعتركان فيلهون بهما فإذا اشتهوا الغداء عقر أحدهما صاحبه فأكلوا من لحمه يجدون في لحمه طعم كل طعام في الجنة وفي لحم الحوت طعم كل شراب.
وقوله رضي الله عنه: الصلاة الوسطى صلاة العصر.
وقوله رضي الله عنه: ما ترك عبد شيئا لا يتركه إلا لله إلا آتاه الله ما هو خير منه من حيث لا يحتسب، ولا تهاون به فأخذه من حيث لا ينبغي له إلا أتاه الله بما هو أشد عليه.
وقال رضي الله عنه: إن مطعم ابن آدم ضرب للدنيا مثلا وإن قزحه وملحه فقد علم إلى ما يصير
وعن أبي العالية قال: قال رجل لأبي بن كعب: أوصني قال: اتخذ كتاب الله إماما وأرض به حكما وقاضيا؛ فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم شفيع مطاع، وشاهد لا يتهم، فيه ذكركم وذكر من قبلكم وحكم ما بينكم، وخبركم وخبر ما بعدكم.
وفاته رضي الله عنه:
ثبت عن أبي سعيد الخدري أن رجلا من المسلمين قال: يا رسول الله أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا مالنا فيها؟ قال: كفارات فقال أبي بن كعب: يا رسول الله وإن قَلّت؟ قال: وإن شوكة فما فوقها، فدعا أبي ألا يفارقه الوعك حتى يموت، وألا يشغله عن حج ولا عمرة ولا جهاد ولا صلاة مكتوبة في جماعة، قال: فما مس إنسان جسده إلا وجد حره حتى مات.
عن جندب قال: أتيت المدينة... خرجت لبعض حاجتي فإذا الطرق مملوءة من الناس لا آخذ في سكة إلا استقبلني الناس، قال، فقلت ما شأن الناس؟ قالوا: إنا نحسبك غريبا قال: قلت أجل قالوا: مات سيد المسلمين أبي بن كعب.
وقد اختلف في سنة وفاته رضي الله عنه وأرضاه فقيل توفي في خلافة عمر سنة تسع عشرة وقيل سنة عشرين وقيل سنة اثنتين وعشرين، وقيل إنه مات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين، قال في المستدرك: وهذا أثبت الأقاويل لأن عثمان أمره بأن يجمع القرآن.
من مراجع البحث:
أسد الغابة..................... ابن الأثير
الإصابة في تمييز الصحابة........ ابن حجر
تذكرة الحفاظ.................. الذهبي
الوافي في الوفيات............... الصفدي

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:28 AM
حياك الله ياساميه والله يعااافيك

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:43 AM
النعمان بن بشير

هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس بن زيد الأنصارى الخزرجى ويكنى عبد الله.
ولم يدرك النعمان الجاهلية فقد كان أول مولود ولد في الإسلام من الأنصار بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا.
وهو أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة رضي الله عنه. (1)

وكان النعمان أول مولود ولد بالمدينة بعد الهجرة للأنصار في جمادى الأول سنة ثنتين من الهجرة فأتت به أمه تحمله إلى النبي (صلي الله عليه وسلم) فحنكه وبشرها بأنه يعيش حميدا ويقتل شهيدا ويدخل الجنة.(2)
من مواقفة مع الصحابة:
كان النعمان ذا منزلة من معاوية( رضي الله عنه ) وكان معاوية يقول يا معشر الأنصار تستبطئونني وما صحبني منكم إلا النعمان بن بشير وقد رأيتم ما صنعت به وكان ولاه الكوفة وأكرمه.(3)
من مواقفه مع التابعين:
قيل إن أعشى همدان قدم على النعمان بن بشير وهو على حمص وهو مريض فقال له النعمان ما أقدمك قال لتصلني وتحفظ قرابتي وتقضى ديني فقال والله ما عندي ولكني سائلهم لك شيئا ثم قام فصعد المنبر ثم قال يا أهل حمص إن هذا ابن عمكم من العراق وهو مسترفدكم شيئا فما ترون فقالوا احتكم في أموالنا فأبى عليهم فقالوا قد حكمنا من أموالنا كل رجل دينارين وكانوا في الديوان عشرين ألف رجل فعجلها له النعمان من بيت المال أربعين ألف دينار فلما خرجت أعطياتهم أسقط من عطاء كل رجل منهم دينارين.(4)

وقال أبو مخنف (وهو شيعي ) بعث يزيد بن معاوية إلي النعمان بن بشير الأنصاري فقال له ائت الناس وقومك فافثأهم عما يريدون فإنهم إن لم ينهضوا في هذا الأمر لم يجترئ الناس على خلافي وبها من عشيرتي من لا أحب أن ينهض في هذه الفتنة فيهلك.
فأقبل النعمان بن بشير فأتى قومه ودعا الناس إليه عامة وأمرهم بالطاعة ولزوم الجماعة وخوفهم الفتنة وقال لهم إنه لا طاقة لكم بأهل الشأم فقال عبد الله بن مطيع العدوي ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من أمرنا فقال النعمان أما والله لكأني بك لو قد نزلت تلك التي تدعو إليها وقامت الرجال على الركب تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف ودارت رحا الموت بين الفريقين قد هربت على بغلتك تضرب جنبيها إلى مكة وقد خلفت هؤلاء المساكين يعني الأنصار يقتلون في سككهم ومساجدهم وعلى أبواب دورهم فعصاه الناس.(5)
من الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم
عن النعمان بن بشير قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مسير له إذ خفق رجل على راحلته فأخذ رجل من كنانته سهما فانتبه الرجل مذعورا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلما "
عن النعمان بن بشير أن أباه نحله غلاما وأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده فقال: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ قال: لا قال: فاردده.(6)
وعن الشعبي قال سمعت النعمان بن بشير يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول وأومأ النعمان بإصبعيه إلى أذنيه إن الحلال بين والحرام بين وبين ذلك مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشتبهات فقد استبرأ لدينه ولعرضه ومن وقع في المشتبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى أوشك أن يقع فيه ألا إن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه.
عن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.(7)

وعن النعمان بن بشير قال صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم ثم أقبل علينا بوجهه فقال" سووا صفوفكم ولا تختلفوا فيخالف الله عز وجل بينكم يوم القيامة ".
فلقد رأيتنا وإن الرجل منا ليلتمس بمنكبه منكب أخيه وبركبته ركبة أخيه وبقدمه قدم أخيه.(8)
كلماته.
عن سماك بن حرب قال سمعت النعمان بن بشير يقول ألستم في طعام وشراب ما شئتم لقد رأيت نبيكم وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه.
الوفاة:
وبعد موت يزيد بن معاوية بايع النعمان لإبن الزبير فتنكر له أهل حمص، فخرج هارباً فتبعه خالد بن خليّ الكلاعي فقتله سنة خمس وستين للهجرة.
المصادر:
1- البداية والنهاية [ جزء 3 - صفحة 230 ]
2- البداية والنهاية [ جزء 8 - صفحة 244 ]
3- طبقات فحول الشعراء [ جزء 2 - صفحة 463 ]
4- البداية والنهاية [ جزء 8 - صفحة 245 ]
5- تاريخ الطبري [ جزء 3 - صفحة 351 ]
6- كنز العمال [ جزء 16 - صفحة 820 ]
7- الأربعون الصغرى [ جزء 1 - صفحة 150 ]
8- الفوائد [ جزء 2 - صفحة 129 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:44 AM
د. راغب السرجاني
مقدمة


الصحابة والإخلاص
المقصود من هذا البحث أن نكون عمليين، وكيف يكون ممكنًا أن نقلد جيل الصحابة؟
كيف نسلك نفس الطريق الذي سلكه هؤلاء الصحابة ونقتفي أثرهم ونسير على دربهم؟
في هذه الفصل نحاول أن نضع أيدينا على أول الطريق الذي سار فيه الصحابة، وهذا هو الفصل الرابع من (كن صحابيا) تحدثنا في الفصول الثلاثة السابقة عن جيل صحابة رسول الله، تحدثنا في الفصل الأول عن صفة هذا الجيل العظيم، خير الناس خير القرون، تحدثنا عن هذا الجيل الذي رأى رسول الله صلى اله عليه وسلم، وعاش معه، وتحدث إليه، وتعلم منه مباشرة، ثم نقل الرسالة بأمانة إلى من بعده بعد ذلك بعد وفاة رسول الله، وما زلنا إلى اليوم ننعم بنقل صحابة رسول الله للدين إلينا، وتحدثنا في الفصل الثاني عن إمكانية تقليد جيل الصحابة، بعض الناس تحبط من تقليد جيل الصحابة؛ لأن مستوى هذا الجيل عالي جدا، نحن نقول:
إن هذا الجيل جيل قدوة، ونستطيع أن نقلد هذا الجيل.
نعم الذي يقلده هو الذي يعمل بسيرته كأنه يقبض على الجمر، لكنه في المقابل كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ مثل أجر خمسين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون من الممكن تقليد هذا الجيل. والفصل الثالث تحدثنا فيه عن صناعة الإنسان، صناعة الإنسان في الإسلام ماذا يعني إنسان في الإسلام؟ وكيف يتحول الصحابي من إنسان ليست له أية طموح في الدنيا غير ملذاته الشخصية، وغير حياته الخاصة إلى إنسان يحمل هَمّ هذا الدين على عاتقه، يحمل هذه الدعوة إلى كل ربوع الأرض؟
تحدثنا عن أمثلة الصحابة الكرام، كيف أسلموا؟
وكيف انتقلوا من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام؟
وذكرنا أن بدايات الصحابة كانت صعبة، بل هي أصعب من بداياتنا بلا شك، الصحابة كانوا يعبدون إله غير الله عز وجل، ونحن بحمد الله وُلدنا مسلمين، الأب والأم عند الصحابة كانوا كفارا، والحمد لله الآباء والأمهات عندنا من المسلمين المؤمنين، وانتقال الصحابة من الكفر إلى الإيمان اختبار صعب جدا، الحمد لله نحن لم نُعَرّض لهذا الاختبار، فبالتبعية انتقالنا من عدم الالتزام بهذا الدين إلى الالتزام به، لا شك أنه أسهل من انتقال الصحابة مما كانوا عليه إلى ما وصلوا إليه، نحن سنتحدث الآن ونبين كيف نكون عمليين؟ وكيف نقلد هذا الجيل الفريد من الصحابة؟
في الفصل الرابع، وما يستجد بعد ذلك من فصول، سنتكلم في كل فصل عن صفة من صفات الصحابة، أو معنى من المعاني التي عاشها الصحابة، ومارسوه في حياتهم، وسنعرف كيف كان فهمهم، وتحركهم في حياتهم بهذا المعنى، وهذا هو الطريق الذي سلكه الصحابة ووصلوا فيه إلى ما وصلوا إليه من علم الله عز وجل في الآخرة، كما قال الله عز وجل [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ] {التوبة:100} في هذا الفصل نعرف كيف نكون عمليين، وبهذا الفصل نضع أيدينا على أول طريق سلكته الصحابة، وساروا فيه، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه.
سنتكلم على صفة من أهم صفات الصحابة، أمر هام جدا كان يميز جيل الصحابة، وأعتبر هذا الشيء هو أهم شيء في حياة الصحابة مطلقا، لا يمكن أن يكون هناك مؤمن بغير هذه الصفة، لا يمكن أن يُقبل عمل بغير هذه الصفة، هذا يدل على أن هذه الصفة فعلا خطيرة، هذه هي صفة الإخلاص لله عز وجل.
أعرف أن كثير منا ممكن أن يطلق على نفسه لقب مخلص، أو يعتقد اعتقادًا جازما بأنه مخلص تمام الإخلاص، لكن كيف كان مفهوم الصحابة عن الإخلاص؟
كيف استوعب الصحابة هذه الصفة؟
وكيف مارسوا هذه الصفة في حياتهم؟



من أهم القضايا في حياة المسلم

وقبل أن أبدأ في وصف فهم الصحابة لصفة الإخلاص، أحب أن أذكر لكم أن هذا الفصل، وبكل صدق أعتبره من أهم الفصول في حياة المسلمين، ومن أخطر الدروس فعلا، لذا أريد منكم فهم هذا الدرس بعمق، فهذه القضية خطيرة، بل من أخطر القضايا، فمن يرسب في امتحان الإخلاص يكن مصيره لا محالة إلى النار، ومن ينجح فيه فهو الفائز الذي زُحْزِح عن النار وأُدخل الجنة، فالقضية فعلا خطيرة، يقول سبحانه وتعالى في كتابة عن قضية الإخلاص آية في منتهى الخطورة يقول ويخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم:

[وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ]
{الزُّمر:65} لو لم يوجد إخلاص [لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ] {الزُّمر:65} .


قضية خطيرة جدا، هذا الكلام يوجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومفهوم أن الرسول مستحيل أن يشرك بالله عز وجل، ولكن هذا لتعظيم الجرم؛ لتقبيح الفعل، والشرك هو عكس الإخلاص، فمن أشرك بالله عز وجل ما أخلص لله عز وجل، نعلم أن معنى الإخلاص أن يكون العمل خالصًا تماما من كل شائبة، والشوائب هي الشركاء، فلو أشركت مع الله عز وجل شريكًا آخر أيَّ شريك بنسبة 25% مثلا، فهل سيكتب لك خمسة وسبعين في المائة من الأجر، ويضيع عيك خمسة وعشرون في المائة، أم سيذهب العمل كله؟
هل سيحبط العمل كله لنسبة بسيطة من الإشراك؟
الله يقول:

[وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ]
{الزُّمر:65} .


واقرأ هذا الحديث الذي يفسر هذا الموضوع، روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله:
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكِهِ.
يحبط العمل كله.
وحديث يوضح هذا المعنى بصورة أكبر، روى البخاري، ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن أعرابيا آتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر- حتى يشتهر أمره بين الناس- والرجل يقاتل ليرى مكانه- لكي يقال عنه شجاع، ويسأله الرجل- من منهم في سبيل الله؟
الرجل يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن من هؤلاء الثلاثة قاتل في سبيل الله؟
الرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عن كل هؤلاء الثلاثة، حتى لم يناقش قضيتهم، وقال:
مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
أما هذه الأغراض الثلاثة، أوغيرها من الأغراض، فليست في ميزان الله عز وجل، ولا يصح أن توضع في جانب الإخلاص، فكلها إشراك بالله عز وجل، غرض واحد هو الذي يوضع في جانب الإخلاص، هو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله، إن الغنيمة ليست حراما، بالعكس الله عز وجل شرع في كتابه أن توزع أربع أخماس الغنيمة على الجيش، فالمغنم ليس حراما إذًا، والذكر بالخير ليس حراما، وصفة الشجاعة ليست حراما، لكن هذا للعبد، هذا للنفس، وليس لله عز وجل، فلو أنت قاتلت لهذه الأغراض، ومن أجلها، فهذا حظ نفسك، وقد حصلت عليه في الدنيا، فلا يحسب عند الله عز وجل، لكن من يقاتل لإعلاء كلمة الله عز وجل في الأرض، فهو المقاتل في سبيل الله.
وحديث آخر أخطر من هذا الحديث يوضح المعنى بصورة أكبر، وأكبر، روى النسائي بإسناد جيد أن أبا أمامة رضي الله عنه وأرضاه قال:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
أرأيت رجل غزى يلتمس الأجر والذكر.
هذا الرجل يريد الأجر من الله سبحانه وتعالى، فهو خارج في سبيل الله عز وجل، لكن إلى جانب هذا الخروج هو يلتمس أيضا الذكر حتى يقول عليه الناس فلان الذي قاتل، وحارب، وانتصر، إلى غير ذلك من صفات المجاهدين، فهو يريد الاثنين: الأجر والذكر.
أرأيت رجل غزى يلتمس الأجر والذكر، ما له؟
الرجل يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم: ما له؟ يقصد من الأجر، كم له من الأجر عند الله عز وجل؟
فقال صلى الله عليه وسلم كلمة في منتهى الخطورة، قال:
لَا شَيْءَ.
سبحان الله، لا شيء، حتى نسبة الأجر خمسين في المائة، ولا خمسة وسبعون في المائة، ولا خمسة وتسعون في المائة، أُحْبط كل العمل، فأعادها عليه ثلاثا، الرجل يستعجب، ورسول الله كما يقول أبو أمامة يرد عليه في كل مرة:
لَا شَيْءَ.
ثم قال صلى الله عليه وسلم لكي يوضح له الصورة، قال:
إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهَهُ. سبحانه وتعالى.
وحديث آخر من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث فعلا شديد الخطورة، وفيه معنى عميق جدا، روى مسلم، والنسائي، وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ.
وأول ما تقرأ أول هذا الحديث تظن أنه من أهل الجنة وسيدخلها بغير حساب.
فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا.
ظل يقول له أعطيتك كذا وكذا من النعم الضخمة الكثيرة التي لا تحصى من الله عز وجل.
فقال: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟
قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتَ.
فقد بلغ أقصى الأعمال رفعة عند الله عز وجل، ذروة سنام الإسلام، الجهاد في سبيل الله.
قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ.
قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ.
هذا الرجل كان يقاتل للذكر، كان يقاتل من أجل أن يشتهر بين الناس بأنه مقاتل جريء شجاع، لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ.
الناس قالت ما تريده، وقد أخذت حظك من الدنيا.
ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
هذا أول من قُضي عليه يوم القيامة، الرجل الثاني الذي يقضى عليه يوم القيامة:
وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقًُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟
قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ الْقُرْآنَ فِيكَ.
قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِأَنْ يُقَالَ: عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِأَنْ يُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ.
ما كنت تعمل من أجل وجه الله سبحانه وتعالى، بل فعلتها للناس؛ ليقول الناس: عالم وقارئ. وقد قيل، أخذت ما تمنيت، وما أردت.
ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
الرجل الثالث:
وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟
قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ.
فَقَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ. فَقَدْ قِيلَ.
تحدثت الناس بما أردت فعلًا، وقالوا عنك جواد، وكريم، وأخذت حظك من الدنيا.
ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
لا بد من وقفة مع هذا الحديث الخطير، كان من الممكن أن يسعر الله عز وجل جهنم أول ما تسعر بزانٍ، أو قاتل، أو مرتكب لكبيرة من الكبائر، أو لمعصية ضخمة من المعاصي، كان من الممكن ذلك، ولكن أراد الله أن يسعرها أولا بهؤلاء لإثبات أن عملهم الذي أشركوا فيه غير الله عز وجل قد أحبط تماما، كأنه لم يعمل، وكل هذا لأجل تعظيم قدر الإخلاص لله عز وجل.
والصحابة أدركوا هذا الأمر، وفهموه جيدًا؛ لهذا عاشوا حياتهم كلها لله عز وجل، عاشوا حياتهم بكاملها مخلصين لله عز وجل، وبإدراكنا لهذه الأحاديث والآيات، ومعرفة فهم الصحابة لهذه الآيات، نستطيع أن نفهم مواقف غريبة جدا في حياة الصحابة.
إن تصدق الله يصدقك
موقف عجيب لصحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم رواه النسائي عن شداد بن الهاد رضي الله عنه وأرضاه وشداد بن الهاد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به، واتبعه، ثم قال: أهاجر معك.
ولنتعلم الإخلاص من هذا الأعرابي البسيط الذي ما زال حديث عهد بالإسلام، وبإيمانه بالرسول صلى الله عليه وسلم ينال لقب صحابي لتحقيقيه شروط الصحابي، والصحابي هو من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، ورآه، أو اجتمع به، ومات على هذا الإيمان، فهذا الاعرابي يدخل في نطاق الصحابة مع أنه حديث عهد بالإسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصى به بعض أصحابه حتى يعلموه الدين، وعلموه بعض أمور دينه، ثم جاءت غزوة مباشرة بعد هذا التعليم البسيط لأمور الدين، جاءت غزوة، فلما كانت هذه الغزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيا فقسمه، والسبي هو النساء، وقسم لهذا الأعرابي الجديد الذي أسلم حديث، لكنه دخل في الموقعة، وانتصر، وقسمت الغنيمة على الناس، فقسم السبي على الصحابة، وهذا الصحابي لم يكن موجودًا، فالأعرابي كان في مكان بعيد، فلما قسم صلى الله عليه وسلم الأقسام على الصحابة جعل له قسما، وقال لأصحابه لما يأتي هذا الرجل أعطوا له قسمه، فجاء الرجل، فدفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم.
والرسول هو الذي يقسم هذا يعني أنه حلال خالص, وما قسمه له النبي صلى الله عليه وسلم هو سبي، يعني نساء، فهناك ميل فطري له، ومع ذلك انظر إلى رد فعل الصحابي الأعرابي البسيط الذي أسلم منذ أيام قلائل، يا ترى ماذا كان رد فعله؟
وماذا فعل؟
أخذ السبي وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له:
ما هذا؟
من يقرأ الحديث يظن أن هذا الصحابي قد استقل هذا العطاء.
قال: قَسَمْتُهُ لَكَ.
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
قَسَمْتُهُ لَكَ.
قال: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمِى إِلَى هَا هُنَا.
وأشار إلى مكان في رقبته مكان في الحلق مكان مميت لو ضرب فيه بسهم قتل لا محالة.
وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَا هُنَا بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ.
نريد أن نقف وقفة طويلة هنا في هذا الموقف، هذا الفعل من الصحابي قد يستغربه البعض، يعتقد أن هذه مبالغة، وهي فعلا مبالغة، لكن لا مبالغة في الخير، وهذا الصحابي مع أن عمره في الإسلام قليل جدا جدا، لكن فهمه عميق جدا، رؤيته واضحه جدا، الجنة عظمت في عينه، أصبح الجهاد عنده يساوي الدنيا كلها، يخاف أن يأخذ شيئًا يشغله عن الجهاد، ومن ناحية أخرى يخاف أن تتغير نيته، أحيانًا يبدأ أحدنا عملًا بنية خاصة لله عز وجل، وبعد أن تكثر أمواله، ومنافعه من العمل تتغير نيته، مثل من يقيم مدرسة مثلا بنية أن هذا مشروع تربوي إسلامي سيفيد به الأمة الإسلامية كلها، عمل جليل جدا، وبعد أن تزداد الأموال يبدأ في تغيير نيته، وتكون الدنيا هي همه، يرفع أسعار المدرسة، يعمل رحلات بأسعار عالية، ويكسب من ورائها، يُغَير لبس المدرسة كل سنة؛ ليضطر أولياء الأمور شراء الملابس كل عام، يبدأ في زيادة عدد الطلاب في كل فصل، بدلًا من عشرين أو خمسة وعشرين حتى تسير الأمور التربوية في مسارها، يكونون ثلاثين، أو أربعين، وخمسين؛ لتزداد أمواله، وهو يعرف أنه لن يستطيع أن يقوم بمثل هذه الأبعاد التربوية التي كان سيقوم بعملها في الفصل مع العدد الكبير، وتغيرت النية، الصحابي الأعرابي البسيط لم يرد أن يدخل في كل التجربة، يريد أن يعيش حياة مخلصة لله عز وجل، وإن قصرت هذه الحياة، لهذا رفض المغنم الحلال، وقرر أن يشتغل لله عز وجل بدون أجر، وطبعا هذا وإن لم يكن فرضا فهو من فضائل الأعمال، والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه ذلك، ولم يذكر أن هذا تشدد منه، بل قال:
إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ.
وفعلا لو أنت صادق في نيتك، سيحقق لك الله كل ما تريد، لهذا السبب لا بد وأن يكون لكل واحد منا أعمال خير كثيرة، ولا يأخذ عليها أجرًا من أحد، ويثبت إخلاص نيته لله عز وجل، فالمدرس من الممكن أن يدرس من غير أموال يأخذها لمن يحتاج، والطبيب يعالج من غير تقاضيه أجرًا للمحتاجين، المحامي بإمكانه أن يترافع عن مظلوم محتاج من غير مال يأخذه، هو محامي يعمل لله عز وجل، هذا ليس فرضًا، لكن هذه وسيلة لإثبات الإخلاص لله عز وجل.
ما الوسيلة التي من الممكن أن تعرف بها أنك مخلص تماما لله عز وجل، في عملك كلنا نقول: إننا مخصلين لله عز وجل.
لكن أحيانًا يكون هناك أجر على عملك، فهل كل من أخذ أجرًا على العمل يصبح غير مخلص؟
بالطبع لا، فالصحابة أخذوا أجرًا على أعمالهم، وبقية الصحابة في نفس الغزوة أخذوا الغنيمة، وأخذوا السبي، فأين تكمن المشكلة إذًا؟
وإخلاصهم عالي جدا، فكيف تفهم أنك مخلص أو غير مخلص؟
المقياس الحقيقي في الإخلاص: أن تعمل العمل بصرف النظر تقاضيت أجرًا أم لا، أما إذا ربطت عملك بالأجر، فهذا يدل على ضعف الإخلاص، أو غيابه أصلا، ولنرجع لقصة الصحابي الأعرابي، الصحابي الذي لم يأخذ شيئًا من السبي، وقال أنا لم أدخل معك في الإسلام إلا لأُقْتل في سبيل الله، فقال له صلى الله عليه وسلم:
إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ.
فلبثوا قليلا كما يقول شداد بن الهاد رضي الله عنه وأرضاه راوي الحديث: فلبثوا قليلا، ثم نهضوا في قتال العدو، في غزوة ثانية، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يُحمل، وهو مقتول شهيد رضي الله عنه وأرضاه، الأعرابي قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
أَهُوَ هُوَ؟
حتى الرسول صلى الله عليه وسلم يستعجب، جاء له السهم في نفس المكان الذي أشار إليه، قالوا: نعم.
قال: صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ اللَّهُ.
هذا الصحابي وقف على حقيقة الإخلاص، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته، ثم قدمه، فصلى عليه فكان فيما ظهر من صلاته:
اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ، فَقُتِلَ شَهِيدًا، أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ. هل هناك مكافأة أفضل من تلك، لعلك تعمل عملا خالص لله عز وجل تماما وتكون النهاية في هذا العمل فتموت على هذا الإخلاص، فيكون هذا العمل هو سبب السعادة في الدنيا والآخرة، هذا الاخلاص هو ما نريده.
وسيجنبها الأتقى
ولنرى الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وهو يعتق العبيد في بدء الدعوة كان يشتري العبيد بكميات كبيرة، ويدفع أموالا ضخمة في شراء العبيد، وكان يشتري العبيد ضعفاء فقراء بسطاء من الرجال، ومن النساء على السواء، فقال له أبوه أبو قحافة، وكان ما زال مشركا، قال له:
يا بني أراك تعتق رقابًا ضعافًا، فلو أنك أعتقت رجال جلدًا يمنعونك.
فقال الصديق رضي الله عنه وأرضاه:
يا أبتي، إنما أبتغي وجه الله عز وجل.
لا أريد غير رضا ربنا سبحانه وتعالى: إنما أبتغي وجه الله عز وجل.
هذه حقيقة الإخلاص، فأنزل الله قوله: [وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى] {الليل:17}
هذه من أعظم مناقب الصديق رضي الله عنه وأرضاه الله عز وجل يشهد له بأنه الأتقى:

[وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى(17)الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى(18)وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى(19)إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى(20)وَلَسَوْفَ يَرْضَى]
{الليل:17: 21}.


هذه نيتجة الإخلاص أن يرضى الله عنه عز وجل.


كيف تغرس الإخلاص في قلبك

قد يقال:
إن الكلام سليم وسهل، لكن التطبيق صعب، بل عسير.
هذا الكلام في منتهى الصدق والحق، فعلا شيء صعب، أحد التابعين يقول: ما عالجت شيئا أشد عليَّ من نيتي.
أكثر شيء في شدة الصعوبة هو النية، هو الإخلاص، لكن لا بد أن تكون هناك طريقة لغرس الإخلاص، لن يطلب الله منا أمرًا، إلا وهو يعرف أننا نقدر على فعله، قد يطلب أحدنا طريقة عملية للإخلاص، يقول: اذكر لي أمرًا واحدًا إذا فعلته زرعت الإخلاص في قلبي.
أقول له: أعط لله قدره تكن مخلصًا له.
ولتضع هذه الكلمة في مخيلة عقلك، فحتى تكون مخلصًا لله عز وجل أعط لله قدره تصبح مخلصًا له، والله لو عرفتم قدر الله عز وجل لن تشتغلوا لغيره، مستحيل أن يأتي الإشراك، وعندما لا تعطي لله عز وجل قدره يقول سبحانه وتعالى وفكر في كل كلمة في هذه الآية:

[وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ]
{الزُّمر:67}


هذا هو المرض، فالناس لم تعط لله عز وجل قدره

[وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ]
{الزُّمر:67} .


وهذه بعض علامات قدرة الله عز وجل [وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] {الزُّمر:67} وهو المفروض أن نقوم به، وهو تعظيم وتقدير وإجلال لله عز وجل [سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] {الزُّمر:67} فمن هم الذين أشركوا، الذين لم يعطوا لله عز وجل قدره [وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] {الزُّمر:67} .
يأتي الإشراك عندما لا يعطي العبد لله عز وجل قدره، الصحابة عرفوا هذا القدر لله عز وجل، ولذلك علموا أن من يعمل لإرضاء غير الله عز وجل فهو سفيه، هذا نوع من السفة، نوع من الحماقة أن تعرف قدر الله عز وجل، ثم تعمل لغيره، وكيف نعطي لله عز وجل قدره أكثر من النظر والتدبر في كتاب الله عز وجل المقروء، وفي كتاب الله عز وجل المنظور، ما هو كتاب الله المقروء؟
وما هو كتاب الله المنظور؟
الكتاب الأول، الكتاب المقروء القرآن الكريم، واقرأ أي سورة، أو أي آية لابد أنك ستتعرف على قدره سبحانه وتعالى، أي آية، تدبر في كل آية، وقف على كل كلمة، الرسول صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يقوم الليل كله بآية واحدة، يصلى طول الليل بآية، قام ليلة كاملة بقوله سبحانه وتعالى:

[إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ]
{المائدة:118} .


لو فكرت في الآية لن تُشْغَل بغير الله سبحانه وتعالى، إن كل شيء بيده فكيف الاشتغال بغيره؟
مع أن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى، وقلوب العباد بيده سبحانه وتعالى، والمقادير كلها بيده سبحانه وتعالى، والحياة بيده، والموت بيده، والجنة بيده، والنار بيده، ولن يحاسبك أحد غيره يوم القيامة، فلماذا تشتغل بغيره سبحانه وتعالى؟
وهو الأول، وهو الآخر، هو المحيي، وهو المميت، هو النافع، وهو الضار، هو المبدئ، وهو المعيد، هو الملك الذي يملك كل شيء، إن أي ملك من ملوك الأرض ملكه نسبي غير مطلق، وإن كان يطلق عليه لقب ملك، لكن في النهاية هو ملك نسبي يملك أشياء، ولا يملك أشياء أخرى، قد يعتريه الفقر، قد يعتريه المرض، قد يعتريه الضعف، قد يعتريه الألم، وسيعتريه الموت لا محالة، لا يستطيع أن يسعد نفسه، ولا يملك سعادة الناس، ولا حب الناس، ولا أعمار الناس، ولا أرزاق الناس، ملكه نسبي، ملك بسيط حقير تافه، وفي نهايته سيتركه، فإما يزول الملك، وإما هو نفسه يموت، ويترك الملك، فكل هذا ملك نسبي، لكن الله سبحانه وتعالى ملكه مطلق، فكيف تشتغل لغيره؟
اقرأ في كتاب الله عز وجل:

[وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ]
{الأنعام:13} .


هذا كتاب الله عز وجل المقروء القرآن الكريم

[وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ(13)قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ]
{الأنعام:14} .


وهذا هو الإخلاص أتسألني أن أتخذ وليًا غير الله سبحانه وتعالى
[قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ] {الأنعام:14} هذا سبب الإخلاص غيره سبحانه وتعالى يُطْعَم ولا يُطِعم رئيس المصلحة، مدير المدرسة، الملك، السلطان، الشرطي، أي فرد يُطْعَم ولا يُطِعم، إن الله عز وجل يُطِعم سبحانه وتعالى ولا يُطْعم [قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ] {الأنعام:14}
إن من يشرك بالله عز وجل هو الذي يتخذ وليا غير الله عز وجل

[قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ]
{الأنعام:15}


وهذا سبب آخر للإخلاص، كل الناس تملك أشياء بسيطة في الدنيا، لكن لا تملك شيئا مطلقا في الآخرة، الله عز وجل يملك الآخرة بكاملها، يقول سبحانه:

[مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الفَوْزُ المُبِينُ(16)وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]
{الأنعام:16،17} .


سبب ثالث للإخلاص: لن ينفعك غير الله عز وجل، فهو الذي يُطْعِم ولا يُطْعَم، فالرزق كله من عنده، يملك يوم القيامة ولا أحد من البشر أو الخلق يملك هذا اليوم إلا الله عز وجل، هو الذي ينفع ويضر سبحانه وتعالى،
هو القاهر فوق عباده، فإن لم يكن بإرادتك سيكون رغمًا عنك أخلصت أم لم تخلص، ما أراده الله سيكون [وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ] {الأنعام:18}.
فكيف تقرأ هذه الكلمات في كتاب ربنا سبحانه وتعالى، ولا تخلص لله عز وجل.
اقرأ ما يقوله سبحانه وتعالى:

[للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ(26)وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ]
{لقمان:26،27} قف لحظة، وتدبر هذه الآية، كل أشجار الأرض تخيل كل الغابات التي سمعت عنها في أمريكا، وفي أوربا، وفي مصر، سبحان الله أشجار لا نهائية، تخيل إن كل هذه الأشجار أقلام، [وَالبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ] {لقمان:27} البحر عبارة عن حبر، مداد ليكتب آيات الله عز وجل، الشجر أقلام، والبحر مداد، ومع ذلك [مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ] {لقمان:27} ما نفدت آيات الله في الأرض



[وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(27)مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ]
{لقمان:27،28} لا شيء صعب عند الله سبحانه وتعالى، خلق البشر كخلق إنسان واحد، لا يوجد شيء صعب وآخر سهل، شيء ممكن وآخر غير ممكن، كله كن فيكون [مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(28)أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ] {لقمان:28،29}


هذه آية نراها كل يوم، كل يوم الكون كله يسير بنظام معين، لو أن الأرض غيرت من سرعتها بدرجة بسيطة جدا، أو الشمس غيرت من سرعتها بدرجة بسيطة جدا لن ترى الليل في ميعاده، ولا النهار في ميعاده، لكن ما حدث هذا يوما، وما تأخر الليل، وما تأخر النهار

[أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(29)ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ]
{لقمان:29،30} .


هذا هو الإخلاص، [وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ البَاطِلُ] {لقمان:30} هذا هو الإشراك [وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ] {لقمان:30} .
اقرأ القرآن بتدبر، اقرأ، وقف على كل كلمة، وكل آية، اقرأ كلام ربنا سبحانه وتعالى:

[قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ]
{سبأ:22} يخاطب أولئك الذين لا يعملون لله عز وجل، يخاطب من يقول أنا عبد المأمور، ويمارس المنكر، ويمارس الظلم، ويمارس الخطيئة؛ لأن هناك من البشر من أمرهم بذلك



[قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ]
{سبأ:22} ثم يُظْهر ضعف هؤلاء الذين يُدْعَوْن من دون الله عز وجل [قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ] {سبأ:22}


أول أمر لا يملكونه مثقال ذرة، سبحان الله انظر إلى مدى هذا الضعف

[لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ]
{سبأ:22} أول أمر [وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ ] {سبأ:22} لا يشركون في حكم أي جزء في السموات، ولا في الأرض، ولا له سبحانه وتعالى، [وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ] {سبأ:22} لا يوجد مساعد، أو معين، ولا حتى يساعد الله سبحانه وتعالى في حكم الله عز وجل في السموات والأرض، الأمر الآخر [وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ] {سبأ:23} فهؤلاء يوم القيامة لن يستطيعوا أن يشفعوا، حتى إن لم يحكموا، ولا يملكوا، ولا يساعدوا في الحكم، لن يستطيعوا الشفاعة لأحد يوم القيامة، لا يملكون شيئا في المقدمة، ولا يملكون شيئا في المؤخرة، لا يملكون شيئا في الدنيا، ولا شيئا في الآخرة [قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ(23)وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحَقَّ وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ] {سبأ:23} وتمر الآيات وراء الآيات، ويأتي قول الله:



[قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللهُ العَزِيزُ الحَكِيمُ]
{سبأ:27} .


واقرأ مثلا قول الله عز وجل:

[وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ]
{البقرة:255} تخيل الكرسي الذي وسع السموات والأرض، روى البيهقي، وقال: صحيح. وكذلك قال ابن كثير عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا السَّمَاواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُونَ السَّبْعُ عِنْدَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلَقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ.


السموات السبع، تخيل السموات السبع، وكل ما نراه في الكون، ولم نصل للسماء الدنيا، تخيل السموات السبع، والأرضون السبع، عند الكرسي كحلقة في فلاة، كحلقة ملقاة في فلاة، حلقة حديد ملقاة في صحراء واسعة، هذا الكرسي، فكيف يكون العرش عرش الرحمان سبحانه وتعالى؟
يقول صلى الله عليه وسلم:
وَإِنَّ فَضْلَ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلَقَةِ.
يا سبحان الله العرش بالنسبة للكرسي مثل الصحراء بالنسبة للحلقة الصغيرة الملقاة، يعني كل السموات، وكل الأرض، كلها لا تساوي أي شيء في كرسي الله عز وجل، وفي عرش الله عز وجل، وهذا ما دلنا عليه ربنا، وعرفناه في القرآن الكريم، فكيف تتجرد من الإخلاص لربنا سبحانه وتعالى، وكيف تبيح لك نفسك أن تطلب من غيره، ولا تطلب منه؟
كيف تخاف من غيره، ولا تخاف منه؟
كيف يكون ممكنًا أن تتوكل على غيره، ولا تتوكل عليه؟
كيف تلجأ إلى غيره ولا تلجأ إليه؟
كل ما قيل إلى الآن سبع أو ثمان آيات، تخيل إلى أي مدى سنكون مخلصين لو قرأنا كتاب الله كله بتدبر وبفهم وبوعي، يكفي أنك تفكر فقط في أن هذا الكلام هو كلام الله عز وجل، شيء مهول، القرآن رسالة من الله عز وجل إليك، فاهتمامك بقراءة الرسالة بتدبر، يكون تعظيم وتقدير للذي أرسل إليك الرسالة، وبالتالي لكي نبحث عن الإخلاص لا بد من قراءة الرسالة القادمة، نقرأ من الله سبحانه وتعالى، نقرأ كتاب الله المقروء.
وهذا هو الكتاب الأول، أما الكتاب الثاني فهو كتاب الله المنظور، وكتاب الله المنظور، هو الكون، هو الخلق، تفكر في خلق السموات والأرض، خلق مِنْ خلق الله عز وجل يقول فيه سبحانه:

[لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ]
{غافر:57} .


هذا الكون الفسيح جدا لدرجة يتوه العقل فيها تماما، ولن يستطيع أن يتخيلها، وتفكر في الكون، وتخيل أن هناك طائرة خيالية لم تُخْتَرع بَعْدُ، طائرة خيالية تسير بسرعة 300000 كيلو متر في الثانية الواحدة، ترى كم من الوقت تحتاج للتجول في أرجاء الكون؟
تحتاج لألف مليون سنة، وفي النهاية لن تسطيع؛ لأن الكون يتمدد ويتوسع، كما قال الله عز وجل:

[وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ]
{الذاريات:47} .


وفكر معي، الأرض تبعد عن الشمس مسافة 150 مليون كليو متر، تخيل، وهي تدور، أي الأرض، تدور في محورها بسرعة ألف وستمائة كيلو متر في الساعة، الدائرة التي تدور الأرض فيها قطرها 300 مليون كيلو متر، تخيل الأرقام، وتكمل الدورة في سنة كاملة، الأرض مع ثمان كواكب أخرى مع الشمس، المجموعة الشمسية كما تعرفون تسع كواكب، أبعد كوكب فيها هو كوكب بلوتو، يدور في دائرة قطرها 12 مليون مليون كيلو متر، يدور حول الشمس في الدائرة 12 مليون مليون كيلو متر، كل هذا في المجموعة الشمسية، والشمس نفسها ليست ثابتة، الشمس نفسها تدور في فلك، ومعها كل الكواكب التي من حولها، ومنها الأرض، سرعة دوران الشمس 960000 كيلو متر في الساعة، وهذه الشمس أحد الشموس في مجرة هائلة اسمها مجرة درب التبانة، الشمس معها كم شمس مثلها، وحولها كواكب مثل الأرض، وأكبر، وأصغر حولها أيضًا، كم شمس في مجرة درب التبانة؟ أربعمائة ألف مليون شمس مثل شمسنا في مجرة درب التبانة، أكيد الكون كله عبارة عن مجرة درب التبانة، أبدا، بل مجرة درب التبانة واحدة من مجرات هائلة في الكون، يبلغ عدد المجرات في الكون مائتي ألف مليون مجرة، تشبه مجرة درب التبانة.
ارجع، راجع هذه المعلومات، وتلك الأرقام، وهل هذا ملكوت ربنا سبحانه وتعالى، أو جزء من ملكوت ربنا سبحانه وتعالى؟
كل هذا جزء من الكون الذي رأيناه بالتلسكوبات، وكل ما يُخْترع تلسكوب أكبر، كل ما نرى أكثر، كل هذه المليارات تدور في الكون دون تصادم، وبعض المجرات تدخل مجرات أخرى كاملة، دون أن تصطدم، هذا الكون عظيم من صنع الله عز وجل، [هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ] {لقمان:11} .
فكيف بك بعد معرفة كل هذه المعلومات، وتلك الحقائق، ولا تعبده سبحانه وتعالى حق العبادة، ولا تعمل لله عز وجل، أو تعمل لغيره، أو تشرك بالله عز وجل شيئا.
ما سبق كان أكبر ما في الكون، السموات والأرض، فلنتدبر شيئا صغيرا جدًا في الكون، نتدبر في الذرة، سبحان الله، الذرة صغيرة جدا في الحجم لدرجة إننا لا نستطيع بالمناظير الكبيرة جدا التي تكبر ملايين المرات، لا نستطيع أن نرى هذه الذرة، هذه الذرة العجيبة تحتوي على نفس نظام الكواكب السيارة حول الشمس، نفس نظام النجوم الدائرة في المجرة، سبحان الله، هذا يثبت أن خالق هذا الكون هو خالق واحد؛ لأن الكون متشابه، كل الكون فيه أشياء متشابهة جدا، هذه الذرة الدقيقة جدا تحتوي على إلكترونات تدور حول برتون، مثل الأرض والكواكب تدور حول الشمس، هذه الإلكترونات التي تدور حول البرتون، فكم حجم الإلكترون في الذرة؟
نسبة الإلكترون إلى الذرة تساوي- لقد قلنا إن الذرة لا نستطيع رؤيتها لأنها صغيرة جدا جدا- واحد على ألف مليون من حجم الذرة، يا سبحان الله، واحد على ألف مليون من حجم الذرة، الإلكترون يدور حول البرتون بلايين المرات، بلايين المرات في الثانية الواحدة، الإلكترون أصغر من الذرة بكثير لهذا نستطيع أن نفهم كلام ربنا سبحانه وتعالى:

[وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ]
{سبأ:3} .


العلماء السابقون كانوا يعتقدون أن هذه صيغة مبالغة [وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ] {يونس:61} لأن في اعتقادهم أنه لا يوجد شيء أصغر من الذرة، يعني سبحان الله هذا بعض ما مّن الله به علينا من العلم، العلم يثبت أن الإلكترون أصغر من الذرة ألف مليون مرة، ولا ندري ماذا يحدث غدًا، مؤكد سيكتشف العلم بعد ذلك أن الإلكترون هذا الجسيم الصغير جدا داخل الذرة، بداخله عالم ضخم جدا من الأحداث لا نعرفها بعد.
لو نفكر في أنفسنا، في حياتنا نفسها [وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ] {الذاريات:21} الإنسان قد ينبهر بنظام الاتصالات، اتصالات العصر الحديث: التليفونات، وأقمار صناعية، أشياء كثيرة، لكن سبحان الله، تعالى انظر في جسدك، وانظر لنظامك العصبي، لنظام الاتصالات داخل النظام العصبي في الإنسان يضم ألف مليون خلية عصبية بداخل الطفل، والشاب، والشيخ الكبير، ألف مليون خلية عصبية داخل نظام الاتصالات الرهيب الذي خلقه ربنا سبحانه وتعالى داخلنا، من كل خلية تخرج أسلاك تنتشر في أنحاء الجسم المختلفة؛ لكي تتحكم في كل وظائف الجسم، فتوجد خلايا ذاهبة للرئة، خلايا للعين، للقلب لكل عضو في الجسم، الأخبار تمشي في الأسلاك بسرعة أكبر من مائة كيلومتر في الساعة داخل جسمك، تخيل الأخبار تمشي بسرعة أكبر من مائة كيلو متر في الساعة، لكي تتدوق يوجد لديك عشرة آلاف شُعَيرة في لسانك للتذوق سبحان الله، لكي تسمع عندك في كل أذن عشرة آلاف خلية سمعية، عندك في كل عين مائة وثلاثون مليون خلية ملتقطة للضوء؛ لكي تبصر، مائة وثلاثون مليون خلية في العين الصغيرة، في العين الواحدة، عندك 3 مليون غدة عرقية تفرز لك عرقا باردا لتلطف حرارة الجسم، عندك ربع مليون خلية تلتقط الأشياء الباردة، وترسلها للمخ فينتج عن ذلك توسيع الشراين؛ ليكثر الدم، والحرارة تزداد في الجسم، هذا جزء من الجسم، جزء من الجهاز العصبي، ويوجد الجهاز الهضمي، والبولي، والتنفسي، والدوري، وغيره ،عالم ليست له نهاية، وكل هذا داخل جسمك [سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ] {فصِّلت:53} .
هذا هو الإله الذي نعبده، هذا هو الإله الذي يجب أن نخلص له، فكيف نطلب رضا غيره بسخطه؟
كيف نخشى غيره؟
سبحان الله، هؤلاء المتكبرون المتجبرون الظالمون، ما هم إلا أجسام بسيطة جدا لا ترى على وجه الأرض، الأرض فقط، فكيف إذا تخيلت الكون الفسيح كيف يخشى المؤمن رجل يعلم أنه خلق لفترة مؤقتة ثم هو حتما سيموت؟ وكيف لا يخشي المؤمن الله الحي الذي لا يموت؟
كيف يحب المؤمن أحد ينهاه أن يسير في طريق هذا الإله العظيم الجليل القدير سبحانه وتعالى؟
هذا هو إلهنا الذي من المفروض أن نخلص له، ونتجرد من كل شيء لأجله، سبحانه ما أسهل أن يفني الله الخلق أجمعين إلى فئة من الناس اغترت وأعتقدت أنها ملكت شيئا، فإذا بهم يناطحون الله عز وجل في ملكه، ويحاربونه في شرعه، ويعذبون أولياءه ويتقربون إلى أعدائه، إليهم أهدي قول الله عز وجل:

[أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ(19)وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ]
{إبراهيم:20} .


يا أهل الأرض أجمعين، والله لو أبطأت الكرة الأرضية من سرعتها قليلا، لقُذِفَ الخلق كلهم أجمعون من فوق سطحها، ولقُذِفت معهم أبنيتهم، وأدواتهم، وأسلحتهم، وكل ما يملكون، لكنه سبحان وتعالى يؤخرهم إلى أجل مسمى

[وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ]
{النحل:61} .



الصحابة رضوان الله عليهم عرفوا قدر الله عز وجل، عرفوا قدر الله بمعطيات أقل بكثير من المعطيات التي معنا، لم يكن عندهم كل هذه العلوم التي تعطي كل هذه التفاصيل، لكن أي تفكر في خلق الله عز وجل يقود إلى الإيمان به والإخلاص له، أي تفكر، حتى ولو كان بسيطا، يقول الله في كتابه: [أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ] {الغاشية:17} .
فقط انظرعلى الإبل من غير أن تعرف تفاصيل الجهاز التنفسي، والدوري، والهضمي، والبولي، وكل هذه التفاصيل التي قلناها [أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ] {الغاشية:17،18} بدون الدخول في تفاصيل الأرض وحجمها، والسموات وحجمها، والشمس وحجمها، والمجرات، [وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ(18)وَإِلَى الجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ(19)وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ] {الغاشية:20} سطحت هذه أمور معجزة نحن تعودنا على هذه الأمور، لكن هذا التعود لا يمنع هذا الإعجاز الرهيب في هذه الأشياء إن تدبرت فيها على ضحالة العلوم، فإنك لا شك ستعظم الله عز وجل الذي خلق هذه الأشياء، فما بالك لو تبحر الناس في علومهم.
@1التفكر عامل من عوامل تثبيت الإخلاص
التفكر شيء في غاية الأهمية؛ لتثبيت الإخلاص في نفس المؤمن؛ لذلك سئلت أم الدرداء رضي الله عنها وأرضاها، قالوا لها:
ما كان أكثر شأن من أبي الدرداء؟
أكثرعمل كان يعمله، قالت:
كان أكثر شأنه التفكر.
قيل لأبي الدرداء:
أفترى التفكر عملا من الأعمال؟
قال: نعم هو اليقين في الله عز وجل.
إذا تفكرت في خلق الله عز وجل لا شك أنك ستخلص له، لذلك كان الحسن البصري رحمه الله يقول:
تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
الأعرابي الذي عرف وجود ربنا سبحانه وتعالى بمعلومات بسيطة جدا، قال: البَعْرة تدل على البعير.
بمعني لو رأيت روث بعير فمن المؤكد أن بعيرا مر من هنا.
البعْرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير.
أثر الأقدام يدل على سير أحد في هذا المكان.
أفسماء ذات أفلاك، وأرض ذات فجاج، ألا تدلاني على العليم الخبير.
سبحانه وتعالى، الأعرابي بمعلومات بسيطة جدا عرف ربنا سبحانه وتعالى، فما بالك بمن عرف كل هذه المعلومات التي ذكرنا طرفا قليلا منها في هذا الفصل.


من عرف الإخلاص صغرت الدنيا في عينيه

عندما فقه الصحابة قدر الله عز وجل عن طريق القراءة في كتابي الله عز وجل المقروء والمنظور استصغروا كل ما دون الله عز وجل، عملوا لله عز وجل، ولم يعملوا لغيره، خافوا منه، ولم يخافوا من غيره، اعتصموا به، ولم يعتصموا بغيره، والكلام يفسر لنا مواقف كثيرة جدا في حياة الصحابة نتعجب لها كثيرا، ولنرى موقف عبد الله بن حذافة رضي الله عنه وأرضاه أمام هرقل، عبد الله بن حذافة وقع أسيرا في يد هرقل ملك الروم في سنة 19 من الهجرة، وهرقل سمع كثيرًا عن ثبات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع عن عزوفهم عن الدنيا، وسمع عن استهانتهم بكل قوى الأرض سواء الفرس، أو الرومان، أو غيرهم، فهرقل يريد أن يختبر هذا الأمر بنفسه، يريد معرفة طبيعة هؤلاء الناس الذين هزموا كل جيوش الأرض بهذه الصورة الغريبة جدا، فهرقل أُحضر عنده عبد الله بن حذافة، وبدأ يسأله، قال:
إني أعرض عليك أمرا.
فقال عبد الله: ما هو؟
فقال هرقل:
أعرض عليك أن تتنصر.
ولكن ما هو ثمن أن أترك هذا الدين؟
قال هرقل:
فإن فعلت خليت سبيلك، وأكرمت مسواك.
فقال عبد الله في ثبات وإخلاص لربنا سبحانه وتعالى قال عبد الله:
هيهات إن الموت لأحب إلي ألف مرة مما تدعونني إليه.
فلم ييأس هرقل، وقال له:
إني لأراك رجلا شهما، فإن أجبتني إلى ما أعرضه عليك- يعني النصرانية- أشركتك في أمري، وقاسمتك سلطاني.
سأعطيك نصف الإمبراطورية الرومانية، تخيلوا حجم العرض، عرض رهيب جدا، إننا نتكلم في دولة ملكت نصف الأرض، يعني عبد الله بن حذافة في لحظة سيكون عنده ربع الأرض، وكم من أناس تبيع دينها في أشياء تافه حقيرة لا تساوي واحد على ألف مليون مما عرض على عبد الله بن حذافة رضي الله عنه وأرضاه!
ويرد عليه عبد الله، وهو يبتسم ابتسامة سخرية سخرية كبيرة جدًا من هرقل ملك الروم:
والله لو أعطتيتني جميع ما تملك، وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت ولو للحظة واحدة، ثم بعد ذلك أرجع للإسلام مرة أخرى.
لن أترك هذا الدين بكل ملك الأرض، فهرقل استخدم معه السلاح الأخير الذي عنده، قال:
إذن أقتلك.
آخر سلاح في يد هرقل، فقال عبد الله في منتهى البساطة:
أنت وما تريد.
افعل ما تريد، فأمر به هرقل، فصلب، ثم أمر القناصة الرومان، فقال:
ارموه قريب من يديه ورجليه.
نوع من الإرهاب، لا نريد موته، هرقل يريد أن يكسر إرادته، ويكسر إخلاصه لله عز وجل، وهو لا يستطيع كل ذلك، وهو يعرض عليه النصرانية، الجنود يرمونه عن يمينه، وعن شماله، قريب من يديه، وقريب من قدميه، وفي كل مرة يعرضوا عليه النصرانية، وهو يرفض، ويقول لهم: أنتم وما تريدون، لن أرجع عن دين الإسلام.
فانتقل هرقل إلى خطوة إرهابية أعظم من ذلك، طلب قِدْرًا كبيرة، ثم فرغ فيها الزيت، ورفعت على النار، حتى أخذ الزيت يغلي، ثم أحضر اثنين من أسارى المسلمين أمام عبد الله بن حذافة، ورمى واحدا منهما في الزيت المغلي، وعبد الله بن حذافة رضي الله عنه وأرضاه يقف، ويرى كل هذه الأحداث، يقول:
فإذا بعظامه عارية- عظام هذا الأسير الذي ألقي في الزيت المغلي- فإذا بعظامة عارية، وقد تفتت لحمه.
ثم عرض هرقل على عبد الله بن حذافة النصرانية من جديد، فكان عبد الله رضي الله عنه أشد لها رفضا، لما يأس هرقل من عبد الله بن حذافه أمر رجاله أن يلقوه في القدر المملوء بالزيت المغلي، فلما ذهبوا بعبد الله بن حذافة دمعت عيناه، ففرح رجال هرقل، وقالوا إنه قد بكى، بدأ يتأثر، فظن هرقل أنه قد جزع من الموت، فقال هرقل:
ردوه إليَّ.
فلما جاءه عرض عليه النصرانية من جديد، فأبى عبد الله بن حذافة من جديد فقال هرقل:
ويحك فما الذي أبكاك إذن.
فقال عبد الله:
أبكاني أني قلت في نفسي الآن في هذه القدر، فتذهب نفسك، وقد كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعر أنفس، فتلقى كلها في هذا القدر، في سبيل الله.
يا خسارة سأموت مرة واحدة، كنت أتمنى أن أعيش مرة ثانية لأموت في سبيل الله عز وجل، هذا هو الإخلاص لله سبحانه وتعالى، هو لا يرى هرقل بالمرة، هو يرى عمله لربنا سبحانه وتعالى، أحبط هرقل تماما، فعرض على عبد الله حذافة عرضًا جديدا، عرضا يبين مدى الإحباط الذي وصل إليه هرقل ملك الروم قال:
هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟
فقال عبد الله بن حذافة ويشترط في هذا الموقف، ويقول:
وعن جميع أساري المسلمين أيضا؟
سأقبل رأسك، وتطلق سراحي، وسراح كل أسارى المسلمين، فقال هرقل: وعن جميع أسارى المسلمين أيضا.
فقال عبد الله:
فقلت في نفسي عدو من أعداء الله، أقبل رأسه فيخلي عني، وعن أساري المسلمين جميعا، لا ضير في ذلك عليّ، فقمت، فقبلت رأسه، فأطلق هرقل عبد الله بن حذافة، وأطلق معه جميع أسارى المسلمين.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لما سمع بهذه القصة سُرَّ أعظم السرور، وقال:
حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ بذلك.
وقام بنفسه أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه يقبل رأس عبد الله بن حذافة.
في هذا الموقف إن عبد الله بن حذافة فقه قدر الله عز وجل، وجلال الله عز وجل، فلم ير هرقل إلى جوار الله عز وجل، لم يهتم بجيوش هرقل، ولا قناصة هرقل، ولا وزراء هرقل، ولا أمراء هرقل، ولا سهام هرقل، ولا الزيت المغلي عند هرقل، كل هذه الأشياء لم يرها.
بيت القصيد أن تعرف لله قدره، فإن عرفت ذلك لم تشرك بالله شيئا، وهكذا يا إخواني فإن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرفوا قدر الله عز وجل، فأخلصوا، ولم يطلبوا إلا منه، ولم يرجوا إلا إياه، ولم يعتمدوا إلا عليه، ولم يلجأوا إلا إليه، هكذا وَحَدّوا الله عز وجل التوحيد الكامل، وأخلصوا له الإخلاص الصادق، ولذلك وصلوا.
الإخلاص طريق هام جدا من طرق الوصول إلى الله عز وجل، نسأل الله عز وجل أن يبصرنا بمعالم الطريق المستقيم، وأن يطهر نوايانا من أي شائبة، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يعظم قدره في قلوبنا، حتى لا نرى أحدا سواه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 01:47 AM
الصحابه والعلم

راغب السرجاني
ما زلنا نبحث عن إجابة السؤال الهام: كيف سبق الصحابة؟ وكيف نلحق بهم؟!

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/177_image002.jpgفي المقال الماضي تعرفنا على علامة مهمة جدًا من علامات طريق الصحابة، وهي علامة الإخلاص، وحديثنا الآن عن نقطة هامة جدًا في بناء جيل الصحابة، وهامة جدًا في بناء أي جيل يريد أن يصل إلى ما وصلوا إليه، هذه النقطة هي العلم، وكما ذكرنا أن العمل لا يقبل دون إخلاص، فكذلك لا يمكن أن يقبل العمل دون علم.إن الكثير من الناس يعبد الله عز وجل بنية صادقة، لكن بطريقة خاطئة، وبدون علم، فمثل هذا يضر، ولا ينفع إن وجد في أي مجال من مجالات الحياة، ليس فقط في مجال الدين، فالطبيب الجاهل يضرّ مرضاه، ولا ينفعهم، وكذلك المهندس الجاهل، والنجار الجاهل، وأي وظيفة يعمل فيها الإنسان دون علم، وأيضا في مجال العبادة، فإن العابد الجاهل يضر نفسه، ويضر غيره، ويضر مجتمعه، فقضية العلم قضية محورية في حياة الأمة المسلمة.

ولا شك أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لاحظوا أن أول آية نزلت من القرآن الكريم الذي هو دستور الحياة بكاملها كانت {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق:1].

وهذا شيء غريب حقًا فإن الزمن الذي نزلت فيه هذه الآيات لم تكن الأميّة منتشرة في جزيرة العرب فحسب، بل في أطراف المعمورة كلها، ومن بين كلمات القرآن الكثيرة كانت أول كلمة هي {اقْرَأْ} [العلق:1]، وليست أول كلمة فحسب، بل أول خمس آيات من القرآن الكريم تتحدث كلها عن قضية العلم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ*عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:1-5].

قضية العلم هي القضية الأساسية التي بُنِي عليها الدين، وهذا النزول لكلمة {اقْرَأْ}[العلق:1] ، إنما هو إيذان، وبيان، وإيضاح لطبيعة هذا الدين، وأنه لا يقوم على الخرافات، أو الأوهام والضلالات، ولا يقوم على الجهل، والتخبط، وإنما يقوم على أسس علمية ثابتة، ومعروفة، فهذا الدين يشجع أبناءه على أن يكونوا علماء سابقين، ليس مجرد العلم، بل السبق فيه، والريادة، والتفوق، لنتأمل الفرق بين الدنيا إذا كانت بعلم، والدنيا إذا كانت من غير العلم، ولنتدبر هذا الحديث بألفاظه التي ربما تكون غريبة علي آذاننا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلفت النظر إلى هذا المعنى الدقيق، روى الترمذي وقال: حسن. وكذلك قال ابن ماجه وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا".

أيُّ شئٍ في الدنيا ملعون، هكذا على إطلاقها، الدنيا كل الدنيا، كل ما فيها ملعون، ومَن الذي يلعن هذا؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا ينطق عن الهوى، هذا وحي من الله عز وجل، كل شيء في الدنيا ملعون، ليس له قيمة، وإنما هو تافه، وحقير، حتى لو كان مُلْكًا، ولو كان سُلْطَانًا، لو كان سلاحًا، لو كان قوةً إلا أربعة أشياء استثناها الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه اللعنة:"إِلَّا ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا وَالَاهُ".

أي ما أحبه الله عز وجل من أعمال في الدنيا، أو ما والى الذكر، أي ما قارب الذكر من أعمال الطاعة، والبر، وغيرها، فأعمال الطاعة المحببة إلى الله عز وجل هذه أيضا خارجة من اللعنة، وماذا أيضًا؟الثالثة والرابعة وَعاَلِمًا، وَمُتَعَلِّمًا.

هذين الاثنين أيضًا فيهم استثناء من اللعنة، فهذه العملية التعليمية التي تدور بين العالم، والمتعلم عملية عظيمة جدًا في ميزان الله عز وجل، ومن كان خارج نطاق هذه العملية، فهو على خطر عظيم جدًا، إنه ملعون بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك فَطِنَ الصحابة أن القيمة الحقيقية التي تصلح للمفاضلة بين الناس هي العلم، التفاضل بين الناس لا يكون بمالٍ، ولا سلطانٍ، ولا جندٍ، ولا سطوٍ، ولا مظهرٍ، المهم هو كم تعرف من العلم؟ قد يقول قائل: ولكن الله عز وجل قال:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]. فالأتقى هو الأفضل.
أقول له، ومن الذي يتق الله عز وجل؟ أليس العالم به عز وجل وبصفاته سبحانه وتعالى؟ أليس العالم بشرعه؟ أليس العالم بخلقه؟ هذا هو من يتقي الله عز وجل، أليس الله عز وجل يقول في كتابه العزيز: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:28].

والخشية هي التقوى، فمن يخش الله إنما هو يتقيه، وكلما ازداد العالم علمًا كلما ازداد خشية لله عز وجل.ولست أقصد بالعالم هنا كبار هيئة العلماء، وكبار الفقهاء، لا، فكل من عرف معلومةً واحدة أصبح بها عالمًا، وكلما عرف الإنسان أكثر كلما ارتفعت قيمته، وأعظم الناس قيمةً إنما هم العلماء، ليس في ميزان الناس فحسب، بل في ميزان الله عز وجل أيضًا.

فهذه المعلومات في غاية الأهمية، ومن ثَمّ كان من يصرف وقته في تعلم العلم أفضل ممن يصرف وقته في العبادة، لا أقول أفضل ممن يضيع وقته في اللعب، أو المعاصي، أو المنكرات، بل أفضل ممن يصرف وقته في العبادة.

تأمل معي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي وابن ماجه أيضا عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ".

انظروا إلى أي مدى وصلت قيمة العلم، ليس العالم أشد على الشيطان من ألف عاص، أو لاعب، بل من ألف عابد، وذلك؛ لأن العالم أشد معرفة لمداخل الشيطان، وأكثر قدرة على التصدى له، ولست أقصد بالعلم العلم الشرعي كعلم التفسير، والفقه، والحديث، والعقيدة فحسب، لا، بل علوم الحياة كلها، ومما لا شك فيه أن العالم الذي يدرس تركيب الخلية مثلًا أكثر تقديرًا لله عز وجل من الذي يعلم وجودها إجمالًا، فالخلية مع صغرها تمثل عالَمًا ليس له نهاية، وفيها قيادة، وإدارة، ومراكز طاقة، ومراكز تغذية، ومراكز دفاع، ومراكز بناء، ومراكز هدم، تتحرك، وتتكاثر، وتقوم بوظائف لا تحصى ولا تُعد، ولا شك أن من يعرف كل هذه التفاصيل سيكون أشد خشية لله ممن لا يعرفها، أو أنه يعرف فقط أن هناك شيءٌ اسمه خلية، كذلك العالم الذي يدرس تفاصيل حياة النبات، ونشأته، وتركيبه، ليس كمن يعلم فقط أن النبات شيءٌ معجز، والعالم الذي يدرس الأفلاك واتساعها، والنجوم وأعدادها، والمجرات وصفتها، ليس كالذي يعلم فقط أن هناك نجومًا في السماء، وقس على هذا كل العلوم؛ الكيمياء، والفيزياء، والجولوجيا، وعلوم البحار، والطب، والأحياء، علوم لا تنتهي وصدق الله عز وجل القائل:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85] .

فكل هذه العلوم علوم الشرع، وعلوم الحياة تقود إلى خشية الله عز وجل، ومن ثَم تقود إلى تقواه، ومن ثَم تقود إلى رضى الله عز وجل، وهذا هو ما نبحث عنه.هذه الحقائق كانت واضحة كالشمس في عيون الصحابة، وقد رفع الصحابة جدًا من قدر كل عالمٍ، وحرصوا على العلم في كل لحظة من لحظات حياتهم، فلا بد كل يوم من تعلم الجديد، وقد رفع الله عز وجل من قيمة العلم من أول يوم خلق فيه آدم عليه السلام، انظر إلى أي مدى رفع الله قيمة العلم.لماذا أَسْجَد الله عز وجل الملائكة لآدم عليه السلام؟ وبماذا تميّز هذا الخلق الجديد (آدم) على الملائكة؟ هل بكثرة التسبيح؟ أم بطول القيام؟ أم بالطاعة المطلقة لله تعالى؟أم بالقوة الخارقة؟الملائكة تتفوق في كل هذه الأمور، ولكن الله عز وجل مَنّ على آدم عليه السلام بنعمة رفعت من قدر آدم إلى الدرجة التي جعل الملائكة يسجدون له تكريمًا له، هذه القيمة وهذه الدرجة هي العلم، قال تعالى: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ*قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} [البقرة:31-32]، ونلاحظ تكرار كلمة العلم ومشتقاتها {قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ*وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} [البقرة:33-34].

لماذا سجد الملائكة لهذا الخلق الجديد؟! لأنه يعلم ما لا تعلمه الملائكة، فرفع قدره لأجل أنه يعلم، فهو عليه السلام مستخلف في الأرض، وكذلك ذريته مستخلفة في الأرض لأجل العلم، فإذا فقد أبناء آدم هذه الصفة، فقدوا المبرر لكونهم خلفاء في الأرض، فتصبح حياتهم بلا قيمة، فغاية الخلق إذن هي هذا العلم، وإذا لم تتحقق هذه الغاية فكأنك لم تخلق أصلًا، وهذا ما يجعل العلم في منزلة عالية جدًا في الإسلام.العلم إذن هو أساس الاستخلاف في الأرض، ومن غير العلم لا نستحق أن نكون خلفاء في الأرض، وما حدث مع آدم عليه السلام حدث مع جميع من أتى بعده من الأنبياء، ولم يذكر الله عز وجل نبيًا من الأنبياء إلا وذكر في حقه أنه كان عالمًا، وأنه أُوتي علمًا، وأنه فُضل بالعلم. يقول الله عز وجل في كتابه الكريم على لسان إبراهيم عليه السلام:{يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم:43] .

فالذي يُتّبع هو الذي عنده علم، الذي يكون سببًا في هداية الناس هو العالم. الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينظرون إلى العلم نظرة خاصة جدًا، ونظرة معظمة جدًا، نظرة تُجلّ العلم، وتُجلّ كل من حمل العلم، وتعالوا بنا نرى كيف كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يقدرون قيمة العلم.

زيد بن ثابت رضي الله عنه

ما هي قصته مع العلم وكيف بدأ؟ ذهب زيد بن ثابت رضي الله عنه وهو لم يتم الثالثة عشرة من عمره ليلتحق بجيش المسلمين المشارك في بدر، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّه لصغر سنه، فرجع إلى أمه رضي الله عنها، وأرضاها يبكي من الحزن، ولكنه لما رجع أخذ يفكّر كيف يخدم الإسلام بطريقة أخرى، وهل يمكن أن يخدم الإسلام بطريقة غير الجهاد الذي لم يتيسر له الآن؟

الكثير منا عندما يفشل في أحد مجالات الدعوة، أو أحد مجالات الإسلام، أو يغلق أمامه أحد أبواب العمل للإسلام دون إرادته، فهو مثلا يريد الجهاد، لكن لم تتوفر الفرصة لذلك، أو هو يريد الإنفاق وليس معه ما ينفقه، أو عنده الرغبة للعمل لدين الله عز وجل، لكن يظن أن ليس عنده إمكانيات، وربما يُصاب بالإحباط، أو يظن أن الدنيا ضاقت عليه، لكن في الحقيقة الإمكانيات مختلفة، وكل واحد منّا يستطيع أن يعطي للإسلام كلٌّ في مجاله، وهذه هي عظمة الإسلام، وعظمة التكامل، والتكافل، والتعاون في الإسلام، فزيد بن ثابت رضي الله عنه إن لم يكن يصلح أن يشارك في الجهاد الآن لصغر سنه، فيمكن أن يشارك في مجالات أخرى يخدم بها الإسلام، وينفع بها المسلمين.

زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه ذكر أنه يتميز بملكة الحفظ، فهو يحفظ جيدًا، ويتميز كذلك بملكة القدرة على التعلم، وبملكة القراءة، والقراءة في هذا الوقت كانت شيئًا نادرًا، وقد أخبر بذلك أمه، وأقاربه، وطلب منهم أن يذهبوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليعرضوا عليه أن يوظف طاقاته العلمية هذه في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي خدمة الإسلام، وبالفعل ذهبت أمه النوار بنت مالك رضي الله عنها وأرضاها، ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنتأمل عرضها الرائع لما يتمتع به ابنها من مواهب وقدرات عظيمة، تقول:يا نبي الله، هذا ابننا زيد بن ثابت يحفظ سبعة عشرة سورة من كتاب الله، ويتلوها صحيحة كما أنزلت على قلبك، وهو فوق ذلك حاذق- ذكي- يجيد الكتابة والقراءة.
وهذه فعلًا إمكانيات عالية جدًا في هذا الوقت، الذي لا تعرف فيه الغالبية العظمى من الناس القراءة ولا الكتابة.

وتكمل السيدة النوّار بنت مالك وتقول: وهو يريد -أي زيد- أن يتقرب بذلك إليك، وأن يلزمك، فاسمع منه إذا شئت.

وهذا الكلام أحب أن أذكّر به دائمًا شباب المسلمين، زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه بدأ رحلته في خدمة الإسلام وعمره 13 سنة، فكما كان بعض المسلمين يسدّ ثغرة القتال، والجهاد في سبيل الله، فإن زيد بن ثابت يريد أن يسد ثغرة أخرى في غاية الأهمية، فكل حسب إمكانياته، وقدراته، والشباب لديهم قدرات، ومهارات عالية جدًا، بعض الشباب لديهم مهارة في الكمبيوتر، وبعضهم لديه مهارة في الخطابة، والبعض لديه مهارة في الرياضة المفيدة، وبعضهم لديه مهارة في الكتابة والبحث والدراسة، وبعض الشباب عنده مهارة في الترجمة، وبالتأكيد فإن كل إنسان لديه مجال ما قد تفوق فيه، ومتى وُجدت الرغبة في خدمة الإسلام، وُجد معها المجال الذي يمكن أن تخدم من خلاله الإسلام.

تعالوا بنا نعود مرة أخرى لزيد بن ثابت، وقد استمع له الرسول صلى الله عليه وسلم، واختبره وقدّر مواهبه، وأُعجب به، ثم أراد أن يستفيد منه على نطاق أوسع، فعرض عليه فرعًا جديدًا من فروع العلم، النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له تعلم الفقه، أو تعلم العقيدة، أو تعلم الحديث، بل قال له: تعلم اللغات الأجنبية، تخيّل في هذا العمق التاريخي رسول الله صلى الله عليه وسلم مهتم بتعلم اللغات الجنبية، ويعرف أهميتها جيدًا في تكوين الأمة المسلمة، فهو علم في غاية الأهمية، قال له صلى الله عليه وسلم: تعلم اللغة العبرية، لكن ليس على حساب اللغة العربية، والمسلمون كانوا في حاجة ماسة إلى هذه اللغة في هذا الزمن، قال له صلى الله عليه وسلم:"يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَةَ الْيَهُودِ- العبرية- فَإِنِّي لَا آمَنُهُمْ عَلَى مَا أَقُولُ".


ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يعيش معنا في هذا الزمن لأمر من يتعلم اللغات الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والصينية، وغيرها، كم هو مهم أن يكون من شباب المسلمين من يتعلم اللغات الأخرى غير اللغة العربية- وليس على حسابها بالطبع- كم هو مفيد أن يتعلم الشباب هذه اللغات المختلفة، وكم يكون خدمة الإسلام، والأمة الإسلامية من خلال تعلم هذه اللغات، كم من الحيل والألاعيب والخطط يمكن أن يكشفوا، وكم من الوسائل يمكن أن يدعوا بها إلى الله، وكم من الشبهات يستطيعون الرد عليها، إنه عمل عظيم، وكبير بالفعل، يمكن أن يقوم به من تعلموا اللغات الأخرى وأجادوها.

سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه بهذه الحمية، وهذا الإخلاص لدين الله عز وجل، وهذه الرغبة في خدمة هذا الدين يذهب، ويتعلم اللغة العبرية، تُرى ما المدة التي استغرقها في تعلم هذه اللغة؟ سنة أم اثنين؟ وبكم كلية التحق؟ وكم أخذ من الدورات المتخصصة؟ يقول رضي الله عنه وعمره 13 سنة فقط: فتعلمتها في سبع عشر ليلة، فكنت أتكلمها كأهلها.انظر إلى هذه البركة، فمن كان عنده الرغبة، فما من شك أن الله عز وجل يساعده، المهم أن يكون تعلمه لخدمة دين الله عز وجل، لكي يثبت دين الله في الأرض، ثم تعلم اللغة السريانية في وقت يسير كذلك، وصار بذلك ترجمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني أن مترجم الدولة الإسلامية في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمره 13 سنة فقط، الصف الأول الإعدادي، وبدأ زيد يترقى في مناصب العلم، بدأ في تخصصه، يبرع وينبغ رضي الله عنه وأرضاه، صار كاتبًا للوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس مترجمًا فحسب؛ لأنه يقرأ ويكتب جيدًا، بدأ يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سار حافظا لكتاب الله عز وجل، وقد كان هذا شيئًا نادرًا في الصحابة رضي الله عنهم، أن يكون الواحد منهم يحفظ الكتاب كاملًا في زمان رسول اله صلى الله عليه وسلم، فقد وجد من الصحابة من كان حافظًا للكتاب كاملًا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لم يكن كثير منهم يحفظه كاملا والرسول صلى الله عليهم وسلم حيا، ومن القليل الذي كان يحفظه زيد بن ثابت رضي الله عنه.

ولمّا توفي الرسول صلى الله عليه وسلم، كلف أبو بكر رضي الله عنه زيدًا بجمع القرآن بعد وفاة الكثير من حفاظه في موقعة اليمامة المشهورة، ومهمة جمع القرآن من أعظم المهمات، مهمة من أخطر المهمات، إنه يجمع القرآن الكريم؛ لكي يظل مجموعًا ومحفوظًا إلى يوم القيامة، هذه المهمة الصعبة العظيمة كُلّف بها زيد رضي الله عنه وأرضاه، وهو لم يبلغ الثالثة والعشرين من عمره، وقد أوكلت هذه المهمة الصعبة العظيمة إلى الشاب الصغير زيد بن ثابت -23 سنة- في وجود عمالقة الصحابة، في وجود أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وغيرهم في وجود كل هؤلاء، لماذا ؟!
إنه العلم الذي رفع من قدر زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه، العلم الذي يرفع أقوامًا ويضع آخرين، العلم الذي هو ميراث الأنبياء، من أخذه أخذ بحظ وافر.لننظر ما يقوله سيدنا عمر بن الحطاب رضي الله عنه وأرضاه، وهو أحد عمالقة الصحابة، وأحد شيوخهم، يقول في حق هذا الشاب:من أراد أن يسأل عن القرآن، فليأت زيد بن ثابت.هذا تعظيم وتبجيل لقيمة العلم.عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة، وكانوا يطلقون عليه أيضا البحر لسعة علمه، فهو البحر، وهو الحبر رضي الله عنه وعن أبيه، روي أن زيد بن ثابت ركب يومًا، فأخذ ابن عباس بركابه.الاحترام، والتعظيم، والتبجيل لزيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه مع أن الفرق بينه وبين زيد بن ثابت ليس كبيرا، ثمان سنوات فقط فرق العمر بينهما، زيد بن ثابت أكبر من عبد الله بن عباس بثمان سنوات فقط، يقول له زيد بن ثابت حياءً منه: دع عنك يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول عبد الله بن عباس بفهم عميق: هكذا أُمِرْنا أن نفعل بعلمائنا. هذا هو احترام العلماء في الإسلام، انظر إلى هذا الجمال في التعامل بين الصحابة، فقال له زيد رضي الله عنه: أرني يدك. فأخرج ابن عباس يده، فمال عليها زيد وقبّلها، ثم قال: هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

ما هذا المجتمع الرائع؟! ليتنا نقرأ هذا الكلام ليكونوا قدوة لنا، هذا هو المجتمع الصالح الذي نريد أن نبني مثله.ولما مات زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه قال أبو هريرة: اليوم مات حبر الأمة.وقد مات رضي الله عنه سنة 45 هجرية، وكان عمره 56 سنة، ثم قال أبو هريرة:وعسى أن يجعل الله في ابن عباس خلفًا له.

وصدق أبو هريرة كان عبد الله بن عباس نعم الخلف لنعم السلف رضي الله عنهم جميعًا.

معاذ بن جبل رضي الله عنه

أسلم رضي الله عنه وعمره 18 سنة، شهد العقبة، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد بدرًا، وأحدًا، والأحزاب، وفتح مكة، وتبوك، وخرج في الفتوحات الإسلامية في الشام أيام أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، وكان في وقت من الأوقات أميرًا للشام، وسبحان الله مع كل هذه الحياة الجهادية إلا أنه كان متفوقا جدًا في مجال العلم، فهو رضي الله عنه من يوم أن أسلم، وهو مهتم بقضية العلم، وقد كان رضي الله عنه وأرضاه موسوعة علمية متحركة، وقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ليعلم أهلها جميعًا الإسلام، وقد عاد رضي الله عنه من اليمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وخرج بعدها إلى الشام، فالجهاد، وطلب العلم يسيران معه جنبًا إلى جنب. أبو إدريس الخولاني رحمه الله، وهو أحد التابعين يقول في حق معاذ بن جبل: أتيت مسجد دمشق، أيام فتوحات الشام، فإذا حلقة فيها كهولٌ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
أي أن هذا اللقاء في هذا المسجد كان يحضره كبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وشيوخهم، يقول أبو إدريس الخولاني رحمه الله: وإذا شابٌ فيهم أكحل العينين، براق الثنايا، كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى.كل هؤلاء الشيوخ يعودون في الرأي إلى هذا الفتى.
فقلت لجليس لي: من هذا؟!تعجب أبو إدريس الخولاني من هذا الأمر، فقال:معاذ بن جبل، رضي الله عنه وأرضاه.

أرأيتم قيمة العلم، وقيمة تحصيله من لحظات الشباب الأولى، فمعاذ رضي الله عنه ومنذ لحظات شبابه الأولى، وهو يبذل جهده في تحصيل العلم، ومن ثَمّ وصل إلى هذه المنزلة العالية بين الناس، وعرف الناس له قدره، وقدر العلم الذي يحمله.ويروي يزيد بن قطيب رحمه الله، وهو أيضًا من التابعين، يقول: دخلت مسجد حمص، فإذا أنا بفتى جعد الشعر، واجتمع حوله الناس، فإذا تكلم، فإذا تكلم كأنما يخرج من فِيهِ نور ولؤلؤ، فقلت من هذا؟! فقالوا: معاذ بن جبل، رضي الله عنه.إنه رضي الله عنه وأرضاه موسوعة علمية فعلًا، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حقه كلمة عجيبة للغاية قال:أَعْلَمُ أُمَّتِي بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ.
إذن فمعاذ رضي الله عنه لا يقارن بطلبة في معهد إسلامي، أو كلية شرعية، بل هو يقارن بعمالقة الصحابة رضي الله عنهم جميعًا، حيث شهد له الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم هذه الشهادة العظيمة.لأجل هذا كان الصحابة رضوان الله عليهم مع علو قدرهم، وغزارة علمهم، كانوا إذا تحدثوا، وفيهم معاذ بن جبل نظروا إليه هيبة له، وتعظيمًا لعلمه، ما الذي رفع قدره؟ما الذي أعزّ منزلته؟ إنه العلم، وقد فقه ذلك معاذ رضي الله عنه وأرضاه، فظل إلى آخر لحظات حياته طالبًا للعلم، وظلّ إلى آخر لحظات حياته، معلمًا لغيره رضي الله عنه وأرضاه، قال في آخر لحظات حياته، وهو على فراش الموت، قال:اللهم إنك كنت تعلم أني لم أكن أحب الدنيا، وطولَ البقاء فيها لغرس الأشجار وجري الأنهار.
هو يفهم حقيقة الدنيا جيدًا، إذن فما الذي كان يجعله سعيدًا في الدنيا، يقول رضي الله عنه:ولكن لظمأ الهواجر- أي الصيام في الأيام الشديدة الحرارة- ومكابدة الساعات -أي القيام بين يدي الله كثيرا-، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.فمتعته رضي الله عنه في الدنيا الصيام، والقيام، وتحصيل العلم، وهو يعيش في الدنيا لأجل هذا، ومع هذا كله عندما توفي سيدنا معاذ كان عمره 37 عامًا فقط، سنة 18 هـ في طاعون عمواس في الشام، أعلم الأمة بالحلال والحرام، وكل هذا العلم، وكل هذا الفهم، ومع هذا 37 سنة فقط، رضي الله عنه وأرضاه.

عبد الله بن عباس رضي الله عنه

البحر والحبر، من أفضل علماء الإسلام، ووصل إلى هذه الدرجة العالية من العلم مع كونه كان طفلًا أيام النبي صلى الله عليه وسلم، فقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن عباس لم يتجاوز 14 سنة من عمره، ولكنه رضي الله عنه لم يصل إلى هذه المنزلة من فراغ، بل إنه سعى سعيًا حثيثًا لكي يصبح عالمًا من علماء الإسلام.

يصف عبد الله بن عباس حاله في طلب العلم وكيف وصل إلى هذه الدرجة يقول: كان إذا بلغني الحديث عند رجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيت باب بيته في وقت قيلولته؛ حتى يكون متأكدًا من وجوده ببيته، وقد ينتظر ساعة، أو اثنين حتى يخرج الصحابي، فيسأله عن الحديث، يقول: وتوسدت ردائي عند عتبة داره، فتسفي عليه الريح من التراب ما تسفي.

والمدينة كما نعرف بلد صحراوي، فيأتي التراب على وجه عبد الله بن عباس، وهو متوسد رداءه أمام بيت الصحابي؛ ليسأله عن الحديث، يقول: ولو شئت أن أستأذن عليه لأذن لي.

فهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله منزلة عالية في قلوب جميع الصحابة، وجميع المسلمين، يقول: وإنما كنت أفعل ذلك لأطيّب نفسه، فإذا خرج من بيته رآني على هذه الحالة، فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جاء بك؟ هلا أرسلت إليَّ فآتيك.فأقول: أنا أحق بالمجيء إليك، ثم أسأله عن الحديث.لأجل هذا أصبح عبد الله بن عباس حبر هذه الأمة، كان يبذل مجهودًا كبيرًا، وعظيمًا لأجل أن يحصل العلم، فما كان ليصبح هكذا من فراغ.

قد يتكاسل بعضنا أن يذهب إلى المكتبة في الحجرة المجاورة ليعرف حديثًا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، بينما عبد الله بن عباس ينام في الريح، والتراب لكي يعرف هذا الحديث، ومن دون هذا التعب، وهذا الجهد، وهذا العناء لم يكن عبد الله بن عباس ليصل إلى ما وصل إليه.وليتنا نقرأ هذا الكلام للقدوة، والاعتبار، واقتفاء الأثر، وحتى نسير في نفس الطريق الذي سار فيه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.فهذا هو مجهود الصحابة في تحصيل العلم، واحترام الصحابة لقيمة العلم.

ضوابط تحصيل العلم عند الصحابة

بعض الناس يبذل جهودًا ضخمة، وكبيرة في تحصيل العلم، ومع هذا كله لا يصل إلى ما وصل إليه الصحابة من العلم، والسبب في ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتعلمون العلم وفق ضوابط وقوانين معينة، وقد حافظ جيل الصحابة كله على هذه الضوابط، ومن ثَم تعلم هذا الجيل، ووصل إلى هذه الدرجة من العلم.فما هي إذن هذه الضوابط؟في الحقيقة هذه الضوابط كثيرة جدًا وفي نفس الوقت هي مهمة جدًا جدًا، وقد حرص عليها الصحابة تمامًا في تحصيل العلم، ونوجز بعض هذه الضوابط في الصفحات القادمة:

الضابط الأول: وحدة المصدرفالمصدر الرئيس والأول لعلم الصحابة هو الكتاب والسنة، ولأن جميع الصحابة أخذوا من هذا المصدر، فقد تكوّن لديهم ما يعرف بوضوح الرؤية.

لقد أخذوا علمًا نقيًا طاهرًا مضمون الصحة والصواب، إن أيّ علمٍ في الدنيا قد يكون صحيحًا، وقد يكون خطأ، وبالتجربة نستطيع أن نحدد ما إذا كان صوابًا أو خطأ، ونحاول مرة بعد مرة، لكن العلم الذي جاء في القرآن الكريم، أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم علم صحيح، تمام الصحة وبنسبة مائة في المائة، وهذا هو ما نقيس عليه غيره، وليس في كلام الله عز وجل، ولا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم -إن صح عنه- أي أخطاء، فهو بلا ريب منهج صحيح تمامًا، وإذا اعتمد عليه المسلمون فلن يضلوا أبدا.

روى الإمام مالك في موطأه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي.

فهذا هو أول الضوابط، أن يكون المصدر الرئيسي للعلم هو الكتاب والسنة، سواء في العلوم الشرعية، أو غير العلوم الشرعية.كيف يمكن أن يكون القرآن، والسنة هما الضابط في علوم الحياة؟ في القرآن الكريم، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وضعت الضوابط، والأسس التي تنظم عملية التحصيل، والاستفادة من العلوم في كل المجالات، ولا بد أن يعرف هذه الأصول كل العلماء من أطباء، ومهندسين، وفلكيين، وجيولوجين، وغيرهم، حتى لا يخترعوا شيئا أو يبتكروا أساليب، أو يؤمنوا بنظريات تتعارض مع القرآن والسنة، لا يصح أن يقول من يدعي العلم أن أصل الإنسان قرد، مدعيًا أنه أحد علماء الأحياء، لا يصح أن يقول ذلك من يعلم أن الله عز وجل أخبرنا في القرآن الكريم أن آدم عليه السلام هو أول إنسان، وأنه لم يكن قردًا أو حشرة كما يدعي علماء التطور، وإنما خلقه الله إنسانًا.

وأي علم يتعارض مع الكتاب والسنة، فليس له أي قيمة، وليس له أي وزن، ولا يصح لعالم مسلم أن يسير في طريق هذا العلم؛ لأنه تعارض مع المصدر الرئيس.

عندما كان الصحابة رضي الله عنهم، وفي أحيان قليلة جدًا يخرجون عن هذا الضابط، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يغضب غضبًا شديدًا، ولنتدبر هذه الرواية في سنن الدارمي، وعند الإمام أحمد، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنُسْخَةٍ مِنْ التَّوْرَاةِ، فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ نُسْخَةٌ مِنْ التَّوْرَاةِ.فَسَكَتَ فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَوَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ يَتَغَيَّرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ مَا تَرَى مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي".

فهم الصحابة رضوان الله عليهم من هذا الموقف ومن غيره، أنه لا شيء يُقدم على هذين المصدرين، ولا تصح قاعدة، أو قانون، أو مفهوم يتعارض مع هذين المصدرين العظيمين: الكتاب والسنة.حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه وعن أبيه، تعلم هذا الدرس جيدًا، وكان يعلمه للأمة، في البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللَّهِ؟ تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ -أي لم يخلط ولم يحرّف- وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ، وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ، فَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا.

أَفَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ؟ وَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ.كان هذا هو مفهوم عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ومفهوم الصحابة جميعًا حول وحدة المصدر، فهذا هو الضابط الأول في تحصيل العلم.

الضابط الثاني:
العلم النافع وهو أن يكون ما يتعلمه الإنسان نافعًا، فالعلم المرغوب فيه شرعًا يوصف بكونه نافعًا، وقد روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ، إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ".
فلا يصح إذن أن يصرف الإنسان عمره ووقته وجهده في تعلّم علمٍ لا يعود بالفائدة والنفع على أمته، بل على البشرية بصفة عامة.

لا يصح أن يضيّع الإنسان عمره ووقته في تفصيلات لا قيمة لها، أو لا ينبني عليها عمل في قصص الأنبياء والسابقين، كمن يبحث عن طول سفينة سيدنا نوح عليه السلام، وكم ظل الطوفان، وكم ظل هابيل بعدما قتله قابيل قبل أن يدفنه؟! فهذه تفصيلات لا ينبني عليها أي عمل، وليس لها أي معنى.أيضًا في علوم الحياة، لا يصح أن يضيّع الإنسان وقته في أشياء لا تنفع، بل ربما تضر، مثل بعض العلوم الفلسفية، وتضييع الأوقات في قراءة القصص والروايات غير النافعة، وكتابة، أو قراءة الشعر الإباحي، وغير هذا من العلوم التي لا تقبل الفطرة السليمة أن يعيش الإنسان حياته، وعمره لكي يدرسها.وهذا الأمر يعود بنا إلى قضية المناهج التعليمية في المدارس والجامعات، لا بد أن يكون المنهج معدّا لينفع الطالب، ومن ثَم ينفع أمته بعد ذلك، فلو أحس الطالب أن ما يدرسه من علوم إنما هي مجرد حشوٍ يملأ فراغ السنة الدراسية، فهو بلا شك لن يستفيد مما يدرسه على الإطلاق، ولن يستطيع أن يحصّل علمًا.لو لم يتوفر عند الطالب النية الصالحة والصادقة والمخلصة لتعلم العلم لنفع نفسه وأمته، فلن يستفيد أيضًا من هذا العلم.لا بد إذن أن يكون العلم نافعًا، ولا بد أن أتعلمه بنية نفع الأمة، والبشرية كلها، والعلم الذي لا تتحقق فيه صفة النفع هذه هو علم ضارّ، وشر يجب الاستعاذة منه، ومن هنا نستطيع أن نفهم الحديث اللطيف، والدعاء الجميل للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام مسلم بسنده عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:... اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا.فالنبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى من أن يضيع وقته في علم لا ينفع.

الضابط الثالث:
أن ينقل كلُّ متعلّمٍ العلمَ إلى غيرهالعلم لا يقف عند المتعلم فحسب، بل لا بد من نقله إلى الغير، يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه:وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة.تعليم العلم لمن لا يعلمه صدقة، فنقل العلم النافع مهم جدًا لخير الأرض كلها، فلو أن كل عالم سواء من علماء الشرع، أو من علماء الحياة كتم ما عنده من العلم، ولم ينقله إلى غيره، لكانت كارثة عظيمة في الأرض، ولصارت الأرض مدمرةً بلا محالة.لأجل هذا لا يصح أن يقال على إنسان ما أنه عالم دون أن يعلم غيره، ودون أن يبذل علمه للناس، فالعلم الحقيقي هو الذي يقضي حياته ين التعلم والتعليم، خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ.

ولننظر ونتأمل كلام جابر بن عبد الله أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ونرى مدى فهمه، وحكمته، وهو يقول:إذا لعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كان عنده علم فليظهره.وهذا يعني أنه إذا جاء في القرون التي تلي الصحابة رضي الله عنهم من يسبهم، أو ينتقص من قدرهم، أو يشوّه التاريخ الإسلامي بصفة عامة، فلا بد أن يتكلم من عنده علم، ولا يحتفظ بالمعلومات التي عنده لنفسه، ويكتفي أنه يعلم أن الصحابة رجال أعاظم، وأفاضل، ويحفتظ بهذه المعلومة دون أن ينقلها لغيره، فيكون كتمانه لهذا العلم الذي عنده فيه خطر عظيم عليه وعلى الأمة، وعلى الناس أجمعين، بعد هذا الكلام ينطق جابر بن عبد الله رضي الله عنه بكلام في غاية الخطورة يقول:فإن كاتم ذلك العلم، ككاتم ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. أي فكأنما أنزلت عليه الرسالة وكتمها، فمعنى هذا أن من سمع أحدًا يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد عليه فقد ارتكب هذا الإثم العظيم، لماذا؟
لأن هذا الدين كله جاءنا عن طريقهم، فهم الذين نقلوا لنا القرآن الكريم، وهم الذين نقلوا لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون الأمر إذن إذا رأينا من يطعن في أبي بكر، أو عمر، أو عثمان، أو غيرهم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم جميعًا.فنقل العلم إلى الغير إذن من أهم الضوابط التي يجب أن يُلتفت إليها، ولا يصح أن يحتفظ الإنسان بالعلم لنفسه، بل لا بد من أن تسعى إلى تعليم الغير ما تعلمته، ولو كان آية واحدة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً.الضابط الرابع: عدم الفتوى بغير علمهذه مشكلة كبيرة، وإن شئت فقل كارثة عظيمة يقع فيها كثير من الناس، وهي الفتوى بغير علم، سواء في أمور الدين، أو في أمور الدنيا، كارثة بالفعل أن يُفتى بدون علم في أمور الإسلام، أو الطب، أو الصناعة، أو التجارة، حتى في وصف الطريق، فمجرد التخمين في وصف طريق ما لأي إنسان إنما هو تضييع لوقته.ليس من العيب أن يقول الإنسان لا أعرف، وإنما العيب أن يفتي الإنسان بغير علم.

وقد تعلم الصحابة رضي الله عنهم هذا الأمر من الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، فهو عليه الصلاة والسلام مع عظمته، وحكمته، وعلمه، وفضله لا يستحيي أن يقول عن شيء لا يعرفه لا أعلم، روى الإمام أحمد بسنده عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ قَالَ: فَقَالَ:لَا أَدْرِي.
فَلَمَّا أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ قَالَ:لَا أَدْرِي، حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ.
فَانْطَلَقَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ سَأَلْتَنِي: أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي.
وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ: أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ فَقَالَ: أَسْوَاقُهَا.الأسواق لأنها تلهي الناس عن ذكر الله، ويكثر فيها الكذب، والحلف على غير الحقيقة، والشحناء، والبغضاء بين المسلمين، والفتنة بالمال، والاختلاط، ومثل هذه الأمور.فالرسول صلى الله عليه وسلم مع كونه أحكم البشر وأعلمهم صلى الله عليه وسلم لم يتجرّأ على الفتوى بغير علم، بل كان شديد الإنكار على من أفتى بغير علم من صحابته رضي الله عنهم ففي سنن أبي داود عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ، فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً، وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ. فَاغْتَسَلَ، فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمْ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَيَعْصِرَ- أَوْ :يَعْصِبَ.

شَكَّ مُوسَى، وهو أحد الرواة- عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ. الشاهد من هذه القصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم اتّهم هؤلاء بقتل هذا الرجل؛ لأنه أفتوا بغير علم، فالقضية في منتهى الخطورة، فهذا الضابط الرادع المهم جدًا هو أن تتعلم أن تقول: لا أعلم. إذا كنت لا تعرف، وهذا بإذن الله من فضائل العلماء، وليس من العيب كما ذكرنا أن تقول لا أعلم، بل العيب أن تقول بغير علم.الضابط الخامس: العمل بالعلمفي الحقيقة بدون هذا الضابط لا قيمة للعلم، ولا فائدة لكل ما سبق في هذه الصفحات عن قيمة العلم وفضله، ما الفائدة في أنّ إنسانًا ما جمع خبرات كثيرة، وتراكمت لديه خبرات طويلة، وقرأ كتبًا عظيمة، وحضر من الدروس والمجالس الكثير، ثم هو لا يعمل بما علم، أين قيمة العلم إذن؟!
روى الدارمي بسنده عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:يَا حَمَلَةَ الْعِلْمِ اعْمَلُوا بِهِ، فَإِنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ، وَوَافَقَ عِلْمُهُ عَمَلَهُ، وَسَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَحْمِلُونَ الْعِلْمَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يُخَالِفُ عَمَلُهُمْ عِلْمَهُمْ، وَتُخَالِفُ سَرِيرَتُهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ، يَجْلِسُونَ حِلَقًا فَيُبَاهِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.أي أنهم إنما يتعلمون العلم ليشار إليهم، ويُقال هؤلاء هم العلماء، يتعلمون للفخر، والمباهاة، ويحاول كل منهم أن يجعل حلقته من الطلاب أكبر الحلقات، وأعظمها، فهؤلاء ليسو علماء.

يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ عَلَى جَلِيسِهِ أَنْ يَجْلِسَ إِلَى غَيْرِهِ وَيَدَعَهُ.

فهو يريد الفخر والتباهي، وأن يكون العلم عن طريقه هو، وليس عن طريق غيره، وهذا والعياذ بالله من أول من تُسعر بهم النار يوم القيامة؛ لأنه تعلم العلم لغير الله تعالى.يقول سيدنا علي: أُولَئِكَ لَا تَصْعَدُ أَعْمَالُهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ تِلْكَ إِلَى اللَّهِ.

فقد حبط عمله؛ لأنه فقد الإخلاص، فلا يرفع له عمل.وأختم بكلمات بليغه عميقة رائعة للعالم الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه يوضح فيها قيمة العلم يقول:تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة.

نعم هذا هو العلم في منظور معاذ بن جبل رضي الله عنه، ورضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، نسأل الله عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 02:18 AM
أسامة بن زيد



اسمه ونشأته

هو أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، كان أبوه مولى لرسول الله، ويكنى أبا محمد، وهو مولى رسول اللهمن أبويه، وكان يسمى "حِبّ رسول الله". ولدبمكة سنة 7 قبل الهجرة، ونشأ حتى أدرك ولم يعرف إلا الإسلام لله تعالى ولم يدن بغيره، وهاجر مع رسول اللهإلى المدينة، وكان رسول اللهيحبه حبًّا شديدًا، وكان عنده كبعض أهله.

وأمه هي أم أيمن رضي الله عنها، واسمها بركة مولاة رسول اللهوحاضنته، وكان زيد بن حارثة لخديجة فوهبته لرسول اللهفأعتقه رسول اللهوزوّجه أم أيمن بعد النبوة، فولدت له أسامة بن زيد.

أثر الرسول في تربيته

في العام السادس من بعثة النبيوُلد لأمّ أيمن أسامة بن زيد، فنشأ وتربىفي أحضان الإسلام، ولم تنل منه الجاهلية بوثنيتها ورجسها شيئًا، وكانقريبًا جدًّا من بيت النبوة، وملازمًا دئمًا للنبي؛ ففي مسند الإمام أحمد عن أسامة بن زيدقال: كنت رديف رسول الله(أي كان يركب خلفه) بعرفات، فرفع يديه يدعو، فمالت به ناقته فسقط خطامها. قال: فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى. ومن ثَمَّ كان تأثره شديدًا برسول الله، وكان النبييحبه حبًّا شديدًا؛ ففي البخاري بسنده عن أسامة بن زيدحدَّث عن النبيأنه كان يأخذه والحسنفيقول: "اللهم أحبهما؛ فإني أحبهما".

بل وكان النبييأمر بحبِّ أسامة بن زيد؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لا ينبغي لأحد أن يبغض أسامة بعد ما سمعت رسول اللهيقول: "من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة". وكان نقش خاتم أسامة بن زيد: (حِبّ رسول الله). وقد زوّجه النبيوهو ابن خمس عشرة سنة.

أتشفع في حد من حدود الله ؟!

روى البخاري بسنده عن عروة بن الزبير -رضي الله عنهما- أن امرأة سرقت في عهد رسول اللهفي غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيديستشفعونه. قال عروة: فلما كلمه أسامةفيها، تلوّن وجه رسول اللهفقال: "أتكلمني في حد من حدود الله؟!" قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلما كان العشي قام رسول اللهخطيبًا، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد، فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". ثم أمر رسول اللهبتلك المرأة فقطعت يدها، فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت. قالت عائشة: فكانت تأتي بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول الله.

دور أم أيمن في تربية أسامة بن زيد

أم أيمن -رضي الله عنها- هي حاضنة النبي، وهي إحدى المؤمنات المجاهدات اللاتي شاركن في المعارك الإسلامية مع رسول الله، فقد شهدت أُحدًا، وكانت تسقي المسلمين، وتداوي الجَرْحَى، وشهدت غزوة خيبر. وقد روت أم أيمن -رضي الله عنها- بعضًا من أحاديث رسول الله. قال ابن حجر في الإصابة: كان النبييقول عنها: "هذه بقية أهل بيتي". هذه المرأة المؤمنة التقية الورعة المجاهدة كانت أحد المحاضن التربوية التي تخرَّج فيها أسامة بن زيد.

وقد استشهد زيد بن حارثةزوج أم أيمن ووالد أسامة في مُؤْتة، واستشهد أيمن ابنها وأخو أسامة من أمه في حُنين، ففي هذه الأسرة المؤمنة المجاهدة نشأ هذا القائد الفارس الفذّ، وتربى على معاني الجهاد والدفاع عن الإسلام؛ مما جعل رسول اللهيوليه إمارة الجيش الإسلامي وهو في الثامنة عشرة من عمره وفي الجيش كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار وأصحاب السبق في الإسلام.

قائد جيش المسلمين في غزو الروم

ولاَّه النبي-على صغر سنِّه- قيادة جيش المسلمين المتوجه لغزو الروم في الشام، وقال له: "يا أسامة، سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك على هذا الجيش، فأغر صباحًا على أهل أُبْنَى وحرق عليهم، وأسرع السير تسبق الخبر، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء، وقدم العيون أمامك والطلائع". ثم عقد الرسوللأسامة اللواء، ثم قال: "امض على اسم الله". وقد اعترض بعض الصحابة على استعمال هذا الغلام على المهاجرين الأولين، ولما علم رسول اللهبذلك، غضبغضبًا شديدًا، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد، يا أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة بن زيد؟ والله لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وايم الله إن كان للإمارة لخليقًا، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ، وإنهما لمخيلان لكل خير، فاستوصوا به خيرًا؛ فإنه من خياركم".

وقبل الخروج مع أسامة جاء المسلمون يودعون رسول الله، فأمرهمبإنفاذ بعث أسامة. وركب أسامة إلى معسكره وصاح في الناس أصحابه باللحوق بالعسكر، فانتهى إلى معسكره ونزل وأمر الناس بالرحيل وقد مَتَعَ النهار، فبينا أسامة يريد أن يركب من الجُرْف أتاه رسول أم أيمن -وهي أمه- تخبره أن رسول اللهيموت، فأقبل أسامة إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنهما- فانتهوا إلى رسول اللهوهو يموت، فتُوفِّي رسول اللهحين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجُرْف المدينة.

وبعد وفاة النبيبويع لأبي بكر، وقد ارتدَّ من العرب من ارتد عن الإسلام، دخل على أبي بكر كبارُ الصحابة، فقالوا: "يا خليفة رسول الله، إن العرب قد انتقضت عليك من كل جانب، وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئًا، اجعلهم عُدَّة لأهل الردة ترمي بهم في نحورهم، وأخرى لا نأمن على أهل المدينة أن يغار عليها وفيها الذراري والنساء، فلو استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام بِجِرَانِه[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1)، وتعود الردة إلى ما خرجوا منه أو يفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة، حينئذٍ فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا". ولكن الصديق أصر على إنفاذ بعث أسامة قائلاً: "والذي نفسي بيده، لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث".

وبالفعل خرج جيش أسامة، واستطاع هذا الجيش أن يقوم بمهمته على خير وجه، ويعود ظافرًا إلى المدينة. وظهرت موهبة أسامة الفذة في قيادة الجيش، وأثبت أنه كان -على صغر سنِّه- جديرًا بهذه القيادة.

أهم ملامح شخصيته

الجانب القيادي

تربّى أسامةعلى يد رسول الله، وقد ربّاه النبيعلى أن يكون قائدًا، واكتشف عناصر هذه القيادة في شخصيته، وقد كاندقيقًا في تنفيذ أوامر رسول الله، ويظهر ذلك من مواقفه المتعددة، ومنها عندما كان قائدًا للجيش الذي غزا الروم في الشام، ومدى الدقة التي التزم بها في تنفيذ تعليمات رسول الله، فضلاً عن ذلك فقد شهد له رسول اللهأنه خليق بالولاية وأنه أهلٌ لها، وقد نجحفي مهمته التي انتدب لها أعظم نجاح، وأدى دوره على أفضل ما يكون الأداء؛ فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول اللهبعث بعثًا وأمَّر عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس في إمارته، فقام رسول اللهفقال: "إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله إن كان لخليقًا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ بعده".

بعض المواقف من حياته مع الرسول

عن محمد بن أسامة بن زيد، عن أبيه قال: كساني رسول اللهقُبطيَّة كثيفة أهداها له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال رسول الله: "ما لك لا تلبس القبطية؟" قلت: كسوتها امرأتي. فقال: "مرها فلتجعل تحتها غلالة؛ فإني أخاف أن تصف عظامها".

وعن أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله، لمْ أرَكَ تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان. قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين؛ فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

مع عمر بن الخطاب

عن هشام بن عروة، عن أبيه: لما فرض عمر بن الخطابللناس فرض لأسامة بن زيدخمسة آلاف ولابن عمر ألفين، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: فضلت عليَّ أسامة وقد شهدتُ ما لم يشهد!! فقال: "إن أسامة كان أحب إلى رسول اللهمنك، وأبوه أحب إلى رسول اللهمن أبيك".

مع خلاد بن السائب

عن خلاد بن السائبقال: دخلت على أسامة بن زيدفمدحني في وجهي، فقال: إنه حملني أن أمدحك في وجهك أني سمعت رسول اللهيقول: "إذا مُدح المؤمن في وجهه ربا الإيمان في قلبه".

من مواقفه مع التابعين

مع مروان بن الحكم

عن عبيد الله بن عبد الله قال: رأيت أسامة بن زيد يصلي عند قبر رسول الله، فخرج مروان بن الحكم فقال: تصلي إلى قبره؟! فقال: إني أحبه. فقال له قولاً قبيحًا ثم أدبر، فانصرف أسامةفقال: يا مروان، إنك آذيتني، وإني سمعت رسول اللهيقول: "إن الله يبغض الفاحش المتفحش"، وإنك فاحش متفحش.

أثره في الآخرين

روى عنه أحاديثَ النبيثلاثون من الصحابة والتابعين، وممن روى عنه من الصحابة سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة (رضي الله عنهم أجمعين). وممن روى عنه من التابعين سعيد بن المسيب، وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، وعامر بن شرحبيل، وشقيق بن سلمة، وغيرهم.

ويعلم مولاه عمليًّا

عن مولى أسامة بن زيد أنه انطلق مع أسامة إلى وادي القرى في طلب مال له، فكان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، فقال له مولاه: لمَ تصوم يوم الاثنين ويوم الخميس وأنت شيخ كبير؟ فقال: إن نبي اللهكان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، وسئل عن ذلك فقال: "إن أعمال العباد تعرض يوم الاثنين ويوم الخميس".

الأثر العالمي لبعث أسامة

كان لهذا البعث أثرٌ كبير في تثبيت وتوطيد دعائم الدولة الإسلامية بعد وفاة النبيوارتداد الكثير من القبائل، وكان من شأنه أن ألقى الفزع والهلع في قلوب القبائل العربية التي مرَّ عليها في شمال الجزيرة العربية، وكانوا يقولون: لو لم يكن للمسلمين قوة تحمي المدينة وما حولها ما بعثوا جيشًا إلى هذه المسافات البعيدة. وقد وصل جيش أسامة إلى تخوم الروم؛ ومن أجل ذلك كانت حركة الردة في تلك المناطق أضعف منها بكثير من غيرها من المناطق الأخرى.

بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول

روى البخاري بسنده عن أسامة بن زيد، عن النبيقال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".

وروى مسلم في صحيحه عن أسامة بن زيدأن النبيقال: "لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم".

وفاته

اعتزل أسامة بن زيدالفتن بعد مقتل عثمانإلى أن مات في أواخر خلافة معاوية، وكان قد سكن المِزّة غرب دمشق، ثم رجع فسكن وادي القرى، ثم نزل إلى المدينة فمات بها بالجُرْف.
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) أي: قرّ قراره واستقام، كما أن البعير إذا برك واستراح مد عنقه على الأرض.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 02:44 AM
أسعد بن زرارة

هو أسعد بن زرارة الأنصاري الخزرجي النجاري، قديم الإسلام، شهد العقبتين وكان نقيباً على قبيلته ولم يكن في النقباء أصغر سناً منه، ويقال أنه أول من بايع ليلة العقبة.
إسلامه:
خرج أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس إلى مكة يتنافران إلى عتبة بن ربيعة، فسمعا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتياه فعرض عليهما الإسلام، وقرأ عليهما القرآن، فأسلما ولم يقربا عتبة بن ربيعة، ورجعا الى المدينة فكانا أول من قدم بالإسلام بالمدينة...
قال ابن إسحاق: فلما أراد الله إظهار دينه وإعزاز نبيه، وإنجاز موعوده له، خرج رسول الله صلى الله عليه سلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم، فبينا هو عند العقبة لقى رهطاً من الخزرج أراد لله بهم خيراً.
قال:"أمن موالي يهود؟" قالوا: نعم قال:" أفلا تجلسون أكلمكم؟" قالوا: بلى، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، قال: وكان مما صنع الله بهم في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم فكانوا إذا كان بينهم شئ قالوا: إن نبياً مبعوثاً الآن قد اظل زمانه تتبعه، نقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسم أولئك النفر ودعاهم إلى الله. قال بعضهم لبعض: يا قوم تعلمون والله إنه النبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام وقالوا له: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم وعسى الله أن يجمعهم بك فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك وتقرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعنهم الله عليك فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم قد آمنوا وصدقوا...
قال أبو نعيم أنه - أي أسعد بن زرارة - أول من أسلم من الأنصار من الخزرج...
أهم ملامح الشخصية:
1- سرعة استجابته للحق:
ويتضح ذلك عندما عرض الرسول صلى الله عليه وسلم على النفر الذين جاءوا إلى عتبة فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليهم لإسلام وتلا عليهم القرآن فأسلموا وقيل أن أول من قدم بالإسلام إلى المدينة كان أسعد بن زرارة وقد ذكرنا ذلك في قصة إسلامه.
وسبق القول بأنه ربما يكون أول من بايع بيعة العقبة الثانية...
2- إيجابيته في الدعوة:
فقد كان يسعى مع سيدنا مصعب بالمدينة ويتضح ذلك في قصة إسلام سيدنا أسيد بن حضير وسيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنهما وعنه وعن صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم جميعًا...
3- عمق فهمه مع حداثة سنه وتقديره للبيعة:
ويظهر ذلك من موقفه في بيعة العقبة الثانية، يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فقمنا نبايعه - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين فقال رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على السيوف إذا مستكم وعلى قتل خياركم وعلى مفارقة العرب كافة فخذوه وأجركم على الله عز وجل وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر عند الله قالوا يا أسعد بن زرارة أمط عنا يدك فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها فقمنا إليه رجلا رجلا يأخذ علينا بشرطة العباس ويعطينا على ذلك الجنة.
من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
روى الإمام احمد بسنده عن جابر قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى يقول من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر كذا قال فيأتيه قومه فيقولون احذر غلام قريش لا يفتنك ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ثم ائتمروا جميعا فقلنا حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف، فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه في الموسم فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا فقلنا يا رسول الله نبايعك قال تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة قال فقمنا إليه فبايعناه وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم فقال رويدا يا أهل يثرب فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك فهو عذر لكم عند الله قالوا أمط عنا يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة أبدا ولا نسلبها أبدا قال فقمنا إليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة.
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
ذهب أسعد بن زرارة يوماً ومعه مصعب بن عمير إلى بستان من بساتين بني عبد الأشهل - أحد بطون الأوس - فجلسا فيه، واجتمع حولهما عدد من الذين أسلموا، فرآهما سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير وهما يومئذ سيدا بني عبد الأشهل، ومن سادة الأوس أيضاً، فقال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: لا أبا لك انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليسفها ضعفاءنا فازحجرهما واتهمها عن أن دارنا، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك هو ابن خالتي، ولا أجد عليه مقدماً فأخذ أسيد بن حضير حربته، ثم أقبل إليهم، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير هذا سيد قومك قد جاءك فأصدق الله فيه، قال مصعب: إن يجلس أكلمه، فوقف عليهما متشمتاً فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع: فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كُفّ عنك ما تكره؟ فقال: أنصفت، ثم ركز حربته، وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن، فقالا: والله لقد عرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقة وتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين. قالا له: تغتسل فتطهر، وتطهر ثوبك، ثم تشهد شهادة الحق، فقام واغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق، ثم قام فركع ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن، وهو سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته، وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد مقبلاً، قال أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه لذي ذهب به من عندكم، فلما وقف على النادي، قال له سعد: ما فعلت؟ قال كلمت الرجلين، فو الله ما رأيت بهما بأساً وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك فقام سعد مغضباً مبادراً، تخوفاً للذي ذكر له من بني حارثة، فأخذ الحربة من يده، ثم قال والله ما أراك أغنيت شيئاً، ثم خرج إليها فلما رآهما سعد مطمئنين عرف أن أسيداً إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف عليهما متشمتاًَ، ثم قال لأسعد بن زرارة يا أبا أمامة! والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نكره وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير: أي مصعب جاءك والله سيد من وراءه قومه، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع فإن رضيت امراً أو رغبت فيه قبلته، إن كرهته عزلنا عنك ما تكره؟ قال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة، جلس فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقة وتسهله ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا تغتسل فتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصل ركعتين...
أثره في الآخرين:
قال ابن إسحاق: عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كنت أقود أبي حين ذهب بصره فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الآذان بها صلى على أبي إمامة أسعد بن زرارة قال: فمكثت حيناً على ذلك لا يسمع لآذان الجمعة إلا صلى عليه واستغفر له. قال: فقلت في نفسي والله إن هذا بي لعجز، ألا أسأله؟ فقلت: يا أبتِ ما لك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي إمامة؟ فقال: أي بني إنه كان أول من جمع بنا بالمدينة، في هرم البيت من حرة بني بياض في بقيع يقال له بقيع الخضمات قال: قلت وكم أنتم يومئذ؟ قال: أربعين رجلًا...
وفاته:
قال محمد بن إسحاق: وتوفي في تلك الأشهر - أي بعد الهجرة مباشرة - أبو أمامة أسعد بن زرارة والمسجد يبني - أي مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، أخذته الزبحة أو الشهقة، رحمه الله ورضي عنه.
وذكر الواقدي أنه مات على رأس أشهر من الهجرة رواة الحاكم في المستدرك من طريق الواقدي عن أبي الرجال، وفيه جاء بنو النجار فقالوا يا رسول الله مات نقيبنا فنقب علينا فقال:"أنا نقيبكم" وقال البغوي أنه أول من مات من الصحابة بعد الهجرة وأنه أول ميت صلّى عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وروى الواقدي من طريق عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: أول من دفن بالبقيع أسعد بن زرارة وهذا قول الأنصار.
وأما المهاجرون فقالو: أول من دفن به عثمان بن مظعون.
من مراجع البحث:
الإصابة في تمييز الصحابة............ ابن حجر العسقلاني
البداية والنهاية.......................... ابن كثير
التاريخ الإسلامي...................... محمود شاكر

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 02:46 AM
وحشى بن حرب


هو وحشى بن حرب الحنشى مولى بنى نوفل قيل كان مولى طعيمة بن عدى يكنى أبا سلمة وقيل أبا حرب.
حاله في الجاهلية:
كان وحشي عبدا حبشيا من الموالى عند العرب يقول وحشى عن نفسه كنت غلاما رقيقا لجبير بن مطعم ثم أصبح حرا بعد قتله لحمزة بن عبد المطلب.
يقول وحشي:
كنت غلاما لجبير بن مطعم وكان عمه طعيمة بن عدي قد قتل يوم بدر فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير: إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق. فخرجت مع الناس حين خرجوا إلى أحد فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته مثل الجمل الأورق في عرض الناس يهز الناس بسيفه هذا ما يقوم له شيء فوالله إني لأريده واستترت منه بشجرة - أو: بحجر - ليدنو مني وتقدمني إليه سباع بن عبد العزى فلما رآه حمزة قال: إلي يا ابن مقطعة البظور. وكانت أمه ختانة بمكة فوالله لكأن ما أخطأ رأسه فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه. وخليت بينه وبينها حتى مات ثم أتيته فأخذت حربتي ثم رجعت إلى العسكر ولم يكن لي بغيره حاجة. فلما قدمت مكة عتقتى.(1)
قصة إسلامه:
يروى وحشى قصة إسلامه فيقول: فلما افتتح رسول الله مكة هربت إلى الطائف فلما خرج وفد الطائف ليسلموا ضاقت على الأرض بما رحبت وقلت بالشام أو اليمن أو بعض البلاد فولله إني لفي ذلك من همي إذ قال رجل: والله إن يقتل - أي لا يقتل - محمدا أحدا يدخل في دينه، فخرجت حتى قدمت المدينة على رسول الله فدخلت عليه في خفة وحذر، ومضيت نحوه حتى صرت فوق رأسه، وقلت أشهد أن لا إله إلا الله، فلما سمع الشهادتين رفع رأسه إلي، فلما عرفني ردَّ بصره عنى، وقال: "أوحشى أنت" قلت: نعم يا رسول الله فقال: "اقعد وحدثني كيف قتلت حمزة؟" فقعدت فحدثته خبره، فلما فرغت من حديثى أشاح بوجهه وقال: "ويحك يا وحشى، غيِّب عنى وجهك، فلا أرينك بعد اليوم".
فما أجمل الإسلام وأعظمه، لا يغلق باب التوبة أمام الإنسان مهما فعل وصدر منه طالما أن ما صدر منه كان قبل أن يدخل الإسلام قلبه.
وقد روي وحشي عن النبي صلي الله عليه وسلم أن أصحابه قالوا: يا رسول إنا نأكل ولا نشبع، قال: "فلعلكم تفترقون" قالوا: نعم قال: "فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه، يبارك لكم فيه".
بعض كلماته:
كان يقول: قتلت بحربتي هذه خيرَ الناس - يقصد حمزة - وشر الناس - يقصد مسيلمة الكذاب - .(2)
وكان يقول أكرم الله حمزة بن عبد المطلب والطفيل بن النعمان بيدي ولم يهني بأيديهما يعني لم يقتل كافرا.(3)
متى توفي؟ أين دفن؟
شهد وحشى اليرموك ثم سكن حمص ومات بها، وكان وحشى قد عاش إلى خلافة عثمان.(4)
المصادر:
1- أسد الغابة [جزء 1 - صفحة 1104]
2- الاستيعاب [جزء 1 - صفحة 496]
3- الطبقات الكبرى [جزء 3 - صفحة 573]
4- الإصابة ج 5 ط. دار الفكر.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 02:47 AM
يزيد بن أبي سفيان


هو يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي. أخو معاوية من أبيه، وقال أبو عمر: كان أفضل أولاد أبي سفيان وكان يقال له: يزيد الخير، وأمه أم الحكم زينب بنت نوفل بن خلف من بني كنانة، يكنى أبا خالد..
حاله في الجاهلية:
كان من العقلاء الألباء، والشجعان المذكورين..
قصة إسلامه:
أسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه، وشهد حنين..
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه سلم:
ـ شهد حنينا، فقيل: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ; أعطاه من غنائم حنين مائة من الإبل وأربعين أوقية فضة.
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
وصية أبي بكر له:
كان مما قاله أبو بكر ليزيد:
(إني وليتك لأبلوك وأجربك وأخرجك فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك وإن أسأت عزلتك فعليك بتقوى الله فإنه يرى من باطنك مثل الذي من ظاهرك وإن أولى الناس بالله أشدهم توليا له وأقرب الناس من الله أشدهم تقربا إليه بعمله وقد وليتك عمل خالد فإياك وعبية الجاهلية فإن الله يبغضها ويبغض أهلها وإذا قدمت على جندك فأحسن صحبتهم وابدأهم بالخير وعدهم إياه وإذا وعظتهم فأوجز فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضا وأصلح نفسك يصلح لك الناس وصل الصلوات لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم وأقلل لبثهم حتى يخرجوا من عسكرك وهم جاهلون به ولا ترينهم فيروا خيلك ويعلموا علمك وأنزلهم في ثروة عسكرك وامنع من قبلك من محادثتهم وكن أنت المتولي لكلامهم ولا تجعل سرك لعلانيتك فيختلط أمرك وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة ولا تخزن عن المشير خبرك فتؤتى من قبل نفسك واسمر بالليل في أصحابك تأتك الأخبار وتنكشف عنك الأستار وأكثر حرسك وبددهم في عسكرك وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك فمن وجدته غفل عن حرسه فأحسن أدبه وعاقبه في غير إفراط وأعقب بينهم بالليل واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة فإنهما أيسرهما لقربهما من النهار ولا تخف من عقوبة المستحق ولا تلجن فيها ولا تسرع إليها ولا تخذلها مدفعا ولا تغفل عن أهل عسكرك فتفسدهم ولا تتجسس عليهم فتفضحهم ولا تكشف الناس عن أسرارهم واكتف بعلانيتهم. ولا تجالس العباثين وجالس أهل الصدق والوفاء وأصدق اللقاء ولا تجبن فيجبن الناس. واجتنب الغلول (الخيانة في المغنم) فإنه يقر بالفقر ويدفع النصر وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعهم وما حبسوا أنفسهم له
ـ وهو أحد الأمراء الأربعة الذين ندبهم أبو بكر لغزو الروم، عقد له أبو بكر ومشى معه تحت ركابه يسايره، ويودعه، ويوصيه، وما ذاك إلا لشرفه وكمال دينه، ولما فتحت دمشق، أمره عمر عليه.
وقال إبراهيم بن سعد: كان يزيد بن أبي سفيان على ربع، وأبو عبيدة على ربع، وعمرو بن العاص على ربع، وشرحبيل بن حسنة على ربع، يعني يوم اليرموك. ولم يكن يومئذ عليهم أمير، وأمَّره أبو بكر الصديق لما قفل من الحج سنة اثنتي عشرة أحد أمراء الأجناد، وأمَّره عمر على فلسطين، ثم على دمشق لما مات معاذ بن جبل، وكان استخلفه فأقره عمر.
الوفاة:
(موقف الوفاة والمكان):
توفي يزيد في الطاعون سنة ثماني عشرة، ولما احتضر، استعمل أخاه معاوية على عمله، فأقره عمر على ذلك احتراما ليزيد، وتنفيذا لتوليته.
ومات هذه السنة في الطاعون أبو عبيدة أمين الأمة، ومعاذ بن جبل سيد العلماء، والأمير المجاهد شرحبيل بن حسنة حليف بني زهرة، وابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- الفضل بن العباس وله بضع وعشرون سنة، والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي أبو عبد الرحمن من الصحابة الأشراف، وهو أخو أبي جهل، وأبو جندل بن سهيل بن عمرو العامري، رضي الله عنهم.
المراجع:
الإصابة في تمييز الصحابة - أبو بكر الصديق.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 02:48 AM
وبرة بن سنان



هو وبرة بن سنان الجهني من مواقفه مع جعال أجير عمر بن الخطاب: كان مع عمر بن الخطاب أجيرا له من غفار يقال له: جعال، وكان معه فرس يقوده فحوض لعمر حوضا فبينما هو قائم على الحوض إذ أقبل رجل من الأنصار يقال له وبرة بن سنان الجهني وسماه أبو عمر: سنان بن تميم وكان حليفا لعبد الله بن أبي فقاتله فتداعيا بقبائلهما فقال عبد الله بن أبي: أقد تداعوا علينا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل... ونزل فيهما "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى......"

(1) المرجع: 1- الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 6 - صفحة

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 02:49 AM
وبر بن يحنس


هو وبر بن يحنس الكلبي قال ابن حبان يقال له صحبة.

(1) إسلامه: كان من الأبناء الذين كانوا باليمن فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم.
(2) وبعد أن دخل الإيمان قلبه بدأ يدعو إلي الله عز وجل فقدم وبر بن يحنس على الأبناء باليمن يدعوهم إلى الإسلام فنزل على بنات النعمان بن بزرج فأسلمن وبعث إلى فيروز الديلمي فأسلم وإلى مركبود وعطاء ابنه ووهب بن منبه فأسلموا.(3) فرضي الله عن الصحابي الجليل (وبرة بن يحنس).
المراجع: 1- عمدة القاري [ جزء 16 - صفحة 891 ] 2- الطبقات الكبرى [ جزء 5 - صفحة 533 ] 3- تاريخ الطبري [ جزء 2 - صفحة 209 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 02:50 AM
هلال بن أمية


هو هلال بن أمية بن عامر بن قيس واسمه مالك الأنصاري الواقفي.
وكان قديم الإسلام كان يكسر أصنام بني واقف وكانت معه رايتهم يوم الفتح.(1)
وشهد هلال بن أمية بدرا وأحد.(2)
من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
تخلف هلال بن أمية عن رسول الله في غزوة تبوك فقد ذكر ابن كثير أن قوله تعالي "وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم"
أنهم هم الثلاثة الذين خلفوا أي عن التوبة وهم مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد كسلا وميلا إلى الدعة والحفظ وطيب الثمار والظلال لا شكا ونفاقا فكانت منهم طائفة ربطوا أنفسهم بالسواري كما فعل أبو لبابة وأصحابه وطائفة لم يفعلوا ذلك وهم هؤلاء الثلاثة المذكورون فنزلت توبة أولئك قبل هؤلاء وأرجي هؤلاء عن التوبة حتى نزلت الآية الآتية وهي قوله { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار } الآية { وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت }.
وقد ذكر البخاري قصة الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك:
يقول كعب بن مالك "حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال لا بل اعتزلها ولا تقربه. وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك (يقصد هلال بن أمية ومرارة بن الربيع) فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه؟ قال ( لا ولكن لا يقربك ). قالت إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه
فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أميه أن تخدمه؟ فقلت والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول رسول الله{ صلى الله عليه وسلم} إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب؟ فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون ".(3)
قصة اللعان:
وفي أحد الأيام لاعن هلال بن أمية زوجته، وأقسم لرسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) إنه لصادق.
عن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك ابن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم (البينة أو حد في ظهرك) . فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا، ينطلق يلتمس البينة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (البينة وإلا حد في ظهرك) . فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه "والذين يرمون أزواجهم" - فقرأ حتى بلغ - "إن كان من الصادقين". فانصرف النبي (صلى الله عليه وسلم) فأرسل إليها فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب. ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا إنها موجبة. قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء. فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن.(4)

المصادر:
1- أسد الغابة [ جزء 1 - صفحة 1093 ]
2- أسد الغابة [ جزء 1 - صفحة 1093 ]
3- صحيح البخاري [ جزء 4 - صفحة 1603 ]
4- صحيح البخاري [ جزء 4 - صفحة 1772 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 02:50 AM
هاشم بن عتبة

هو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص بن عبد مناف الزهري الشجاع المشهور المعروف بالمرقال ابن أخي سعد بن أبي وقاص..
قال الدولابي: لقب بالمرقال؛ لأنه كان يرقل في الحرب أي يسرع، من الإرقال وهو ضرب من العدو.
وكان صالحا زاهدا وهو أخو مصعب بن عمير لأمه أسلم يوم الفتح وذهبت عينه يوم اليرموك.
وهو الذي افتتح جلولاء فعقد له سعد لواء ووجهه وفتح الله عليه جلولاء.
إسلامه:
قال الخطيب:أنه أسلم يوم فتح مكة..
بعض مواقف من حياته مع الصحابة:
ـ لما جاء قتل عثمان إلى أهل الكوفة قال هاشم لأبي موسى الأشعري تعال يا أبا موسى بايع لخير هذه الأمة: (علي) فقال: لا تعجل.!**** فوضع هاشم يده على الأخرى فقال: هذه لعليّ وهذه لي..
ـ عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: شهدنا صفين مع علي وقد وكلنا بفرسه رجلين فإذا كان من القوم غفلة حمل عليهم فلا يرجع حتى يخضب سيفه دما، قال: ورأيت هاشم بن عتبة وعمار بن ياسر يقول له: يا هاشم
أعور يبغي أهله محل... قد عالج الحياة حتى ملا
لا بد أن يفل أو يفلا
بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن جابر بن سمرة عن هاشم بن عتبة: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: يظهر المسلمون على جزيرة العرب وعلى فارس والروم وعلى الأعور الدجال.
الوفاة:
وأخرج يعقوب بن سفيان من طريق الزهري قال: قتل عمار بن ياسر وهاشم بن عتبة يوم صفين.
المراجع:
الإصابة في تمييز الصحابة - تاريخ الإسلام - الاستيعاب.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:08 AM
نعيم بن مسعود

هو نعيم بن مسعود بن عامر يكنى أبا سلمة الأشجعى
وكان صاحب صبوة، وخدين متعةن كان ينشدهما أكثر ما ينشدهما عند يهود يثرب فكان كلما تاقت نفسه لقينة أو هفا بسمعة لوتر شد رحاله من منازل قومة في نجد ويمم وجهه شطر المدينة حيث يبذل المال ليهودها بسخا ليبذلوا له المتعة بسخاء.
ولما أكرم الله الإنسانية بإرسال رسوله (صلى الله عليه وسلم) بدين الحق والهدى كان نعيم بن مسعود مرخيا للنفس عنانها فأعرض عن الدين الجديد إعراضا شديدا خوفا من أن يحول دونه ودون متعه ولذاته.
قصة إسلامه:
خرجت غطفان من نجد بعدتها وعديدها بقيادة عيينة بن حصن الغطفانى وكان في طليعة رجال غطفان نعيم بن مسعود
وفى أرض المعركة تسلل نعيم بن مسعود من معسكر قومة تحت جنح الظلام ومضى يحث الخطى إلى رسول الله فلما رآه الرسول ماثلا أمامه قال: نعيم بن مسعود، قال: نعم قال: ما الذي جاء بك قال: جئت لأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبد الله ورسوله، وأن ما جئت به الحق.
وكان نعيم (رضي الله عنه) يتميز بصفات جليلة قلما تتوفر في رجال غير صحابة رسول الله (صلي الله عليه وسلم) ومن هذه الصفات الفطنة والذكاء، وقد استطاع أن يوقع الخلاف بين الحيين قريظة وغطفان في وقعة الخندق، فخالف بعضهم بعضا، ورحل الأحزاب عن المدينة.
وكانت تربية الرسول صلى الله عليه وسلم سببا في تحويل حياة نعيم بن مسعود من حياة المجون والعبث والخلاعة إلى حياة الجد والعمل لدرجة أن يصبح هو حامل لواء غطفان يوم فتح مكة، ومعروف أنه لا يأخذ الراية إلا من يأخذها بحقها، ويكون على أتم الاستعداد أن يضحى بحياته من أجلها.
من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
عندما أراد أبو سفيان بن حرب أن ينصرف يوم أحد نادى بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي بها فنقتتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب قل نعم إن شاء الله فافترق الناس على ذلك ثم رجعت قريش فخبروا من قبلهم بالموعد وتهيؤوا للخروج فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وقدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة فقال له أبو سفيان إني قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقي ببدر وقد جاء ذلك الوقت وهذا عام جدب وإنما يصلحنا عام خصب غيداق وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج فيجتريء علينا فنجعل لك عشرين فريضة يضمنها لك سهيل بن عمرو على أن تقدم المدينة فتخذل أصحاب محمد قال نعم ففعلوا وحملوه على بعير فأسرع السير فقدم المدينة فأخبرهم بجمع أبي سفيان لهم وما معه من العدة والسلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد فنصر الله المسلمين وأذهب عنهم الرعب واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن رواحة وحمل لواءه علي بن أبي طالب وسار في المسلمين وهم ألف وخمسمائة وكانت الخيل عشرة أفراس وخرجوا ببضائع له.(1)
موقفه المشهود في غزوة الأحزاب:
ومن مواقفه مع الرسول بعد إسلامه كان له موقف مشرف سوف يظل التاريخ يذكره لهذا الصحابي الجليل في غزوة الأحزاب، وكان هذا الموقف أحد أسباب النصر علي قريش وحلفائها فنعيم بن مسعود الغطفاني أتى رسول الله فأسلم. وقال: إن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت يا رسول الله. قال إنما أنت فينا رجل واحد فاخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة
فأتى قريظة - وكان نديما لهم في الجاهلية - فقال لهم: قد عرفتم ودي إياكم. قالوا صدقت. قال: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم فلا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه فقالو: لقد أشرت بالرأي.
ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان ومن معه: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقا أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموه علي. قالو: نفعل. قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد: وأرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين قريش وغطفان رجلا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم. فأرسل إليهم: نعم. فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنا منكم من رجالكم فلا تفعلوا.
ثم خرج فأتى غطفان فقال: يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني. قالو: صدقت ما أنت عندنا بمتهم قال: فاكتموا عني. قالو: نفعل. ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم.
فلما كانت ليلة السبت من شوال وكان من صنع الله لرسوله أنه أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقالو: إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمد. فأرسلوا إليهم أن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا وقد كان بعضنا أحدث فيه حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك.
فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان: والله لقد حدثكم نعمي بن مسعود بحق. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله ما ندفع إليكم رجلا من رجالنا فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.
فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوه. وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهن. فأبوا عليهم. وخذل الله بينهم.(2)

ودعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أصحابه وصفهم صفوفا يوم حنين ووضع الرايات والألوية في أهلها فسمى حامليها وقال وكان في أشجع رايتان واحدة مع نعيم بن مسعود والأخرى مع معقل بن سنان.

وروي نعيم بن مسعود عن رسول الله ( صلي الله عليه وسلم )
قال نعيم بن مسعود قال رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) "لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا كلهم يزعم أنه نبي"(3)
الوفاة:
سكن نعيم بن مسعود المدينة ومات في خلافة عثمان وروى عنه ابنه سلمة ابن نعيم. وقيل: بل قتل ابن مسعود في الجمل الأول قبل قدوم علي مع مجاشع بن مسعود السلمي وحكيم بن جبلة.(4)
المصادر:
1- الطبقات الكبرى [ جزء 2 - صفحة 59 ]
2- تاريخ الإسلام [ جزء 1 - صفحة 241 ]
3- كنز العمال [ جزء 14 - صفحة 221 ]
4- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 476 ]
<

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:09 AM
النعمان بن بشير

هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس بن زيد الأنصارى الخزرجى ويكنى عبد الله.
ولم يدرك النعمان الجاهلية فقد كان أول مولود ولد في الإسلام من الأنصار بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا.
وهو أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة رضي الله عنه. (1)

وكان النعمان أول مولود ولد بالمدينة بعد الهجرة للأنصار في جمادى الأول سنة ثنتين من الهجرة فأتت به أمه تحمله إلى النبي (صلي الله عليه وسلم) فحنكه وبشرها بأنه يعيش حميدا ويقتل شهيدا ويدخل الجنة.(2)
من مواقفة مع الصحابة:
كان النعمان ذا منزلة من معاوية( رضي الله عنه ) وكان معاوية يقول يا معشر الأنصار تستبطئونني وما صحبني منكم إلا النعمان بن بشير وقد رأيتم ما صنعت به وكان ولاه الكوفة وأكرمه.(3)
من مواقفه مع التابعين:
قيل إن أعشى همدان قدم على النعمان بن بشير وهو على حمص وهو مريض فقال له النعمان ما أقدمك قال لتصلني وتحفظ قرابتي وتقضى ديني فقال والله ما عندي ولكني سائلهم لك شيئا ثم قام فصعد المنبر ثم قال يا أهل حمص إن هذا ابن عمكم من العراق وهو مسترفدكم شيئا فما ترون فقالوا احتكم في أموالنا فأبى عليهم فقالوا قد حكمنا من أموالنا كل رجل دينارين وكانوا في الديوان عشرين ألف رجل فعجلها له النعمان من بيت المال أربعين ألف دينار فلما خرجت أعطياتهم أسقط من عطاء كل رجل منهم دينارين.(4)

وقال أبو مخنف (وهو شيعي ) بعث يزيد بن معاوية إلي النعمان بن بشير الأنصاري فقال له ائت الناس وقومك فافثأهم عما يريدون فإنهم إن لم ينهضوا في هذا الأمر لم يجترئ الناس على خلافي وبها من عشيرتي من لا أحب أن ينهض في هذه الفتنة فيهلك.
فأقبل النعمان بن بشير فأتى قومه ودعا الناس إليه عامة وأمرهم بالطاعة ولزوم الجماعة وخوفهم الفتنة وقال لهم إنه لا طاقة لكم بأهل الشأم فقال عبد الله بن مطيع العدوي ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من أمرنا فقال النعمان أما والله لكأني بك لو قد نزلت تلك التي تدعو إليها وقامت الرجال على الركب تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف ودارت رحا الموت بين الفريقين قد هربت على بغلتك تضرب جنبيها إلى مكة وقد خلفت هؤلاء المساكين يعني الأنصار يقتلون في سككهم ومساجدهم وعلى أبواب دورهم فعصاه الناس.(5)
من الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم
عن النعمان بن بشير قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مسير له إذ خفق رجل على راحلته فأخذ رجل من كنانته سهما فانتبه الرجل مذعورا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلما "
عن النعمان بن بشير أن أباه نحله غلاما وأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده فقال: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ قال: لا قال: فاردده.(6)
وعن الشعبي قال سمعت النعمان بن بشير يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول وأومأ النعمان بإصبعيه إلى أذنيه إن الحلال بين والحرام بين وبين ذلك مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشتبهات فقد استبرأ لدينه ولعرضه ومن وقع في المشتبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى أوشك أن يقع فيه ألا إن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه.
عن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.(7)

وعن النعمان بن بشير قال صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم ثم أقبل علينا بوجهه فقال" سووا صفوفكم ولا تختلفوا فيخالف الله عز وجل بينكم يوم القيامة ".
فلقد رأيتنا وإن الرجل منا ليلتمس بمنكبه منكب أخيه وبركبته ركبة أخيه وبقدمه قدم أخيه.(8)
كلماته.
عن سماك بن حرب قال سمعت النعمان بن بشير يقول ألستم في طعام وشراب ما شئتم لقد رأيت نبيكم وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه.
الوفاة:
وبعد موت يزيد بن معاوية بايع النعمان لإبن الزبير فتنكر له أهل حمص، فخرج هارباً فتبعه خالد بن خليّ الكلاعي فقتله سنة خمس وستين للهجرة.
المصادر:
1- البداية والنهاية [ جزء 3 - صفحة 230 ]
2- البداية والنهاية [ جزء 8 - صفحة 244 ]
3- طبقات فحول الشعراء [ جزء 2 - صفحة 463 ]
4- البداية والنهاية [ جزء 8 - صفحة 245 ]
5- تاريخ الطبري [ جزء 3 - صفحة 351 ]
6- كنز العمال [ جزء 16 - صفحة 820 ]
7- الأربعون الصغرى [ جزء 1 - صفحة 150 ]
8- الفوائد [ جزء 2 - صفحة 129 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:14 AM
نعيم بن مسعود


هو نعيم بن مسعود بن عامر يكنى أبا سلمة الأشجعى
وكان صاحب صبوة، وخدين متعةن كان ينشدهما أكثر ما ينشدهما عند يهود يثرب فكان كلما تاقت نفسه لقينة أو هفا بسمعة لوتر شد رحاله من منازل قومة في نجد ويمم وجهه شطر المدينة حيث يبذل المال ليهودها بسخا ليبذلوا له المتعة بسخاء.
ولما أكرم الله الإنسانية بإرسال رسوله (صلى الله عليه وسلم) بدين الحق والهدى كان نعيم بن مسعود مرخيا للنفس عنانها فأعرض عن الدين الجديد إعراضا شديدا خوفا من أن يحول دونه ودون متعه ولذاته.
قصة إسلامه:
خرجت غطفان من نجد بعدتها وعديدها بقيادة عيينة بن حصن الغطفانى وكان في طليعة رجال غطفان نعيم بن مسعود
وفى أرض المعركة تسلل نعيم بن مسعود من معسكر قومة تحت جنح الظلام ومضى يحث الخطى إلى رسول الله فلما رآه الرسول ماثلا أمامه قال: نعيم بن مسعود، قال: نعم قال: ما الذي جاء بك قال: جئت لأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبد الله ورسوله، وأن ما جئت به الحق.
وكان نعيم (رضي الله عنه) يتميز بصفات جليلة قلما تتوفر في رجال غير صحابة رسول الله (صلي الله عليه وسلم) ومن هذه الصفات الفطنة والذكاء، وقد استطاع أن يوقع الخلاف بين الحيين قريظة وغطفان في وقعة الخندق، فخالف بعضهم بعضا، ورحل الأحزاب عن المدينة.
وكانت تربية الرسول صلى الله عليه وسلم سببا في تحويل حياة نعيم بن مسعود من حياة المجون والعبث والخلاعة إلى حياة الجد والعمل لدرجة أن يصبح هو حامل لواء غطفان يوم فتح مكة، ومعروف أنه لا يأخذ الراية إلا من يأخذها بحقها، ويكون على أتم الاستعداد أن يضحى بحياته من أجلها.
من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
عندما أراد أبو سفيان بن حرب أن ينصرف يوم أحد نادى بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي بها فنقتتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب قل نعم إن شاء الله فافترق الناس على ذلك ثم رجعت قريش فخبروا من قبلهم بالموعد وتهيؤوا للخروج فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وقدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة فقال له أبو سفيان إني قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقي ببدر وقد جاء ذلك الوقت وهذا عام جدب وإنما يصلحنا عام خصب غيداق وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج فيجتريء علينا فنجعل لك عشرين فريضة يضمنها لك سهيل بن عمرو على أن تقدم المدينة فتخذل أصحاب محمد قال نعم ففعلوا وحملوه على بعير فأسرع السير فقدم المدينة فأخبرهم بجمع أبي سفيان لهم وما معه من العدة والسلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد فنصر الله المسلمين وأذهب عنهم الرعب واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن رواحة وحمل لواءه علي بن أبي طالب وسار في المسلمين وهم ألف وخمسمائة وكانت الخيل عشرة أفراس وخرجوا ببضائع له.(1)
موقفه المشهود في غزوة الأحزاب:
ومن مواقفه مع الرسول بعد إسلامه كان له موقف مشرف سوف يظل التاريخ يذكره لهذا الصحابي الجليل في غزوة الأحزاب، وكان هذا الموقف أحد أسباب النصر علي قريش وحلفائها فنعيم بن مسعود الغطفاني أتى رسول الله فأسلم. وقال: إن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت يا رسول الله. قال إنما أنت فينا رجل واحد فاخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة
فأتى قريظة - وكان نديما لهم في الجاهلية - فقال لهم: قد عرفتم ودي إياكم. قالوا صدقت. قال: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم فلا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه فقالو: لقد أشرت بالرأي.
ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان ومن معه: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقا أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموه علي. قالو: نفعل. قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد: وأرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين قريش وغطفان رجلا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم. فأرسل إليهم: نعم. فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنا منكم من رجالكم فلا تفعلوا.
ثم خرج فأتى غطفان فقال: يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني. قالو: صدقت ما أنت عندنا بمتهم قال: فاكتموا عني. قالو: نفعل. ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم.
فلما كانت ليلة السبت من شوال وكان من صنع الله لرسوله أنه أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقالو: إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمد. فأرسلوا إليهم أن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا وقد كان بعضنا أحدث فيه حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك.
فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان: والله لقد حدثكم نعمي بن مسعود بحق. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله ما ندفع إليكم رجلا من رجالنا فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.
فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوه. وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهن. فأبوا عليهم. وخذل الله بينهم.(2)

ودعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أصحابه وصفهم صفوفا يوم حنين ووضع الرايات والألوية في أهلها فسمى حامليها وقال وكان في أشجع رايتان واحدة مع نعيم بن مسعود والأخرى مع معقل بن سنان.

وروي نعيم بن مسعود عن رسول الله ( صلي الله عليه وسلم )
قال نعيم بن مسعود قال رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) "لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا كلهم يزعم أنه نبي"(3)
الوفاة:
سكن نعيم بن مسعود المدينة ومات في خلافة عثمان وروى عنه ابنه سلمة ابن نعيم. وقيل: بل قتل ابن مسعود في الجمل الأول قبل قدوم علي مع مجاشع بن مسعود السلمي وحكيم بن جبلة.(4)
المصادر:
1- الطبقات الكبرى [ جزء 2 - صفحة 59 ]
2- تاريخ الإسلام [ جزء 1 - صفحة 241 ]
3- كنز العمال [ جزء 14 - صفحة 221 ]
4- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 476 ]
<

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:15 AM
نعيم النحام


هو نعيم بن عبد الله بن أسيد القرشى العدوى المعروف بالناحم.
وإنما سمي النحام لأن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال دخلت الجنة فسمعت نحمة من نعيم فسمي النحام.(1)
وأسلم نعيم قبل هجرة الحبشة وكان يكتم إسلامه وأقام بمكة وقدم مهاجرا سنة ست ومعه أربعون من أهله فاعتنقه النبي {صلى الله عليه وسلم} وقبله.
وكان نعيم النحام قديم الإسلام يقال: إنه أسلم بعد عشرة أنفس قبل إسلام عمر بن الخطاب وكان يكتم إسلامه.(2)
أهم ملامح شخصيته:
الجود والكرم فقد منعه قومه لشرفه فيهم من الهجرة لأنه كان ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم ويمونهم فقالو: أقم عندنا على أي دين شئت وأقم في ربعك واكفنا ما أنت كاف من أمر أراملنا فوالله لا يتعرض لك أحد إلا ذهبت أنفسنا جميعا دونك.(3)
من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال النبي {صلى الله عليه وسلم} له حين قدم عليه: " قومك يا نعيم كانوا خيرا لك من قومي لي ". قال: بل قومك خير يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قومي أخرجوني وأقرك قومك ".
وكانت زينب بنت قسامة تحت أسامة بن زيد فطلقها أسامة وهو ابن أربع عشرة سنة فجعل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقول من أدله على الوضيئة الغنين ( القليلة الأكل ) وأنا صهره وجعل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ينظر إلى نعيم فقال نعيم كأنك تريدني قال أجل فتزوجها نعيم فولدت له إبراهيم بن نعيم.(4)

وهذا يدل علي شدة حب نعيم لرسول الله ( صلي الله عليه وسلم )، فعندما رأي أن النبي ( صلي الله عليه وسلم ) ينظر إليه وفطن أن الرسول إنما يريده أن يتزوجه، فقام علي الفور وتقدم إليها وتزوجها بعد انقضاء عدتها.
من مواقفه مع الصحابة رضي الله عنهم:
له موقف سوف يظل التاريخ يذكره عندما كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يريد أن يتوجه لقتل النبي (صلي الله عليه وسلم) ولأن عمر في ذلك الوقت لا يزال مشركًا. فأبلغه نعيم بن عبد الله أن أخته فاطمة بنت الخطاب وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كانت قد أسلمت، وأسلم زوجها سعيد بن زيد معها, وهم يستخفون بإسلامهم من عمر, وكان نعيم بن عبد الله النحام رجلا من قومه من بني عدي بن كعب قد اسلم, وكان أيضا يستخفي بإسلامه فرقا من قومه, وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه فذكر له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا، وهم قريب من أربعين من رجال ونساء ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق بن أبي قحافة في رجال من المسلمين ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يخرج فيمن خرج الى أرض الحبشة فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له: أين تريد قال: أريد محمدا هذا الصابىء الذي قد فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فأقتله، فقال له نعيم: والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر اترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم، قال: وأي أهل بيتي؟!! قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة بنت الخطاب فقد أسلما وتابعا محمدًا صلى الله عليه وسلم على دينه فعليك بهما، فرجع عمر عامدا لختنه وأخته.(5)
إنه موقف رائع لنعيم بن عبد الله ؛ فقد صرف عمر عن التوجه لإيذاء رسول الله ( صلي الله عليه وسلم )، وكان هذا التوجه سببا في إسلام عمر( رضي الله عنه) .
الوفاة:
اختلفت الآراء في تحديد مكان وزمان وفاة نعيم بن عبد الله النحام.
قال ابن حجر إن نعيما استشهد بأجنادين في خلافة عمر وقال بعض أهل النسب أنه قتل يوم مؤتة في حياة النبي وكذا قال ابن الكلبي.
وقال ابن سعد إن نعيما قد هاجر أيام الحديبية فشهد مع النبي {صلى الله عليه وسلم } ما بعد ذلك من المشاهد وقتل يوم اليرموك شهيدا في رجب سنة خمس عشرة.(6)
المراجع:
1- الطبقات الكبرى [جزء 4 - صفحة 138]
2- الاستيعاب [جزء 1 - صفحة 476]
3- الاستيعاب [جزء 1 - صفحة 476]
4- الطبقات الكبرى [جزء 5 - صفحة 170]
5- فضائل الصحابة [جزء 1 - صفحة 279]
6- الطبقات الكبرى [جزء 4 - صفحة 138]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:16 AM
معاوية بن حديج

هو معاوية بن حديج بن جفنة بن تجيب أبو نعيم ويقال أبو عبد الرحمن السكونى وقال البخارى خولانى.
أهم ملامح شخصيته:
ظهرت علي معاوية بن حديج (رضي الله عنه) صفات حميدة، وهو جدير (رضي الله عنه) أن يتخلق بها ومنه.
الشجاعة والإقدام فقد شهد فتح مصر وذهبت عينه فى غزوة النوبة مع بن أبى السرح و غزا المغرب مرارا آخرها سنة خمسين.(1)
وغزا معاوية بن حديج السكوني إفريقية سنة أربع و ثلاثين و كان عاملا على مصر فغزاها و نزل جلولاء و قاتل مدد الروم الذي جاءهامن قسطنطينية لقيهم بقصر الأحمر فغلبهم و أقلعوا إلى بلادهم و افتتح جلولاء و غنم و أثخن.(2)
واتصف (رضي الله عنه) بالجرأة فى الحق والوقوف فى وجه الفساد والظلم ومن الأمثلة على ذلك ما حدث مع ابن أخت معاوية عبد الرحمن بن أم الحكم عندما أرسله معاوية ليكون واليا على مصر. فقد ولاه معاوية بن أبي سفيان ( رضي الله عنه ) مصر فلما سار إليها تلقاه معاوية بن حديج على مرحلتين من مصر فقال له ارجع إلى خالك معاوية فلعمرى لا ندعك تدخلها فتسير فيها وفينا سيرتك فى إخواننا أهل الكوفة فرجع ابن أم الحكم إلى معاوية ولحقه معاوية بن حديج وافدا على معاوية فلما دخل عليه وجد عنده أخته أم الحكم وهى أم عبد الرحمن الذى طرده أهل الكوفة وأهل مصر فلما رآه معاوية قال بخ بخ هذا معاوية بن حديج فقالت أم الحكم لا مرحبا به تسمع بالمعيدى خير من أن تراه فقال معاوية بن خديج على رسلك يا أم الحكم أما والله لقد تزوجت فما أكرمت وولدت فما أنجبت أردت أن يلى ابنك الفاسق علينا فيسير فينا كما سار فى إخواننا أهل الكوفة فما كان الله ليريه ذلك ولو فعل ذلك لضربناه ضربا يطأطىء منه رأسه أو قال لضربنا مصاصا منه وإن كره ذلك الجالس فالتفت إليها معاوية(بن أبى سفيان) فقال كفى.(3) فهذا درس يجب علي المسلمين أن يتعلموه، قول الحق ولو كان مر، والأمر بالمعروف.
من مواقفه مع الصحابة:
له موقف مع عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما بعثه عمرو بن العاص يخبر أمير المؤمنين بفتح الإسكندرية.
يقول معاوية بن حديج: بعثني عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب بفتح الإسكندرية فقدمت المدينة في الظهيرة فأنخت راحلتي بباب المسجد ثم دخلت المسجد فبينا أنا قاعد فيه إذ خرجت جارية من منزل عمر بن الخطاب فقالت: من أنت؟ قلت: أنا معاوية بن حديج رسول عمرو بن العاص فانصرفت عني ثم أقبلت تشتد فقالت: قم فأجب أمير المؤمنين: فتبعتها فلما دخلت فإذا بعمر بن الخطاب يتناول رداءه بإحدى يديه ويشد إزاره بالأخرى فقال: ما عندك؟ قلت: خير يا أمير المؤمنين فتح الله الإسكندرية فخرج معي إلى المسجد فقال للمؤذن: أذن في الناس: الصلاة جامعة فاجتمع الناس ثم قال لي: قم فأخبر الناس فقمت فأخبرتهم ثم صلى ودخل منزله واستقبل القبلة فدعا بدعوات ثم جلس فقال: يا جارية هل من طعام؟ فأتت بخبز وزيت فقال: كل فأكلت على حياء ثم قال: كل فإن المسافر يحب الطعام فلو كنت آكلا لأكلت معك فأصبت على حياء ثم قال: يا جارية هل من تمر؟ فأتت بتمر في طبق فقال: كل فأكلت على حياء ثم قال: ماذا قلت يا معاوية حين أتيت المسجد؟ قال: قلت أمير المؤمنين قائل، قال: بئسما ظننت - لئن نمت النهار لأضيعن الرعية ولئن نمت الليل لأضيعن نفسي فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟
وقام معاوية بن حديج (رضي الله عنه) بالتوسط بين عمرو بن العاص ومعاوية
لما صار الأمر في يدي معاوية استكثر طعمة مصر لعمرو بن العاص ما عاش ؛ ورأى عمرو أن الأمر كله قد صلح به وبتدبيره وعنائه وسعيه فيه وظن أن معاوية سيزيده الشام مع مصر فلم يفعل معاوية ؛ فتنكر عمرو لمعاوية فاختلفا وتغالظا وتميز الناس وظنوا أنه لا يجتمع أمرهما فدخل بينهما معاوية بن خديج فأصلح أمرهما وكتب بينهما كتابا وشرط فيه شروطا لمعاوية وعمرو خاصة وللناس عامة وأن لعمرو ولاية مصر سبع سنين وعلى أن على عمرو السمع والطاعة لمعاوية. وتواثقا وتعاهدا على ذلك وأشهدا عليهما به شهودا ؛ ثم مضى عمرو بن العاص على مصر واليا عليها وذلك في آخر سنة تسع وثلاثين فوالله ما مكث بها إلا سنتين أو ثلاثا حتى مات.(4)
بعض الأحاديث التى رواها عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن معاوية بن حديج قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها.(5)
وعن معاوية بن حديج أن النبي {صلى الله عليه وسلم} صلي يوما فسلم وانصرف وقد بقي عليه من الصلاة ركعة فأدركه رجل فقال: نسيت من الصلاة ركعة فرجع فدخل المسجد وأمره بلالا فأقام الصلاة فصلى بالناس ركعة فأخبرت بذلك الناس فقالو: أتعرف الرجل؟ فقلت: لا إلا أن أراه فمر بي فقلت: هو هذا فقالو: هذا طلحة بن عبيد الله.(6)
الوفاة:
لما أخذ معاوية بن أبى سفيان مصر أكرمه (يعنى أكرم معاوية بن حديج) ثم استنابه بها بعد عبد الله بن عمرو بن العاص فانه ناب بها بعد أبيه سنتين ثم عزله معاوية وولى معاوية بن خديج فلم يزل بمصر حتى مات بها سنة اثنين وخمسين.(7)
المراجع:
1- الإصابة ج5 ص161ط.دار الفكر.
2- تاريخ ابن خلدون [ جزء 4 - صفحة 236 ]
3- البداية والنهاية [ جزء 8 - صفحة 82 ]
4- مختصر تاريخ دمشق [ جزء 1 - صفحة 2629 ]
5- مجمع الزوائد [ جزء 5 - صفحة 518 ]
6- كنز العمال [ جزء 8 - صفحة 239 ]
7- البداية والنهاية [ جزء 8 - صفحة 61 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:17 AM
معاوية بن الحكم


هو معاوية بن الحكم بن مالك بن خالد بن صخر بن الشريدالسلمي.
وقد كان لرحمة النبى (صلى الله عليه وسلم) فى تعليم معاوية بن الحكم أثر غير خاف فنراه يأسف أشد الأسف لضربه جارية له بدون جريرة فلا يجد تكفيراَ لفعله إلا عتقها.
من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم
موقف ينم عن عظمة من معلم الناس الخير رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) مع الصحابي الجليل معاوية بن الحكم السلمي، موقف يظهر فيه اللين والحكمة، ومراعاة مشاعرالآخرين، فالرسول ( صلي الله عليه وسلم ) يقدم النصيحة بصورة جميلة وطيبة. يقول رضي الله عنه: بينا أنا أصلي مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم } إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم؟ تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن.
أو كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قلت يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالا يأتون الكهان قال فلا تأتهم قال ومنا رجال يتطيرون قال ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم ( قال ابن المصباح فلا يصدنكم ) قال قلت ومنا رجال يخطون قال كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك قال وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب [ الذئب ] قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي قلت يا رسول الله أفلا أعتقه؟ قال ائتني بها فأتيته بها فقال لها أين الله؟ قالت في السماء قال من أن؟ قالت أنت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة. (1)
من مواقفه مع الصحابة
قدم معاوية بن الحكم السلمي بأخيه خميصة على أبي بكر فقال له أبو بكر لأقتلنك بقبيصة فقال له معاوية إنه قتله وهو مرتد وقد تاب الآن وراجع الإسلام فقال له أبو بكر فأخرج ديته فنعم الرجل كان قبيصة.(2)
من الأحاديث التى رواها عن الرسول صلى الله عليه وسلم

عن معاوية بن الحكم السلمي أنه قدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال يارسول الله إني أريد أن أسألك عن أمر لا أسأل عنه أحدا بعدك من أبونا قال آدم قال من أمنا قال حواء قال من أبو الجن قال إبليس قال فمن أمهم قال امرأته.(3)
عن معاوية بن الحكم السلمي قال قلت يا رسول الله إني رجل أحلف على الشيء ثم أندم عليه فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه. (4)
وعن معاوية بن الحكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأومى بيده إلى ظهره: بعثني الله والساعة ولن يزداد الأمر إلا شدة ولن يزداد الناس إلا شحا ولن تقوم الساعة إلا شرار الناس.(5)
المراجع:
1- صحيح مسلم [ جزء 1 - صفحة 381 ]
2- الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 2 - صفحة 345 ]
3- المعجم الأوسط [ جزء 6 - صفحة 197 ]
4- المعجم الأوسط [ جزء 7 - صفحة 105 ]
5- كنز العمال [ جزء 14 - صفحة 643 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:17 AM
عكاشة بن محصن

النسب والقبيلة

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15117_image002.jpgعكاشة بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي، حليف لبني أمية، يكنى أبا محصن حليف بني عبد شمس[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1). و(عكاشة) بتخفيف الكاف وتشديدها، و(حرثان) بضم الحاء المهملة وسكون الراء وبالثاء المثلثة وبعد الألف نون[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2). وقال ابن سعد: سمعت بعضهم يشدد الكاف في عكاشة، وبعضهم يخففها[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3). أخو أم قيس بنت محصن[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

وأبو محصن من السابقين الأولين، دعا له رسول اللهبالجنة في حديث "سبقك بها عكاشة"، وهو أيضًا بدري أحدي[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5). كان من فضلاء الصحابة، شهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6).

أثر الرسول في تربيته

قال ابن إسحاق: قال رسول اللهفيما بلغني: "منا خير فارس في العرب". قالوا: ومن هو يا رسول الله؟ قال: "عكاشة بن محصن". فقال ضرار بن الأزور: ذاك رجل منا يا رسول الله. قال:"ليس منكم ولكنه منا"[7] (http://vb.g111g.com/#_ftn7).

وقد دعا النبيله، وقوله عنه: "سبقك بها عكاشة".

أهم ملامح شخصيته

الشجاعة والإقدام

من مواقفه في حروب المرتدين أنه لما ولى طليحة هاربًا، تبعه عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم وكان طليحة قد أعطى الله عهدًا: أن لا يسأله أحد النزول إلا فعل، فلما أدبر ناداه عكاشة بن محصن: يا طليحة! فعطف عليه فقتل عكاشة، ثم أدركه ثابت فقتله أيضًا طليحة، ثم لحق المسلمون أصحاب طليحة، فقتلوا وأسروا[8] (http://vb.g111g.com/#_ftn8).

حرصه على الجهاد

من خلال عدم تخلفه عن أيٍّ من المشاهد؛ شهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله.

المسارعة إلى الخيرات وتحين الفرص

كما في الحديث الصحيح، وفي آخره "سبقك بها عكاشة".

القيادة

حيث أمّره الرسولعلى أكثر من سرية، وولاّه بعض ولاياته؛ كسرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر[9] (http://vb.g111g.com/#_ftn9)، وسرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الجناب أرض عذرة وبلي[10] (http://vb.g111g.com/#_ftn10).

عن كثير بن الصلت قال: مات رسول اللهوعماله على بلاد حضرموت زياد بن لبيد البياضي على حضرموت، وعكاشة بن محصن على السكاسك والسكون، والمهاجر على كندة، وكان بالمدينة لم يكن خرج حتى توفي رسول الله، فبعثه أبو بكربعد إلى قتال من باليمن[11] (http://vb.g111g.com/#_ftn11).

الذكاء والفطنة

ويتضح ذلك من هذا الموقف: سرية عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة في رجب على رأس سبعة عشر شهرًا من مهاجر رسول الله، بعثه في اثني عشر رجلاً من المهاجرين، كل اثنين يتعقبان بعيرًا إلى بطن نخلة وهو بستان بن عامر الذي قرب مكة، وأمره أن يرصد بها عير قريش، فوردت عليه[12] (http://vb.g111g.com/#_ftn12)، فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبًا منهم، فأشرف لهم عكاشة بن محصن وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه أمّنوا وقالوا: عمار، لا بأس عليكم منهم.

وتشاور القوم فيهم وذلك في آخر يوم من رجب فقال القوم: والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا أنفسهم عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم. فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وأفلت نوفل بن عبد الله فأعجزهم. وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير وبالأسيرين حتى قدموا على رسول اللهالمدينة[13] (http://vb.g111g.com/#_ftn13).

بعض المواقف من حياته مع الرسول

في البخاري حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ. فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، قُلْتُ: مَا هَذَا أُمَّتِي هَذِهِ؟ قِيلَ: بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ. قِيلَ: انْظُرْ إلى الأُفُقِ، فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ، قِيلَ: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ". ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ، فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا: نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ، فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلاَدُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَبَلَغَ النَّبِيَّفَخَرَجَ فَقَالَ: "هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ". فَقَالَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ: "سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ"[14] (http://vb.g111g.com/#_ftn14).

وفي النسائي: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مَوْلَى أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ قَالَتْ: تُوُفِّيَ ابْنِي فَجَزِعْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لِلَّذِي يَغْسِلُهُ: لاَ تَغْسِلِ ابْنِي بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فَتَقْتُلَهُ. فَانْطَلَقَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ إلى رَسُولِ اللَّهِفَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِهَا: فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ قَالَ: "مَا قَالَتْ طَالَ عُمْرُهَا"، فَلاَ نَعْلَمُ امْرَأَةً عَمِرَتْ مَا عَمِرَتْ[15] (http://vb.g111g.com/#_ftn15).

وانكسر في يده سيف فأعطاه رسول اللهعرجونًا أو عودًا، فعاد في يده سيفًا يومئذ شديد المتن أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح اللهعلى رسوله، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول اللهحتى قتل في الردة وهو عنده، وكان ذلك السيف يسمى العون[16] (http://vb.g111g.com/#_ftn16).

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

ما كان منه في حروب الردة، وحسن بلائه في قتال المرتدين، حتى قُتل شهيدًا.

وفاته

قال ابن حجر: "اتفق أهل المغازي على أن ثابت بن أقرم قتل في عهد أبي بكر الصديققتله طليحة بن خويلد الأسدي، وقال عمر لطليحة بعد أن أسلم: كيف أحبك وقد قتلت الصالحيْنِ عكاشة بن محصن، وثابت بن أقرم؟ فقال طليحة: أكرمهما الله بيدي ولم يهني بأيديهما"[17] (http://vb.g111g.com/#_ftn17).

وعن أم قيس بنت محصن قالت: توفي رسول اللهوعكاشة ابن أربع وأربعين سنة، وقتل بعد ذلك بسنة ببزاخة في خلافة أبي بكر الصديقسنة اثنتي عشرة، وكان عكاشةمن أجمل الرجال[18] (http://vb.g111g.com/#_ftn18).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/1080.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) ابن الأثير: أسد الغابة 1/780.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/1080.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) ابن حبان: الثقات 3/321.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) الذهبي: تاريخ الإسلام 1/374.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6) ابن سعد: الطبقات الكبرى 3/92.

[7] (http://vb.g111g.com/#_ftnref7) ابن كثير: البداية والنهاية 3/290، 291.

[8] (http://vb.g111g.com/#_ftnref8) محمد بن عبد الوهاب: مختصر سيرة الرسول 1/268.

[9] (http://vb.g111g.com/#_ftnref9) ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/84.

[10] (http://vb.g111g.com/#_ftnref10) المصدر السابق 2/164.

[11] (http://vb.g111g.com/#_ftnref11) الطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/300.

[12] (http://vb.g111g.com/#_ftnref12) ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/10.

[13] (http://vb.g111g.com/#_ftnref13) ابن هشام: السيرة النبوية 3/148.

[14] (http://vb.g111g.com/#_ftnref14) البخاري: كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو، حديث رقم (5270).

[15] (http://vb.g111g.com/#_ftnref15) النسائي: كتاب الجنائز، باب غسل الميت بالحميم، حديث رقم (1859).

[16] (http://vb.g111g.com/#_ftnref16) ابن الأثير: أسد الغابة 1/780.

[17] (http://vb.g111g.com/#_ftnref17) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 1/383.

[18] (http://vb.g111g.com/#_ftnref18) ابن عبد البر: الاستيعاب 3/1080.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:19 AM
معاذ بن جبل


اسمه وبيان فضله

هو أبو عبد الرحمن، معاذ بن جبل بن عمرو الأنصاري الخزرجي، إمام الفقهاء، وكنز العلماء، شهد العقبة وبدرًا والمشاهد كلها، وكان من أفضل شباب الأنصار حلمًا وحياءً وسخاءً، وكان جميلاً وسيمًا سمحًا. بعثه رسول اللهقاضيًا إلى الجند من اليمن؛ ليعلِّم الناس القرآن وشرائع الإسلام ويقضي بينهم.

إسلامه

أسلم معاذوهو ابن ثماني عشرة سنة، وخرج إلى اليمن بعد أن غزا مع رسول اللهتبوك وهو ابن ثمانٍ وعشرين سنة.

ومن مناقبه

1- شهادة الرسولله بالصلاح:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، وبئس الرجل حتى عدَّ سبعة".

2- كان من قُرَّاء الصحابة:
عن عبد الله بن عمرو، سمعت النبييقول: "استقرئوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل".

3- وهو أعلم الأمة بالحلال والحرام:
عن أنس بن مالكقال: قال رسول الله: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبيّ بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينًا، وأمين هذة الأمة أبو عبيدة بن الجراح".

قربه من الرسول

لزم معاذ بن جبلالنبيمنذ هجرته إلى المدينة، فأخذ عنه القرآن وتلقى شرائع الإسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم بشرعه، وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله.

عن الصُّنَابحي، عن معاذ بن جبلأنه قال: أخذ رسول اللهيومًا بيدي، فقال لي: "يا معاذ، والله إني لأحبك". فقلت: بأبي أنت وأمي، والله إني لأحبك. قال: "يا معاذ، إني أوصيك، لا تدعَنَّ أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن معاذ بن جبلأراد سفرًا فقال: يا نبي الله، أوصني. قال: "اعبد الله لا تشرك به شيئًا". قال: يا نبي الله، زدني. قال: "إذا أسأت فأحسن". قال: يا رسول الله، زدني. قال: "استقم وليحسن خلقك".

إرساله إلى اليمن

بعث النبيمعاذًا مع رسل ملوك اليمن ليعلِّم الناس دينهم، وأوصاه بأمور عدة؛ فقد سأله النبي: "بما تحكم يا معاذ؟"
قال: بكتاب الله.
قال: "فإن لم تجد؟"
قال: بسنة رسول الله.
قال: "فإن لم تجد؟"
قال: "أجتهد رأيي ولا آلو".
فقال: "الحمد لله الذي وفَّق رسولَ رسولِ الله لما يُرضي رسول الله".

فضله

لقد كان عمر بن الخطابيستشيره كثيرًا، وكان يقول في بعض المواطن التي يستعين فيها برأي مُعاذوفقهه: "لولا معاذ بن جبل لهلك عمر".

ولقد أجاد ابن مسعودوصفه حين قال: "إن معاذًا كان أُمَّةً قانتا للهِ حَنيفًا، ولقد كنّا نُشَبِّه معاذًا بإبراهيم".

حب العلم

كان معاذيرى العلم معرفة وعملاً، فيقول: "تعلموا ما شئتم أن تتعلموا، فلن ينفعكم الله بالعلم حتى تعْمَلوا".

وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارًا دائمًا لعظمته، ومراجعة دائمة لسلوك النفس؛ يقول الأسود بن هلال: "كُنّا نمشي مع مُعاذ، فقال لنا: اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة".

طهارته

مات الرسولومعاذ بن جبلفي اليمن، وفي خلافة أبي بكررَجَع معاذإلى اليمن، وكان عمر بن الخطابقد علِمَ أن معاذًا أثرى، فاقترح على الخليفة أبي بكرأن يشاطره ثروته وماله، ولم ينتظر عمربل نهض مسرعًا إلى معاذوأخبره، وقد كان معاذطاهر الكف والذمّة، ولئن كان قد أثرى فإنه لم يكتسب إثمًا، ومن ثَمَّ فقد رفض عرض عمروناقشه رأيه، وتركه عمر وانصرف.

وفي الغداة سارع معاذإلى عمريلقاه ولا يكاد يراه حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول: "لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حَوْمَة ماء، أخشى على نفسي الغرق، حتى جئت فخلصتني يا عمر". وذهبا معًا إلى أبي بكر، وطلب معاذإليه أن يشاطره ماله، فقال أبو بكر: "لا آخذ منك شيئًا". فنظر عمر إلى معاذ وقال له: "الآن حَلَّ وطاب". فما كان أبو بكر الوَرِع ليترك لمعاذٍ درهمًا واحدًا، لو علم أنه أخذه بغير حق.

أمانته وورعه

كما أرسله عمر بن الخطابإلى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم، ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم، فقام بواجبه خير قيام، وعاد إلى زوجه بحِلْسه[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1) الذي خرج به، فقالت له امرأته: "أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهم؟" فقال معاذ : "لقد كان معي رقيب يقظ يحصي عليَّ". فقالت امرأته: "لقد كنت أمينًا عند رسول اللهوأبي بكر، ثم جاء عمر فبعث معك رقيبًا يحصي عليك". وشاع ذلك عند نساء عمر وشكته لهن، فبلغ عمر، فأرسل إلى معاذوسأله: "أنا أرسلت معك رقيبًا". فقال: "يا أمير المؤمنين، لم أجد ما أعتذر به إلا هذا، وقصدت بالرقيب الله". فأعطاه عمرشيئًا وقال: "أرضها به".

معلمًا ثم واليًا على الشام

وفي خلافة عمرأرسل إليه واليه على الشام يقول: "يا أمير المؤمنين، إن أهل الشام قد كثروا، وملئوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلِّمهم القرآن، ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم". فأرسل إليه عمرمن يعلمهم، وكان أحدهم معاذ بن جبل. فلما مات أمير الشام أبو عبيدة، استخلفه أمير المؤمنين على الشام، ولم يمضِ عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى لقي ربه منيبًا.

نبذة من مواعظه وأقواله

عن أبي إدريس الخولاني أن معاذ بن جبلقال: إن من ورائكم فتنًا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق والصغير والكبير والأحمر والأسود، فيوشك قائل أن يقول: ما لي أقرأ على الناس القرآن فلا يتبعوني عليه؟! فما أظنهم يتبعوني عليه حتى أبتدع لهم غيره. إياكم وإياكم وما ابتُدِع، فإن ما ابتدع ضلالة، وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان يقول: عليَّ في الحكيم كلمة الضلالة. وقد يقول المنافق كلمة الحق فاقبلوا الحق، فإن على الحق نورًا.
قالوا: وما يدرينا -رحمك الله- أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة؟
قال: هي كلمة تنكرونها منه وتقولون ما هذه، فلا يُثنكم؛ فإنه يوشك أن يفيء ويراجع بعض ما تعرفون.

وعن عبد الله بن سلمة قال: قال رجل لمعاذ بن جبل: علمني. قال: وهل أنت مطيعي؟ قال: إني على طاعتك لحريص. قال: صُمْ وأفطر، وصلِّ ونم، واكتسب ولا تأثم، ولا تموتَنَّ إلا وأنت مسلم، وإياك ودعوة المظلوم.

وعن يزيد بن أبي مريم قال: مرَّ عمربمعاذ بن جبلفقال: ما قوام هذه الأمة؟ قال معاذ: ثلاث وهن المنجيات: الإخلاص وهو الفطرة {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]، والصلاة وهي الملة، والطاعة وهي العصمة. فقال عمر: صدقت.

وفاته

عن يزيد بن عميرة أن معاذ بن جبللما حضرته الوفاة قالوا: يا أبا عبد الرحمن، أوصنا. قال: أجلسوني. ثم قال: إن العمل والإيمان مظانّهما مَنِ الْتَمَسَهُما وجدهما، والعلم والإيمان مكانهما من التمسهما وجدهما، فالتمسوا العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديًّا فأسلم؛ فإني سمعت رسول اللهيقول: "إنه عاشر عشرة في الجنة".

مات سنة ثماني عشرة، وهو ابن ثمانٍ وثلاثين سنة في طاعون عَمْواس، وقبرهبقُصَيْر خالد من عمل دمشق.
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) الحلس: كساء يجعل على ظهر البعير تحت رحله.

ريـمـانـاآ
06-08-2010, 03:21 AM
رضي الله عنهم اجمعين
جزيت الجنة اخ سعود

وهذي اضافتي ,,
--

سيرة أبو هريرة رضي الله عنه
كان اسمه في الجاهلية عبد شمس ، ولما أسلم سماه الرسول -صلى الله عليه
وسلم- عبد الرحمن ، ولقد كان عطوفا على الحيوان ، وكانت له هرة ، يرعاها
ويطعمها وينظفها وتلازمه فدعي أبا هريرة -رضي الله عنه-000


نشأته و اسلامه

يتحدث عن نفسه -رضي الله عنه- فيقول : ( نشأت يتيما ، وهاجرت مسكينا ، وكنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني ، كنت أخدمهم اذا نزلوا ، وأحدو لهم اذا ركبوا ، وهأنذا وقد زوجنيها الله ، فالحمد لله الذي جعل الدين قواما ، وجعل أبا هريرة أماما )000قدم الى النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة سبع للهجرة وهو بخيبر وأسلم ، ومنذ رأى الرسول الكريم لم يفارقه لحظة 000وأصبح من العابدين الأوابين ، يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله ، فيقوم هو ثلثه ، وتقوم زوجته ثلثه ، وتقوم ابنته ثلثه ، وهكذا لا تمر من الليل ساعة الا وفي بيت أبي هريرة عبادة وذكر وصلاة 000


إسلام أم أبي هريرة

لم يكن لأبي هريرة بعد اسلامه الا مشكلة واحدة وهي أمه التي لم تسلم ، وكانت دوما تؤذيه بذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالسوء ، فذهب يوما الى الرسول باكيا : ( يا رسول الله ، كنت أدعو أم أبي هريرة الى الاسلام فتأبى علي ، واني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره ، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة الى الاسلام )000فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( اللهم اهد أم أبي هريرة)000

فخرج يعدو يبشرها بدعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلما أتاها سمع من وراء الباب خصخصة الماء ، ونادته : ( يا أبا هريرة مكانك )000ثم لبست درعها، وعجلت من خمارها وخرجت تقول: ( أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله )000فجاء أبوهريرة الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- باكيا من الفرح وقال : ( أبشر يا رسول الله ، فقد أجاب الله دعوتك ، قد هدى الله أم أبي هريرة الى الاسلام)000 ثم قال : ( يا رسول الله ، ادع الله أن يحببني وأمي الى المؤمنين والمؤمنات )000فقال : ( اللهم حبب عبيدك هذا وأمه الى كل مؤمن ومؤمنة)000



سرعة الحفظ و قوة الذاكرة

ان أبطال الحروب من الصحابة كثيرون ، والفقهاء والدعاة والمعلمون كثيرون ، ولكن كان هناك قلة من الكتاب ، ولم يكونوا متفرغين لتدوين كل ما يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وعندما أسلم أبو هريرة لم يملك أرض يزرعها أو تجارة يتبعها ، وانما يملك موهبة تكمن في ذاكرته ، فهو سريع الحفظ قوي الذاكرة ، فعزم على تعويض مافاته بان يأخذ على عاتقه حفظ هذا التراث وينقله الى الأجيال القادمة000 فهو يقول : ( انكم لتقولون أكثر أبو هريرة في حديثه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وتقولون ان المهاجرين الذين سبقوه الى الاسلام لا يحدثون هذه الأحاديث ، ألا ان أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم صفقاتهم بالسوق ، وان أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم ، واني كنت امرءا مسكينا ، أكثر مجالسة رسول الله ، فأحضر اذا غابوا ، وأحفظ اذا نسوا ، وان الرسول -صلى الله عليه وسلم- حدثنا يوما فقال : ( من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي ثم يقبضه اليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني )000 فبسطت ثوبي فحدثني ثم ضممته الي فوالله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه ، وأيم الله لولا أية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا ، هي : "000

ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب ، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون "000

مقدرته على الحفظ

أراد مروان بن الحكم يوما أن يختبر مقدرة أبي هريرة على الحفظ ، فدعاه اليه ليحدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأجلس كاتبا له وراء حجاب ليكتب كل ما يسمع من أبي هريرة ، وبعد مرور عام ، دعاه ثانية ، وأخذ يستقرئه نفس الأحاديث التي كتبت ، فما نسي أبو هريرة منها شيئا000 وكان -رضي الله عنه- يقول : ( ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عنه مني الا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص ، فانه كان يكتب ولا أكتب )000وقال عنه الامام الشافعي : ( أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره )000وقال البخاري : ( روى عن أبي هريرة نحو ثمانمائة أو أكثر من الصحابة والتابعين وأهل العلم )000


وفاته

وعندما كان يعوده المسلمين داعيين له بالشفاء ، كان أبو هريرة شديد الشوق الى لقاء الله ويقول : ( اللهم اني أحب لقاءك ، فأحب لقائي )000وعن ثماني وسبعين سنة مات في العام التاسع والخمسين للهجرة ، وتبوأ جثمانه الكريم مكانا مباركا بين ساكني البقيع الأبرار ، وعاد مشيعوه من جنازته وألسنتهم ترتل الكثير من الأحاديث التي حفظها لهم عن رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم 000

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:22 AM
مصعب بن عمير

شابٌ من أكثر شباب قريشٍ رقة ووداعة وثراءً، نشأ منعمًا في ظل والديه، في بيت يزخر بالفاخر من الثياب، والنادر من العطور، زينة فتيان قريش، ودرة مجالسه، تنقلب حياته فجأة، فإذا به يرضى بشظف العيش، ويلبس الجلد الخشن من الثياب!! فما الذي غيره وحوله هذا التحول العظيم؟ بهذا الرضا التام؟؟
إنه الإسلام، ذلك الدين الذي ما إن لامس قلب الشاب الغض اليافع، حتى وجد لديه قبولاً سريعً، ذلك أنه ـ منذ صغره ـ لم يحمل للإسلام ذرة كراهية، وما نشأ ناقمًا عليه، بل على العكس، سعى إليه في يسر، واستمع إلى رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وسرعان ما أعلن نفسه واحدًا من بين المسلمين.
إنه مصعب الخير ( كما سماه رسول الله ) أو ( مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف ) كما تثبته كتب التاريخ، قال عنه رسول الله، فيما رواه عرم رضيالله عنه، قال ك نظر النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى مصعب بن عمير، وعليه إهاب ـ جلد ـ من كبش، قد تمنطق به، فقال: (( انظروا إلى هذاالذي قد نور الله قلبه، لقد رأيته بين أبويه يغذيانه بأطايب الطعام والشراب، ولقد رأيت عليه حلة شراها أو شريت له بمائتي درهم، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون ))..
موقف أمه من إسلامه:
كان رضي الله عنه وحيد أمه المدلل، فحرص على إخفاء إسلامه عنه، حتى لا يضايقه، لما يعلم من حبها إياه، ولكن الرياح أتت له بما لا يشتهي، إذ سرعان ما عرف بأمر إسلامه أحد المشركين، وأخبر أمه التي سارعت بحبسه في منزله، حتى يرجع عن دينه، ولكنه استطاع أن يهرب من الحبس، و يفر بدينه مع غيره من المسلمين إلى الحبشة:
عن ليلى بنت أبي حثمة قالت لما اجتمعوا على الخروج ـ أي إلى الحبشة ـ جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن مصعب بن عمير قد حبسته أمه وهو يريد الخروج الليلة فإذا رقدوا قال عامر بن ربيعة فنحن ننتظره ولا نغلق بابا دونه فلما هدأت الرجل جاءنا مصعب بن عمير فبات عندنا وظل يومه حتى إذا كان الليل خرج متسللا ووعدناه فلحقه فيه وأدركناه فاصطحبناه قال وهم يمشون على أقدامهم وأنا على بعير لنا وكان مصعب بن عمير رقيق البشر ليس بصاحب رجله ولقد رأيت رجليه يقطران دما من الرقة فرأيت عامر خلع حذاءه فأعطاها حتى انتهينا إلى السفينة فنجد سفينة قد حملت ذرة وفرغت ما فيها جاءت من مور فتكارينا إلى مور ثم تكارينا من مور إلى الحبشة ولقد كنت أرى عامر بن ربيعة يرق على مصعب بن عمير رقة ما يرقها على ولده وما معه دينار ولا درهم وكان معنا خمسة عشر دينار.
هاجر الهجرتين:
وهاجر ـ رضي الله عنه ـ هجرة الحبشة الثانية، وما إن عاد إلى مكـة حتى كان رسول الله صلى الله عليه يعده لمهمة هامة وجليلة، وهي أن يكون رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى معقل الإسلام الأول: إلى المدينة المنورة:عن عروة قال فلما حضر الموسم حج نفر من الأنصار من بني مالك بن النجار منهم معاذ بن عفراء وأسعد بن زرارة ومن بني زريق و رافع بن مالك وذكوان بن عبد قيس ومن بني عبد الأشهل أبو الهيثم بن التيهان ومن بني عمرو بن عوف عويم بن ساعدة فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهم خبره الذي اصطفاه الله من نبوته وكرامته وقرأ عليهم القرآن فلما سمعوا قوله أنصتوا واطمأنت أنفسهم إلى دعوته وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب من ذكرهم إياه بصفته وما يدعوهم إليه فصدقوه وآمنوا به وكانوا من أسباب الخير ثم قالوا له قد علمت الذي بين الأوس والخزرج من الدماء ونحن نحب ما أرشد الله به أمرك ونحن لله ولك مجتهدون وإنا نشير عليك بما ترى فامكث على اسم الله حتى نرجع إلى قومنا فنخبرهم بشأنك وندعوهم إلى الله ورسوله فلعل الله يصلح بيننا ويجمع أمرنا فإنا اليوم متباعدون متباغضون وإن تقدم علينا اليوم ولم نصطلح لم يكن لنا جماعة عليك ولكن نواعدك الموسم من العام المقبل فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قالوا فرجعوا إلى قومهم فدعوهم سرا وأخبروهم برسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعثه الله به ودعا إليه بالقرآن حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا رجلا من قبلك فيدعو الناس بكتاب الله فإنه أدنى أن يتبع فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار فنزل في بني غنم على أسعد بن زرارة فجعل يدعو الناس سرا ويفشو الإسلام ويكثر أهله وهم في ذلك مستخفون بدعائهم ثم إن أسعد بن زرارة أقبل هو ومصعب بن عمير حتى أتيا بئر مرى أو قريبا منها فجلسنا هنالك وبعثنا إلى رهط من أهل الأرض فأتوهم مستخفين فبينما مصعب بن عمير يحدثهم ويقص عليهم القرآن أخبر بهم سعد بن معاذ فأتاهم في لأمته معه الرمح حتى وقف عليهم فقال علام يأتينا في دورنا بهذا الوحيد الفريد الطريح الغريب يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم إليه لا أراكم بعدها بشيء من جوارنا فرجعوا ثم إنهم عادوا الثانية ببئر مرى أو قريبا منها فأخبر بهم سعد بن معاذ الثانية فواعدهم بوعيد دون الوعيد الأول فلما رأى أسعد منه لينا قال يا بن خالة اسمع من قوله فإن سمعت منكرا فاردده يا هذا منه وإن سمعت خيرا فأجب إليه فقال ماذا يقول فقرأ عليهم مصعب بن عمير ] حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون [ فقال سعد بن معاذ ما أسمع إلا ما أعرف فرجع وقد هداه الله ولم يظهر لهم الإسلام حتى رجع إلى قومه فدعا بني عبد الأشهل إلى الإسلام وأظهر إسلامه وقال من شك فيه من صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى فليأتنا بأهدى منه نأخذ به فوالله لقد جاء أمر لتحزن فيه الرقاب فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد ودعائه إلا من لا يذكر فكانت أول دور من دور الأنصار أسلمت بأسرها ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير واشتدوا على أسعد بن زرارة فانتقل مصعب بن عمير إلى سعد بن معاذ فلم يزل عنده يدعو ويهدي الله على يديه حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة وأسلم أشرافهم وأسلم عمرو بن الجموح وكسرت أصنامهم فكان المسلمون أعز أهلها وصلح أمرهم ورجع مصعب بن عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فذات يوم كان مصعب جالساً ومعه سعد بن زرارة وهو يعظ الناس ففوجئ بقدوم " أسيد بن حضير " سيد بنى عبد الأشهل بالمدينة وهو يكاد ينفجر من فرط الغضب على ذلك الرجل الذى جاء من مكة ليفتن قومه عن دينهم، فوقف مصعب أمام أسيد وقد كان ثائر، ولكن مصعب انفجرت أساريره عن ابتسامه وضاءة وخاطب أسيد قائل: أو لا تجلس فتستمع؟ فان رضيت أمرنا قبلته وان كرهته كففنا عنك ما تكره. قال أسيد أنصفت.. وركز حربته وجلس يصغى وأخذت أسارير وجهه تنفرج كلما مضى مصعب فى تلاوة القرآن وفى شرح الدعوة للاسلام ولم يكد يفرغ من كلامه حتى وقف أسيد يتلو الشهادتين

سرى النبأ فى المدينة كالبرق فجاء سعد بن معاذ و تلاه سعد بن عباده وتلاهم عدد من أشراف الأوس و الخزرج. وارتجت أرجاء المدينة من فرط التكبير. وفى موسم الحج التالى لبيعة العقبة قدم من يثرب سبعون مسلما من بينهم امرأتان، وكان ذلك فاتحة مباركة لهجرة الرسول إلى المدينة.
وعاد مصعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحمل له البشرى في مكـة، وبلغ أمه أنه قد قدم فأرسلت إليه يا عاق أتقدم بلدا أنا فيه لا تبدأ بي فقال ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما أخبره ذهب إلى أمه فقالت إنك لعلي ما أنت عليه من الصبأة بعد قال أنا على دين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام الذي رضي الله لنفسه ولرسوله قالت ما شكرت ما رثيتك مرة بأرض الحبشة ومرة بيثرب فقال أقر بديني إن تفتنوني فأرادت حبسه فقال لئن أنت حبستني لأحرصن على قتل من يتعرض لي قالت فاذهب لشأنك وجعلت تبكي فقال مصعب يا أمة إني لك ناصح عليك شفيق فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله قالت والثواقب لا أدخل في دينك فيزري برأيي ويضعف عقلي ولكني أدعك وما أنت عليه وأقيم على ديني.
وهكـذا أتيح له هو الوحيد أن يسلم على يده هذا العدد من الأنصار، حتى كادت المدينة كلها تدين بإسلامها لمصعب رضي الله عنه
وكان رضي الله عنه أول من جمع الناس للجمعة بالمدينة:
عن الزهري قال ابعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير بن هاشم إلى أهل المدينة ليقرئهم القرآن فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بهم فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يومئذ بأمير ولكنه انطلق يعلم أهل المدينة قال معمر فكان الزهري يقول حيث ما كان امير فإنه يعظ أصحابه يوم الجمعة ويصلي بهم ركعتين
شهد بدرً ، واختاره الله للشهادة في سبيله يوم أحد:

حمل مصعب لواء المسلمين في أحد، في الطبقات لابن سعد عن اهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري عن أبيه قال حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فلما جال المسلمون ثبت به مصعب فأقبل بن قميئة وهو فارس فضرب يده اليمنى فقطعها ومصعب يقول وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه فضرب يده اليسرى فقطعها فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندق الرمح ووقع مصعب وسقط اللواء وسقط شهيدًا رضي الله عنه وأرضاه.
عن سعد بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أتى بطعام وكان صائما فقال قتل مصعب بن عمير وهو خير مني كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه وأراه قال وقتل حمزة وهو خير مني ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط أو قال أعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام
قتل يوم أحد على رأس اثنين وثلاثين شهرا من الهجرة وهو بن أربعين سنة أو يزيد شيئا..

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:24 AM
مسطح بن أثاثة

هو مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي. يكنى أبا عباد. وقيل: أبا عبد الله، خاله أبو بكر الصديق.
وخاض في الإفك على عائشة رضي الله عنها فجلده رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فيمن جلد في ذلك.(1)
من مواقفه مع الصحابة:
بعث أبو بكر إلى مسطح بن أثاثة فقال: أخبرني عنك وأنت ابن خالتي ما حملك على ما قلت في عائشة؟ أما حسان فرجل من الأنصار ليس من قومي وأما حمنة فامرأة ضعيفة لا عقل لها وأما عبد الله بن أبي فمنافق وأنت في عيالي منذ مات أبوك وأنت ابن أربع حجج وأنا أنفق عليك وأكسوك حتى بلغت ما قطعت عنك نفقة إلى يومي هذا والله إنك لرجل لا وصلتك بدراهم أبدا ولا عطفت عليك بخير أبدا ثم طرده أبو بكر وأخرجه من منزله فنزل القرآن: { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة } الآية فلما قال: { ألا تحبون أن يغفر الله لكم } بكى أبو بكر فقال: أما قد نزل القرآن [ بأمري ] فيك لأضاعفن لك النفقة وقد غفرت لك فإن الله أمرني أن أغفر لك.(2)
وأما عن هجرته (رضي الله عنه): فقد خرج عبيدة والطفيل والحصين بنو الحارث بن المطلب ومسطح بن أثاثة بن المطلب من مكة للهجرة فاتعدوا بطن ناجح فتخلف مسطح لأنه لدغ فلما أصبحوا جاءهم الخبر فانطلقوا إليه فوجدوه بالحصاص فحملوه فقدموا به المدينة. (3)
الوفاة:
مات مسطح سنة أربع وثلاثين في خلافة عثمان ويقال عاش إلى خلافة علي وشهد معه صفين ومات في تلك السنة سنة سبع وثلاثين.(4)
وقال ابن حبان توفى سنة أربع وثلاثين وهو بن ست وخمسين سنة.
كلمة ربانية من الإمام الذهبي ( رحمه الله):
إياك يا جري أن تنظر إلى هذا البدري شزراً لهفوة بدت منه فإنها قد غفرت وهو من أهل الجنة وإياك يا رافضي أن تلوح بقذف أم المؤمنين بعد نزول النص في براءتها فتجب لك النار.
المراجع:
1- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 463 ]
2- مجمع الزوائد [ جزء 9 - صفحة 379 ]
3- الطبقات الكبرى [ جزء 3 - صفحة 51 ]
4- الإصابة في تمييز الصحابة [ جزء 6 - صفحة 93 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:25 AM
مجزأة بن ثور


هو مجزأة بن ثور بن كعب بن سدوس السدوسي
بعض المواقف من حياته مع الصحابة: أصدر الخليفة عمر بن الخطاب أمره إلى جيش المسلمين بقيادة أبي موسى الأشعري، بالتوجه إلى الأهواز لتتبع الهرمزان والقضاء عليه، وتحرير مدينة (تُسْتر) الفارسية. وقد جاء في الأمر الذي وجهه الخليفة لأبي موسى الأشعري أن يصحب معه الفارس الباسل مجزأة بن ثور السدوسي. صدع أبو موسى بالأمر، فجهز جيشه، وانطلق إلى مدينة تستر، التي انحاز إليها الهرمزان، حيث كانت هذه المدينة أكثر مدن فارس جمالاً، وأبهاها طبيعة، وأقواها تحصُّن.
عسكرت جيوش المسلمين حول خندق تستر، وظلت ثمانية عشر شهراً لا تستطيع اجتيازه، وخاضت مع جيوش الفرس خلال تلك المدة ثمانين معركة.
وقد أظهر مجزأة بن ثور في هذه الحروب شجاعة نادرة، أذهلت العقول، قد تمكَّن من قتل مائة فارس مبارزة، فأصبح اسمه يثير الرعب في نفوس الفرس، ويبعث النخوة والعزة في صدور المسلمين.
ثم انتقل المسلمون بعد هذا الصبر الطويل من حال سيئة إلى أخرى أشد سوءاً ؛ فقد أخذ الفرس يمطرونهم من أعالي الأبراج بسهامهم الصائبة، وجعلوا يدلُّون من فوق الأسوار سلاسل من الحديد، في نهاية كل سلسلة كلاليب متوهجة من شدة ما حميت بالنار، فإذا أراد أحد جنود المسلمين تسلق السور أو الاقتراب منه أنشبوها فيه، فيحترق جسده ويتساقط لحمه وبينما كان أبو موسى الأشعري يتأمل سور تستر العظيم يائساً من اقتحامه، سقط أمامه سهم، قُذف نحوه من فوق السور، فنظر فيه فإذا فيه رسالة تقول: " لقد وثقت بكم معشر المسلمين، وإني أستأمنكم على نفسي ومالي، ولكم عليَّ أن أدلَّكم على منفذ تنفذون منه إلى المدينة.
فكتب أبو موسى أماناً لصاحب السهم وقذفه إليه، تسلل صاحب السهم إلى المسلمين في الليل، وقال لأبي موسى:
" لقد آثرتُ عدلكم على ظلم الهرمزان ـ فقد عدا علينا وقتل ونهب، وعزمت أن أساعدكم في الوصول إلى داخل المدينة، فأعطني إنساناً قوياً عاقل، يتقن السباحة حتى أرشده إلى الطريق ".
ـ فقال مجزاة: " اجعلني ذلك الرجل أيها الأمير ". فقبل أبو موسى.
* مضى مجزأة بن ثور تحت جنح الظلام مع ذلك الرجل الفارسي، فأدخله في نفق تحت الأرض يصل بين النهر والمدينة.
عاد مجزأة بن ثور بعد أن تعرف على الطريق، وكان أبو موسى قد أعدَّ ثلاثمائة فارس من أشجع جنود المسلمين، وأقدرهم على السباحة، وجعل التكبير علامة على دعوة جند المسلمين لاقتحام المدينة، ومضى بهم تحت جنح الظلام.
* ظل مجزأة بن ثور وجنده البواسل وقتاً طويلاً يصارعون عقبات الطريق... ولما بلغوا المنفذ المؤدي إلى المدينة، وجد مجزأة أن الطريق لم يُبق له من أصحابه سوى ثمانين رجل... وما إن وصلوا أرض المدينة حتى جردوا سيوفهم، وانقضوا على حماة الحصن فأغمدوها في صدورهم، ثم فتحموا الأبواب وهم يكبرون، وتدفق المسلمون على المدينة عند الفجر، ودارت بينهم وبين أعداء الله معركة حامية الوطيس، قلما شهد تاريخ الحروب مثله.
وفيما كانت المعركة قائمة أبصر مجزأة بن ثور الهرمزان في ساحتها فقصده ؛ وتبارزا مجزأة والهرمزان بسيفهم، فضرب كل منهما صاحبه ضربة قاضية، فارتد سيف مجزأة وأصاب سيف الهرمزان، فخرَّ البطل الباسل صريعاً على أرض المعركة وعينه قريرة بما حقق الله على يديه...
وواصل جند المسلمين القتال حتى كتب الله لهم النصر، ووقع الهرمزان أسير، وانطلق المسلمون إلى المدينة يحملون بشائر النصر للفاروق عمر، ويعزونه باستشهاد الصحابي الفارس مجزأة بن ثور السدوسي...
وفاته: كانت وفاة مجزأة في معركة تستر سنة 20 هـ

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:26 AM
ماعز بن مالك الأسلمي

هو عريب بن مالكٍ وماعز لقب له، وهو من قبيلة أسلم.

أهم ملامح شخصيته:
إحساسه العميق بالندم على المعصية وطلب التوبة الصادقة حتى لو كانت نهايته ويظهر ذلك في موقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم..
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:ـ يروي يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب: أن رجلاً من أسلم جاء إلي أبي بكر الصديق فقال: إن الآخر زنى! فقال له أبو بكر هل ذكرت هذا لأحدٍ غيري؟ فقال: لا. فقال له أبو بكر فتب إلي الله واستتر بستر الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده، فلم تقرره نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب فقال له مثل ما قال لأبي بكر. فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر. قال: فلم تقرره نفسه حتى جاء إلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن الآخر زنى: فقال سعيدٌ: فأعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مراتٍ، كل ذلك يعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كثر عليه بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلي أهله، فقال: "أيشتكي أم به جنة"؟ فقالوا: يا رسول الله إنه لصحيحٌ! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أبكرٌ أم ثيبٌ"؟ فقالوا: بل ثيبٌ يا رسول الله. فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجم.
ـ ولما صلوا على ماعز بن مالك ودفنوه.. مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على موضعه مع بعض أصحابه.. فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين يقول احدهم لصاحبه: أنظر; إلى هذا الذي ستر الله عليه ولم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلاب.. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم سار ساعة.. حتى مر بجيفة حمار.. قد أحرقته الشمس حتى إنتفخ وارتفعت رجلاه.. فقال صلى الله عليه وسلم: أين فلان وفلان؟ قالا: نحن ذان.. يا رسول الله.. قال: أنزل.. فكلا من جيفة هذا الحمار قال: يا نبي الله!! غفر الله لك.. من يأكل من هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما نلتما من عرض أخيكما آنف.. أشد من أكل الميتة.. لقد تاب توبة لو قسمت على أمة لوسِعتهم والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها.
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
روى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن نعيم بن هزال: أن هزالا كانت له جارية ترعى له وأن ماعزا وقع عليها فخدعه هزال وقال: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فعسى أن ينزل قرآن فأتاه فأخبره فأمر به فرجم وقال النبي صلى الله عليه وسلم لهزال: يا هزال لو سترته بثوبك لكان خيرا لك..
بعض ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم
روى عنه ابنه عبد الله حديثاً واحداً فيقول:عبد الله بن ماعز أن ماعزا حدثه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فكتب له كتابا أن ماعزا البكائي أسلم آخر قومه وأنه لا يجني عليه إلا يده فبايعه على ذلك.
الوفاة:
وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم ضرب ماعز فطول الأوليين من الظهر حتى كاد الناس يعجزون عنها من طول القيام فلما انصرف أمر أن يرجم فرجم فلم يقتل حتى رماه عمر بن الخطاب بلحي بعير فأصاب رأسه فقتله فقال رجل حين فاظ لماعز: تعست! فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! نصلي عليه؟ قال: نعم فلما كان الغد صلى الظهر فطول الركعتين الأوليين كما طولها بالأمس أو أدنى شيئاً فلما انصرف قال: صلوا على صاحبكم فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم والناس.
ويروي أبو سعيد: أن رجلاً من أسلم يقال له: ماعز بن مالكٍ أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أصبت فاحشةً فأقمه علي! فرده النبي -صلى الله عليه وسلم- مراراً، ثم سأل قومه فقالوا: ما نعلم به بأساً إلا أنه أصاب شيئاً يرى أنه لا يخرج منه إلا أن يقام فيه الحد. قال: فرجع إلي النبي -صلى الله عليه وسلم- فأمرنا أن نرجمه. قال: فانطلقنا به إلي بقيع الغرقد، قال: فما أوثقناه ولا حفرنا له، قال: فرميناه بالعظام والمدر والخزف، قال: فاشتد، واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة، فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة -يعنى الحجارة- حتى سكت! ثم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطيباً من العشي فقال: "أو كلما انطلقنا غزاةً في سبيل الله تخلف رجلٌ في عيالنا له نبيبٌ كنبيب التيس؟ علي أن لا أوتي برجلٍ فعل ذلك إلا نكلت به" قال: فما استغفر له ولا سبه.
ما قيل في توبته:
يروى عن بريدة قال: لما رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعز بن مالك كان الناس فيه فرقتين: قائل يقول: لقد هلك على أسوء حالة، لقد أحاطت به خطيئته وقائل يقول: أتوبة أفضل من توبة ماعز بن مالك! إنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده وقال: اقتلني بالحجارة فلبثوا كذلك يومين أو ثلاثاً ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جلوس فسلم ثم جلس فقال: استغفروا لماعز بن مالك، فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم. وعن ابن جرير عن بريدة قال: لما رجم ماعز قال ناس من الناس: هذا ماعز أهلك نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد تاب إلى الله توبة لو تابها فئة من الناس لقبل منهم.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:28 AM
كعب بن مالك

اسمه وفضله

هو كعب بن مالك بن أبي كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة، أبو عبد الله الأنصاري السلمي، ويقال: أبو بشير، ويقال: أبو عبد الرحمن. شهد العقبة وبايع بها، وتخلف عن بدر، وشهد أحدًا وما بعدها، وتخلف في تبوك، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم.

ولما قدم على رسول اللهالمدينة آخى النبيبينه وبين طلحة بن عبيد اللهحين آخى بين المهاجرين والأنصار. وكان أحد شعراء رسول اللهالذين كانوا يردون الأذى عنه، وكان مجودًا مطبوعًا، قد غلب عليه في الجاهلية أمر الشعر وعُرف به. ولبس يوم أُحد لأْمَة رسول اللهوكانت صفراء، ولبس رسول اللهلأمته، وجرح كعب أحد عشر جرحًا.

من ملامح شخصيته

من ملامح شخصيته صدقه وشجاعته في قول الحق والثبات عليه؛ فقد كانت شجاعة كعب في قوله الحق وصدقه عاملاً أساسيًّا في قبول توبته، مهما أفضت هذه الشجاعة إلى نتائج في بادئ الأمر، غير أنه أصرَّ على أن يقول للرسولالحق، ولم يحاول أن يختلق أعذارًا كغيره من المتخلفين، ولما قَبِل الله توبته عاهد الله ألاَّ يحدِّث إلا صدقًا.

بعض المواقف من حياته مع الرسول

موقفه في غزوة أُحد؛ ففي غزوة أحد ولما أشيع مقتل النبيلم يعرفه إلا كعب بن مالك، فكان أول من عرف رسول الله، قال: فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين، أبشروا، هذا رسول الله حيٌّ لم يقتل. فأشار إليهأن اسكت.

وكان كعب بن مالك الأشجعيمن الذين خُلِّفوا عن غزوة تبوك وتاب الله عليه بصدقه، وقوله الحق لرسول الله، خلافًا للرجال الذين لم يشهدوا غزوة تبوك، وتعذروا بأعذار كاذبة؛ فقد أصر كعبعلى أن يقول الحق لرسول اللهمهما كانت النتائج؛ لأنه قد قعد عن الجهاد بغير عذر، وكان رسول اللهنهى الصحابة عن محادثة هؤلاء الثلاثة (والآخران هما: مرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي رضي الله عنهما)، وتحمَّل كعبذلك بكل صبرٍ وثبات، حتى إن ملك غسان النصراني أرسل إليه برسالة يقول فيها: بلغنا أن صاحبك قد جفاك، فالحَقْ بنا نُواسِكْ. ولم تثنه هذه الرسالة عن ترك المدينة بل قام بحرقها، وقال: هذا أيضًا من البلاء.

وظل كعب وصاحباه -رضي الله عنهم- على هذه الحال من الضيق والغم طوال خمسين ليلة، حتى ظنوا أن الأرض قد ضاقت عليهم، ولكن الله العليم الرحيم أنزل على نبيهأنه قد تاب عليهم {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118].

مواقف من حياته مع الصحابة

موقف سيدنا طلحة بن عبيد اللهمعه لما تاب الله على كعب، وذهب إلى المسجد وذهب الناس يهنئونه بالتوبة، فقام إليه طلحة بن عبيد الله مصافحًا ومهنئًا، ولم يقم له من المهاجرين غير طلحة، فكان كعبلا ينساها لطلحة أبدًا.

بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى

يحدث الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن كعبأنه تقاضى[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1) ابن أبي حدرد دينًا كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سجف[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2) حجرته، فنادى: "يا كعب". قال: لبيك يا رسول الله. قال: "ضع من دينك هذا" وأومأ إليه أي الشطر[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3). قال: لقد فعلت يا رسول الله. قال: "قم فاقضه".

وعن ابن شهاب قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، أن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالكيقول: قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله. قال: "أمسك عليك بعض مالك؛ فهو خير لك". قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر.

وعن سفيان، عن سعد، عن عبد الله بن كعب، عن أبيه، عن النبيقال: "مثل المؤمن كالخامة[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4) من الزرع تفيئها الريح مرة وتعدلها مرة، ومثل المنافق كالأرزة لا تزال حتى يكون انجعافها[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5) مرة واحدة".

من كلماته

قال كعب بن مالك:
يا هاشمًا إن الإلـه حبـاكـم *** ما ليس يبلغه اللسـانُ المِقْصَـلُ
قوم لأصلهم السـيادة كلـها *** قدمًا وفرعـهم النبـي المُرسَـلُ
بيض الوجوه ترى بطون أكفهم *** تَنْدَى إذا اعتَذَرَ الزمـانُ المُمْحِلُ

الوفاة

قال ابن عبد البر: تُوُفِّي كعب بن مالكفي زمن معاويةسنة خمسين. وقيل: سنة ثلاث وخمسين، وهو ابن سبعٍ وسبعين، وكان قد عمي وذهب بصره في آخر عمره.
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) تقاضى: طلب بالوفاء.
[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) السَّجْفُ، ويُكسر: السِّتْرُ.
[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) الشطر: أي النصف.
[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) كالخامة: أي الغض الرطب من النبات أول ما ينبت.
[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) انجعافها: انقلاعها.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:29 AM
قثم بن العباس بن عبد المطلب

هو قُثَم بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وأمه أم الفضل وهي لبابة الكبرى بنت الحارث الهلالية وكان قُثَم يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويقال: إن الذين كانوا يشبهون برسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب والحسن بن علي بن أبي طالب وقثم بن العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب والسائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف.
أم الفضل لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية وكانت أول امرأة أسلمت بمكة بعد خديجة رضي الله عنهم....
أهم ملامح شخصيته:
حسن الإدارة:
ولي إمارة مكة ويُعد الأمير السابع عشر لمكة من بداية الفتح وذلك بعد أبي قتادة الأنصاري الذي وليها سنة 36 هـ موقع: هنا مكة
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
روى ابن ماجة في سننه بسنده عن قابوس قال قالت أم الفضل يا رسول الله رأيت كأن في بيتي عضوا من أعضائك قال خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما فترضعيه فولدت حسينا أو حسنا فأرضعته بلبن قثم قالت فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره فبال فضربت كتفه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أوجعت ابني رحمك الله.....
في البخاري... حدثنا أيوب ذكر شر الثلاثة عند عكرمة فقال قال ابن عباس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حمل قثم بين يديه والفضل خلفه أو قثم خلفه والفضل بين يديه فأيهم شر أو أيهم خير..
شرح الحديث:
قَوْله: ( أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَة مِنْ أَتَى وَرَسُول اللَّه بِالرَّفْعِ أَيْ جَاءَ ، وَقَدْ حَمَلَ قُثَم بَيْن يَدَيْهِ وَالْفَضْل خَلْفه وَهُمَا وَلَدَا الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب وَأَخَوَا عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس رَاوِي الْحَدِيث. قَوْله: ( أَوْ قُثَم خَلْفه ) شَكّ مِنْ الرَّاوِي ، وَقُثَم بِقَافٍ وَمُثَلَّثَة وَزْن عُمَر ، لَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيّ رِوَايَة ، وَهُوَ صَحَابِيّ ، وَذَكَرَهُ الْحَافِظ عَبْد الْغَنِيّ مَعَ غَيْر الصَّحَابَة فَوَهَمَ. قَوْله: ( فَأَيّهمْ شَرّ أَوْ أَيّهمْ خَيْر )؟ هَذَا كَلَام عِكْرِمَة يَرُدّ بِهِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ لَهُ شَرّ الثَّلَاثَة...
أي ذكروا أن ركوب الثلاثة على الدابة معا شر وظلم وهل المقدم أشر أم المؤخر؟ فأنكر عكرمة ذلك واستدل بفعل النبي صلى الله عليه وسلم على جوازه....
عن كثير بن العباس قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يجمعنا أنا وعبد الله وعبيد الله وقثم فيفرج يديه هكذا ويمد باعيه ويقول من سبق إليّ فله كذا وكذا...
وكان رضي الله عنه أحدث الناس عهدا بالرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن سعد في الطبقات:
(أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن العباس كان أصغر من كان في القبر وكان آخر من صعد
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
وكان رضي الله عنه ممن شهد عدة مشاهد مع سيدنا عليّ رضي الله عنه.

شهد عبد الله بن عباس مع علي رضي الله عنهما الجمل وصفين والنهروان وشهد معه الحسن والحسين ومحمد بنوه وعبد الله وقثم ابنا العباس.....
ولما ولي علي بن أبي طالب الخلافة استعمل قثم بن العباس على مكة فلم يزل عليها حتى قتل علي............
وفاته:
قُثَم بن العباس بن عبد المطلب كان بقى إلى أن خرج مع سعيد بن عثمان بن عفان في آخر امارة معاوية بن أبى سفيان إلى خراسان ثم خرج منها فعبر النهر وفتح ما وراء النهر واستشهد في تلك الناحية وذلك سنة سبع وخمسين من الهجرة فمنهم من زعم أن قبره بسمرقند ومنهم من زعم أن قبره بمرو...
عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أن ابن عباس نعي إليه أخوه قثم وهو في منزله فاسترجع وأناخ عن الطريق فصلى ركعتين فأطال فيهما الجلوس ثم قام إلى راحلته وهو يقر.. " واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ". ولم يعقب قثم.
حقا إنها أسرة مجاهدة:
" ويقال إنه ما رؤيت قبور أشد تباعدا بعضها من بعض من قبور بني العباس بن عبد المطلب ولدتهم أمهم أم الفضل في دار واحدة واستشهد الفضل بأجنادين ومات معبد وعبد الرحمن بإفريقية وتوفي عبد الله بالطائف وعبيد الله باليمن وقثم بسمرقند وكثير بينبع أخذته الذبحة.
المراجع:
الطبقات الكبرى - الاستيعاب - أسد الغابة - مشاهير علماء الأمصار

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:30 AM
ضمام بن ثعلبة السعدي

نسبه وقبيلته

ضمام بن ثعلبة السعدي أحد بني سعد بن بكر، وقيل: التميمي وليس بشيء.

إسلامه

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15116_image002.jpgبعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدًا إلى رسول الله، فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله، ثم دخل المسجد ورسول اللهجالس في أصحابه، وكان ضمام رجلاً جلدًا أشعر ذا غريرتين، فأقبل حتى وقف على رسول اللهفي أصحابه، فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله: "أنا ابن عبد المطلب". قال: محمد؟ قال: "نعم". فقال: ابن عبد المطلب، إني سائلك ومغلظ في المسألة، فلا تجدن في نفسك. قال: "لا أجد في نفسي، فسل عما بدا لك". قال: أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك، آلله بعثك إلينا رسولاً؟ فقال: "اللهم نعم". قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئًا، وأن نخلع هذه الأنداد التي كانت آباؤنا يعبدون معه؟ قال: "اللهم نعم". قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال: "اللهم نعم".

قال: ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها يناشده عند كل فريضة كما يناشده في التي قبلها، حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص. قال: ثم انصرف راجعًا إلى بعيره، فقال رسول اللهحين ولّى: "إن يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة".

دعوته إلى قومه في الدخول في الإسلام

أتى ضمام إلى بعيره فأطلق عقاله ثم خرج حتى قدم على قومه، فاجتمعوا إليه، فكان أول ما تكلم به أن قال: بئست اللات والعزى! قالوا: مه يا ضمام، اتق البرص والجذام اتق الجنون. قال: ويلكم! إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن اللهقد بعث رسولاً، وأنزل عليه كتابًا استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، إني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه. قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلمًا. يقول ابن عباس: فما سمعنا بوافد قومٍ كان أفضل من ضمام بن ثعلبة[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

وقيل: إن ذلك في سنة خمس، قاله محمد بن حبيب وغيره. وقيل: كان قدومه في سنة سبع. وقيل في سنة تسع، ذكره ابن هشام عن أبي عبيد، وهو الأرجح[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

أهم ملامح شخصيته

1- الجلد

فقد بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدًا إلى رسول اللهلقوته وجلده[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

2-القوة في الحق

فقد خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه، فكان أول ما تكلم به أن قال: بئست اللات والعزى! قالوا: مه يا ضمام، اتق البرص اتق الجنون. قال: ويلكم! إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتابًا استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم عنه[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

3- الغلظة في الحديث

وقد كانيعرف ذلك، فعندما وفد على النبيقال فيما قال: يابن عبد المطلب، إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة، فلا تجدن في نفسك[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) الإمام أحمد: المسند 1/264.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) ابن عبد البر: الاستيعاب 1/226.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) الذهبي: تاريخ الإسلام 1/352.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) سيرة ابن هشام 5/268.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) المصدر السابق 5/267.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:31 AM
فيروز الديلمي


فيروز الديلمي: يكنى أبا عبد الله وقيل أبو عبد الرحمن. وقال ابن منده وأبو نعيم: هو ابن أخت النجاشي وهو قاتل الأسود العنسي الذي ادعى النبوة باليمن.
وقال أبو عمر: يقال له "الحميري" لنزوله في حمير وهو من أبناء فارس من فرس صنعاء....) ويقال ابن الديلمي يكنى أبا الضحاك ويقال أبا عبد الرحمن يماني كناني من أبناء الاساورة من فارس كان كسرى بعثهم الى قتال الحبشة...
حاله في الجاهلية:
كان فيروز الديلمي من "الأبناء" وهو اسم يطلق على جماعة من الناس آباؤهم من الفرس الذين نزحو من بلادهم إلى اليمن، وأمهاتهم من العرب.
وقد كان كبيرهم باذان عند ظهور الإسلام ملكا على اليمن، من قبل كسرى عظيم الفرس،، فلما استبان له صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وسُمُوّ دعوته خلع طاعة كسرى، ودخل هو وقومه - ومنهم فيروز الديلمي - في دين الله، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ملكه، وظل فيه إلى أن مات قبل ظهور الأسود العنسي بزمن يسير.
أهم ملامح شخصيته:
الإقدام:
(أحد الثلاثة الذين دخلوا على الأسود العنسي الكذاب بصنعاء فقتلوه وهم: فيروز الديلمي وقيس بن مكشوح وداذويه)
(وهو قاتل الأسود العنسي الكذاب الذي ادَّعى النبوة في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا أن زادويه وقيس بن مكشوح وفيروز الديلمي دخلوا عليه فحطم فيروز عنقه وقتله...)
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن ابن عمر قال: أتى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من السماء الليلة التي قتل فيها الأسود الكذاب العنسي فخرج ليبشرنا فقال: " قتل الأسود البارحة قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين ". قيل: ومن قتله يا رسول الله قال: " فيروز الديلمي ".....
ولا خلاف أن فيروز الديلمي ممن قتل الأسود بن كعب العنسي المتنبي...
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
كتب عمر بن الخطاب إلى فيروز الديلمي أما بعد فقد بلغني أنه قد شغلك أكل الألباب بالعسل فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم على بركة الله فاغز في سبيل الله فقدم فيروز فاستأذن على عمر فأذن له فزاحمه قوم من قريش فرفع فيروز يده فلطم أنف القرشي فدخل القرشي على عمر مستدمي فقال له عمر من بك قال فيروز وهو على الباب فأذن لفيروز بالدخول فدخل فقال ما هذا يا فيروز قال يا أمير المؤمنين إنا كنا حديث عهد بملك وإنك كتبت إلي ولم تكتب إليه وأذنت لي بالدخول ولم تأذن له فأراد أن يدخل في إذني قبلي فكان مني ما قد أخبرك قال عمر القصاص قال فيروز لا بد قال لا بد قال فجثا فيروز على ركبتيه وقام الفتى ليقتص منه فقال له عمر على رسلك أيها الفتى حتى أخبرك بشئ سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذات غداة يقول قتل الظيلمة الأسود العنسي الكذاب قتله العبد الصالح فيروز الديلمي، أفتراك مقتصا منه بعد إذ سمعت هذا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال الفتى قد عفوت عنه بعد إذ أخبرتني عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بهذا فقال فيروز لعمر فترى هذا مخرجي مما صنعت إقراري له وعفوه غير مستكره قال نعم قال فيروز فأشهدك أن سيفي وفرسي وثلاثين ألف من مالي هبة له قال عفوت مأجورا يا أخا قريش وأخذت مالا...
أثره في الآخرين:
من تلاميذه - رضي الله عنه -:
1- أبي خراش الرعيني وهو من الطبقة الوسطى من التابعين.
2- سعيد بن فيروز أبي عمران.
3- الضحاك بن فيروز.
4- عبد الله بن فيروز.
5- مرثد بن عبد الله.
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
روى أبو داود بسنده عن عبد الله بن الديلمي عن أبيه قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله قد علمت من نحن ومن أين نحن فإلى من نحن قال إلى الله وإلى رسوله فقلنا يا رسول الله إن لنا أعنابا ما نصنع بها قال زببوها قلنا ما نصنع بالزبيب قال انبذوه على غدائكم واشربوه على عشائكم وانبذوه على عشائكم واشربوه على غدائكم وانبذوه في الشنان ولا تنبذوه في القلل فإنه إذا تأخر عن عصره صار خلا.
وروى أحمد بسنده عن عبد الله بن فيروز الديلمي عن أبيه أنهم أسلموا وكان فيمن أسلم فبعثوا وفدهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعتهم وإسلامهم فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فقالوا يا رسول الله نحن من قد عرفت وجئنا من حيث قد علمت وأسلمنا فمن ولينا قال الله ورسوله قالوا حسبنا رضينا.
الوفاة:
مات في خلافة عثمان وقيل في خلافة معاوية باليمن سنة ثلاث وخمسين، ودفن باليمن.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:32 AM
ضرار بن الأزور

نسبه وقبيلته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15115_image002.jpgضرار بن الأزور، واسم الأزور مالك بن أوس بن خزيمة بن ربيعة بن مالك[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1). قال البغوي: سكن الكوفة. ويقال إنه كان له ألف بعير برعاتها، فترك جميع ذلك لله[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

من مواقفه مع الرسول

لما قدم على رسول اللهكان له ألف بعير برعاتها فأخبره بما خلف وقال: يا رسول الله، قد قلت شعرًا. فقال: "هيه". فقال:
خلعت القـداح وعزف القيا *** ن والخمـر أشربها والثمـالا
وكـري المحبـر في غمـرة *** وجهدي على المسلمين القتالا
وقالـت جميــلة: شتتنـا *** وطرحـت أهلك شتى شمـالا
فيا رب لا أغبنـن صفقتـي *** فقد بعت أهلي ومالـي بدالا

فقال النبي: "ما غبنت صفقتك يا ضرار"[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

فهكذا كان يصنع صحابة رسول اللهبأموالهم، كانوا ينفقونها في سبيل الله، يبيعون الدنيا ويشترون الآخرة، يبيعون الفاني ويشترون الباقي.

وقال ضرار: أهديت لرسول اللهلقحة، فأمرني أن أحلبها فجهدت حلبها، فقال: "دع داعي اللبن".

بعض المواقف مع الصحابة

أبلىفي موقعة اليرموك أحسن البلاء؛ لأنه يدرك قيمة الشهداء عند الله؛ فعن عكرمة بن أبي جهل أنه نادى يوم اليرموك: قاتلت رسول اللهفي كل موطن وأفر منكم اليوم. ثم نادى: من يبايعني على الموت؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعًا جراحة، وقتلوا إلا ضرار بن الأزور[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

وبعث خالد بن الوليد ضرارًا في سرية فأغاروا على حي من بني أسد فأخذوا امرأة جميلة، فسأل ضرار أصحابه أن يهبوها له ففعلوا فوطئها ثم ندم، فذكر ذلك لخالد فقال: قد طيبتها لك. فقال: لا، حتى تكتب إلى عمر. فكتب: ارضخه بالحجارة. فجاء الكتاب وقد مات، فقال خالد: ما كان الله ليخزي ضرارًا. ويقال: إنه الذي قتل مالك بن نويرة بأمر خالد بن الوليد. ويقال: إنه ممن شرب الخمر مع أبي جندب، فكتب فيهم أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر، فكتب إليه ادعهم فاسألهم، فإن قالوا إنها حلال فاقتلهم، وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم، ففعل[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).

وفاته

اختلف في وفاة ضرار بن الأزور، قال ابن عبد البر: قتل ضرار بن الأزور يوم أجنادين في خلافة أبي بكر. وقال غيره: توفي ضرار بن الأزور في خلافة عمر بن الخطاب بالكوفة.

وذكر الواقدي قال: قاتل ضرار بن الأزور يوم اليمامة قتالاً شديدًا حتى قطعت ساقاه جميعًا، فجعل يحبو على ركبتيه ويقاتل، وتطؤه الخيل حتى غلبه الموت.

وقد قيل: مكث ضرار باليمامة مجروحًا ثم مات قبل أن يرتحل خالد بيوم. قال: وهذا أثبت عندي من غيره[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6).

وذكر ابن الأثير أنه شهد موقعة اليرموك سنة ثلاث عشرة من الهجرة.
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن عبد البر: الاستيعاب 1/224.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 3/482.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) ابن الأثير: أسد الغابة 1/531.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) المصدر السابق 1/782.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 3/482.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6) ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 1/225.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:34 AM
غالب بن عبد الله الكناني الليثي


هو غالب بن عبد الله الكناني الليثي.... ويقال الكلبي...
ولا فرق بينهما فإن كلبا بطن من ليث...
قال البخاري: له صحبة....
أهم ملامح شخصيته:
الفروسية، والإقدام، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث به ؛ فقد أرسله ليسهل له الطريق يوم فتح مكة، كما ورد في بعض الروايات، وجعله قائدا على أكثر من سرية كما نرى في سياق الأحداث.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع الصحابة - رضي الله عنهم:
روى الإمام أحمد بسنده عن جندب بن مكيث الجهني قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الكلبي كلب ليث - أي أن كلب بطن من ليث - إلى بني ملوح بالكديد وأمره أن يغير عليهم فخرج فكنت في سريته فمضينا حتى إذا كنا بقديد لقينا به الحارث بن مالك وهو ابن البرصاء الليثي فأخذناه فقال إنما جئت لأسلم فقال غالب بن عبد الله إن كنت إنما جئت مسلما فلن يضرك رباط يوم وليلة وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك قال فأوثقه رباطا ثم خلف عليه رجلا أسود كان معنا فقال امكث معه حتى نمر عليك فإن نازعك فاجتز رأسه قال ثم مضينا حتى أتينا بطن الكديد فنزلنا عشيشية بعد العصر فبعثني أصحابي في ربيئة فعمدت إلى تل يطلعني على الحاضر فانبطحت عليه وذلك المغرب فخرج رجل منهم فنظر فرآني منبطحا على التل فقال لامرأته والله إني لأرى على هذا التل سوادا ما رأيته أول النهار فانظري لا تكون الكلاب اجترت بعض أوعيتك قال فنظرت فقالت لا والله ما أفقد شيئا قال فناوليني قوسي وسهمين من كنانتي قال فناولته فرماني بسهم فوضعه في جنبي قال فنزعته فوضعته ولم أتحرك ثم رماني بآخر فوضعه في رأس منكبي فنزعته فوضعته ولم أتحرك فقال لامرأته والله لقد خالطه سهماي ولو كان دابة لتحرك فإذا أصبحت فابتغي سهمي فخذيهما لا تمضغهما علي الكلاب قال وأمهلناهم حتى راحت رائحتهم حتى إذا احتلبوا وعطنوا أو سكنوا وذهبت عتمة من الليل شننا عليهم الغارة فقتلنا من قتلنا منهم واستقنا النعم فتوجهنا قافلين وخرج صريخ القوم إلى قومهم مغوثا وخرجنا سراعا حتى نمر بالحارث ابن البرصاء وصاحبه فانطلقنا به معنا وأتانا صريخ الناس فجاءنا ما لا قبل لنا به حتى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلا بطن الوادي أقبل سيل حال بيننا وبينهم بعثه الله تعالى من حيث شاء ما رأينا قبل ذلك مطرا ولا حالا فجاء بما لا يقدر أحد أن يقوم عليه فلقد رأيناهم وقوفا ينظرون إلينا ما يقدر أحد منهم أن يتقدم ونحن نحوزها سراعا حتى أسندناها في المشلل ثم حدرناها عنا فأعجزنا القوم بما في أيدينا" { حديث رقم 15283}

سرية أُخرى:

ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي أيضا إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك في صفر سنة ثمان قال: أخبرنا محمد بن عمر حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه قال: هيأ رسول الله صلى الله عليه و سلم الزبير بن العوام و قال له: سر حتى تنتهي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد فإن أظفرك الله بهم فلا تبق منهم و هيأ معه مائتي رجل و عقد له لواء فقدم غالب من الكديد من سرية قد ظفره الله عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للزبير: اجلس و بعث غالب بن عبد الله في مائتي رجل و خرج أسامة بن زيد فيها حتى انتهى إلى مصاب أصحاب بشير و خرج معه علبة بن زيد فيها فأصابوا منهم نعما و قتلوا منهم قتلى...
أثره في الآخرين:
عن إبراهيم بن حويصة عن أبيه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم في سرية مع غالب بن عبد الله إلى بني مرة فأغرنا عليهم من الصبح و قد أوعز إلينا أميرنا - وهو غالب بن عبد الله - رضي الله عنه --أن لا نفترق وآخى بيننا فقال: لا تعصوني فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: من أطاع أميري فقد أطاعني و من عصاه فقد عصاني و إنكم متى ما تعصوني فإنكم تعصون نبيكم....
وفاته:
وقال ابن منده وابو نعيم. وأبو عمر: أنه شهد فتح مكة وسهل لهم الطريق. وقال ابن الكلبي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني مرة بفدك فاستشهد دون فدك. والله أعلم.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:35 AM
عياض بن غنم الأشعري



فاتح العراق عياض بن غنم بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن وهيب بن ضبة القرشي الفهري.ويقال الأشعري وهو ابن عم أبي عبيدة بن الجراح...
وكان من أشراف قريش وهو معروف بالفتوح بالشام
عمره عندما أسلم:
أسلم عياض رضي الله عنه قبل صلح الحديبية- والذي كان سنة 6 من الهجرة - وشهدها...
ومات - رضي الله عنه - سنة 60 وهو ابن ستين سنة، فيكون عمره عندما أسلم على فرض أنه أسلم سنة 5 من الهجرة ؛ يكون عمره عندها خمس وأربعون سنة.
أهم ملامح شخصيته:
الزهد والورع معًا:
لما ولي عياض بن غنم قدم عليه نفر من أهل بيته يطلبون صلته ومعروفه فلقيهم بالبشر فأنزلهم وأكرمهم فأقاموا أياما ثم سألوه في الصلة وأخبروه بما تكلفوا من السفر إليه رجاء معروفه فأعطى كل رجل منهم عشرة دنانير وكانوا خمسة فردوها واستخطوا ونالوا منه فقال أي بني عم والله ما أنكر قرابتكم ولا حقكم ولا بعد شقتكم ولكن والله ما خلصت إلى ما وصلتكم به إلا ببيع خادمي وبيع ما لا غنى لي عنه فاعذروني قالوا الله ما عذرك الله إنك والي نصف الشام وتعطي الرجل منا ما جهده أن يبلغه إلى أهله فقال فتأمروني إن أسرق مال الله فوالله لأن أشق بالمنشار أو وأبرى كما يبرى السفن أحب إلي من أن أخون فلسا أو أتعدى وأحمل على مسلم ظلما أو على معاهد قالوا قد عذرناك في ذات يدك ومقدرتك فولنا أعمالا من أعمالك نؤدي ما يؤدي الناس إليك ونصيب ما يصيبون من المنفعة فأنت تعرف حالنا وأنا ليس نعدو ما جعلت لنا قال والله إني لأعرفكم بالفضل والخير ولكن يبلغ عمر بن الخطاب أني قد وليت نفرا من قومي فيلومني في ذلك ولست أحمل أن يلومني في قليل ولا كثير قالوا قد ولاك أبو عبيدة بن الجراح وأنت منه في القرابة بحيث أنت فأنفذ ذلك عمر ولو وليتنا فبلغ عمر فأنفذه فقال عياض إني لست عند عمر بن الخطاب كأبي عبيدة بن الجراح وإنما أنفذ عمر عهدي على عمل لقول أبي عبيدة في وقد كنت مستورا عند أبي عبيدة فقال في واعلم مني ما أعلم من نفسي ما ذكر ذلك عني فانصرف القوم لائمين لعياض بن غنم.
وكان عياض بن غنم رجلا سمحا وكان يعطي ما يملك لا يعدوه إلى غيره لربما جاءه غلامه فيقول ليس عندنا ما تتغدون به فيقول خذهذا الثوب فبعه الساعة فاشتر به دقيقا فيقول له سبحان الله أفلا تقترض خمسة دراهم من هذا المال الذي في ناحية بيتك إلى غد ولا تبيع ثوبك فيقول والله لأن أدخل يدي في جحر أفعى فتنال مني ما نالت أحب إلي من أن أطمع نفسي في هذا الذي تقول فلا يزال يدفع الشئ بالشئ حتى يأتي وقت رزقه فيأخذه فيوسع فيه فمن أدركه حين يأخذ رزقه غنم ومن تركه أياما لم يجد عنده درهما واحدا...
ومات عياض يوم مات وما له مال ولا عليه دين لأحد...
الجانب القيادي:
حيث أنه قاد عدة فتوحات وتولى عدة ولايات
قال ابن سعد فقال: شهد الحديبية وما بعدها وكان أحد الأمراء الخمسة يوم اليرموك.
وفي تاج العروس: رُوِىَ في بعض الآثار: أَنّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: " رُفِعَتْ لَيْلَةَ أَسْرِيَ بي مدينةٌ فأَعْجَبَتْنِي فقلتُ لجِبْرِيلَ: ما هذهِ المَدِينَةُ؟ فقال: نَصِيبِين. فقلتُ: اللّهم عَجِّلْ فَتْحَها واجْعَلْ فيها بَركةً للمسلمينَ "........ فتحها عياضُ بْنُ غنم الأَشعري.
ومن البلاد التي فتحها أيضًا الرهاء بضم أوله ممدود مدينة من أرض الجزيرة ودخل أهل سائر الجزيرة فيما دخل فيه أهل الرهاء من الصلح
لما فرغ عياض بن غنم من الجزيرة دخل الدرب فبلغ بدليس فجازها إلى خلاط وصالح بطريقها وانتهى إلى العين الحامضة فلم يتجاوزها وعاد فضمن صاحب بدليس خراج خلاط وجماجمها ثم انصرف إلى الرقة ومضى إلى حمص....
وجاء في معجم البلدان: اجتمع الروم فحاصروا أبا عبيدة بن الجراح والمسلمين بحمص فكتب عمر رضي الله عنه إلى سعد بإمداد أبي عبيدة بالمسلمين من أهل العراق فأرسل إليه الجيوش مع القواد وكان فيهم عياض بن غنم وبلغ الروم الذين بحمص مسير أهل العراق إليهم فخرجوا عن حمص ورجعوا إلى بلادهم فكتب سعد إلى عياض بغزو الجزيرة فغزاها سنة 71 وافتتحها فكانت الجزيرة أسهل البلاد افتتاحا لأن أهلها رأوا أنهم بين العراق والشام وكلاهما بيد المسلمين فأذعنوا بالطاعة فصالحهم على الجزية والخراج فكانت تلك السهول ممتحنة عليهم وعلى من أقام بها من المسلمين.
شدة الكرم والسخاء والجود:
فقيل عنه: كان صالحا فاضلا جواد. وكان يسمى (زاد الركاب) يطعم الناس زاده فإذا نفد الزاد نحر لهم بعيره.
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
عن شريح بن عبيد الحضرمي وغيره قال جلد عياض بن غنم صاحب داريا حين فتحت فأغلظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عياض ثم مكث ليالي فأتاه هشام بن حكيم فاعتذر إليه ثم قال هشام لعياض ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن من أشد الناس عذابا أشدهم عذابا في الدنيا للناس فقال عياض بن غنم يا هشام بن حكيم قد سمعنا ما سمعت ورأينا ما رأيت أولم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية ولكن ليأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه له وإنك يا هشام لأنت الجريء إذ تجترئ على سلطان الله فهلا خشيت أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان الله تبارك وتعالى.
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
عن عياض بن غنم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما فإن مات فإلى النار وإن تاب قبل الله منه. وإن شربها الثانية لم تقبل له صلاة أربعين يوما فإن مات فإلى النار وإن تاب قبل الله منه. وإن شربها الثالثة أو الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال ". فقيل: يا رسول الله وما ردغة الخبال قال: " عصارة أهل النار ".
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تأكلوا الحمر الإنسية
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من أراد ان ينصح السلطان فلا يبدأه علانية ولكن يأخذ بثوبه وليخل به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الحق الذي عليه
وأخرج ابن مردويه عن عياض بن غنم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله: ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كل سوف تلمون يقول: " لو دخلتم القبور " ثم كل سوف تعلمون " وقد خرجتم من قبوركم " كلا لو تعلمون علم اليقين في يوم محشركم إلى ربكم لترون الجحيم أي في الآخرة حق اليقين كرأي العين ثم لترونها عين اليقين يوم القيامة ثم لتسألن يومئذ عن النعيم بين يدي ربكم عن بارد الشراب وظلال المساكن وشبع البطون واعتدال الخلق ولذاذة النوم حتى خطبة أحدكم المرأة مع خطاب سواه فزوجها ومنعها غيره "
بعض كلماته:
قال عياض بن غنم:
من مـبـلـغ الأقـــوام أن جـمـوعـــنا حوت الجزيرة غير ذات رجام
جمعوا الجزيرة والغياب فــنفســــوا عمن بحمــص غيابة القدام
إن الأعـــــزة والأكارم مـــعشــر فضوا الجزيرة عن فراج الهـام
غلبوا الملوك على الجزيرة فانتـهوا عن غزو من يأوي بلاد الشــام
الوفاة:
توفي بالشام سنة 20هـ، وهو ابن 60 سنة.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:37 AM
عياش بن أبي ربيعة



هو عياش بن أبي ربيعة، واسم أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم يكنى أبا عبد الرحمن. وقيل: يكنى أبا عبد الله. هو أخو أبي جهل بن هشام لأمه أمهما أم الجلاس واسمها أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم. هو أخو عبد الله بن أبي ربيعة لأبيه وأمه. وهو ابن عم خالد- خالد بن الوليد - وامرأته أسماء بنت سلامة بن مخربة التميمية ".
إسلامه:
وقد أسلم عياش بن أبي ربيعة قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها...
وروي أنه لما أسلم عياش بن أبي ربيعة المخزومي وهاجر مع عمر بن الخطاب إلى المدينة قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج أبو جهل وأخوه الحارث وكانا أخوي عياش لأمه فنزلا بعياش وقالا له: إن محمدا يأمر ببر الوالدين وقد تركت أمك وأقسمت أن لا تطعم ولا تشرب ولا تأوي بيتا حتى تراك وهي أشد حبا لك منها لنا فاخرج معن. فاستشار عمر فقال عمر: هما يخدعانك فلم يزالا به حتى عصى نصيحة عمر وخرج معهم. فلما انتهوا إلى البيداء قال أبو جهل: إن ناقتي كلت فاحملني معك. قال عياش: نعم ونزل ليوطئ لنفسه ولأبي جهل. فأخذاه وشداه وثاقا وذهبا به إلى أمه فقالت له: لا تزال بعذاب حتى ترجع عن دين محمد وأوثقته عندها.
قال ابن إسحاق: عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة هاجر إلى المدينة و لحق به أخواه لأمه أبو جهل بن هشام و الحارث بن هشام فرجعا به إلى مكة فحبساه فيها حتى مضى بدر و أحد و الخندق...

وقال ابن هشام: خرج أبو جهل ابن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما حتى قدما علينا المدينة ورسول الله صلى عليه وسلم بمكة فكلماه وقال: إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك ولا تستظل من شمس حتى تراك فرق لها فقلت له: يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت قال: فقال: أبر قسم أمي و لي هنالك مال فآخذه. قال: فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالا فلك نصف مالي ولا تذهب معهم. قال: فأبى علي إلا أن يخرج معهما فلما أبى إلا ذلك قال: قلت له: أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها فإن رابك من القوم ريب فانج عليها
فخرج عليه معهما حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل: يا ابن أخي والله لقد استغلظت بعيري هذا أفلا تعقبني على ( 2 / 323 ) ناقتك هذه؟ قال: بلى. قال: فأناخ وأناخا ليتحول عليها فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه وربطاه ثم دخلا به مكة وفتناه فافتتن
قال ابن إسحاق: فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة: أنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهارا موثقا ثم قالا: يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا.
قرآن نزل بشأنه:
قال ابن كثير: واختلف في سبب نزول هذه -الآية{ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ.....}- فقال مجاهد وغير واحد: نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه وهي أسماء بنت مخرمة وذلك أنه قتل رجلا يعذبه مع أخيه على الإسلام وهو الحارث بن يزيد الغامدي فأضمر له عياش السوء فأسلم ذلك الرجل وهاجر وعياش لا يشعر فلما كان يوم الفتح رآه فظن أنه على دينه فحمل عليه فقتله فأنزل الله هذه الآية
وجاء في تفسير القرطبي: قال ابن عياش: كنت أنا وأمي ممن عنى الله بهذه الآية وذلك أنه كان من الوالدان إذ ذاك وأمة هي أم الفضل بنت الحارث واسمها لبابة وهي أخت ميمونة وأختها الأخرى لبابة الصغرى وهن تسع أخوات قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهن:
{الأخوات مؤمنات}.
وجاء في تفسير القرطبي أيضًا: {الم أحسب الناس أن يتركوا} أحسبوا {أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } قال ابن عباس وغيره: يريد بالناس قوما من المؤمنين كانوا بمكة وكان الكفار من قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإسلا م كسلمة بن هشام و عياش بن أبي ربيعة و الوليد بن الوليد وعمار بن ياسر وياسر أبوه وسمية أمه وعدة من بني مخزوم وغيره فكانت صدورهم تضيق لذلك وربما استنكر أن يمكن الله لكفار من المؤمنين قال مجاهد وغيره: فنزلت هذه الآية مسلية معلمة أن هذه هي سيرة الله في عبادة اختبارا للمؤمنين وفتنة.....
ونزلت: {وإن جاهداك لتشرك بي} الآية وقال ابن عباس: نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه وقد فعلت أمه مثل ذلك...
وجاء في فتح القدير عن عكرمة قال: كان الحارث بن يزيد من بني عامر بن لؤي يعذب عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل ثم خرج مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني الحارث فلقيه عياش بالحرة فعلاه بالسيف وهو يحسب أنه كافر ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فنزلت { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } الآية فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم عليه ثم قال له: قم فحرر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال: نزلت هذه الآية {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} في عياش بن أبي ربيعة..
أهم ملامح شخصيته:
تغليب الجانب العاطفي: حيث تأثَّر بأمه ورجع ليطمأن عليه...
البذل في سبيل الله، حيث هاجر الهرتين، وتحمل الكثير من الآلام في سبيل الله.....
السبق إلى الحق متى ظهر فهو من السابقين الأولين إلى الإسلام.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
سرايا النبي ص إلى قبائل كنانة
فلما كان يومُ فتح مكة بعث رسول الله بالجيوش إلى قبائل بني كنانة حوله فبعث إلى بني ضمرة نميلة بن عبد الله الليثي وإلى بني الدئل عمرو ابن أمية الضمري وبعث إلى بني مدلج عياش بن أبي ربيعة المخزومي.
قال ابن هشام: فحدثني من أثق به: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بالمدينة: من لي بعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاصي؟ فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة: أنا لك يا رسول الله بهما فخرج إلى مكة فقدمها مستخفيا فلقي امرأة تحمل طعاما فقال له: أين تريدين يا أمة الله؟ قالت: أريد هذين المحبوسين - تعنيهما - فتبعها حتى عرف موضعهما وكانا محبوسين في بيت لا سقف له فلما أمسى تسور عليهما ثم أخذ مروة فوضعها تحت قيديهما ثم ضربهما بسيفه فقطعهما فكان يقال لسيفه: (ذو المروة) لذلك ثم حملهما على بعيره وساق بهما فعثر فدميت أصبعه فقال:
هل أنت إلا أصبع دميت... وفي سبيل الله ما لقيت
ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بالناس فمر بين أيديهم حمار فقال عياش بن أبي ربيعة سبحان الله سبحان الله سبحان الله فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من المسبح آنفا سبحان الله قال أنا يا رسول الله إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة قال لا يقطع الصلاة شيء.
وعن الزهري قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحارث ومسروح ونعيم بن عبد كلال من حمير سلم أنتم ما آمنتم بالله ورسوله وأن الله وحده لا شريك له بعث موسى بآياته وخلق عيسى بكلماته قالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى الله ثالث ثلاثة عيسى بن الله قال وبعث بالكتاب مع عياش بن أبي ربيعة المخزومي وقال إذا جئت أرضهم فلا تدخلن ليلا حتى تصبح ثم تطهر فأحسن طهورك وصل ركعتين وسل الله النجاح والقبول واستعذ بالله وخذ كتابي بيمينك وأدفعه بيمينك في أيمانهم فإنهم قابلون واقرأ عليهم لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين فإذا فرغت منها فقل آمن محمد وأنا أول المؤمنين فلن تأتيك حجة إلا دحضت ولا كتاب زخرف إلا ذهب نوره وهم قارئون عليك فإذا رطنوا فقل ترجموا وقل حسبي الله آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير فإذا أسلموا فسلهم قضبهم الثلاثة التي إذا حضروا بها سجدوا وهي من الأثل قضيب.
النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له:
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله قال ابن أبي الزناد عن أبيه هذا كله في الصبحز
النبي صلى الله عليه وسلم يقر رأيه:
عن أبي بكر بن أبي الجهم قال سمعت فاطمة بنت قيس تقول أرسل إلي زوجي أبو عمرو بن حفص بن المغيرة عياش بن أبي ربيعة بطلاقي وأرسل معه بخمسة آصع تمر وخمسة آصع شعير فقلت أما لي نفقة إلا هذا ولا أعتد في منزلكم قال لا قالت فشددت علي ثيابي وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كم طلقك قلت ثلاثا قال "صدق- يعني عياشاً- ليس لك نفقة اعتدي في بيت ابن عمك ابن أم مكتوم فإنه ضرير البصر تلقي ثوبك عنده فإذا انقضت عدتك فآذنيني" قالت فخطبني خطاب منهم معاوية وأبو الجهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن معاوية ترب خفيف الحال وأبو الجهم منه شدة على النساء أو يضرب النساء أو نحو هذا ولكن عليك بأسامة بن زيد و حدثني إسحق بن منصور أخبرنا أبو عاصم حدثنا سفيان الثوري حدثني أبو بكر بن أبي الجهم قال دخلت أنا وأبو سلمة بن عبد الرحمن على فاطمة بنت قيس فسألناها فقالت كنت عند أبي عمرو بن حفص بن المغيرة فخرج في غزوة نجران وساق الحديث بنحو حديث ابن مهدي وزاد قالت فتزوجته فشرفني الله بأبي زيد وكرمني الله بأبي زيد و حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا شعبة حدثني أبو بكر قال دخلت أنا وأبو سلمة على فاطمة بنت قيس زمن ابن الزبير فحدثتنا أن زوجها طلقها طلاقا باتا بنحو حديث سفيان.
أثره في الآخرين ( دعوته - تعليمه ):
من تلاميذه الذين رووا عنه أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
1 - عبد الرحمن بن سابط وهو من الطبقة الوسطى من التابعين
2 - نافع مولى ابن عمر وكنيته أبو عبد الله وهو مدني ومن الطبقة الوسطى من التابعين.
بعض ما روى عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
عن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها فإذا ضيعوا ذلك هلكوا.
وعنه رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: تخرج ريح بين يدي الساعة تقبض فيها أرواح كل مؤمن.
موقف الوفاة:
عن حبيب بن أبي ثابت أن الحارث بن هشام و عكرمة بن أبي جهل و عياش بن أبي ربيعة أثبتوا يوم اليرموك فدعا الحارث بشراب فنظر إليه عكرمة فقال: ادفعوه إلى عكرمة فدفع إليه فنظر إليه عياش بن أبي ربيعة فقال عكرمة: ادفعوه إلى عياش فما وصل إلى أحد منهم حتى ماتوا جميعا وما ذاقوه.
وقيل إنه توفي بمكة...
متى توفي؟
مات سنة خمس عشرة بالشام في خلافة عمر وقيل استشهد باليمامة وقيل باليرموك.
مات في أيام عمر رضي الله عنه من الأعلام: عتبة بن غزوان و العلاء بن الحضرمي.................... و عياش بن أبي ربيعة....
أين دفن؟
دفن باليرموك ؛ حيث استشهد - رضي الله عنه -
المراجع:
الإصابة - الاستيعاب - أسد الغابة - الطبقات الكبرى - المعجم الكبير - سيرة ابن هشام - تاريخ الخلفاء - موسوعة حرف للحديث الشريف..

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:38 AM
عمير بن أبي وقاص الزهري



هو عمير بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري أخو سعد..
وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس
إسلامه:
كان من أول الذين دخلوا في الدين الإسلامي، وأسلم عمير بن أبي وقاص على يد الصحابي الجليل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
أهم ملامح شخصيته:
حبه الشديد الشديد للجهاد والاستشهاد في سبيل الله مع صغر سنه وخوفه من أن لا يقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وظهر ذلك في حديثه مع أخيه سعد بن أبي وقاص قبل أن يعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما عُرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم رده لصغر سنه فبكى عميرفأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم..
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
يروي عامر بن سعد عن أبيه قال رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل ان يعرضنا رسول الله. صلى الله عليه وسلم للخروج إلى بدر يتوارى فقلت ما لك يا أخي فقال أني أخاف أن يراني رسول الله. صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني وان أحب الخروج لعل الله يرزقني الشهادة قال فعرض على رسول الله. صلى الله عليه وسلم فاستصغره فقال ارجع فبكى عمير فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال سعد: فكنت اعقد له حمائل سيفه من صغره فقتل ببدر وهو ابن ست عشرة سنة قتله عمرو بن عبد ود والسلام.
الوفاة:
واستشهد في بدر في قول الجميع وقتله عمرو بن عبد وُدّ العامري، الذي قتله علي يوم الخندق.
فقتل وهو ابن ست عشرة سنة.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:41 AM
شهر بن باذام الفارسي




http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15114_image002.jpg
لم تذكر المراجع أية تفاصيل عن حياة شهر بن باذام، ولكن ذكرت قصة إسلام أبيه باذام، والتي من خلالها عرفنا أن باذام قد أسلم وأن رسول اللهاستعمل (شهر) على اليمن بعد وفاة أبيه، ولكن متى كان إسلام شهر بن باذام؟ وكيف حدث ذلك؟ وهل كان بالغًا وقت إسلام أبيه أم هل كان طفلاً فنشأ مسلمًا؟ وهل قابل النبيأم لا؟ كل هذه التساؤلات لم نجد لها إجابة في كتب السيرة أو كتب التاريخ.

وقد أوردنا قصة إسلام أبيه، فهي القصة الوحيدة التي ذكر فيها استعمال النبيلشهر بعد وفاته؛ كتب (كسرى) إلى عامله على اليمن وكان اسمه باذام: أما بعد، فإذا جاءك كتابي هذا فابعث من قبلك أميرين إلى هذا الرجل الذي بجزيرة العرب الذي يزعم أنه نبي، فابعثه إليَّ في جامعة. فلما جاء الكتاب إلى باذام، بعث من عنده أميرين عاقلين وقال: اذهبا إلى هذا الرجل فانظرا ما هو، فإن كان كاذبًا فخذاه في جامعة حتى تذهبا به إلى كسرى، وإن كان غير ذلك فارجعا إليَّ فاخبراني ما هو حتى أنظر في أمره. فقدما على رسول اللهإلى المدينة، فوجداه على أسد الأحوال وأرشدها، ورأيا منه أمورًا عجيبة يطول ذكرها، ومكثا عنده شهرًا حتى بلغا ما جاءا له، ثم تقاضاه الجواب بعد ذلك فقال لهما: "ارجعا إلى صاحبكما، فأخبراه أن ربي قد قتل الليلة ربه". فأرَّخا ذلك عندهما، ثم رجعا سريعًا إلى اليمن فأخبرا باذام بما قال لهما، فقال: احصوا تلك الليلة، فإن ظهر الأمر كما قال فهو نبي. فجاءت الكتب من عند ملكهم أنه قد قتل كسرى في ليلة كذا وكذا لتلك الليلة، وكان قد قتله بنوه؛ ولهذا قال بعض الشعراء:
وكسرى إذ تقاسمه بنـوه *** بأسياف كما اقتسم اللحام
تمخضت المنون له بيـوم *** أنى ولكـل حاملـة تمـام

وقام بالملك بعده ولده يزدجرد، وكتب إلى باذام أن خذ لي البيعة من قبلك، واعمد إلى ذلك الرجل فلا تهنه وأكرمه، فدخل الإسلام في قلب باذام وذريته من أبناء فارس ممن باليمن، وبعث إلى رسول اللهبإسلامه، فبعث إليه رسول اللهبنيابة اليمن بكمالها فلم يعزله عنها حتى مات، فلما مات استناب ابنه شهر بن باذام على صنعاء وبعض مخاليف، وبعث طائفة من أصحابه نوابًا على مخاليف أخر، فبعث أولاً في سنة عشر عليًّا وخالدًا، ثم أرسل معاذًا وأبا موسى الأشعري، وفرق عمالة اليمن بين جماعة من الصحابة، فمنهم شهر بن باذام وعامر بن شهر الهمذاني[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

الوفاة

خرج الأسود العنسي واسمه عبهلة بن كعب بن غوث من بلد يقال لها كهف حنان في سبعمائة مقاتل، وكتب إلى عمال النبي: أيها المتمردون علينا، أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم، فنحن أولى به وأنتم على ما أنتم عليه. ثم ركب فتوجه إلى نجران فأخذها بعد عشر ليال من مخرجه، ثم قصد إلى صنعاء فخرج إليه شهر بن باذام فتقاتلا فغلبه الأسود وقتله، وكسر جيشه من الأبناء، واحتل بلدة صنعاء لخمس وعشرين ليلة من مخرجه[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن كثير: البداية والنهاية 6/306.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) المصدر السابق 6/307

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:42 AM
عمير بن الحمام


نسبه وقبيلته

هو عمير بن الحمام بن الجموح بن كعب الأنصاري, من بني سلمة من الأنصار.


قصة إسلامه

من السابقين للإسلام قبل دخول الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة، وبعد وصول الرسول إلى يثرب ظل محبًّا لرسول الله وزادت عقيدته تأصيلاً وقوة، فكان على استعداد لفداء الإسلام بحياته..


أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته

كان للرسول صلى الله عليه وسلم كثير الأثر فيه، فهو بمجرد سماعه لحديث الرسول: "والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل، فيُقتل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة". فقال عمير بن الحمام -أحد بني سلمة، وفي يده تمرات يأكلهن-: بخ بخ فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء، فقذف التمر من يده، وأخذ سيفه، فقاتل حتى قتل.


أهم ملامح شخصيته

الشجاعة والإقدام
وبعد أن سمع عمير حديث النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم بشجاعة وظل يقاتل محتسبًا لوجه الله تعالى.. مقبلاً على مواقع الاستشهاد .. بكل جرأة وقوة وشجاعة حتى لقي ربه .. فكان أول شهداء النزال والالتحام فى المعركة .
وفاز بنعمة الشهادة رضى الله عنه.


بعض المواقف من حياته مع الرسول

ـ حدثنا أبو بكر بن النضر بن أبي النضر وهارون بن عبد الله ومحمد بن رافع وعبد بن حميد وألفاظهم متقاربة قالوا حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا سليمان وهو ابن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيسة عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا أدري ما استثنى بعض نسائه قال فحدثه الحديث قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فقال إن لنا طلبة فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم في علو المدينة فقال لا إلا من كان ظهره حاضرا فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه فدنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض قال نعم قال بخ بخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء
أن أكون من أهلها قال فإنك من أهلها فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل . رواه مسلم..

ـ وأخرج سعيد بن يعقوب في الصحابة من طريق حماد، عن ثابت البناني قال: قتل عمير بن الحمام، خالد بن الأعلم يوم بدر، ووقع لعبد الغني بن سعيد الحافظ في المبهمات وهم، وذلك في حديث جابر قال رجل: يا رسول الله، إن قتلت أين أنا؟ قال في الجنة، فألقى تمرات كن في يده، فقاتل حتى قتل .


أثره في الآخرين

لقد آثر عمير بن الحمام في جميع المسلمين المشتركين في غزوة بدر من أجل تحريضه لهم على الشهادة، وطلبه لها بكل ما أوتي من قوة ونظرته لطول عمره إلى أن يفرغ من أكل التمرات التي في يده فيرميها. (انظر الحديث المذكور في مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم..).


وفاته

قال الواقدي: ومن قُتل من بني سلمة بن حرام عمير بن الحمام بن الجموح، قتله خالد بن الأعلم. حدثني محمد بن صالح قال: أول قتيل قتل من الأنصار في الإسلام عمير بن الحمام، قتله خالد بن الأعلم، ويقال: حارثة بن سراقة رماه حبان بن العرقة.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:45 AM
عمرو بن مالك - ملاعب الأسنة


مقدمة


http://ar.islamstory.net/images/stories/amro_malek.jpgاختلف في اسمه كثيرًا فقيل عمرو بن مالك (ملاعب الأسنة)، وقيل عامر بن مالك، وكلا اللقبين لملاعب الأسنة، وهذه النصوص تشير إلى هذا الأمر:

قال ابن الأثير في أسد الغابة: عمرو بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الجعفري ملاعب الأسنة....

وقال ابن حجر في الإصابة: عمرو بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الجعفري أخرج بن منده من طريق أبي أحمد الزبيري عن مسعر عن خشرم بن حسان أن عمرو بن مالك ملاعب الأسنة بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس دواء الحديث ورواه جماعة عن مسعر عن خشرم عن مالك وهو الأشبه وقال الذهبي الأصح مالك بن عمرو قلت الملقب ملاعب الأسنة اسمه عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب وهو عم عامر بن الطفيل الفارس المشهور الذي غدر بأصحاب بئر معونة وكان عمه ملاعب الأسنة أجارهم فخفر ذمته لكن الحديث المذكور إنما هو لعامر لا لعمرو كما قدمت في ترجمته من جميع طرقه لكن يحتمل أن يكون عمرو اسم بن أخيه الذي لم يسم في حديث أبي سعيد الذي أورده بن شاهين وفيه أن ملاعب الأسنة بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله الدواء من وجع بطن بن أخ له فبعث إليه عكة عسل فسقاه فبرىء وقد اختلف في إسلام ملاعب الأسنة فعلى هذا فيكون عمرو بن مالك نسب إلى جده ووقع في التجريد في هذه الترجمة والأصح أن ملاعب الأسنة مالك بن عمرو وهذا الذي قال إنه الأصح ليس بصحيح وإنما هو عامر بن مالك.

وقال الزبيدي في تاج العروس: ذكِر الآمِدِيُّ في كتاب المُؤْتَلِف والمُخْتَلِفِ في أَسماءِ الشُّعِرِاءِ: أَنّ مُلاعِبَ الأَسِنّةِ لَقَبُ ثلاثةٍ من الشُّعَرَاءِ: أَحدُهم هذا المذكُور- يعنب أبا براء عامر بن مالك ملاعب الأسنة -: والثّانِي عبْدُ اللهِ بْنُ الحُصَيْنِ بْنِ يَزِيدَ الحارِثِيُّ. والثّالثُ أَوْسُ بْنُ مالِكٍ الجَرْمِيُّ..............




سبب التسمية


جاء في المستقصى في أمثال العرب: أَفْرَسُ مِنْ مُلاَعِبِ اْلأَسِنَّةِ: هو أبو براء عامر بن مالك بن جعفر فارس قيس وإنما لقب بذلك لأنه بارز ضرار بن عمرو فصرعه كرات فقال له من أنت يا فتى كأنك ملاعب الأسنة؟! فلزمه الاسم.

وجاء في تاج العروس: وكان يُقَالُ لأَبي بَراءٍ مُلاعِبُ الأَسِنَّةِ. وهو عامِرُ بْنُ مالِكِ بْنِ جعفَرِ بْنِ كِلابٍ سمِّىَ بذلك يوم السُّوبَانِ وجعله لبيد ملاعب الرماح لحاجته إِلى القافية فقال:

لَوْ أَنَّ حّيًّا مُدْرِكَ الفَلاَحِ... أَدْرَكَهُ مُلاعِبُ الرِّمَاحِ



حاله في الجاهلية:

كان ابن شهاب يقول: حدثني عبد الرحمن بن كعب بن مالك ورجال من أهل العلم أن عامر بن مالك الذي يدعني ملاعب الأسنة قدم وهو مشرك فعرض النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام فأبى وأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم فقال "إني لا أقبل هدية مشرك"..............

فوقال ابن حجر في الفتح: قَوْلُهُ: ( بَاب قَبُولِ اَلْهَدِيَّةِ مِنْ اَلْمُشْرِكِينَ ) أَيْ جَوَاز ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى ضَعْف اَلْحَدِيث اَلْوَارِد فِي رَدِّ هَدِيَّة اَلْمُشْرِك وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ مُوسَى بْن عُقْبَة فِي الْمَغَازِي عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ عَبْد اَلرَّحْمَن بْن كَعْب بْن مَالِك وَرِجَال مِنْ أَهْلِ اَلْعِلْمِ " أَنَّ عَامِر بْن مَالِك اَلَّذِي يُدْعَى مُلَاعِب اَلْأَسِنَّة قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَأَهْدَى لَهُ فَقَالَ إِنِّي لَا أَقْبَلُ هَدِيَّة مُشْرِك " اَلْحَدِيث رِجَاله ثِقَات إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَل وَقَدْ وَصَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ اَلزُّهْرِيِّ وَلَا يَصِحُّ.

وقال صاحب تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عِنْدَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ عَامِرَ بْنَ مَالِكٍ الَّذِي يَعُدُّ مُلَاعِبَ الْأَسِنَّةِ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَأَهْدَى لَهُ. فَقَالَ: " إِنِّي لَا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ الْمُشْرِكِينَ " الْحَدِيثَ ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَقَدْ وَصَلَهُ بَعْضُهُمْ وَلَا يَصِحُّ.

وعن أنس بن مالك وغيرهم من أهل العلم قال: قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة وكان سيد بني عامر بن صعصعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأهدى إليه هدية فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبلها وقال لا أقبل هدية مشرك فأسلم إن أردت أن أقبل هديتك؟ ثم عرض عليه الأسلام وأخبره بما له فيه وما أعد الله للمؤمنين وقرأ عليه القرآن فلم يسلم ولم يبعد وقال: يا محمد إن الذي تدعو إليه حسن جميل فلو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فيدعونهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أخشى عليهم أهل نجد.

فقال أبو البراء: أنا لهم جار فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك

فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة في سبعين رجلا من خيار المسلمين منهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي ونافع بن يزيد بن ورقاء الخزاعي وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنه وذلك في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد فساروا حتى نزلوا بئر معونة وهي أرض بين أرض بني عامر وحرة بني سليم فلما نزلوها قال بعضهم لبعض أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذا الماء؟ فقال حرام بن ملحان: أنا فخرج بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حرام بن ملحان: يا أهل بئر معونة إني رسول الله إليكم إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فآمنوا بالله ورسوله فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح فضرب به في جبنه حتى خرج من الشق الآخر فقال: الله أكبر فزت ورب الكعبة.

ثم استصرخ عامر بن الطفيل بني عامر على المسلمين فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه وقالو: لن نخفر أبا براء قد عقد لهم عقدا وجوارا ثم استصرخ عليهم قبائل من بني سليم - عصية ورعلا وذكوان - فأجابوه فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا السيوف فقاتلوهم حتى قتلوا من عند آخرهم إلا كعب بن زيد فإنهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى فضلوه فيهم فعاش حتى قتل يوم الخندق وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ورجل من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف فلم ينبههما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على المعسكر! فقال: والله إن لهذا الطير لشأنا فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة فقال الأنصاري لعمرو بن أمية الضمري: ماذا ترى؟ قال: أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره فقال الأنصاري الله أكبر لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ثم قاتل القوم حتى قتل وأخذوا عمرو بن أمية الضمري أسيرا فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه فقدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها متخوفا" فبلغ ذلك أبا البراء فشق عليه إخفار عامر إياه وما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه وجواره.

عمره عند الإسلام:

لم أجد تحديدا لعمره عندما أسلم وعلى ما يبدو أنه أسلم بعد أحداث بئر معونة، والتي كانت سنة أربع من الهجرة، ولم يسلم ابتدائًا عندما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم:

عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر ابن هوازن بن منصور بن عكرمة ابن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر أببراء المعروف بملاعب الأسنة وفد على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يسلم وسأله أن يبعث معه رجالا إلى قومه يدعونهم إلى الإسلام فإن أسلموا أسلم معهم فبعث جماعة فأصيبوا ببئر معونة ثم أسلم بعد...




أهم ملامح شخصيته


1- الفروسية: حتى أنه سمي بملاعب الأسنة.

2- القيادة والزعامة:

كان بنو جعفر بن كلاب قد وفدوا على النعمان ورئيسهم يومئذٍ أبو براء عامر بن مالك ملاعب الأسنة عم لبيد بن ربيعة بن مالك

وكان رؤساء قيس عامر بن مالك ملاعب الأسنة على بني عامر........

بعض المواقف من حياته مع التابعين:

وفد على النعمان بن المنذر- وهو من طبقة لم تلق الصحابة ؛ كما في موسوعة الحديث الشريف: "حرف " فكيف وفد عليه؟!، - عامر بن مالك ملاعب الأسنة- وهو معدود في الصحابة - في رهط من بني جعفر ابن كلاب فيهم لبيد بن ربيعة فطعن فيهم الربيع بن زياد العبسي وذكر معايبهم وكان نديما للنعمان وكانت بنو جعفر له أعداء فلم يزل بالنعمان حتى صده عنهم فدخلوا عليه يوما فرأوا منه جفاء وقد كان يكرمهم ويقربهم فخرجوا غضابا ولبيد متخلف في رحالهم يحفظ متاعهم ويغدو بإبلهم كل صباح يرعاها وكان أحدثهم سنا فأتاهم ذات ليلة وهم يتذاكرون أمر الربيع فسألهم عنده فكتموه فقال والله لا حفظت لكم متاعا ولا سرحت لكم بعيرا أو تخبروني فيم أنتم وكانت أم لبيد يتيمة في حجر الربيع فقالوا خالك قد غلبنا على الملك وصد عنا وجهه فقال لبيد هل تقدرون على أن تجمعوا بيني وبينه فأزجره عنكم بقول ممض مؤلم لا يلتفت إليه النعمان بعده أبدا قالوا وهل عندك شيء قال نعم قالوا فإنا نبلوك قال وما ذاك قالوا تشتم هذه البقلة وقدامهم بقلة دقيقة القضبان قليلة الأوراق لاصقة بالأرض تدعى التربة فقال

هذه التربة التي لا تذكي نارا ولا تؤهل دارا ولا تسر جارا عودها ضئيل وفرعها كليل وخيرها قليل أقبح البقول مرعى وأقصرها فرعا وأشدها قلعا فتعسا لها وجدعا بلدها شاسع ونبتها خاشع وآكلها جائع والمقيم عليها قانع فالقوا بي أخا بني عبس أرده عنكم بتعس ونكس وأتركه من أمره في لبس.

فلما أصبحوا غدوا به معهم إلى النعمان فذكروا حاجتهم فاعترض الربيع فرجز به لبيد رجزا ما لبث معه النعمان أن تقزز منه وأمره بالانصراف إلى أهله.

وفاته:

توفي بمكان يُسمى "الفورة" بفتح أوله وضمه معا وبراء مهملة وهو موضع في ديار بني عامر.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:47 AM
عمرو بن العاص

اسمه ونسبه

هو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم، يُكنى أبا عبد الله، ولد قبل هجرة رسول اللهبـ 47 عامًا، ونشأ في ظل والده (العاص بن وائل) معاديًا للإسلام والمسلمين. كان من فرسان قريش وأبطالهم في الجاهلية مذكورًا بذلك فيهم، وكان شاعرًا حسن الشعر.

في جاهليته

ولعل موقفه من المهاجرين المسلمين إلى الحبشة، حين أرسلته (قريش) لردهم من أبرز مواقفه ضد المسلمين في جاهليته؛ إذ حينما علم كفار مكة بهجرة المسلمين إلى الحبشة، قاموا على الفور بإرسال عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي إلى الحبشة، محمَّلاً بالهدايا إلى النجاشي؛ ليردَّ إليهم المسلمين، فقالا للنجاشي: "أيها الملك، إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم؛ فهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه".

فرفض النجاشي الملك العادل ما طلبوا حتى يسمع من المسلمين ليحكم بينهم، ثم أرسل إلى أصحاب رسول اللهفدعاهم، فقال: "ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟" فكان الذي كلَّمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: "أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحِّده ونعبده ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام فصدقناه وآمنَّا به واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقُّوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا؛ خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك، أيها الملك".

فقال له النجاشي: "هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟" فقال له جعفر: نعم. فقال له النجاشي: "فاقرأه عليَّ". فقرأ عليه صدرًا من (كهيعص)، فبكى النجاشي حتى أَخْضَلَ لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم. ثم قال النجاشي: "إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا، ولا أكاد".

فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: "والله لأنبئنَّه غدًا عيبهم عندهم، ثم أستأصل به خضراءهم؛ والله لأخبرنَّه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد". ثم غدا عليه الغد، فقال له: "أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيمًا، فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه". فأرسل إليهم يسألهم عنه، فقال له جعفر بن أبي طالب: "نقول فيه الذي جاء به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول". فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عودًا، ثم قال: "ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود". فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: "وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم سيوم[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1) بأرضي، من سبَّكم غُرِّم، ثم من سبكم غرم، فما أحب أن لي دبرًا[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2) ذهبًا، وأني آذيت رجلاً منكم ، ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لنا بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين ردَّ عليَّ ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيَّ فأطيعهم فيه". فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءا به، وأقام عنده المسلمون بخير دار مع خير جار.

إسلامـه

أسلمفي العام الثامن للهجرة، وقد تجاوز الخمسين من عمره. ولما أسلم كان النبييقرِّبه ويدنيه لمعرفته وشجاعته، وولاَّه غزوة ذات السلاسل، وأمده بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح، ثم استعمله على عُمَان فماتوهو أميرها، ثم كان من أمراء الأجناد في الجهاد بالشام في زمن عمر، وهو الذي افتتح قِنَّسْرِين، وصالح أهل حلب ومَنْبِج وأنطاكية، وولاّه عمر فلسطين.

ومن تواضعه

قال رجل لعمرو بن العاص: أرأيت رجلاً مات رسول اللهوهو يحبه، أليس رجلاً صالحًا؟ قال: بلى. قال: قد مات رسول اللهوهو يحبك، وقد استعملك. فقال: قد استعملني، فوالله ما أدري أحبًّا كان لي منه أو استعانة بي، ولكن سأحدثك برجلين مات رسول اللهوهو يحبهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر رضي الله عنهما.

من مواقفه مع النبي

عن موسى بن علي، عن أبيه قال: سمعت عمرو بن العاصيقول: قال رسول الله: "يا عمرو، اشدد عليك سلاحك وثيابك". قال: ففعلت، ثم أتيته فوجدته يتوضأ، فرفع رأسه فصعَّد فيَّ النظر وصوّبه، قال: "يا عمرو، إني أريد أن أبعثك وجهًا فيسلمك الله ويغنمك، وأَزْعَبُ لك من المال زَعْبَةً صالحة[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3)". قال: قلت: يا رسول الله، لم أسلم رغبةً في المال، إنما أسلمتُ رغبة في الجهاد والكينونة معك. قال: "يا عمرو، نِعِمَّا بالمال الصالح للرجل الصالح".

مع عثمان

وعن علقمة بن وقاص أن عمرو بن العاصقام إلى عثمانوهو يخطب الناس فقال: يا عثمان، إنك قد ركبت بالناس المهامة وركبوها منك، فتب إلى اللهوليتوبوا. قال: فالتفت إليه عثمانفقال: وإنَّك لهُنَاكَ يابن النابغة. ثم رفع يديه واستقبل القبلة وقال: أتوب إلى الله، اللهم إني أول تائب إليك.

ومن تربيته لابنه

عن عبد الله بن عمرو بن العاصقال: زوجني أبي امرأة من قريش، فلما دخلت عليَّ جعلت لا أنحاش[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4) لها مما بي من القوة على العبادة من الصوم والصلاة، فجاء عمرو بن العاص إلى كِنَّتِه حتى دخل عليها، فقال لها: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير الرجال أو كخير البعولة من رجل، لم يفتش لنا كنفًا، ولم يعرف لنا فراشًا. فأقبل عليَّ وعضني بلسانه، فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت وفعلت. ثم انطلق إلى النبيفشكاني، فأرسل إليَّ النبيفأتيته، فقال لي: "أتصوم النهار؟" قلت: نعم. قال: "وتقوم الليل؟" قلت: نعم. قال: "لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمسُّ النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

من أحاديثه عن النبي

عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، عن عمرو بن العاصأنه سمع رسول اللهيقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر".

وعن سعيد بن المسيب، حدثني عمرو بن العاصأنه سمع رسول اللهيقول: "كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا". قال: ثم دلَّى رسول اللهيده إلى الأرض فأخذ عودًا صغيرًا، ثم قال: "وذلك أنه لم يكن له ما للرجال إلا مثل هذا العود؛ ولذلك سماه الله سيدًا وحصورًا ونبيًّا من الصالحين".

من مناقبه

قال رسول الله: " أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاص".

وفاته

لما حضرته الوفاة قال: اللهم إنك أمرتني فلم أأتمر، وزجرتني فلم أنزجر. ووضع يده في موضع الغل وقال: اللهم لا قوي فأنتصر، ولا بريء فأعتذر، ولا مستكبر بل مستغفر، لا إله إلا أنت. فلم يزل يردِّدها حتى مات.

مات عمرو بن العاص يوم الفطر، وقد بلغ أربعًا وتسعين سنة، وصلى عليه ابنه عبد الله، ودُفن بالمقطم في سنة ثلاث وأربعين، ثم استعمل معاوية على مصر وأعمالها أخاه عتبة بن أبي سفيان.
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) السيوم: الآمنون.
[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) الدبر بلسان الحبشة: الجبل.
[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) "أزعب لك من المال زعبة": أى أدفع لك من المال دفعة.
[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) أنحاش: لا أكترث لها.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:48 AM
شرحبيل بن حسنة


نسبه وقبيلته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15113_image002.jpgشرحبيل بن حسنة وهي أمه وهي عدوية، وهو ابن عبد الله بن المطاع بن عمرو من كندة حليف لبني زهرة، ويكنى أبا عبد الله. أسلم شرحبيل قديمًا بمكة، وهو من مهاجرة الحبشة في الهجرة الثانية.

وكانيتميز بالشجاعة والإقدام، يشهد له بذلك جهاده مع رسول اللهومع الخلفاء الراشدين من بعده، ويكفي أن يذكر التاريخ عنه أنه فاتح الأردن، وأنه كان لجهاده في أرض الشام أثر كبير في اندحار الروم ونشر الإسلام في تلك الربوع.

وكان صريحًا لا يخشى في الحق أحدًا، فقد خطب عمرو بن العاص لما انتشر مرض الطاعون بالشام فقال: إن هذا الطاعون رجس فتفرقوا في هذه الشعاب، وفي هذه الأودية. فبلغ ذلك شرحبيل فغضب، وجاء وهو يجر ثوبه معلقًا نعله بيده[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

وقال شرحبيل بن حسنة لعمرو بن العاص: إن الطاعون وقع. فقال عمرو بن العاص: إنه رجس، فتفرقوا عنه. قال شرحبيل بن حسنة: إني قد صحبت رسول اللهوعمرو أضل من جمل أهله -وربما قال شعبة: أضل من بعير أهله- وإنه قال: "إنها رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، فاجتمعوا ولا تفرقوا عنه". قال: فبلغ ذلك عمرو بن العاص، فقال: صدق[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

وكان يجيد القراءة والكتابة، فقد كان من كُتَّاب الوحي.

من مواقفه مع الرسول

حدث موقف يدل على حبه للنبي، وأنه يفضله على نفسه؛ فعن الشفاء ابنة عبد الله قالت: جئت يومًا حتى دخلت على النبيفسألته وشكوت إليه، فجعل يعتذر إليَّ وجعلت ألومه قالت: ثم حانت الصلاة الأولى، فدخلت بيت ابنتي وهي عند شرحبيل بن حسنة، فوجدت زوجها في البيت فجعلت ألومه وقلت: حضرت الصلاة وأنت هاهنا. فقال: يا عمه، لا تلومني كان لي ثوبان استعار أحدهما النبي. فقلت: بأبي وأمي، أنا ألومه وهذا شأنه. فقال شرحبيل: إنما كان أحدهما درعًا فرقعناه[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

وكان شرحبيلهو الذي أخذ أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان من الحبشة بعد أن تزوجها رسول الله، وقد زوجها إياه عثمان بن عفان وهي بنت عمته أمها ابنة أبي العاص، زوجها إياه النجاشي وجهزها إليه وأصدقها أربعمائة دينار وأولم عليها عثمان بن عفان لحمًا وثريدًا، وبعث إليها رسول اللهشرحبيل بن حسنة، فجاء بها.

من مواقفه مع الصحابة والتابعين

إن أبا بكر الصديقلما حدث نفسه أن يغزو الروم لم يطلع عليه أحد، إذ جاءه شرحبيل بن حسنة فجلس إليه فقال: يا خليفة رسول الله، تحدثك نفسك أنك تبعث إلى الشام جندًا؟ فقال: نعم، قد حدثت نفسي بذلك، وما أطلعت عليه أحدًا، وما سألتني عنه إلا لشيء. قال: أجل يا خليفة رسول الله، إني رأيت فيما يرى النائم كأنك تمشي في الناس فوق حرشفة (الحرشفة: الأرض الغليظة) من الجبل، ثم أقبلت تمشي حتى صعدت قنة (قنة: القن بالضم الجبل الصغير) من القنان العالية، فأشرفت على الناس ومعك أصحابك، ثم إنك هبطت من تلك القنان إلى أرض سهلة دمثة (دمثة: دمث المكان وغيره كفرح سَهُل ولان، والدماثة سهولة الخلق) فيها الزرع والقرى والحصون، فقلت للمسلمين: شنوا الغارة على أعداء الله، وأنا ضامن لكم بالفتح والغنيمة. فشد المسلمون وأنا فيهم معي راية فتوجهت بها إلى أهل قرية فسألوني الأمان فأمنتهم، ثم جئت فأجدك قد جئت إلى حصن عظيم ففتح الله لك وألقوا إليك السلم، ووضع الله لك مجلسًا فجلست عليه، ثم قيل لك: يفتح الله عليك وتنصر فاشكر ربك واعمل بطاعته، ثم قرأ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلى آخرها، ثم انتبهت فقال له أبو بكر: نامت عيناك، خيرًا رأيت، وخيرًا يكون إن شاء الله.

ثم قال: بشرت بالفتح ونعيت إليَّ نفسي، ثم دمعت عينا أبي بكر، ثم قال: أما الحرشفة التي رأيتنا نمشي عليها حتى صعدنا إلى القنة العالية فأشرفنا على الناس، فإنا نكابد من أمر هذا الجند والعدو مشقة ويكابدونه ثم نعلو بعد ويعلو أمرنا، وأما نزولنا من القنة العالية إلى الأرض السهلة الدمثة والزرع والعيون والقرى والحصون، فإنا ننزل إلى أمر أسهل مما كنا فيه من الخصب والمعاش، وأما قولي للمسلمين: شنوا الغارة على أعداء الله، فإني ضامن لكم الفتح والغنيمة، فإن ذلك دنوّ المسلمين إلى بلاد المشركين، وترغيبي إياهم على الجهاد والأجر والغنيمة التي تقسم لهم وقبولهم، وأما الراية التي كانت معك فتوجهت بها إلى قرية من قراهم ودخلتها واستأمنوا فأمنتهم، فإنك تكون أحد أمراء المسلمين ويفتح الله على يديك، وأما الحصن الذي فتح الله لي فهو ذلك الوجه الذي يفتح الله لي، وأما العرش الذي رأيتني عليه جالسًا فإن الله يرفعني ويضع المشركين، قال الله تعالى ليوسف: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100]، وأما الذي أمرني بطاعة الله وقرأ عليَّ السورة فإنه نعى إليَّ نفسي، وذلك أن النبينعى الله إليه نفسه حين نزلت هذه السورة[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

ومن مواقفه مع التابعين أن شرحبيل بن حسنة أغار على ساسمة مصبحًا، فقال لمن معه من المسلمين: صلوا على الظهر. فمر بالأشتر يصلي على الأرض. فقال: مخالف خالف الله به. ومضى شرحبيل ومن معه، فاستحوذ على ساسمة فخربها، فهي خراب إلى اليوم[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).

وفاته

قيل: مات شرحبيل بن حسنة يوم اليرموك[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6). ويقال إنه طعن هو وأبو عبيدة بن الجراح في يوم واحد، ومات في طاعون عمواس وهو ابن سبع وستين، وحديثه في الطاعون ومنازعته لعمرو بن العاص في ذلك مشهورة[7] (http://vb.g111g.com/#_ftn7).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن الأثير: أسد الغابة 2/391.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) مسند الإمام أحمد رقم (17753)، 29/287، 288.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) الحاكم: المستدرك رقم (6872)، 4/64.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) المتقي الهندي: كنز العمال 5/858.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 1/3192.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6) السابق نفسه.

[7] (http://vb.g111g.com/#_ftnref7) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 3/328.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:49 AM
عمرو بن الجموح


هو عمرو بن الجموح صهر عبد الله بن عمرو بن حرام إذ كان زوج لأخته هند بنت عمرو، وكان ابن جمـوح أحد زعماء المدينة وسيد من سادات بني سلمـة، سبقه ابنـه معاذ ابن عمرو للإسلام فكان أحد السبعين في بيعة العقبة الثانية وكان له الفضل بإسلام أبيه...
حاله في الجاهلية:
كان عمرو بن الجموح سيدا من سادات بني سلمة، وشريفا من أشرافهم..
قصة إسلامه:
كان عمرو بن الجموح قد اصطنع صنما أقامه في داره وأسماه ( منافا )، فاتفق ولده معاذ بن عمرو وصديقه معاذ بن جبل على أن يجعلا من هذا الصنم سُخرية ولعب، فكانا يدلُجان عليه ليلا فيحملانه ويطرحانه في حفرة يطرح الناس فيها فضلاتهم، ويصبح عمرو فلا يجد ( منافا ) في مكانه فيبحث عنه حتى يجده طريح تلك الحفرة، فيثور ويقول:( ويلكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة؟)...ثم يغسله ويطهره ويطيبه، فإذا جاء الليل من جديد صنع الصديقان بالصنم مثل ما صنعا من قبل، حتى إذا سئم عمرو جاء بسيفه ووضعه في عنق ( مناف ) وقال له:( إن كان فيك خير فدافع عن نفسك )...
فلما أصبح لم يجده مكانه بل وجده بالحفرة نفسه، ولم يكن وحيدا بل كان مشدودا مع كلب ميت في حبل وثيق، وإذا هو في غضبه وأسفه، اقترب منه بعض أشراف المدينة الذين سبقوا إلى الإسلام، وراحوا وهم يشيرون الى الصنم يخاطبون عقل ( عمرو بن الجموح )، محدِّثينه عن الإله الحق الذي ليس كمثله شيء، وعن محمد الصادق الأمين وعن الإسلام الذي جاء بالنور، وفي لحظات ذهب عمرو فطهر ثوبه وبدنه، وتطيب وتألق وذهب ليبايع خاتم المرسلين...وقال في ذلك أبياتاً منها...

تالله لو كنتَ إلـهاً لم تكـنْ *** أنتَ وكلبٌ وسْطَ بئرٍ في قَرَن
أفّ لمصرعِك إلـهاً يستـدن *** الآن فلنثنانك عن سوء الغبـن
فالحمـد لله العلي ذي المنـن *** الواهـب الرزق وديان الدّيـن
هو الذي أنقذني مـن قبل أن *** أكـون في ظلمة قبـر مرتهن.
أثر الرسول صلى الله عليه سلم في تربيته:
أسلم عمرو بن الجموح قلبه وحياته لله رب العالمين، وعلى الرغم من أنه مفطور على الجود والكرم، فإن الإسلام زاد من جوده وعطائه في خدمة الدين والأصحاب، فقد سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- جماعة من بني سلمة قبيلة عمرو:( من سيِّدكم يا بني سلمة؟)...قالوا: ( الجد بن قيس، على بخـل فيـه )...فقال عليه السـلام:( وأيُّ داء أدْوَى من البخـل، بل سيدكم الجعـد الأبيـض عمرو بن الجمـوح )فكانت هذه الشهـادة تكريما لابن الجموح. وقال شاعر الأنصار في ذلك...

وقال رسول الله والحقُّ قولُهُ *** لمن قال منّ: مَنْ تُسَمّون سيّدا
فقالوا له جدّ بن قيس على التي *** نبخّله فيها وإن كان أسودَا
فتى ما تخطّى خطوةً لِدَنيَّةٍ *** ولا مدَّ في يومٍ إلا سَوْءةٍ يَـَدَا
فَسَوَّدَ عمرو بن الجموح لجودِهِ *** وحقَّ لعمرو بالنّدى أن يسوّدا
إذا جاءه السؤال أذهـبَ مالـَهُ *** وقال خُذوهُ إنّـه عائدٌ غَدَا
فلو كنتَ يا جَدُّ بن قيسٍ على التي *** علـى مثلها عمروٌ لكنتَ مُسَوَّدَ
أهم ملامح شخصيته:
مثلما كان عمرو -رضي الله عنه- يجود بماله أراد أن يجود بروحه في سبيل الله ولكن كيف ذلك وفي ساقه عرجا شديدا يجعله غير صالح للاشتراك في قتال، وله أربعة أولاد مسلمون، وكلهم كالأسود كانوا يخرجون مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الغزو، وحاول عمرو بن الجموح الخروج يوم بدر فتوسّل أبناؤه للرسول الكريم كي يقنعه بعدم الخروج، وبالفعل أخبره الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه معفي من الجهاد لعجزه الماثل بعرجه، وعلى الرغم من إلحاحه ورجائه، أمره الرسول بالبقاء في المدينة...
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم: وكان عمرو يولم على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا تزوج، ورواه أبو نعيم في "المعرفة" وفي "الحلية"، وأبو الشيخ أيضا والبيهقي في "الشعب" من طريق ابن عيينة، عن ابن المنكدر، عن جابر نحوه، وروى الوليد بن أبان في كتاب "السخاء" من طريق الأشعث بن سعيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر نحوه، ورواه أبو نعيم أيضا من طريق حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن عطاء، عن عبد الملك بن جابر بن عتيك، عن جابر بن عبد الله نحوه، وقال فيه: بل سيدكم الأبيض الجعد عمرو بن الجموح.
وقال ابن أبي شيبة في أخبار المدينة، حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ابن وهب قال حيوة: أخبرني أبو صخر أن يحيى بن النضر حدثه، عن أبي قتادة أنه حضر ذلك قال: أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: يا رسول الله أرأيت إن قاتلت حتى أقتل في سبيل الله تراني أمشي برجلي هذه في الجنة قال: نعم وكانت عرجاء، فقتل يوم أحد هو وابن أخيه فمر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- به فقال: فإني أراك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة، وأمر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بهما ومولاهما فجعلوا في قبر واحد، وأنشد له المرزباني قوله لما أسلم:
أتوب إلى الله سبحانه وأستغفر الله من ناره
وأثني عليه بالآئه بإعلان قلبي وإسراره بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
روى ثابت البناني: عن عكرمة قال: قدم مصعب بن عمير المدينة يعلم الناس. فبعث إليه عمرو بن الجموح: ما هذا الذي جئتموني؟ قالوا: إن شئت جئناك، فأسمعناك القرآن. قال: نعم. فقرأ صدرا من سورة يوسف فقال عمرو: إن لنا مؤامرة في قومنا. وكان سيد بني سلمة. فخرجوا، ودخل على مناف فقال: يا مناف! تعلم والله ما يريد القوم غيرك، فهل عندك من نكير؟ قال: فقلده السيف وخرج، فقام أهله فأخذوا السيف، فلما رجع قال: أين السيف يا مناف؟ ويحك! إن العنز لتمنع استه. والله ما أرى في أبي جعار غدا من خير. ثم قال لهم: إني ذاهب إلى مالي فاستوصوا بمناف خير. فذهب، فأخذوه فكسروه وربطوه مع كلب ميت وألقوه في بئر، فلما جاء قال: كيف أنتم؟ قالو: بخير يا سيدن. طهر الله بيوتنا من الرجس، قال: والله إني أراكم قد أسأتم خلافتي في مناف. قالوا: هو ذاك، انظر إليه في ذلك البئر. فأشرف فرآه، فبعث إلى قومه فجاءوا فقال: ألستم على ما أنا عليه؟ قالوا: بلى. أنت سيدنا قال: فأشهدكم أني قد آمنت بما أنزل على محمد.
أثره في الآخرين:
عن سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى: أن عمرو بن الجموح قال لبنيه أنتم منعتموني الجنة يوم بدر والله لئن بقيت، لأدخلن الجنة. فلما كان يوم أحد، قال عمر: لم يكن لي هم غيره، فطلبته، فإذا هو في الرعيل الأول.
ـ قالت امرأته هند أخت عبد الله بن عمرو بن حرام: كأني أنظر إليه قد أخذ درقته وهو يقول: اللهم لا تردني. فقتل هو وابنه خلاد.
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
عن أبي منصور مولى الأنصار عن عمرو بن الجموح أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يحق العبد حق صريح الإيمان حتى يحب لله تعالى ويبغض لله فإذا أحب لله تبارك وتعالى وأبغض لله تبارك وتعالى فقد استحق الولاء من الله وإن أوليائي من عبادي وأحبائي من خلقي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم
بعض كلماته:
عندما شرح الله صدره للإسلام ذهب فطهر ثوبه وبدنه، وتطيب وتألق وذهب ليبايع خاتم المرسلين...وقال في ذلك أبياتاً منه...

تالله لو كنتَ إلـهاً لم تكـنْ *** أنتَ وكلبٌ وسْطَ بئرٍ في قَرَن
أفّ لمصرعِك إلـهاً يستـدن *** الآن فلنثنانك عن سوء الغبـن
فالحمـد لله العلي ذي المنـن *** الواهـب الرزق وديان الدّيـن
هو الذي أنقذني مـن قبل أن *** أكـون في ظلمة قبـر مرتهن
موقف الوفاة:
قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يسار، عن أشياخ من بني سلمة أن عمرو بن الجموح كان رجلا أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه وقالوا له إن الله عز وجل قد عذرك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه. فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك، وقال لبنيه ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة فخرج معه فقتل يوم أحد..

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:52 AM
سويد بن مقرن



نسبه وقبيلته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15112_image002.jpgسويد بن مقرن بن عائذ بن ميجا بن هجير بن نصر بن أد المزني، أخو النعمان بن مقرن. وكان من رؤساء مزينة قبل الإسلام وبعده. وقد شهد بيعة الرضوان، وقد ذكر ابن سعد أنه شهد أحدًا.

قصة إسلامه

قدم أبو عائذ بن مُقَرِّن مع إخوته، ومنهم النعمان بن مقرن المزني، على رأس أربعمائة فارس من مزينة على رسول الله، وذلك في رجب من السنة الخامسة للهجرة، فشهدوا مع رسول اللهغزوة الخندق وغزواته كلها بعد إسلامهم، وبذلك نال سويد شرف الصحبة.

أهم ملامح شخصيته

تمتع سويد بن مقرنبالشجاعة وجهاده في ربوع الجزيرة العربية، يناضل بروحه وماله، يبحث عن الشهادة في سبيل الله.

واتصفبالورع والعفة، ومن ذلك أنه عمل لعمر بن الخطاب هو وأخوه النعمان على ما سقى من الفرات ودجلة فاستعفيا؛ فرارًا من إغراء المال، وحبًّا للتفرغ للجهاد[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

وتخلقبالحكمة والقدرة على اتخاذ القرارات، وظهر هذا في المعاهدة التي عقدها مع ملك جرجان الفارسي، وقد عقدها سويد على مسئوليته، ولكن عمر بن الخطابأقره عليها.

فكان فتح جرجان في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاببعد فتح نهاوند لما قتل النعمان بن مقرن ولي خلافته أخوه سويد بن مقرن، فجاء إلى الري وفتحها ثم عسكر إلى قومس وفتحها، ثم فتح جرجان[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

ولما ورد البشير بفتح الري وأخماسها كتب عمر إلى نعيم بن مقرن أن يبعث أخاه سويد بن مقرن إلى قومس، فسار إليها سويد فلم يقم له شيء حتى أخذها سلمًا وعسكر بها، وكتب لأهلها كتاب أمان وصلح[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

بعض مواقفه مع الصحابة

اشتركفي حروب العراق وأبلى أحسن البلاء وأجمله، وكان خالد بن الوليد يعتمد عليه في حروبه، وكان يجعله نائبًا على البلاد التي يتم فتحها مثل الحفير[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

وبعث خالد بن الوليد سويد بن مُقَرِّن المزني إلى نستر، فنزل العقر، وهي تسمى عقر سويد إلى اليوم[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).

وشاهداستشهاد أخيه النعمان بن مقرن، فقد خرجت الأعاجم وقد شدوا أنفسهم بالسلاسل لئلاّ يفروا، وحمل عليهم المسلمون فقاتلوهم، فرمي النعمان بنشابة فقتل (رحمه الله)، فلفه أخوه سويد بن مقرن في ثوبه، وكتم قتله حتى فتح الله عليهم، ثم دفع الراية إلى حذيفة بن اليمان، وقتل الله ذا الحاجب، وافتتحت نهاوند فلم يكن للأعاجم بعد ذلك جماع.

بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول

عن سويد بن مقرن قال: أتيت رسول اللهبنبيذ جر فسألته عنه، فنهاني عنه، فأخذت الجرة فكسرتها[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6).

وعن سويد بن مقرن: "من قتل دون مظلمته فهو شهيد".

وعن هلال بن يساف قال: كنا نبيع البر في دار سويد بن مقرن، فخرجت جارية وقالت لرجل منا كلمة، فلطمها، فغضب سويد وقال: لطمت وجهها! لقد رأيتني سابع سبعة من إخواني مع رسول اللهما لنا خادم إلا واحدة، فلطمها أحدنا، فأمرنا رسول اللهفأعتقناها[7] (http://vb.g111g.com/#_ftn7).

الوفاة

سكن بالبصرة أولاً ثم سكن الكوفة، وهو يعدُّ من الكوفيين، وقد مات بالكوفة.

وذكر العسكري أنه استشهد بالقادسية، وفيه نظر؛ لأن بشير بن يسار سمع منه وهو لم يلحق ذلك الزمان[8] (http://vb.g111g.com/#_ftn8).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) تاريخ الطبري 2/468.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) أبو القاسم الجرجاني: تاريخ جرجان 1/44.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) ابن كثير: البداية والنهاية 7/122.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) تاريخ الطبري 2/312.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) المصدر السابق 2/320.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6) الهيثمي: مجمع الزوائد 5/85.

[7] (http://vb.g111g.com/#_ftnref7) ابن عبد البر: الاستيعاب 1/205.

[8] (http://vb.g111g.com/#_ftnref8) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 3/229.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:54 AM
عمران بن حصين الخزاعي



هو عمران بن حصين بن عبيد بن خلف بن عبد نهم بن سالم بن غاضرة بن سلول بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة وهو لحي بن حارثة بن عمرو بن عامر يكنى أبا نجيد داره في سكة اصطفانوس بالبصرة.
إسلامه:
لم يذكر قصة لإسلامه والذي ذكر أنه أسلم عام خيبر أي سنة سبع من الهجرة،
أسلم هو وأبو هريرة عام خيبر..........
فضله ومكانته:
الملائكة تسلم عليه
عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال قال لي عمران بن حصين إن الذي كان انقطع عني قد رجع يعني تسليم الملائكة قال وقال لي اكتمه علي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن مطرف قال أرسل إلي عمران بن حصين في مرضه فقال إنه كان تسلم علي يعني الملائكة فإن عشت فاكتم علي وإن مت فحدث به إن شئت.
......وشهد غزوات وكان من سادات الصحابة استقضاه عبد الله بن عامر على البصرة فحكم له بها ثم استعفاه فأعفاه ولم يزل بها حتى مات فى هذه السنة قال الحسن وابن سيرين البصرى ما قدم البصرة راكب خير منه وقد كانت الملائكة تسلم عليه فلما اكتوى انقطع عنه سلامهم ثم عادوا قبل موته بقليل فكانوا يسلمون عليه رضى الله عنه وعن أبيه.
وكان ممن اعتزل الفتنة ولم يحارب مع علي.
وكان من فقهاء أهل البصرة
وكان عمران بن حصين من فضلاء الصحابة وفقهائهم يقول عنه أهل البصرة: إنه كان يرى الحفظة وكانت تكلمه حتى اكتوى
وقال محمد بن سيرين: أفضل من نزل البصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمران بن حصين وأبو بكرة..
وقال الحسن: لم يسكن البصرة أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمران بن حصين وأبي بكرة...

أهم ملامح شخصيته: الربانية: حيث أن الملائكة تسلم عليه ولا يحدث ذلك إلا مع إنسان بلغ من العبودية لله تعالى درجة عالية.
بذل العلم للناس ونلحظ ذلك من كثرة من تعلموا على يديه كما سيأتي في "أثره في الآخرين ( دعوته وتعليمه ) "
الفطنة وسرعة البديهة ويتضح ذلك من هذا الموقف:
عن حبيب بن أبي فضالة المالكي قال لما بني هذا المسجد مسجد الجامع قال وعمران بن حصين جالس فذكروا عنده الشفاعة فقال رجل من القوم يا أبا نجيد إنكم لتحدثونا بأحاديث ما نجد لها أصلا في القرآن فغضب عمران بن حصين وقال للرجل قرأت القرآن قال نعم قال وجدت فيه صلاة المغرب ثلاثا وصلاة العشاء أربعا وصلاة الغداة ركعتين والأولى أربعا والعصر أربعا قال لا قال فعمن أخذتم هذا الشأن ألستم أخذتموه عنا وأخذناه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أوجدتم في كل أربعين درهما درهم وفي كل كذا وكذا شاة كذا وفي كل كذا وكذا بعير كذا أوجدتم هذا في القرآن قال لا قال فعمن أخذتم هذا أخذناه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأخذتموه عنا قال فهل وجدتم في القرآن وليطوفوا بالبيت العتيق وجدتم هذا طوفوا سبعا واركعوا ركعتين خلف المقام أوجدتم هذا في القرآن عمن أخذتموه ألستم أخذتموه عنا وأخذناه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ووجدتم في القرآن لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام قال لا قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام أسمعتم الله يقول لأقوام في كتابه ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين حتى بلغ {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} قال حبيب أنا سمعت عمران يقول الشفاعة...
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
بكاء النبي صلى الله عليه وسلم من أحد مواقفه:
وقال ابن خزيمة حدثنا رجاء العذري حدثنا عمران بن خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين حدثني أبي عن أبيه عن جده أن قريشا جاءت إلى الحصين وكانت تعظمه فقالوا له كلم لنا هذا الرجل فإنه يذكر آلهتنا ويسبهم فجاءوا معه حتى جلسوا قريبا من باب النبي صلى الله عليه وسلم فقال أوسعوا للشيخ وعمران وأصحابه متوافرون فقال حصين ما هذا الذي بلغنا عنك إنك تشتم آلهتنا وتذكرهم وقد كان أبوك حصين خيرا فقال يا حصين إن أبي وأباك في النار يا حصين كم تعبد من إله قال سبعا في الأرض وواحدا في السماء قال فإذا أصابك الضر من تدعو قال الذي في السماء قال فإذا هلك المال من تدعو قال الذي في السماء قال فيستجيب لك وحده وتشركهم معه أرضيته في الشكر أم تخاف أن يغلب عليك قال ولا واحدة من هاتين قال وعلمت أني لم أكلم مثله قال يا حصين أسلم تسلم قال إن لي قوما وعشيرة فماذا أقول قال قل اللهم إني أستهديك لأرشد أمري وزدني علما ينفعني فقالها حصين فلم يقم حتى أسلم فقام إليه عمران فقبل رأسه ويديه ورجليه فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بكى وقال بكيت من صنيع عمران دخل حصين وهو كافر فلم يقم إليه عمران ولم يتلفت ناحيته فلما أسلم قضى حقه فدخلني من ذلك الرقة فلما أراد حصين أن يخرج قال لأصحابه قوموا فشيعوه إلى منزله فلما خرج من سدة الباب رأته قريش فقالوا صبأ وتفرقوا عنه.

بعض المواقف من حياته مع الصحابة: قال الحسن: تذاكر سمرة وعمران بن حصين فذكر سمرة أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة ولا الضالين. فأنكر ذلك عليه عمران بن حصين فكتبوا في ذلك إلى المدينة إلى أبي بن كعب فكان في جواب أبي بن كعب: أن سمرة قد صدق وحفظ.
وعن أبي قتادة- إن قصد بأبي قتادة الحارث بن ربعي فهو صحابي، وإن قصد به تميم بن نذير فهو من كبار التابعين ويكون هذا من مواقفه مع التابعين وليس مع الصحابة، وإن قصد به عبد الله بن واقد فهو من الطبقة الصغرى من الأتباع ولا أظنه هو - قال: قال لي عمران بن حصين الزم مسجدك قلت فإن دخل علي قال فالزم بيتك قال فإن دخل علي بيتي قال فقال عمران بن حصين لو دخل علي رجل بيتي يريد نفسي ومالي لرأيت أن قد حل لي قتاله.
أثره في الآخرين:
كان - رضي الله عنه - عظيم الأثر في غيره، ويبدو ذلك جليا من هذا العدد الكبير من التلامذة الذين نهلوا من علمه، وتربوا على يديه، وهذا بعضهم:
1- بشير بن كعب بن أبي وكنيته أبو أيوب وهو من كبار التابعين.
2- بلال بن يحيى وهو من الطبقة الوسطى من التابعين.
3- تميم بن نذير وكنيته أبو قتادة وهو من كبار التابعين.
4- ثابت بن أسلم وكنيته أبو محمد وهو من الطبقة دون الوسطى من التابعين.
5- حبيب بن أبي فضلان وهو من الطبقة الوسطى من التابعين.
6- حجير بن الربيع وكنيته أبو السوار وهو من الطبقة الوسطى من التابعين.
7- حسان بن حريث وكنيته أبو السوار وهو من كبار التابعين.
8- الحسن بن أب الحسن يسار وكنيته أبو سعيد وهو من الطبقة الوسطى من التابعين.
9- حفص بن عبد الله وهو من الطبقة الوسطى من التابعين.
10- الحكم بن عبد الله بن إسحاق وهو من الطبقة الوسطى من التابعين.
وغيرهم...............................
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا أركب الأرجوان ولا ألبس المعصفر ولا ألبس القميص المكفف بالحرير قال وأومأ الحسن إلى جيب قميصه وقال ألا وطيب الرجال ريح لا لون له ألا وطيب النساء لون لا ريح له. { البخاري - كتاب التيمم- باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء - رقم 331}
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم فقال يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك. {البخاري- كتاب التيمم - باب التيمم ضربة - رقم 335 }
وعنه أيضًا قال: صلى مع علي رضي الله عنه بالبصرة فقال ذكرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أنه كان يكبر كلما رفع وكلما وضع. { البخاري - كتاب الأذان - باب إتمام التكبير في الركوع - رقم 742}

بعض كلماته:
قال عمران بن حصين: لوددت أني كنت رمادا تسفيني الريح في يوم عاصف حثيث.
عن عمران بن حصين قال: افتدى يوم المريسيع نساء بني المصطلق وكان يتعاقلون في الجاهلية.
وقال: ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الوفاة: عن حفص بن النضر السلمي قال: حدثتني أمي عن أمها وهى بنت عمران بن حصين أن عمران بن حصين لما حضرته الوفاة قال: إذا مت فشدوا علي سريري بعمامتي فإذا رجعتم فانحروا وأطعموا..........
وكانت وفاته في سنة اثنتين وخمسين، ودفن بالبصرة.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:55 AM
عمار بن ياسر

هو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك المذحجي ثم العنسي أبو اليقظان.
وكان عمار رضي الله عنه آدم طويلا مضطربا أشهل العينين، بعيد ما بين المنكبين. وكان لا يغير شيبه وقيل: كان أصلع في مقدم رأسه شعرات.
وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام وهو حليف بني مخزوم. وأمه سمية وهي أول من استشهد في سبيل الله عز وجل وهو وأبوه وأمه من السابقين. وكان إسلام عمار بعد بضعة وثلاثين. وهو ممن عذب في الله.
وهاجر إلى المدينة وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حاله في الجاهلية:
قال الواقدي وغيره من أهل العلم بالنسب والخبر: إن ياسرا والد عمار عرني قحطاني مذحجي من عنس إلا أن ابنه عمارا مولى لبني مخزوم لأن أباه ياسرا تزوج أمة لبعض بني مخزوم فولدت له عمارا..
وكان سبب قدوم ياسر مكة أنه قدم هو وأخوان له يقال لهما الحارث ومالك في طلب أخ لهما رابع فرجع الحارث ومالك إلى اليمن وأقام ياسر بمكة فحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وتزوج أمة له يقال له: " سمية " فولدت له عمارا فأعتقه أبو حذيفة فمن هنا صار عمار مولى لبني مخزوم وأبوه عرني كما ذكرنا..
قصة إسلامه:
أسلم عمار ورسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم هو وصهيب بن سنان في وقت واحد: قال عمار: لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقلت: أردت أن أدخل على محمد وأسمع كلامه. فقال: وأنا أريد ذلك. فدخلنا عليه فعرض علينا الإسلام فأسلمنا...
وكان إسلامهم بعد بضعة وثلاثين رجلا.
وروى يحيى بن معين عن إسماعيل بن مجالد عن مجالد عن بيان عن وبرة عن همام قال: سمعت عمارا يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر..
وقال مجاهد: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله وأبو بكر وبلال وخباب وصهيب وعمار وأمه سمية
واختلف في هجرته إلى الحبشة. وعذب في الله عذابا شديدا.
أثر الرسول في تربيته:
ـ أخبر أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال:أخذ المشركون عمارا، فلم يتركوه حتى نال من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وذكر آلهتهم بخير، فلما أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله. والله ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، قال: " فكيف تجد قلبك "؟ قال: مطمئن بالإيمان. قال: " فإن عادوا فعد ".
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
روى أبو بلج عن عمرو بن ميمون قال عذب المشركون عماراً بالنار فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر به فيمر يده على رأسه ويقول: "يا نار كوني برداً وسلاماً" الأنبياء: 69، على عمار كما كنت على إبراهيم. تقتلك الفئة الباغية".
ويحدث أبو إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي قال استأذن عمار على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من هذا؟" قال عمار قال: "مرحباً بالطيب المطيب"
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
مع عمر:
روي أن عمر بن الخطاب عزل عمار بن ياسر عن الكوفة واستعمل أبا موسى. وسبب ذلك أن أهل الكوفة شكوه وقالوا له: إنه لا يحتمل ما هو فيه وإنه ليس بأمين، ونزا به أهل الكوفة. فدعاه عمر، فخرج معه وفدٌ يريد أنهم معه، فكانوا أشد عليه ممن تخلف عنه، وقالوا: إنه غير كافٍ وعالم بالسياسة ولا يدري على ما استعملته. وكان منهم سعد بن مسعود الثقفي، عم المختار، وجرير بن عبد الله، فسعيا به، فعزله عمر. وقال عمر لعمار: أساءك العزل؟ قال: ما سرني حين استعملت ولقد ساءني حين عزلت. فقال له: قد علمت ما أنت بصاحب عمل ولكني تأولت: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين) القصص: 5.
مع على:
يقول أبو عبد الرحمن السلمي: شهدنا صفين مع علي فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفين غلا رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبعونه كأنه علم لهم قال: وسمعته يومئذ يقول لهاشم بن عتبة بن أبي وقاص: يا هاشم تفر من الجنة!
الجنة تحت البارقة اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على حق وأنهم على الباطل.
وقال أبو البختري: قال عمار بن ياسر يوم صفين: ائتوني بشربة. فأتي بشربة لبن فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن " وشربها ثم قاتل حتى قتل.
وكان عمره يومئذ أربعا وتسعين سنة وقيل: ثلاث وتسعون وقيل: إحدى وتسعون.
مع خالد بن الوليد:
يروي سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: وقع بين خالد بن الوليد وعمار بن ياسر كلام فقال: عمار لقد هممت ألا أكلمك أبدا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا خالد مالك ولعمار رجل من أهل الجنة قد شهد بدرا وقال لعمار: إن خالدا - يا عمار - سيف من سيوف الله على الكفار ". قال: خالد فما زلت أحب عمارا من يومئذ.
أثره في الآخرين:
عبد الله بن عمر قال: رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون أنا عمار بن ياسر هلموا إلي وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تدبدب وهو يقاتل أشد القتال.
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
وروي عن الحسن بن أبي الحسن عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا تقربهم الملائكة جيفة الكافر والمتضمخ بالخلوق والجنب إلا أن يتوضأ.
ـ وعن يحيى بن يعمر عن عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة
وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح..
مناقبه:
أنه أول من بنى مسجدا في الإسلام.
فعن عبد الرحمن بن عبد الله عن الحكم بن عتيبة قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أول ما قدمها ضحى فقال عمار: ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم بد أن نجعل له مكانا إذا استظل من قائلته ليستظل فيه ويصلي فيه: فجمع حجارة فبنى مسجد قباء فهو أول مسجد بني وعمار بناه..
وعن عمرو بن شرحبيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمار ملئ إيماناً إلى مشاشه".
روي أن حذيفة أتى وهو ثقيل بالموت، فقيل له: قتل عثمان فما تأمرن؟ فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: " أبو اليقظان على الفطرة " ثلاث مرات " لن يدعها حتى يموت أو يلبسه الهرم ". أبو نعيم: حدثنا سعد بن أوس عن بلال بن يحيي، أن حذيفة أتي وهو ثقيل بالموت، فقيل له: قتل عثمان فما تأمرن؟ فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: " أبو اليقظان على الفطرة " ثلاث مرات " لن يدعها حتى يموت أو يلبسه الهرم ".
موقف الوفاة:
روى عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسل سيف. وشهد صفين ولم يقاتل وقال: لا أقاتل حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تقتله الفئة الباغية". فلما قتل عمار قال خزيمة: ظهرت لي الضلالة. ثم تقدم فقاتل حتى قُتل.
ولما قُتل عمار قال: " ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم "
وقد اختلف في قاتله فقيل: قتله أبو الغادية المزني وقيل: الجهني طعنه طعنة فقط فلما وقع أكب عليه آخر فاحتز رأسه فأقبلا يختصمان كل منهما يقول: " أنا قتلته ". فقال عمرو بن العاص: والله إن يختصمان إلا في النار والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة وقيل: حمل عليه عقبة بن عامر الجهني وعمرو بن حارث الخولاني وشريك بن سلمة المرادي فقتلوه.
وكان قتله في ربيع الأول أو: الآخر - من سنة سبع وثلاثين ودفنه علي في ثيابه ولم يغسله. وروى أهل الكوفة أنه صلى عليه وهو مذهبهم في الشهيد أنه يصلي عليه ولا يغسل.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:56 AM
سواد بن غزية

نسبه وقبيلته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15111_image002.jpgسَوَاد بن غَزِيَّة الأنصاري من بني عدي بن النجار، وقيل: هو حليف لهم من بني بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. شهد غزوة بدر والمشاهد بعدها، وهو الذي أسر خالد بن هشام المخزومي يوم بدر[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1). وكانيحب رسول الله، وقد ظهر هذا الحب يوم بدر.

حبه الكبير لرسول الله

عدل رسول اللهصفوف أصحابه يوم بدر وفي يده قدح يعدل به القوم،
فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار وهو مستنتل من الصف، فطعن رسول اللهفي بطنه بالقدح وقال: "استوِ يا سوادُ بن غزية". قال: يا رسول الله، أوجعتني وقد بعثك الله بالحق، فأقدني. قال: فكشف رسول اللهعن بطنه، ثم قال: "استقد". قال: فاعتنقه وقبَّل بطنه. فقال: "ما حملك على هذا يا سواد؟" فقال: يا رسول الله، حضر ما ترى فلم آمن القتل، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك. فدعا له رسول اللهبخير، وقال له خيرًا[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

هؤلاء هم صحابة رسول الله، كانوا يحبون النبيأكثر من أنفسهم، ويقدمون أرواحهم رخيصة فداء له، ولا يبغون من الدنيا شيئًا إلا مرافقته.

بعث رسول اللهسواد بن غزية أخا بني عدي من الأنصار وأمَّره على خيبر، فقدم عليه بتمر جنيب يعني الطيب، فقال رسول الله: "أكل تمر خيبر هكذا؟" قال: لا والله يا رسول الله، إنا نشتري الصاع بالصاعين والصاعين بثلاثة آصعٍ من الجمع. فقال رسول الله: "لا تفعل، ولكن بع هذا واشتر بثمنه من هذا، وكذلك الميزان"[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن الأثير: أسد الغابة 1/491.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) تاريخ الطبري 2/32.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) ابن عساكر: تاريخ دمشق 36/474.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:58 AM
علقمة بن زيد

قال ابن حجر في الإصابة: علقمة بن زيد له إدراك، أشار إلى ذلك ابن حبان في الثقات وقال: كتب إليه عمر، روى عنه زيد بن رفيع. وفي المعجم الصغير: عن علقمة بن زيد مزيد عن عبد الرحمن بن سابط عن خالد بن الوليد أنه أصابه أرق فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن نمت قل اللهم رب السماوات السبع وما أظلت ورب الأرضين السبع وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت كن لي جارا من شر خلقك جميعا أن يفرط علي أحد منهم أو أن يطغى عز جارك ولا إله غيرك

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 03:59 AM
عكرمة بن أبي جهل


اسمه وحاله في الجاهلية

هو عكرمة بن أبي جهل بن هشام بن المغيرة، واسم أبي جهل عمرو، وكنيته أبو الحكم، وإنما رسول اللهوالمسلمون كنَّوْهُ أبا جهل، فبقي عليه ونُسي اسمه وكنيته. وقد كان عكرمة مثل أبيه شديد العداوة للإسلام، ومن ثَمَّ نجده مع أبيه يوم بدر، وخرج يوم أُحد ليثأر لقتل أبيه، وغيرها من المشاهد مع المشركين.

موكب النور يقترب من عكرمة

في السنة الثامنة من الهجرة اتجه المسلمون إلى مكة فاتحين، ويُقرِّر الرسول الرحيم العفو عن جميع أهل مكة من المشركين إلا أربعة أنفس منها عكرمة بن أبي جهل، ويأمر بقتلهم وإنْ وجدوا متعلقين بأستار الكعبة. فهرب عكرمة ولحق باليمن، فركب البحر فأصابتهم عاصف، فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة: أخلصوا؛ فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئًا هاهنا. فقال عكرمة: "لئن أنجاني الله من هذا لأرجعَنَّ إلى محمدولأضعنَّ يدي في يده". فسكنت الريح، فرجع عكرمة إلى مكة فأسلم وحسن إسلامه.

وتُسلِم زوجته أم حكيم، وهي بنت عمِّه الحارث بن هشام، وتستأمن له من رسول اللهفيؤمِّنه، وتسير إليه الزوجة الحريصة على نجاته من النار وهو باليمن بأمان رسول اللهفيقدم معها، ويُعلِن أمام رسول اللهشهادة الإسلام، فسُرَّ بذلك.

ومنذ إسلامهحاول أن يعوض ما فاته من الخير، فقد أتى النبيَّوقال: "يا رسول الله، والله لا أترك مقامًا قمتُهُ لأصدَّ به عن سبيل الله إلا قمتُ مثله في سبيله، ولا أترك نفقةً أنفقتها لأصد بها عن سبيل الله إلا أنفقت مثلها في سبيل الله".

من أحاديثه عن النبي

روى الإمام أحمد بسنده قال: حدثنا حجاج، حدثني شعبة، عن قتادة، عن عكرمةأنه قال: "لما نزلت هذه الآية: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 1، 2]. قال أصحاب رسول الله: (هنيئًا مريئًا لك يا رسول الله، فما لنا؟) فنزلت هذه الآية: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} [الفتح: 5]".

جهاده في سبيل الله

ظهرت ملامح بطولته وسماته القيادية في حروب الردة، فقد استعمله أبو بكرعلى جيش وسيَّره إلى أهل عُمان وكانوا ارتدُّوا فظهر عليهم. ثم وجّهه أبو بكرأيضًا إلى اليمن، فلما فرغ من قتال أهل الرِّدَّة سار إلى الشام مجاهدًا أيام أبي بكرمع جيوش المسلمين، فلما عسكروا بالجرف على ميلين من المدينة، خرج أبو بكريطوف في معسكرهم، فبصر بخباء عظيم حوله ثمانية أفراس ورماح وعدة ظاهرة، فانتهى إليه فإذا بخباء عكرمة، فسلم عليه أبو بكروجزاه خيرًا، وعرض عليه المعونة، فقال: "لا حاجة لي فيها، معي ألفا دينار". فدعا له بخير، فسار إلى الشام واستشهد.

أهم ملامح شخصيته

الحب العميق للقرآن

كان عكرمة بن أبي جهليأخذ المصحف، فيضعه على وجهه ويقول: "كلام ربي، كلام ربي".

الإيثار في أشد المواقف

روى حبيب بن أبي ثابت أن الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وعياش بن أبي ربيعة -رضي الله عنهم- جرحوا يوم اليرموك، فدعا الحارث بن هشامبماء ليشربه، فنظر إليه عكرمة، فقال الحارث: ادفعوه إلى عكرمة. فلما أخذه عكرمةنظر إليه عياش، فقال عكرمة: ادفعوه إلى عياش. فما وصل إلى عياش ولا إلى أحد منهم حتى ماتوا جميعًا وما ذاقوه.

الجانب القيادي

لقد كانقائدًا في جاهليته، وعندما أسلم ظل محتفظًا بهذه السمة.

الأثر النبوي في هذه الشخصية

حينما قدم عكرمة ليعلن إسلامه وثب النبيإليه دون رداء مستقبلاً له؛ فرحًا بقدومه، وقال له: "مرحبًا بالراكب المهاجر". ولعل الحبيبعانقه، فأزال ما على قلبه من ركام الجاهلية. ولا شك أن لهذه المواقف العظيمة وغيرها من رسول الله، أعظمَ الأثر في نفس هذا الصحابي العظيم.

المشهد الأخير

تُوُفِّيفي معركة اليرموك، فوُجد به بضع وسبعون ما بين طعنة وضربة ورمية.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:01 AM
سهل بن حنيف


نسبه وقبيلته

سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة.

أهم ملامح شخصيته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15110_image002.jpgصفات يعجز الإنسان عن وصفها لهذا الصحابي الجليل، منها حب الرسول والتفاني في الدفاع عنه، وقد ظهر هذا واضحًا جليًّا في دفاعه عن رسول اللهيوم غزوة أحد.

وكذلك من هذه الصفات الشجاعة والإقدام، فهو قد حضر المشاهد كلها مع رسول الله، وشهد معارك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

من مواقفه مع الرسول في حياته

شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله، وثبت يوم أحدوكان بايعه يومئذٍ على الموت، فثبت معه حين انكشف الناس عنه وجعل ينضح بالنبل يومئذ عن رسول الله، فقال رسول الله: "نبلوا سهلاً فإنه سهل"[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

وقال الزهري: لم يعط رسول اللهمن أموال بني النضير أحدًا من الأنصار إلا سهل بن حنيف، وأبا دجانة. وكانا فقيرين[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

من مواقفه مع الصحابة

مواقف عديدة بين سهل بن حنيف وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- وشاء القدر أن يجمع بين هذين الصحابيين، فلا نكاد نقرأ اسم واحد منهما إلا نجده مقرونًا باسم أخيه، فقد آخى بينهما رسول اللهفي الله؛ لذا كان لزامًا علينا أن نذكر بعض المواقف في حياتهما، فلا أظن أن سيدنا سهل لو كان حيًّا كان سيغفر لنا أن نكتب عنه بحثًا ولا نذكر فيه أخاه ورفيق دربه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

وكانت هناك بقباء امرأة لا زوج لها مسلمة، فيقول علي: فرأيت إنسانًا يأتيها من جوف الليل فيضرب عليها بابها فتخرج إليه، فيعطيها شيئًا معه فتأخذه. قال: فاستربت بشأنه، فقلت لها: يا أمة الله، من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة، فتخرجين إليه فيعطيك شيئًا لا أدري ما هو وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك؟ قالت: هذا سهل بن حنيف بن واهب، قد عرف أني امرأة لا أحد لي، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ثم جاءني بها. فقال: احتطبي بهذا. فكان علييأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف حتى هلك عنده بالعراق[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

وهكذا كان دأب صحابة رسول اللهكفالة الفقير، وتقديم يد العون له، وبذلك يكون المجتمع الإسلامي كالجسد الواحد يشد بعضه بعضًا.

بعض الأحاديث التي رواها عن رسول الله

عن يسير بن عمرو قال: قلت لسهل بن حنيف: هل سمعت النبييقول في الخوارج شيئًا؟ قال سمعته يقول وأهوى بيده قبل العراق: "يخرج منه قوم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية"[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

وعن ابن أبي ليلى أن قيس بن سعد وسهل بن حنيف كانا بالقادسية، فمرت بهما جنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض. فقالا: إن رسول اللهمرت به جنازة فقام، فقيل إنه يهودي، فقال: "أليست نفسًا"[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).

الوفاة

توفي سهل بن حنيفبالكوفة سنة ثمانٍ وثلاثين، وصلى عليعلى سهل بن حنيف، فكبر عليه ستًّا، ثم التفت إلينا فقال: إنه بدري[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 3/198.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) الذهبي: تاريخ الإسلام 1/478.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) ابن هشام: السيرة النبوية 3/21.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) رواه البخاري: باب من ترك قتال الخوارج للتألف ولئلا ينفر الناس عنه (6535)، 6/2541.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) رواه مسلم: باب القيام للجنازة (2269)، 3/58.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6) رواه الطبراني في الكبير (5546)، 6/72.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:02 AM
عقيل بن أبي طالب


اسمه وشرف نسبه

هو عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وكان أسنَّ بني أبي طالب بعد طالب، وكان عقيل أسنَّ من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر أسن من عليٍّ بعشر سنين، فعليٌّ كان أصغرهم سنًّا، وأوَّلهم إسلامًا.

حاله في الجاهلية

كان علاَّمة بالنسب وأيام العرب، وقد خرج عقيل بن أبي طالب فيمن أخرج من بني هاشم كرهًا مع المشركين إلى بدر، فشهدها وأُسر يومئذٍ، وكان لا مالَ له، ففداه عمُّه العباس بن عبد المطلب.

عمره عند الإسلام

كانيبلغ من العمر عندما أسلم اثنتين وخمسين سنة؛ إذ إنه ولد قبل الهجرة بأربع وأربعين سنة، وأسلم سنة ثمانٍ من الهجرة في عام الحديبية، وقد حسن إسلامه.

أثر الرسول في تربيته

عن أبي إسحاق أن رسول اللهقال لعقيل بن أبي طالب: "يا أبا يزيد، إني أحبك حبين: حبًّا لقرابتك، وحبًّا لما كنت أعلم من حب عمي إياك".

وعن عليأن النبيقال: "أعطي لكل نبي سبعة رفقاء نجباء، وأعطيت أنا أربعة عشر"، فذكر منهم عقيلاً.

أهم ملامح شخصيته

الثبات

عن حسين بن عليقال: كان ممن ثبت مع النبييوم حنين العباسُ، وعلي، وأبو سفيان بن الحارث، وعقيل بن أبي طالب، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، والزبير بن العوام، وأسامة بن زيدأجمعين.

الورع

عن زيد بن أسلم أن عقيل بن أبي طالبدخل على امرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة وسيفه متلطخ بالدماء، فقالت: قد عرفت أنك قاتلت، فما أصبت من غنائم المشركين! فقال: دونك هذه الإبرة، فخيطي بها ثيابك. ودفعها إليها، فسمع منادي النبييقول: "من أصاب شيئًا فليرده، وإن كان إبرة". فرجع عقيل إلى امرأته، فقال: ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت عنك. فأخذ عقيلالإبرة، فألقاها في الغنائم.

قوته البدنية

عمّر عقيلطويلاً، وكان قويَّ الجسم، شديد البنية، شُوهد مرّةً وهو شيخ كبير يحمل دلو ماء كبيرًا.

بعض المواقف من حياته مع الرسول

عن جابر بن عبد اللهقال: "بارز عقيل بن أبي طالب رجلاً يوم مؤتة فقتله، فنفله رسول اللهخاتمه وسلبه".

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

قال حميد بن هلال: أتى عقيلعليًّا، فقال: يا أمير المؤمنين، إني محتاج، وإني فقير فأعطني. قال: اصبر حتى يخرج عطائي مع المسلمين فأعطيك معهم. فألحَّ عليه، فقال لرجل: خذ بيده، فانطلق به إلى حوانيت أهل السوق، فقل: دقّ هذه الأقفال، وخذ ما في هذه الحوانيت.
فقال: يا أمير المؤمنين، أردت أن تتخذني سارقًا!
قال: أنت -والله- أردت أن تتخذني سارقًا، أن آخذ أموال الناس فأعطيكها دونهم.
قال: لآتيَنَّ معاوية.
قال: أنت وذاك. فأتى معاوية فسأله فأعطاه مائة ألف، ثم قال: اصعد المنبر، فاذكر ما أولاك عليٌّ من نفسه، وما أوليتك من نفسي.

أثره في الآخرين

روى عدة أحاديث عن الرسول، وروى عنه ابنه محمد وحفيده عبد الله بن محمد، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم.

بعض الأحاديث التي نقلها عن النبي

عن الحسن، عن عقيل بن أبي طالبأنه تزوج، فقيل له: بالرفاء والبنين. قال: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا كما قال رسول الله: "على الخير والبركة، بارك الله لك وبارك عليك".

وعن عقيل بن أبي طالب، أن رسول اللهقال لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي".

وفاته

تُوُفِّي عقيل بن أبي طالبفي خلافة معاويةسنة 49 من الهجرة، ودُفن في المدينة في بقيع الغرقد، وقبره معروف.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:03 AM
سمرة بن جندب

نسبه وقبيلته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15109_image002.jpgسمرة بن جندب بن هلال بن حريج بن مرة بن حزن بن عمرو، يكنى أبا سليمان، قدمت به أمه بعد موت أبيه، فتزوجها رجل من الأنصار.

ولم يدرك الجاهلية، ولاقى رسول اللهوهو بعد طفل.

من مواقفه مع الرسول

كان رسول اللهيعرض غلمان الأنصار، فمر به غلام فأجازه في البعث، وعرض عليه سمرة فرده، فقال: لقد أجزت هذا ورددتني، ولو صارعته لصرعته. قال: "فدونكه فصارعه". فصرعه سمرة، فأجازه[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

وهذا يدل على حرص الفتيان من الصحابة على أن ينالوا شرف الجهاد في سبيل الله.

أهم ملامح شخصيته

خلال عذبة، وشمائل كريمة تمتع بها الصحابي الجليل، منها الشجاعة وعدم التسامح مع المخطئين، وقد ظهر هذا في تعامله مع الخوارج.

ولما مرض سمرة بن جندب مرضه الذي مات فيه أصابه برد شديد فأوقدت له نار، فجعل كانونًا بين يديه وكانونًا خلفه وكانونًا عن يمينه وكانونًا عن يساره، قال: فجعل لا ينتفع بذلك ويقول: كيف أصنع بما في جوفي؟ فلم يزل كذلك حتى مات.

إنه لموقف رائع من الصحابي الجليل في يوم وفاته، وهو موقف ما أحرانا في هذه الأيام أن نتعلم من موقف سمرة، وأن نخاف من الله، ونعمل ليوم تشخص فيه الأبصار.

بعض الأحاديث التي رواها عن النبي

عن سمرة بن جندب: أن امرأة ماتت في بطن، فصلى عليها النبيفقام وسطها[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2). أي وقف في الصلاة عليها محاذيًا لوسطه.

وعن سمرة بن جندبقال: قال النبي: "رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان. فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا".

وعن سمرة بن جندبقال: قال رسول اللهلنا: "أتاني الليلة آتيان فابتعثاني فانتهيا بي إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء، قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة. قالا لي: هذه جنة عدن وهذاك منزلك. قالا: أما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا، تجاوز الله عنهم"[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

وعن سمرة بن جندب: عن النبيقال: "لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضب الله ولا بالنار"[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

موقف وفاته

مات سمرة قبل سنة ستين، قال ابن عبد البر: سقط في قدر مملوء ماء حارًّا، فكان ذلك تصديقًا لقول رسول اللهله ولأبي هريرة ولأبي محذورة: "آخركم موتًا في النار". قيل مات سنة ثمانٍ، وقيل سنة تسع وخمسين، وقيل في أول سنة ستين[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 3/178.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) رواه البخاري: باب الصلاة على النفساء وسنتها (325)، 1/125.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) رواه البخاري: باب قوله "وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم" رقم (4397)، 4/1717.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) رواه أبو داود: باب في اللَّعْنِ رقم (4908)، 4/430. قال الألباني: حسن.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 3/178.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:04 AM
عطارد بن حاجب


هو عطارد بن حاجب بن مناة بن تميم التميمي أبو عكرمة..
قصة إسلامه:
قال ابن إسحاق: لما قدم وفد بني تميم دخلوا المسجد ونادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اخرج إلينا يا محمد فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم فخرج إليهم فقالوا: جئنا لنفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا قال نعم قد أذنت لخطيبكم فليقم فقام عطارد بن حاجب فقال الحمد لله الذي جعلنا ملوكا الذي له الفضل علينا والذي وهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثره عددا وأيسره عدة فمن مثلنا في الناس؟ ألسنا رءوس الناس وأولي فضلهم فمن فاخرنا فليعد مثل ما عددنا فلو شئنا لأكثرنا من الكلام ولكن نستحي من الإكثار لما أعطانا أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا أو أمر أفضل من أمرنا ثم جلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس: " قم فأجبه " فقام فقال الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه قضى فيهن أمره ووسع كرسيه علمه ولم يكن شيء قط إلا من فضله ثم كان من فضله أن جعلنا ملوكا واصطفى من خير خلقه رسولا أكرمه نسبا وأصدقه حديثا وأفضله حسبا فأنزل عليه كتابا وائتمنه على خلقه وكان خيرة الله من العالمين ثم دعا الناس إلى الإيمان بالله فآمن به المهاجرون من قومه ذوي رحمه أكرم الناس أحسابا وأحسنهم وجوها وخير الناس فعلا ثم كان أول الخلق إجابة واستجابة لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن فنحن أنصار الله ووزراء رسول الله صلى الله عليه وسلم نقاتل الناس حتى يؤمنوا فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه ومن نكث جاهدناه في الله أبدا وكان قتله علينا يسيرا أقول هذا وأستغفر الله العظيم للمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم ثم ذكر قيام الزبرقان وإنشاده وجواب حسان له بالأبيات المتقدمة فلما فرغ حسان من قوله قال الأقرع بن حابس إن هذا الرجل خطيبه أخطب من خطيبنا وشاعره أشعر من شاعرنا وأقوالهم أعلى من أقوالنا ثم أجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
ـ رواه مسلم عن عطارد بن حاجب أنه أهدى إلى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ثوب ديباج كساه إياه كسرى، فدخل أصحابه فقالوا: نزل عليك من السماء؟ فقال: وما تعجبون من ذا، لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا.
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
عن عطارد بن حاجب أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب ديباج كساه إياه كسرى، فدخل أصحابه فقالوا أنزل عليك من السماء؟ فقال: وما تعجبون من ذي، لمنديل من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا. ثم قال: يا غلام اذهب إلى أبي جهم بن حذيفة وقل له: يبعث لي بالخميصة..
بعض كلماته:
وارتد عطارد بن حاجب بعد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مع من ارتد من بني تميم، وتبع سجاح، ثم عاد إلى الإسلام، وهو الذي قال فيها:
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها وأضحت أنبياء الناس ذكرانا
فلعنة الله رب الناس كلهم على سجاح ومن بالكفر أغوانا.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:05 AM
عروة بن مسعود




هو عروة بن مسعود بن معتّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف الثقفي.
http://ar.islamstory.net/images/stories/3orwa_mas3od.jpgوهو عم والد المغيرة بن شعبة، وأمه سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف أخت آمنة، كان أحد الأكابر من قومه، وقيل: إنه المراد بقوله عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ قال ابن عباس وعكرمة ومحمد بن كعب وقتادة والسدي: المراد بالقريتين مكة والمدينة، واختلفوا في تعيين الرجل المراد، فعن قتادة أرادوا الوليد بن المغيرة من أهل مكة وعروة بن مسعود الثقفي من أهل الطائف.
حاله في الجاهلية:
قالوا: كان عروة بن مسعود حين حاصر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف بجرش يتعلم عمل الدبابات والمنجنيق ثم رجع إلى الطائف بعد أن ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل الدبابات والمنجنيق والعرادات وأعد ذلك حتى قذف الله عز وجل في قلبه الإسلام فقدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم.. قصة إسلامه قال ابن إسحاق: لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف اتبع أثره عروة بن مسعود بن معتب حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى قومه بالإسلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن فعلت فإنهم قاتلوك ". فقال له عروة: يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبصارهم وكان فيهم محببا مطاعا فخرج يدعو قومه إلى الإسلام فاظهر دينه رجاء ألا يخالفوه لمنزلته فيهم فلما أشرف على قومه وقد دعاهم إلى دينه رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله رضي الله عنه. بعض المواقف من حياته مع النبي صلى الله عليه وسلم ـ اخرج الشيخان فى صحيحيهما من حديث مسور ابن مخرمة رضى الله عنه فى حديث صلح الحديبية وفى هذا الحديث أن عروة ابن مسعود الثقفى وكان إذ ذاك كافرا قال لقريش: الست منكم بمنزلة الولد؟ قالوا بلى، قال الستم منى بمنزلة الوالد؟ قالوا بلى، قال فدعونى آته - يقصد النبي عليه الصلاة والسلام - فاعرض عليه وقد عرض عليكم خطة رشد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال لبديل ابن ورقاء قبل عروة ابن مسعود: إننا ما جئنا لقتال إنما جئنا قاصدين البيت، وكان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام قد أهلوا بالعمرة فصدتهم قريش عن البيت فقال النبي عليه الصلاة والسلام لبديل ابن ورقاء: إننا ما جئنا لقتال إنما جئنا قاصدين البيت فإن شاؤا ماددتهم مدة وإلا فوالله لا قاتلنهم على آمري حتى تنفرد سالفتى - يعنى أنا إذا دخلت في حرب أنا لا أتهاون ولن أتردد أبدا في ان ادخل في حرب، إنما إذا أرادوا الهدنة ماددتهم مدة أخرى – هذا الكلام لم يعجب قريشا وظلت المسائل فى شد وجذب فلما رأى عروة ابن مسعود الثقفى هذا الشد والجذب قال: فدعونى آته ربما يكون هناك أمور أخرى في المفاوضات فيقول قولا آخر بخلاف ما قاله لبديل ابن ورقاء – ثم إن عروة بن مسعود قال قولا ليؤكد أمانته فى رفع التقرير، قال ألستم منى بمنزلة الوالد؟؟ وعادة لا يخدع الولد والده، قالوا بلى قال الست منكم بمنزلة الولد؟؟؟ يعنى انتم منى بمنزلة الوالد وأنا منكم بمنزلة الولد؟؟؟ يعنى مسالة الخيانة في رفع التقرير هذه مسالة غير واردة – قالوا بلى – قال دعونى آته فجاء النبي عليه الصلاة والسلام فقال له نحوا من قوله لبديل ابن ورقاء فجاءه عروة ابن مسعود فقال: يا محمد إنها واحدة من اثنتين إذا قامت الحرب بيننا وبينك واجتحت قومك وغلبتهم ووضعت أنوفهم في التراب فهل علمت أحدا اجتاح قومك قومه قبلك؟؟ كأنه يذكره انه هذا ليس من مكارم الأخلاق – انك إن ظفرت بقومك واهلك وعشيرتك فانك تفعل فيهم كل ذلك، وإلا كأنه قال وما أخالك تستطيع أن تفعل كل ذلك وإذا قامت الحرب فوالله ما أرى حولك إلا أوباشا خليقا أن يفروا ويدعوك، قال أبو بكر رضى الله عنه أنحن نفر وندعه؟؟؟ وقال له كلمة عظيمة، فقال عروة ابن مسعود من هذا؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام إنه ابن أبى قحافة – فقال والله لولا أن لك عليا يدا لأجبتك، وفى رواية محمد ابن إسحاق عن الزهري عن المسور في هذا الحديث قال: ولكن هذه بتلك، يعنى هذه الإساءة منك أكلت جميلك السابق وليس لك عندي جميل، فمعنى الكلام انك لو تكلمت في حق آلهتنا لرددت عليك لأنك استوفيت جميلك السابق بهذه الكلمة العظيمة، ثم كان وقت الظهر فجيء للنبي صلى الله عليه وسلم بوضوء – وترك النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه يفعلون ما كان ينهاهم عنه قبل ذلك وهذه سياسة حكيمة – هذه هي السياسة الشرعية – رعاية المصالح – النبي كان ينهى الصحابة عن القيام فقد فعلوا في هذا الموقف ما هو أعظم من القيام ومع ذلك تركهم النبي صلى الله عليه وسلم، لماذا؟؟ حتى يرى عدوه أن هؤلاء لا يسلمونه أبدا وان هؤلاء لو دخلوا في حرب لا يهزمون، وجيء بوضوء فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم فاغتسل أصحابه على وضوءه، ما سقطت قطرة ماء على الأرض. وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن اقل من ذلك– ولما قال له رجل أنت سيدنا وابن سيدنا قال قولوا بقولكم ولا يستجدينكم الشيطان إنما أنا عبد الله ورسوله، مجرد كلام قاله الرجل وهو كذلك، هو سيدنا لا شك في ذلك ومع ذلك يقول قولوا بقولكم ولا يستجدينكم الشيطان إنما أنا عبد الله ورسوله، تركهم يغتسلون على وضوءه وما تنخم نخامه فوقعت في يد رجل إلا دلك بها وجهه وجلده، ولا يحدون النظر اليه تعظيما له – أي لا ينظر إليه فيملأ عينيه منه ولكن كان يصوب وجهه إلى الأرض – ولا يرفعون أصواتهم عنده. فرجع عروة إلى أصحابه وقال: أي قوم قد وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي فوالله ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمد! وحدثهم ما رأى وما قال النبي، صلى الله عليه وسلم. بعض الأحاديث التي نقلها عن الرسول صلى الله عليه وسلم ـ عن عروة بن مسعود الثقفي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضع عنده الماء فإذا بايعه النساء غمس أيديهن فيه. ـ وروي عن عروة بن مسعود الثقفي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقنوا أمواتكم لا إله إلا الله، فإنها تهدم الخطايا كما يهدم السيل البنيان. قيل: يا رسول الله: كيف هي للأحياء؟ قال: هي للأحياء أهدم وأهدم. ـ وعنه عروة بن مسعود الثقفي قال: أسلمت وتحتي عشرة نسوة إحداهن بنت أبي سفيان فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختر منهن أربعا وخل سائرهن؛ فاخترت منهن أربعا، منهن بنت أبي سفيان.
موقف الوفاة:
استأذن عروة بن مسعود من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى قومه فقال: إني أخاف أن يقتلوك قال: لو وجدوني نائما ما أيقظوني، فأذن له فدعاهم إلى الإسلام، ونصح لهم فعصوه، وأسمعوه من الأذى، فلما كان من السحر قام على غرفة له فأذن فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله، فلما بلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: مثل عروة مثل صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه.
واختلف في اسم قاتله فقيل: أوس بن عوف، وقيل: وهب بن جابر، وقيل لعروة: ما ترى في دمك قال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إلي فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قبل أن يرتحل عنكم فادفنوني

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:06 AM
سليط بن قيس


نسبه وقبيلته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15108_image002.jpgسَلِيط بن قيس بن عمرو بن عبيد بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن النجار الأنصاري النجاري. أمه زغيبة بنت زرارة بن سعد بن عبيد الله بن ثعلبة النجارية، وهي أخت سعد بن زرارة.

أهم ملامح شخصيته

الشجاعة والإقدام

يشهد له بذلك حضوره جميع المشاهد مع رسول الله، ومشاركته في حروب الردة مع أبي بكر، وتطوعه في فتح المدائن في خلافة عمر بن الخطاب.

الحكمة

ويتضح ذلك من موقفة مع أبي عبيد بن مسعود يوم موقعة الجسر، فقد بعث الأعاجم ذا الحاجب، وكان رئيس الأعاجم رستم، فلما بلغ أبا عبيد مسيرهم إليه انحاز بالناس حتى عبر الفرات فنزل في المروحة، وأقبلت الأعاجم حتى نزلت خلف الفرات، ثم إن أبا عبيد حلف ليقطعن إليهم الفرات، فناشده سليط بن قيس وقال: أنشدك الله في المسلمين، لا تدخلهم هذا المدخل؛ فإن العرب تفر وتكر، فاجعل للناس مجالاً. فأبى أبو عبيد وقال: جبنت والله يا سليط. قال: والله ما جبنت، ولكن قد أشرت عليك بالرأي، فاصنع بما بدا لك[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

رحم الله سليط بن قيس على نصحه الخالص لوجه الله، وبسالته الفائقة، وحرصه على الشهادة في سبيل الله؛ فبمثل هؤلاء الرجال، زلزل الصحابة عروش كسرى، وقضوا على عبادة النار التي كان يعظمها الفرس، وأصبحت راية التوحيد ترفرف في أرض فارس.

من مواقفه مع الصحابة

بعثه أبو بكر الصديق رداء (مؤخرة) لخالد بن الوليد في حرب مسيلمة الكذاب باليمامة سنة11هـ؛ حتى لا يؤتى جيش خالد من الخلف.

ودعا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أبا عبيد وسليطًا وسعد لقيادة الجيش الذاهب لفتح العراق، فحضر أبا عبيد قبلهما، فقال عمر لسليط وسعد: أما إنكما لو سبقتماه لوليتكما ولأدركتما بها ما لكما من المقدمة[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

من الأحاديث التي رواها عن الرسول

عن سليط بن قيس أن رجلاً من الأنصار كان له حائط فيه نخلة لرجل آخر، فيأتيه بكرة وعشية، فأمره النبيأن يعطيه نخلة مما يلي الحائط الذي له[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

وفاته

قتلمع أبى عبيد الثقفي شهيدًا سنة أربع عشرة، وكان آخر من قُتل عند الجسر سليط بن قيس[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن حبان: الثقات 2/201.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) ابن عبد البر: الاستيعاب 2/117.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 3/163، وابن الأثير: أسد الغابة 2/513.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) الطبري: تاريخ الأمم والملوك 2/368.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:07 AM
سلمة بن الأكوع

نسبه وقبيلته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15107_image002.jpgسلمة بن الأكوع هكذا يقول جماعة أهل الحديث ينسبونه إلى جده، وهو سلمة بن عمرو بن الأكوع. والأكوع هو سنان بن عبد الله بن قشير بن خزيمة، كان ممن بايع تحت الشجرة، سكن بالربذة.

وكان لقرب سلمة من رسول اللهأكبر الأثر في تكوين شخصية مثالية بما غرسه النبيفيها من شجاعة، ومروءة، وتضحية في سبيل الله، هذا الأثر لاحظه الصحابة، وعرفوا أنه ما كانت هذه الصفات لتكون في سلمة إلا بتربية الرسولله.

أهم ملامح شخصيته

1- الشجاعة

وخير مثال على ذلك موقفه في غزوة ذي قرد، فقد تصدى لمن أغار على إبل رسول الله، فقد أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول اللهفقتل راعيها وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل، فقلت: يا رباح، اقعد على هذا الفرس فألحقه بطلحة، وأخبر رسول اللهأنه قد أغير على سرحه. قال: وقمت على تل فجعلت وجهي من قبل المدينة، ثم ناديت ثلاث مرات: يا صباحاه، ثم اتبعت القوم ومعي سيفي ونبلي فجعلت أرميهم وأعقر بهم وذلك حين يكثر الشجر، فإذا رجع إليَّ فارس جلست له في أصل شجرة ثم رميت فلا يقبل عليَّ فارس إلا عقرت به، فجعلت أرميهم وأقول: أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

2- حب الرسول وطاعته

ومن الأمثلة الواضحة على هذا هبته جارية وقعت في سهمه في إحدى السرايا للنبي، على الرغم من أنها كانت من أجمل بنات العرب، كما قال سلمة.

ومما يدل على حبه للنبيأنه كان يأتي إلى سبحة الضحى، فيعمد إلى الأسطوانة دون المصحف فيصلي قريبًا منها. فأقول له: ألا تصلي ها هنا؟ وأشير إلى بعض نواحي المسجد. فيقول: إني رأيت رسول اللهيتحرى هذا المقام[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

يا لها من صفات عظيمة تلك التي يتصف بها صحابة رسول الله، كان الواحد فيهم ينظر ماذا كان يصنع رسول اللهويفعله وهو في سعادة لا توصف.

من مواقفه مع الرسول

مواقف عديدة حدثت بين سلمة بن الأكوع والرسول، وذلك لقرب سلمة منه وحبه الشديد له؛
فعن يزيد بن أبي عبيد قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ قال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة. فأتيت النبيفنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

وجاء عين للمشركين إلى رسول الله، قال: فلما طعم انسل. قال: فقال رسول الله: "عليَّ بالرجل اقتلوه". قال: فابتدر القوم. قال: وكان أبي يسبق الفرس شدًّا. قال: فسبقهم إليه، فأخذ بزمام ناقته أو بخطامها. قال: ثم قتله. قال: فنفله رسول اللهسلبه[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

وعن سلمة بن الأكوع قال: بايعت رسول اللهيوم الحديبية ثم عدلت إلى ظل شجرة. فلما خف الناس قال: "يابن الأكوع، ألا تبايع؟" قلت: قد بايعت يا رسول الله. قال: "وأيضًا". فبايعته الثانية. فقلت لسلمة: يا أبا مسلم، على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ قال: على الموت[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).

وقدم سلمةالمدينة فلقيه بريدة بن الخصيب، فقال: ارتددت عن هجرتك يا سلمة؟ فقال: معاذ الله! إني في إذن من رسول الله، إني سمعت رسول اللهيقول: "أبدوا يا أسلم، فتنسموا الرياح، واسكنوا الشعاب". فقالوا: إنا نخاف يا رسول اللهأن يضرنا ذلك في هجرتنا. فقال: "أنتم مهاجرون حيث كنتم"[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6).

من مواقفه مع التابعين

كان سلمةممن بايع عبد الملك بن مروان سنة ثلاث وسبعين.

بعض الأحاديث التي نقلها عن النبي

عن سلمة بن الأكوع، أن النبيبعث رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء: "إن من أكل فليتم أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل"[7] (http://vb.g111g.com/#_ftn7).

وعن سلمة بن الأكوعقال: كان عليتخلف عن النبيفي خيبر، وكان به رمد، فقال: أنا أتخلف عن رسول الله. فخرج علي فلحق بالنبي، فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها، فقال رسول الله: "لأعطين الراية -أو قال ليأخذن- غدًا رجلاً يحبه الله ورسوله -أو قال- يحب الله ورسوله يفتح الله عليه"، فإذا نحن بعليٍّ وما نرجوه، فقالوا: هذا عليٌّ. فأعطاه رسول الله، ففتح الله عليه[8] (http://vb.g111g.com/#_ftn8).

عن سلمة بن الأكوع: أن رجلاً أكل عند رسول اللهبشماله، فقال: "كل بيمينك". قال: لا أستطيع. قال: "لا استطعت، ما منعه إلا الكبر". قال: فما رفعها إلى فيه[9] (http://vb.g111g.com/#_ftn9).

الوفاة

توفي سلمة بن الأكوعبالمدينة سنة أربع وسبعين من الهجرة، وهو ابن ثمانين سنة[10] (http://vb.g111g.com/#_ftn10).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/81.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) رواه ابن ماجه في سننه (1430)، 1/459. قال الألباني: صحيح.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) رواه أبو داود: باب كيف الرقى (3896)، 4/18. قال الألباني: صحيح.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 1/1359.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب البيعة في الحرب أن لا يفروا وقال بعضهم على الموت (2800)، 3/1081.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6) الهيثمي: مجمع الزوائد (9294)، 5/461.

[7] (http://vb.g111g.com/#_ftnref7) رواه البخاري: باب إذا نوى بالنهار صومًا (1824)، 2/679.

[8] (http://vb.g111g.com/#_ftnref8) رواه البخاري: باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي (3499)، 3/1357.

[9] (http://vb.g111g.com/#_ftnref9) رواه مسلم: باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (5387)، 6/109.

[10] (http://vb.g111g.com/#_ftnref10) الحاكم: المستدرك (6383)، 3/649.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:08 AM
عدي بن حاتم الطائي



هو عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي. أبو وهب وأبو طريف. أمير صحابي من الأجواد العقلاء. كان خطيبا حاضر البديهة وكان رئيس طي في الجاهلية والإسلام. قام في حروب الردة بأعمال كبيرة.. وكان سرياً شريفاً تفي قومه خطيباً حاضر الجواب فاضلاً كريماً.
حاله في الجاهلية:
قال ابن إسحاق: وأما عدي بن حاتم فكان يقول، فيما بلغني: ما رجل من العرب كان أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني أما أنا فكنت امرأ شريفا وكنت نصرانيا، وكنت أسير في قومي بالمرباع وكنت في نفسي على دين وكنت ملكا في قومي لما كان يصنع بي، فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعيا لإبلي: لا أبا لك، أعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا فاحتبسها قريبا مني، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ففعل ثم أنه أتاني ذات غداة فقال: يا عدي ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن فإني قد رأيت رايات فسألت عنها فقالوا: هذه جيوش محمد. قال: قلت: فقرب إلى أجمالي فقربها فاحتملت بأهلي وولدي ثم قلت: ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام. فسلكت الجوشية وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر فلما قدمت الشام أقمت بها وتخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيء وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام. قال: فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس بها فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه، وكانت امرأة جزلة فقالت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك. قال: "ومن وافدك؟" قالت: عدي بن حاتم قال: "الفار من الله ورسوله؟" قالت: ثم مضى وتركني حتى إذا كان الغد مر بي فقلت له مثل ذلك، وقال لي مثل ما قال بالأمس. قالت: حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست فأشار إلي رجل خلفه أن قومي فكلميه. قالت: فقمت إليه فقلت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك. فقال صلى الله عليه وسلم: "قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني". فسألت عن الرجل الذي أشار إلي أن كلميه فقيل لي: علي بن أبي طالب قالت: فأقمت حتى قدم ركب من بلي أو قضاعة. قالت: وإنما أريد أن آتي أخي بالشام فجئت فقلت: يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ. قالت: فكساني وحملني وأعطاني نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشام. قال عدي: فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلى قومنا. قال: فقلت: ابنة حاتم؟ قال: فإذا هي هي فلما وقفت علي انسحلت تقول: القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك عورتك؟ قال: قلت: أي أخية لا تقولي إلا خيرا فوالله مالي من عذر لقد صنعت ما ذكرت. قال: ثم نزلت فأقامت عندي، فقلت لها وكانت امرأة حازمة: ماذا ترين في أمر هذا الرجل؟ قالت: أرى والله أن تلحق به سريعا فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله وإن يكن ملكا فلن تزل في عز اليمن وأنت أنت. قال: قلت: والله إن هذا الرأي. قال: فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه فقال: "من الرجل؟" فقلت: عدي بن حاتم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلق بي إلى بيته فوالله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بملك. قال: ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفا فقذفها إلي فقال: "اجلس على هذه". قال: قلت: بل أنت فاجلس عليها. قال: "بل أنت". فجلست وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض. قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك. ثم قال: "إيه يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسيا؟" قال: قلت: بلى. قال: "أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع؟" قال: قلت: بلى. قال: "فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك". قال: قلت: أجل والله. قال: وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل. ثم قال: "لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم". قال فأسلمت. قال: فكان عدي يقول: مضت اثنتان وبقيت الثالثة والله لتكونن؛ وقد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا البيت وأيم الله لتكونن الثالثة؛ ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه. هكذا أورد رحمه الله هذا السياق بلا إسناد وله شواهد من وجوه أخر..
إسلامه:
لما وقعت أخت عُدي في الأسر، فمنّ عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتت أخاها في بلاد الشام فكلمته في المجيء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاء وأسلم000
قال عُدي: بُعِثَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بُعث فكرهته أشدّ ما كرهت شيئاً قط، فانطلقتُ حتى إذا كنت في أقصى الأرض ممّا يلي الروم، فكرهتُ مكاني ذلك مثلما كرهته أو أشدّ، فقلتُ:( لو أتيتُ هذا الرجل، فإن كان كاذباً لم يخفَ عليّ، وإن كان صادقاً اتبعته )000فأقبلتُ فلمّا قدمتُ المدينة استشرفني الناس وقالو:( عُدي بن حاتم! عُدي بن حاتم )000
فأتيته فقال لي:( يا عديّ بن حاتم أسلمْ تسلمْ )000
فقلتُ:( إنّ لي دين!)000
قال:( أنا أعلم بدينك منك )000
قلتُ:( أنت أعلم بديني مني؟!)000
قال:( نعم )000مرّتين أو ثلاثاً
قال:( ألست ترأس قومك؟)000
قلتُ:( بلى )000
قال:( ألستَ رُكوسيّاً -فرقة مترددة بين النصارى والصابئين- ألستَ تأكل المرباع؟)000
قلتُ:( بلى )000
قال:( فإن ذلك لا يحلّ في دينَك!)000فنضنضتُ لذلك000
ثم قال:( يا عديّ أسلمْ تسلمْ )000
قلتُ:( قد أرى )000 قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:( إنّه ما يمنعك أن تسلم إلا غضاضةً تراها ممّن حولي، وأنت ترى الناس علينا إلْباً واحد؟)000
قال:( هل أتيتَ الحيرة؟)000
فقلتُ:( لم آتِها وقد علمتُ مكانها )000
قال:( يُوشك الظعينة أن ترحل من الحيرة بغير جوار، أو حتى تطوف بالبيت، ولتفتحنّ علينا كنوز كسرى بن هرمز )000
قلتُ:( قلتَ كسرى بن هرمز!!)000
قال:( كسرى بن هرمز )000مرتين أو ثلاثة000( وليفيضنّ المالُ حتى يهمَّ الرجل مِنْ يقبلُ صدقتَهُ )000 قال عدي:( فرأيتُ اثنتين: الظعينة -المرأة- في الهودج تأتي حاجةً لا تحتاج إلى جوار، وقد كنتُ في أول خيل أغارت على كنوز كسرى بن هرمز، وأحلف بالله لتجيئنّ الثالثة، إنّه قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم..
أهم ملامح شخصيته:
جوده وكرمه أخرج أحمد، عن تميم بن طرفة، قال: سأل رجلٌ عديَّ بن أبي حاتم مائة درهم، فقال: تسألني مائة درهم، وأنا ابن حاتم، والله لا أعطيك. وسنده صحيح.. وقال الشعبي: أرسل الأشعث بن قيس إلى عدي بن حاتم يستعير منه قدور حاتم فملأها وحملها الرجال إليه فأرسل إليه الأشعث: إنما أردناها فارغة! فأرسل إليه عدي: إنا لا نعيرها فارغة.
قال ابن عيينة: حدثت عن الشعبي، عن عدي، قال: ما دخل وقت الصلاة حتى أشتاق إليه.
بعض المواقف من حياته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ولما أسلم عدي بن حاتم سنة سبع أكرمه النبي صلى الله عليه وسلم وألقى له وسادة وقال: " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه". وعن عدي بن حاتم قال: ما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قط إلا وسع لي أو تحرك لي وقد دخلت عليه يوما في بيته وقد امتلأ من أصحابه فوسع لي حتى جلست إلى جنبه.
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
روى قيس بن أبي حازم، أن عدي بن حاتم جاء إلى عمر، فقال: أما تعرفني؟ قال: أعرفك، أقمت إذ كفروا، ووفيت اذ غدروا، وأقبلت إذ أدبرو.
ـ أرسل خالد بن الوليد عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم الأنصاري طليعةً وكان ذلك في حروب الردة، فلقيهما حبال أخو طليحة فقتلاه، فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخو سلمة، فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتاً ورجعا. وأقبل خالد بالناس فرأوا عكاشة وثابتاً قتيلين، فجزع لذلك المسلمون، وانصرف بهم خالد نحو طيء، فقالت له طيء: نحن نكفيك قيساً، فإن بني أسد حلفاؤنا. فقال: قاتلوا أي الطائفتين شئتم. فقال عدي بن حاتم: لو نزل هذا على الذين هم أسرتي فالأدنى لجاهدتهم عليه، والله لا أمتنع عن جهاد بني أسد لحلفهم. فقال له خالد: إن جهاد الفريقين جهادٌ، لا تخالف رأي أصحابك وامض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط.
بعض الأحاديث التي نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ـ روى الشعبي عن عدي بن حاتم قال
سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال إذا أرسلت كلبك المعلم فقتل فكل وإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسكه على نفسه قلت أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر قال فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب آخر..
ـ وعن محل بن خليفة الطائي قال سمعت عدي بن حاتم رضي الله عنه يقول
كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة والآخر يشكو قطع السبيل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما قطع السبيل فإنه لا يأتي عليك إلا قليل حتى تخرج العير إلى مكة بغير خفير وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولن له ألم أوتك مالا فليقولن بلى ثم ليقولن ألم أرسل إليك رسولا فليقولن بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة..
ـ وأخبر حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال لما نزلت (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار..
وفاته:
ـ قال ابن الكلبي: مات عدي سنة سبع وستين، وله مائة وعشرون سنة.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:09 AM
عثمان بن مظعون



هو عثمان بن مظعون ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن كعب الجمحي، أبو السائب. <154>
وكان من سادة المهاجرين..
حاله في الجاهلية:
وكان عثمان بن مظعون أحد من حرم الخمر في الجاهلية وقال: لا أشرب شرابا يذهب عقلي ويضحك بي من هو أدنى مني ويحملني على أن أنكح كريمتي. فلما حرمت الخمر أتى وهو بالعوالي. فقيل له: يا عثمان. قد حرمت الخمر. فقال: تبا لها قد كان بصري فيها ثاقب. وفي هذا نظر لأن تحريم الخمر عند أكثرهم بعد أحد.
إسلامه:
انطلق عثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد، وأبو عبيدة بن الجراح، حتى أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعَرَض عليهم الإسلام، وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا جميعاً في ساعةٍ واحدةٍ، وذلك قبل دخول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها000 وهاجر الهجرة الأولى إلى الحبشة في السنة الخامسة للبعثة.
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
لقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على الاهتمام بالمسلمين ومعايشة آلامهم وكان عثمان بن مظعون ممن تأثرت نفسه بذلك فرد جوار الوليد بن المغيرة وفضل أن يعيش كإخوانه المسلمين المستضعفين في جوار الله عز وجل ومستعيناً به.
ويروي ابن إسحاق هذا الحدث الذي يدل على عمق التربية لدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فعندما أشيع إسلام أهل مكة رجع من هاجروا إلى الحبشة ولما قربوا من دخول مكة علموا أن أهل مكة لم يدخلوا في الإسلام فرجع منهم من رجع إلى الحبشة ودخل البعض الآخر مستخفياً والبعض دخل في جوار أناس من المشركين ودخل عثمان بن مظعون في جوار الوليد بن المغيرة: ولما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء، وهو يروح ويغدو في أمان من الوليد ابن المغيرة قال: والله إن غدوي ورواحي آمنا في جوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني، لنقص كثير في نفسي. فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس، وفت ذمتك، قد رددت إليك جوارك، قال: لم يا ابن أخي؟ لعله آذاك أحد من قومي؟ قال: ل، ولكني أرضى بجوار الله عز وجل ولا أريد أن أستجير بغيره قال: فانطلق إلى المسجد، فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية. قال: فانطلق، فخرجا حتى أتيا المسجد فقال الوليد بن المغيرة هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري. قال صدق قد وجدته وفيا كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره. ثم انصرف عثمان رضي الله عنه ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر في مجلس من قريش ينشدهم فجلس معهم عثمان فقال لبيد... ألا كل شيء ما خلا الله باطل... فقال عثمان صدقت فقال لبيد... وكل نعيم لا محالة زائل... فقال عثمان كذبت نعيم الجنة لا يزول فقال لبيد يا معشر قريش والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث هذا فيكم فقال رجل من القوم إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا فلا تجدن في نفسك من قوله فرد عليه عثمان حتى شرى أمرهما فقام إليه ذلك الرجل ولطم عينه فخضرها والوليد ابن المغيرة قريب يرى ما بلغ عثمان فقال والله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية ولقد كنت في ذمة منيعة قال يقول عثمان بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله واني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس فقال له الوليد هلم يا ابن أخي إلى جوارك فعد قال لا..
أهم ملامح شخصيته:
1ـ صدق إسلامه وطاعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأدائه للعبادات ليلاً ونهاراً.. قال سعد بن أبي وقاص: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم التبتل على عثمان بن مظعون ولو أذن له لأختصين. وكان عابدا مجتهدا من فضلاء الصحابة وقد كان هو وعلي بن أبي طالب وأبو ذر رضي الله عنهم هموا أن يختصوا ويتبتلوا فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. ونزلت فيهم: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا..." الآية المائدة 962
2ـ شدة حياءه.. أتى عثمان بن مظعون النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:( يا رسول الله إنّي لا أحبّ أن ترى امرأتي عورتي )000قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:( ولِمَ؟)000قال:( أستحيي من ذلك وأكرهه )000 قال -صلى الله عليه وسلم-:( إنّ الله جعلها لك لباس، وجعلك لها لباس، وأهلي يرون عورتي، وأنا أرى ذلك منهم )000قال:( أنت تفعلُ ذلك يا رسول الله؟)000قال:( نعم )000قال:( فمِنْ بعدِك )000فلمّا أدبر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:( إنّ ابن مظعون لَحَييٌّ سِتّيرٌ )000
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
ـ يقول أبو بردة: دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي -صلى الله عليه وسلم -فرأينها سيئة الهيئة، فقلن له: ما لك؟ فما في قريش أغنى من بعلك! قالت: أما ليله فقائم، وأما نهاره فصائم، فلقيه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أما لك بي أسوة... الحديث.
قال: فأتتهن بعد ذلك عطرة كأنها عروس.
ـ وعن حماد بن زيد قال: حدثنا معاوية بن عياش، عن أبي قلابة أن عثمان بن مظعون قعد يتعبد، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا عثمان! إن الله لم يبعثني بالرهبانية وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة.
بعض كلماته:
قال عثمان بن مظعون يعاتب أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، وهو ابن عمه وكان يؤذيه في إسلامه وكان أمية شريفا في قومه في زمانه ذلك:
أتيم بن عمرو للذي جاء بغضة ومن دونه الشرمان والبرك أكتع أأخرجتني من بطن مكة آمنا وأسكنتني في صرح بيضاء تقذع تريش نبالا لا يواتيك ريشها وتبرى نبالا ريشها لك أجمع
وحاربت أقواما كراما أعزة وأهلكت أقواما بهم كنت تفزع
ستعلم إن نابتك يوما ملمة وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع
وتيم بن عمرو، الذي يدعو عثمان جمح كان اسمه تيم.
موقف الوفاة:
ـ يروي خارجة بن زيد، عن أم العلاء وهي من المبايعات، فذكرت أن عثمان بن مظعون اشتكى عندهم، فمرضناه حتى توفي، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: شهادتي عليك أبا السائب. لقد أكرمك الله! فقال رسول الله: وما يدريك؟ قلت: لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله فمن؟ قال: أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، وإني لرسول الله، وما أدري ما يفعل بي. قالت: فوالله لا أزكي بعده أحد. قالت: فأحزنني <160> ذلك، فنمت، فرأيت لعثمان عينا تجري، فأخبرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ذاك عمله.
ـ وعن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل عثمان بن مظعون وهو ميت، ودموعه تسيل على خد عثمان ابن مظعون
ـ وعن أبي النضر قال: لما مر بجنازة عثمان بن مظعون قال رسول الله: ذهبت ولم تلبس منها بشيء.
وروى محمد بن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث عن سالم أبي النضر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون وهو يموت فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب فسجي عليه وكان عثمان نازلا على امرأة من الأنصار يقال لها أم معاذ فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا عليه طويلا ثم تنحى فبكى فبكى أهل البيت فقال: " إلى رحمة الله أبا السائب ". وكان السائب ابنه قد شهد معه بدرا فقالت أم معاذ: هنئا لك أبا السائب الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما يدريك يا أم معاذ ما هو فقد جاءه اليقين ولا نعلم إلا خيرا ". قالت: لا والله لا أقولها لأحد بعده أبدا.
وتوفي:في شعبان سنة ثلاث
وكان أول من دفن ببقيع الغرقد يقول عبيد الله بن أبي رافع قال: أول من دفن ببقيع الغرقد عثمان بن مظعون، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند رأسه حجرا، وقال: هذا قبر فرطنا.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:09 AM
عتبة بن غزوان المازني

هو عُتبة بن غَزْوان بن جابر بن وهيب. السيد الأمير المجاهد أبو غزوان المازني، حليف بني عبد شمس..
وهو من السابقين الأولين وهاجر إلى الحبشة ثم رجع مهاجرا إلى المدينة رفيقا للمقداد وشهد بدرا وما بعدها وولاه عمر في الفتوح فاختط البصرة وفتح فتوحا وكان طويلا جميلا.
وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي دجانة.
إسلامه:
كان سابع سبعة سبقوا إلى الإسلام، وأعطوا أيمانهم لرسول صلى الله عليه وسلم، مبايعين ومتحدّين قريش بكل ما معها من بأس وقدرة على الانتقام..
وفي الأيام الأولى للدعوة. أيام العسرة والهول، صمد عتبة بن غزوان، مع إخوانه ذلك الصمود الجليل الذي صار فيما بعد زادا للضمير الإنساني يتغذى به وينمو على مر الأزمان..
ولما أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، خرج عتبة مع المهاجرين..
بيد أن شوقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يدعه يستقر هناك، فسرعان ما طوى البرّ والبحر عائدا إلى مكة، حيث لبث فيها بجوار الرسول حتى جاء ميقات الهجرة إلى المدينة، فهاجر عتبة مع المسلمين..
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
كان عتبة يخاف الدنيا على دينه أشد الخوف، وكان يخافها على المسلمين، فراح يحملهم على القناعة والشظف.
وحاول الكثيرون أن يحوّلوه عن نهجه، ويثيروا في نفسه الشعور بالإمارة، وبما للإمارة من حق، لا سيما في تلك البلاد التي لم تتعود من قبل أمراء من هذا الطراز المتقشف الزاهد، والتي تعود أهلها احترام المظاهر المتعالية المزهوّة.. فكان عتبة يجيبهم قائلا:
" إني أعوذ بالله أن أكون في دنياكم عظيما، وعند الله صغيرا"..!
ولما رأى الضيق على وجوه الناس بسبب صرامته في حملهم على الجادّة والقناعة قال لهم:
" غدا ترون الأمراء من بعدي"..
أهم ملامح شخصيته:
1ـ كثرة حبه في الجهاد في سبيل الله ونشره للدعوة الإسلامية.. مضى عتبة على رأس جيشه الذي لم يكن كبيرا، حتى قدم الأبلّة..
وكان الفرس يحشدون بها جيشا من أقوى جيوشهم..
ونظم عتبة قواته، ووقف في مقدمتها، حاملا رمحه بيده التي لم يعرف الناس لها زلة منذ عرفت الرمي..!!
وصاح في جنده:
" الله أكبر، صدق وعده..
وكأنه كان يقرأ غيبا قريبا، فما هي الا جولات ميمونة استسلمت بعدها الأبلّة وطهرت أرضها من جنود الفرس، وتحرر أهلها من طغيان طالما أصلاهم سعيرا.. وصدق الله العظيم وعده..!!
2 ـ إخلاصه الشديد في طاعة الله ورسوله مما جعله زاهداً في الحياة وطلباً للآخرة وذلك الذي جعله يقف ويدعوا الله ألا يتولى المارة بعد أن رده عمر بن الخطاب إليها..
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
أرسله أمير المؤمنين عمر إلى الأبلّة ليفتحها، وليطهر أرضها من الفرس الذين كانوا يتخذونها نقطة وثوب خطرة على قوات الإسلام الزاحفة عبر بلاد الإمبراطورية الفارسية، تستخلص منها بلاد الله وعباده..
وقال له عمر وهو يودّعه وجيشه:
" انطلق أنت ومن معك، حتى تأتوا أقصى بلاد العرب، وأدنى بلاد العجم..
وسر على بركة الله ويمنه..
وادع إلى الله من أجابك.
ومن أبى، فالجزية..
وإلا فالسيف في غير هوادة..
كابد العدو، واتق الله ربك"..
وكان سعد يكتب إلى عتبة وهو عامله فوجد من ذلك عتبة فأستأذن عمر أن يقدم عليه فأذن له واستخلف على البصرة المغيرة بن شعبة فقدم عتبة على عمر فشكا إليه تسلط سعد عليه فسكت عنه عمر فأعاد ذلك عتبة مرارا فلما أكثر على عمر قال وما عليك يا عتبة أن تقر بالإمرة لرجل من قريش له صحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف فقال له عتبة ألست من قريش قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حليف القوم منهم ولي صحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قديمة لا تنكر ولا تدفع فقال عمر لا ينكر ذلك من فضلك قال عتبة أما إذ صار الأمر إلى هذا فوالله لا أرجع إليها أبدا فأبى عمر إلا أن يرده إليها فرده فمات بالطريق وكان عمله على البصرة ستة أشهر.
ومما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
روى عتبة بن إبراهيم بن عتبة بن غزوان عن أبيه عن عتبة بن غزوان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لقريش هل فيكم من ليس منكم قالوا بن أختنا عتبة بن غزوان قال بن أخت القوم منهم وحليف القوم منهم.
بعض كلماته:
قال خالد بن عمير: خطبنا عتبة بن غزوان، قال: أيها الناس إن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت حذاء، ولم ييق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، ألا وإنكم في دار أنتم متحولون منها فانتقلوا بصالح ما بحضرتكم، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً وعند الله صغيراً، وإنكم والله لتبلون الأمراء من بعدي، وإنه والله ما كانت نبوة قط إلا تناسخت حتى تكون ملكاً وجبرية، وإني رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ومالنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا، فوجدت بردة فشققتها بنصفين فأعطيت نصفها سعد بن مالك ولبست نصفها فليس من أولئك السبعة اليوم رجل حي إلا وهو أمير مصر من الأمصار، فيا للعجب للحجر يلقى من رأس جهنم فيهوي سبعين خريفاً حتى يتقرر في أسفلها، والذي نفسي بيده لتملأن جهنم، أفعجبتم وإن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاماً، وليأتين عليه يوم وما فيها باب إلا وهو كظيظ.
الوفاة:
لما جاء موسم الحج، استخلف على البصرة أحد إخوانه وخرج حاجا. ولما قضى حجه، سافر إلى المدينة، وهناك سأل أمير المؤمنين أن يعفيه من الإمارة..
لكن عمر لم يكن يفرّط في هذا الطراز الجليل من الزاهدين الهاربين مما يسيل له لعاب البشر جميعا.
وكان يقول لهم:" تضعون أماناتكم فوق عنقي..
ثم تتركوني وحدي..؟
لا والله لا أعفيكم أبدا"..!!
وهكذا قال لـ عتبة لغزوان.. ولما لم يكن في وسع عتبة إلا الطاعة، فقد استقبل راحلته ليركبها راجعا إلى البصرة.
لكنه قبل أن يعلو ظهرها، استقبل القبلة، ورفع كفّيه الضارعتين إلى السماء ودعا ربه عز وجل ألا يردّه إلى البصرة، ولا إلى الإمارة أبدا..واستجيب دعاؤه.. فبينما هو في طريقه إلى ولايته أدركه الموت..
وفاضت روحه إلى بارئها، مغتبطة بما بذلت وأعطت..وبما زهدت وعفت.. وبما أتم الله عليها من نعمة.. وبما هيأ لها من ثواب... وتوفي بطريق البصرة وافدا إلى المدينة سنة سبع عشرة. وقيل: مات سنة خمس عشرة، وعاش سبعا وخمسين سنة، رضي الله عنه.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:11 AM
سفينة مولى رسول الله


نسبه وقبيلته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15106_image002.jpgسفينة أبو عبد الرحمن ويقال أبو البختري مولى رسول الله، كان عبدًا لأم سلمة زوج رسول اللهفأعتقته، وشرطت عليه أن يخدم النبيحياته. يقال اسمه مهران بن فروخ، قاله الواقدي. ويقال اسمه نجران، قاله محمد بن سعد. ويقال اسمه رومان، ويقال رباح، ويقال قيس، ويقال شنبة بن مارفنه[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1). وهو من مولدي العرب، وأصله من أبناء فارس، وهو سفينة بن مافنة[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

من مواقفه مع الرسول

كان الرسولهو الذي سماه سفينة، يقول: كان اسمي قيسًا فسماني رسول اللهسفينة. قلت: لم سماك سفينة؟ قال: خرج ومعه أصحابه فثقل عليهم متاعهم، فقال: "ابسط كساءك". فبسطته، فجعل فيه متاعهم ثم حمله عليَّ فقال: "احمل ما أنت إلا سفينة". فقال: لو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو خمسة أو ستة ما ثقل عليَّ[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

من الأحاديث التي رواها عن الرسول

عن أبي سفينة عن أم سلمة زوج النبيقالت: سمعت رسول اللهيقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها، إلا آجره الله في مصيبته، وخلف له خيرًا منها". قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت: من خير من أبي سلمة صاحب رسول الله. قالت: ثم عزم اللهلي فقلتها: اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها. قالت: فتزوجت رسول الله. وهذا درس لنا نحن المسلمين أن نقول هذا الدعاء في كل ضائقة نتعرض لها، حتى يخلف علينا اللهبأحسن منها.

وعن سفينة أبي عبد الرحمن: أن رجلاً أضاف علي بن أبي طالب فصنع له طعامًا، فقالت فاطمة بنت رسول الله: لو دعونا رسول اللهفأكل معنا. فدعوه، فجاء فوضع يده على عضادتي الباب فرأى القرام (القرام: الستر، كره الزينة والتصنع) قد ضرب به في ناحية البيت، فرجع، فقالت فاطمة لعلي: الحقه، فانظر ما رجعه. فتبعته فقلت: يا رسول الله، ما ردك؟ فقال: "إنه ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتًا مزوقًا"[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

فما تعلق صحابة رسول اللهبالدنيا، وتعاملوا مع الدنيا من منطلق أنها قنطرة للآخرة، ووجودهم فيها من أجل تحصيل الثواب، والوصول إلي جنة عرضها السموات والأرض.

وعن سفينة مولى رسول اللهقال: خطبنا رسول اللهفقال: "ألا إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد حذر الدجال أمته، هو أعور عينه اليسرى، بعينه اليمنى ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر، يخرج معه واديان أحدهما جنة والآخر نار، فناره جنة وجنته نار، معه ملكان من الملائكة يشبهان نبيين من الأنبياء، لو شئت سميتهما بأسمائهما وأسماء آبائهما، واحد منهما عن يمينه والآخر عن شماله، وذلك فتنة، فيقول الدجال: ألست بربكم؟ ألست أحي وأميت؟ فيقول له أحد الملكين: كذبت، ما يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه، فيقول له: صدقت، فيسمعه الناس فيظنون إنما يصدق الدجال وذلك فتنة، ثم يسير حتى يأتي المدينة فلا يؤذن له فيها فيقول: هذه قرية ذلك الرجل، ثم يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله عند عقبة أفيق"[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).

الوفاة

توفي سفينةفي زمن الحجاج[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 3/132، ابن الأثير: أسد الغابة 2/481.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) ابن كثير: البداية والنهاية 5/337.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) الحاكم: المستدرك (6548)، 3/701.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) المصدر السابق (2758)، 2/203.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) الإمام أحمد: المسند (21929)، 36/257، 258.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6) ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 2/685.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:12 AM
عتاب بن أسيد


هو عَتّاب - بالتشديد - بن أَسِيد، بفتح أوله، بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس الأموي.
أبو عبد الرحمن، ويقال:أبو محمد.
أمه: زينب بنت عمرو بن أمية.
قصة إسلامه:
قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال، فأمره أن يؤذن، وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة، فقال عتاب بن أسيد: لقد أكرم الله أسيداً ألا يكون سمع هذ، فيسمع منه ما يغيظه. فقال الحارث بن هشام: أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته، فقال أبو سفيان: لا أقول شيئ، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى، فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قد علمت الذي قلتم، ثم ذكر ذلك لهم ؛ فقال الحارث وعتاب: نشهد أنك رسول الله، والله ما اطلع على هذا أحد كان معن، فنقول أخبرك.
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
ـ روى ابن أبي عقرب، عن عتاب بن أسيد قال: أصبت في عملي الذي استعملني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردين معقدين، كسوتهما غلامي كيسان، فلا يقولن أحدكم: أخذ مني عتاب كذا! فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم درهمين، فلا أشبع الله بطناً لا يشبعه كل يوم درهمان.
أهم ملامح شخصيته:
شدته على المنافقين ورحمته بالمؤمنين وقد اشتهر عن عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماع الأمانة والقوة فيهم ومن هؤلاء عتاب بن أسيد الأموي رضي الله عنه الذي ورد فيه من حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- استعمل عتاب بن أسيد على مكة، وكان شديدا على المريب، ليّنا على المؤمنين، وكان يقول: والله لا أعلم متخلفا عن هذه الصلاة في جماعة إلا ضربت عنقه؛ فإنه لا يتخلف عنها إلا منافق، فقال أهل مكة: يا رسول الله، استعملت على أهل الله أعرابيا جافيا، فقال: إني رأيت فيما يرى النائم أنه أتى باب الجنة، فأخذ بحلقة الباب فقعقها حتى فتح له ودخل.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
يقول ابن جريج عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما قرب من مكة: "أربعة أربأ بهم عن الشرك عتاب بن أسيد وجبير بن مطعم وحكيم بن حزام وسهيل بن عمرو.
وعن ابن أبي مليكة يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد رأيت أسيداً في الجنة وأنى يدخل أسيد الجنة فعرض له عتاب بن أسيد فقال: هذا الذي رأيت أدعوه لي فدعا فاستعمله يومئذ على مكة ثم قال لعتاب: أتدري على من استعملتك؟ استعملتك على أهل الله فاستوص بهم خيراً يقولها ثلاثاً. وقال ابن اسحاق خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا وأمر ببقايا الفيىء فحبس بمجنة بناحية مر الظهران فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرته انصرف راجعا الى المدينة واستخلف عتاب بن اسيد على مكة وخل معه معاذ بن جبل يفقه الناس في الدين ويعلمهم القرآن واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفىء ورزق عتاب بن أسيد والي مكة.
مواقف من حياته مع الصحابة:
قال ابن هشام: بلغني عن زيد بن أسلم أنه قال لما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة رزقه كل يوم درهم، فقام فخطب الناس فقال أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم، فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما كل يوم فليست. بي حاجة إلى أحد.
ـ ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى مكة وعملها عتاب بن أسيد، فلما بلغهم ذلك ضج أهل المسجد، فبلغ عتاباً فخرج حتى دخل شعباً من شعاب مكة، وسمع أهل مكة الضجيج فتوافى رجالهم إلى المسجد، فقال سهيل: أين عتاب؟ وجعل يستدل عليه حتى أتى عليه في الشعب، فقال: ما لك؟ قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قم في الناس فتكلم، قال: لا أطيق مع موت رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام، قال: فاخرج معي فأنا أكفيكه، فخرجا حتى أتيا المسجد الحرام، فقام سهيل خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه وخطب بمثل خطبة أبي بكر، لم يخرم عنها شيئاً.
ومما روى عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
يروي عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم وبهذا الإسناد
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زكاة الكروم إنها تخرص كما يخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا.
وفاته:
ـ من المؤرخين من ذكر أنه عاش أميرا على مكة إلى أواخر أيام عمر بن الخطاب فتكون وفاته في أوائل سنة 23هـ.
ـ وقال الواقدي أنه مات يوم مات أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال ماتا في يوم واحد وكذلك يقول ولد عتاب وقال محمد بن سلام وغيره جاء نعي أبي بكر رضي الله تعالى عنه مكة يوم دفن عتاب بت أسيد بها انتهى..
المراجع:
سيرة ابن هشام - أخبار مكة وما جاء فيها من آثار - المعجم الأوسط - الوافي بالوفيات.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:14 AM
عبد الله بن مسعود

اسمه وفضله

هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب، أبو عبد الرحمن الهذلي المكي المهاجري البدري، حليف بني زهرة. كانقصيرًا جدًّا، طوله نحو ذراع، خفيف اللحم، دقيق الرجلين. يقال: إن عبد الله بن مسعودسادس من أسلم. وقد هاجر الهجرتين، وشهد بدرًا وأُحدًا والخندق وبيعة الرضوان، وسائر المشاهد مع رسول الله، وهو الذي أجهز على أبي جهل. وأمُّه هي أم عبد بنت عبد وُدّ بن سُوَيٍّ، من بني زهرة.

قصة إسلامه

سبب إسلامه أنه مرَّ عليه النبيوهو يرعى غنمًا بمكة لعقبة بن أبي معيط، فأخذ النبيمنها شاة حائلاً[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1) وحلبها. فأسلم وحسن إسلامه.

أثر الرسول في تربيته

قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِوَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ". فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "أَجَلْ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا".

وعَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقُلْنَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ، وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ. قَالَتْ: أَيُّهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ؟ قُلْنَا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ. قَالَتْ: هَكَذَا صَنَع رَسُولُ اللَّهِ.

مواقف من حياته مع الرسول

عن عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "اقْرَأْ عَلَيَّ". قَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ! قَالَ: "إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي". قَالَ: فَقَرَأَ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى قَوْلِهِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]، فَبَكَى.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍقَالَ: إِنِّي لَمُسْتَتِرٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ إِذْ جَاءَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ: ثَقَفِيٌّ وَخَتْنَاهُ قُرَشِيَّانِ كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ، قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، فَتَحَدَّثُوا بَيْنَهُمْ بِحَدِيثٍ. قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمْ: تُرَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَسْمَعُ مَا قُلْنَا. قَالَ الآخَرُ: أُرَاهُ يَسْمَعُ إِذَا رَفَعْنَا، وَلاَ يَسْمَعُ إِذَا خَفَضْنَا. قَالَ الآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ شَيْئًا مِنْهُ، إِنَّهُ لَيَسْمَعُهُ كُلَّهُ. قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} حَتَّى {الْخَاسِرِينَ} [فصلت: 22، 23].

في غزوة حنين

عَنِ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِيَوْمَ حُنَيْنٍ. قَالَ: فَوَلَّى عَنْهُ النَّاسُ، وَثَبَتَ مَعَهُ ثَمَانُونَ رَجُلاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَنَكَصْنَا عَلَى أَقْدَامِنَا نَحْوًا مِنْ ثَمَانِينَ قَدَمًا وَلَمْ نُوَلِّهِمْ الدُّبُرَ، وَهُمْ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةَ. قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِعَلَى بَغْلَتِهِ يَمْضِي قُدُمًا، فَحَادَتْ بِهِ بَغْلَتُهُ فَمَالَ عَنِ السَّرْجِ، فَقُلْتُ لَهُ: ارْتَفِعْ، رَفَعَكَ اللَّهُ. فَقَالَ: "نَاوِلْنِي كَفًّا مِنْ تُرَابٍ"، فَضَرَبَ بِهِ وُجُوهَهُمْ فَامْتَلأَتْ أَعْيُنُهُمْ تُرَابًا، ثُمَّ قَالَ: "أَيْنَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ؟" قُلْتُ: هُمْ أُولاَءِ. قَالَ: "اهْتِفْ بِهِمْ". فَهَتَفْتُ بِهِمْ، فَجَاءُوا وَسُيُوفُهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ كَأَنَّهَا الشُّهُبُ، وَوَلَّى الْمُشْرِكُونَ أَدْبَارَهُمْ.

مكانة عبد الله بن مسعود

أَمَرَ النَّبِيُّابْنَ مَسْعُودٍ، فَصَعِدَ عَلَى شَجَرَةٍ أَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ مِنْهَا بِشَيْءٍ، فَنَظَرَ أَصْحَابُهُ إِلَى سَاقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍحِينَ صَعِدَ الشَّجَرَةَ، فَضَحِكُوا مِنْ حُمُوشَةِ[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2) سَاقَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "مَا تَضْحَكُونَ؟! لَرِجْلُ عَبْدِ اللَّهِ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أُحُدٍ".

وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُلَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّايَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلِي نَبِيٌّ إِلاَّ قَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ نُجَبَاءَ وُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: حَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَعَلِيٌّ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَالْمِقْدَادُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَحُذَيْفَةُ، وَسَلْمَانُ، وَعَمَّارٌ، وَبِلاَلٌ".

بعض مواقفه مع الصحابة

مع عبد الله بن عمرو

عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: ذُكِرَ عَبْدُ اللَّهِعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوفَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِيَقُولُ: "اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -فَبَدَأَ بِهِ- وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ".

عمر بن الخطاب يثني على ابن مسعود

سيَّره عمر بن الخطابإلى الكوفة، وكتب إلى أهل الكوفة: إني قد بعثت عمار بن ياسرأميرًا، وعبد الله بن مسعودمعلمًا ووزيرًا، وهما من النجباء من أصحاب رسول اللهمن أهل بدر؛ فاقتدوا بهما وأطيعوا واسمعوا قولهما، وقد آثرتكم بعبد اللهعلى نفسي.

أثره في الآخرين

عَنِ الأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ قَالاَ: صَلَّيْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍفِي بَيْتِهِ، فَقَامَ بَيْنَنَا، فَوَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا، فَنَزَعَهَا فَخَالَفَ بَيْنَ أَصَابِعِنَا، وَقَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِيَفْعَلُهُ".

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "حَافِظُوا عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ؛ فَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّهِسُنَنَ الْهُدَى، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ بَيِّنُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ، وَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَلَهُ مَسْجِدٌ فِي بَيْتِهِ، وَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْلَكَفَرْتُمْ".

علم ابن مسعود بالقرآن الكريم

عن عبد الله بن مسعودقال: إن للشيطان لمَّة وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فتكذيب بالحق وإيعاد بالشر، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله عليه، ومن وجد الأخرى فليستعذ من الشيطان، ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً} [البقرة: 268].

وعن عبد الله بن مسعودفي قوله تعالى: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ} [آل عمران: 113]: صلاة العتمة هم يصلونها، ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصليها.

بعض كلماته

- اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُسْتَمِعًا، وَلاَ تَكُنِ الرَّابِعَ فَتَهْلِكَ.
- مَنْ أَرَادَ أَنْ يُكْرَمَ دِينُهُ فَلاَ يَدْخُلْ عَلَى السُّلْطَانِ، وَلاَ يَخْلُوَنَّ بِالنِّسْوَانِ، وَلاَ يُخَاصِمَنَّ أَصْحَابَ الأَهْوَاءِ.
- تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَالطَّلاَقَ وَالْحَجَّ؛ فَإِنَّهُ مِنْ دِينِكُمْ.
- التمسوا الغنى في النكاح؛ يقول الله تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32].
- الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل.

الوفاة

تُوُفِّي عبد الله بن مسعودسنة 32هـ بالمدينة، ودفن بالبقيع، وصلى عليه عثمان بن عفان، وكان عمره يوم توفِّي بضعًا وستين سنة.
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) الحائل: أي التي لم تَحْمِلْ.
[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) الحموشة: دقة الساقين

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:15 AM
سعيد بن عامر

نسبه وقبيلته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15105_image002.jpgسعيد بن عامر بن حذيم بن سلامان بن ربيعة القرشي الجمحي، من كبار الصحابة وفضلائهم. وقد أسلم سعيد بن عامر قبل غزوة خيبر، وهاجر إلى المدينة، وشهد مع رسول اللهخيبر وما بعد ذلك من المشاهد، ولا نعلم له بالمدينة دارًا[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

وقد أثرت تربية الرسول فيه، وهذا ما نراه من زهده وورعه وبعده عن مواطن الشبهات. وكانت شخصيتهورعة زاهدة تقية، وكان على قدر تحمل المسئولية.

بعض المواقف مع الصحابة

انطلاقًا من حرص عمر على تفقد أحوال الرعية، فقد سأل عمر بن الخطابعامله على حمص سعيد بن عامر، فقال له عمر: ما لك من المال؟ قال: سلاحي وفرسي وأبغل أغزو عليها، وغلام يقوم عليَّ وخادم لامرأتي، وسهم يعد في المسلمين. فقال له عمر: ما لك غير هذا؟ قال: حسبي هذا، هذا كثير. فقال له عمر: فلمَ يحبك أصحابك؟ قال: أواسيهم بنفسي، وأعدل عليهم في حكمي. فقال له عمر: خذ هذه الألف دينار فتقوَّ بها. قال: لا حاجة لي فيها، أعط من هو أحوج إليها مني. فقال عمر: على رسلك حتى أحدثك ما قال رسول الله، ثم إن شئت فاقبل وإن شئت فدع: إن رسول اللهعرض عليَّ شيئًا فقلت مثل الذي قلت، فقال رسول الله: "من أعطي شيئًا من غير سؤال ولا استشراف نفس، فإنه رزق من الله فليقبله ولا يرده". فقال الرجل: أسمعت هذا من رسول الله؟ قال: نعم. فقبله الرجل ثم أتى امرأته فقال: إن أمير المؤمنين أعطانا هذه الألف دينار، فإن شئت أن نعطيه من يتجر لنا به ونأكل الربح ويبقى لنا رأس مالنا، وإن شئت أن نأكل الأول فالأول. فقالت المرأة: بل أعطه من يتجر لنا به ونأكل الربح، ويبقى لنا رأس المال. قال: ففرقيه صررًا. ففعلت، فجعل كل ليلة يخرج صرة فيضعها في المساكين ذوي الحاجة، فلم يلبث الرجل إلا يسيرًا حتى توفي، فأرسل عمر يسأل عن الألف، فأخبرته امرأته بالذي كان يصنع، فالتمسوا ذلك فوجدوا الرجل قدمها لنفسه، ففرح بذلك عمر وسُرَّ وقال: يرحمه الله، إن كان الظن به كذلك[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

واستعمل عمر بن الخطاب سعيدًا بن عامر على جند حمص، فقدم عليه فعلاه بالدرة، فقال سعيد: سبق سيلك مطرك، إن تستعتب نعتب، وإن تعاقب نصبر، وإن تعف نشكر. قال: فاستحيى عمر وألقى الدرة. وقال: ما على المؤمن أو المسلم أكثر من هذا، إنك تبطئ بالخراج. فقال سعيد: إنك أمرتنا أن لا نزيد الفلاح على أربعة دنانير، فنحن لا نزيد ولا ننقص إلا أنا نؤخرهم إلى غلاتهم. فقال عمر: لا أعزلك ما كنت حيًّا[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

شكوى أهل حمص

عندما زار عمرحمص تحدث مع أهلها فسمع شكواهم، فقد قالوا: "نشكو منه أربعًا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار، ولا يجيب أحد بليل، وله في الشهر يومان لا يخرج فيهما إلينا ولا نراه، وأخرى لا حيلة له فيها ولكنها تضايقنا، وهي أنه تأخذه الغشية بين الحين والحين". فقال عمر همسًا: "اللهم إني أعرفه من خير عبادك، اللهم لا تخيب فيه فراستي". ودعا سعيدًا للدفاع عن نفسه، فقال سعيد: "أما قولهم: إني لا أخرج إليهم حتى يتعالى النهار، فوالله لقد كنت أكره ذكر السبب، إنه ليس لأهلي خادم، فأنا أعجن عجيني، ثم أدعه حتى يختمر، ثم أخبز خبزي، ثم أتوضأ للضحى، ثم أخرج إليهم". وتهلل وجه عمر وقال: "الحمد لله، والثانية؟!".

قال سعيد: "وأما قولهم: لا أجيب أحدًا بليل، فوالله لقد كنت أكره ذكر السبب، إني جعلت النهار لهم، والليل لربي. وأما قولهم: إن لي يومين في الشهر لا أخرج فيهما، فليس لي خادم يغسل ثوبي، وليس لي ثياب أبدلها، فأنا أغسل ثوبي ثم أنتظر حتى يجف بعد حين، وفي آخر النهار أخرج إليهم. وأما قولهم: إن الغشية تأخذني بين الحين والحين، فقد شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة، وقد بضعت قريش لحمه، وحملوه على جذعة، وهم يقولون له: أتحب أن محمدًا مكانك، وأنت سليم معافى؟ فيجيبهم قائلاً: والله ما أحب أني في أهلي وولدي معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة، فكلما ذكرت ذلك المشهد الذي رأيته، وأنا يومئذٍ من المشركين، ثم تذكرت تركي نصرة خبيب يومها، أرتجف خوفًا من عذاب الله، ويغشاني الذي يغشاني".

وانتهت كلمات سعيد المبللة بدموعه الطاهرة، ولم يتمالك عمر نفسه وصاح: "الحمد لله الذي لم يخيِّب فراستي"، وعانق سعيدًا[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

بعض الأحاديث التي نقلها عن النبي

قال سعيد بن عامر: سمعت رسول اللهيقول: "يجيء فقراء المسلمين يزفون كما يزف الحمام، ويقال لهم: قفوا للحساب. فيقولون: والله ما أعطيتمونا شيئًا تحاسبونا به. فيقول الله : صدق عبادي. فيدخلون الجنة قبل الناس بسبعين عاما"[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).

وعن سعيد بن عامر قال: سمعت رسول اللهيقول: "لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أشرفت إلى أهل الأرض لملأت الأرض ريح المسك، ولأذهبت ضوء الشمس والقمر"[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6).

الوفاة

توفِّي بالرّقة فيما قيل سنة تسع عشرة وهو بقيساريّة أميرها، وقيل بالرّقة سنة ثماني عشرة، وقيل سنة عشرين. قال ابن سعد في الطبقة الثالثة: مات سنة عشرين، وهو والٍ على بعض الشام لعمر[7] (http://vb.g111g.com/#_ftn7).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 4/269.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 1/1309.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) المصدر السابق 1/1310.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) ابن الأثير: أسد الغابة 2/462.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) الهيثمي: مجمع الزوائد، باب فضل الفقراء (17897)، 10/460.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6) الهيثمي: مجمع الزوائد: باب ما جاء في نساء أهل الجنة من الحور العين وغيرهن (18754)، 10/771.

[7] (http://vb.g111g.com/#_ftnref7) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 3/110، ابن الأثير: أسد الغابة 2/463.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:17 AM
عبد الله بن عمرو


اسمه وشرف نسبه

هو عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي القرشي السهمي، وكنيته أبو عبد الرحمن، وأمه ريطة بنت منبه بن الحجاج السهمي. يقال: كان اسمه العاص، فغيّره النبي.

عمره عند الإسلام

أسلم قبل أبيه ولم يكن بين مولدهما إلا اثنتا عشرة سنة. استأذن النبيفي كتابة ما يسمع منه، فأذن له رسول الله. قال عبد الله بن عمرو: "قد حفظت عن رسول اللهألف مثل".

حب الجهاد في سبيل الله

عن عبد الله بن عمروقال: شهدنا أَجْنَادَيْنِ ونحن يومئذ عشرون ألفًا وعلينا عمرو بن العاص، فهزمهم الله ففاءت فئة إلى فِحْل في خلافة عمر، فسار إليهم عمروفي الجيش فنفاهم عن فِحْل.

وفي عام سبعة وعشرين من الهجرة عزل عثمانُعن مصر عَمْرًا، وولّى عليها عبد الله بن سعد، فغزا إفريقية ومعه عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، فالتقى هو وجرجير بسُبَيْطلة على يومين من القيروان، وكان جرجير في مائتي ألف مقاتل، وقيل: في مائة وعشرين ألفًا، وكان المسلمون في عشرين ألفًا.

البكاء من خشية الله

عن عبد الله بن عمروقال: لو أن رجلاً من أهل النار أخرج إلى الدنيا لمات أهل الدنيا من وحشة منظره، ونتن ريحه. ثم بكى عبد اللهبكاءً شديدًا.

بعض المواقف من حياته مع الرسول

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوقَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّفِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: "وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ" مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِوَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. فَقَالَ: "اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ". فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. قَالَ: "ارْمِ وَلاَ حَرَجَ". فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّعَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ.

وعن عبد اللهُ بْنِ الْعَاصِقَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: "يَا عَبْدَ اللَّهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ".

وعن عبد اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: "يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟" فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَلاَ تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ". فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: "فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَم، وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ". قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَم. قَالَ: "نِصْفَ الدَّهْرِ". فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِيَقُولُ بَعْدَمَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ.

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

موقفه مع معاذ بن جبل

عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْحِمْيَرِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍيَتَحَدَّثُ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ، وَيَسْكُتُ عَمَّا سَمِعُوا، فَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍومَا يَتَحَدَّثُ بِهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِيَقُولُ هَذَا، وَأَوْشَكَ مُعَاذٌأَنْ يَفْتِنَكُمْ فِي الْخَلاَءِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَلَقِيَهُ، فَقَالَ مُعَاذٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، إِنَّ التَّكْذِيبَ بِحَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِنِفَاقٌ، وَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ قَالَهُ، لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِيَقُولُ: "اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَالظِّلِّ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ".

موقفه من مقتل عمار بن ياسر

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: إِنِّي لَأَسِيرُ مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي مُنْصَرَفِهِ مِنْ صِفِّينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: يَا أَبَتِ، مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِيَقُولُ لِعَمَّارٍ: "وَيْحَكَ يَابْنَ سُمَيَّةَ! تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ". قَالَ: فَقَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: أَلاَ تَسمعُ مَا يَقُولُ هَذَا؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لاَ تَزَالُ تَأْتِينَا بِهَنَةٍ، أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟! إِنَّمَا قَتَلَهُ الَّذِينَ جَاءُوا بِهِ.

موقفه مع أبيه عند وفاته

جَزِعَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِعِنْدَ الْمَوْتِ جَزَعًا شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍوقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا هَذَا الْجَزَعُ؟! وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِيُدْنِيكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ. قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، قَدْ كَانَ ذَلِكَ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ، إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَحُبًّا ذَلِكَ كَانَ أَمْ تَأَلُّفًا يَتَأَلَّفُنِي، وَلَكِنِّي أَشْهَدُ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُمَا: ابْنُ سُمَيَّةَ، وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ. فَلَمَّا حَدَّثَهُ وَضَعَ يَدَهُ مَوْضِعَ الْغِلاَلِ مِنْ ذَقْنِهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، وَلاَ يَسَعُنَا إِلاَّ مَغْفِرَتُكَ. وَكَانَتْ تِلْكَ هِجِّيرَاهُ دَأْبه وشأنه حَتَّى مَاتَ.

أثره في الآخرين

عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِفِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا.

عن مسروقٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوحِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاوِيَةَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِفَقَالَ: "لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا". وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "إِنَّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا".

وعَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوإِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ، فَدَخَلَ فَقَالَ: أَعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ".

علم عبد الله بن عمرو بالقرآن وتفسيره

قال الثوري: أخبرني حبيب بن أبي ثابت، أن عبد الله بن عمروقال في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: 175] هو أمية بن أبي الصلت.

وعن عبد الله بن عمروأنه قال: من تاب قبل موته بعام تيب عليه، حتى ذكر شهرًا، حتى ذكر ساعة، حتى ذكر فواقًا. قال: فقال رجل: كيف يكون هذا والله تعالى يقول: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} [النساء: 18]؟! فقال عبد الله: أنا أحدثك ما سمعت من رسول الله.

وعن عبد الله بن عمروفي قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172]، قال: أخذهم كما يأخذ المشط من الرأس.

بعض ما روى عن النبي

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّقَالَ: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ".

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوأَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ".

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوأَنَّ النَّبِيَّقَالَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ".

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِيَقُولُ: "مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ".

من أقواله

ينبغي لحامل القرآن ألاَّ يخوض مع من يخوض، ولا يجهل مع من يجهل، ولكن يعفو ويصفح لحق القرآن؛ لأن في جوفه كلام الله تعالى. وينبغي له أن يأخذ نفسه بالتصاون عن طرق الشبهات، ويقل الضحك والكلام في مجالس القرآن وغيرها بما لا فائدة فيه، ويأخذ نفسه بالحلم والوقار. وينبغي له أن يتواضع للفقراء، ويتجنب التكبر والإعجاب، ويتجافى عن الدنيا وأبنائها، إنْ خاف على نفسه الفتنة، ويترك الجدال والمراء، ويأخذ نفسه بالرفق والأدب. وينبغي له أن يكون ممن يؤمن شره، ويرجى خيره، ويسلم من ضره، وألاَّ يسمع ممن نمَّ عنده، ويصاحب من يعاونه على الخير، ويدله على الصدق ومكارم الأخلاق، ويزينه ولا يشينه. وينبغي له أن يتعلم أحكام القرآن فيفهم عن الله مراده، وما فرض عليه فينتفع بما يقرأ، ويعمل بما يتلو، فما أقبح لحامل القرآن أن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب وهو لا يفهم ما يتلو! فكيف يعمل بما لا يفهم معناه؟! وما أقبح أن يسأل عن فقه ما يتلوه ولا يدريه، فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارًا. وينبغي له أن يعرف المكي من المدني؛ ليفرق بذلك بين ما خاطب الله به عباده في أول الإسلام وما ندبهم إليه في آخر الإسلام، وما افترض الله في أول الإسلام، وما زاد عليه من الفرائض في آخره، فالمدني هو الناسخ للمكي في أكثر القرآن، ولا يمكن أن ينسخ المكي المدني؛ لأن المنسوخ هو المتقدم في النزول قبل الناسخ له، ومن كماله أن يعرف الإعراب والغريب؛ فذلك مما يسهل عليه معرفة ما يقرأ، ويزيل عنه الشك فيما يتلو.

متى توفي؟

تُوُفِّي سنة خمس وستين من الهجرة، وفيها مات -على الصحيح- عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي، وكان أصغر من أبيه باثنتي عشرة سنة. وكان دينًا صالحًا كثير العلم رفيع القدر، يلوم أباه على القيام في الفتنة، ويطيعه للأبوة.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:20 AM
عبد الله بن عمر


هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، يكنى أبا عبد الرحمن، أمه زينب بنت مظعون، وُلد بعد البعثة بأربعة أعوام وكان أبوه ما زال على الكفر، وما إن أصبح يافعًا حتى كان الله قد هدى والده عمر بن الخطاب إلى الإسلام. بدأت علاقته مع الإسلام منذ أن هاجر مع والده إلى المدينة وهو ابن عشرة أعوام، وبعد الهجرة أخذ ينهل من تعاليم الإسلام عن الرسولمباشرةً، حيث كان يتبعه كظلِّه. لم يشهد بدرًا وأُحد لصغر سنِّه، وشارك في غزوة الخندق عندما سمح له النبيبذلك، وهو ابن خمسة عشر عامًا، وشارك في بيعة الرضوان. كان فقيهًا كريمًا حسن المعشر طيِّب القلب، لا يأكل إلا وعلى مائدته يتيم يشاركه الطعام.

محاكاته الرسول

كان عبد الله بن عمرحريصًا كل الحرص على أن يفعل ما كان الرسوليفعله، فيصلي في ذات المكان، ويدعو قائمًا كالرسول الكريم، بل يذكر أدق التفاصيل؛ ففي مكة دارت ناقة الرسولدورتين قبل أن ينزل الرسول من على ظهرها ويصلي ركعتين، وقد تكون الناقة فعلت ذلك بدون سبب، لكن عبد اللهلا يكاد يبلغ نفس المكان في مكة حتى يدور بناقته ثم ينيخها ثم يصلي لله ركعتين تمامًا كما رأى الرسوليفعل، وتقول في ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "ما كان أحد يتبع آثار النبيفي منازله كما كان يتبعه ابن عمر". حتى إنّ النبينزل تحت شجرة، فكان ابن عمريتعاهد تلك الشجرة، فيصبُّ في أصلها الماء لكيلا تيبس.

جهاده

أول غزوات عبد الله بن عمركانت غزوة الخندق، فقد اسْتُصْغِرَ يوم أُحد، ثم شهد ما بعدها من المشاهد، وخرج إلى العراق وشهد القادسية ووقائع الفرس، وورَدَ المدائن، وشهد اليرموك، وغزا إفريقية مرتين.

وكان ابن عمررجلاً آدم جسيمًا ضخمًا، يقول ابن عمر: "إنّما جاءتنا الأدْمة من قِبل أخوالي، والخال أنزعُ شيء، وجاءني البُضع من أخوالي، فهاتان الخصلتان لم تكونا في أبي؛ كان أبي أبيض، لا يتزوَّج النساء شهوةً إلا لطلب الولد".

قيامه الليل

يحدثنا ابن عمر: "رأيت على عهد رسول اللهكأن بيدي قطعة إستبرق، وكأنني لا أريد مكانًا من الجنة إلا طارت بي إليه، ورأيت كأن اثنين أتياني وأرادا أن يذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطيّ البئر، فإذا لها قرنان كقرني البئر، فرأيت فيها ناسًا قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار. فلقينا ملك فقال: لا تُرَع. فخليا عني، فقصَّتْ حفصة أختي على النبيرؤياي، فقال رسول الله: "نِعْمَ الرجلُ عبد الله، لو كان يصلي من الليل فيكثر". ومنذ ذلك اليوم إلى أن لقي ربَّه لم يدع قيام الليل في حلِّه أو ترحاله.

تقواه وعلمه

كان عبد اللهمثل أبيهتهطل دموعه حين يسمع آيات النذير في القرآن؛ فقد جلس يومًا بين إخوانه فقُرئ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 1-6]، ثم مضى يردد: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ودموعه تسيل كالمطر، حتى وقع من كثرة وجده وبكائه.

وكتب رجل إلى ابن عمرفقال: "اكتبْ إليَّ بالعلم كله". فكتب إليه ابن عمر: "إن العلم كثيرٌ، ولكن إن استطعتَ أن تلقى الله خفيفَ الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافًّا لسانك عن أعراضهم، لازمًا لأمر الجماعة فافعلْ، والسلام".

شدة ورعه

دعاه يومًا الخليفة عثمانوطلب منه أن يشغل منصب القضاء فاعتذر، وألحَّ عليه عثمان فثابر على اعتذاره، وسأله عثمان: "أتعصيني؟" فأجاب ابن عمر: "كلا، ولكن بلغني أن القضاة ثلاثة: قاضٍ يقضي بجهل فهو في النار، وقاضٍ يقضي بهوى فهو في النار، وقاضٍ يجتهد ويصيب؛ فهو كفاف لا وزر ولا أجر، وإني لسائلك بالله أن تعفيني". وأعفاه عثمانبعد أن أخذ عليه عهدًا ألاَّ يخبر أحدًا؛ لأنه خشي إذا عرف الأتقياء الصالحون أن يتبعوه وينهجوا نهجه.

حذره

كانشديد الحذر في روايته عن الرسول، فقد قال معاصروه: "لم يكن من أصحاب رسول اللهأحدٌ أشد حذرًا من ألا يزيد في حديث رسول اللهأو ينقص منه من عبد الله بن عمر".

كما كان شديد الحذر والحرص في الفُتيا، فقد جاءه يومًا سائل يستفتيه في سؤالٍ، فأجابه قائلاً: "لا علم لي بما تسأل". وذهب الرجل إلى سبيله، ولا يكاد يبتعد بضع خطوات عن ابن عمر حتى فَرَك ابن عمر كفيه فرحًا، ويقول لنفسه: "سُئل ابن عمر عمّا لا يعلم، فقال لا يعلم".

جوده

كان ابن عمرمن ذوي الدخول الرغيدة الحسنة؛ إذ كان تاجرًا أمينًا ناجحًا، وكان راتبه من بيت مال المسلمين وفيرًا، ولكنه لم يدخر هذا العطاء لنفسه قَطُّ، إنما كان يرسله على الفقراء والمساكين والسائلين، فقد رآه أيوب بن وائل الراسبي وقد جاءه أربعة آلاف درهم وقطيفة، وفي اليوم التالي رآه في السوق يشتري لراحلته علفًا دَيْنًا، فذهب أيوب بن وائل إلى أهل بيت عبد الله وسألهم، فأخبروه: "إنه لم يبت بالأمس حتى فرَّقها جميعًا، ثم أخذ القطيفة وألقاها على ظهره وخرج، ثم عاد وليست معه، فسألناه عنها فقال: إنه وهبها لفقير".

كما كان عبد الله بن عمريلوم أبناءه حين يولمون للأغنياء ولا يأتون معهم بالفقراء، ويقول لهم: "تَدْعون الشِّباع، وتَدَعون الجياع".

زهده

أهداه أحد إخوانه القادمين من خُراسان حُلَّة ناعمة أنيقة، وقال له: "لقد جئتك بهذا الثوب من خراسان، وإنه لتقر عيناي إذ أراك تنزع عنك ثيابك الخشنة هذه، وترتدي هذا الثوب الجميل". قال له ابن عمر: "أرِنيه إذن". ثم لمسه وقال: "أحرير هذا؟" قال صاحبه: "لا، إنه قطن". وتملاّه عبد الله قليلاً، ثم دفعه بيمينه وهو يقول: "لا، إني أخاف على نفسي، أخاف أن يجعلني مختالاً فخورًا، والله لا يحب كل مختال فخور".

وأهداه يومًا صديق وعاءً مملوءًا، وسأله ابن عمر: "ما هذا؟" قال: "هذا دواء عظيم، جئتك به من العراق". قال ابن عمر: "وماذا يُطَبِّب هذا الدواء؟" قال: "يهضم الطعام". فابتسم ابن عمروقال لصاحبه: "يهضم الطعام! إني لم أشبع من طعام قَطُّ منذ أربعين عامًا".

لقد كان عبد اللهخائفًا من أن يقال له يوم القيامة: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20]. كما كان يقول عن نفسه: "ما وضعت لَبِنَة على لَبِنَة، ولا غرست نخلة منذ تُوُفِّي رسول الله". ويقول ميمون بن مهران: "دخلت على ابن عمر، فقَوَّمتُ (ثَمَّنْتُ) كل شيء في بيته من فراش ولحاف وبساط، ومن كل شيء فيه، فما وجدته يساوي مائة درهم".

موقفه من الخلافة

عُرضت الخلافة على ابن عمرعدة مرات فلم يقبلها، فها هو الحسنيقول: "لما قُتِل عثمان بن عفان، قالوا لعبد الله بن عمر: "إنك سيِّد الناس وابن سيد الناس، فاخرج نبايع لك الناس". قال: "إني والله لئن استطعت، لا يُهرَاق بسببي مِحْجَمَة من دم". قالوا: "لَتَخْرُجَنَّ أو لنقتُلك على فراشك". فأعاد عليهم قوله الأول، فأطمعوه وخوفوه، فما استقبلوا منه شيئًا".

واستقر الأمر لمعاويةومن بعده لابنه يزيد، ثم ترك معاوية الثاني ابن يزيد الخلافة زاهدًا فيها بعد أيام من توليه، وكان عبد الله بن عمرشيخًا مسنًّا كبيرًا، فذهب إليه مروان وقال له: "هَلُمَّ يدك نبايع لك؛ فإنك سيد العرب وابن سيدها". قال له ابن عمر: "كيف نصنع بأهل المشرق؟" قال مروان: "نضربهم حتى يبايعوا". قال ابن عمر: "والله ما أحب أنها تكون لي سبعين عامًا، ويقتل بسببي رجل واحد". فانصرف عنه مروان.

موقفه من الفتنة

رفضاستعمال القوة والسيف في الفتنة المسلحة بين عليٍّ ومعاوية، وكان الحياد شعاره ونهجه: "من قال حيَّ على الصلاة أجبته، ومن قال حيَّ على الفلاح أجبته، ومن قال حيَّ على قَتْل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت: لا". يقول أبو العالية البراء: "كنت أمشي يومًا خلف ابن عمر وهو لا يشعر بي، فسمعته يقول: "واضعين سيوفهم على عَوَاتِقِهم، يقتل بعضهم بعضًا، يقولون: يا عبد الله بن عمر، أَعْطِ يدك".

وفاته

كُفَّ بصر عبد الله بن عمرآخر عمره، وقد مات بمكة سنة أربع وسبعين للهجرة، وقيل: سنة ثلاث وسبعين وهو ابن أربع وثمانين سنة.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:21 AM
عبد الله بن عتيك الأنصاري


هو عبد الله بن عتيك بن قيس بن الأسود بن مري بن كعب بن غنم بن سلمة بن الخزرج الأنصاري..
مواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
وعبد الله هذا هو الذي قتل أبا رافع بن أبي الحقيق اليهودي بيده وكان في بصره شيء فنزل تلك الليلة عن درج أبي رافع بعد قتله إياه فوثب فكسرت رجله فاحتمله أصحابه حينا فلما وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رجله قال: فكأني لم أشتكها قط
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له وللذين توجهوا معه في قتل ابن أبي الحقيق إذ رآهم مقبلين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب فلما رآهم قال: " أفلحت الوجوه ".
من ملامح شخصيته:
شجاعته في قتله أبا رافع اليهودي.
ـ قال البخاري: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي رجالا من الأنصار، وأمر عليهم عبد الله بن عتيك، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم، قال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم، فإني منطلق ومتلطف للبواب؛ لعلي أن أدخل. فأقبل حتى دنا من الباب، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته، وقد دخل الناس، فهتف به البواب: يا عبد الله، إن كنت تريد أن تدخل فادخل، فإني أريد أن أغلق الباب. فدخلت فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم علق الأغاليق على ود. قال: فقمت إلى الأقاليد وأخذتها ففتحت الباب، وكان أبو رافع يسمر عنده، وكان في علالي له، فلما ذهب عنه أهل سمره، صعدت إليه، فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت علي من داخل، فقلت: إن القوم نذروا بي لم يخلصوا إلي حتى أقتله. فانتهيت إليه، فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت، قلت: أبا رافع. قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش، فما أغنيت شيئا، وصاح فخرجت من البيت، فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمك الويل، إن رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف. قال: فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله، ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه، حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتى انتهيت إلى درجة له فوضعت رجلي، وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة، حتى انطلقت حتى جلست على الباب، فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته. فلما صاح الديك قام الناعي على السور فقال: أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز. فانطلقت إلى أصحابي، فقلت: النجاء، فقد قتل الله أبا رافع. فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال لي: "ابسط رجلك" فبسطت رجلي فمسحها، فكأنما لم أشتكها قط.
ـ بعض الأحاديث التي رواها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
ـ روى محمد بن عبد الله بن عتيك أحد بني سلمة عن أبيه عبد الله بن عتيك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من خرج من بيته مجاهدا في سبيل الله عز وجل ثم قال بأصابعه هؤلاء الثلاث الوسطى والسبابة والإبهام فجمعهن وقال وأين المجاهدون فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله تعالى أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله عز وجل والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات فقد وقع أجره على الله تعالى ومن مات قعصا فقد استوجب المآب..
وفاته:
قال البغوي: بلغني أن عبد الله بن عتيك قتل يوم اليمامة شهيدا، في خلافة أبي بكر سنة اثنتي عشرة.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:22 AM
عبد الله بن سلام بن الحارث


هو عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي ثم الأنصاري يكنى أبا يوسف وهو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام كان حليفا للأنصار.
يقال كان حليفا للقواقلة من بني عوف بن الخزرج.
وكان اسمه في الجاهلية الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله.
وهو من ذرية يوسف النبي -عليه السلام-، وجزم بذلك الطبري وابن سعد، وأخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن عبد العزيز قال: كان اسم عبد الله بن سلام الحصين، فسماه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عبد الله.
أسلم أول ما قدم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- المدينة..
حاله في الجاهلية:
كان عبد الله بن سلام حبراً من أحبار اليهود الكبار في المدينة المنوّرة، وكان أهل المدينة على اختلاف مللهم ونحلهم يُجلُّونه ويعظِّمونه، وقد اقتنع بالإسلام وأسلم ،ونزل فيه قول الله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} وآية {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}
قصة إسلامه:
يروي عبد اللـه بن سلام قصة إسلامه فيقول:( لمّا سمعت رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- عرفت صفتَهُ واسمَهُ وزمانه وهيئته، والذي كنّا نتوكّف -نتوقع- له، فكنت مُسِرّاً ولذلك صامتاً عليه حتى قدم رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- المدينة، فلمّا قَدِمَ نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمّتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة، فلمّا سمعتُ الخبر بقدوم رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- كبّرت، فقالت لي عمّتي حين سمعت تكبيري:( لو كنتَ سمعت بموسى بن عمران قادماً ما زدت!؟)...قُلتُ له:( أيْ عمّة، هو واللـه أخـو موسـى بن عمران وعلى دينـه، بُعِـثَ بما بُعِثَ به)...فقالت لي:(أيْ ابن أخ، أهو النبي الذي كُنّا نُخبَرُ به أنه بُعث مع نَفَسِ السّاعة)... فقلت:(نعم)...قالت:( فذاك إذاً )...
فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:( إنّي سائلك عن ثلاثٍ لا يعلمهُنَّ إلى نبي، فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما يَنْزعُ الولدُ إلى أبيه أو إلى أمه؟ )...قال -صلى الله عليه وسلم-:( أخبرني بهن جبريل آنفاً )...قال:( جبريل؟)...قال:( نعم )...قال:( وذاك عدو اليهود من الملائكة )...فقرأ هذه الآية... قوله تعالى:( مَنْ كانَ عدوّاً لجبريلَ فإنّهُ نزَّلَهُ على قلبكَ )...سورة البقرة آية (97)...
أمّا أول أشراط الساعة، فنار تحشُرُ النّاس من المشرق إلى المغرب، وأمّا أوّل طعام أهل الجنّة فزيادة كَبِد الحوتِ، وإذا سبقَ ماءُ الرجلِ ماءَ المرأةِ نزع الولد، وإذا سبق ماءُ المرأةِ نزعتْ )...قال:( أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله )...
اثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
كان الصحابي الجليل عَبْد اللَّه بْن سلام ممّن أسلم مبكراً، فقد بدأت قصّته مع قدوم النّبي صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة، فلما سمِع بقدوم النّبي صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وعَرَفَ أنّ الناس قد تجمّعوا لاستقباله انطلق معهم، وهو يحمل الثمر الذي كان يقطفه في أرضه، فلما نظر إليه عرف أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب، ولنَدَع سيدنا عبد الله بن سلام يروي قصّة لقائه بالنّبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه الترمذي: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ:قد قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، ثَلاثًا، فجِئْتُ في النَّاسِ لأَنْظرَ، فلمَّا تَبيَّنْتُ وجْههُ عرَفتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فكان أوَّلُ شيْءٍ سمعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ"، فدنوت منه وشهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، فالتفتَ النبي عليه الصلاة والسلام وقال: "ما اسمك؟" فقلتُ: الحصين بن سلام، فقال عليه الصلاة والسلام: "بل عبد الله بن سلام"، قلت: نعم، عبد الله بن سلام، والذي بعثك بالحق ما أُحبُّ أنّ لي اسماً آخر بعد اليوم.... الحديث.
أهم ملامح شخصيته:
كان الحصين بن سلام معروفاً بين الناس بالتُّقَى والصلاح، موصوفاً بالاستقامة والصدق، وكان يحيا حياةً هادئةً وديعة، ولكنها كانت في الوقت نفسه جادةً نافعة، فقد قسم وقته أقساماً ثلاثة ؛ شطرًا للوعظ والعبادة، وشطرًا في بستان له يتعهد نخله بالتشذيب والتأبير، وشطرًا مع التوراة للتفقه في الدين، هكذا وصفوه، وكان كلما قرأ التوراة وقف طويلاً عند الأخبار التي تبشر بظهور نبي في مكة، يتمم رسالات الأنبياء السابقين، ويختمها.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
ـ يروي ابن سيرين، عن قيس بن عباد، قال: كنت في مسجد المدينة، فجاء رجل بوجهه أثر من خشوع، فقال القوم: هذا من أهل الجنة، فصلى ركعتين، فأوجز فيهم. فلما خرج، اتبعته حتى دخل منزله، فدخلت معه، فحدثته ; فلما استأنس، قلت: إنهم قالوا لما دخلت المسجد: كذا وكذا. قال: سبحان الله! ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم. وسأحدثك: إني رأيت رؤيا، فقصصتها على النبي -صلى الله عليه وسلم-: رأيت كأني في روضة خضراء، وسطها عمود حديد، أسفله في الأرض، وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: اصعد عليه. فصعدت حتى أخذت بالعروة، فقيل: استمسك بالعروة. فاستيقظت وإنها لفي يدي، فلما أصبحت، أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقصصتها عليه، فقال: أما الروضة، فروضة الإسلام، وأما العمود، فعمود الإسلام، وأما العروة ; فهي العروة الوثقي ; أنت على الإسلام حتى تموت. قال: وهو عبد الله بن سلام.
ـ وعن سعد بن أبي وقّاص: أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- أتِيَ بقصعةٍ فأكل منه، فَفَضَلتْ فضلة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(يجيء رجل مِنْ هذا الفجِّ من أهل الجنّة يأكل معي هذه الفضلة )...فجاء عبد الله بن سلام فأكله...
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
نهى عبد الله بن سلام عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن خروجه إلى العراق، وقال:(الْزَمْ مِنْبرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن تركته لا تراه أبداً)...فقال عليّ:(إنّه رجلٌ صالحٌ منّا)موقفه مع سلمان يقول المغيرة بن عبد الرحمن: لقى سلمان الفارسي عبد الله بن سلام، قال: إن مت قبلي فأخبرني ما تلقى، وإن مت قبلك أخبرك، قال: فمات سلمان فرأه عبد الله بن سلام، فقال: كيف أنت يا أبا عبد الله؟ قال: بخير، قال: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: وجدت التوكل شيئاً عجيباً.
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
روى محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر في يوم الجمعة ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته.
وعن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده عبد الله بن سلام قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن بني فلان أسلموا لقوم من اليهود وإنهم قد جاعوا فأخاف أن يرتدوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم من عنده فقال رجل من اليهود عندي كذا وكذا لشيء قد سماه أراه قال ثلاث مائة دينار بسعر كذا وكذا من حائط بني فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعر كذا وكذا إلى أجل كذا وكذا وليس من حائط بني فلان..
بعض كلماته:
قال عبد الله بن سلام ينهى عن قتل عثمان: يا قوم لا تسلوا سيف الله فيكم، فوالله إن سللتموه لا تغمدوه! ويلكم! إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرة، فإن قتلتموه لا يقوم إلا بالسيف. ويلكم! إن مدينتكم محفوفة بالملائكة فإن قتلتموه ليتركنها.
مناقبه:
عن معاذ بن جبل قال:( سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:( إن عبد الله بن سلام عاشر عشرة في الجنة )...وعن يزيد بن عَميرة السّكسَكي -وكان تلميذاً لمعاذ-، أنّ مُعاذ أمره أن يطلب العلم من أربعة: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي وعُويمر أبو الدرداء...
ـ وأنه ممن يؤتون أجورهم مرتين فعبد الله بن سلام من الذين يؤتون أجرهم مرتين. لقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمةٌ يطؤها فأدبـها فأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران. أخرجه البخاري ومسلم. وفيه _ أي في عبد الله بن سلام _ نـزل قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) فعلى رأي بعض المفسرين أن الذي عنده علم من الكتاب هو عبد الله بن سلام.
وفاته:
توفي رضي الله عنه بالمدينة سنة ثلاث وأربعين.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:23 AM
سارية بن زنيم

نسبه وقبيلته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15104_image002.jpgسارية بن زنيم بن عبد الله بن جابر بن محمية بن كنانة الدؤلي. كان خليعًا في الجاهلية أي لصًّا كثير الغارة، وكان يسبق الفرس عدوًا على رجليه[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1)، وكان (حليفًا) في الجاهلية، وكان أشد الناس حضرًا[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

ولا نعلم بالضبط متى أسلم سارية، والظاهر أنه أسلم متأخرًا لعدم ورود اسمه بين الصحابة الذين شهدوا بدرًا أو أُحدًا أو الخندق، ولكن موقفه مع أسيد بن أبي أناس يدل على أنه أسلم قبيل الفتح.

فموقفه مع أسيد بن أبي أناس يدل على حرصه على أن يؤمن كل الناس، فإنه لما قدم على رسول اللهوفد بني عبد بن عدي ومعهم رهط من قومهم، فذكر قصتهم مطولة، وفيها قالوا: إنا لا نريد قتالك، ولو قاتلت غير قريش لقاتلنا معك، ثم أسلموا واستأمنوا لقومهم سوى رجل منهم أهدر النبيدمه يقال له: أسيد بن أبي أناس، فتبرءوا منه، فبلغ أسيدًا ذلك فأتى الطائف فأقام به، فلما كان عام الفتح خرج سارية بن زنيم إلى الطائف فقال له: يابن أخي، اخرج إليه؛ فإنه لا يقتل من أتاه. فخرج إليه فأسلم، ووضع يده في يده، فأمّنه النبي[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

أهم ملامح شخصيته

كان سارية يتحلى بالشجاعة الشخصية النادرة، وقد تجلت هذه الشجاعة في فتح (فسا ودارابجرد)، كان سريع القرار صحيحه، لماحًا للفرص المناسبة لا يضيعها؛ لذلك أسند عمر بن الخطاب إليه مهمة فتح ولايتين من أهم ولايات فارس.

من مواقفه مع الصحابة

خرج عمر بن الخطابيوم الجمعة إلى الصلاة، فصعد المنبر ثم صاح: يا سارية بن زنيم الجبل، يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم من استرعى الذئب الغنم. قال: ثم خطب حتى فرغ. فجاء كتاب سارية بن زنيم إلى عمر بن الخطاب: إن الله قد فتح علينا يوم الجمعة لساعة كذا وكذا لتلك الساعة التي خرج فيها عمر فتكلم على المنبر. قال سارية: وسمعت صوتًا يا سارية بن زنيم الجبل، يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم من استرعى الذئب الغنم؛ فعلوت بأصحابي الجبل ونحن قبل ذلك في بطن وادٍ محاصرو العدو، ففتح الله علينا. فقيل لعمر بن الخطاب ما ذلك الكلام، فقال: والله ما ألقيت له بالاً، شيء أتى على لساني[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

وهنا يظهر إخلاص الفاروق عمر، فالمسافة بين المدينة المنورة وبلاد الشام كبيرة جدًّا!! فكيف سمع سارية بن زنيمصوت عمر بن الخطاب؟! إنه الإيمان الذي زرعه رسول اللهفي قلوب هؤلاء الصحابة الأطهار، رضوان الله عليهم أجمعين.

من كلماته

يُروَى له -أو لأخيه أنس- وهو أصدق بيت قالته العرب:
فما حَمَلتْ من ناقةٍ فوقَ رَحلِها *** أبرَّ وأوفـى ذِمّةً من محمـدِ[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5)

وهكذا ينطلق لسان ساريةمدافعًا عن رسول الله، يدافع عنه بنفسه وبلسانه؛ فالصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- كانوا يحبون النبيأكثر من أرواحهم التي بين جنبيهم.
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 3/5.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) ابن ماكولا: الإكمال 4/246.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 1/79.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) ابن عساكر: تاريخ دمشق 20/25.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) الصفدي: الوافي بالوفيات 1/2019.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:25 AM
عبد الله بن رواحة

اسمه وكنيته

هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، ويكنى أبا محمد. وأمه كبشة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة من بني الحارث بن الخزرج أيضًا.

حاله في الجاهلية

كان ابن رواحةكاتبًا في بيئة لا عهد لها بالكتابة إلا يسيرًا، وكان شاعرًا، ينطلق الشعر من بين ثناياه عذبًا قويًّا. ومنذ أسلم وضع مقدرته الشعرية في خدمة الإسلام.

قصة إسلامه

أسلم عبد الله بن رواحةعلى يد الداعية العظيم مصعب بن عُمير، وعندما هاجر الرسول الكريمإلى المدينة المنوّرة، صار سيدنا عبد الله بن رواحةشاعر الرسول، يلازمه، ويمدحه، ويشيد بالإسلام ومبادئه السامية، ويردُّ على شعراء المشركين، وكان يدعو إلى الله تعالى بكل ما أوتي من قوة. وبايع الرسولفي بيعة العقبة الأولى والثانية، وكان واحدًا من النقباء الذين اختارهم الرسول الكريم.

أثر الرسول في تربيته

لقد كان لتربية الرسولأثرٌ واضح وملموس في حياته، فإذا أمره سارع ونفذ، وإذا نهاه عن أمر اجتنبه وتركه؛ فروي أن عبد الله بن رواحةأتى النبيوهو يخطب فسمعه يقول: "اجلسوا". فجلس مكانه خارجًا من المسجد حتى فرغ النبيمن خطبته، فبلغ ذلك النبيفقال له: "زادك الله حرصًا على طواعية الله وطواعية رسوله".

وكان النبيلا يترك موقفًا أو حدثًا يمر على أصحابه دون أن يربِّيهم أو يعلّمهم؛ فيقول ابن عباس: بعث النبيعبد الله بن رواحةفي سرية، فوافق ذلك يوم الجمعة، فغدا أصحابه وقال: أتخلف فأصلي مع رسول اللهثم ألحقهم. فلما صلى مع النبيرآه، فقال: "ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟" قال: أردتُ أن أصلي معك ثم ألحقهم. فقال: "لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما أدركت فضل غدوتهم".

أهم ملامح شخصيته

كان عبد الله بن رواحةممن أنعم الله عليهم بالجهاد بالسيف واللسان، فهو الذي جاهد مع النبيفي بدر وأُحد، وحفر الخندق مع الصحابة، وبايع بيعة الرضوان، وكان أحد القُوَّاد الثلاثة في غزوة مؤتة التي استشهد فيها. وكما جاهد بسيفه جاهد بلسانه، فكان شِعْرُهُ سيفًا مصلتًا على رقاب المشركين، ولا يقل أهمية عن السيف في المعركة. وكان يحمل سيفه وشعره في كل الغزوات، فكان يقول:
خلُّوا بني الكفار عن سبيله *** خلوا فكل الخير في رسوله

وكان عبد الله بن رواحةصوّامًا قوامًا؛ يقول أبو الدرداء: "خرجنا مع رسول اللهفي بعض غزواته في حر شديد، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه أو كفه على رأسه من شدة الحر، ما فينا صائم إلا رسول اللهوعبد الله بن رواحة".

وتزوج رجل امرأة عبد الله بن رواحةفسألها عن صنيعه، فقالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلى ركعتين، وإذا دخل بيته صلى ركعتين، لا يدع ذلك.

وكان عادلاً ورعًا ذا أمانة يخاف الله ويتقه؛ فعن سليمان بن يسار أن رسول اللهكان يبعث عبد الله بن رواحةإلى خيبر، فيخرص[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1) بينه وبين يهود خيبر. قال: فجمعوا له حليًّا من حلي نسائهم، فقالوا له: هذا لك، وخفِّف عنا وتجاوز في القسم. فقال عبد الله بن رواحة: "يا معشر اليهود، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إليَّ، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم، فأَمَّا ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت، وإنَّا لا نأكلها". فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.

بعض المواقف من حياته مع الرسول

كان لعبد الله بن رواحةمواقف جمَّة مع النبي؛ ففي ليلة العقبة قال عبد الله بن رواحةلرسول الله: اشترط لربك ولنفسك ما شئت. فقال: "أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم".
قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟
قال: "الجنة".
قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل. فنزلت: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 111] الآية.

وأخبر عبادة بن الصامت، أن رسول اللهعاد[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2) عبد الله بن رواحةقال: فما تَحَوَّزَ (تنحَّى) له عن فراشه، فقال: "أتدرون مَنْ شُهداء أمتي؟" قالوا: قتْل المسلم شهادةٌ. قال: "إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذاً لَقَلِيلٌ؛ قَتْلُ الْمُسْلِمِ شَهَادَةٌ، وَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ، وَالْبَطْنُ وَالْغَرَقُ، وَالْمَرْأَةُ يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا جَمْعَاءَ".

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

يقول أبو الدرداء: أعوذ بالله أن يأتي عليَّ يومٌ لا أذكر فيه عبد الله بن رواحة، كان إذا لقيني مقبلاً ضربَ بين ثدييّ، وإذا لقيني مدبرًا ضربَ بين كتفيّ، ثم يقول: "يا عُويمر، اجلس فلنؤمن ساعة". فنجلس فنذكر الله ما شاء، ثم يقول: "يا عويمر، هذه مجالس الإيمان".

ولما كان يوم بدر وانتصر المسلمون وأُسر المشركون، شاور الرسول اللهأصحابه في شأن هؤلاء الأسرى، فقال: "ما تقولون في هؤلاء الأُسارى؟" فقال أبو بكر: يا رسول الله، قومك وأهلك استبقهم واستتبهم؛ لعل الله أن يتوب عليهم. وقال عمر: يا رسول الله، كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم. وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، أنت في وادٍ كثير الحطب، أضرم الوادي عليهم نارًا ثم ألقهم فيه. قال: فسكت رسول اللهفلم يرد عليهم شيئًا، ثم قام فدخل، فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر. وقال ناس: يأخذ بقول عمر. وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة.

أثره في الآخرين

كان لعبد الله بن رواحةأثرٌ واضح في الآخرين؛ فعن أنسقال: كان عبد الله بن رواحةإذا لقي الرجل من أصحاب رسول اللهقال: "تعالَ نؤمن بربنا ساعة". فقال ذات يوم لرجل، فغضب الرجل فجاء إلى النبيفقال: يا رسول الله، ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة؟ فقال النبي: "يرحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة".

وكان له الأثر الواضح في إسلام أبي الدرداء، إذ كان أخًا لأبي الدرداء في الجاهلية، وكان أبو الدرداء متعلقًا بصنم له، وكان عبد الله بن رواحةيدعوه إلى الإسلام، فيأبى، فجاءه عبد الله بن رواحةذات يوم، ولم يكن أبو الدرداء بالبيت، فأخذ قَدُومًا فجعل يضرب صنم أبي الدرداء وهو يرتجز:

ألا كل ما يُدعى مع الله باطل
وجاء أبو الدرداءفأخبرته امرأته بما صنع عبد الله بن رواحة، ففكَّر في نفسه، فقال: لو كان عند هذا خير لدفع عن نفسه. فانطلق حتى أتى رسول اللهصومعة عبد الله بن رواحة، فأسلم.

بعض كلماته

يقول عبد الله بن رواحةوهو يأخذ بخطام ناقة النبيفي عمرة القضاء:
خلُّوا بني الكفار عن سبيله *** خلوا فكل الخير مع رسوله
نحن ضربناكم على تأويله *** كما ضربناكم على تنزيلـه
ضربًا يزيل الهام عن مقيله *** ويذهل الخليل عن خليلـه

وكان النبييرتجز بكلمة عبد الله بن رواحة:
والله لولا الله مـا اهتدينا *** ولا تصدقنـا ولا صلينـا
فأنزلن سكينـة علينـا *** وثبت الأقـدام إن لاقينـا
إن الأُلَى قد بغـوا علينـا *** وإن أرادوا فتنـة أبينـا

موقف الوفاة

استشهدفي غزوة مُؤْتة، وكان أحد قُوَّادها، ودُفن في بلدة مؤتة إلى الجنوب من مدينة الكرك، وذلك في العام الثامن للهجرة.
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) الخَرْصُ: حرز ما على النخل من الرطب تمرًا.
[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) عاد المريض: إذا زاره.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:40 AM
عبد الله بن حرام


هو عبد الله بن عمرو بن حرام بن الخزرج، الأنصاري السلمي، أبو جابر أحد النقباء ليلة العقبة، شهد بدرا واستشهد يوم أحد.

حاله في الجاهلية:
كان عبد الله بن عمرو بن حرام سيداً من سادات الخزرج وشريف من أشرافها..
قصة إسلامه:
يروي كعب بن مالك قصة إسلام عبد الله بن عمرو بن حرام فيقول: ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيد من سادتنا أخذناه وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرن، فكلمناه وقلنا له: يا أبا جابر إنك سيد من سادتنا وشريف من أشرافنا وإنا لنرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطباً للنار غداً، ثم دعوناه إلى الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة، قال: فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيباً..
أهم ملامح شخصيته:
حرصه على مصلحة المسلمين..
ـ وقال ابن المديني: حدثنا موسى بن إبراهيم، حدثنا طلحة بن خراش، سمع جابرا يقول: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي! سلني أعطك، قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل فيك ثانيا، فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب! فأبلغ من ورائي. فأنزل الله: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.
وروي نحوه من حديث عائشة.
بذله للنصيحة:
لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني حين خرج إلى أحد - في ألف رجل من أصحابه حتى إذا كانوا بالشوط بين أحد والمدينة انخزل عنهم عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الناس وقال: اطاعهم فخرج وعصاني! والله ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس! فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه من أهل النفاق وأهل الريب واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول: يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عند من حضر من عدو! فقالو: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون فقال! فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم قال: أبعدكم الله أعداء الله! فسيغني الله عنكم! ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون (167)
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
ـ يروي أبي نضرة، عن جابر قال أبي: أرجو أن أكون في أول من يصاب غدا، فأوصيك ببناتي خيرا، فأصيب، فدفنته مع آخر، فلم تدعني نفسي حتى استخرجته ودفنته وحده بعد ستة أشهر، فإذا الأرض لم تأكل منه شيئا، إلا بعض شحمة أذنه.
أثره في الآخرين:
ـ نص عليه أحمد في من ترك وفاء، لأن عبد الله بن حرام أبا جابر بن عبد الله خرج إلى أحد، وعليه دين كثير، فاستشهد، وقضاه عنه ابنه بعلم النبي، ولم يذمه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم ينكر فعله، بل مدحه، وقال { ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها، حتى رفعتموه. وقال لابنه جابر أشعرت أن الله أحيا أباك، وكلمه كفاحا}.
فمن عليه دين حال أو مؤجل، لم يجز له الخروج إلى الغزو إلا بإذن غريمه، إلا أن يترك وفاء، أو يقيم به كفيلا، أو يوثقه برهن. وبهذا قال الشافعي، ورخص مالك في الغزو لمن لا يقدر على قضاء دينه ; لأنه لا تتوجه المطالبة به ولا حبسه من أجله، فلم يمنع من الغزو، كما لو لم يكن عليه دين.
ولنا أن الجهاد تقصد منه الشهادة التي تفوت بها النفس فيفوت الحق، بفواتها، وقد جاء { أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا، تكفر عني خطاياي؟ قال: نعم، إلا الدين، فإن جبريل قال لي ذلك } رواه مسلم وأما إذا تعين عليه الجهاد، فلا إذن لغريمه ; لأنه تعلق بعينه، فكان مقدما على ما في ذمته، كسائر فروض الأعيان، ولكن يستحب له أن لا يتعرض لمظان القتل ; من المبارزة، والوقوف في أول المقاتلة، لأن فيه تغريرا بتفويت الحق. وإن ترك وفاء، أو أقام كفيلا، فله الغزو بغير إذن.
موقف الوفاة:
ـ فعن ابن المنكدر، عن جابر لما قتل أبي يوم أحد، جعلت أكشف عن وجهه، وأبكي، وجعل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهوني وهو لا ينهاني، وجعلت عمتي تبكيه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: تبكيه أو لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه.
ـ شريك: عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر قال: أصيب أبي وخالي يوم أحد، فجاءت أمي بهما قد عرضتهما على ناقة، فأقبلت بهما إلى المدينة، فنادى مناد: ادفنوا القتلى في مصارعهم، فردا حتى دفنا في مصارعهم. قال مالك: كفن هو وعمرو بن الجموح في كفن واحد.
ـ وقال الأوزاعي: عن الزهري، عن جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما خرج لدفن شهداء أحد، قال: " زملوهم بجراحهم، فأنا شهيد عليهم " وكفن أبي في نمرة.
وتوفي:في العام الثالث الهجري في غزوة أحد..
ودفن: كما يروي الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر قال: أصيب أبي وخالي يوم أحد، فجاءت أمي بهما قد عرضتهما على ناقة، فأقبلت بهما إلى المدينة، فنادى مناد: ادفنوا القتلى في مصارعهم، فردا حتى دفنا في مصارعهم. قال مالك: كفن هو وعمرو بن الجموح في كفن واحد.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:41 AM
عبد الله بن حذافة


هو عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي.
أبو حذافة، أو أبو حذيفة. وأمه تميمة بنت حرثان من بني الحارث بن عبد مناة من السابقين الأولين، يقال شهد بدرا، ولم يذكره موسى بن عقبة، ولا ابن إسحاق ولا غيرهما من أصحاب المغازي. وعبد الله بن حذافة هذا هو القائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: " سلوني عما شئتم ": من أبي فقال: " أبوك حذافة بن قيس ". فقالت له أمه: ما سمعت بابن أعق منك أمنت أن تكون أمك قارفت ما تقارف نساء أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به. وكانت في عبد الله بن حذافة دعابة معروفة.
عن أبي هريرة أن عبد الله بن حذافة صلى فجهر بصلاته فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ناج ربك بقراءتك يا بن حذافة ولا تسمعني وأسمع ربك".
أهم ملامح شخصيته:
1ـ قوة عزيمته وثباته على الدين الإسلامي امام كل الفتن.
فعن أبي رافع قال وجه عمر جيشا إلى الروم وفيهم عبد الله بن حذافة فأسروه فقال له ملك الروم تنصر أشركك في ملكي فأبى فأمر به فصلب وأمر برميه بالسهام فلم يجزع فأنزل وأمر بقدر فصب فيها الماء وأغلى عليه وأمر بالقاء أسير فيها فإذا عظامه تلوح فأمر بإلقائه إن لم يتنصر فلما ذهبوا به بكى قال ردوه فقال لم بكيت قال تمنيت أن لي مائة نفس تلقى هكذا في الله فعجب فقال قبل رأسي وأنا اخلي عنك فقال وعن جميع أسارى المسلمين قال نعم فقبل رأسه فخلى بينهم فقدم بهم على عمر فقام عمر فقبل رأسه.
2ـ كان مشهوراً عنه روح الدعابة العالية فيروي عبد الله بن وهب عن الليث عن سعد قال: بلغني أنه حل حزام راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع قال ابن وهب: فقلت لليث: ليضحكه قال نعم كانت فيه دعابة.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فقام على المنبر فذكر الساعة فذكر أن فيها أمورا عظاما ثم قال ( من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل فلا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ما دمت في مقامي هذا ). فأكثر الناس في البكاء وأكثر أن يقول ( سلوني ). فقام عبد الله بن حذافة السهمي فقال من أبي؟ قال ( أبو حذافة ). ثم أكثر أن يقول ( سلوني ). فبرك عمر على ركبتيه فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فسكت. ثم قال عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط فلم أر كالخير (والشر ) قصته مع كسرى ـ أما قصته مع كسرى ملك الفرس فكانت في السنة السادسة للهجرة حين عزم النبي صلى الله عليه و سلم أن يبعث طائفة من أصحابه بكتب إلى ملوك الأعاجم يدعهم فيها إلى الإسلام..
انتدب عليه الصلاة والسلام ستة من الصحابة ليحملوا كتبه إلى ملوك العرب والعجم، و كان أحد هؤلاء الستة عبدالله بن حذافة السهمي، فقد اختير لحمل رسالة النبي صلوات الله عليه إلى كسرى ملك الفرس.
جهز عبد الله بن حذافة راحلته، وودع صاحبته وولده، ومضى إلى غايته ترفعه النجاد و تحطه الوهاد ؛ وحيدا فريدا ليس معه إلا الله، حتى بلغ ديار فارس، فاستأذن بالدخول على ملكه، وأخطر الحاشية بالرسالة التي يحملها له.. عند ذلك أمر كسرى بإيوانه فزين، ودعا عظماء فارس لحضور مجلسه فحضرو، ثم أذن لعبد الله بن حذافة بالدخول عليه. دخل عبد الله بن حذافة على سيد فارس مرتديا شملته الرقيقة، مرتديا عباءته الصفيقة، عليه بساطة العراب، لكنه كان عالي الهامة، مشدود القامة تتأجج بين جوانحه عزة الإسلام، وتتوقد في فؤاده كبرياء الإيمان.. فما إن رآه كسرى مقبلا حتى أومأ إلى أحد رجاله بأن يأخذ الكتاب من يده فقال:
ل، إنما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدفعه لك يدا بيد وأنا لا أخالف أمرا لرسول الله.. فقال كسرى لرجاله: اتركوه يدنو مني، فدنا من كسرى حتى ناوله الكتاب بيده، ثم دعا كسرى كاتبا عربيا من أهل الحيرة وأمره أن يفض الكتاب بين يديه، وأن يقرأه عليه فإذا فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى....."
فما أن سمع كسرى من الرسالة هذا المقدار حتى اشتعلت نار الغضب في صدره، فاحمر وجهه، وانتفخت أوداجه لأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه... فجذب الرسالة من يد كاتبه وجعل يمزقها دون أن يعلم ما فيها وهو يصيح: أيكتب لي بهذ، وهو عبدي؟!! ثم أمر بعبد الله بن حذافة أن يخرج من مجلسه فأخرج.
خرج عبد الله بن حذافة من مجلس كسرى وهو لا يدري ما يفعل الله له... أيقتل أم يترك حرا طليق؟ لكنه ما لبث أن قال: والله ما أبالي على أي حال أكون بعد أن أديت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وركب راحلته وانطلق. ولما سكت عن كسرى الغضب، أمر بأن يدخل عليه عبد الله فلم يوجد.
فلما قدم عبد الله على النبي الله صلى الله عليه وسلم أخبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه الكتاب، فما زاد عليه الصلاة والسلام على أن قال: "مزق الله ملكه"...
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
يروي عمرو بن الحكم بن ثوبان،عن(أبي سعيد الخدري قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز قال أبو سعيد الخدري: وأنا فيهم - حتى إذا بلغنا رأس غزاتنا أو كنا ببعض الطريق أذن لطائفة من الجيش واستعمل عليهم عبد الله بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت فيه دعابة فلما كان ببعض الطريق أوقد نار، ثم قال للقوم أليس لي عليكم السمع والطاعة؟ قالو: بلى ; قال أفما أنا آمركم بشيء إلا فعلتموه؟ قالو: نعم قال فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار قال فقام بعض القوم يحتجز حتى ظن أنهم واثبون فيه، فقال لهم اجلسو، فإنما كنت أضحك معكم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدموا عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمركم بمعصية منهم فلا تطيعوه).
ومما روى عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن عبد الله يعني ابن أبي بكر وسالم أبي النضر عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي في أيام التشريق أنها أيام أكل وشرب..
الوفاة:
مات ابن حذافة في خلافة عثمان رضي الله عنهم.
المراجع
الإصابة في تمييز الصحابة - الاستيعاب - صحيح البخاري.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:43 AM
عبد الله بن جحش

هو عبد الله بن جحش بن رئاب من بني خزيمة.
أخو زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله علية وسلم.
حليف بني عبد شمس، أحد السابقين، قال ابن حبان:له صحبة، وقال ابن إسحاق: هاجر إلى الحبشة، وشهد بدرا.
وقد لقب ببحر الجود لكرمه..
آخى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بين عبد الله بن جحش، وعاصم بن ثابت أول أمير في الإسلام وعن سعد بن أبي وقاص قال: بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في سرية، وقال: لأبعثن عليكم رجلا أصبركم على الجوع والعطش، فبعث علينا عبد الله بن جحش، فكان أول أمير في الإسلام وروى السراج من طريق زر بن حبيش قال: أول راية عقدت في الإسلام لعبد الله بن جحش.
أهم ملامح شخصيته:
1ـ حبه الشديد للشهادة.. (ذكر الحديث الموجود في الوفاة)
2ـ حبه الشديد للجهاد في سبيل الله.. (ذكر الحديث الموجود في مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم)..
3ـ طاعته المطلقة لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنفيذه لأوامر القائد ويتضح ذلك لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على رأس سرية وأعطاه كتاباً وأمره ألا يفتحه إلا بعد مسيرة يومين.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال ابن إسحاق وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي في رجب مقفله من بدر الأولى وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد وهم أبو حذيفة بن عتبة وعكاشة بن محصن بن حرثان حليف بني أسد بن خزيمة وعتبة بن غزوان حليف بني نوفل وسعد بن أبي وقاص الزهري وعامر بن ربيعة الوائلي حليف بني عدي وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع التميمي حليف بني عدي أيضا وخالد بن البكير أحد بني سعد بن ليث حليف بني عدي أيضا وسهيل ابن بيضاء الفهري فهؤلاء سبعة ثامنهم أميرهم عبد الله بن جحش رضي الله عنه.وقال يونس عن ابن إسحاق كانوا ثمانية وأميرهم التاسع. فالله أعلم. قال ابن إسحاق وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يستكره من أصحابه أحدا فلما سار بهم يومين فتح الكتاب فاذا فيه" إذا نظرت في كتابي فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم". فلما نظر في الكتاب قال: سمعا وطاعة. وأخبر أصحابه بما في الكتاب وقال: قد نهاني أن أستكره أحدا منكم فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف منهم أحد وسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له: بحران. أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه فتخلفا في طلبه ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل نخلة فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش فيها عمرو بن الحضرمي - قال ابن هشام واسم الحضرمي عبد الله بن عباد الصدفى. قال السهيلى: وقيل غير هذا في نسبه وعثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي وأخوه نوفل والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم فأشرف لهم عكاشة بن محصن وكان قد حلق رأسه فلما رأوه أمنوا وقالوا: عمار لا بأس عليكم منهم وتشاور الصحابة فيهم وذلك في آخر يوم من رجب فقالوا: والله لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن به منكم ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام. فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم ثم شجعوا أنفسهم عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وأفلت القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش أن عبد الله قال لأصحابه: إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمنا الخمس. فعزله وقسم الباقي بين أصحابه وذلك قبل أن ينزل الخمس.قال: لما نزلنا الخمس نزل كما قسمه عبد الله بن جحش كما قاله.
قال ابن إسحاق فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام". فوقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقط في أيدي القوم وظنوا أنهم قد هلكوا وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه الأموال وأسروا فيه الرجال. فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة: إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان. وقالت يهود تفائل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله عمرو عمرت الحرب والحضرمي حضرت الحرب وواقد بن عبد الله وقدت الحرب. فجعل الله ذلك عليهم لا لهم فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به وعن المسجد الحرام وإخراجكم منه وأنتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ أي قد كانوا يفتنون المسلم عن دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه فذلك أكبر عند الله من القتل ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير تائبين ولا نازعين ولهذا قال الله تعالى "وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا.." الآية.
قال ابن إسحاق فلما نزل القرآن بهذا من الأمر وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين وبعثت قريش في فداء عثمان والحكم بن كيسان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا يعني سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان فإنا نخشاكم عليهما فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم". فقدم سعد وعتبة فأفداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافرا.
قال ابن إسحاق فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الأجر فقالو:يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين؟ فأنزل الله فيهم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فوصفهم الله من ذلك على أعظم الرجاء.
من كلماته:
قال ابن إسحاق: فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في غزوة عبد الله بن جحش، ويقال بل عبد الله بن جحش قاله، حين قالت قريش: قد أحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه المال وأسروا فيه الرجال - قال ابن هشام: هي لعبد الله بن جحش:
تعدون قتلا في الحرام عظيمة وأعظم منه لو يرى الرشد راشد
صدودكم عما يقول محمد وكفر به والله راء وشاهد
وإخراجكم من مسجد الله أهله لئلا يرى لله في البيت ساجد
فإنا وإن عيرتمونا بقتله وأرجف بالإسلام باغ وحاسد
سقينا من ابن الحضرمي رماحنا بنخلة لما أوقد الحرب واقد
دما وابن عبد الله عثمان بيننا ينازعه غل من القد عاند
أثره في الآخرين:
كان من اجتهاده أنه قسم الغنيمة أخماس، فجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس وجعل أربعة أخماس في الغانمين، من قبل أن يفرض ذلك، فنزل بعد ذلك قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن خمسه لله وللرسول..
الوفاة:
روى البغوي من طريق إسحاق بن سعد بن أبي وقاص، حدثني أبي أن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد: ألا تأتي فندعو؟! قال: فخلونا في ناحية، فدعا سعد فقال: يا رب إذا لقينا القوم غدا، فلقني رجلا شديدا حرده، أقاتله فيك، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله، وآخذ سلبه، قال: فأمن عبد الله بن جحش، ثم قال عبد الله: اللهم ارزقني رجلا شديدا حرده، أقاتله فيك حتى يأخذني، فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك، قلت هذا فيك، وفي رسولك، فتقول: صدقت. قال سعد: فكانت دعوة عبد الله خيرا من دعوتي، فلقد رأيته آخر النهار، وإن أنفه وأذنه لمعلق في خيط.
ـ وأخرجه ابن شاهين من وجه آخر، عن سعيد ابن المسيب أن رجلا سمع عبد الله بن جحش، فذكر نحوه، وهذا أخرجه ابن المبارك في الجهاد مرسلا، وقال الزبير كان يقال له المجدع في الله، وكان سيفه انقطع يوم أحد، فأعطاه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عرجونا، فصار في يده سيفا، فكان يسمى العرجون، قال: وقد بقي هذا السيف حتى بيع من بغاء التركي بمائتي دينار.
ـ وروى زكريا الساجي من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه قال: استشار النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أبا بكر وعمر وعبد الله بن جحش في أسارى بدر.. فذكر القصة، وأخرجه أحمد، وكان قاتله أبو الحكم بن الأخنس بن شريق، ودفن هو وحمزة في قبر واحد.
وكان له يوم قتل نيف وأربعون سنة.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:44 AM
عبد الله بن أم مكتوم


هو عبد الله، ويقال عمر، وهو ابن قيس بن زائدة بن الأصم، ومنهم من قال: عمرو بن زائدة لم يذكر قيسًا، ومنهم من قال: قيس بدل زائدة.
وقال ابن حبان: من قال ابن زائدة نسبه لجده، ويقال: كان اسمه الحصين فسماه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عبد الله، حكاه ابن حبان، وقال ابن سعد: أهل المدينة يقولون: اسمه عبد الله، وأهل العراق يقولون: اسمه عمرو، قال: واتفقوا على نسبه، وأنه ابن قيس بن زائدة بن الأصم، وفي هذا الاتفاق نظر.
واسم أمه أم مكتوم عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة -بمهملة ونون ساكنه وبعد الكاف مثلثة- ابن عائذ بن مخزوم.
وهو ابن خال خديجة أم المؤمنين، فإن أم خديجة أخت قيس بن زائدة، واسمها فاطمة.
أتى جبريل -عليه السلام- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده ابن أم مكتوم فقال: متى ذهب بصرُك؟...قال: وأنا غلام...فقال: قال الله تبارك وتعالى: إذا ما أخذتُ كريمة عبدي لم أجِدْ له بها جزاءً إلا الجنة... وعندما نزل قوله تعالى: "لا يَسْتوي القَاعِدونَ مِنَ المؤمنينَ والمجاهدونَ في سَبيلِ الله..."...سورة النساء (آية 95)...
قال عبد الله بن أم مكتوم:(أيْ ربِّ أَنْزِل عُذري)...فأنزل الله: "غَيْرُ أولِي الضَّرَرِ"...
فجُعِلَتْ بينهما وكان بعد ذلك يغزو فيقول:(ادفعوا إليّ اللواء، فإنّي أعمى لا أستطيع أن أفرّ، و أقيموني بين الصّفَّين)...
إسلامه وهجرته:
أسلم قديما بمكة، وكان من المهاجرين الأولين، قدم المدينة قبل أن يهاجر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- وقيل: بل بعد وقعة بدر بيسير، قاله الواقدي، والأول أصح.
روى من طريق أبي إسحاق عن البراء قال: أول من أتانا مهاجرا مصعب بن عمير ثم قدم ابن أم مكتوم، وكان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يستخلفه على المدينة في عامَّة غزواته، يصلي بالناس، وقال الزبير بن بكار: خرج إلى القادسية فشهد القتال، واستشهد هناك، وكان معه اللواء حينئذ
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
ووقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه وقد طمع في إسلامه فبينا هو في ذلك إذ مر به ابن أم مكتوم الأعمى، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يستقرئه القرآن فشق ذلك منه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أضجره وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد وما طمع فيه من إسلامه فلما أكثر عليه انصرف عنه عابس، وتركه فأنزل الله تعالى فيه عبس وتولى أن جاءه الأعمى إلى قوله تعالى: في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة أي إنما بعثتك بشيرا ونذير، لم أخص بك أحدا دون أحد، فلا تمنعه ممن ابتغاه ولا تتصدين به لمن لا يريده.
قال: وأما رواية قتادة عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- استخلف ابن أم مكتوم فلم يبلغه ما بلغ غيره انتهى، وهو المذكور في سورة (عبس وتولى) ونزلت فيه: "غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ" لما نزلت "لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ" أخرجه البخاري.
نزل ابن أم مكتوم -رضي الله عنه- على يهودية بالمدينة (عمّة رجل من الأنصار) فكانت تخدمه وتؤذيه في الله ورسوله، فتناولها فضربها فقتلها، فرُفِعَ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:(أمّا والله يا رسول الله إن كانت لّتُرْفِقُني - تخدمني - ولكنها آذتني في الله ورسوله، فضربتها فقتلتها)... فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (أبعدها الله تعالى، فقد أبطلتْ دَمَها )...
استخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم له في المدينة:
قال ابن عبد البر: روى جماعة من أهل العلم بالنسب والسير أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- استخلف ابن أم مكتوم ثلاث عشرة مرة في الأبواء وبواط وذي العشيرة، وغزوته في طلب كرز بن جابر، وغزوة السويق، وغطفان، وفي غزوة أحد، وحمراء الأسد، ونجران، وذات الرقاع، وفي خروجه من حجة الوداع، وفي خروجه إلى بدر، ثم استخلف أبا لبابة لما رده من الطريق.
أثره في الآخرين:
كان عبد الله من أوائل المهاجرين إلى المدينة فراراً بدينهم بعد أن اشتد أذى قريش على المسلمين، فكان هو ومصعب بن عمير أول من قدم المدينة من المهاجرين، فكانا يختلفان إلى الناس يقرآنهم القرآن ويفقهانهم في دين الله.
موقف الوفاة:
وفي السنة الرابعة عشرة للهجرة عقد عمر بن الخطاب العزم علي أن يخوض مع الفرس معركة فاصلة تديل دولتهم وتزيل ملكهم وتفتح الطريق أمام جيوش المسلمين فكتب إلى عماله يقول: لا تدعوا أحداً له سلاح أو فرس أو نجدة أو رأي إلا وجهتموه إليَّ والعَجَلَ العَجَلَ، وطفقت جموع المسلمين تلبي نداء أمير المؤمنين وتنهال علي المدينة من كل حدبٍ وصوبٍ وكان في جملة هؤلاء المجاهدين عبد الله بن أم مكتوم، أمر الفاروق علي الجيش سعد بن أبي وقاص وأوصاه وودعه ولما بلغ الجيش القادسية، برز عبد الله بن أم مكتوم من بين الصفوف لابساً درعه مستكملاً عدته وندب نفسه لحمل راية المسلمين والحفاظ عليها أو الموت دونه، والتقي الجمعان في أيام ثلاثة قاسية عابثة واحترب الفريقان حرباً لم يشهد لها تاريخ الفتوح مثيلاً حتى انجلى اليوم الثالث عن نصر مؤزر للمسلمين ودالت دولة من أعظم الدول، وزال عرش من أعرق العروش وهوت راية من رايات الوثنية وارتفعت ورفعت راية التوحيد، وسقط مئات من الشهداء وكان من بين هؤلاء الشهداء عبد الله بن أم مكتوم، فقد وجد صريعاً مدرجاً بدمائه قابضاً علي راية المسلمين..

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 05:09 AM
عبد الله بن الزبير بن العوام


هو عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي. وأمه السيدة "أسماء بنت أبي بكر الصديق". وهو أحد العبادلة، وأحد الشجعان من الصحابة، وأحد من ولي الخلافة منهم، يكنى أبا بكر.

مولده

ولدعام الهجرة، وحفظ عن النبيوهو صغير، وحدَّث عنه بجملة من الحديث، وهو يُعَدّ أول مولود للمسلمين في المدينة بعد الهجرة، وكان فرح المسلمين بولادته كبيرًا، وسعادتهم به طاغية؛ لأن اليهود كانوا يقولون: سحرناهم فلا يولد لهم ولد.

ونشأ عبد الله بن الزبيرنشأة طيبة، وتنسم منذ صغره عبق النبوة، وكانت خالته السيدة عائشة (http://vb.g111g.com/أم_المؤمنين_عائشة_بنت_أبي_ب� �ر) -رضي الله عنها- تُعنَى به وتتعهده، حتى كنيت باسمه، فكان يقال لها: "أم عبد الله"؛ لأنها لم تنجب ولدًا.

قصة بيعته للرسول

فعن هشام بن عروة، عن أبيه وزوجته فاطمة، قال: خرجت أسماء حين هاجرت حبلى، فنفست بعبد الله بقباء. قالت أسماء رضي الله عنها: فجاء عبد اللهبعد سبع سنين ليبايع النبي، أمره بذلك أبوه الزبير، فتبسم النبيحين رآه مقبلاً، ثم بايعه.

أهم ملامح شخصيته

1- كثرة حبه للعبادة بجميع أنواعها

يروي عبد الملك بن عبد العزيز، عن خاله يوسف بن الماجشون، عن الثقة بسنده قال: قسَّم عبد الله بن الزبيرالدهر على ثلاث ليال؛ فليلة هو قائم حتى الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح.

2- حبه الشديد للجهاد

لم يكن غريبًا على من نشأ هذه النشأة الصالحة أن يشب محبًّا للجهاد؛ فقد شهد وهو في الرابعة عشرة من عمره معركة اليرموك الشهيرة سنة (15هـ/ 636م)، واشترك مع أبيه في فتح مصر، وأبلى بلاءً حسنًا، وخاض عمليات فتح شمال إفريقيا تحت قيادة عبد الله بن سعد في عهد عثمان بن عفان، وأبدى من المهارة والقدرة العسكرية ما كفل للجيش النصر، كما اشترك في الجيوش الإسلامية التي فتحت إصطخر.

بعض المواقف من حياته مع الرسول

روي من غير وجه أن عبد الله بن الزبيرشرب من دم النبى؛ كان النبىقد احتجم في طست، فأعطاه عبد الله بن الزبيرقائلاً: "يا عبد الله، اذهب بهذا الدم فأهريقه حيث لا يراك أحد". فلما بَعُد، عمد إلى ذلك الدم فشربه، فلما رجع قال: "ما صنعت بالدم؟" قال: إني شربته؛ لأزداد به علمًا وإيمانًا، وليكون شيء من جسد رسول اللهفي جسدي، وجسدي أَوْلَى به من الأرض. فقال: "أبشرْ، لا تمسَّك النار أبدًا، وويل لك من الناس، وويل للناس منك".

وهو أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة للمهاجرين، فحنَّكه رسول اللهبتمرة لاكها في فِيه، ثم حنّكه بها، فكان ريق رسول اللهأول شيء دخل جوفه، وسمّاه عبد الله، وكناه أبا بكر بجدِّه أبي بكر الصّدّيق.

مواقف من حياته مع الصحابة

موقفه مع عمر بن الخطاب

تنبَّأ له عمر بن الخطاببمستقبل باهر؛ لما رأى من رباطة جأشه وثبات قلبه واعتداده بنفسه؛ فقد مرَّ عمر بعبد الله وهو يلعب مع رفاقه من الصبيان، فأسرعوا يلوذون بالفرار هيبةً لعمر وإجلالاً له، في حين ثبت عبد الله بن الزبير، ولزم مكانه، فقال له عمر: ما لك لم تفر معهم؟ فقال عبد الله: لم أجرم فأخافك، ولم يكن الطريق ضيقًا فأوسع لك.

موقفه مع معاوية بن أبي سفيان

كان لعبد الله بن الزبيرمزرعة بمكة بجوار مزرعة معاوية، وكان عمال معاويةيدخلونها، فكتب ابن الزبيرلمعاويةخطابًا كتب فيه: (من عبد الله بن الزبير ابن ذات النطاقين وابن حواري الرسولإلى معاوية ابن هند بنت آكلة الأكباد، إن عمالك يدخلون مزرعتي، فإن لم تنههم ليكونَنَّ بيني وبينك شأن، والسلام).

فلما وصل الخطاب لمعاويةكتب له خطابًا ذكر فيه: (من معاوية ابن هند بنت آكلة الأكباد إلى ابن الزبير ابن ذات النطاقين وابن حواري الرسول، لو كانت الدنيا لي فسألتها لأعطيتكها، ولكن إذا وصلك خطابي هذا فضُم مزرعتي إلى مزرعتك، وعمالي إلى عمالك، فهي لك، والسلام). فلما قرأها بلَّها بالدموع، وركب من مكة إلى معاوية في الشام، وقبَّل رأسه، وقال له: "لا أعدمك الله عقلاً أنزلك هذه المنزلة".

مواقف من حياته مع التابعين

موقف ابن الزبير مع يزيد بن معاوية

لما تولى يزيد بن معاويةالخلافة سنة (60هـ/ 679م)، حرص على أخذ البيعة من الأمصار الإسلامية، فلبت نداءه وبايعته دون تردد، في حين استعصت عليه بلاد الحجاز حيث يعيش أبناء الصحابة الذين امتنعوا عن مبايعة يزيد، وكان في مقدمة الممتنعين الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، غير أن يزيد بن معاويةألحَّ في ضرورة أخذ البيعة منهما، ولو جاء الأمر قسرًا وقهرًا لا اختيارًا وطواعية، ولم يجد ابن الزبيرمفرًّا من مغادرة المدينة والتوجه إلى مكة، والاحتماء ببيتها العتيق، وسمَّى نفسه "العائذ بالبيت"، وفشلت محاولات يزيد في إجباره على البيعة.

وبعد استشهاد الحسين بن عليفي معركة "كربلاء" في العاشر من المحرم سنة (61هـ/ 10 من أكتوبر 680م) التفَّ الناس حول ابن الزبير، وزاد أنصاره سخطًا على يزيد بن معاوية، وحاول يزيدأن يضع حدًّا لامتناع ابن الزبيرعن مبايعته، فأرسل إليه جيشًا بقيادة مسلم بن عقبة، غير أنه توفي وهو في الطريق إلى مكة، فتولى قيادة الجيش "الحصين بن نمير"، وبلغ مكة في (26 من المحرم 64هـ)، وحاصر ابن الزبيرأربعة وستين يومًا، دارت خلالها مناوشات لم تحسم الأمر، وفي أثناء هذا الصراع جاءت الأنباء بوفاة يزيد بن معاويةفي (14 من ربيع الأول سنة 64هـ/ 13 من إبريل 685م)، فسادت الفوضى والاضطراب في صفوف جيش يزيد.

موقف ابن الزبير مع الحصين بن نمير

توقف القتال بين الفريقين، وعرض (الحصين بن نمير) على ابن الزبيرأن يبايعه قائلاً له: "إن يك هذا الرجل قد هلك (أي يزيد)، فأنت أحق الناس بهذا الأمر، هلُمَّ فلنبايعك، ثم اخرج معي إلى الشام؛ فإن الجند الذين معي هم وجوه أهل الشام وفرسانهم، فوالله لا يختلف عليك اثنان". لكن ابن الزبيررفض هذا العرض، الذي لو قبله لربما تمَّ له الأمر دون معارضة؛ لأن بني أمية اضطرب أمرهم بعد موت يزيد بن معاويةورفْض ابنه معاوية بن يزيد تولي الأمر، ثم لم يلبث أن تُوُفِّي هو الآخر بعد أبيه مباشرة.

أعلن ابن الزبيرنفسه خليفة للمسلمين عقب وفاة يزيد بن معاوية، وبويع بالخلافة في (7 من رجب 64هـ/ 1 من مارس 648م)، ودخلت في طاعته ومبايعته الكوفة، والبصرة، ومصر، وخراسان، والشام معقل الأمويين، ولم يبق سوى الأردن على ولائه لبني أمية بزعامة حسان بن بَحْدَل الكلبي، ولم يلق ابن الزبيرتحديًا في بادئ الأمر، فهو صحابي جليل تربَّى في بيت النبوة، واشتهر بالتقوى والصلاح والزهد والورع، والفصاحة والبيان والعلم والفضل، وحين تلفَّت المسلمون حولهم لم يجدوا خيرًا منه لتولي هذا المنصب الجليل.

بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى

يروي عروة، عن عبد الله بن الزبير، أنه حدثه أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبيرعند النبيفي شِرَاج الحَرَّة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرِّح الماء يمر. فأبى عليه، فاختصما عند النبي، فقال رسول اللهللزبير: "اسْقِ يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك". فغضب الأنصاري، فقال: أن كان ابن عمتك! فتلوَّن وجه رسول الله، ثم قال: "اسْقِ يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْر". فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65].

وعن أبي نعيم، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، عن عباس بن سهل بن سعد، قال: سمعت ابن الزبيرعلى المنبر بمكة في خطبته يقول: يا أيها الناس، إن النبيكان يقول: "لو أن ابن آدم أُعطِي واديًا مَلْئًا من ذهب أحبَّ إليه ثانيًا، ولو أعطي ثانيًا أحب إليه ثالثًا، ولا يسدّ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب".

ما قيل عنه

** قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله يومًا لابن أبي مُلَيْكة: صِفْ لنا عبد الله بن الزبير.
فقال: "والله ما رأيت نفسًا رُكّبت بين جَنْبين مثل نفسه، ولقد كان يدخل في الصلاة فيخرج من كل شيء إليه، وكان يركع أو يسجد فتقف العصافير فوق ظهره وكاهله، لا تحسبه من طول ركوعه وسجوده إلا جدارًا أو ثوبًا مطروحًا، ولقد مرَّت قذيفة منجنيق بين لحيته وصدره وهو يصلي، فوالله ما أحسَّ بها ولا اهتزَّ لها، ولا قطع من أجلها قراءته، ولا تعجَّل ركوعه".

** وسئل عنه ابن عباسفقال -على الرغم مما بينهم من خلاف-: "كان قارئًا لكتاب الله، مُتَّبِعًا سنة رسوله، قانتًا لله، صائمًا في الهواجر من مخافة الله، ابن حواريّ رسول الله، وأمه أسماء بنت الصديق، وخالته عائشة زوجة رسول الله، فلا يجهل حقه إلا من أعماه الله".

** قال عمر بن قيس: "كان لابن الزبير مائة غلام، يتكلّم كل غلام منهم بلغة أخرى، وكان الزبير يكلّم كلَّ واحد منهم بلغته، وكنت إذا نظرتُ إليه في أمر دنياه قلت: هذا رجلٌ لم يُرِد الله طرفةَ عين. وإذا نظرتُ إليه في أمر آخرته قلت: هذا رجلٌ لم يُرِد الدنيا طرفة عين".

وفاته

توجّه الحَجَّاج الثقفي بعد مقتل مصعب بن الزبير على رأس جيش كبير من عشرين ألفًا من جند الشام إلى الحجاز، وضرب حصارًا على مكة، فأصاب أهل مكة مجاعة كبيرة. وراح عبد الله بن الزبيريسأل أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، ماذا يفعل وقد تخلّى عنه الناس؟ فقالت له: "إن كنت على حقٍّ فامضِ لشأنك، لا تمكّن غلمان بني أميّة، وإن كنتَ إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت! أهلكت نفسك ومن معك؛ القتل أحسن". فقال: "يا أُمَّتِ، إني أخاف إن قتلوني أن يمثِّلوا بي". قالت: "إنّ الشاة لا يضرُّها سلخها بعد ذبحها".

فخرج من عندها، وذهب إلى القتال، فاستشهد في المعركة في (17 من جمادى الأولى 73هـ/ 4 من أكتوبر 692م)، وبوفاته انتهت دولته التي استمرت نحو تسع سنين. وكان عُمر ابن الزبيريوم استشهاده 72 سنة.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 05:11 AM
عبد الرحمن بن عوف


مقدمة

هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الزهري، يكنى أبا محمد، وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل: عبد الكعبة؛ فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن. وأمه الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة . وكان مولده بعد عام الفيل بعشر سنوات.
وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة. وأحد الستة الذين جعل عمر الشورى فيهم وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض.
إسلامه:
أسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وكان إسلامه على يد الصديق أبا بكر رضي الله عنه، فبعد أن أسلم الصديق، دعا إلى الله عز وجل وكان رجلاً مألفًا لقومه محبًا سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجلاً تاجراً ذا خلق معروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه: الزبير بن العوام وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم أبو بكر فعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الإسلام فآمنوا، وكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا في الإسلام صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا بما جاء من عند الله. وكان عمره عند إسلامه ثلاثين عامًا.
وكان عبد الرحمن بن عوف من المهاجرين الأولين، جمع الهجرتين جميعًا: هاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم قبل الهجرة وهاجر إلى المدينة.

أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته

:
أسلم عبد الرحمن بن عوف قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم التي ربى فيها الجماعة المؤمنة التي حملت دعوة الإسلام حتى علا شأنها، وبلغت ما بلغ الليل والنهار، وكان أثر الرسول صلى الله عليه وسلم واضحًا في تربية سيدنا عبد الرحمن بن عوف، وفي معاملاته مع المسلمين وغيرهم، فقد ظهرت أثر تربية النبي صلى الله عليه وسلم عندما آخى بينه وبين سيدنا سعد بن الربيع وأراد الآخر أن يؤثره بنصف ماله إلا أنه قابل هذا الكرم بعفة شديدة مع أنه كان فقيرًا معدمًا ترك أمواله ودياره بمكة، والمتتبع لحياة سيدنا عبد الرحمن بن عوف يجد أثر تربية الرسول صلى الله عليه وسلم واضحًا في حياته.
ومن المواقف التي تظهر أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته، لما بعثه إلى دومة الجندل ووصاه قائلاً: أغز بسم الله وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليدًا، وقال: إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم، فسار عبد الرحمن حتى قدم دومة الجندل، فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام فأسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي وكان نصرانيًا، وكان رأسهم وأسلم معه ناس كثير من قومه وأقام من أقام على إعطاء الجزية، وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ وقدم بها إلى المدينة وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن.




أهم ملامح شخصيته</b>


عفته

:
من أهم ما يميز ملامح شخصية سيدنا عبد الرحمن بن عوف عفته، وظهر ذلك جليًا عندما آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين سيدنا سعد بن الربيع، فقال له سعد: إن لي مالاً فهو بيني وبينك شطران، ولي امرأتان فانظر أيهما أحب إليك فأنا أطلقها فإذا حلت فتزوجها، فقال عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك.

مهارته في التجارة

:
استطاع سيدنا عبد الرحمن بن عوف أن يكون ثروة واسعة، بعد أن ترك دياره وأرضه وأمواله، فبمجرد وصوله للمدينة وبعد أن آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سيدنا سعد بن الربيع، قال له عبد الرحمن بن عوف بعد أن عرض عليه سعد اقتسام أمواله: دلوني على السوق، فلم يرجع حتى رجع بسمن وأقط قد أفضله، وكان يقول: لو رفعتن حجرًا لوجدت تحته ذهبًا، وقال عنه بعض المؤرخين: : كان تاجرا مجدودا في التجارة وكسب مالا كثيرا وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس ترعى بالبقيع وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحًا فكان يدخل منه قوت أهله سنة.

شجاعته

:
ومن مواقف بطولته ما كان في يوم أحد، فقد كان من النفر القليل الذي ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفر كما فر غيره، ويحكي الحارث بن الصمة فيقول: سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو في الشعب فقال: "هل رأيت عبد الرحمن بن عوف؟" فقلت : نعم رأيته إلى جنب الجبيل وعليه عسكر من المشركين فهويت إليه لأمنعه فرأيتك فعدلت إليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة تمنعه" قال الحارث: فرجعت إلى عبد الرحمن فأجد بين يديه سبعة صرعى فقلت: ظفرت يمينك؛ أكل هؤلاء قتلت؟ فقال: أما هذا لأرطاة بن شرحبيل، وهذان فأنا قتلتهم وأما هؤلاء فقتلهم من لم أره قلت: صدق الله ورسوله.
بعض مواقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم:
بعد أن أسلم عبد الرحمن بن عوف، ووجد تعذيب المشركين للمسلمين، وكانوا قبل الإسلام أعزة فجاء عبد الرحمن بن عوف في نفر من الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقولون له: يا رسول الله، إنا كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة، فقال: إني أُمرت بالعفو فلا تقاتلوا فلما حولنا الله إلى المدينة أمرنا بالقتال فكفوا فأنزل الله عز وجل "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ".
ولقد صلى وراءه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك يقول المغيرة بن شعبة: عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه في غزوة تبوك قبل الفجر فعدلت معه، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم فتبرز ثم جاء فسكبت على يده من الإداوة، فغسل كفيه ثم غسل وجهه ثم حسر عن ذراعيه، فضاق كما جبته فأدخل يديه فأخرجهما من تحت الجبة فغسلهما إلى المرفق ومسح برأسه ثم توضأ على خفيه ثم ركب، فأقبلنا نسير حتى نجد الناس في الصلاة قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم حين كان وقت الصلاة، ووجدنا عبد الرحمن وقد ركع بهم ركعة من صلاة الفجر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصف مع المسلمين فصلى وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية، ثم سلم عبد الرحمن فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته ففزع المسلمون، فأكثروا التسبيح لأنهم سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: "قد أصبتم" أو "قد أحسنتم".

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

:
ومن مواقفه مع الصحابة ما حدث بينه وبين سيدنا خالد بن الوليد، فقد اشتكى عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا خالد لم تؤذي رجلا من أهل بدر، لو أنفقت مثل أحد ذهبا لم تدرك عمله فقال: يا رسول الله إنهم يقعون في فأرد عليهم فقال: لا تؤذوا خالدًا فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار.
ومن مواقفه أيضًا ما كان بينه وبين بقية أصحاب الشورى، والذين استخلفهم سيدنا عمر لاختيار من بينهم خليفة المسلمين فقد روي أن عبد الرحمن بن عوف قال لأصحاب الشورى: هل لكم أن أختار لكم وأنتقي منها، قال علي رضي الله عنه: أنا أول من رضي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنت أمين في أهل السماء وأمين في أهل الأرض.

بعض المواقف من حياته مع التابعين

:
ومن مواقفه مع التابعين ما كان بينه وبين نوفل بن إياس الهذلي فقد قال: كان عبد الرحمن بن عوف لنا جليسًا، وكان نعم الجليس وإنه انقلب بنا ذات ويوم حتى دخلنا منزله ودخل فاغتسل ثم خرج فجلس معنا، فأتينا بقصعة فيها خبز ولحم، ولما وضعت بكى عبد الرحمن ابن عوف فقلنا له: ما يبكيك يا أبا محمد؟ قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، ولا أرانا أخرنا لهذا لما هو خير لنا.

بعض ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم

:
عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: كاتبت أمية بن خلف كتابًا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة، فلما ذكرت الرحمن قال: لا أعرف الرحمن، كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية؛ فكاتبته عبد عمرو، فلما كان في يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس، فأبصره بلال فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار فقال: أمية بن خلف لا نجوت إن نجا أمية، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه لأشغلهم فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا وكان رجلاً ثقيلاً، فلما أدركونا قلت له: ابرك فبرك فألقيت عليه نفسي لأمنعه فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه وكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه.
عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: شهدت حلف المطيبين مع عمومتي، وأنا غلام فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه، قال الزهري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يصب الإسلام حلفا إلا زاده شدة ولا حلف في الإسلام، وقد ألف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار.




بعض كلماته</b>

ابتلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضراء فصبرنا ثم ابتلينا بالسراء بعده فلم نصبر.

الوفاة:
موقف الوفاة

:
لما حضرته الوفاة بكى بكاء شديدًا فسئل عن بكائه فقال: إن مصعب بن عمير كان خيرًا مني توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن له ما يكفن فيه وإن حمزة بن عبد المطلب كان خيرًا مني لم نجد له كفنًا، وإني أخشى أن أكون ممن عجلت له طيباته في حياة الدنيا وأخشى أن أحتبس عن أصحابي بكثرة مالي.
وكانت وفاته سنة إحدى وثلاثين، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن خمس وسبعين سنة بالمدينة. ودفن بالبقيع وصلى عليه عثمان وكان قد أوصى بذلك.
المصادر:
الاستيعاب في معرفة الأصحاب – سير أعلام النبلاء - أسد الغابة - البداية والنهاية – الطبقات الكبرى - سنن النسائي - سنن الترمذي – صحيح البخاري

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 05:18 AM
<H1 class=contentheading>رافع بن خديج


</H1>نسبه وقبيلته

رافع بن خديج بن رافع بن عدي بن زيد الأنصاري النجاري الخزرجي[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1). أصاب رافعًا سهمٌ يوم أحد، فقال له رسول الله: "إن شئت نزعت السهم وتركت القطيفة، وشهدت لك يوم القيامة أنك شهيد". فلما كانت خلافة عبد الملك بن مروان انتقض به ذلك الجرح، فمات منه[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

من مواقفه مع الصحابة

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15102_image002.jpgلما حصر عثمان بن عفانيوم الدار عطش فقال: واعطشاه! فقام رافع بن خديج هو وابناه عبد الله وعبيد الله وغلمان أصابهم بأصبهان حين فتحوها، فتسلح وتسلحوا فقال: والله لا أرجع حتى أصل إليه.

إنه لموقف رائع يحسب لهذا الصحابي الجليل في وقوفه مع الحق والعدل ونصرة خليفة رسول الله.

وفي غزوة أحد لما خرج رسول اللهإلى أحد وعرض أصحابه، فردَّ من استصغر رد سمرة بن جندب وأجاز رافع بن خديج، فقال سمرة بن جندب لربيبه مري بن سنان: يا أبت، أجاز رسول اللهرافع بن خديج وردني، وأنا أصرع رافع بن خديج. فقال مري بن سنان: يا رسول الله، رددت ابني وأجزت رافع بن خديج وابني يصرعه. فقال النبيلرافع وسمرة: "تصارعا". فصرع سمرة رافعًا، فأجازه رسول اللهفشهدها مع المسلمين[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

وهذا يدل على تسابق الصحابة -رضوان الله عليهم- للشهادة في سبيل الله، حتى الفتيان منهم، فليت المسلمون يتعلمون من هؤلاء الصحابة الأخيار الأفاضل.

وله موقف مع زوجته أم عميس بنت محمد بن أسلم، وهو الموقف الذي نزل فيه قوله تعالى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]. فقد كانت عند رافع امرأة حتى إذا كبرت تزوج عليها فتاة شابة، وآثر عليها الشابة، فناشدته الطلاق فطلقها تطليقة ثم أمهلها حتى إذا كادت تحل راجعها، ثم عاد فآثر عليها الشابة فناشدته الطلاق فقال لها: ما شئت، إنما بقيت لك تطليقة واحدة، فإن شئت استقررت على ما ترين من الأثرة، وإن شئت فارقتك. فقالت: لا، بل أستقر على الأثرة. فأمسكها على ذلك، فكان ذلك صلحهما[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

من الأحاديث التي رواها عن رسول الله

عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله: "إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها"؛ واللابة هي الحرة والمدينة المنورة بين حرتين شرقية وغربية تكتنفانها، والحرة هي الأرض ذات الحجارة السود[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).

وعن رافع بن خديج قال: قدم نبي اللهالمدينة وهم يأبرون النخل يقولون يلقحون النخل، فقال: "ما تصنعون؟" قالوا: كنا نصنعه. قال: "لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرًا". فتركوه فنفضت أو فنقصت، قال: فذكروا ذلك له. فقال: "إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر". قال عكرمة: أو نحو هذا، قال المعقري: فنفضت ولم يشك. ويقال أبر يأبر ويأبر كبذر يبذر ويبذر، ويقال أبر يؤبر تأبيرًا. (فنفضت أو فنقصت) فنفضت أي أسقطت ثمرها[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6).

وعن رافع بن خديج قال: قيل: يا رسول الله، أي الكسب أطيب؟ قال: "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور"[7] (http://vb.g111g.com/#_ftn7).

الوفاة

أصابه يوم أحد سهم، فقال له رسول الله: "أنا أشهد لك يوم القيامة". وانتقضت جراحته في زمن عبد الملك بن مروان فمات قبل ابن عمر بيسير سنة أربع وسبعين، وهو ابن ست وثمانين سنة[8] (http://vb.g111g.com/#_ftn8).

وخرجت جنازة رافع بن خديج وفي القوم ابن عمر، فخرج نسوة يصرخن، فقال ابن عمر: اسكتن؛ فإنه شيخ كبير لا طاقة له بعذاب الله[9] (http://vb.g111g.com/#_ftn9).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن الأثير: أسد الغابة 2/232، ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 2/436.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) ابن الأثير: أسد الغابة 2/224، ابن عبد البر: الاستيعاب 2/480.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) تاريخ الطبري 2/61.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 2/429.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) رواه مسلم: باب فَضْلِ الْمَدِينَةِ وَدُعَاءِ النَّبيفِيهَا بِالْبَرَكَةِ وَبَيَانِ تَحْرِيمِهَا وَتَحْرِيمِ صَيْدِهَا وَشَجَرِهَا وَبَيَانِ حُدُودِ حَرَمِهَا (3383)، 4/113.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6) رواه مسلم: باب وُجُوبِ امْتِثَالِ مَا قَالَهُ شَرْعًا دُونَ مَا ذَكَرَهُمِنْ مَعَايِشِ الدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ الرَّأْىِ (6276)، 7/95.

[7] (http://vb.g111g.com/#_ftnref7) الهيثمي: مجمع الزوائد (6210)، 4/101.

[8] (http://vb.g111g.com/#_ftnref8) ابن الأثير: أسد الغابة 2/224، ابن عبد البر: الاستيعاب 2/480.

[9] (http://vb.g111g.com/#_ftnref9) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 2/436

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 05:19 AM
عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق

هو عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وهو أكبر ولد أبي بكر الصديق. قاله الزبير بن بكار قال: وكانت فيه دعابة. وأمه أم رمان أم عائشة فهو شقيقه، بارز يوم بدر وأحد مع المشركين..
حاله في الجاهلية:
كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة فغيره النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وتأخر إسلامه إلى أيام الهدنة، فأسلم وحسن إسلامه.
وقال أبو الفرج في "الأغاني: "لم يهاجر مع أبيه؛ لأنه كان صغيرا.
ـ وخرج عبد الرحمن مقاتلا مع جيش المشركين، وفي غزوة أحد كان مع الرماة الذين جنّدتهم قريش لمحاربة المسلمين، وعند بدأ القتال بالمبارزة وقف عبد الرحمـن يدعو إليه من المسلميـن من يبارزه، ونهـض أبوه أبو بكر الصديق ليبارزه لكن الرسـول الكـريم حال بينه وبين مبارزة ابنـه.
قصة إسلامه:
خرج قبل الفتح في فتية من قريش منهم معاوية إلى المدينة، فأسلموا. أخرجه الزبير بن بكار عن ابن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان، وفيما قال نظر.
ومنذ أن أسلم عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما وهو لم يتخلف عن غزوة او جهاد أو طاعة ويوم اليمامة أبلى فيه بلاءاً لا مثيل له فهو الذي أجهز على محكم بن طفيل العقل المدبر لمسيلمة الكذاب وصمد مع المسلمين حتى اجهزوا على جيش الردة والكفر.
أهم ملامح شخصيته:
كان عبد الرحمن بن أبي بكر لم يجرب عليه كذبة قط وقال ابن عبد البر كان شجاعا راميا حسن الرمي وشهد اليمامة فقتل سبعة من أكابرهم منهم محكم اليمامة وكان في ثلمة من الحصن فرماه عبد الرحمن بسهم فأصاب نحره فقتله ودخل المسلمون من تلك الثلمة
ـ لقد كان جوهر شخصيته- رضي الله عنه- الولاء المطلق لما يقتنع به، ورفضه للمداهنة في أي ظرف كان، ففي يوم أن قرر معاوية أخذ البيعة لابنه يزيد بحد السيف، كتب إلى مروان عامله على المدينة كتاب البيعة وأمره أن يقرأه على المسلمين في المسجد، وفعل مروان ولم يكد يفرغ من القراءة حتى نهض عبد الرحمن محتجا قائل:( والله ما الخيار أردتم لأمة محمد، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هَرَقِليَّة، كلما مات هِرقْل قام هِرَقْل )
ومن ملامح شخصيته كرمه وبذله يروى أن أعرابية وقفت على عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضى الله تعالى عنهما فقالت إنى أتيت من أرض شاسعة تخفضني خافضة وترفعني رافعة في بوادي برين لحمي وهضن عظمي وتركنني والهة قد ضاق بي البلد بعد الأهل والولد وكثرة من العدد لا قرابة تؤويني ولا عشيرة تحميني فسألت أحياء العرب من المرتجي سيبه المأمون عيبه الكثير نائله المكفي سائله فدللت عليك وأنا امرأة من هوازن فقدت الولد والوالد فاصنع في أمري واحدة من ثلاث إما أن تحسن صفدي وإما أن تقيم أودي وإما أن تردني إلى بلدي قال بل أجمعهن لك ففعل ذلك بها.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
قالت السيدة عائشة (http://vb.g111g.com/أم_المؤمنين_عائشة_بنت_أبي_ب� �ر) دخل عبد الرحمن بن أم رومان أخي على النبي صلى الله عليه وسلم يعوده وفي يده سواك رطب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مولعا بالسواك فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشخص بصره إليه فقلت يا عبد الرحمن اقضم السواك فناولنيه فمضغته ثم أدخلته في في رسول الله صلى الله عليه وسلم فتسوك به فجمع بين ريقي وريقه. بعض المواقف من حياته مع الصحابة: بينه وبين أبيه يوم بدر <84> قال ابن هشام: نادى أبو بكر الصديق ابنه عبد الرحمن وهو يومئذ مع المشركين فقال أين مالي يا خبيث؟ فقال عبد الرحمن:
لم يبق غير شكة ويعبوب وصارم يقتل ضلال الشيب
ـ وخبر الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي بكر - ولم يجرب عليه كذبة قط - ذكر عنه حكاية ؛ أنه لما جاءت بيعة يزيد بن معاوية إلى المدينة قال عبد الرحمن لمروان: جعلتموها والله هرقلية وكسروية. يعنى جعلتم ملك الملك لمن بعده من ولده. فقال له مروان: اسكت فإنك أنت الذي أنزل الله فيك وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ فقالت عائشة: والله ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن، إلا أنه أنزل عذري. ويروى أنها بعثت إلى مروان تعتبه وتؤنبه وتخبره بخبر فيه ذم له ولأبيه لا يصح عنه. وبعث معاوية إلى عبد الرحمن بن أبي بكر بمائة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد بن معاوية، فردها عبد الرحمن وأبى أن يأخذه، وقال: أبيع ديني بدنياي؟!
ـ وعن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم، قدم الشام في تجارة - يعني في زمان جاهليته - فرأى هنالك امرأة يقال له: ليلى ابنة الجودي. على طنفسة، حولها ولائده، فأعجبته - قال ابن عساكر: رآها بأرض بصرى فقال فيها
تذكرت ليلى والسماوة دونها فما لابنة الجودي ليلى وما ليا
وأنى تعاطى قلبه حارثية تدمن بصرى أو تحل الجوابيا
وأنى تلاقيها بلى ولعلها إن الناس حجوا قابلا أن توافيا
قال: فلما بعث عمر بن الخطاب جيشه إلى الشام قال للأمير على الجيش: إن ظفرت بليلى بنت الجودي عنوة فادفعها إلى عبد الرحمن بن أبي بكر فظفر بها فدفعها إليه، فأعجب بها وآثرها على نسائه، حتى جعلن يشكونه إلى عائشة، فعاتبته عائشة على ذلك، فقال: والله كأني أرشف بأنيابها حب الرمان. فأصابها وجع سقط له فوه، فجفاها حتى شكته إلى عائشة، فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن، لقد أحببت ليلى فأفرطت، وأبغضتها فأفرطت، فإما أن تنصفه، وإما أن تجهزها إلى أهله. فجهزها إلى أهلها.
ـ وتقدم عمرو ابن العاص إلى مصر في جيوشه، ومن لحق به من العثمانية، والجميع في قريب من ستة عشر ألف.وركب محمد بن أبي بكر في قريب من ألفي فارس وهم الذين انتدبوا معه من أهل مصر، وقدم بين يدي جيشه كنانة بن بشر، فجعل لا يلقى أحدا من الشاميين إلا قاتلهم حتى يلحقهم مغلوبين إلى عمرو بن العاص، فبعث عمرو بن العاص إليه معاوية بن حديج، فجاءه من ورائه، وأقبل إليه الشاميون حتى أحاطوا به من كل جانب؛ فترجل عند ذلك كنانة وهو يقول: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا الآية. ثم قاتل حتى قتل وتفرق أصحاب محمد بن أبي بكر عنه، ورجع يمشي فرأى خربة فأوى إليها، ودخل عمرو بن العاص فسطاط مصر، وذهب معاوية بن خديج في طلب محمد بن أبي بكر، فمر بعلوج في الطريق فقال لهم: هل مر بكم أحد تستنكرونه؟ قالوا: لا. فقال رجل منهم: إني رأيت رجلا جالسا في هذه الخربة. فقال: هو هو ورب الكعبة. فدخلوا عليه فاستخرجوه منها -وقد كاد يموت عطشا- فانطلق أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص، وكان قد قدم معه إلى مصر، فقال: أيقتل أخي صبرا؟ فبعث عمرو بن العاص إلى معاوية بن خديج أن يأتيه بمحمد بن أبي بكر ولا يقتله. فقال معاوية: كلا والله أيقتلون كنانة بن بشر وأترك محمد بن أبي بكر وقد كان في من قتل عثمان، وقد سألهم عثمان الماء فلم يسقوه؟ وقد سألهم محمد بن أبي بكر أن يسقوه شربة من الماء. فقال معاوية: لا سقاني الله إن سقيتك قطرة من الماء أبدا؛ إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما، فتلقاه الله بالرحيق المختوم.
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
ـ أخبر أبو عثمان عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث وإن أربع فخامس أو سادس وأن أبا بكر جاء بثلاثة فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة قال فهو أنا وأبي وأمي فلا أدري قال وامرأتي وخادم بيننا وبين بيت أبي بكر وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حيث صليت العشاء ثم رجع فلبث حتى تعشى النبي صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله قالت له امرأته وما حبسك عن أضيافك أو قالت ضيفك قال أوما عشيتيهم قالت أبوا حتى تجيء قد عرضوا فأبوا قال فذهبت أنا فاختبأت فقال يا غنثر فجدع وسب وقال كلوا لا هنيئا فقال والله لا أطعمه أبدا وايم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها قال يعني حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر فإذا هي كما هي أو أكثر منها فقال لامرأته يا أخت بني فراس ما هذا قالت لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات فأكل منها أبو بكر وقال إنما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه ثم أكل منها لقمة ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده وكان بيننا وبين قوم عقد فمضى الأجل ففرقنا اثنا عشر رجلا مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل فأكلوا منها أجمعون أو كما قال..
ـ وروى عبد الرحمن بن أبي بكر عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله عز وجل ليدعو بصاحب الدين يوم القيامة فيقيمه بين يديه فيقول أي عبدي فيم أذهبت مال الناس فيقول أي رب قد علمت أني لم أفسده إنما ذهب في غرق أو حرق أو سرقة أو وضيعة فيدعو الله عز وجل بشيء فيضعه في ميزانه فترجح حسناته..
بعض كلماته:
ـ قال عبد الرحمن بن أبي بكر في هوى ليلى بنت أمير دمشق
تذكرت ليلى والسماوة دونها فما لابنة الجودي ليلى وما ليا
وأنى تعاطى قلبه حارثية تدمن بصرى أو تحل الجوابيا
وأنى تلاقيها بلى ولعلها إن الناس حجوا قابلا أن توافيا
الوفاة:
قال أبو زرعة الدمشقي: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر في نومة نامها. ورواه أبو مصعب عن مالك، عن يحيى بن سعيد، فذكره وزاد: فأعتقت عنه عائشة رقابا ولما توفي كانت وفاته بمكان يقال له: الحبشي - على ستة أميال من مكة. وقيل: اثنى عشر ميلا - فحمله الرجال على أعناقهم حتى دفن بأعلى مكة فلما قدمت عائشة مكة زارته، وقالت: أما والله لو شهدتك لم أبك عليك، ولو كنت عندك لم أنقلك من موضعك الذي مت فيه. ثم تمثلت بشعر متمم بن نويرة في أخيه مالك
وكنا كندمانى جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
رواه الترمذي وغيره.
وروى ابن سعد أن ابن عمر رأى فسطاطا مضروبا على قبر عبد الرحمن - ضربته عائشة بعد ما ارتحلت - فأمر ابن عمر بنزعه وقال: إنما يظله عمله. ويقال: إن عبد الرحمن توفي سنة ثلاث وخمسين. قاله الواقدي وكاتبه محمد بن سعد وأبو عبيد وغير واحد. وقيل: سنة أربع وخمسين. فالله أعلم.
المصادر:
الطبقات الكبرى - الإصابة في تمييز الصحابة - فتح الباري في صحيح البخاري - وغير ذلك...

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 05:21 AM
<<فرحان عشان سبعه يشاهدون الموضوع^_^

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 05:22 AM
عبادة بن الصامت


اسمه وموقف والده وأمه من الإسلام

هو عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم من بني سالم بن عوف من الخزرج. ولد عبادة بن الصامت في المدينة قبل الهجرة بثمانٍ وثلاثين سنة، فهو أصغر من رسول اللهبخمسة عشر عامًا. أبوه الصامت بن قيس لم يدرك الإسلام، وتُوفِّي على دين قومه، أما أُمُّه قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن مالك من الخزرج، فقد أسلمت وبايعت رسول الله.

إسلامه

كان عبادة بن الصامتمن أوائل الذين أسلموا من الأنصار، وذلك في السنة العاشرة من بعثة الرسول، أي قبل الهجرة بثلاث سنوات. ومنذ أن أسلم عبادة بن الصامتارتبط برسول اللهارتباطًا وثيقًا، وتعلق به تعلقًا شديدًا، فلم يكن من مشهد من مشاهد الإسلام إلا وحضره، ولم يغزُ رسول اللهغزوةً، ولم يسر إلى مكان إلا وكان معه، وقد رُوِي له عن رسول اللهمائة وواحد وثمانون حديثًا.

أثر الرسول في تربيته

عبادة بن الصامتمن الرعيل الأول الذي عاش خير حياته وأعظمها وأثراها مع الرسول الكريم، الرعيل الذي صهره النضال وصقلته التضحية، وعانق الإسلام رغبًا لا رهبًا، وباع نفسه وماله. وقد استعمله رسول اللهعلى الصدقات، وقال له: "اتقِ الله، ألا تأتي يوم القيامة ببعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثُؤَاج"[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1). فقال عبادة : فوالذي بعثك بالحق، لا أعمل عمل اثنين. وبايع النبيعلى ألاَّ يخاف في الله لومة لائم.

أهم ملامح شخصيته

بطولته

أما بطولته العسكرية فقد تجلت في مواطن كثيرة؛ فعندما طلب عمرو بن العاصمددًا من الخليفة لإتمام فتح مصر، أرسل إليه أربعة آلاف رجل، على رأس كل منهم قائد حكيم، وصفهم الخليفة قائلاً: "إني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم رجلٌ بألف رجل". وكان عبادة بن الصامتواحدًا من هؤلاء الأربعة الأبطال.

بعض المواقف من حياته مع الرسول

بيعة العقبة الأولى

كان عبادة بن الصامتممن بايعوا رسول اللهفي بيعة العقبة الأولى، أو كما عُرفت ببيعة النساء؛ قال عبادة بن الصامت:
"كنت ممن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلاً، فبايعنا رسول اللهعلى بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض الحرب، على أن لا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم ذلك فأمركم إلى الله، إن شاء عذَّب وإن شاء غفر".

بيعة العقبة الثانية

وتمت بيعة العقبة الثانية التي فيها النصر والحماية، وقال نبي الله: "أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم". فقالوا: يا رسول الله، نبايعك. فقال: "تبايعوني على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والنفقة في العسر واليسر، لا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة". فبايعوه على ذلك، وقال رسول اللهللأنصار: "أخرجوا منكم اثني عشر نقيبًا؛ تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس". فكان عبادة بن الصامتأحد نقباء الخزرج.

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

موقفه مع معاوية

عن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث. قال: قالوا: أبو الأشعث، أبو الأشعث. فجلس، فقلت له: حدِّث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: نعم، غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت، فقام فقال: "إني سمعت رسول اللهينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرّ بالبُرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء، عينًا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى". فردَّ الناس ما أخذوا.

فبلغ ذلك معاوية، فقام خطيبًا فقال: "ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول اللهأحاديث، قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه". فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة، ثم قال: لنُحدثَنَّ بما سمعنا من رسول اللهوإن كره معاوية.

موقفه مع عمر

وفي خلافة أمير المؤمنين عمر، لم يستطع الفاروق أن يحمله على قبول منصبٍ ما، إلا تعليم الناس وتفقيههم في الدين. فهذا هو العمل الوحيد الذي آثره عبادة بن الصامت، مبتعدًا بنفسه عن الأعمال الأخرى المحفوفة بالزهو وبالسلطان وبالثراء، والمحفوفة أيضًا بالأخطار التي يخشاها على مصيره ودينه. وهكذا سافر إلى الشام ثالث ثلاثة: هو، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء؛ حيث ملئوا البلاد علمًا وفقهًا ونورًا.

أثره في الآخرين

في خلافة عمر بن الخطابكتب يزيد بن أبي سفيانإليه: قد احتاج أهل الشام إلى من يعلِّمهم القرآن ويفقههم. فأرسل إليه عمر: معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبا الدرداء؛ فأقام عبادة بحمص، فاستخلفه عليها أبو عبيدة بن الجراح عندما سار لفتح "طرطوس" ففتحها. وكان أول من وَلِي قضاء فلسطين من قِبل عمر بن الخطاب.

وكانممن جَمَعَ القُرْآنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ؛ فعن محمد بن كعب القرظي، قال: "جمع القرآن في زمان النبيخَمْسَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مُعَاذٌ، وَعُبَادَةُ، وَأُبَيٌّ، وَأَبُو أَيُّوْبَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ".

بعض ما روى عن الرسول

عن أنس بن مالكقال: أخبرني عبادة بن الصامتأن رسول اللهخرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: "إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس".

ويروي الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت، أن رسول اللهقال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".

وعن جنادة بن أبي أمية، حدثني عبادة بن الصامت، عن النبيقال: "من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله"، ثم قال: "اللهم اغفر لي، أو دعا استُجيب له، فإن توضأ وصلَّى قُبلت صلاته".

موقف الوفاة

لمّا حضرت عبادةالوفاة قال: "أخرجوا فراشي إلى الصحن[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2)، ثم قال: "اجمعوا لي مَوَاليَّ وخدمي وجيراني، ومن كان يدخل عليَّ". فجُمِعوا له، فقال: "إنّ يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي عليَّ من الدنيا، وأول ليلة من الآخرة، وإني لا أدري لعلّه قد فرط منّي إليكم بيدي أو بلساني شيء، وهو -والذي نفس عبادة بيده- القِصاص يوم القيامة، وأُحَرِّج على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتصَّ مني قبل أن تخرج نفسي". فقالوا: بل كنت مؤدبًا. قال: "اللهم اشهد".

ثم قال: "أمّا لا، فاحفظوا وصيّتي: أُحَرِّج على إنسانٍ منكم يبكي عليَّ، فإذا خرجت نفسي فتوضئوا وأحسنوا الوضوء، ثم ليدخل كلّ إنسان منكم المسجد فيصلي ثم يستغفر (لعُبَادة) ولنفسه؛ فإن الله -تبارك وتعالى- قال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة: 45]. ثم أسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تُتبِعُني نار، ولا تضعوا تحتي أرجوانًا[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3)".

وكانت وفاتهسنة 34 من هجرة رسول اللهبمدينة الرملة في فلسطين، وهو يناهز الاثنين وسبعين عامًا.
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) الثؤاج: صوت النعاج.
[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) الصحن: أي الدار.
[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) الأرجوان: صبغ أحمر شديد الحمرة

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 05:24 AM
عباد بن بشر


هو الإمام أبو الربيع الأنصاري الأشهلي عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل أحد البدريين.. كان من سادة الأوس.
عباد بن بشر ابن وقش الإمام أبو ربيع الأنصاري الأشهلي أحد البدريين.

عمره عند الإسلام وقصة إسلامه ومن الذي دعاه:

كان عباد بن بشر الأشهلي حين لاح في آفاق يثرب أول شعاع من أشعة الهداية المحمدية فيموفور الشباب غض الأهاب تعرف في وجهه نضرة العفاف والطهر وتلمح في تصرفاته رزانة الكهول على الرغم من أنه لم يكن إذ ذاك قد جاوز الخامسة والعشرين من مره.
وقد اجتمع إلى الداعية المكي الشاب مصعب بن عمير فسرعان ما ألفت بين قلبيهما أواصر الإيمان ووحدت بين نفسيهما كريم الشمائل ونبيل الخصائل وقد استمع إلى مصعب وهو يرتل القرآن بصوته الفضي الدافئ نبرته الشجية الآسرة (فشغف بكلام الله حباً وأفسح له في سويداء فؤاده مكاناً رحباً وجعله شغله الشاغل فكان يردده في ليله ونهاره وحله وترحاله حتى عرف بين الصحابة بالإمام وصديق القرآن.
أسلم على يدي مصعب بن عمير قبل الهجرة قبل إسلام معاذ وأسيد بن الحضير.
أسلم عباد قديماً بالمدينة على يد سفير الإسلام مصعب بن عمير وكان إسلامه قبل إسلام أسيد بن حضير وسعد بن معاذ رضي الله عنهما.




أهم ملامح شخصيته


عن عائشة رضي الله عنها قالت: تهجد النبي صلى الله عليه سلم في بيتي فسمع صوت عباد يصلي في المسجد فقال يا عائشة، أصوت عباد هذا؟ قالت نعم قال اللهم ارحم عباد وفي رواية اللهم اغفر له"
وقد استمع إلى مصعب وهو يرتل القرآن بصوته الفضي الافئ ونبرته الشجية الآسرة فشغف بكلام الله حياً وأفسح له في سويداء فؤاده مكاناً رحباً وجعله شغله فكان يردده في ليله وهاره وحله وترحاله حتى عرف بين الصحابة بالإمام وصديق القرآن.
ـ شهد عباد بن بشر مع الرسول صلوات الله عليه مشاهده لها وكان له في كلمنها موقف يليق بحامل القرآن.
من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قفل عائداً من غزوة "ذات الرقاع نزل بالمسلمين في شعب من الشعاب ليقضوا ليلتهم في÷.
وكان أحد المسلمين قد سبى في أثناء الغزوة امرأة من نساء المشركين في غيبة زوجها فلما حضر الزوج ولم يجد امرأته أقسم باللات والعزى ليلحق بمحمد أصحابه وألا يعود إلا إذا أراق منهم دماً.
ما كاد المسلمون ينيخون رواحلهم في الشعب حتى قال لهم الرسول صلوات الله عليه: من يحرسنا في ليلتنا هذه؟
فقام إليه عباد بن بشر وعمار بن ياسر وقالا: نحن يا رسول الله وقد كان النبي آخى بينهما حين قدم المهاجرون على المدينة.
فلما خرجا إلى فم الشعب قال عباد بن بشر لأخيه عمار بن ياسر: أي شطري الليل تؤثر أن تنام فيه: أوله أم أخره؟ فقال عمار: بل أنام في أوله.
واضطجع غير بعيد عنه.
كان الليل ساجياً هادئاً وادعاً وكان النجم والشجر الحجر تسبح بحمد ربيها وتقدس له فتاقت نفس عباد بن بشر إلى العبادة واشتاق قلبه إلى القرآن وكان أحلى ما يحلو له القرآن إذا رأيته مصلياً فيجمع متعة الصلاة إلى متعة التلاوة.
فتوجه إلى القبلة ودخل في الصلاة وطفق يقرأ من سورة الكهف بصوته الشجي الندي العذب.
وفيما هو سابح في هذا النور الإلهي الأسنى تمارق في لألاء ضيائه أقبل الرجل يحث الخطى فلما رأى عباد من بعيد منتصباً على فم الشعب عرف أن النبي صلى الله عليه وسلم باخله وأنه حارس القوم فوتر قوسه وتناول سهماً من كنانته رماه به فضه فيه.
فانتزعه عباد من جسده ومضى متدفقاً في تلاوته غارقاً في صلاته..
فرماه الرجل بآخر فضه فيه فانتزعه كما انتزع سابقه فرماه بثالث فانتزعه كما انتزع سابقيه، وزحف حتى غدا قريباً من صاحبه وأيقظه قائلاً:
انهض فقد أثخنتي الجراح. فلما رآهما الرجل ولى هراباص..
وحانت التفافة من عمار إلى عباد فرأى الدماء تنزف غزيرة من جراحه الثلاثة فقال له: سبحان الله هلا أيقظتني عند اول سهم رماك به؟!
فقال عباد كنت في سزرة اقرأها فلم أحب أن أقطعها حتى أفرغ منها وأيم الله لولا خوفي أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لكن قطع نفسي أحب إلى من قطعها.
شجاعته وفدائيته:
وكان كبير العذر رضي الله عنه أبلى يوم اليمامة بلاءاً حسناً وكان احد الشجعان الموصوفين.
كان عباد رضي الله عنه من فضلاء الصحابة وكان سيداً كبير القدر أوجز الذهبي معالم وملامح الإقدام والسيادة في عباد فقال "كان أحد الشجعان الموصوفين" شهد عباد بدراً واحداً والخندق والحديبية وحين توبك وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان رضي الله عنه موصوفاً بشدة البأس والشجاعة حتى قال عمر رضي الله عنه لرسول الله في غزوة بني المصطلق "مر عباد بن بشر فليضرب عنق المنافق عبد الله بن أبي بن سلول.
أما فدائية عباد فكانت شيئاً أخر عبقت به دنيا المغازي وأوردت شجاعته كتب التراجم والسير.. ومن أعلام أعماله الفدائية أنه شارك فيقتل كعب بن الأشرف اليهودي وكفى رسول الله صلى الله عليه وسلم شر هذا الفاجر الأفاك.
وجاهد عباد يومئذ جموع المرتدين من بني حنيفة وكان له غناء ويلاء لم ير لأحد مثله.
يقال: أنه قتل يومئذ عشرين مشركاً.
أنه كان يضرب بسيفه حتى يحني فبقومه على ركبتيه ثم يبدأ فيضرب به وجوه المرتدين.
قال رافع بن خديج:
رأيت عباداً يوم اليمامة، وتقدم إليه رجل من بني حنيفة كأنه جمل، فقال إلأي يا أخا الأنصار أتحسب أنا كمن لاقيتم في بلدان الحجاز؟! فتقدم إليه عباد وهو على ذلك مجروح كثير الجراح فاختلفا ضربتين فضربه عباد ضربة قطعت رجليه من الساقين ثم تجاز وغادره ينوء على ركبتيه، فناداه الحنفي أجهز على قتيلك يا ابن الأكارم، فرجع إليه فقتل ثم برز له أخر فضربه عباد بالسيف على عاتقه مستكمناً ضربة أيدي سحره، "الرئة" يعني بلغت الضربة أعماق صدره فبانت رئتاه"، ثم تجاوز يفري في بني حنيفة فلما رأت ذلك حنيفة حنقت فحملا عليه فضربوه بأسيافهم حتى قتلوه رضي الله عنه.
قال رافع: وإن حنيفة لتذكره فكان إذا كان بالرجل منهم جراحه يقول هذا ضربني..
شعوره بالمسؤولية وتخصصه في الحراسة:
في غزوة الأحزاب تولى عباد حراسة قبة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال سعد: وكان عباد بن بشر على حرس قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غيره من الأنصار يحرسونه كل ليلة فكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدوا أبو سفيان ف أصحابه يوماً ويغدوا خلد بن الوليد يماً ويغدوا عمرو بن العاص يوماً ويغدوا هبيرة بن أبي وهب يماً ويغدو ضرار بن الخطايب الوتري يوماً.
ولله در القائل في حراسة عباد لقبة النبي صلى الله عليه وسلم:
من ينم عن لهدم أو محدم فابن بشر ساهر لم ينم
يحس القبة ما فيها سوى حارس الجيش أو حارس العلم.
وي غزوة تبوك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر على حرسه واوكل إليه هذه المهمة.




أثره في الآخرين دعوته وتعليمه


وقد رأى عباد من خلال المعارك التي لم يقق المسلمون فيها نصراً يكر من تواكل الأنصار على المهاجرين وتواكل المهارين على الأنصار ما شحن صدره أسى وغيظاً وسمع من تنايترهم ما حشا سمعه جمراً وشوكاً فأيقن أنه لا نجاح للمسلمين في هذه المعارك الطاحنة إلا إذا تميز كل من الفريقين عن الأخر ليتحمل مسؤوليته حده وليعلم المجاهدون الصابرون حقاً.
فلما طلع النهار واستؤنف القتال علا عباد بن بشر نشزاً (مكان مرتفع من الأرض) وجعل يصيح: يا معشر الأنصار تميزوا من الناس.
واحطموا جفون السيوف ولا تركوا الإسلام يؤتي من قبلكم
وما زال يردد ذلك النداء حتى اجتمع عليه نحو أربعمائة منهم على رأسهم ثابت بن قيس والبراء بن مالك وأبو دجانه صاحب سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى عباد بن بشر بمن معه يشق الصفوف بسيفه ويلقي الحتوف يدصره حتى كسرت شوكة مسيلمة الكذاب من معه والجئوا إلى حديقة الموت.




بعض كلماته


قال عباد الشعر في قتل كعب بن الأشرف:
صرخت له فلم يعرض لصوتي ووافي طالعاً من رأس جدر
فعدت له فقال من المنادي فقلت أخوك عباد بن بشر
فقال محمد أسرع إلينا فقد جئنا لتشكرنا تقري
وترقدنا فقد جئنا سفايا بنصف الوسق من حب وتمر
وهذي ورعنا رهنا فخذها لشهر أت وفي أو نصف شهر
فقال معاشر سغبوا وجاعوا وما عدموا العتي من غير فقر
فأقبل نحونا يهوي سريعاً وقال لنا لقد جئتم لأمر
وفي أيماننا بيض حداد مدربة بها الكفار تفري
فعانقه ابن مسلمة المردي به الكفار كالليث الهزبر
وشد بسيفه صلتا عليه فقطره أبو عبس بن جبر
وصلت وصاحباي فكانا لما قتلناه الخبيث كذبح رعتر
وجاء برأسه نفر كرامه هم ناهيك من صدق بر
فكان الله ما دمنا فأبنا بأنعم نعمة وأعز نصر
وقال يناجي ربه:
عذابه فيك عذب وبعده فيك قرب
وأنت عندي كروحي بل أنت منها أحب
حسبي من الحب أني لما تحب أحب

وفاته: في الليلة التي سبقت المعركة الحاسمة رأى عباد بن بشر فيما يراه النائم أن السماء انفرجت له، فلما دخل فيها ضمته إليها وأغلقت عليه بابها. فلما أصبح
حدث أبا سعيد الخدري برؤياه وقال:
الله إنها الشهادة يا أبا سعيد..
ومضى عباد بن بشر بمن معه يشق صفوف بسيفه ويلقي الحتوف بصدره حتى كسرت شوكة مسيلمة ومن معه وألجئوا إلى حديقة الموت.
وهناك عند أسوار الحديقة سقط عباد بن بشر شهيداً مضرجاً بدمائه وفيه ما فيه من ضربات السيوف وطعنات الرماح ووقع السهام حتى أنهم لم يعرفوه إلا بعلامة كانت في جسده.
ويشهد أبو سعيد الخدري لعباد بالشجاعة أيضاً يوم اليمامة وينقل لنا صوته يومئذ وهو يصيح بالأنصار! احطموا جفون السيوف وتميزوا من الناس وجعل يقول أخلصونا أخلصونا، فأخلصوا أربع مئة رجل من الأنصار ما يخالطهم أحد يقدمهم عباد بن بشر وأبو دجانة والبراء بن مالك رضي الله عنهم.
حتى انتهوا إلى باب الحديقة فقاتلوا أشد التال، وقتل عباد بن بشر رحمه لله فرأيت بوجهه ضرباً كثيراً، ما عرفته إلا بعلامة كانت في جسده.
كان من سادة الأوس، عاش خمساً وأربعين سنة.
استشهد رضي الله عنه يوم اليمامة.
مناقبه وما قيل فيه:
عن يحي بن عباد بن عبد الله عن أبيه، قال قالت عائشة ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً كلهم من بني عبد الأشهل:
سعد بن معاذ ـ عباد بن بشر ـ وأسيد بن حضير
وعن أنس رضي الله عنه أن أسيد ن حضيرلا وعباد بن بشر كانا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء، قال: فلما خرجا من عنده أضاءت عصا أحدهما فكانا يمشيان في ضوئها فلما تفرقا أضاءت عصا هذا وعصا هذا..
المراجع:
الإصابة في تمييز الصحابة - فرسان النهار من الصحابة الأخيار - صور من حياة الصحابة - البداية والنهاية - صور من حياة الصحابة - نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 05:28 AM
عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح


هو عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه من السابقين الأولين من الأنصار.
أثر الرسول صلى الله عليه سلم في تربيته:
رفض سيدنا عاصم بن عمرو بكل عزة وإباء أن ينزل في جوار المشركين وأبى إلا قتالهم حتى تنفرد سالفته فعن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت فانطلقوا حتى كانوا بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل وهم بنو لحيان فتبعوهم في قريب من مائة رجل رام حتى لحقوهم وأحاطوا بهم وقالو: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجل. فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في جوار مشرك اللهم فأخبر عنا رسولك. فقاتلوهم فرموهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر.
الجمع بين الجهاد والعلم:
جهاده:
جمع سيدنا عاصم بن عمرو بين العلم والجهاد فهو الذي جاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم في بدر وأحد وقتل عدداً من المشركين وموقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة العقبة يدل على علمه بالحرب.
وهو الذي قتل عقبة بن أبي معيط الأموي يوم بدر وقتل مسافع بن طلحة وأخاه كلاب كلاهما اشعره سهما فيأتي أمه سلافة ويقول: سمعت رجلا حين رماني يقول: خذها وانا ابن الأقلح فنذرت إن أمكنها الله تعالى من رأس عاصم لتشربن فيه الخمر.
علمه وفقهه:
كان عاصم بن ثابت ممن أنعم الله عليهم بالعلم والفقه في دين الله وكان على راس الوفد الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ليعلم عضل والقارة ولكنهم غدروا بهم. ويروي محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمرو بن قتادة قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاماً، فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نفراً ستة من أصحابه وهم مرثد بن أبي مرثد العنوي حليف حمزة بن عبد المطلب، قال ابن اسحاق هو أمير القوم،وخالد بن البكير الليثي حليف بني عدي، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، أخو بني عمرو بن عوف وخبيب بن عدي أخو بني جحجيي بن كلفة بن عمر بن عوف، وزيد بن الدثنة أخو مني بياضة بن عامر وعبد الله بن طارق حليف بن ظفر رضي الله عنهم.
مواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه سلم:
يروي الحسين بن السائب فيقول: لما كانت ليلة العقبة أو ليلة بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: " كيف تقاتلون " فقام عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فأخذ القوس والنبل وقال: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان القوم قريبا من مائتي ذراع أو نحو ذلك كان الرمي بالقسي فإذا دنا القوم تنالنا وتنالهم بالرماح حتى تتقصف فإذا تقصف تركناها وأخذنا السيوف فكانت السلة والمجالدة بالسيوف قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قاتل فليقاتل قتال عاصم "
أثره في الآخرين:
قال ابن إسحاق:
لما خرج عاصم مع القوم حتى غدا وكانوا على الرجيع، ماء لهذيل بناحية الحجز من صور الهدأة غدروا بهم، فاستصرخوا عليهم هذيلاً، فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا الرجال بأييهم السيوف قد غشوهم فأخذا أسيافهم ليقاتلوا القوم فقالوا لهم: إنا والله ما نريد قتلكم ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئاً من أهل مكة ولكم عهد الله وميثاقه أن لا تقتلكم. فأما مرثد وخالد بن البكير وعاصم بن ثابت فقالوا: والله لا تقبل من مشرك عهداً ولا عقداً أبداً.
بعض كلماته:
ما علتي وأنا جلد نابل والقوي فيها وتر وعنابل
تزل ن صفحتها المعايل الموت حق الحياة باطل
وكل ما حم الإله نازل بالمرء إليه آيل.
إن لم أقاتلكم فامى هابل
وفاته:
وقتل يوم أحد من أصحاب ألوية المشركين: مسافعاً، والحارث. فنذرت أمهما سلافة بنت سعد أن تشرب في قحف رأس عاصم الخمر، وجعلت لمن جاءها برأسه مائة ناقة، فقدم ناس من بني هذيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يوجه معهم من يعلمهم، فوجه عاصماً في جماعة، فقال لهم المشركون: استأسروا فإنا لا نريد قتلكم وإنما نريد أن ندخلكم مكة فنصيب بكم ثمناً، فقال عاصم: لا أقبل جوار مشرك، فجعل يقاتلهم حتى فنيت نبله، ثم طاعنهم حتى انكسر رمحه، فقال: اللهم إني حميت دينك أول النهار فاحم لي لحمي آخره، فجرح رجلين وقتل واحداً، فقتلوه وأرادوا أن يحتزوا رأسه، فبعث الله الدبر فحمته، ثم بعث الله سيلاً في الليل فحمله، وذلك يوم الرجيع.
ولما قتله المشركون أرادوا رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد، وكانت نذرت أن تشرب الخمر في رأس عاصم لأنه قتل ابنيها بأحد، فجاءت النحل فمنعته، فقالوا: دعوه حتى يمسي فنأخذه. فبعث الله الوادي فاحتمل عاصماً، وكان عاهد الله أن لا يمس مشركاً ولا يمسه مشرك، فمنعه الله في مماته كما منع في حياته يقول صاحب فرسان النهار تذكر عاصم نذر سلاقة الذي نذرته وجرد سيفه وهو يقول "اللهم إني احمي لدينك وادفع عنه فاحمي لحمي وعظمي لا تظفر بهما أحداً من أعداء الله، الله إني حميت دينك أول النهار فأحمي جسدي أخره"
وكانت وفاته في غزوة الرجيع العام الرابع الهجري.
ما قيل فيه:
كان عمر بن الخطاب يقول حين بلغه أن الدبر منعته:" يحفظ الله العبد المؤمن كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركاً أبداً في حياته فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع في حياته"
وقال الحافظ بن حجر:"إنما استجاب الله له في حماية لحمه من المشركين ولم يمنعهم من قتله، لما أراد من إكرامه بالشهادة، ومن كرامته حمايته من هتك حرمته يقطع لحمه.
عناية الرحمن تعصم عاصماً عن أن ينال براحة أو أضبع بالسيل الدير من أعدائه في مصرع أكرم به من مصرع.
المراجع:
الإصابة في تمييز الصحابة - أسد الغابة - فرسان النهار من الصحابة الأخيار - الكامل في التاريخ - المنتظم - البداية والنهاية..

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 05:29 AM
طلحة بن عبيد الله


اسمه ومنزلته

هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي، يكنى أبا محمد، ويعرف بطلحة الخير، وطلحة الفياض. وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول اللهبالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر، وأحد الستة أهل الشورى الذين تُوُفِّي رسول اللهوهو عنهم راضٍ، وأحد الذين كانوا مع رسول اللهعلى الجبل فتحرَّك بهم.

كانرجلاً آدم، حسن الوجه، كثير الشعر، ليس بالجعد القطط، ولا بالسبط. وأمه الصعبة بنت الحضرمي، وقد أسلمت وهاجرت، وعاشت بعد ابنها قليلاً.

متى ولد؟ ومتى أسلم؟

ولد سنة 28 قبل الهجرة، وأسلم في بدايات الدعوة الإسلامية، فهو أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام.

قصة إسلامه

عن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: قال لي طلحة بن عبيد الله: حضرت سوق بُصرى فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم، أفيهم أحد من أهل الحرم؟ قال طلحة: قلت: نعم، أنا. فقال: هل ظهر أحمد بعدُ؟ قال: قلت: ومن أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه، وهو آخر الأنبياء، مخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ، فإياك أن تسبق إليه.

قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال، فخرجت سريعًا حتى قدمت مكة، فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم، محمد بن عبد الله الأمين تنبَّأَ، وقد تبعه ابن أبي قحافة. قال: فخرجت حتى دخلت على أبي بكر، فقلت: أتبعت هذا الرجل؟ قال: نعم، فانطلقْ إليه فادخلْ عليه فاتّبعه؛ فإنه يدعو إلى الحق. فأخبره طلحة بما قال الراهب، فخرج أبو بكربطلحة فدخل به على رسول الله، فأسلم طلحةوأخبر رسول اللهبما قال الراهب، فسُرَّ رسول اللهبذلك.

ولم يشهد طلحة بن عبيد اللهبدرًا؛ وذلك أن رسول اللهكان وجَّهه وسعيد بن زيد -رضي الله عنهما- يتجسسان خبر العير فانصرفا، وقد فرغ رسول اللهمن قتال من لقيه من المشركين، ولكنه شهد أُحدًا وما بعدها من المشاهد مع رسول الله.

كرمه

أكرم العرب في الإسلام طلحة بن عبيد الله، جاء إليه رجل فسأله برحم بينه وبينه، فقال: "هذا حائطي (بستاني) بمكان كذا وكذا، وقد أعطيت فيه مائة ألف درهم، يراح إليَّ بالمال العشية، فإن شئت فالمال، وإن شئت فالحائط".

وقال قبيصة بن جابر: صحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت رجلاً أعطى لجزيل مالٍ من غير مسألة منه.

طلحة يوم أحد

لما كان يوم أُحد أبلى فيه طلحةبلاءً حسنًا، وبايع رسول اللهعلى الموت، وحماه من الكفار، واتّقى عنه النبل بيده حتى شلِّت أصبعه، ووقاه بنفسه.

بعض المواقف من حياته مع الرسول

أنا لها يا رسول الله

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَوَلَّى النَّاسُ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِفِي نَاحِيَةٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، وَفِيهِمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَأَدْرَكَهُمْ الْمُشْرِكُونَ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَالَ: "مَنْ لِلْقَوْمِ؟" فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "كَمَا أَنْتَ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: "أَنْتَ". فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ: "مَنْ لِلْقَوْمِ؟"

فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. قَالَ: "كَمَا أَنْتَ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا. فَقَالَ: "أَنْتَ". فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ وَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَيُقَاتِلُ قِتَالَ مَنْ قَبْلَهُ حَتَّى يُقْتَلَ، حَتَّى بَقِيَ رَسُولُ اللَّهِوَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَنْ لِلْقَوْمِ؟" فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. فَقَاتَلَ طَلْحَةُ قِتَالَ الأَحَدَ عَشَرَ حَتَّى ضُرِبَتْ يَدُهُ فَقُطِعَتْ أَصَابِعُهُ، فَقَالَ: حَسِّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "لَوْ قُلْتَ بِاسْمِ اللَّهِ لَرَفَعَتْكَ الْمَلاَئِكَةُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ"، ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ.

بشارته بالشهادة

عن أبي هريرةأن رسول اللهكان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله: "اهْدَأْ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ أَو صِدِّيقٌ أَو شَهِيدٌ".

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

مع علي بن أبي طالب

عن رفاعة بن إياس الضبي، عن أبيه، عن جده قال: كنا مع عليٍّيوم الجمل، فبعث إلى طلحة بن عبيد اللهأنِ الْقِني، فأتاه طلحة، فقال: نشدتك الله، هل سمعت رسول اللهيقول: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من ولاه وعادِ من عاداه؟" قال: نعم. قال: فلِمَ تقاتلني؟ قال: لم أذكر. قال: فانصرف طلحة.

مع أبي بكر الصديق

دخل على أبي بكرطلحةُ بن عبيد الله، فقال: استخلفت على الناس عمر، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيف إذا خلا بهم وأنت لاقٍ ربك فسائلك عن رعيتك؟ فقال أبو بكر -وكان مضطجعًا-: أجلسوني. فأجلسوه، فقال لطلحة: أبالله تخوِّفني؟! إذا لقيت الله ربي فساءلني، قلتُ: استخلفتُ على أهلك خير أهلك.

أثره في الآخرين

روى عن رسول الله، وروى عنه بنوه يحيى وموسى وعيسى بنو طلحة، وقيس بن أبي حازم، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومالك بن أبي عامر الأصبحي، والأحنف بن قيس.

المعلم والقدوة

عن موسى بن طلحة بن عبيد الله، عن أبيه، قال: كنا نصلي والدواب تمرُّ بين أيدينا، فذكرنا ذلك لرسول الله، فقال: "مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ تَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ، ثُمَّ لاَ يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ".

بعض كلماته

عن طلحة بن عبيد اللهقال: "لقد أُعطي ابن عباس فهمًا لقنًا وعلمًا، وما كنت أرى عمر يقدم عليه أحدًا".
وقال: "إنا لنجد بأموالنا ما يجد البخلاء، لكننا نتصبر".
وقال أيضًا: "الكسوة تُظهِر النعمة، والدهن يذهب البؤس، والإحسان إلى الخادم يكبت الأعداء".

موقف الوفاة

قُتل طلحةيوم الجمل سنة 36هـ؛ وذلك لما قرَّر الانسحاب من المعركة، بعدما أخبره عليٌّبحديثٍ لرسول اللهكان قد نسيه. يقال: رماه مروان بن الحكم بسهمٍ، فأرداه قتيلاً.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 05:30 AM
ضماد بن ثعلبة


هو ضماد بن ثعلبة الأزدي من أزد شنوءة.
وكان صديقا للنبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وكان رجلا يتطبب ويرقي ويطلب العلم.(1)
إسلامه:
أسلم ضماد بن ثعلبة الأسدي عندما سمع رسول الله يقول:
(الحمد لله نحمد ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له)(2)
فعن ابن عباس: أن ضمادا قدم مكة وكان من أزد شنوءة وكان يرقي من هذه الريح فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدا مجنون. فقال: لو رأيت هذا الرجل لعل الله أن يشفيه على يدي. فلقيه فقال: يا محمد إني أرقي من هذه الريح وإن الله يشفي على يدي من شاء فهل لك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن " الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد ". فقال: أعد علي كلماتك هؤلاء. فأعادهن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا فقال: " والله لقد سمعت قول الكهنة وسمعت قول السحرة وسمعت قول الشعراء فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات والله لقد بلغت ناعوس البحر فمد يدك أبايعك على الإسلام " فمد النبي صلى الله عليه وسلم يده فبايعه
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وعلى قومك" فقال: وعلى قومي قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فمروا بقومه فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئا أعزم على رجل أصاب شيئا من أهل هذه الأرض إلا رده. فقال رجل منهم: أصبت مطهرة. فقال ارددها إن هؤلاء قوم ضماد.(3)
فهذه هي القلوب الطاهرة قلوب صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم، يذعن للهدي والحق عندما يراه، فبمجرد أن سمع كلام النبي صلي الله عليه وسلم آمن ودخل نور الحق إلي قلبه.
المصادر:
1 - أسد الغابة [جزء 1 - صفحة 532]
2 - محمد رسول الله [جزء 1 - صفحة 604]
3 - أسد الغابة [جزء 1 - صفحة 533]

~عبدالله العنزي~
06-08-2010, 01:16 PM
يعطيك الف عافيه ابو عبدالله ماقصرت وانا اخوك لا تعبت


تحياتي لك تقبل مروري


لك مني احترام وتقدير


دمت بود وسعادة

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:50 PM
يعطيك الف عافيه ابو عبدالله ماقصرت وانا اخوك لا تعبت


تحياتي لك تقبل مروري


لك مني احترام وتقدير


دمت بود وسعادة

حياك الله ياغربلوني

أسعدني تواجدك

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:51 PM
ضرار بن الأزور


ضرار بن الأزور واسم الأزور مالك بن أوس بن خزيمة بن ربيعة بن مالك.(1)
قال البغوي سكن الكوفة.
ويقال أنه كان له ألف بعير برعاتها فترك جميع ذلك (لله ). (2)
من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له ألف بعير برعاتها فأخبره بما خلف وقال: يا رسول الله قد قلت شعر. فقال: هيه فقال:

خلعت القداح وعزف القي... ن والخمر أشربها والثمالا
وكري المحبر في غمرة... وجهدي على المسلمين القتالا
وقالت جميلة: شتتن... وطرحت أهلك شتى شمالا
فيا رب لا أغبنن صفقتي... فقد بعت أهلي ومالي بدالا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما غبنت صفقتك يا ضرار.(3) فهكذا كان يصنع صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم بأموالهم كانوا ينفقونها في سبيل الله، يبيعون الدنيا ويشترون الآخرة، يبيعون الفاني ويشترون الباقي.
وقال ضرار أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقحة فأمرني أن أحلبها فجهدت حلبها فقال دع داعي اللبن.

بعض المواقف مع الصحابة رضي الله عنهم:

وأبلي في موقعة اليرموك أحسن البلاء لأنه يدرك قيمة الشهداء عند الله عز وجل فعن عكرمة بن أبي جهل أنه نادي يوم اليرموك: قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل موطن وأفر منكم اليوم. ثم نادى: من يبايعني على الموت فبايعه عمه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعا جراحة وقتلوا إلا ضرار بن الأزور.(4)
وبعث خالد ضرارا في سرية فأغاروا على حي من بني أسد فأخذوا امرأة جميلة فسأل ضرار أصحابه أن يهبوها له ففعلوا فوطئها ثم ندم فذكر ذلك لخالد فقال قد طيبتها لك فقال لا حتى تكتب إلى عمر فكتب أرضخه بالحجارة فجاء الكتاب وقد مات فقال خالد ما كان الله ليخزي ضرارا ويقال إنه الذي قتل مالك بن نويرة بأمر خالد بن الوليد ويقال إنه ممن شرب الخمر مع أبي جندب فكتب فيهم أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر فكتب إليه ادعهم فسائلهم فإن قالوا إنها حلال فاقتلهم وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم ففعل.(5)

وفاته:
اختلف في وفاة ضرار بن الأزور رضي الله عنه، فقال ابن عبد البر: قُتل ضرار بن الأزور يوم أجنادين في خلافة أبي بكر وقال غيره: توفي ضرار بن الأزور في خلافة عمر بالكوفة.
وذكر الواقدي قال: قاتل ضرار بن الأزور يوم اليمامة قتالا شديدا حتى قطعت ساقاه جميعا فجعل يحبو على ركبتيه ويقاتل وتطؤه الخيل حتى غلبه الموت.
وقد قيل: مكث ضرار باليمامة مجروحا ثم مات قبل أن يرتحل خالد بيوم. قال: وهذا أثبت عندي من غيره.(6)
وذكر ابن الأثير أنه شهد موقعة اليرموك سنة ثلاث عشرة من الهجرة.
المصادر:
1 - الاستيعاب [ج1 ص224 ]
2 - الإصابة [ ج3 ص482 ]
3 - أسد الغابة [ج1 ص531 ]
4 - أسد الغابة [ج1 ص782]
5 - الإصابة [ج3 ص482]
6 - الاستيعاب [ج1 ص 225 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:53 PM
حكيم بن حزام


نسبه وقبيلته

هو حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدي، ابن أخي خديجة أم المؤمنين زوج رسول الله.

حالة في الجاهلية

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15100_image002.jpgكان حكيم بن حزام من سادات قريش، وكان صديق رسول اللهقبل البعثة، وكان يوده ويحبه بعد البعثة، ولكنه تأخر إسلامه حتى أسلم عام الفتح[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

وقد اشترى حكيم بن حزام زيد بن حارثة، وكان زيد فيما روي عن أنس بن مالك وغيره مسبيًّا من الشام، سبته خيل من تهامة، فابتاعه حكيم بن حزام بن خويلد، فوهبه لعمته خديجة[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2). وقد شهد حكيم بن حزام بدرًا الكبرى مع الكفار، ونجا مع من نجا[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).

بالنظر في حكيم بن حزام قبل إسلامه نجده في مكانة مرموقة بين سادات قريش، كما نجده على فطرته السليمة لم يتأثر بما حوله من فساد. قال الزبير: جاء الإسلام وفي يد حكيم الرفدة، وكان يفعل المعروف ويصل الرحم. وفي الصحيح أنه سأل النبيقال: أشياء كنت أفعلها في الجاهلية، أَلِيَ فيها أجر؟ قال: "أسلمت على ما سلف لك من خير"[4] (http://vb.g111g.com/#_ftn4).

إسلامه

أسلم حكيم بن حزام بن خويلد من قبل أن يفتح رسول اللهمكة بيوم. وقد تأخر إسلامه حتى أسلم عام الفتح، وثبت في السيرة وفي الصحيح أنهقال: "من دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن"[5] (http://vb.g111g.com/#_ftn5).

وقد تركت تربية رسول اللهأثرًا واضحًا في شخصية حكيم بن حزام، ولعل خير دليل على هذا الأثر هو هذا الحديث الذي يرويه حكيم بن حزام بنفسه دون أن يجد أي غضاضة في ذلك، وهو من هو سنًّا ومقامًا، وهذا أيضًا من أثر تربية الرسول.

أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن حكيم بن حزام قال: "سألت رسول اللهفأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: "يا حكيم، هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى". فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم إن عمر دعاه ليعطيه، فأبى أن يقبله، فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد النبيحتى توفي[6] (http://vb.g111g.com/#_ftn6).

أهم ملامح شخصيته

الكرم

كان مسئول الرفادة.

ومن ذلك أنه باع دار الندة لمعاوية بمائة ألف درهم ثم تصدق بها جميعًا، فعاتبه الزبير، فقال له: يابن أخي، اشتريت بها دارًا في الجنة.

واسع العلم

فقد كان من علماء الأنساب في قريش.

بعض المواقف من حياته مع الرسول

شهد حكيم بن حزام موقعة بدر الكبرى مع المشركين، فيقول: لما كان يوم بدر أمر رسول اللهفأخذ كفًّا من الحصى، فاستقبلنا به، فرمى بها وقال: "شاهت الوجوه". فانهزمنا، فأنزل الله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17][7] (http://vb.g111g.com/#_ftn7).

وأراد حكيم بن حزام أن يهدي الرسولهدية، وكان حكيم بن حزام لا يزال مشركًا، ويروي ذلك فيقول: كان محمدأحب رجل في الناس إليَّ في الجاهلية، فلما تنبأ وخرج إلى المدينة شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر، فوجد حلة لذي يزن تباع فاشتراها بخمسين دينارًا ليهديها لرسول الله، فقدم بها عليه المدينة، فأراده على قبضها هدية فأبى، قال عبيد الله: حسبت أنه قال: "إنا لا نقبل شيئًا من المشركين، ولكن إن شئت أخذناها بالثمن". فأعطيته حين أبى عليَّ الهدية[8] (http://vb.g111g.com/#_ftn8).

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

كان له موقف يحسب له يوم قتل عثمانحيث قال رجل: يدفن بدير سلع مقبرة اليهود. فقال حكيم بن حزام: والله لا يكون هذا أبدًا وأحد من ولد قصي حي. حتى كاد الشر يلتحم، فقال ابن عديس البلوي: أيها الشيخ، وما يضرك أين يدفن. فقال حكيم بن حزام: لا يدفن إلا ببقيع الغرقد حيث دفن سلفه وفرطه. فخرج به حكيم بن حزام في اثني عشر رجلاً وفيهم الزبير بن العوام، فصلى عليه حكيم بن حزام. قال الواقدي: الثبت عندنا أنه صلى عليه جبير بن مطعم[9] (http://vb.g111g.com/#_ftn9).

بعض مواقفه مع التابعين

وله بعض المواقف الرائعة مع التابعين؛ فعن عروة بن الزبير قال: لما قتل الزبير يوم الجمل، جعل الناس يلقوننا بما نكره ونسمع منهم الأذى، فقلت لأخي المنذر: انطلق بنا إلى حكيم بن حزام حتى نسأله عن مثالب قريش، فنلقى من يشتمنا بما نعرف. فانطلقنا حتى ندخل عليه داره، فذكرنا ذلك له، فقال لغلامه: أغلق باب الدار. ثم قام إلى وسط راحلته، فجعل يضربنا وجعلنا نلوذ منه حتى قضى بعض ما يريد، ثم قال: أعندي تلتمسان معايب قريش؟! ايتدعا في قومكما يُكَفّ عنكما مما تكرهان. فانتفعنا بأدبه[10] (http://vb.g111g.com/#_ftn10).

بعض الأحاديث التي نقلها عن الرسول

عن حكيم بن حزام قال: بينا رسول اللهبين أصحابه، إذ قال لهم: "هل تسمعون ما أسمع؟" قالوا: ما نسمع من شيء. فقال رسول الله: "إني لأسمع أطيط السماء وما تلام أن تئط، وما فيها من موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم"[11] (http://vb.g111g.com/#_ftn11).

وعن حكيم بن حزام، عن النبيقال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا -أو قال: حتى يتفرقا- فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما"[12] (http://vb.g111g.com/#_ftn12).

وأخرج البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام، عن النبيقال: "اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله"[13] (http://vb.g111g.com/#_ftn13).

وفاته

قال البخاري في التاريخ: مات سنة ستين وهو ابن عشرين ومائة سنة، قاله إبراهيم بن المنذر، ثم أسند من طريق عمر بن عبد الله بن عروة، عن عروة قال: مات لعشر سنوات من خلافة معاوية.

وروي أنه "كبر حكيم بن حزام حتى ذهب بصره، ثم اشتكى فاشتد وجعه، فقلت: والله لأحضرنه فلأنظرن ما يتكلم به عند الموت، فإذا هو يهمهم، فأصغيت إليه فإذا هو يقول: لا إله إلا أنت أحبك وأخشاك. فلم تزل كلمته حتى مات. وفي رواية أخرى فإذا هو يقول: لا إله إلا الله، قد كنت أخشاك فإذا اليوم أرجوك"[14] (http://vb.g111g.com/#_ftn14).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 2/112.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/118.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 2/112.

[4] (http://vb.g111g.com/#_ftnref4) مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده (340)، 1/79.

[5] (http://vb.g111g.com/#_ftnref5) ابن كثير: السيرة النبوية 3/548.

[6] (http://vb.g111g.com/#_ftnref6) البخاري: باب الاستعفاف عن المسألة (14039)، 2/535. ومسلم: باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى وأن اليد العليا هي المنفقة وأن السفلى هي الآخذة (2434)، 3/94.

[7] (http://vb.g111g.com/#_ftnref7) رواه الهيثمي في مجمع الزائد: باب غزوة بدر (9998)، 6/112.

[8] (http://vb.g111g.com/#_ftnref8) رواه أحمد في مسنده (15323)، 24/39، 40.

[9] (http://vb.g111g.com/#_ftnref9) الطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/688.

[10] (http://vb.g111g.com/#_ftnref10) أبو الحجاج المزي: تهذيب الكمال 7/191.

[11] (http://vb.g111g.com/#_ftnref11) الطبراني: المعجم الكبير (3123)، 3/201.

[12] (http://vb.g111g.com/#_ftnref12) البخاري: باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا (2004)، 2/743 وأبواب أخرى في صفحات متفرقة. ومسلم: باب الصدق في البيع والبيان (3937)، 5/10.

[13] (http://vb.g111g.com/#_ftnref13) البخاري: باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى (1361)، 2/518.

[14] (http://vb.g111g.com/#_ftnref14) أبو الحجاج المزي: تهذيب الكمال 7/192.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:54 PM
صهيب بن سنان


هو صهيب بن سنان بن مالك ويقال خالد بن عبد عمرو بن عقيل، ويقال: طفيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن زيد مناة بن النمر بن قاسط النمري، أبو يحيى وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم، وهو الرومي قيل له ذلك؛ لأن الروم سبوه صغيرا.
قال ابن سعد: وكان أبوه وعمه على الأبلة من جهة كسرى، وكانت منازلهم على دجلة من جهة الموصل، فنشأ صهيب بالروم فصار ألكن، ثم اشتراه رجل من كلب فباعه بمكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان التميمي، فأعتقه.
حاله في الجاهلية:
لقد كان والده حاكم ( الأبلة ) ووليا عليهـا لكسرى، فهو من العرب الذين نزحوا إلى العراق قبل الإسلام بعهد طويل، وله قصـر كبير على شاطئ الفرات، فعاش صهيب طفولة ناعمة سعيدة، إلى أن سبي بهجوم رومي، وقضى طفولته وصدر شبابه في بلاد الروم، وأخذ لسانهم ولهجتهم، وباعه تجار الرقيق أخيرا لعبد اللـه بن جدعان في مكة وأعجب سيده الجديد بذكائه ونشاطه وإخلاصه، فاعتقه وحرره، وسمح له بالاتجار معه..
ونتيجة إعجاب سيده بذكائه ونشاطه وإخلاصه اعتقه وحرره وأخذ يتاجر معه حتى أصبح لديه المال الكثير.
قصة إسلامه:
يقول عمار بن ياسر -رضي الله عنه-: لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها...
فقلت له: ماذا تريد؟
فأجابني: ماذا تريد أنت؟
قلت له: أريد أن أدخل على محمد، فأسمع ما يقول...
قال: وأنا أريد ذلك...
فدخلنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعرض علينا الاسلام، فأسلمنا ثم مكثنا على ذلك حتى أمسين، ثم خرجن، ونحن مستخفيان فكان إسلامهما بعد بضعة وثلاثين رجلاً...
وروى ابن سعد، عن أبي عثمان النهدي ورواه الكلبي في تفسيره، عن أبي صالح، عن ابن عباس وله طرق أخرى، ورواه ابن عدي من حديث أنس والطبراني من حديث أم هانئ ومن حديث أبي أمامة عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- السباق أربعة أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وبلال سابق الحبشة، وسلمان سابق الفرس.
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
عندما هم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة، علم صهيب به، وكان من المفروض أن يكون ثالث الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، ولكن أعاقه الكافرون، فسبقه الرسول -صلى الله عليه وسلم-وأبو بكر، وحين استطاع الانطلاق في الصحراء، أدركه قناصة قريش، فصاح فيهم:( يا معشر قريش، لقد علمتم أني من أرماكم رجل، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي، حتى لا يبقى في يدي منه شيء، فأقدموا إن شئتم، وان شئتم دللتكم على مالي وتتركوني وشأني )...
فقبل المشركين المال وتركوه قائلين:( أتيتنا صعلوكا فقير، فكثر مالك عندنا، وبلغت بيننا ما بلغت، والآن تنطلق بنفسك و بمالك؟؟)...فدلهم على ماله وانطلق الى المدينة، فأدرك الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قباء ولم يكد يراه الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى ناداه متهلل: (ربح البيع أبا يحيى... ربح البيع أبا يحيى) فقال: (يا رسول الله، ما سبقني إليك أحدٌ، وما أخبرك إلا جبريل )
فنزل فيه قوله تعالى:( ومِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفسَهُ ابتغاءَ مَرْضَاةِ اللهِ، واللهُ رءُوفٌ بالعِبادِ ")... البقرة آية ( 207 )...
ـ وروى ابن عيينة في تفسيره وابن سعد من طريق منصور، عن مجاهد أول من أظهر إسلامه سبعة فذكره فيهم، وروى ابن سعد من طريق عمر بن الحكم قال: كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول، وكذا صهيب وأبو فائد وعامر بن فهيرة وقوم وفيهم نزلت هذه الآية: "ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا" .
أهم ملامح شخصيته:
جوده وإنفاقه
كان صهيباً جواداً كريم العطاء ينفق كل عطائه من بيت المال في سبيل الله يعين المحتاج ويغيث المكروب ويطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً حتى أثار سخاؤه المفرط انتباه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: (أراك تطعم كثيراً حتى أنك تسرف) فأجابه صهيب: لقد سمعت رسول الله { يقول: (خياركم من أطعم الطعام ورد السلام) فذلك الذي يحملني على أن أطعم الطعام
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
يتحدث صهيب -رضي الله عنه- عن ولائه للإسلام فيقول:( لم يشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مشهدا قط، إلا كنت حاضره، ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضره، ولم يسر سرية قط إلا كنت حاضره، ولا غزا غزاة قط، أول الزمان وآخره، إلا كنت فيها عن يمينه أو شماله، وما خاف -المسلمون- أمامهم قط، إلا كنت أمامهم، ولا خافوا وراءهم، إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيني وبين العدو أبدا حتى لقي ربه )...
وكان إلى جانب ورعه خفيف الروح، حاضر النكتة، فقد رآه الرسول -صلى الله عليه وسلم- يأكل رطب، وكان بإحدى عينيه رمد، فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ضاحك:( أتأكل الرطب وفي عينيك رمد)... فأجاب قائل:( وأي بأس...؟ إني آكله بعيني الأخرى!!)...
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
موقفه مع عمر بن الخطاب:
روى البغوي من طريق زيد بن أسلم، عن أبيه خرجت مع عمر حتى دخلت على صهيب بالعالية فلما رآه صهيب قال: يا ناس يا ناس. فقال عمر ما له يدعو الناس؟ قلت: إنما يدعو غلامه يحنس، فقال له: يا صهيب ما فيك شيء أعيبه إلا ثلاث خصال؛ أراك تنتسب عربيا ولسانك أعجمي، وتكنى باسم نبي وتبذر مالك. قال: أما تبذيري مالي فما أنفقه إلا في الحق، وأما كنيتي فكنانيها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأما انتمائي إلى العرب فإن الروم سبتني صغيرا، فأخذت لسانهم، ولما مات عمر أوصى أن يصلي عليه صهيب، وأن يصلي بالناس إلى أن يجتمع المسلمون على إمام.
ـ كانت حياة صهيب مترعة بالمزايا والعظائم، فان اختيار عمر بن الخطاب إياه ليؤم المسلمين في الصلاة مزية تملأ حياته ألفة وعظمة.
فعندما اعتدي على أمير المؤمنين وهو يصلي بالمسلمين صلاة الفجر.. وعندما أحس نهاية الأجل، فراح يلقي على اصحابه وصيته وكلماته الأخيرة ثم قال: " وليصلّ بالناس صهيب"..
ـ لقد اختار عمر يومئذ ستة من الصحابة، ووكل اليهم أمر الخليفة الجديد.. وخليفة المسلمين هو الذي يؤمهم في الصلاة، ففي الأيام الشاغرة بين وفاة أمير المؤمنين، واختيار الخليفة الجديد، يختار من يؤم المسلمين في الصلاة..؟
إن عمر وخاصة في تلك اللحظات التي تأخذ فيها روحه الطاهرة طريقها الى الله ليتأني ألف مرة قبل أن يختار.. فإذا اختار، فلا أحد هناك أوفر حظا ممن يقع عليه الاختيار..
ولقد اختار عمر صهيبا..
اختاره ليكون إمام المسلمين في الصلاة حتى ينهض الخليفة الجديد.. بأعباء مهمته..
اختاره وهو يعلم أن في لسانه عجمة، فكان هذا الاختيار من تمام نعمة الله على عبده الصالح صهيب بن سنان..
بعض ما روى عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أهل الجنة الجنة قال يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له..
عن ابن عمر عن صهيب قال مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد إلي إشارة وقال لا أعلم إلا أنه قال إشارة بإصبعه
قال وفي الباب عن بلال وأبي هريرة وأنس وعائشة.
وفاته:
مات صهيب في شوال سنة ثمان وثلاثين، وهو ابن سبعين. وكانت وفاته في المدينة المنورة.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:55 PM
جليبيب


نسبه وقبيلته

http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/103/15099_image002.jpgمثله مثل بعض الصحابة غير منسوب، ولكن ذكره أبو الفرج بن الجوزي في كتابه (صفة الصفوة) عن ابن سعد قال: وسمعت من يذكر أن جليبييبًا كان رجلاً من بني ثعلبة حليفًا في الأنصار[1] (http://vb.g111g.com/#_ftn1).

زواجه

كان جليبيب امرأً يدخل على النساء يمر بهن ويلاعبهن، فقلت لامرأتي: لا يدخلن اليوم عليكن جليبيبًا؛ فإنه إن دخل عليكن لأفعلن ولأفعلن. قالت: وكانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيِّم لم يزوجها حتى يعلم هل للنبيفيها حاجة أم لا، فقال النبيلرجلٍ من الأنصار: "زوجني ابنتك". قال: نعم وكرامة يا رسول الله ونعمة عين. فقال: "إني لست أريدها لنفسي". قال: فلمن يا رسول الله؟ قال: "لجليبيب". فقال: يا رسول الله، أشاور أمها. فأتى أمها فقال: رسول اللهيخطب ابنتك. فقالت: نعم ونعمة عين. فقال: إنه ليس يخطبها لنفسه، إنما يخطبها لجليبيب. فقالت: أجليبيب إنيه أجليبيب إنيه؟ (تعجب واستنكار)، ألا لعمر الله لا نزوجه.

فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول اللهفيخبره بما قالت أمها، قالت الجارية: من خطبني إليكم؟ فأخبرتها أمها، قالت: أتردون على رسول اللهأمره؟ ادفعوني إليه؛ فإنه لن يضيعني. فانطلق أبوها إلى رسول اللهفقال: شأنك بها، فزوجها جليبيبًا.

فدعا لها رسول الله: "اللهم اصبب عليها الخير صبًّا، ولا تجعل عيشها كدًّا". ثم قتل عنها جليبيب، فلم يكن في الأنصار أيمٌ أنفق منها[2] (http://vb.g111g.com/#_ftn2).

وفاته

وذلك أنه غزا مع رسول اللهبعض غزواته ففقده وأمر به يطلبه، فوجده قد قتل سبعة من المشركين ثم قُتل وهم حوله مصرَّعين، فدعا له وقال: "هذا مني وأنا منه"، ودفنه ولم يصلِّ عليه[3] (http://vb.g111g.com/#_ftn3).
[1] (http://vb.g111g.com/#_ftnref1) ابن الجوزي: صفة الصفوة ص283.

[2] (http://vb.g111g.com/#_ftnref2) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/423.

[3] (http://vb.g111g.com/#_ftnref3) رواه مسلم: باب من فضائل جليبيب، رقم (6512)، 7/152.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 04:57 PM
سلمان الفارسي

اسمه وكنيته

هو سلمان الفارسي، يكنى أبا عبد الله، من أصبهان، سافر يطلب الدين مع قوم فغدروا به فباعوه لرجل من اليهود، ثم إنه كوتب فأعانه النبيفي كتابته. أسلم مقدم النبيالمدينة، ومنعه الرّقّ من شهود بدر وأُحد، وأول غزوة غزاها مع النبيالخندق، وشهد ما بعدها، وولاّه عمر المدائن.

قصة إسلامه

عن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما قال: حدثني سلمان الفارسيقال: "كنت رجلاً فارسيًّا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها: جَيٌّ، وكان أبي دِهْقَانَ قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تُحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، وكانت لأبي ضَيْعَةٌ عظيمة، قال: فشغل في بنيان له يومًا فقال لي: يا بُنَيّ، إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فَاطَّلِعْها. وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الذي نحن عليه. فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام.

قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، فلما جئته قال: أي بني، أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبت، مررت بناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس. قال: أي بني، ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه. قلت: كلا، والله إنه لخير من ديننا. قال: فخافني فجعل في رجلي قيدًا ثم حبسني في بيته. قال: وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجارًا من النصارى فأخبروني بهم. قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، فأخبروني بقدوم تجار، فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم.

فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم ألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأُسْقُفُّ في الكنيسة. فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك وأصلي معك. قال: فادخل. فدخلت معه، فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئًا اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قِلال من ذهب، وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع. قال: ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء، يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعطِ المساكين منها شيئًا. قالوا: وما علمك بذلك؟ قلت: أنا أدلكم على كنزه. قالوا: فدلنا عليه. قال: فأريتهم موضعه، فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقًا، فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدًا.

قال: فصلبوه ثم رجموه بالحجارة، ثم جاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلاً يصلي الخمس أَرَى أنه أفضل منه، وأزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلاً ونهارًا منه. قال: فأحببته حبًّا لم أحبه من قبله، فأقمت معه زمانًا، ثم حضرته الوفاة، قلت له: يا فلان، إني كنت معك فأحببتك حبًّا لم أحبه أحدًا من قبلك، وقد حضرتك الوفاة، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلم أحدًا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلاً بالموصل وهو فلان، وهو على ما كنت عليه، فَالْحَقْ به.

قال: فلما مات وغَيَّبَ لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان، إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره. فقال لي: أقم عندي. قال: فأقمت عنده، فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة، قلت له: يا فلان، إن فلانًا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه إلا رجلاً بنَصِيبِينَ وهو فلان، فَالْحَقْ به.

قال: فلما مات وغَيَّب، لحقت بصاحب نصيبين، فجئت فأخبرته بما جرى وما أمرني به صاحبي، قال: فأقم عندي. فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبث أن نزل به الموت، فلما حضر قلت له: يا فلان، إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلاً بعَمُّورِيَّةَ، فإنه على مثل ما نحن عليه، فإن أحببت فَأْتِهِ؛ فإنه على مثل أمرنا.

قال: فلما مات وغَيَّبَ لحقت بصاحب عمورية، وأخبرته خبري، فقال: أقم عندي. فأقمت عند رجل على هدي أصحابه وأمرهم، وكنت اكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة. قال: ثم نزل به أمر الله، فلما حضر قلت له: يا فلان، إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حَرَّتَيْنِ بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فَافْعَلْ.

قال: ثم مات وغَيَّبَ، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مر بي نفر من كلب تجار، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ قالوا: نعم. فأعطيتهم إياها وحملوني، حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني لرجلٍ من يهود، فكنت عنده ورأيت النخل، ورجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي، ولم يَحِقْ لي في نفسي، فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه، فاحتملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها، وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر، مع ما أنا فيه من شغل الرِّقِّ، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عِذْقٍ لسيدي، أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس، إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه، فقال فلان: قاتلَ اللهُ بني قَيْلَة! والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي.

قال: فلما سمعتها أخذتني العُرَواء حتى ظننت أني ساقط على سيدي، ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه: ماذا تقول؟ قال: فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة، وقال: ما لك ولهذا؟! أقبل على عملك. قال: قلت: لا شيء، إنما أردت أن أستثبته عما قال. وقد كان شيء عندي قد جمعته، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله وهو بقباء، فدخلت عليه فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم. قال: فقربته إليه، فقال رسول الله لأصحابه: كلوا. وأمسك يده هو فلم يأكل.

قال: فقلت في نفسي: هذه واحدة. ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا، وتحوّل رسول الله إلى المدينة، ثم جئته به فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها. فأكل رسول الله منها وأمر أصحابه فأكلوا معه. قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان.

قال: ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة من أصحابه عليه شَمْلَتان وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه، ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني رسول الله استدبرته، عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، قال: فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أُقَبِّله وأبكي. فقال رسول الله: "تَحَوَّلْ". فتحولت، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يابن عباس، فأعجب رسول الله أن يَسْمَعَ ذلك أصحابُه، ثم شغل سلمان الرِّقُّ حتى فاته مع رسول الله بدر وأُحد.

قال: ثم قال لي رسول الله: "كَاتِبْ يا سلمان". فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفَقِير، وبأربعين أوقية. فقال رسول الله لأصحابه: "أعينوا أخاكم". فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين ودِيَّةً، والرجل بعشرين، والرجل بخمس عشرة، والرجل بعشر، والرجل بقدر ما عنده، حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودِيَّةٍ، فقال لي رسول الله: "اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَأْتِنِي أَكُونُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدَيَّ". قال: ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته، فخرج رسول الله معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله بيده، فوالذي نفس سلمان بيده، ما مات منها ودية واحدة. فأديت النخل، فبقي عليَّ المال، فأُتي رسول الله بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن، فقال: "مَا فَعَلَ الْفَارِسِىُّ الْمُكَاتَبُ؟" قال: فدُعِيْتُ له. قال: "خُذْ هَذِهِ، فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ". قال: قلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما عليَّ؟ قال: "خُذْهَا؛ فَإِنَّ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ". قال: فأخذتها فوزنت لهم منها، والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية، فأوفيتهم حقهم، وعتقت، فشهدت مع رسول اللهالخندق، ثم لم يفتني معه مشهد".

مكانته وفضله

عن أنسقال: قال رسول الله: "السُبَّاق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة".

وعن كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده أن رسول اللهخطَّ الخندق، وجعل لكل عشرة أربعين ذراعًا، فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان، وكان رجلاً قويًّا، فقال المهاجرون: سلمان منا. وقالت الأنصار: لا، بل سلمان منا. فقال رسول الله: "سلمان منا آل البيت".

موقفه العظيم يوم الخندق

في السنة الخامسة للهجرة، لما خرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة، مؤلِّبين المشركين ومحزّبين الأحزاب على رسول اللهوالمسلمين، متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب حاسمة تستأصل شأفة هذا الدين الجديد. ووضعت خطة الحرب الغادرة، على أن يهجم جيش قريش وغطفان "المدينة" من خارجه، بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل، ومن وراء صفوف المسلمين، الذين سيقعون حينئذٍ بين شِقَّي رحى تطحنهم، وتجعلهم ذكرى.

هنا تظهر عبقرية سلمان الحربية، حيث ألقى من فوق هضبة عالية، نظرةً فاحصةً على المدينة، فألفاها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها، غير أن هناك فجوة واسعة، يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحِمَى في يسر، فأشار على النبيبحفر الخندق؛ مما جعل أحزاب الكفر تعود خائبةً إلى ديارها، بعد أن مكثت شهرًا عاجزة عن عبور الخندق.

أهم ملامح شخصيته

غزارة علمه

عن أبي جحيفة قال: آخى رسول اللهبين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء مُتَبَذِّلَةً في هيئة رثّة فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: إن أخاك أبا الدرداء ليست له حاجة في الدنيا. قال: فلما جاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا، فقال: كُلْ؛ فإني صائم. قال: ما أنا بآكل حتى تأكل. قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم، فقال له سلمان: نَمْ. فنام، فلما كان من آخر الليل، قال له سلمان: قم الآن. فقاما فصليا، فقال: "إن لنفسك عليك حقًّا، ولربك عليك حقًّا، وإن لضيفك عليك حقًّا، وإن لأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حق حقه". فأتى النبيفذكر ذلك له، فقال: "صدق سلمان".

زهده

عن الحسن قال: كان عطاءُ سلمان الفارسيخمسة آلاف، وكان أميرًا على نحو ثلاثين ألفًا من المسلمين، وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها، فإذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من سفيف يديه.

ورعه وتواضعه

عن أبي ليلى الكندي قال: قال غلام سلمان لسلمان: كاتبني. قال: ألك شيء؟ قال: لا. قال: فمن أين؟ قال: أسأل الناس. قال: "تريد أن تطعمني غُسَالة الناس". وعن عبد الله بن بريدة قال: "كان سلمان إذا أصاب الشيء اشترى به لحمًا، ثم دعا المجذومين فأكلوا معه".

وعن أبي الأحوص قال: افتخرت قريش عند سلمان، فقال سلمان: "لكني خلقت من نطفة قذرة، ثم أعود جيفة منتنة، ثم يؤدى بي إلى الميزان، فإن ثقلت فأنا كريم، وإن خفت فأنا لئيم".

من كلامه ومواعظه

عن حفص بن عمرو السعدي عن عمه قال: قال سلمانلحذيفة: "يا أخا بني عبس، العلم كثير والعمر قصير، فخذ من العلم ما تحتاج إليه في أمر دينك، ودع ما سواه فلا تعانه".

وعن قتادة قال: قال سلمان: "إذا أسأت سيئة في سريرة فأحسن حسنة في سريرة، وإذا أسأت سيئة في علانية فأحسن حسنة في علانية؛ لكي تكون هذه بهذه".

وفاته

لما حضرته الوفاة بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: "عهدٌ عهده إلينا رسول اللهقال: (ليكن بلاغُ أحدكم كزاد الراكب). قال: فلما مات نظروا في بيته فلم يجدوا في بيته إلا إكافًا ووطاءً ومتاعًا قُوِّمَ نَحْوًا من عشرين درهمًا. وقد كان سلمانمن المعمّرين، توفي بالمدائن في خلافة عثمان، قيل: سنة ثنتين وثلاثين.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 10:06 PM
بريدة بن الحصيب

اسمه ونسبه
بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث، أبو عبد الله الأسلمي. كان إسلامه حين اجتاز به رسول اللهوهو مهاجر إلى المدينة عند كراع الغميم، فلما كان هناك تلقاه بريدة في ثمانين نفسًا من أهله فأسلموا، وصلى بهم صلاة العشاء، وعلّمه ليلتئذ صدرًا من سورة مريم[1].



أهم ملامح شخصيته
1- الشجاعة والإقدام؛ فعن ابن بريدة عن أبيه أنه قال: غزا مع رسول اللهست عشرة غزوة[2].



2- حب رسول الله؛ فكان يحبه أكثر من نفسه.



من مواقفه مع الرسول
عن بريدة بن الحصيب قال: مررت مع عليٍّ إلى اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول اللهذكرت عليًّا فتنقصته، فجعل وجه رسول اللهيتغير فقال: "يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟" قلت: بلى يا رسول الله. قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه"[3].



وقال له نبي الله: "من أنت؟" قال: أنا بريدة. فالتفت إلى أبي بكرفقال: "يا أبا بكر، برد أمرنا وصلح". ثم قال لي: "ممن أنت؟" فقلت: من أسلم. قال لأبي بكر: "سلمنا". قال: ثم قال: "من بني مَن؟" قلت: من بني سهم. قال: "خرج سهمك"[4].



من مواقفه مع الصحابة
مع علي بن أبي طالب
قال عبد الله بن بريدة: حدثنى أبي بريدة قال: أبغضت عليًّا بغضًا لم أبغضه أحدًا. قال: وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليًّا. قال: فبعث ذلك الرجل على خيل. قال: فصحبته ما أصحبه إلا على بغضه عليًّا، فأصبنا سبيًا، فكتبنا إلى رسول اللهأن ابعث إلينا من يخمسه، فبعث إلينا عليًّا. قال: وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبي فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر. فقلنا: يا أبا الحسن، ما هذا؟ قال: ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي، فإني قسمت وخمست فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي، ثم صارت في آل علي، فوقعت بها.



قال: وكتب الرجل إلى نبي الله، فقلت: ابعثني. فبعثني مصدقًا، قال: فجعلت أقرأ الكتاب وأقول: صدق. قال: فأمسك النبيبيدي والكتاب قال: "أتبغض عليًّا؟" قال: قلت: نعم. قال: "فلا تبغضه، وإن كنت تحبه فازدد له حبًّا، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة". قال: فما كان من الناس أحد بعد قول رسول اللهأحب إليَّ من علي. قال عبد الله: فوالذي لا إله غيره، ما بيني وبين النبيفي هذا الحديث غير أبي بريدة[5].



مع سلمة بن الأكوع
قدم سلمة بن الأكوع المدينة فلقيه بريدة بن الحصيب، فقال: ارتددت عن هجرتك يا سلمة. فقال: معاذ الله! إني في إذن من رسول الله، إني سمعت رسول اللهيقول: "ابدوا يا أسلم، فتنسموا الرياح، واسكنوا الشعاب". فقالوا: إنا نخاف يا رسول الله أن يضرنا ذلك في هجرتنا. قال: "أنتم مهاجرون حيث كنتم".



من مواقفه مع التابعين
قال عبد الملك بن مروان: كنت أجالس بريدة بن الحصيب، فقال لي يومًا: يا عبد الملك، إن فيك خصالاً، وإنك لجدير أن تلي أمر هذه الأمة، فاحذر الدماء؛ فإني سمعت رسول اللهيقول: "إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليها على محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق"[6].



من الأحاديث التي رواها عن الرسول
عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن رجلاً نشد في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر. فقال النبي: "لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له"[7].



وعن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبيفقال: يا رسول الله، طهرني. فقال: "ويحك! ارجع فاستغفر الله وتب إليه". قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله، طهرني. فقال رسول الله: "ويحك! ارجع فاستغفر الله وتب إليه". قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله، طهرني. فقال النبيمثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله: "فيم أطهرك؟" فقال من الزنا. فسأل رسول الله"أبه جنون؟" فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال "أشرب خمرًا؟" فقام رجل فاستنكهه، فلم يجد منه ريح خمر.



قال: فقال رسول الله: "أزنيت؟" فقال: نعم. فأمر به فرُجم، فكان الناس فيه فرقتين؛ قائل يقول: لقد هلك، لقد أحاطت به خطيئته. وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز أنه جاء إلى النبيفوضع يده في يده، ثم قال: اقتلني بالحجارة. قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول اللهوهم جلوس فسلم، ثم جلس فقال: "استغفروا لماعز بن مالك". قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك. قال: فقال رسول الله: "لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم".



قال: ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد، فقالت: يا رسول الله، طهرني. فقال: "ويحك! ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه". فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك. قال: "وما ذاك؟" قالت: إنها حبلى من الزنا. فقال: "آنت؟" قالت: نعم. فقال لها: "حتى تضعي ما في بطنك". قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت. قال: فأتى النبيفقال: قد وضعت الغامدية. فقال: "إذًا لا نرجمها وندع لها ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه". فقام رجل من الأنصار فقال: إليَّ رضاعه يا نبي الله. قال: فرجمها[8].



وعن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله: "حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله، فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء، فما ظنكم؟"[9].



وعن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول اللهلعلي: "يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة"[10].



وعن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله: "من حلف بالأمانة فليس منا"[11].



وجاء في مسند الإمام أحمد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: "كان النبييوم الفطر لا يخرج حتى يطعم، ويوم النحر لا يطعم حتى يرجع"[12].



من كلماته
لا عَيْشَ إِلاَّ طِرَادَ الخَيْلِ بِالخَيْلِ[13].



الوفاة
توفي بريدة بن الحصين بخراسان سنة 63هـ في خلافة يزيد بن معاوية[14].


--------------------------------------------------------------------------------

[1] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 1/286، ابن الأثير: أسد الغابة 1/263، ابن عبد البر: الاستيعاب 1/185، ابن كثير: البداية والنهاية 8/236.

[2] رواه البخاري: باب كم غزا النبيرقم (4203)، 4/1621. ورواه مسلم: باب عدد غزوات النبيرقم (4799)، 5/200.

[3] المتقي الهندي: كنز العمال رقم (36422)، 13/143.

[4] ابن عبد البر: الاستيعاب 1/185، 186.

[5] ابن كثير: البداية والنهاية 7/345.

[6] المصدر السابق 9/76.

[7] رواه مسلم: باب النهى عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد رقم (1290، 1291)، 2/82.

[8] رواه مسلم: باب من اعترف على نفسه بالزنا رقم (4527)، 5/119.

[9] رواه مسلم: باب حرمة نساء المجاهدين وإثم من خانهم فيهن رقم (5017)، 6/42.

[10] رواه أبو داود: باب ما يؤمر به من غض البصر رقم (2151)، 2/212. وقال الألباني: حسن.

[11] رواه أبو داود، باب في كراهية الحلف بالأمانة رقم (3255)، 3/218.

[12] رواه أحمد في مسنده رقم (22983)، 38/87.

[13] الذهبي: تاريخ الإسلام 5/77.

[14] ابن حجر: الإصابة 1/286، ابن سعد: الطبقات الكبرى 4/242.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 10:08 PM
سعيد بن زيد


اسمه ومكانته
هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى العدوي، ولد في مكة قبل الهجرة بـ 22 سنة، وقد كانمن السابقين إلى الإسلام؛ فقد أسلم قبل أن يدخل النبيدار الأرقم بن أبي الأرقم، دعاه أبو بكر الصديقإلى الإسلام، فسارع إليه في لهفةٍ وشوق، وكان من أوائل المسلمين.



وقد شهد المشاهد كلها بعد بدر مع النبي؛ ذلك أن الرسولكان قد أرسله أثناء الغزوة لملاحقة عير قريش.



تزوجمن فاطمة بنت الخطاب -رضي الله عنها- أخت عمرفي مكـة، وتزوج عمر عاتكة أخت سعيد. وكان أبوه "زيد بن عمرو بن نفيل" من الأحناف في الجاهلية؛ فلم يسجد لغير الله في جاهليته.



الرسول يبشره بالجنة
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعِيدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ".



وكانمجاب الدعوة
عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيلٍ أنَّ أروى خاصمته في بعض داره، فقال: "دَعُوهَا وَإِيَّاهَا؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِيَقُولُ: (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا". قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر، تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد. فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئرٍ في الدار، فوقعت فيها، فكانت قبرها.



وقد شهداليرموك وحصار دمشق وفتحها، وروى عن النبيثمانية وأربعين حديثًا.



وفاته
تُوُفِّي بالعقيق في حدود سنة خمسين، فحُمِل إلى المدينة، وعاش بضعًا وسبعين سنة.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 10:09 PM
سعد بن أبي وقاص

اسمه وشرف نسبه
سعد بن مالك بن أهيب، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وآخرهم موتًا. أمه حمنة بنت سفيان بن أمية بنت عم أبي سفيان بن حرب بن أمية. جده أهيب بن عبد مناف، عم السيدة آمنة أم رسول الله. ولد في مكة سنة 23 قبل الهجرة.



نشأته
نشأ سعد في قريش، واشتغل في بري السهام وصناعة القِسِيّ، وهذا عمل يؤهِّل صاحبه للائتلاف مع الرمي، وحياة الصيد والغزو، وكان يمضي وقته وهو يخالط شباب قريش وساداتهم، ويتعرف على الدنيا عن طريق الحجيج الوافد إلى مكة المكرمة في أيام الحج ومواسمها.



إسلامه
كان ممن دعاهم أبو بكر للإسلام، فأسلممبكرًا، وهو ابن سبع عشرة سنة. وبعد إسلامه تركت أمه الطعام ليعود إلى الكفر، فقال لها: تعلمين والله يا أماه، لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا، ما تركت ديني هذا لشيء؛ فإن شئت فكلي، وإن شئت لا تأكلي. فحلفتْ ألا تكلمه أبدًا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب؛ فأنزل الله: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8].



وكان سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أحد الفرسان، وهو أول من رمى بسهمٍ في سبيل الله، وهو أحد الستة أصحاب الشورى.



من مناقبه
1- كان رسول اللهيشير إلى سعدٍقائلاً: "هذا خالي، فليرني امرؤ خاله".



2- جمع النبيلسعدأبويه يوم أُحد؛ فقد قال له: "ارمِ سعد، فداك أبي وأمي".



حارس النبي
عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّسَهِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ: (لَيْتَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِي صَالِحًا يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ)، إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ سِلاَحٍ، فَقَالَ: (مَنْ هَذَا؟) فَقَالَ: أَنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، جِئْتُ لأَحْرُسَكَ. وَنَامَ النَّبِيُّ".



مجاب الدعاء
دعا له الرسول، فقال: "اللهم سدد رميته، وأجب دعوته". فكانمجابَ الدعوة.



حبه للجهاد في سبيل الله
لم تعد حياة سعدضياعًا في أحاديث التجارة أو اللغو، ولم يعد عمله في صنع السهام والقِسِيّ من أجل الربح، بل أصبح عمله جميعه موجَّهًا لهدف واحد، هو نصرة الدين، وإعلاء كلمة الله، والجهاد في سبيله بالمال والنفس والأهل والعشيرة؛ فقد شهد مع النبيغزوة بُواط وكان يحمل لواءها، وغزوة أُحد، وكان الرسوليعتمده في بعض الأعمال الخاصة، مثل إرساله مع علي بن أبي طالب والزبير بن العوام -رضي الله عنهما- بمهمة استطلاعية عند ماء بدر، وعندما عقد صلح الحديبية كان سعد بن أبي وقاص أحد شهود الصلح.



سعد وقيادة ناجحة في القادسية
تولى سعد بن أبي وقاصمهمة قيادة جيش المسلمين في أصعب مرحلة من مراحل الحرب في بلاد فارس والعراق، فاستطاع بفضل الله أولاً، ثم بكفاءته وقدرته القيادية وتوجيهات أمير المؤمنين وجيشٍ يملؤه الإيمان أن يهزم الفرس هزيمة ساحقة في القادسية.



كان أول قرار صحيح اتخذه سعد أثناء قيادته للجيش هو اختياره لموقع القادسية من أجل المعركة الحاسمة مع الفرس، فقد توافرت في هذا الموقع:

(1) عزلته عن أهل البلاد الذين لم يكن سعدليشعر بالطمأنينة إليهم.

(2) وقوع القادسية بين حاجزيْن جغرافييْن (الخندق والعتيق) لحماية قواته.

(3) قرب الموقع من الموارد الحياتية: المياه والطعام؛ مما يضمن له سهولة التأمين الإداري لقوات المسلمين.

(4) عدم وجود حاجز طبيعي يعوق حركة القوات، إذا ما أرادت الانسحاب وإعادة تجميعها لاستئناف القتال.

(5) حصر الفرس عند القتال بحاجز طبيعي (نهر الفرات).



وقد كان من قراراته الصحيحة أثناء المعركة في ميدان القتال إرسال قوات لحماية النقاط الضعيفة، والتوغل والالتفاف من حول القوات، ثم تحديد بداية المعركة مع موعد الظهر؛ إذ تكون حدة الشمس قد ارتفعت عن أعين المقاتلين، وكذلك تنظيم عملية القتال الليلية (ليلة الهرير)، التي قررت مصير المعركة الحاسمة.



وفاته
تُوُفِّي سعدفي قصره بالعقيق على بُعد خمسة أميال من المدينة، وذلك عام 55هـ، وقد تجاوز الثمانين، وهو آخر من

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 10:10 PM
سعد بن الربيع بن عمرو الأنصاري



هو سعد بن الربيع بن عمرو بن كعب بن الخزرج، الأنصاري الخزرجي أحد نقباء الأنصار. الحارثي البدري النقيب الشهيد الذي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الرحمن بن عوف فعزم على أن يعطي عبد الرحمن شطر ماله ويطلق إحدى زوجتيه ليتزوج بها فامتنع عبد الرحمن من ذلك ودعا له وكان أحد النقباء ليلة العقبة.

أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:

لقد كانت تربية النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا سعد بن الربيع أثراً كبيراً في نفسه فهو الذي استطاع أن يؤثر أخاه عبد الرحمن بن عوف بماله وزوجته يقول أنس رضي الله عنه: "قدم علينا عبد الرحمن بن عوف وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سد بن الربيع ـ وكان كثير الأموال ـ فقال سعد: قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالاً، سأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلقها حتى إذا حلت تزوجتها. فقال عبد الرحمن: "بارك الله في لك في أهلك".

وفي رواية البخاري "فقال عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك"

ملامح شخصيته:

حبه الشديد للرسول صلى الله عليه وسلم:

لقد ملك حب النبي صلى الله عليه وسلم قلوب أصحابه رضي الله عنهم حتى قادهم هذا الحب إلى أن يضحوا بأنفسهم فداء للنبي صلى الله عليه وسلم وممن ملك الحب قلوبهم سعد بن الربيع يقول زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد اطلب سعد بن الربيع فقال لي:إن رأيته فأقرأه من السلام، وقل له يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تجدك؟

فطفت بين القتلى فأصبته وهو في أخر رمق، وبه سبعون ضربة فأخبرته فقال: على رسول الله السلام وعليك، قل له: يا رسول الله أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عند لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم شفر يطرف، قال: وفاضت نفسه رضي الله عنه.

ونقل ابن عبد البر عن مالك بن أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يأتينا بخبر سعد؟ فقال رجل: أنا فذهب يطوف بين القتلى فوجده، وبه رمق، فقال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتيه بخبرك، قال: فاذهب فأقرأه مني السلام وأخبره أنني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة، وقد أنفذت مقاتلي، وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد منهم حي.

ويعلق صاحب فرسان النهار من الصحابة الأخيار بقوله: فإنه ـ وهو في تلك اللحظات التي يودع فيها الدنيا لم يفكر في زوجته ولا في أولاده وإنما ظل فكره مشغولاً بمصير الرسول صلى الله عليه سلم فقد أنساه حبه العظيم لنبيه صلى الله عليه وسلم كل شئ حتى نفسه وظل حتى فارق الدنيا وهو شديد الخوف على النبي صلى الله عليه وسلم وشديد الحرص على أن لا يمس بسوء.

ولا أدل على ذلك من أنه قبل أن تصعد زوحه إلى بارئها حمل الأنصاري رسالة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ملؤها المحبة، والإخلاص، والوفاء.

2ـ الإيثار:

وما يدل على ذلك ما حدث بينه وبين عبد الرحمن بن عوف لما طلب من يبدنا عبد الرحمن أن يقاسمه في أمواله وأن يطلق له زوجته ليتزوجها سيدنا عبد الرحمن.

بعض المواقف من حياته مع الصحابة:

ـ موقفه مع زوجته:

نزلت هذه الآية: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ" في سعد بن الربيع وكان من النقباء وفي امرأته حبيبة بن زيد بن أبي زهير، قاله مقاتل، وقال الكلبي: امرأته حبيبة بنت محمد بن مسلمة، وذلك إنها نشرت عليه فلطمها فانطلق أبوها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفرشته كريمتي فلطمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لتقتص من زوجها، فانصرفت مع أبيها لتقتص منه، فجاء جبريل عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجعوا هذا جبريل أتاني بشيء فأنزل الله هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أردنا أمرا وأراد الله أمرا والذي أراد الله خير، ورُفع القصاص.

وفاته:

ذكر ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده في هذا الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: من يأتيني بخبر سعد بن الربيع فإني رأيت الأسنة قد أشرعت إليه فقال أبي بن كعب: انا وذكر الخبر وفيه اقرأ على قومي السلام وقل لهم يقول لكم سعد بن الربيع الله الله وما عاهدتم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة فوالله ما لكم عند رسول الله عذر أن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف وقال أبي فلم برح حتى مات فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال:

رحمه الله نصح لله حياً وميتاً.

استشهد في غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة.

المراجع:

الإصابة في تمييز الصحابة - تهذيب سير أعلام النبلاء - فرسان النهار من الصحابة الأخيار - تفسير البغوي - تفسير القرطبي - الاستيعاب.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 10:12 PM
بو نائلة الأنصاري


النسب والقبيلة
أبو نائلة الأنصاري اسمه سلكان بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأنصاري الأوسي الأشهلي، أخو سلمة بن سلامة بن وقش، وقيل: اسمه سعد، وقيل سعد أخوه، وقيل سلكان لقب واسمه سعد، وهو مشهور بكنيته، ثبت ذكره في الصحيح في قصة قتل كعب بن الأشرف[1].



أهم ملامح شخصيته
1- الفروسية
حيث إنهمن الرماة المعدودين من أصحاب رسول الله. إذن فهو محارب جيد وفارس بارع.



2- المفاصلة مع أعداء الله
فقد كانممن شارك في قتل عدو الله كعب بن الأشرف، الذي هو أخوه من الرضاعة.



3- حب رسول الله
من خلال التضحية بكل غالٍ ورخيص في سبيل الحفاظ على الرسول، فقد كان أبو نائلة من أكثر الصحابة ثباتًا ودفاعًا عن الرسوليوم أحد.



بعض المواقف من حياته مع الرسول
كانممن شهد بدرًا مع النبي، أشار إلى ذلك ابن حبان في كتابه (الثقات)[2]. وكان من الرماة المذكورين من أصحاب رسول اللهوكان شاعرًا[3].



والصحابي أبو نائلة كان ممن بعثهم الرسوللقتل عدو الله كعب بن الأشرف، ويظهر ذلك من أحداث السرية التي بعثها الرسوللقتل اليهودي كعب بن الأشرف، والذي كان أخًا لأبي نائلةمن الرضاعة.



سرية قتل كعب بن الأشرف اليهودي
وذلك لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرًا من مهاجر رسول الله، وكان سبب قتله أنه كان رجلاً شاعرًا يهجو النبيوأصحابه، ويحرض عليهم ويؤذيهم، فلما كانت وقعة بدر كبت وذل وقال: بطن الأرض خير من ظهرها اليوم. فخرج حتى قدم مكة فبكى قتلى قريش وحرضهم بالشعر، ثم قدم المدينة فقال رسول الله: "اللهم اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار"[4].



وفي البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله: "من لكعب بن الأشرف؛ فإنه قد آذى الله ورسوله؟" فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله، أتحب أن أقتله؟ قال: "نعم". قال: فأذن لي أن أقول شيئًا. قال: "قل".



فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة وإنه قد عنَّانا، وإني قد أتيتك أستسلفك. قال: وأيضًا والله لتملنه. قال: إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه، وقد أردنا أن تسلفنا وسقًا أو وسقين، وحدثنا عمرو غير مرة فلم يذكر وسقًا أو وسقين أو فقلت له فيه وسقا أو وسقين. فقال: أُرى فيه وسقًا أو وسقين. فقال: نعم، ارهنوني. قالوا: أي شيء تريد؟ قال: ارهنوني نساءكم. قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم. قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيُسبُّ أحدُهم فيقال رُهِن بوسق أو وسقين، هذا عار علينا، ولكنا نرهنك اللأمة. قال سفيان: يعني السلاح.



فواعده أن يأتيه، فجاءه ليلاً ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة، فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم، فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة. وقال غير عمرو: قالت: أسمع صوتًا كأنه يقطر منه الدم. قال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب. قال: ويُدْخِل محمد بن مسلمة معه رجلين، قيل لسفيان: سماهم عمرو؟ قال: سمى بعضهم. قال عمرو: جاء معه برجلين، وقال غير عمرو: أبو عبس بن جبر والحارث بن أوس وعباد بن بشر. قال عمرو: جاء معه برجلين، فقال: إذا ما جاء فإني قائل بشعره فأشمه، فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه. وقال مرة: ثم أشمكم فنزل إليهم متوشحًا وهو ينفح منه ريح الطيب، فقال: ما رأيت كاليوم ريحًا أي أطيب. وقال غير عمرو: قال: عندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب. قال عمرو: فقال: أتأذن لي أن أشم رأسك؟ قال: نعم، فشمه. ثم أشم أصحابه، ثم قال: أتأذن لي؟ قال: نعم. فلما استمكن منه، قال: دونكم. فقتلوه، ثم أتوا النبيفأخبروه[5].



بعض المواقف من حياته مع الصحابة
كانممن شهد دفن سعد بن معاذ بل ونزل معه في القبر؛ فعن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال: لما انتهوا إلى قبر سعد نزل فيه أربعة نفر الحارث بن أوس بن معاذ، وأسيد بن الحضير، وأبو نائلة سلكان بن سلامة، وسلمة بن سلامة بن وقش، ورسول اللهواقف على قدميه، فلما وضع في قبره تغير وجه رسول اللهوسبح ثلاثًا فسبح المسلمون ثلاثًا حتى ارتج البقيع، ثم كبر رسول اللهثلاثًا وكبر أصحابه ثلاثًا حتى ارتج البقيع بتكبيره، فسئل رسول اللهعن ذلك فقيل: يا رسول الله، رأينا بوجهك تغيرًا وسبحت ثلاثًا. قال: "تضايق على صاحبكم قبره، وضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا سعد منها، ثم فرج الله عنه"[6].



ولم يرد نص يبين زمن وفاته، ولا في أي مكان دفن.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 7/409.

[2] ابن حبان: الثقات 3/178.

[3] ابن عبد البر: الاستيعاب 4/1765.

[4] ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/32.

[5] رواه البخاري: كتاب المغازي، باب قتل كعب بن الأشرف (3811)، 4/1481، ورواه مسلم: باب قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ طَاغُوتِ الْيَهُودِ (4765)، 5/184.

[6] ابن سعد: الطبقات الكبرى 3/432

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 10:13 PM
سباع بن عرفطة


ما ورد عنه:

يقول ِعراك بن مالك أنه سمع أبا هريرة يقول: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر استعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري فقدمنا فشهدنا معه صلاة الصبح فقرأ في أول ركعة: " كهيعص " وفي الثانية: " ويل للمطففين " فقلت في نفسي: ويل لأبي فلان له مكيالان يستوفي بواحد ويبخس بآخر فأتينا سباع بن عرفطة فجهزنا فأتينا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قبل الفتح بيوم أو بعده بيوم غير أنه قسم لهم مع المسلمين.(1)

وقد استعمله النبي {صلى الله عليه وسلم } على المدينة حين خرج إلى خيبر وإلى دُومةِ الجَنْدَل.

المصادر:

1- أسد الغابة [ جزء 1 - صفحة 418 ]

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 10:13 PM
سالم مولى أبي حذيفة

مهاجر وأنصاري!!

هو أبو عبد الله سالم بن عبيد بن ربيعة، مولى أبي حذيفة، وكان من أهل فارس من إصطخر، من فضلاء الموالي ومن خيار الصحابة وكبارهم، وهو معدود في المهاجرين لأنه لما أعتقته مولاته زوج أبي حذيفة تولى أبا حذيفة، وتبناه أبو حذيفة، ولذلك عُدَّ في المهاجرين، وهو معدود أيضا في الأنصار في بني عبيد لعتق مولاته الأنصارية زوج أبي حذيفة له.. وفي العجم لما تقدم ذكره.

كان من أهل إصطخر ببلاد فارس وقد وقع عليه سباء فحمل إلى مكة فاشترته ثبيتة بنت يعار، زوجة أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس القرشي، ثم اعتقته فتبناه أبو حذيفة، وكان من أوائل المهاجرين إلى المدينة.

فضله رضي الله عنه:

وكان إمام المهاجرين بالمدينة فعن ابن عمر قال لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضع بقباء قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنًا.

وعن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وذكر سالم مولى أبي حذيقة فقال: إن سالما شديد الحب لله تعالى.

عن قتادة قال: أصيب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته وفرق حاجبه فوقع وعليه درعان والدم يسيل فمر به سالم مولى أبي حذيفة فأجلسه ومسح عن وجهه فأفاق وهو يقول: كيف بقوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى الله فأنزل الله تبارك وتعالى: (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون).

قال عنه عمر بن الخطاب وهو يموت: " لو كان سالم حيّا، لوليته الأمر من بعدي"..!!

وفــاته:

عن محمد بن ثابت بن قيس قال: لما انكشف المسلمون يوم اليمامة، قال سالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفر لنفسه حفرة، فقام فيها ومعه راية المهاجرين يومئذ، ثم قاتل حتى قتل.

فقتل رحمه الله يوم اليمامة شهيدا سنة اثنتي عشرة وذلك في خلافة أبي بكر الصديق وبلغ ميراثه مائتي درهم فقال عمر احبسوها على أمه حتى تأتي على آخرها.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 10:14 PM
زيـد بن حارثة

هو زيد بن حارثة بن شراحيل من بني قضاعة،أبو أسامة، حبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان زيد قد أصابه سباء في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام في سوق حباشة، وهي سوق بناحية مكة كانت مجمعا للعرب يتسوقون بها في كل سنة، اشتراه حكيم لخديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فوهبته خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل النبوة، وهو ابن ثمان سنين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر منه بعشر سنين وقد قيل بعشرين سنة وطاف به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تبناه على حلق قريش يقول: " هذا ابني وارثا وموروثا ". يشهدهم على ذلك.

وقال أبوه حارثة بن شراحيل - حين فقده:

بكيت على زيد ولم أدر ما فعل... أحي يرجى أم أتى دونه الأجل

فوالله ما أدري وإن كنت سائل... أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل

فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعة... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل

تذكرنيه الشمس عند طلوعه... وتعرض ذكراه إذا قارب الطفل

وإن هبت الأرواح هيجن ذكره... فيا طول ما حزني عليه ويا وجل

سأعمل نص العيس في الأرض جاهد... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل

حياتي أو تأتي علي منيتي... وكل امرئ فان وإن غره الأجل

سأوصي به عمرا وقيسا كليهم... وأوصى يزيد ثم من بعده جبل

يعنى جبلة بن حارثة أخا زيد وكان أكبر من زيد ويعني يزيد أخا زيد لأمه وهو يزيد بن كعب بن شراحيل فحج ناس من كلب فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه فقال لهم: أبلغوا عني أهلي هذه الأبيات فإني أعلم أنهم قد جزعوا علي فقال:

أحن إلى قومي وإن كنت نائي... فإني قعيد البيت عند المشاعر

فكفوا من الوجد الذي قد شجاكم... ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر

فإني بحمد الله في خير أسرة... كرام معد كابرا بعد كابر

فانطلق الكلبيون فأعلموا أباه فقال: ابني ورب الكعبة ووصفوا له موضعه وعند من هو. فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل لفدائه وقدما مكة فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: هو في المسجد فدخلا عليه فقال: يا بن عبد المطلب يا ابن هاشم يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون العاني وتطعمون الأسير جئناك في ابننا عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه. قال: " ومن هو " قالو: زيد بن حارثة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فهلا غير ذلك "!

قالو: وما هو قال: " ادعوه فأخيره فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا ". قال: قد زدتنا على النصف وأحسنت فدعاه فقال: " هل تعرف هؤلاء " قال: نعم. قال: من هذا قال: هذا أبي. وهذا عمي. قال: " فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما ". قال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدا، أنت مني مكان الأب والعم. فقال: ويحك يا زيد!

أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وعلى أهل بيتك!

قال: نعم قد رأيت من هذا الرجل شيئ. ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبد. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال: "يا من حضر. اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وأرثه". فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما فانصرف. ودعي زيد بن محمد حتى جاء الإسلام فنزلت: " ادعوهم لآبائهم ". فدعي يومئذ زيد بن حارثة ودعي الأدعياء إلى آبائهم فدعي المقداد بن عمرو وكان يقال له قبل ذلك المقداد بن الأسود لأن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه.

وذكر معمر في جامعه عن الزهري قال: ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة.

كان رضي الله عنه أول من أسلم من الموالي، أسلم في العشرينات من عمره، وكان ربيب بيت النبوة.. فلا شك أنه أخذ عن حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير...

ونزل في حقه قرآن يتلى إلى يوم الدين: عن قتادة في قوله [وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه] وهو زيد بن حارثة أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إنه الوحيد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء اسمه في كتاب الله: ] وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37) سورة الأحزاب.

و عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه كان يقول: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزل في القرآن [ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله]

في قصة زواجه من زينب وتطليقه لها وزواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها:

عن عمر بن عثمان الجحشي عن أبيه قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكانت زينب بنت جحش ممن هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت امرأة جميلة فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على زيد بن حارثة فقالت لا أرضاه وكانت أيم قريش قال فإني قد رضيته لك فتزوجها زيد الحديث قال بن عمر فحدثني عبد الله بن عامر الأسلمي عن محمد بن يحيى بن حبان قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت زيد بن حارثة يطلبه وكان زيد إنما يقال له زيد بن محمد فربما فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة فيقول أين زيد فجاء منزله يطلبه فلم يجده فتقوم إليه زينب فتقول له هنا يا رسول الله فولى فيولي يهمهم بشيء لا يكاد يفهم عنه إلا سبحان الله العظيم سبحان الله مصرف القلوب فجاء زيد إلى منزله فأخبرته امرأته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزله فقال زيد ألا قلت له يدخل قالت قد عرضت ذلك عليه وأبى قال فسمعته يقول شيئا قالت سمعته حين ولى تكلم بكلام لا أفهمه وسمعته يقول سبحان الله العظيم سبحان الله مصرف القلوب قال فخرج زيد حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله بلغني إنك جئت منزلي فهلا دخلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله لعل زينب أعجبتك فأفارقها فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك زوجك فما استطاع زيد إليها سبيلا بعد ذلك ويأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره فيقول أمسك عليك زوجك فيقول يا رسول الله إذا أفارقها فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم احبس عليك زوجك ففارقها زيد واعتزلها وحلت قال فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس يتحدث مع عائشة رضي الله عنها إذ أخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم غيمة ثم سري عنه وهو يتبسم وهو يقول من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله عز وجل زوجنيها من السماء وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم [وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه] القصة كلها قالت عائشة رضي الله عنها فأخذني ما قرب وما بعد لما كان بلغني من جمالها وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها ما صنع الله لها زوجها الله عز وجل من السماء وقالت عائشة هي تفخر علينا بهذا .

أحن إلى قومي وإن كنت نائي... فإني قعيد البيت عند المشاعر

فكفوا من الوجد الذي قد شجاكم... ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر

فإني بحمد الله في خير أسرة... كرام معد كابرا بعد كابر

حدثنا أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء قال عليكم زيد بن حارثة فإن أصيب زيد فجعفر فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فوثب جعفر فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما كنت أرغب أن تستعمل علي زيدا فقال امض فإنك لا تدري في أي ذلك خير فانطلقوا فلبثوا ما شاء الله ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر وأمر أن ينادى الصلاة جامعة فقال ألا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي انطلقوا فلقوا العدو فأصيب زيد شهيدا استغفروا له فاستغفر له الناس ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب فشد على القوم حتى قتل شهيدا إستغفروا له ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فثبتت قدماه حتى قتل شهيدا استغفروا له ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء هو أمر نفسه ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ضبعيه ثم قال اللهم هو سيف من سيوفك انتصر به فمن يومئذ سُمي خالد بن الوليد سيف الله.

وكانت مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة، وقتل زيد يومئذ وهو ابن خمس وخمسين سنة.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 10:15 PM
زيد بن ثابت

هو زيد بن ثابت بن الضحّاك الأنصاري من بني النجار أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، كان يتيمـاً يوم قدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - للمدينـة (توفي والده يوم بُعاث ) و سنه لا يتجاوز إحدى عشرة سنة، وأسلـم مع أهلـه وباركه الرسول الكريم بالدعاء...

جهاده:

صحبه آباؤه معهم إلى غزوة بدر، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رده لصغر سنه وجسمه، وفي غزوة أحد ذهب مع جماعة من أترابه إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-يرجون أن يضمهم للمجاهدين وأهلهم كانوا يرجون أكثر منهم، ونظر إليهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- شاكرا وكأنه يريد الاعتذار، ولكن ( رافع بن خديج ) وهو أحدهم تقدم إلى الرسول الكريم وهو يحمل حربة ويستعرض بها قائل: ( إني كما ترى، أجيد الرمي فأذن لي )...فأذن الرسول -صلى الله عليه وسلم- له، وتقدم ( سمرة بن جندب ) وقال بعض أهله للرسول:( إن سمرة يصرع رافعا )...فحياه الرسول وأذن له...
وبقي ستة من الأشبال منهم زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر، بذلوا جهدهم بالرجاء والدمع واستعراض العضلات، لكن أعمارهم صغيرة، وأجسامهم غضة، فوعدهم الرسول بالغزوة المقبلة، وهكذا بدأ زيد مع إخوانه دوره كمقاتل في سبيل الله بدءا من غزوة الخندق، سنة خمس من الهجرة.

قال زيد بن ثابت كانت وقعة بعاث وأنا بن ست سنين وكانت قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا بن إحدى عشرة سنة وأتي بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا غلام من الخزرج قد قرأ ست عشرة سورة فلم أجز في بدر ولا أحد وأجزت في الخندق

وكانت مع زيد -رضي الله عنه- راية بني النجار يوم تبوك، وكانت أولاً مع عُمارة بن حزم، فأخذها النبي -صلى الله عليه وسلم- منه فدفعها لزيد بن ثابت فقال عُمارة:( يا رسول الله! بلغكَ عنّي شيءٌ؟)...قال الرسول:( ل، ولكن القرآن مقدَّم، وزيد أكثر أخذا منك للقرآن )...

علمه:

عن عامر قال كان فداء أهل بدر أربعين أوقية أربعين أوقية فمن لم يكن عنده علم عشرة من المسلمين الكتابة فكان زيد بن ثابت ممن علم، لقد كان t مثقفًا متنوع المزاي، يتابع القرآن حفظ، ويكتب الوحي لرسوله صلى الله عليه وسلم، ويتفوق في العلم والحكمة، وحين بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في إبلاغ دعوته للعالم الخارجي، وإرسال كتبه لملوك الأرض وقياصرته، أمر زيدا أن يتعلم بعض لغاتهم فتعلمها في وقت وجيز...يقول زيـد:( أُتيَ بيَ النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- مَقْدَمه المدينة، فقيل:( هذا من بني النجار، وقد قرأ سبع عشرة سورة )...فقرأت عليه فأعجبه ذلك، فقال:( تعلّمْ كتاب يهـود، فإنّي ما آمنهم على كتابي )...ففعلتُ، فما مضى لي نصف شهـر حتى حَذِقْتُـهُ، فكنت أكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأتُ له )... وعن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحسن السريانية قلت لا قال فتعلمها فإنه تأتينا كتب قال فتعلمتها في سبعة عشر يوما قال الأعمش كانت تأتيه كتب لا يشتهى ان يطلع عليها الا من يثق به، من هنا أطلق عليه لقب ( ترجمان الرسول صلى الله عليه وسلم )..



حفظه للقرآن:

منذ بدأت الدعوة وخلال إحدى وعشرين سنة تقريبا كان الوحي يتنزل، والرسول صلى الله عليه وسلم يتلو، وكان هناك ثلة مباركة تحفظ ما تستطيع، والبعض الآخر ممن يجيدون الكتابة، يحتفظون بالآيات مسطورة، وكان منهم علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عباس، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين...وبعد أن تم النزول كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرؤه على المسلمين مرتبا حسب سوره وآياته...
وقد قرأ زيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت لأنه كتبها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقرأها عليه، وشَهِدَ العرضة الأخيرة، وكان يُقرىء الناس بها حتى مات...

بداية جمع القرآن:

بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- شغل المسلمون بحروب الردة، وفي معركة اليمامة كان عدد الشهداء من حفظة القرآن كبير، فما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبو بكر الصديق راغبا في أن يجمع القرآن قبل أن يدرك الموت والشهادة بقية القراء والحفاظ...واستخار الخليفة ربه، وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت وقال له:( إنك شاب عاقل لانتهمك )...وأمره أن يبدأ جمع القرآن مستعينا بذوي الخبرة...

ونهض زيد -رضي الله عنه- بالمهمة وأبلى بلاء عظيما فيه، يقابل ويعارض ويتحرى حتى جمع القرآن مرتبا منسقا...وقال زيد في عظم المسئولية:( والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه، لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن )...كما قال:( فكنتُ أتبع القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعُسُب وصدور الرجال )...وأنجز المهمة على أكمل وجه وجمع القرآن في أكثر من مصحف0

المرحلة الثانية في جمع القرآن:

في خلافة عثمان بن عفان كان الإسلام يستقبل كل يوم أناسًا جدد عليه، مما أصبح جليا ما يمكن أن يفضي إليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة تختلف على القرآن حتى بين الصحابة الأقدمين والأولين، فقرر عثمان والصحابة وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان ضرورة توحيد المصحف، فقال عثمان:( مَنْ أكتب الناس؟)...قالو:( كاتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيد بن ثابت )...قال:( فأي الناس أعربُ؟)...قالو:( سعيد بن العاص )...وكان سعيد بن العاص أشبه لهجة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال عثمان:( فليُملِ سعيد وليكتب زيدٌ )...

واستنجدوا بزيـد بن ثابت، فجمع زيد أصحابه وأعوانه وجاءوا بالمصاحف من بيت حفصة بنت عمر -رضي الله عنها- وباشروا مهمتهم الجليلة، وكانوا دوما يجعلون كلمة زيد هي الحجة والفيصل...رحمهم الله أجمعين...حتى قال عنه ابن عباس ت رضي الله عنهما : " لقد علم المحفظون من أصحاب محمد أن زيد بن ثابت كان من الراسخين في العلم ".

فضله رضي الله عنه:

تألقت شخصية زيد وتبوأ في المجتمع مكانا عالي، وصار موضع احترام المسلمين وتوقيرهم...فقد ذهب زيد ليركب، فأمسك ابن عباس بالركاب، فقال له زيد:( تنح يا ابن عم رسول الله )...فأجابه ابن عباس:( ل، فهكذا نصنع بعلمائنا )... كما قال ( ثابت بن عبيد ) عن زيد بن ثابت:( ما رأيت رجلا أفكه في بيته، ولا أوقر في مجلسه من زيد )...

في يوم السقيفـة:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول يا معشر المهاجرين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا قال فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك فقام زيد بن ثابت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وإن الإمام يكون من المهاجرين ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال جزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار وثبت قائلكم ثم قال أما لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم ثم أخذ زيد بن ثابت بيد أبي بكر فقال هذا صاحبكم فبايعوه ثم انطلقو.

وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يستخلفه إذا حجّ على المدينة، وزيد -رضي الله عنه-، وهو الذي تولى قسمة الغنائم يوم اليرموك، وهو أحد أصحاب الفَتْوى الستة: عمر وعلي وابن مسعود وأبيّ وأبو موسى وزيد بن ثابت، فما كان عمر ولا عثمان يقدّمان على زيد أحداً في القضاء والفتوى والفرائض والقراءة،

عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب وأفرضهم - أي أعلمهم بالفرائض - زيد بن ثابت وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ألا وان لكل امة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح.

وقد استعمله عمر على القضاء وفرض له رزقاً...

قال ابن سيرين:( غلب زيد بن ثابت الناس بخصلتين، بالقرآن والفرائض )...

وفاته:

توفي -رضي الله عنه- سنة ( 45 هـ ) في عهد معاوية...

ولما مات رثاه حسان بقوله:

فمن للقوافي بعد حسان وابنه ومن للمعاني بعد زيد بن ثابت

و عن يحيى بن سعيد قال: لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة: مات اليوم حبر هذه الأمة، ولعل الله يجعل في ابن عباس منه خلف.

<

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 10:16 PM
زيد بن أرقم بن زيد


هو زيد بن أرقم الأنصاري يكنى أبا سعد وقال غيره كان يكنى أبا أنيس وأول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم المريسيع.


من مواقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم:

يقول زيد بن أرقم: [ جاء أناس من العرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس به وإن يكن ملكا نعش في جناحه قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك قال: ثم جاءوا إلى حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه يا محمد فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ" قال: فأخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم بأذني فمدها فجعل يقول: قد صدق الله قولك يا زيد قد صدق الله الله قولك يا زيد.
ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "سمع زيد بن أرقم رضي الله عنه رجلا من المنافقين يقول - والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب: إن كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير.

فقال زيد رضي الله عنه: هو - والله - صادق ولأنت أشر من الحمار، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجحد القائل فأنزل الله "يحلفون بالله ما قالوا..." الآية فكانت الآية في تصديق زيد..

ويروي أبو إسحاق عن زيد بن أرقم قال: كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبي يقول لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فذكرت ذلك لعمي أو لعمر فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فدعاني فحدثته فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه فأصابني هم لم يصبني مثله قط فجلست في البيت فقال لي عمي ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك؟ فأنزل الله تعالى {إذا جاءك المنافقون}. فبعث إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ فقال (إن الله قد صدقك يا زيد)ويقول زيد بن أرقم: رمدت فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أرأيت يا زيد إن كانت عيناك لما بهما كيف تصنع؟" قلت: أصبر وأحتسب قال: "إن فعلت دخلت الجنة". وفي لفظ "إذاً تلقى الله ولا ذنب لك".


من مواقفه مع الصحابة:

عن زيد بن أرقم قال: كنت يتيما لعبدالله بن رواحة في حجره فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله فوالله إنه ليسير ليلة إذ سمعته وهو ينشد أبياته هذه:

إذا أديتني وحملت رحلي... مسيرة أربع بعد الحساء

فشأنك أنعم وخلاك ذم... ولا أرجع إلى أهلي ورائي

وجاء المسلمون وغادروني... بأرض الشام مشتهى الثواء

وردك كل ذي نسب قريب... إلى الرحمن منقطع الإخاء

هنالك لا أبالي طلع بعل... ولا نخل أسافلها رواء

فلما سمعتهن منه بكيت. قال: فخفقني بالدرة وقال: ما عليك يا لكع أن يرزقني الله شهادة وترجع بين شعبتي الرحل.

عن زيد بن أرقم قال: أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر يعني الصديق فبشرته بالجنة وإلى عمر فبشرته بالجنة وإلى عثمان فبشرته بالجنة.

ويقول حصين الحارثي جاء علي إلى زيد بن أرقم يعوده وعنده قوم قال فما أدري أقال علي أنصتوا أو اسكتوا فوالله لا تسألوني عن شيء حتى أقوم إلا حدثتكم به قال فقال له زيد أنشدك الله أنت قتلت عثمان قال فاطرق علي ساعة ثم رفع رأسه ثم قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسيمة ما قتلته ولا أمرت بقتله.


من مواقفه مع التابعين:

موقفه مع من سب أمير المؤمنين علياً:

يقول أبو أيوب مولى بنى ثعلبة عن قطبة بن مالك: سب أمير من الأمراء عليا فقام زيد بن أرقم فقال أما قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الموتى فلم تسب عليا وقد مات.

ويقول يزيد بن حيان: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه ثم قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي فقال له حصين ومن أهل بيته؟ يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال وهم؟ قال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال نعم.

ولما قتل الحسين أمر عمر بن سعد نفرا فركبوا خيولهم وأوطؤها الحسين وكان عدة من قتل معه اثنين وسبعين رجلا ولما قتل أرسل عمر رأسه ورؤوس أصحابه إلى ابن زياد فجمع الناس وأحضر الرؤوس وجعل ينكت بقضيب بين شفتي الحسين فلما رآه زيد بن أرقم لا يرفع قضيبه قال له: اعل بهذا القضيب فو الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين يقلبهم. ثم بكى فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك فو الله لولا أنك شيخ قد خرفت لضربت عنقك. فخرج وهو يقول: أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم الحسين بن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم.


موقفه مع عبيد الله بن زياد:

وعن يزيد بن حيان قال سمعت زيد بن أرقم يقول: بعث إلي عبيد الله بن زياد: ما أحاديث بلغني تحدثها وترويها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذكر أن له حوضاً في الجنة؟ قال: حدثنا ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدناه قال: كذبت ولكنك شيخ قد خرفت قال: أما إنه سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" ما كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم.


بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول صلى الله عليه وسلم:

عن زيد بن أرقم قال: قلت أو قالو: يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال:[ سنة أبيكم إبراهيم قالو: ما لنا منه؟ قال: بكل شعرة حسنة قال فالصوف؟ قال بكل شعرة من الصوف حسنة ] وعن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا قال:[ إن الله يحب الصمت عند ثلاث عند تلاوة القرآن وعند الزحف وعند الجنازة]

وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة قيل: يا رسول الله وما إخلاصه؟ قال: أن تحجزه عن المحارم".


وفاته:

توفي رضي الله عنه بالكوفة سنة ثمانٍ وستين، وقيل: مات بعد قتل الحسين رضي الله عنه بقليل، وشهد مع عليٍّ صفين، وهو معدود في خاصَّة أصحابه.


المراجع:

الطبقات الكبرى - أسد الغابة - تفسير الطبري - الدر المنثور - صحيح البخاري - فضائل الصحابة - سيرة ابن هشام - سير أعلام النبلاء - العلل ومعرفة الرجال - تعجيل المنفعة - صحيح مسلم - تفسير ابن كثير - الثقات لابن حبان.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 10:19 PM
ربيعة بن كعب الأسلمي


هو ربيعة بن كعب الأسلمي أبو فراس حجازي.

إسلامه:

أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم قديما وكان يلزمه وكان محتاجا من أهل الصفة وكان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته: إن رجلاً صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وخدمه وكان يقوم على حاجته ليلاً ونهاراً لخليق به أن يتأثر بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله، ومن المؤكد أن النبي ترك في نفسه أثراً تربوياً انعكس على حياته في أفعاله وسلوكه ويقول ربيعة بن كعب قال: ( كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوم له في حوائجه. نهاري أجمع حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الأخرة فأجلس ببابه إذا دخل بيته أقول: لعلها أن تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجه فما أزال أسمعه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله سبحان الله سبحان الله وبحمده حتى أمل فأرجع أو تغلبني عيني فأرقد قال: فقال لي يوما - لما يرى من خفتي وخدمتي إياه -: سلني يا ربيعة أعطك قال: فقلت: أنظر في أمري يا رسول الله ثم أعلمك ذلك. قال: ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة وأن لي فيها رزقا سيكفيني ويأتيي قال: فقلت: أسال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخرتي فإنه من الله عز وجل بالمنزل الذي هو به قال: فجئت فقال: ما فعلت يا ربيعة؟ قال: فقلت: نعم يا رسول الله أسالك أن تشفع لي إلى ربك فيعقتني من النار قال: فقال: من أمرك بهذا يا ربيعة! قال: فقلت: لا والله الذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ولكنك لما قلت: سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في أمري وعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقا سيأتيني فقلت: أسال رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال لي: إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود.

من ملامح شخصيته:

الصبر والتأني:

وذلك لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم وقال له سلني يا ربيعة أعطك قال: فقلت: أنظر في أمري يارسول الله ثم أعلمك ذلك.

يقينه بانقطاع الدنيا وزوالها:

ويظهر ذلك في قوله للرسول صلى الله عليه وسلم.

وعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقا سيأتيني فقلت: أسال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخرتي العفو والصفح والتواضع

يقول أبو عمران الجوني عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا وأعطى أبا بكر أرضا قال فاختلفنا في عذق يعنى في نخلة فقلت انا هى من أرضى وقال أبو بكر هي من أرضى فقال يا أبا بكر أما ترى انظر ما ترى إنها من أرضى فأبى وقال لي كلمة ندم عليها فقال لي يا ربيعة قل لي مثل ما قلت لك حتى يكون قصاصا قال قلت لا قال فقال والله إذا لاستعدين عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت أنت اعلم فانطلق يؤم النبي صلى الله عليه وسلم واتبعته وجاء أناس من قومي فقال يرحم الله أبا بكر هو الذي قال لك ما قال ويستعدي عليك فانطلقوا معي فقلت لهم أتدرون من هذا هذا أبو بكر الصديق ثاني اثنين إذ هما في الغار يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان فيغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لغضبه ويغضب الله عز وجل لغضب رسوله فيهلك ربيعة ارجعوا ارجعوا فرددتهم وانطلقت وقد سبقني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه فلما جئت قال لي يا ربيعة مالك وللصديق قلت يا رسول الله انه قال لي شيئا وقال لي قل مثل ما قلت لك حتى يكون قصاصا فقلت لا أقول لك مثل ما قلت لي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فلا تقل له مثل ما قال لك ولكن قل يغفر الله لك يا أبا بكر فقلت يغفر الله لك يا أبا بكر يغفر الله لك يا أبا بكر فولى أبو بكر رضي الله عنه وهو يبكى.

حبه للنبي صلى الله عليه وسلم:

لقد أحب ربيعة بن كعب النبي صلى الله عليه وسلم حباً حتى أنه لا يستطيع أن يفارقه ولما سأله النبي صلى الله عليه وسلم حاجته فكان طلبه مرافقته في الجنة فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوئه وبحاجته فقال سلني قلت مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك قلت هو ذاك قال فأعني على نفسك بكثرة السجود.

همته رضي الله عنه:

يقول أبو الفرج الجوزي في كتابه مدارج السالكين وإذا أردت أن تعرف مراتب الهمم فانظر إلى همة ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه وقد قال له رسول الله سلني فقال أسألك مرافقتك في الجنة وكان غيره يسأله ما يملأ بطنه أو يواري جلده

من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:

يقول ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي النبي صلى الله عليه و سلم: يا ربيعة ألا تتزوج؟ قال فقلت: لا والله يا رسول الله ما أريد أن أتزوج ما عندي ما يقيم المرأة و ما أحب أن يشغلني عنك شيء قال: فأعرض عني قال: ثم راجعت نفسي فقلت والله يا رسول الله أنت أعلم بما يصلحني في الدنيا والآخرة قال: وأنا أقول في نفسي ليت قال لي الثالثة لأقولن نعم قال فقال لي الثالثة يا ربيعة ألا تتزوج؟ قال فقلت: بلى يا رسول الله مرني بما شئت أوبما أحببت قال: انطلق إلى آل فلان إلى حي من الأنصار فيهم تراخي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئكم السلام ويأمركم أن تزوجوا ربيعة فلانة امرأة منهم قال: فأتيتهم فقلت لهم ذلك فقالو: مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يرجع رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بحاجته قال: فأكرموني وزوجوني وألطفوني ولم يسألوني البينة فرجعت حزينا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ما بالك؟ فقلت: يا رسول الله أتيت قوما كراما فزوجوني وأكرموني ولم يسألوني البينة فمن أين لي الصداق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبريدة الأسلمي: يا بريدة أجمعوا له وزن نواة من ذهب قال: فجمعوا لي وزن من ذهب قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم: اذهب بهذه إليهم و قل هذا صداقها فذهبت به إليهم فقلت هذا صداقها قال فقالوا كثير طيب فقبلوا و رضوا به قال فقلت: من أين أولم؟ قال فقال يا بريدة: اجمعوا له في شاة قال فجمعوا لي في كبش فطيم سمين قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب إلى عائشة فقل انظري المكتل الذي فيه الطعام فابعثي به قال فأتيت عائشة رضي الله عنها فقلت لها ذلك فقالت: ها هو ذاك المكتل فيه سبعة آصع من شعير ووالله أن أصبح لنا طعام غيره قال فأخذته فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اذهب بها إليهم فقل ليصلح هذا عندكم خبز قال فذهبت به وبالكبش قال فقبلوا الطعام وقال: اكفونا أنتم الكبش قال: وجاء ناس من أسلم فذبحوا وسلخوا وطبخوا قال فأصبح عندنا خبز ولحم فأولمت و دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم0

ومن مواقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم:

يقول كنت في بيت ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فقمت معه على يساره فأخذ بيدي فجعلني عن يمينه ثم صلى ثلاث عشرة ركعة حرزت قيامه كل ركعة قدر { يا أيها المزمل}.

ما رواه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:

عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه0

عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أبيت عند باب حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي يقول: سبحان الله رب العالمين الهوي ( وفيه: " كنت أسمعه الهوي من الليل " الهوي بالفتح الحين الطويل من الزمان وقيل هو مختص بالليل. ثم يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده الهوي

وفاته:

لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل على بريد من المدينة مكان قريب من المدينة فلم يزل بها حتى مات بعد الحرة سنة ثلاث وستين

المراجع:

الجرح والتعديل - الطبقات الكبرى - إرواء الغليل - مسند الطيالسي - سنن النسائي الكبرى - مدارج السالكين - المستدرك - كنز العمال - المعجم الكبير - الاستيعاب.

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 10:20 PM
ربعي بن عامر

هو ربعي بن عامر بن خالد بن عمرو. قال الطبري كان عمر أمد به المثنى بن حارثة وكان من أشراف العرب.

أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:

كان لتربية الرسول أثرا في نفس ربعي جعلته يقف أمام الفرس قائلا لهم إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

ملامح شخصيته:

فطنته وذكاؤه ومعرفته بأحوال عدوه:كان سيدنا ربعي بن عامر من الفطناء العارفين بأحوال عدوهم، ومن ذلك لما أراد سيدنا سعد بن أبي وقاص أن يرسل إلى الفرس المغيرة بن شعبة وبسر بن أبي رهم وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن وربعي بن عامر وقرفة بن زاهر التيمي ثم الواثلي ومذعور بن عدي العجلي والمضارب بن يزيد العجلي ومعبد بن مرة العجلي وكان من دهاة العرب فقال إني مرسلكم إلى هؤلاء القوم فما عندكم قالوا جميعا نتبع ما تأمرنا به وننتهي إليه فإذا جاء أمر لم يكن منك فيه شيء نظرنا أمثل ما ينبغي وأنفعه للناس فكلمناهم به فقال سعد هذا فعل الحزمة اذهبوا فتهيؤوا فقال ربعي بن عامر إن الأعاجم لهم آراء وآداب ومتى نأتهم جميعا يروا أنا قد احتفلنا بهم فلا تزدهم على رجل فمالؤوه جميعا على ذلك.

هوان الدنيا في نفسه وعزته بدينه:

خرج ربعي ليدخل على رستم في معسكره فأظهروا الزبرج وبسطوا البسط والنمارق ولم يتركوا شيئا ووضع لرستم سرير الذهب وألبس زينته من الأنماط والوسائد المنسوجة بالذهب وأقبل ربعي يسير على فرس له زباء قصيرة معه سيف له مشوف وغمده لفافة ثوب خلق ورمحه معلوب بقد معه حجفة من جلود البقر على وجهها أديم أحمر مثل الرغيف ومعه قوسه ونبله فلما غشي الملك وانتهى إليه وإلى أدنى البسط قيل له انزل فحملها على البساط فلما استوت عليه نزل عنها وربطها بوسادتين فشقهما ثم أدخل الحبل فيهما فلم يستطيعوا أن ينهوه وإنما أروه التهاون وعرف ما أرادوا فأراد استحراجهم وعليه درع له كأنها أضاة ويلمقه عباءة بعيره قد جابها وتدرعها وشدها على وسطه بسلب وقد شد رأسه بمعجرته وكان أكثر العرب شعرة ومعجرته نسعة بعيره ولرأسه أربع ضفائر قد قمن قياما كأنهن قرون الوعلة فقالوا ضع سلاحك فقال إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم أنتم دعوتموني فإن أبيتم أن آتيكم كما أريد رجعت فأخبروا رستم فقال ائذنوا له هل هو إلا رجل واحد فأقبل يتوكأ على رمحه وزجه نصل يقارب الخطو ويزج النمارق والبسط فما ترك لهم نمرقة ولا بساطا إلا أفسده وتركه منهتكا مخرقا فلما دنا من رستم تعلق به الحرس وجلس على الأرض وركز رمحه بالبسط فقالوا ما حملك على هذا قال إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه.

أثره في الآخرين دعوته وتعليمه:

ولما سأله رستم عن سبب مجيء المسلمين إلى الفرس فقال لهم الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دوننا ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله قال وما موعود الله قال الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقي فقال رستم: قد سمعت مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا قال نعم كم أحب إليكم أيوما أو يومين قال لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا وأراد مقاربته ومدافعته فقال إن مما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل به أئمتنا ألا نمكن الأعداء من آذاننا ولا نؤجلهم عند اللقاء أكثر من ثلاث فنحن مترددون عنكم ثلاثا فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل اختر الإسلام وندعك وأرضك أو الجزاء فنقبل ونكف عنك وإن كنت عن نصرنا غنيا تركناك منه وإن كنت إليه محتاجا منعناك أو المنابذة في اليوم الرابع ولسنا نبدؤك فيما بيننا وبين اليوم الرابع إلا أن تبدأنا أنا كفيل لك بذلك على أصحابي وعلى جميع من ترى قال أسيدهم أنت قال لا ولكن المسلمين كالجسد بعضهم من بعض يجير أدناهم على أعلاهم فخلص رستم برؤساء أهل فارس فقال ما ترون هل رأيتم كلاما قط أوضح ولا أعز من كلام هذا الرجل قالوا معاذ الله لك أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك لهذا الكلب أما ترى إلى ثيابه فقال ويحكم لا تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة إن العرب تستخف باللباس والمأكل ويصونون الأحساب ليسوا مثلكم في اللباس ولا يرون فيه ما ترون وأقبلوا إليه يتناولون سلاحه ويزهدونه فيه فقال لهم هل لكم إلى أن تروني فأريكم فأخرج سيفه من خرقه كأنه شعلة نار فقال القوم اغمده فغمده ثم رمى ترسا ورموا حجفته فخرق ترسهم وسلمت حجفته فقال: يا أهل فارس إنك عظمتم الطعام واللباس والشراب وإنا صغرناهن ثم رجع إلى أن ينظروا إلى الأجل.

من كلماته:

وقف ربعي بن عامر ليحرض الناس على القتال فقال: إن الله هداكم للإسلام وجمعكم به وأراكم الزيادة وفي الصبر الراحة فعودوا أنفسكم الصبر تعتادوه ولا تعودوها الجزع فتعتادوه، وولاه الأحنف لما فتح خراسان على طخارستان. ولم يذكر شيء عن وفاته.

المراجع: الإصابة في تمييز الصحابة - البداية والنهاية - تاريخ الطبري.
عي بن عامر

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 10:21 PM
خبيب بن عدي



هو خبيب بن عدي بن مالك الأوسي الأنصاري الشهيد، شهد بدرًا وأحدًا...

أهم ملامح شخصيته:

الجمع بين العلم والجهاد:

جاء رجال قبيلة عضل ورجال قبيلة القارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلاماً فابعث معنا نفراً من أصحابك يفهمونا في الدين، ويقرؤنا القرآن، ويعلمونا شرائع الإسلام فبعث رسول اله صلى الله عليه وسلم ستة من أصحابه وهم: مرثد ابن أبي مرثد الغنوي وهو أمير القوم، وخالد بن البكير الليثي وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وعبد الله بن طارق...

الوفاء وعدم الغدر:

لما انطلق المشركون بخبيب وزيد وباعوهما بمكة، اشترى خبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر فمكث عندهم أسيراً حتى إذا أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث يستحد بها فأعارته قالت فغفلت عن صبي لي قدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه فلما رأيته فزعت فزعه عرف ذلك من وف يده الموسى قال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله...

يحب الصلاة حتى عند الموت:

فلما خرجوا به ليقتلوه وقد نصبوا خشبة ليصلبوه فانتهى إلى التنعيم فقال إن رأيتم أن تدعوني أركع ركعتين: فقالو: دونك فصلى ثم قال والله لولا أن تظنوا إنما طوزعتة جزعاً من القتل لاستكثرت من الصلاة فكان أول من سن الصلاة عند القتل...

الثبات رغم المساومة:

تقول مارية مولاة حجير بن أبي إهاب حبس خبيب في بيتي ولقد اطلعت عليه وإن في يده لقطفاً من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه " ويحتمل أن كل من مارية وزينب قد رأت القطف في يده يأكله وما بمكة يومئذ من العنب رزق رزقه الله خبيباً. فلما خرجوا به من الحرم إلى التنعيم ليقتلوه جعلوا يساومونه على إيمانه لكنهم كانوا كمن يحاول اقتناص الشمس برمية نبل.. أجل كان إيمان خبيب كالشمس قوة ونوراً..

أثره في الآخرين:

ما أصدق ما قيل: عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل، لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم خبيبًا مع بعض أصحابة دعاة إلى الله ليعلموا الناس ويدعوهم إلى الإسلام، ولكن القوم غدروا بهم، فوقع أجرهم على الله، وكان خبيب رضي الله عنه ممن أسر ثم صلب بعد ذلك فكان استشهاده من أكثر المواقف تأثيرًا وتعليمًا للمسلمين فن الفداء والتضحية في سبيل الله والذود عن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

قال سعيد بن عامر بن حذيم شهدت مصرع خبيب وقد بضعت قريش لحمه ثم حملوه على جذعة فقالو: أتحب أن محمداً مكانك؟ فقال والله ما أحب أني في أهلي وأن محمداً شيك بشوكة.

مناقبه وكراماته:

لما وضعه حجير عند مولاة له يقال لها مارية ليقتله، وحدثت بعد أن أسلمت، فقالت: كان خبيب عندي، حبس في بيتي، فلقد أطلعت عليه يوماً وإن في يده لقطفاً من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه، وما أعلم في أرض الله عنباً...

بعض كلماته:

ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصري

وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممـزع

وفاته:

قال ابن إسحاق: قال عاصم: ثم خرجوا بخبيب حتى جاؤوا به إلى التنعيم ليصلبوه، وقال لهم إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا قالوا: دونك فاركع فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم فقال أما والله لولا أن تظنوا أني أنما طولت جزعاً من القتل لاستكثرت من الصلاة، قال: فكان خبيب أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين قال: ثم رفعوه على خشبة فلما أوثقوه قال: اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة بما يصنع بنا، ثم قال: اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً ثم قتلوه. وكان معاوية بن أبي سفيان يقول أحضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان فلقد رأيته يلقيني على الأرض فرقاً من دعوة خبيب وكانوا يقولون إن الرجل إذا دعى عليه فاضطجع لجنبه زالت عنه، وكان ذلك في العام الرابع الهجري، وأوحى الله إلى رسوله ماحدث لخبيب، فبعث عمرو بن أمية الضمري لينزله من خشبة الصلب: فجاءه ورقى إلى الخشبة متخوفاً من العيون وأطلقه فوسَّدَ جثمانه على الأرض، ثم يقول عمرو بن أمية: فالتفت فلم أر شيئاً فكأنما ابتلعته الأرض ولم يعثر على جثمانه بعد ذلك. وكان أول من صُلب في ذات الله وأول من سنّ الصلاة قبل الموت صبراً...

من مراجع البحث:

الإصابة في تمييز الصحابة............. ابن حجر

البداية والنهاية......................... ابن كثير

فرسان النهار من الصحابة الأخيار.... د. سيد بن حسين العفاني

سعود بن عبدالله
06-08-2010, 10:56 PM
خباب بن الأرت


هو خباب بن الأَرَتّ بن جندلة التميمي، ويقال الخزاعي أبو عبد الله، سُبِي في الجاهلية فبيع في مكة، فكان مولى أم أنمار الخزاعية، حالف بني زهرة، وكان من السابقين الأولين.



حاله في الجاهلية
دفعت أم أنمار غلامها إلى أحد الحدادين في مكة ليعلمه صناعة السيوف، فما أسرع أن أتقن الغلام الصنعة، وتمكّن منها أحسن تمكن. ولما اشتد ساعد خباب وصلب عوده استأجرت أم أنمار دكانًا، واشترت له عدة، وجعلت تستثمر مهارته في صنع السيوف. لم يمضِ غير قليل على خباب حتى شهر في مكة، وجعل الناس يقبلون على شراء سيوفه؛ لما كان يتحلى به من الأمانة والصدق وإتقان الصنعة.



وكان خباب -على حداثة سنِّه- يتحلى بعقل الكلمة وحكمة الشيوخ؛ فكان كثيرًا ما يفكر في هذا المجتمع الجاهلي الذي غرق في الفساد من أخمص قدميه إلى قمة رأسه، راجيًا أن يرى بعينه مصرع الظلام، ومولد النور.



إسلامه
لم يطل انتظار خباب كثيرًا، فقد ترامى إليه أن خيطًا من نور قد تألق من فم فتى من خيرة بني هاشم، يُدعى محمد بن عبد الله، فمضى إليه وسمع منه فغمره سناه، فبسط يده إليه وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فكان سادس ستة أسلموا على ظهر الأرض. وقد أسلم خبابقبل أن يدخل رسول اللهدار الأرقم.



أثر الرسول في تربيته
روى البخاري بسنده عن خبابقال: أتيت النبيوهو متوسد بُرْدَةً وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله. فقعد وهو محمر وجهه، فقال: "لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ".



وفي البخاري أيضًا عن قيس قال: أتينا خباب بن الأرتنعوده وقد اكتوى سبعًا، فقال: لولا أن رسول اللهنهانا أن ندعو بالموت لدعوت به.



أهم ملامح شخصيته
جرأته
لم يكتم خبابإسلامه عن أحد، فما لبث أن بلغ خبره أم أنمار فاستشاطت غضبًا وتميزت غيظًا، وصحبت أخاها "سباع بن عبد العزى" ولحق بهما جماعة من فتيان خزاعة ومضر جميعًا إلى خباب، فوجدوه منهمكًا في عمله، فأقبل عليه "سباع" وقال: لقد بلغنا عنك نبأ لم نصدقه. فقال خباب: وما هو؟ فقال سباع: يشاع أنك صبأت، وتبعت غلام ابن هاشم. فقال خباب في هدوء: ما صبأت، وإنما آمنت بالله وحده لا شريك له، ونبذت أصنامكم، وشهدت أن محمدًا عبد الله ورسوله.



فما أن لامست كلمات خباب مسامع "سباع" ومن معه حتى انهالوا عليه، وجعلوا يضربونه بأيديهم ويركلونه بأقدامهم، ويقذفونه بما يصلون إليه من المطارق وقطع الحديد، حتى هَوَى على الأرض فاقد الوعي والدماء تنزف منه.



ثباته على الإسلام وصبره
ومع كل ما تعرض له من التعذيب الشديد على يد مشركي مكة، فإنهثبت على الحق كالجبال، ورفض جميع أنواع الإغراءات ليرتد عن دينه؛ يروي البخاري بسنده عن خبابقال: كنت قَيْنًا بمكة، فعملت للعاص بن وائل السهمي سيفًا، فجئت أتقاضاه، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد. قلت: لا أكفر بمحمدحتى يميتك الله ثم يحييك. قال: إذا أماتني الله ثم بعثني ولي مال وولد. فأنزل الله: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 77، 78].



خوفه وتقواه
وقد اغتنى خبابفي الشطر الأخير من حياته بعد فقر، وملك ما لم يكن يحلم به من الذهب والفضة، غير أنه تصرف في ماله على وجه لا يخطر ببال أحد؛ فقد وضع دراهمه ودنانيره في موضع بيته، يعرفه ذوو الحاجات من الفقراء والمساكين، ولم يشدد عليه رباطًا، ولم يحكم عليه قفلاً، فكانوا يأتون داره ويأخذون منه ما يشاءون دون سؤال أو استئذان. ومع ذلك فقد كان يخشى أن يحاسب على ذلك المال وأن يعذب بسببه.



بعض المواقف من حياته مع الرسول
عن عبد الله بن خباب بن الأَرَتّ عن أبيه -وكان قد شهد بدرًا مع رسول الله-: أنه راقب رسول اللهالليلة كلها حتى كان مع الفجر، فلما سلم رسول اللهمن صلاته، جاءه خباب فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت نحوها. فقال رسول الله: "أجل، إنها صلاة رغب ورهب، سألت ربيفيها ثلاث خصال، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا فأعطانيها، وسألت ربيأن لا يظهر علينا عدوًّا من غيرنا فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يلبسنا شيعًا فمنعنيها".



مع الصحابة
دخل خباب بن الأرتعلى عمر بن الخطابفأجلسه على متكئه وقال: ما على الأرض أحد أحق بهذا المجلس من هذا إلا رجل واحد. قال له خباب: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: بلال. فقال خباب: ما هو بأحق مني؛ إن بلالاً كان له في المشركين من يمنعه الله به، ولم يكن لي أحد يمنعني، فلقد رأيتني يومًا أخذوني فأوقدوا لي نارًا، ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري، فما اتّقيت الأرض إلا بظهري. قال: ثم كشف عن ظهره، فإذا هو قد برص.



أثره في الآخرين
أثر خباب في إسلام عمر
كان خباب بن الأرتيختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن، فخرج عمريومًا متوشحًا سيفه يريد قتل رسول الله، فذكروا له أنهم اجتمعوا في بيت عند الصفا، فلقيه نعيم بن عبد الله فأخبره بإسلام أخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو، فرجع عمر عامدًا إلى أخته وزوجها وعندهما خباب بن الأرتمعه صحيفة فيها "طه" يقرئهما إياها، فلما سمعوا صوت عمر تغيَّب خبابفي بعض البيت، فأخبرهما بما سمع وبطش بزوج أخته سعيد بن زيد، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجَّها، فلما فعل ذلك قالت له أخته وزوجها: نعم، لقد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك. فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع، وطلب من أخته الصحيفة ليقرأها، فأمرته أن يغتسل حتى تعطيه الصحيفة، فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها "طه" فقرأها، فلما قرأ منها صدرًا، قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه!



فلما سمع ذلك خباب بن الأرتخرج إليه فقال له: والله يا عمر، إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه، فإني سمعته أمسِ وهو يقول: "اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب"، فاللهَ الله يا عمر. فقال عند ذلك: فدلني يا خباب على محمدٍ حتى آتيه فأسلم. فقال له خباب: هو في بيت عند الصفا، معه نفر من أصحابه. وذهب عمروأسلم.



وفاته
تُوفِّي خباببالكوفة سنة سبع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وصلى عليه علي بن أبي طالبحين منصرفه من صفين، ثم وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعلى قبره قائلاً: رحم الله خبابًا، فلقد أسلم راغبًا، وهاجر طائعًا، وعاش مجاهدًا

سعود بن عبدالله
07-08-2010, 01:46 AM
خالد بن الوليد


اسمه وحال والده وأمه
هو أبو سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة، ينتهي نسبه إلى مرة بن كعب بن لؤي الجد السابع للنبيوأبي بكر الصديق. وأمه هي لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، كان مظفرًا خطيبًا فصيحًا، يشبه عمر بن الخطابفي خلقه وصفته.



أما أبوه فهو عبد شمس الوليد بن المغيرة المخزومي، وكان ذا جاه عريض وشرف رفيع في قريش، وكان معروفًا بالحكمة والعقل. وكان "الوليد" خصمًا عنيدًا للإسلام والمسلمين، وكان شديد النكاية بالرسول، حتى إذا مضى عن الدنيا خلف وراءه الحقد في نفوس أبنائه.



وفي هذا الجو المترف المحفوف بالنعيم نشأ "خالد بن الوليد"، وتعلم الفروسية كغيره من أبناء الأشراف، ولكنه أبدى نبوغًا ومهارة في الفروسية منذ وقت مبكر، وتميز على جميع أقرانه. كما عُرف بالشجاعة والجَلَد والإقدام، والمهارة وخفة الحركة في الكرّ والفرّ.



خالد قبل الإسلام
وكان خالد -كغيره من أبناء قريش- معاديًا للإسلام ناقمًا على النبيوالمسلمين الذين آمنوا به وناصروه، بل كان شديد العداوة لهم، شديد التحامل عليهم، ومن ثَمَّ فقد كان حريصًا على محاربة الإسلام والمسلمين، وكان في طليعة المحاربين لهم في كل المعارك التي خاضها الكفار والمشركون ضد المسلمين، وكان له دور بارز في إحراز النصر للمشركين على المسلمين في غزوة أُحد.



إسلامه
في عمرة القضاء قال النبيللوليد بن الوليدأخيه: "لو جاء خالد لقدّمناه". فكتب "الوليد"إلى "خالد" يرغِّبه في الإسلام، ويخبره بما قاله رسول اللهفيه، فكان ذلك سبب إسلامه وهجرته. وقد سُرَّ النبيبإسلام خالد، وقال له حينما أقبل عليه: "الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً رجوت ألاَّ يسلمك إلا إلى خير". وقد أسلم خالدفي (صفر 8هـ/ يونيو 629م)، أي قبل فتح مكة بستة أشهر فقط، وقبل غزوة مؤتة بنحو شهرين.



سيف الله في مؤتة
كانت أولى حلقات الصراع بين خالد والمشركين -بعد التحول العظيم الذي طرأ على حياة خالد وفكره وعقيدته- في (جمادى الأولى 8هـ/ سبتمبر 629م) حينما أرسل النبيسرية الأمراء إلى "مؤتة" للقصاص من قتلة "الحارث بن عمير" رسولِهِ إلى صاحب بُصْرَى.



وجعل النبيعلى هذا الجيش "زيد بن حارثة"، ومن بعده "جعفر بن أبي طالب"، ثم "عبد الله بن رواحة" (رضي الله عنهم جميعًا)، فلما التقى المسلمون بجموع الروم، استشهد القادة الثلاثة الذين عيَّنهم النبي، وأصبح المسلمون بلا قائد، وكاد عقدهم ينفرط وهم في أوج المعركة، وأصبح موقفهم حرجًا، فاختاروا "خالدًا"قائدًا عليهم.



واستطاع "خالد" بحنكته ومهارته أن يعيد الثقة إلى نفوس المسلمين بعد أن أعاد تنظيم صفوفهم، وقد أبلى "خالد" في تلك المعركة بلاءً حسنًا؛ فقد اندفع إلى صفوف العدو يُعمِل فيهم سيفه قتلاً وجرحًا حتى تكسرت في يده تسعة أسياف، حتى إذا ما أظلم الليل غيَّر "خالد" نظام جيشه، فجعل مقدمته مؤخرته، ووضع من بالمؤخرة في المقدمة، وكذلك فعل بالميمنة والميسرة، وأمرهم أن يحدثوا جلبةً وضجيجًا، ويثيروا الغبار حتى يتوهم جيش الروم أن المدد قد جاءهم بليلٍ، ولهذا لما طلع النهار لم يجرؤ الروم على مطاردة المسلمين؛ مما سهّل على خالدمهمة الانسحاب بأمان، وقد اعتبر رسول اللهذلك فتحًا من الله على يد خالد.



فقد أخبر النبيأصحابه باستشهاد الأمراء الثلاثة، وأخبرهم أن خالدًاأخذ اللواء من بعدهم، وقال عنه: "اللهم إنه سيف من سيوفك، فأنت تنصره". فسمِّي خالد"سيف الله" منذ ذلك اليوم.



خالد والدفاع عن الإسلام
حينما خرج النبيفي نحو عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار لفتح "مكة" في (10 من رمضان 8هـ/ 3 من يناير 630م)، جعل النبيخالدًاعلى أحد جيوش المسلمين الأربعة، وأمره بالدخول من "اللِّيط" في أسفل مكة، فكان خالدهو أول من دخل من أمراء النبي، بعد أن اشتبك مع المشركين الذين تصدوا له وحاولوا منعه من دخول البيت الحرام، فقتل منهم ثلاثة عشر مشركًا، واستشهد ثلاثة من المسلمين، ودخل المسلمون مكة -بعد ذلك- دون قتال.



وبعد فتح مكة أرسل النبيخالدًا في ثلاثين فارسًا من المسلمين إلى "بطن نخلة" لهدم "العزى" أكبر أصنام قريش وأعظمها لديها. ثم أرسله -بعد ذلك- في نحو ثلاثمائة وخمسين رجلاً إلى "بني جذيمة" يدعوهم إلى الإسلام، ولكن "خالدًا"-بما عُرف عنه من البأس والحماس- قتل منهم عددًا كبيرًا، برغم إعلانهم الدخول في الإسلام؛ ظنًّا منه أنهم إنما أعلنوا إسلامهم لدرء القتل عن أنفسهم، وقد غضب النبيلما فعله خالد وقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد"، وأرسل عليَّ بن أبي طالب لدفع دية قتلى بني جذيمة. ولقد أخطأ خالدفي ذلك متأوِّلاً، وليس عن قصد أو تعمد.



سيف على أعداء الله
ظل خالديحظى بثقة النبي؛ لذا فقد ولاه إمارة عدد كبير من السرايا، وجعله على مقدمة جيش المسلمين في العديد من جولاتهم ضد الكفار والمشركين؛ ففي "غزوة حنين" كان خالدعلى مقدمة خيل "بني سليم" في نحو مائة فارس، خرجوا لقتال قبيلة "هوازن" في (شوال 8هـ/ فبراير 630م)، وقد أبلى فيها "خالد"بلاءً حسنًا، وقاتل بشجاعة، وثبت في المعركة بعد أن فرَّ من كان معه من "بني سليم"، وظل يقاتل ببسالة وبطولة حتى أثخنته الجراح البليغة، فلما علم النبيبما أصابه، سأل عن رَحْلِه ليعوده. ولكن هذه الجراح البليغة لم تمنع خالدًاأن يكون على رأس جيش المسلمين حينما خرج إلى الطائف لحرب "ثقيف" و"هوازن".



ثم بعثه النبي-بعد ذلك- إلى "بني المصطلق" سنة (9هـ/ 630م)؛ ليقف على حقيقة أمرهم، بعدما بلغه أنهم ارتدوا عن الإسلام، فأتاهم "خالد"ليلاً، وبعث عيونه إليهم، فعلم أنهم على إسلامهم، فعاد إلى النبي، فأخبره بخبرهم.



وفي (رجب 9هـ/ أكتوبر 630م) أرسل النبيخالدًا في أربعمائة وعشرين فارسًا إلى "أكيدر بن عبد الملك" صاحب "دومة الجندل"، فاستطاع "خالد"أسر "أكيدر"، وغنم المسلمون مغانم كثيرة، وساقه إلى النبي، فصالحه على فتح "دومة الجندل"، وأن يدفع الجزية للمسلمين، وكتب له النبيكتابًا بذلك.



وفي (جمادى الأولى 1هـ/ أغسطس 631م) بعث النبيخالدًاإلى "بني الحارث بن كعب" بنجران في نحو أربعمائة من المسلمين، ليخيِّرهم بين الإسلام أو القتال، فأسلم كثير منهم، وأقام خالدفيهم ستة أشهر يعلِّمهم الإسلام وكتاب الله وسُنَّة نبيه، ثم أرسل إلى النبييخبره بإسلامهم، فكتب إليه النبييستقدمه مع وفد منهم.



يقاتل المرتدين ومانعي الزكاة
بعد وفاة النبيشارك خالدفي قتال المرتدين في عهد أبي بكر الصديق، فقد ظن بعض المنافقين وضعاف الإيمان أن الفرصة قد أصبحت سانحة لهم -بعد وفاة النبي- للانقضاض على هذا الدين؛ فمنهم من ادَّعى النبوة، ومنهم من تمرد على الإسلام ومنع الزكاة، ومنهم من ارتدَّ عن الإسلام، وقد وقع اضطراب كبير، واشتعلت الفتنة التي أحمى أوارها وزكّى نيرانها كثير من أعداء الإسلام.



وقد واجه الخليفة الأول تلك الفتنة بشجاعة وحزم، وشارك خالد بن الوليدبنصيب وافر في التصدي لهذه الفتنة والقضاء عليها، حينما وجّهه أبو بكر لقتال طليحة بن خويلد الأسدي، وكان قد تنبَّأ في حياة النبيحينما علم بمرضه بعد حجة الوداع، ولكن خطره تفاقم وازدادت فتنته بعد وفاة النبيوالتفاف كثير من القبائل حوله، واستطاع خالد أن يُلحِق بطليحة وجيشه هزيمة منكرة، فرَّ "طليحة" على إثرها إلى الشام، ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه. وبعد فرار طليحة راح خالد يتتبع فلول المرتدين، فأعمل فيهم سيفه حتى عاد كثير منهم إلى الإسلام.



القضاء على فتنة مسيلمة الكذاب
كان أبو بكرقد أرسل عكرمة بن أبي جهللقتال مسيلمة، ولكنه هزم، فأرسل له أبو بكر شرحبيل بن حسنة، وزادت المصيبة ثقلاً على المسلمين عندما هزموا مرةً ثانية؛ مما رفع من الروح المعنوية لأتباع "مُسَيْلمة الكذَّاب"، وتعاظمت ثقتهم بالنصر، فلم يَرَ أبو بكرٍ بُدًّا من إرسال سيف الله المسلول خالد بن الوليدإليهم. ومن البطاح إلى "اليمامة" خرج خالدلقتال مسيلمة الكذاب الذي كان من أشد أولئك المتنبِّئين خطرًا، ومن أكثرهم أعوانًا وجندًا.



والتقى الجمعان بـ"عقرباء"، ودارت معركة عنيفة بين الجانبين، قاد مسيلمة قواته التي تزيد على الأربعين ألف مقاتل لمجابهة خالد الذي لم تكن قواته تزيد على ثلاثة عشر ألف مجاهد في سبيل الله، ودارت رحى معركة عنيفة، وازدادت أعداد القتلى، وثبت "مسيلمة" رغم كثرة أعداد القتلى من جيشه، وأدرك خالدأنها لا تركد إلا بقتله، فبرز "خالد" حتى إذا كان أمام الصفوف دعا إلى المبارزة، فجعل لا يبارز أحدًا إلا أرداه قتيلاً، حتى دنا من "مسيلمة" فأرهقه وأدبر، ونادى مسيلمة في قومه: الحديقةَ الحديقةَ؛ فدخلوا (حديقة الموت) وأغلقوها عليهم، وأحاط المسلمون بهم، فصرخ البراء بن مالكقائلاً: يا معشر المسلمين، احملوني على الجدار اقتحم عليهم. فحملوه، وقاتلهم على الباب حتى تمكن من فتحه للمسلمين، فدخلوا، واقتتلوا قتالاً شديدًا، وأتى وحشيّ بن حربفهجم على مسيلمة بحربته، وضربه رجل من الأنصار بسيفه، فقُتل.



وهكذا انتهت المعركة بهزيمة "بني حنيفة" ومقتل "مسيلمة"، وقد استشهد في تلك الحرب عدد كبير من المسلمين بلغ أكثر من ثلاثمائة وستين من المهاجرين والأنصار، وبثَّ خالد بعد المعركة مباشرةً خيوله تطارد فلول المشركين، وتلتقط من ليس في الحصون.



فتوحات خالد في العراق
مع بدايات عام (12هـ/ 633م) بعد أن قضى أبو بكرعلى فتنة الردة التي كادت تمزق الأمة وتقضي على الإسلام، توجه الصّدّيقببصره إلى العراق يريد تأمين حدود الدولة الإسلامية، وكسر شوكة الفرس المتربصين بالإسلام.



كان المثنى بن حارثةيقاتل في العراق عندما كانت جيوش المسلمين تحارب المرتدين، وما إن انتهت حروب المرتدين بقيادة خالد، حتى أصدر الصديقأوامره لخالد بن الوليد وعياض بن غنم -رضي الله عنهما- بالتوجه إلى العراق، فتوجه خالدإلى العراق، واستطاع أن يحقق عددًا من الانتصارات على الفرس في "الأُبُلَّة" و"المذار" و"الولجة" و"أُلَّيْس"، وواصل خالد تقدمه نحو "الحيرة" ففتحها بعد أن صالحه أهلها على الجزية، واستمر خالدفي تقدمه وفتوحاته حتى فتح جانبًا كبيرًا من العراق، ثم اتجه إلى "الأنبار" ليفتحها، ولكن أهلها تحصنوا بها، وكان حولها خندق عظيم يصعب اجتيازه، ولكن خالدًا لم تعجزه الحيلة، فأمر جنوده برمي الجنود المتحصنين بالسهام في عيونهم، حتى أصابوا نحو ألف عين منهم، ثم عمد إلى الإبل الضعاف والهزيلة، فنحرها وألقى بها في أضيق جانب من الخندق، حتى صنع جسرًا استطاع العبور عليه هو وفرسان المسلمين تحت وابل من السهام أطلقه رماته لحمايتهم من الأعداء المتربصين بهم من فوق أسوار الحصن العالية المنيعة. فلما رأى قائد الفرس ما صنع خالد وجنوده، طلب الصلح، وأصبحت الأنبار في قبضة المسلمين.



في الوقت نفسه كانت الأمور على مسرح عمليات الشام تتطور بصورة خطيرة، فقد جمع الروم قوات ضخمة لمحاربة الفاتحين المسلمين، ولم يكن من بدٍّ من إرسال سيف الله المسلول إلى هناك.



الطريق إلى الشام
رأى أبو بكرأن يتجه بفتوحاته إلى الشام، إذ كان خالدقائده الذي يرمي به الأعداء في أي موضع، حتى قال عنه: "والله لأنسيَنَّ الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد". ولم يخيِّب خالدظن أبي بكرفيه، فقد استطاع أن يصل إلى الشام بسرعة بعد أن سلك طريقًا مختصرًا، مجتازًا المفاوز المهلكة غير المطروقة، متخذًا "رافع بن عمير الطائي" دليلاً له؛ ليكون في نجدة أمراء أبي بكر في الشام، فيفاجئ الروم قبل أن يستعدوا له. وما إن وصل خالدإلى الشام حتى عمد إلى تجميع جيوش المسلمين تحت راية واحدة؛ ليتمكنوا من مواجهة عدوهم والتصدي له، وكانت أول مهمة تتطلب الحل هي "تقسيم القوات"، فقد كان خالد يؤمن بنوعية المقاتل، وقدرة هذه النوعية على تحقيق التعادل ضد التفوق الكمي الذي ينفرد به أعداء المسلمين، وكان "خالد" يعرف أيضًا أن أمامه في الشام معارك حاسمة، فسار إليهم حتى وصل إلى قوات أبي عبيدة بن الجراحفي (بُصرى)، وبدأ بخطبة جيش المسلمين قائلاً: "إن هذا يوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، أخلصوا جهادكم، وأريدوا الله بعملكم؛ فإن هذا يوم له ما بعده، ولا تقاتلوا قومًا على نظام وتعبية على تساند وانتشار؛ فإن ذلك لا يحل ولا ينبغي، وإن من وراءكم لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا، فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه الرأي من واليكم ومحبته".



وقد تمكَّن خالد بن الوليدأن يلحق بالروم هزائم عديدة، حتى استطاع أن يقضي على شوكتهم تمامًا، وصارت بلاد الشام بلدًا إسلاميًّا.



خالد بين القيادة والجندية
لم ينتهِ دور خالدفي الفتوحات الإسلامية بعزل عمر له وتولية أبي عبيدةأميرًا للجيش، وإنما ظل خالديقاتل في صفوف المسلمين، فارسًا من فرسان الحرب، وبطلاً من أبطال المعارك الأفذاذ المعدودين.



وكان لهدور بارز في فتح دمشق وحمص وقِنَّسْرِين، ولم يفتّ في عضده أن يكون واحدًا من جنود المسلمين، ولم يوهن في عزمه أن يصير جنديًّا بعد أن كان قائدًا وأميرًا؛ فقد كانت غايته الكبرى الجهاد في سبيل الله، ينشده من أي موقع وفي أي مكان.



خالد بن الوليد قائدًا
لعل فن الحرب لم يعرف قائدًا تتمثل في أعماله كل مواصفات القيادي الناجح مثل خالد بن الوليد، فقد برعفي خوض المعارك، وتصميم الانتصارات، ووضع الاستراتيجيات العسكرية التي تجلب له النصر بأيسر الطرق، فمنذ جاهليته وفي عملياته الأولى، برز تفوقه في استراتيجية "الهجوم غير المباشر"، وذلك في موقعة أُحد، عندما هجم على مؤخرة جيش المسلمين، بعد أن استغل غياب الرماة.



ويمكن بعد ذلك استعراض كل أعمال خالد بن الوليد، حيث تظهر عمليات خالد على شكل مسيرات طويلة للوصول إلى مؤخرات قوات العدو أو مجنباته، وقد عبَّر خالد عن هذه الاستراتيجية عند حديثه مع دليله رافع بن عميرة، إذ قال له: "كيف لي بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم، فإني إن استقبلتها حبستني عن غياث المسلمين؟" وقد اضطر خالدفي موقعتين حاسمتين مجابهة أعدائه، كانت الأولى في حروب الردة في "موقعة اليمامة"، والأخرى في "موقعة اليرموك"، ولكن مع ذلك فقد بقي هدف خالد الدائم البحث عن وسيلة لضرب مؤخرة العدو.



كما امتازبحرصه على الانطلاق من قاعدة قوية ومأمونة، كذلك كان حرص خالدعلى بناء المجتمع الجديد بارزًا في فتوحاته، فهو لا يتعامل من منطلق كونه قائدًا عسكريًّا فحسب، وإنما هو ينشر دعوة الله، ويبلغ رسالة الإسلام إلى شعوب الأرض التي يفتحها، فلما وقف في "الحيرة" في مجتمع النصارى العرب، كان حريصًا على اجتذابهم والإحسان إليهم وتأليف قلوبهم، وكان يقول لهم: "لكم ما لنا، وعليكم ما علينا".



غيورًا على دين الله ورسوله
فعن أبي سعيد الخدريقال: بعث علي بن أبي طالبإلى رسول اللهمن اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها. قال: فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر وأقرع بن حابس وزيد الخيل، والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل؛ فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء. قال: فبلغ ذلك النبي، فقال: "ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحًا ومساء". قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كثّ اللحية، محلوق الرأس مشمر الإزار فقال: يا رسول الله، اتقِ الله. قال: "ويلك! أوَ لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟!" قال: ثم ولَّى الرجل، قال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: "لا، لعله أن يكون يصلي". فقال خالد: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله: "إني لم أُومَرْ أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم". قال: ثم نظر إليه وهو مُقَفٍّ فقال: "إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبًا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".



وفاته
لما حضرت خالد بن الوليدالوفاة قال: "لقد طلبت القتل فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عمل أرجى من لا إله إلا الله وأنا متتَرِّس بها". ثم قال: "إذا أنا مت فانظروا سلاحي وفرسي، فاجعلوه عُدَّة في سبيل الله". وقد تُوفِّي خالد بحمص في (18 من رمضان 21هـ/ 20 من أغسطس 642م).

سعود بن عبدالله
07-08-2010, 02:10 AM
حمزة بن عبد المطلب



اسمه وشرف نسبه
هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، عم رسول اللهوأخوه من الرضاعة، يقال له: أسد الله، وأسد رسوله. يكنى أبا عمارة، وهو شقيق صفية بنت عبد المطلب أم الزبير، وكان حمزةأسنَّ من رسول اللهبسنتين. له من الأبناء: عمارة، ويعلى، وأمامة، وسلمى، وفاطمة، وأمة الله.



حاله في الجاهلية
شهد حمزةحرب الفجار الثاني، وكانت بعد عام الفيل بعشرين سنة، وبعد موت أبيه عبد المطلب باثنتي عشرة سنة، ولم يكن في أيام العرب أشهر منه ولا أعظم، وتعدّ حرب الفجار أول تدريب عملي بالنسبة لحمزة، مارس فيها التدريب العملي على استخدام السلاح، وعاش في جو المعركة والحرب الحقيقية، وكان عمره آنذاك نحو اثنتين وعشرين سنة، وكان مغرمًا بالصيد والقنص، مما يدل على مهارته في الفروسية والرمي.



قصة إسلامـه
حينما أُخبر حمزة -وكان يومئذ مشركًا- أن أبا جهل اعترض لرسول اللهعند الصفا فآذاه وشتمه، خرج سريعًا لا يقف على أحدٍ كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت متعمدًا لأبي جهل أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسًا في القوم، فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه على رأسه ضربة مملوءة، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقالوا: ما نراك يا حمزة إلا صبأت. فقال حمزة: وما يمنعني وقد استبان لي ذلك منه، أنا أشهد أنه رسول الله، وأن الذي يقول حق، فوالله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين.



فلما أسلم حمزةعلمت قريش أن رسول اللهقد عزَّ وامتنع، وأن حمزةسيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا يتناولونه وينالون منه، فكان حمزة ممن أعز الله به الدين.



حمزة في غزوة بـدر
قبل نشوب المعركة، خرج أحد المشركين الأسود بن عبد الأسد وكان رجلاً شرسًا سيئ الخلق، فقال: أعاهد الله لأشربَنَّ من حوضهم أو لأهدمنه، أو لأموتن دونه. فخرج إليه حمزةفأطار قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تَشْخَب رجله دمًا، ثم حبا إلى الحوض ليبرّ يمينه، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.



وقد أبلى حمزةبلاءً عظيمًا يوم بدر، وكان يقاتل بسيفين، وقد قتل أشجع شجعان قريش، وأكثرهم إقدامًا؛ فقتل الأسود بن عبد الأسد، وقتل شيبة بن ربيعة، وشارك في قتل عتبة بن ربيعة، وهما من أشراف قريش وشجعانها، وقتل طعيمة بن عدي، وبذلك أثر أعمق الأثر في معنويات قريش، فانهارت معنوياتهم.



في بني قينقاع
لما عاد رسول اللهمن بدر، أظهرت اليهود له الحسد بما فتح الله عليه، فبغوا عليه ونقضوا عهدهم معه، فغزاهم رسول اللهوتحصنوا بحصونهم، فحاصرهم 15 ليلة فنزلوا على حكمه، فأجلاهم إلى أذرعات. وكان حمزةهو حامل لواء النبيفي هذه المعركة.



من مواقفه مع رسول الله
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: جاء حمزة بن عبد المطلبإلى رسول اللهفقال: يا رسول الله، اجعلني على شيء أعيش به. فقال رسول الله: "يا حمزة، نفس تحييها أحب إليك أم نفس تميتها". قال: بل نفس أحييها. قال: "عليك بنفسك".



في غزوة أحـد.. سيد الشهداء
لما كانت غزوة أحد، والتحم الفريقان، يذكر قاتل حمزة وَحْشِيّ: كنت غلامًا لجبير بن مطعم وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أُحد قال لي جبير: إن قتلت حمزة عم محمد بعمِّي، فأنت عتيق. قال: فخرجت مع الناس، وكنت رجلاً حبشيًّا أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلما أخطئ بها شيئًا، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق يهدّ الناس بسيفه هدًّا ما يقوم له شيء، فوالله إني لأتهيأ له أريده وأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني، إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فضربه ضربة كأنما أخطأ رأسه.

قال: وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها، دفعتها عليه فوقعت في ثُنَّته حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي، فغُلب، وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأُعتق.



فلما رأته "هند بنت عتبة" بقرت بطنهومثّلت به؛ لأنه كان قد قتل أباها في بدر. وحينما رأى رسول اللهما جرى لحمزة، حزن عليه النبيحزنًا شديدًا، وقال: "رحمك الله أي عم، فلقد كنت وصولاً للرحم، فعولاً للخيرات، فوالله لئن أظفرني الله بالقوم لأمثلَنَّ بسبعين منهم". قال: فما برح حتى نزلت: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]، فقال رسول الله: "بل نصبر". وكفّر عن يمينه، ونهى عن المُثْلة.



وكان يوم قُتل -رضي الله عنه- ابن تسع وخمسين سنة، ودفن هو وابن أخته عبد الله بن جحشفي قبر واحد.



من مناقبه
عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "دخلت الجنة البارحة فنظرت فيها فإذا جعفر يطير مع الملائكة، وإذا حمزة متكئ على سرير".



وعن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قتل حمزة بن عبد المطلبعم رسول اللهجُنُبًا، فقال رسول الله: "غسّلته الملائكة".



وعن عليقال: "إن أفضل الخلق يوم يجمعهم الله الرسل، وأفضل الناس بعد الرسل الشهداء، وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب".



بعض ما قيل في رثائه
قال عبد الله بن رواحة:

بكت عيني وحق لها بكاها *** وما يغني البكاء والعويـل



على أسد الإله غداة قالـوا *** أحـمزة ذاكم الرجل القتيل



أصيب المسلمون به جميعًا *** هناك وقد أصيب به الرسول



أبا يَعْلَى لك الأركان هدت *** وأنت الماجد البر الوصول



عليك سلام ربك في جنان *** يخالطها نعيـم لا يـزول

سعود بن عبدالله
07-08-2010, 02:27 AM
حسان بن ثابت



هو حسان بن ثابت بن المنذر النجاري الأنصاري، الشاعر، يكنى أبا الوليد وقيل يكنى أبا عبد الرحمن وقيل أبا الحسام وأمه الفريعة بنت خالد بن خنيس الأنصارية، كان يقال له: شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم...

حاله قبل الإسلام:

ولد في المدينة قبل مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بنحو ثماني سنين، عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين أخرى، شب في بيت وجاهة وشرف منصرفا إلى اللهو والشرب والغزل، فأبوه ثابت بن المنذر بن حرام الخزرجي، من سادة قومه وأشرافهم. وأمه " الفريعة " خزرجية مثل أبيه، وحسان بن ثابت ليس خزرجيا فحسب بل هو أيضا من بني النجار أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فله به صلة وقرابة.

وكانت المدينة في الجاهلية ميدانا للنـزاع بين الأوس والخزرج، تكثر فيها الخصومات والحروب، وكان قيس بن الخطيم شاعر الأوس، وحسان بن ثابت شاعر الخزرج الذي كان لسان قومه في تلك الحروب التي نشبت بينهم وبين الأوس في الجاهلية، فطارت له في البلاد العربية شهرة واسعة.

وقد اتصل حسان بن ثابت بالغساسنة، يمدحهم بشعره، ويتقاسم هو والنابغة الذبياني وعلقمة الفحل أعطيات بني غسان، فقد طابت له الحياة في ظل تلك النعمة الوارف ظلالها، ثم اتصل ببلاط الحيرة وعليها النعمان بن المنذر، فحل محل النابغة، حين كان هذا الأخير في خلاف مع النعمان، إلى أن عاد النابغة إلى ظل أبي قابوس النعمان، فتركه حسان مكرها، وقد أفاد من احتكاكه بالملوك معرفة بالشعر المدحي وأساليبه، ومعرفة بالشعر الهجائي ومذاهبه، ولقد كان أداؤه الفني في شعره يتميز بالتضخيم والتعظيم، واشتمل على ألفاظ جزلة قوية.

وهكذا كان في تمام الأهبة للانتقال إلى ظل محمد صلى الله عليه وسلم نبي الإسلام، والمناضلة دونه بسلاحي مدحه وهجائه.

إسلامه:

كان عمره عند إسلامه ستين عاماً ومما يدل على ذلك:

ما قاله ابن سعد: عاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام.

من ملامح شخصيته:

جهاده بشعره:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصب له منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله يقول: " إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وقي الصحيحين عن البراء بن عازب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت: اهجهم أو هاجهم وجبريل معك.

مواقف من حياته مع النبي صلى الله عليه وسلم:

روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت استأذن حسان النبي صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين قال كيف بنسبي فقال حسان لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين.

الرسول يهب له جارية:

أهدى المقوقس صاحب الإسكندرية ومصر مارية القبطية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هي وأختها سيرين فوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرين لحسان بن ثابت الشاعر فولدت له عبد الله بن حسان.

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اهجوا قريشاً فإنه أشد عليها من شق النبل" فأرسل إلى ابن رواحة فقال: "اهجهم" فهاجهم فلم يرض، فأرسل إلي كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه قال حسان: آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم قال: والذي بعثك بالحق لأقرينهم بلساني قرع الأديم.

مواقف من حياته مع الصحابة
موقفه مع السيدة عائشة:

كان حسان ممن وقعوا في حاديث الإفك تقول السيدة عائشة كما في البخاري بسنده عنها رضي الله عنها من حديث طويل"... وكان الذي يتكلم فيه مسطح وحسان بن ثابت والمنافق عبد الله بن أبي وهو الذي كان يستوشيه ويجمعه وهو الذي تولى كبره منهم..."

وروى أن حسان بن ثابت رضي الله عنه استأذن على السيدة عائشة رضي الله عنها بعدما كفّ بصره فأذنت له فأكرمته فلما خرج من عندها قيل لها: أهذا من القوم قالت: أليس يقول:

فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء

هذا البيت يغفر له كل ذنب.

وروى البخاري بسنده عن عروة بن الزبيرقال: ذهبت أسبُّ حسان عند عائشة فقالت: لا تسبه فإنه كان ينافح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

مع عمر بن الخطاب:

روى مسلم بسنده عن أبي هريرة أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أجب عني اللهم أيده بروح القدس قال اللهم نعم.

وشكا الزبرقانُ بن بدر الحطيئةَ أنه قال له يهجوه:

دع المكارم لا ترحل لبغيته... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى

فقال له عمر: وا أراه هجاك، أما ترضى أن تكون طاعما كاسيا، فقال يا أمير المؤمنين إنه لا يكون هجاء أشد من هذا، فبعث عمر إلى حسان بن ثابت فسأله عن ذلك فقال يا امير المؤمنين ما هجاه ولكن سلح عليه، فعند ذلك حبسه عمر وقال له: لأشغلنك عن أعراض المسلمين...

مع صفوان ابن المعطل:

وذكر أن ثابت بن قيس بن شماس أخذ صفوان حين ضرب حسان فشد وثاقاً، فلقيه عبد الله بن رواحة فقال: ما هذ؟ فقال: ضرب حسان بالسيف. فقال عبد الله هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ من ذلك؟ قال: لا. فأطلقه ثم أتو كلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن المعطل: يا رسول الله آذاني وهجاني، فاحتملني الغضب فضربته.

أثره في الآخرين
كان رضي الله عنه يجاهد المشركين بلسانه كما يجاهدهم المسلمون بالسيوف، فكان يدعو إلى الله عز وجل بشعره، ويدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهجو من يهجو رسول الله أو المسلمين.

وقد رُويت له بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عله وسلم، رواها عنه من الصحابة أبو هريرة، ومن التابعين سعيد بن المسيب وابنه عبد الرحمن، وعبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب...

بعض كلماته:

كان في شعره بعض الحكمة ومما يتمثل به قوله:

أصون عرضي عن المال لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض في المال

أحتال المال إن أودي فأكسبه ولست للعرض إن أودي بمحتال

ما قيل عنه:

قال: أبو عبيدة: واجتمعت العرب على أن أشعر أهل المدر أهل يثرب ثم عبد القيس ثم ثقيف وعلى أن أشعر أهل المدر حسان بن ثابت

وقال أيضًا: حسان بن ثابت شاعر الأنصار في الجاهلية وشاعر أهل اليمن في الإسلام وهو شاعر أهل القرى

وعن أبي عبيدة وأبي عمرو بن العلاء أنهما قالا: حسان بن ثابت أشعر أهل الحضر وقال أحدهما أهل المدر

وقال الأصمعي: حسان بن ثابت أحد فحول الشعراء.

وفاته:

قال ابن سعد: عاش في الجاهلية ستين وفي الإسلام ستين ومات وهو ابن عشرين ومائة، وقد توفي رضي الله عنه سنة 54 من الهجرة.

من مراجع البحث:

- الاستيعاب.............................. ابن عبد البر

- الإصابة في تمييز الصحابة.......... ابن حجر

- من مقال للكاتب... محمد عبد الرحمن شمسي باشا

الابتسامه المهاجرة
08-08-2010, 07:04 PM
http://www.s3udy.net/pic/thankyou002_files/8.gif

ينابيع الأمل
09-08-2010, 11:28 PM
اشكرك على الموضوع
المميز
بارك الله فيك
وسدد خُطاك