تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قصه ابكتني..فهل ستبكيكم؟



مهاجرة بإحساس
28-06-2004, 02:16 AM
في يوم ِ السبتِ جهّزَ عبدُاللهِ ملابسهُ وأغراضهُ ، وودّعَ أمّهُ العجوزَ وأخواتهِ الستِّ ، متوجّهاً إلى نزهةٍ برّيةٍ مع مجموعةٍ من أصحابهِ ، تستغرقُ يومين ِ هما يوما إجازتهِ الأسبوعيّةِ في دراستهِ الجامعيّةِ .

ألقتِ الأمُّ نظرة َ الوداع ِ عليهِ ، ولشدّةِ حبّها لهُ أخذتْ تردّدُ في نفسها قولَ يعقوبَ عليهِ السلامُ : إنّهُ ليحزُنني أن تذهبوا بهِ .

مضى اليومان ِ ولكن لم يعُدْ عبدُاللهِ إلى منزلهِ ، وحتّى رفاقهُ انقطعَ خبرهم عن أهلهم ، فمنذ ُ يومين ِ فقدَ الحيُّ ثلاثة َ من شبابهِ الغضِّ ، ولم يقفوا لهم على أثر ٍ .

بعدَ شهر ٍ : يرنُّ الهاتفُ في بيتِ عبداللهِ ، تتسابقُ للرّدِّ سبعة ُ أرواح ٍ حوّلها الانتظارُ إلى هياكلَ ودمى مليئةٍ بالألم ِ والحسرةِ ، لعلّهم يقفونَ على خبر ٍ لعبداللهِ ، بعدَ أن فقدوا الأملَ في العثور ِ عليهِ حيّاً أو ميتاً ، كانَ المُتحدّثُ عبدَاللهِ ، وأمّا اليدُ التي ظفرتْ بسمّاعةِ الهاتفِ فقد كانتْ يداً ترتعشُ وترتعدُ ، إنّها يدُ الأمُّ العجوز ِ ، والتي أخذتْ تركضُ كفتاةٍ في سنيِّ الشبابِ حينَ سماع ِ صوتِ الهاتفِ .

بدا عبدُاللهِ صارماً وحاداً في حديثهِ ، وأمّا العجوزُ فبالكادِ استطاعتْ بعدَ مضيِّ عدّةِ دقائقَ من الحديثِ معهُ ، بعدَ أن كفكفتْ دموعها والتي أخذت تهملُ فوقَ خدّها المليءِ بالتجاعيدِ ، وهدأتْ زفراتِها التي انبعثتْ من صدرِها المكلوم ِ .

فاجأها عبدُاللهِ أنّهُ و بعضُ أصدقائهِ يرغبونَ السفرَ إلى الجهادِ .

- لقد كانتْ نزهة ً قصيرة ً ، ألم تُخبرني بذلكَ ؟ .

تعلثمَ عبدُاللهِ في الرّدِّ ، وحاولَ أن يجمعَ ما يمكنهُ من أعذار ٍ ومبرّراتٍ ، لكنَّ كلماتِ أمّهِ كانتْ أعجلَ من أن يفعلَ ذلكَ .

- ثُمَّ لماذا الجهادُ ! – هكذا قالتها العجوزُ وصوتُها يتقطّعُ وفيهِ حشرجة ٌ تجمّعتْ فيها سيلُ العاطفةِ المقدّسة ِ والحُزنُ العميقُ - ، و لمَ لا تُجاهدُ فيَّ أنا وأخواتِكَ الستِّ ؟ ، فليسَ لي في هذهِ الدنيا إلا أنتَ ، فتعالَ وجاهدْ فينا ، ولا تنسَ أنَّ الجنّة َ عندَ قدمي .

قرّرَ عبدُاللهِ أن يُنهيَ المكالمة َ بعدَ أن أعيتهُ حيلتهُ أن يجدَ جواباً ورداً مُناسباً ، فتعلّلَ بأنَّ الهاتفَ مُراقبٌ ولا يستطيعُ الحديثَ أكثر من ذلكَ ، وطلبَ قبلَ إنهاءِ المُكالمةِ من أمّهِ أن تُسامحهُ وترضَ عنهُ .

بعدَ ثلاثةِ أشهر ٍ : صوتُ الهاتفِ يرنُّ ، ولكنْ بلا حماس ٍ للرّدِّ ، وبعدَ أن كانوا سبعة ً يردّونَ على الهاتفِ ويستابقونَ إليهِ تقلّصَ العددُ إلى ستٍّ نصفهنَّ نائمٌ ، وأمّا الأمُّ فقد كانَ آخرَ عهدها بالحركةِ والمشي عندَ تلكَ المُحادثة ُ الأخيرة ُ مع عبداللهِ ، وبعدَها أصابها الشللُ وأُقعدتْ عن الحركةِ .

ردتْ إحدى البناتِ بامتعاظٍ شديدٍ ، وكانتِ الدهشة ُ أنَّ المُتحدّثَ هو عبداللهِ ، فركضتْ نحوَ أمّها ومدتْ إلى أذنها بسمّاعةِ الهاتفِ .

- إنّهُ عبداللهِ يا أمّاهُ .

ولكنّهُ ليسَ عبدَاللهِ القديمُ ، إنّهُ شبحُ عبداللهِ ، وفي هذه المحادثةِ أخبرَ أمّهُ أنّهُ سوفَ يُقاتلُ الطواغيتَ وسيحرّرُ أرضهُ من اليهودِ والصليبيينَ .

كعادتهِ لم يُطِلْ عبدُاللهِ الحديثَ ، وكانتِ الفاجعة ُ أنَّ أمّهُ بدلاً من دعائها لهُ بالسلامةِ والحفظِ ، دعتْ عليهِ بالهلاكِ والويل ِ ، وقالتْ لهُ : خيّبَ اللهُ مسعاكَ في الدّنيا والآخرةِ .

سكتَ عبدُاللهِ ولم ينبسْ معها ببنتِ شفةٍ .

أصابتْهُ قشعريرة ٌ شديدة ٌ في جسمهِ ، وصُعقَ من وقع ِ الكلمةِ على نفسهِ ، وكأنّها طعناتُ خنجر ٍ مسموم ٍ أخذتْ تُمزّقُ صدرهُ الصغيرَ .

كانَ عبداللهِ يعي جيّداً ماذا يعني دعاءَ أمّهِ عليهِ ، وفي كلِّ ليلةٍ يأوي إلى فراشه ِ للنوم ِ ويتململُ عليهِ يتذّكرُ تلكَ الكلماتِ ، وتتصارعُ في رأسهِ نوازعُ الخير ِ ودواعي الشرِّ ، أينَ الخيرُ والصوابُ ؟ أمّي وبرّها ، أم صحبي وثورتُهم ؟ .

لم يكنْ يُطيقُ النظرَ إلى السماءِ ليلاً ، فقد كانتْ أمّهُ تتراءى لهُ ككوكبٍ درّيٍّ مُلتهبٍ ، وتتردّدُ في مسمعهِ دعواتُها عليهِ ، وفي كلِّ مرّةٍ يختلسُ نفسَهُ من رفاقهِ ، يذهبُ بعيداً ويبكي على حالهِ ونفسهِ ويرثي لهما .

بعدَ ستّةِ أشهر ٍ من الصراعاتِ النفسيّةِ المريرةِ ، اتصلَ عبدُاللهِ على أمّهِ ، وأخبرها أنّهُ انتصرَ على نفسهِ وذاتِهِ ، وأنّهُ سيترُكَ رفاقهُ ويعودُ للبيتِ بعدَ أيّام ٍ قليلةٍ ، ومن فرحةِ الأمِّ العجوزِ بالخبر ِ ، اقترضتْ من جارةٍ لها مبلغاً من المال ِ لتُقيمَ حفلة َ عشاءٍ بمناسبةِ عودةِ ابنِها سالماً .

بعدَ يومين ِ : رجالُ الأمن ِ يُحاصرونَ مخبأً لمجموعةِ من الشبابِ المُسلّح ِ ، وكانتِ المفاجأة ُ أنَّ عبداللهِ من بينهم .

أخذَ عبدُاللهِ زمامَ المُبادرةِ ، وصاحَ في وجهِ رفاقهِ قائلاً : سوفَ أسلّمُ نفسي ، أريدُ أن أعيشَ لو للحظةٍ واحدةٍ ترضى فيها عليَّ أمّي ، كيفَ ستكونُ خاتمتي وأمي غاضبة ٌ عليَّ ؟ .

- أريدُ أن أعيشَ ! ، هكذا حدّثَ نفسهُ في لحظةِ عتابٍ مريرةٍ ، فقد كانتْ هذه الكلماتُ هي أملهُ الوحيدُ من الدنيا ، أن يعيشَ ليرى أمّهُ ويستبيحَ منها .

لقد كانَ كلُّ شيءٍ يتآمرُ ضدّهُ ، فالوقتُ يضيقُ ويتقلّصُ ، والجنودُ المُدجّجونَ بالسلاح ِ ينتظرونَ في الخارج ِ لحظة َ الهجوم ِ عليهم ، وأمّا أصحابهُ فقد تحزّموا بالأحزمةِ الناسفةِ ، وتجهّزوا لوداع ِ الدّنيا ، فهم لا يرونَ الحياة َ إلا موتاً ، وأمّا هو فلا يرى في وجههِ أينما توجّهَ إلا صورة َ أمّهُ العجوز ِ ، وهي متجهّزة ٌ تنتظرُ عودتهُ بفارغ ِ الصبر ِ .

الوقتُ يمضي سريعاً وسريعاً جداً .

قرّرَ عبدُاللهِ أن يتقدّمَ أخيراً ، فأخذَ يمشي واثقَ الخُطا نحوَ البوّابةِ ليُسلّمَ نفسهُ ، بعدَ أن سمعَ النداءاتِ المُتكرّرة َ بأنَّ من يُسلمُ نفسهُ سوفَ ينجو ويُعفى عنهُ ، وهو في طريقهِ إلى البوّابةِ ، كانَ أصحابهُ قد جهّزوا الفتوى بإباحةِ دمهِ ، حتّى لا يُعطيَ رجالَ الأمن ِ أسرارهم ، وقبلَ وصولهِ للبوّابةِ خرجتْ رصاصة ٌ غادرة ٌ من فوّهةِ إحدى البندقيّاتِ ، واستقرتْ في صدر ِ عبدِاللهِ .

لقد ماتَ برصاصةٍ من سلاح ٍ عبأهُ هو شخصياً .

بعدَ قليل ٍ : الهاتفُ يرنُّ في بيتِ عبدِاللهِ ، أخواتهُ يستابقنَ كالفراشاتِ نحوَ السمّاعةِ ، بعدَ أن أخذنَ زينتهنَّ وهنَّ ينتظرنَ خبرَ عودتهِ للبيتِ ، رفعتْ إحداهنَّ السمّاعة َ ، وكانتْ أمّها تنظرُ إلى شفتها وقد تعلقتْ حياتُها بها ، وفجأة تضائلَ وجهُ الفتاةِ وأخذ َ يذبلُ ويذوي ، وصرختْ صرخة ً بدّدتْ سكونَ البيتِ : عبدُاللهِ ماتَ ! .

في اليوم ِ التالي : أقيمَ سُرداقُ العزاءِ ونُصبتْ خيمتهُ وأضيئتْ أنوراهُ ، وجاءَ المعزّونَ يُعزّونَ في عبداللهِ وفي أمّهِ العجوز ِ أيضاً ، والتي كانتْ قد لفظتْ أنفاسها بعد آخر ِ شهقةٍ شهقتها حينَ سمعتْ نبأ موتِ وحيدِها .

دمتم بخير ٍ .

الرئيسة
28-06-2004, 11:45 AM
جزاك الله خير الجزاء


قصة رائعة ومعبرة


وبارك الله فيك

مهاجرة بإحساس
28-06-2004, 08:06 PM
تسلمين اختي الرئيسه..
تحيتي لك..

مجروحة الزمن
29-06-2004, 02:40 AM
فعلا قصه معبره جدا

مشكوره اختي عسل الجنوب

وجزاك الله خيرا

سلامي لك

مهاجرة بإحساس
29-06-2004, 05:25 AM
مجروحه انا بعبوعه
تسلمين عيوني على الرد ..

ziko
30-06-2004, 02:11 AM
مشكورة اختي على الموضوع اخوك ziko
ولك الشكر
جزاك الله خير

ورده
30-06-2004, 08:34 AM
بارك الله فيك اختي وحده بايعتها
فعلا قصه تبكي لها العيون
جزاك الله خير

تحياتي

صدى الآهات
30-06-2004, 10:44 AM
أختي وحده بايعتها

شكراً لكِ من القلب

وتحية لكِ على هذا الإختيار

تحياتي

مهاجرة بإحساس
30-06-2004, 05:48 PM
اخووووووووي زيكو..
الف شكر على مرورك..
تقبل تحيتي..

مهاجرة بإحساس
30-06-2004, 05:49 PM
ورده تسلمين عيوني
من جد انا بكيت عليها ..

تقبلي تحيتي..

مهاجرة بإحساس
30-06-2004, 05:51 PM
العفو خيو صدى..
اشكر لك مرورك وتعقيبك على المووضوع..
تقبلي تحيتي..

صائد الطرائد
02-07-2004, 02:10 PM
جزاك الله خير

مهاجرة بإحساس
02-07-2004, 08:10 PM
واياك اخوي الرائد
تحيتي لك,,

مازن
03-07-2004, 11:41 PM
بالفعل قصة معبرة للناس

مشكووووووور الف الف شكر على هالموضوع يابع بع على هالموضوع

وجزاك الله خير


تحياتي الخالصة لك

مهاجرة بإحساس
07-07-2004, 08:28 PM
العفو اخوي وليف..

تحيتيي..

سعد النخيش
07-07-2004, 09:39 PM
انا لله وانا اليه راجعون
الله يكون في عون العجوز المسكينه

مشكوره اختي علي القصه المؤثره