المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحث بعنوان الرسائل النبوية



mosbtan
06-01-2010, 11:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، والصلاة والسلام علي سيدنا محمد المصطفى رسول الله وخير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن اتبعه واقتداه ... أما بعد:
فإن موضوع الرسائل النبوية المخطوطة لتمثل بحق موسوعة علمية جديرة بالاحترام والتقدير والدراسة ، وقد كان من أسباب اختياري لهذا الموضوع بعد التكليف من أستاذ المادة حبي الشديد لمعرفة تلك الرسائل المخطوطة وصفاتها وخصائص كتابتها ، وكذلك معرفة هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في مخاطبة الآخرين ، ولعل من أهم أهدافي في البحث معرفة اهتمام الإسلام بالكتابة منذ فجر الإسلام ، وبيان أثر ذلك في انتشار الكتابة وتطورها ، وكذلك هدفت إلى معرفة أهم الخطوات العملية التي عملها النبي – صلى الله عليه وسلم – في نشر الكتابة ، وكذلك من أهدافي دراسة نصوص تلك الرسائل ، وتتبع رسم بعض حروفها ، ووصف أشكالها وما غير ذلك من المسائل المتعلقة بالرسائل النبوية المخطوطة.
وجمعت معلوماتي عن طريق الاستعارة من الجامعة وتصوير بعض أجزاء من الكتب التي ناقشت موضوع البحث ، ورتبت المعلومات بطريقة السرد التاريخي وطريقة عرضها تعتمد على طريقة الوصف والتحليل مع التعقيب أحياناً بإبداء وجهات النظر الشخصية.
وسوف أتناول – إن شاء الله – في هذا البحث الفصول الآتية:-
الفصل الأول: الكتابة العربية الإسلامية في عصر النبوة.
وسوف أناقش في هذا الفصل ما يأتي:-
1. عرضاً تاريخياً عن اهتمام الإسلام بالكتابة منذ فجر الإسلام ، وبيان أثر ذلك في انتشار الكتابة وتطورها ، مع بيان الآيات والأحاديث النبوية التي تشجع على الكتابة.
-عندما جاء الإسلام اجتمعت القوى المنتشرة في جزيرة العرب على مركز واحد ، وتشكلت في دولة ذات نظام وإدارات منضبطة ، وقامت بينها وبين الممالك المجاورة – كفارس وبيزنطة ومستعمراتها – علاقات سياسية ، ولم يمض على تلك الدولة عشرة أعوام أخر إلا وقد تسلطت على بلاد العجم والعراق وسوريا وفلسطين ومصر وغيرها ، فكانت هذه الحالة تدعو إلى كتابة "كتب" تعبر عن تلك العلاقات السياسية ولا يقال إن الرواية الشفوية هي وحدها التي اعتمد عليها في أوائل الإسلام(1) ، إذ أن المسلمين قد أمروا أن يكتبوا جميع ما فيه من حقوق العباد ويستشهدوا عليه فإن "ذلك أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا" ومن ثم كتب النبي – صلى الله عليه وسلم – جميع المخالفات والمعاهدات مع القبائل والملوك سوى ما كتب إليهم من المراسلات ... ويقال إن أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – كانت عنده نسخ العهود والمواثيق ملء صندوق ، لكنها اخترقت حين احترق الديوان يوم الجماجم سنة 82هـ ، والذي بقي بعد ذلك قضت عليه حروف الزمن وغارة التتار.(1)
ولم تصل إلينا كتابات من زمن الجاهلية المتأخرة ، ومن المحتمل العثور على بعضها إذا أجريت حفريات في مكة وجبالها وضواحيها ... وقد ذكر صاحب الفهرست أنه كان في خزانة المأمون كتاب بخط عبد المطلب بن هاشم جد الرسول – صلى الله عليه وسلم – ... ولقد كانت الكتابة منتشرة في مكة قبل الإسلام ؛ لأنها كانت مركزاً تجارياً ... فلما جاء الرسول اتخذ لنفسه بضعة كتّاب منهم: علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان ، عمر بن الخطاب ، وأبو بكر ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وحنظلة بن الربيع ، ويزيد بن أبي سفيان ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وأُبي بن كعب ، وزيد بن ثابت وكان زيد بن ثابت من ألزم الناس لذلك...(2)
وكثيراً ما كان يكتب رسائل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – التي كان يبعث بها إلى ملوك الدول ورؤسائهم يدعوهم فيها إلى الإسلام ، وقد روى السجستاني بطريق السند عن خارجة بن زيد قال: دخل نفر على زيد بن ثابت فقالوا حدثنا بعض حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: ما أحدثكم كنت جار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكان إذا نزل الوحي أرسل إليَّ فكتبت الوحي ... إلخ ، وفي ذلك دليل على ملازمة زيد للنبي – صلى الله عليه وسلم – وأنه كان من أكثر من كتب لرسول الله – صلى الله عليه وسلم.(1)
وظهور الإسلام أعطى للكتابة وللخط العربي اتجاهاً جديداً لم يكن موجوداً من قبل ، فقد خدمت الكتابة الإسلام خدمة لا يضارعها شيء آخر وكانت بالنسبة له خيراً من السيف في كثير من الأحيان فهي الوسيلة الأولى لتعليم مبادئ الدين الإسلامي ، وحفظ العقيدة الإسلامية ، بل إن القراءة كانت أول أمر سماوي ينزل به الوحي على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}(2) ، وقد رفع الله شأن الكتابة والخط كما قرن سبحانه بين العلم والكتابة ، وأقسم بهما فقال: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}(3) ، كما وصف جل جل وعلا ملائكته بأنهم: {كِرَامًا كَاتِبِينَ}(4) ، ونتيجة لارتباط الخط العربي بالقرآن والسنة فقد كان انتشاره قوياً وغزوه نشطاً فهو حامل لواء القرآن كما هو حامل لواء اللغة العربية ، كما أن خدمته للإسلام أكسبته قدسية لم تتوفر لأي خط من الخطوط السابقة عليه حيث ارتبطت تلك القدسية في أذهان الناس من العامة والخاصة بالعاطفة الدينية ولهذا السبب نفسه فإن فن الخط لم ينل عند أمة من الأمم ما نال عند المسلمين من العناية والتقدير ، فالإسلام هو السبب الرئيس في انتشار الخط العربي إن لم تقل دافعة إلى أوج الظهور حتى انتشر هذا الانتشار العظيم بين الأمم الإسلامية وغيرها من مختلف أقطار الأرض.(1)
2. عرض للخطوات العملية التي عملها النبي – صلى الله عليه وسلم – في نشر الكتابة ، وبيان أهمية الكتابة في نشر المعرفة وتسجيل آيات القرآن ، وإثبات العقود والمعاهدات والبيع والشراء ... إلخ.
وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحرص الناس على انتشار الكتابة والقراءة بين المسلمين لما لهما من عظيم الأثر في نشر العقيدة الإسلامية ، وحفظها من عبث العابثين ، كما ضرب الرسول – صلى الله عليه وسلم – المثل الأعلى في العناية بالكتابة فلم يطلق سراح أي أسير من أسرى المشركين في بدر إلا إذا علّم عشرة من صبيان المسلمين الكتابة.(2)
ولم يقتصر اهتمامه – صلى الله عليه وسلم – بالكتابة على الرجال فحسب بل شمل النشاء أيضاَ أمر عليه الصلاة والسلام الشفاء بنت عبد الله أن تعلم زوجته حفصة الكتابة ليقتدي به المسلمون في تعليم النساء.(3)
وكان أقرب الناس إلى نفس الرسول – صلى الله عليه وسلم – كتابة الوحي ولا غرو في ذلك ، فالكتابة هي الوسيلة الوحيدة لتدوين كلام الله ، وأحاديث رسوله ، والتدوين وسيلة البقاء والذيوع والانتشار.(4)
ولما كان القرآن الكريم قد نزل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بلسان عربي مبين ونزل مقروءاً ولم ينزل مكتوباً فقد كبرت المسؤولية وزاد الشرف العظيم للخط العربي ، وذلك باحتضانه كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وأصبح لزاماً على كل مسلم يريد قراءة القرآن أن يتعلم الكتابة والخط العربي.(1)
وقد دخل الخط العربي في كل المجالات الإسلامية فكتب به القرآن والسنة كما حفظت به اللغة العربية وآدابها وحررت به التفاسير وعلوم الفقه والحديث وسجلت به السجلات والعهود والصكوك والعقود والحجج والأوقاف ونقشت به المسكوكات الإسلامية وأصبحت هذه النقود بما فيها من نقوش إسلامية وكتابات عربية من أجمل نقود العالم حتى سماها الأوربيون بالمنقوشة.(2)
وهكذا نرى أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد وضح طرقاً عملية ذات هدف سام ونبيل من أجل نشر الكتابة وإثبات العقود والمعاهدات ، والبيع والشراء ، أما فيما يتعلق بتسجيل آيات القرآن الكريم "فيرجع كما أسلفنا إلى إدراك الرسول – صلى الله عليه وسلم – لأهمية الكتابة للقرآن وحفظه من الضياع واتخاذه – صلى الله عليه وسلم – كتاباً يكتبون القرآن فور نزوله أولاً بأول ، ويلازمونه – صلى الله عليه وسلم – حيثما ذهب وأنى أقام لكي يؤدوا هذا العمل الذي تفرغوا له لا يشغلهم عنه شاغل ، وقد تمت هذه الكتابة بيد كتاب من قريش في مكة ، وكتاب من الأنصار في المدينة.(3)
ويقول الزنجاني: إنه كان لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثلاثة وأربعون كاتباً إلا أن أشهر هؤلاء الكتاب الذين اتفقت حولهم بعض المصادر مثل فتوح البلدان والعقد الفريد وغيرها هم الخلفاء الأربعة ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، ومعاوية بن أبي سفيان والعلاء بن الحضرمي وشرحبيل بن حسنة ، وسعيد بن العاص ، والزبير بن العوام وغيرهم.(1)
3. ذكر أهم الآثار الكتابية المعروفة والتي تنسب إلى عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم.
لعل هذا يظهر لنا بوضوح في كتابه – صلى الله عليه وسلم – إلى المنذر بن ساوي وفي يقول – صلى الله عليه وسلم:
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، وأشهد أن لا إله إلا هو أما بعد:
فإني أدعوك إلى الإسلام فأسلم تسلم ، واسلم يجعل لك الله ما تحت يديك واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافز محمد رسول الله(2)
بحث تاريخي:
كان المنذر بن ساوي من بني زرارة بطن من بني دارم من بني تميم وفي الطبري ج2 ص 289 ، وهم كانوا يسمنون تهامة ثم نزلوا البحرين فزاحموا بكر بن وائل وتميم ، وكتب – صلى الله عليه وسلم – إلى المنذر حين كتب إلى الملــــوك كما في الكامل ج2 ص 80 ... والمحتمل قوياً أن كثرة كتبه – صلى الله عليه وسلم – إلى المنذر أوقع الباحثين في الالتباس للدعوة إلى الإسلام كان في السنة التي كتب فيها الملوك ...(1)
الفصل الثاني: قراءة أولية للرسائل النبوية:-
1) الكلام عن عدد من الرسائل ، ومن أرسلت إليه ؟ ومتى؟ من خلال خلفية تاريخية.
إن ما كتب على الرق هي الرسائل التي وجهها الرسول عليه السلام إلى الملوك المحيطين بالجزيرة العربية كهرقل وكسرى والمقوقس حاكم مصر والنجاشي ملك الحبشة وإلى ملوك العرب في الجزيرة وخارجها الذين كانوا خاضعين لنفوذ أجنبي كملوك الغساسنة بالشام وملوك البحرين وعُمان واليمن.(2)
ويبدو أن بعض هذه الرسائل ظلت تتوارثها الأجيال السابقة وذكرتها المصادر ، وذكر ابن النديم أنه رأى في خزانة كتب في مدينة الحديثة أمانات وعهوداً بخط أمير المؤمنين علي عليه السلام وبخط غيره من كتّاب النبي.(3)
وذكر ابن فضل الله العمري أنه رأى سنة 745هـ في حرم الخليل كتاب الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى تميم الدّاري ، وأنه كتب سنة تسع وقال في صفته ، وهو "بالخط الكوفي المليح القوي" ، وقد جاء في آخره شهد عتيق بن أبو قحافة ، وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وكتب علي بن أبي طالب وشهد.
"ثم نصرّ على أن يو طالب باء وواو .. وليس ففي بو ألف" وقد رأيت ذلك كله بعيني ، كما أن عدداً من هذه الرسائل وصلت إلينا في أيامنا هذه.
2) ذكر متى وأين عثر على الرسائل النبوية ؟
إنّ أول من أشار إلى أن الوثائق النبوية لا زالت محفوظة هو ابن فضل الله العمري من مؤرخي القرن الثامن الهجري فقد ذكر أنه رأى نسخة من كتاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذي كتبه تميم الداري وإخوته في سنة تسع بعد منصرفه من غزوة تبوك في قطعه أدم من خف أمير المؤمنين علي وبخطه وأن الداريين يحتفظون بهذه النسخة منذ عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – وحتى زمنه وحين نازعهم منازع على تعاقب الدول والأزمان إلا أن الذي يفهم من سياق ابن فضل الله هو أنه لم يستطع قراءة هذه الرسالة إلا بعد الاستعانة بنسخة أخرى كتبها الخليفة المستفيء بخط يده ... (1)
3. ذكر أين حفظت هذه الرسائل ؟
إن بعض نصوص هذه الرسائل قد حفظتها لنا كتب الحديث والتاريخ على السواء ، وخاصة رسالة الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى هرقل عظيم الروم وقد وجد النص في صحيح البخاري على النحو التالي:-
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين.
كما انه من الثابت تاريخياً أن جميع هذه الرسائل التي بعث بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى ملوك ورؤساء الدول إنما كتبت في المدينة في وقت لم تعرف فيه الكوفة بعد والتي لم تؤسس إلا بعد فتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبلاد فارس وإنشاء مدينة الكوفة سنة 17هـ.(1)
4. قراءة أولية لجميع الرسائل النبوية المخطوطة ، وسوف تكزن القراءة أولية حسبما كتبت بأخطائها.
-إلى مصعب بالمدينة لإقامة الجمعة:-
أذن النبي – صلى الله عليه وسلم – بالجمعة قبل أن يهاجر ولم يستطع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يجمع بمكة ولا يبدي لهم ، فكتب إلى مصعب بن عمير:
"أمّا بعد ، فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزنبور لستهم فاجمعوا نساءكم وأنباءكم ، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة ، فتقربوا إلى الله بركعتين."

- إلى المقوقس عظيم القبط:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد عبد الله ورسوله ، إلى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ،أسلم تسلم ، يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فعليك إثم القبط ، "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ، أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون"(1)
-كتابه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى أبرويز عظيم فارس:-
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس:
سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله الله وحده لا شريك ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأدعوك بدعاء الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين ، فأسلم تسلم فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك.(2)
انظر إلى (لأنذر – ويحق) وقارن بين السياق.
-إلى المنذر بن مساوي العبدي عامل كسرى على البحرين:-
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي
سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك إلى الإسلام فأسلم تسلم يجعل الله لك ما تحت يديك ، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافي.(1)
الفصل الثالث: دراسة نصوص الرسائل:-
1- تتبع رسم بعض حروف الرسائل ـ ووصف أشكالها:-
عند النظر في هذه الرسائل نجدها تعتمد على الخط وشكل الحروف قبل كل شيء ، والتدقيق في أشكال الحرف الواحد في كل رسالة لأن التزوير يظهر عندئذ بسهولة ، فالمزور يستطيع أن يقلد شكل الحرف القديم مرة ثانية.
على أن هناك شرطاً لابد من توفره في هذه الرسائل هو محافظتها على خصائص الخط الذي كان شائعاً في مكة والمدينة ، والمتطور عن الكتابة النبطية ... وعلى العكس نجد أن الألفات لا تميل من اليمين إلى الأسفل ، بل من الأعلى إلى اليسار مع وجود ارتفاع في ذيلها الأسفل إلى اليمين ، فهل هذا ينفي أن تكون صحيحة ، أو أن لا تكون من عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم؟
على أننا نعتقد أن كتابة الألف على الشكل الذي نراه في رسائل النبي كان معروفاً وأنه استمر في الكتابة ، ففي متحف الآثار الإسلامية في استامبول مصحف نرجح أنه من النصف الأول من القرن الأول للهجرة وقد رسمت فيه الألفات بميلان خفيف من الأعلى إلى اليمين مع المحافظة على ارتفاع ذيول الألفات من اليمين والأعلى.(1)
2. إيضاح التطور الذي طرأ على حروف الرسالة من خلال مقارنته بأشكال رسم الحروف النبطية المتأخرة.
النظرة النبطية: هي النظرية التي ترى أن عرب الحجاز قد اشتقوا خطهم من الخط النبطي ، وقد قامت هذه النظرية على أساس مقارنة أبجديات الخطين من ناحية ، وما ذكره مؤرخو اليونان والرومان عن عروبة الأنباط باعتبارهم معاصرين لهم ... كما أن أهم طرق التجارة الواصلة بين اليمن والبحر المتوسط هو الطريق الذي يمر بمكة ، ويثرب والعُلا ومدائن صالح إلى سلع (البتراء) عاصمة الأنباط ، ويتضح التقارب بين الخطين من تقارب أسماء الأعلام النبطية وأسماء الأعلام العربية في الحجاز ، ووجود أثر النحو العربي في النقوش النبطية ، وخاصة أنّ لهجتهم عربية بالرغم من أنهم كتبوا بالخط الآرامي ، وبعضهم يؤكد أن الخط العربي الحجازي مشتق من الخط العربي النبطي.(2)
ولا شك كذلك أنّ التطور يتمثل في النقط والشكل ، واستقامة السطور وصحة العبارة وهذا من التأثيرات النبطية المتأخرة.(3)
3. استظهار الملاحظات عليها من ناحية:-
الأخطاء الإملائية ، اختلاف عباراتها مع النصوص الواردة في كتب السيرة ، عدم وجود التاريخ ، الختم النبوي ، تطور أشكال رسم بعض الحروف ، عدم وضوح خطوط الرسائل ووجود نقص في حروف بعض كلماتها...
إلى أهل عُمان والبحرين:-
من محمد النبي رسول الله ، لعباد الله الاسبذيين ، ملوك عمان وأسبذ عمان من كان منهم بالبحرين:-
إنهم إن آمنوا ، وأقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأطاعوا الله ورسوله ، وأعطوا حق النبي ، ونسكوا نسك المسلمين فإنهم آمنون ، وإن لهم ما أسلموا عليه ، غير أن مال بيت النار ثنيا لله ورسوله ، وإن عُشور التمر صدقة ، ونصف عُشور الحب وإن للمسلمين نصرهم ونصحهم وإن لهم على المسلمين مثل ذلك ، وإن لهم أرحاءهم يطحنون بها ما شاءوا.(1)
فكل لسان حي ينصبغ في كل عصر بصبغ خاص يمتاز به ، وأصح حجة للسان العربي المعاصر لهذه الوثائق السياسية القرآن المجيد المحفوظ إلى الآن من كل اختلاق وتحريف حتى في رسم خطه.(2)
لم يزل المسلمون من ناطقي الضاد قديماً وحديثاً يهتمون بالقرآن ، ومع هذا نجد بعض الكلمات القرآنية قد بطل استعمالها أو تغير مفهومها ومن جهة أخرى لا يلزم أن يكون كل مكتوب مشتمل على غريب اللغة أو قديمها صحيحاً ... ونظن أن أسلوب الإنشاء العربي في ذلك العصر كان سلساً فصيحاً جامعاً مانعاً بريئاً من الإطناب والتكلف ، ولهذا رأسنا بعض المكاتبات المنسوبة إلى ذلك العصر الصناعات اللفظية التي لا طائل منها زادت شبهتنا في صحتها ، ومن ذلك مثلاً نصوص المراسلة مع المقوقس على ما رواه الواقدي (الوثيقتين 51 ، 52) ، وبعكس ذلك نجد الوثيقة المشتملة على عهد الرسول لأهل المدينة ومعاهدتي أيلة والطائف (الوثيقين 31 ، 181) في أسلوب عربي أصيل مما يبعثنا على اليقين بصحتها.(1)
ولا يبعد أن تكون الوثائق السياسية قد اشتملت أحياناً على سهو في الكتابة ، وليس يبعد أيضاً أن يصحح بعض النقلة بعض العبارات من عند أنفسهم إتباعاً للقواعد المقررة في النحو والصرف من ذلك عبارة "ابن ... أبو" التي لا تكاد تصح الآن نظراً لقواعد النحو العربي بل يقال "ابن أبي ..." ، وقد روى البلاذري في "فتوح البلدان" شروط النبي – صلى الله عليه وسلم – لأهل نجران ثم ذكر: "وقال يحيى بن آدم: وقد رأيت كتاباً في أيدي النجرانيين كانت نسخته شبيهة بهذه النسخة وفي أسفله وكتب علي بن أبو طالب ، ولا أدري ماذا أقول فيه.(2)
وقال الصفدي(1): وبعضهم يكتب علي بن أبو طالب رضي الله عنه ويلفظ أبي بالياء.
وهكذا نلاحظ أن نصوص الرسائل لم تخل من الأخطاء وبعضها خلا من الختم النبوي والتاريخ ...
4. كتابة آراء الباحثين حول صحة نسبة هذه الرسائل إلى العهد النبوي ، وقولي في صحة هذه الرسائل من عدمه:-
وقد ثار خلاف بين العلماء وخاصة المستشرقين حول صحة هذه الرسائل التي وصلت إلينا ، والمحفوظة في الخزائن الخاصة أو المتاحف ، وقد وقف المستشرقون بصورة عامة موقفاً سلبياً فأنكروها أو زعموا أنها مزيفة ، بل تمحلوا الأسباب أحياناً لإظهار زيفها متعمدين ذلك ، وقد تلاحظ أن بعضهم كان يجهل النصوص التاريخية أو لا يفهمها ، ويحمل الألفاظ ما تحتمل من معنى ، وأن البعض الآخر يذهب في التأويل.
والاستنتاج والتحليل مذهباً غريباً لا يقره البحث العلمي والمنهج الموضوعي ، وأن البعض غير مختص بالخط العربي وتطوره.
ولا شك أن بعض الرسائل التي وصلت إلينا صحيحة وقد ردّ محمد حميد الله على اعتراضات المستشرقين بشأن هذه الرسائل مرات عديدة ، فلا مجال إذن لإعادة ما قال وكنا كشفنا في عام 1963م عن رسالة جديدة للنبي عليه السلام هي الرسالة التي أرسلها إلى كسرى يدعوه إلى الإسلام ورجحنا أنها من عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم.(1)
ورأي الشخصي أن هذه الرسائل نسبتها صحيحة مئة بالمئة إلى العهد النبوي ولا أقدح مثقال ذرة في ذلك.
الخاتمة
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد:-
فإنه وبعد هذه الدراسة والتي كانت بعنوان: "الرسائل النبوية المخطوطة: دراسة وتحليل ، أود أن أذكر أهم النتائج التي توصلت إليها خلال هذه الدراسة وهي على النحو الآتي:-
1. وجود رسائل متعددة للرسول – صلى الله عليه وسلم – مثل رسائله إلى كسرى فارس وقيصر الروم ، ومقوقس مصر ... إلخ.
2. أن أسلوب الإنشاء العربي في ذلك العصر كان سلساً فصيحاً جامعاً مانعاً بريئاً من الإطناب والتكلُّف.
3. أن الوثائق السياسية قد اشتملت أحياناً على سهو في الكتابة وتعرضت بعضها للأخطاء الإملائية والنحوية ، وخلوها من الختم.
4. أن فن الكتابة تطور عبر العصور المختلفة وكان المعلم الأول للبشرية له الفضل الأعظم في ذلك.
5. أن النبي – صلى الله عليه وسلم – هو أو من وضع الخطوات العملية لتعليم الكتابة.
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

المراجع والمصادر
1. الأحمدي ، علي بن حسين ، مكاتيب الرسول ، دار صعب للنشر ، بيروت.
2. حميد الله ، محمد ، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة ، دار النفائس ، بيروت ، 1407هـ ، الطبعة السادسة.
3. الفعر ، محمد فهد عبد الله ، تطور الكتابات والنقوش في الحجاز منذ فجر الإسلام حتى منتصف القرن السابع الهجري ، جدة 1405هـ ، الطبعة الأولى.
4. المنجد ، صلاح الدين ، دراسات في تاريخ الخط العربي منذ بدايته إلى نهاية العصر الأموي ، دار الكتاب الجديد ، بيروت.








شكر وتقدير

إلى أبي و أمي الذين ربياني على الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة وقدما لي كل الغالي والنفيس في سبيل نجاحي وتفوقي أتقدم إليهما بخالص شكري وتقديري واعترافي بالجميل داعياً الله لهما أن يمد لهما في أعمارها ويجعل ما قدماه في موازين حسناتهما.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كاسب العز
27-02-2010, 12:19 PM
بارك الله فيك

لك مني أجمل تحية

تقبل مرورى

كاسب العز

امجاد نجد
09-03-2010, 04:40 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .