المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بلييييييز ابي فزعتكم



احلى نوقا
17-12-2009, 05:15 AM
السلام عليكم


فديتكم أنا عندي بحث سنة رابع ومرررررررررررة محتاجة مساعدتكم
موضوعه عن الشاعر ابي فراس الحمداني وابغى مقدمة مميزة

غـــربة الــروح
17-12-2009, 05:20 AM
انقله لك القسم التعليمي وان شاءالله يفيدونك

الصقرالشمالي
21-12-2009, 03:21 AM
ممنوع وضع روابط

الصقرالشمالي
21-12-2009, 03:26 AM
يمنع وضع أي رابط لأي منتدى


فيه دعاية









حرر

الصقرالشمالي
21-12-2009, 12:58 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

أي دعاية جزاك الله خير الدعاية تكون لموقع واحد مو لأكثر من 10 مواقع !!!؟؟؟

الصقرالشمالي
21-12-2009, 01:04 PM
أبو فراس الحمداني
هو الحارث بن سعيد بن حمدان، كنيته "أبو فراس". ولد في الموصل واغتيل والده وهو في الثالثة من عمره على يد ابن أخيه جرّاء طموحه السياسي، لكنّ سيف الدولة قام برعاية أبي فراس.
استقرّ أبو فراس في بلاد الحمدانيين في حلب. درس الأدب والفروسية، ثم تولّى منبج وأخذ يرصد تحرّكات الروم. وقع مرتين في أسر الروم. وطال به الأسر وهو أمير ، فكاتب ابن عمه سيف الدولة ليفتديه، لكنّ سيف الدولة تباطأ وظلّ يهمله.
كانت مدة الأسر الأولى سبع سنين وأشهراً على الأرجح. وقد استطاع النجاة بأن فرّ من سجنه في خرشنة، وهي حصن على الفرات. أما الأسر الثاني فكان سنة 962 م. وقد حمله الروم إلى القسطنطينية، فكاتب سيف الدولة وحاول استعطافه وحثّه على افتدائه، وراسل الخصوم . وفي سنة (966) م تم تحريره.
وفي سجنه نظم الروميات، وهي من أروع الشعر الإنساني وأصدقه.

لماذا تأخّر سيف الدولة في تحريره؟
علم سيف الدولة أن أبا فراس فارس طموح، فخاف على ملكه منه، ولهذا أراد أن يحطّ من قدره وان يكسر شوكته ويخذله ويذلّه بإبقائه أطول فترة ممكنة في الأسر.
ولهذا قام بمساواته مع باقي الأسرى، رغم انه ابن عمه، وله صولات وجولات في الكرم والدفاع عن حدود الدولة وخدمة سيف الدولة الحمداني.

أبو فراس الحمداني بين فكّي التاريخ

سقوط الفارس في ساحة الميدان
بعد سنة من افتداء الشاعر، توفي سيف الدولة (967) م وخلفه ابنه أبو المعالي سعد الدولة، وهو ابن أخت الشاعر. وكان أبو المعالي صغير السن فجعل غلامه التركي فرعويه وصياً عليه.
وعندها عزم أبو فراس الحمداني على الاستيلاء على حمص، فوجّه إليه أبو المعالي مولاه فرعويه، فسقط الشاعر في أوّل اشتباك في الرابع من نيسان سنة 968 م وهو في السادسة والثلاثين من عمره.
وهكذا نجد أنّ رأي سيف الدولة الحمداني فيه كان صادقاً وفي محله. فقد كان أبو فراس الحمداني طموحاً الأمر الذي جرّ عليه الويلات.

أشعاره :
من آخر أشعاره مخاطبته ابنة أخيه:
أبنيّتـي لا تـحزنـي كل الأنام إلى ذهـــابْ
أبنيّتـي صبراً جـميلاً للجليل مـن الـمـصابْ
نوحي علـيّ بحسـرةٍ من خلفِ ستركِ والحجابْ
قولـي إذا ناديتنـي وعييتُ عـن ردِّ الجوابْ
زين الشباب أبو فراسٍ لم يمتَّعْ بالشبــــابْ
ومن روائع شعره ما كتبه لأمه وهو في الأسر:
لولا العجوز بـمنبجٍ ما خفت أسباب المنيّـهْ
ولكان لي عمّا سألت من فدا نفـس أبــيّهْ
وفي قصيدة أخرى إلى والدته وهو يئن من الجراح والأسر، يقول:
مصابي جليل والعزاء جميلُ وظني بأنّ الله سوف يديلُ
جراح وأسر واشتياقٌ وغربةٌ أهمّكَ؟ أنّـي بعدها لحمولُ
وأثناء أسره في القسطنطينية بعث إلى سيف الدولة يقول:
بمن يثق الإنسان فـيمـا نواه؟
ومن أين للحرّ الكريم صحاب؟
وفي قصيدة "أراك عصيّ الدمع" الشهيرة يقول:
أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمر؟
نعم أنا مشتاق وعنـديَ لوعةٌ
ولكنّ مثلي لا يُذاع له سـرُّ
إذا الليل أضواني بسطتُ يدَ الهوى
وأذللتُ دمعاً من خلائقهِ الكِبْرُ

كلمة أخيرة
أبو فراس الحمداني الشاعر والفارس الذي لا يهاب الموت عاني الكثير من سيف الدولة الذي خاف من فروسيته وشعبيته فأحبّ أن يبقيه في أسر الروم. أما نحن القراء فأمتعنا ما كتبه الشاعر من كتابة صادقة في الحب والفخر والرثاء والشكوى.
يقول:
لم أعدُ فـيـه مفاخري ومديح آبائي النُّجُبْ
لا في المديح ولا الهجاءِ ولا المجونِ ولا اللعبْ
ولما تحرر من أسره حاول ردّ اعتباره واستعادة مجده لكنّ يد الموت كانت أطول . وفي معركة غير متكافئة سقط شاعرنا ومات وهو يلفظ الشعر الصادق، فهو لم يكن يكتب الشعر للتكسّب مثل شعراء العصر العباسي وشعراء البلاط في عصرنا.

الصقرالشمالي
21-12-2009, 01:04 PM
من هو أبو فراس الحمداني ؟الاجابة للشيخ صالح الكرباسي
هو الأمير الجليل ، و القائد الكبير ، و الشاعر الشهير بإبداعه ، أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان الحمدوني ، قيل أنه ولد سنة : 320 هجرية بالموصل [1] (http://www.islam4u.com/almojib_show.php?rid=594#ftn594_1) .
سمّاه والده الحارث ، و كنّاه أبا فراس أي الأسد ، و لم يخيب ظن والده فقد كان فارساً من الفرسان المعدودين في زمانه .
لم يبلغ الثالثة من عمره حتى قُتل والده .
لمّا استولى سيف الدولة على سرير الملك في حلب حمل معه أبا فراس ، فتخرّج هناك في العلم و الأدب و تمرّس بالفروسية ، فخرج شاعراً فارساً ، و كان سيف الدولة يحبه لشجاعته و كرم أخلاقه ، فقلّده إمارة منبج .
أتى الروم إلى " منبج " سنة 351 فأسروا أبا فراس [2] (http://www.islam4u.com/almojib_show.php?rid=594#ftn594_2) ، و في شهر رجب من العام 355 الهجري فادى سيف الدولة الروم و ارتجع أبا فراس منهم [3] (http://www.islam4u.com/almojib_show.php?rid=594#ftn594_3) .
مات سيف الدولة بعد عودة أبي فراس بسنة ، و تولّى بعده أبو المعالي ابن أخت أبي فراس ، و تسلّم الحكم بالوصاية عليه غلامه التركي قرغويه ، فأبى أبو فراس أن يطيع هذا الغلام ، فأوغر قرغويه صدر أبي المعالي على خاله فأرسله بجيش إلى محاربته فغلب أبا فراس فقطع قرغويه رأسه و حمله إلى أبي المعالي ، و ترك جثته ملاقاة في الفلاة ، و كان ذلك سنة : 357 هجرية .
و كان أبو فراس من الموالين لآل البيت ( عليهم السَّلام ) و له فيهم ثلاث قصائد هي من أروع شعره ، يُعرب عن إخلاصه لهم و صدق تعلّقه بهم ، و تألّمهم لما نابهم من حيف و أذى .
و من جملة قصائده الرائعة التي أنشدها في أهل البيت ( عليهم السَّلام ) قصيدة تسمى بالشافية ، جاء فيها :
الحَقُ مُهتضمٌ و الدِّينُ مُختَرمُ * و فَيء رَسولِ اللهِ مُقْتَسَمُ
وَ الناسُ عندكَ لاناسٌ فيحفظَهُم * سَومُ الرُّعاةِ و لا شاءٌ و لا نِعَمُ
إني أبيتُ قَليلُ النومِ أرَّقَني * قَلبٌ تَصارعَ فيهِ الهَمُّ و الهِمَمُ
يا للرجالِ أما للهِ مُنْتَصِرٌ * من الطُّغاةِ ؟ أما للهِ مُنتَقِمُ ؟
بَنُو عليٍ رَعايا في دِيارِهُمُ * و الأمرَ تَملِكُهُ النِسوانُ و الخَدمُ
مُحَلَّئونَ فأصفى شربَهُمُ وشَل * عَندَ الوُرُودِ و أوفى ودَهم لممُ
أتفخَرونَ عَليهم لا أباً لكُمُ * حَّتى كأنَّ رَسولُ اللهِ جَدَّكُمُ !
و لا تَوازَن فيما بينكُمْ شَرَفٌ * و لا تَساوَتْ لَكُمْ في موطنٍ قَدَمٌ
بِئسَ الجَزاءُ جَزَيْتُم في بَني حَسَنٍ * أباهُمُ العَلَمُ الهادي و أمَّهُمُ
يا بَاعَةَ الخَمْرِ كُفُّوا عن مَفاخِرِكُمْ * لِمَعْشَرٍ بَيْعَهُمْ يَومَ الهياجِ دَمُ
الرُكْنُ و البيتُ و الأستارُ مَنْزِلَهُمْ * و زَمْزَمُ و الصَّفا و الحِجْرُ و الحَرَمُ

الصقرالشمالي
21-12-2009, 01:06 PM
الشاعر أبو فراس الحمداني ( رحمه الله ) (1)

( 320 هـ ـ 357 هـ )


اسمه وكنيته ونسبه :


أبو فراس ، الحارث بن سعيد بن حمدان ... بن تغلب الحمداني التغلبي .
ولادته :


ولد أبو فراس عام 320 هـ بمدينة الموصل في العراق .
نشأته :


نشأ يتيماً ، وعاش في ظلّ والدته التي حدبت على تربيته ، وكان ابنا عمّه السلطان ناصر الدولة وسيف الدولة ، فاصبح فارس ميدان العقل والفراسة والشجاعة والرياسة ، وجمع بين ريادة الشعر وقيادة العسكر ، عنده هيبة الأُمراء ، ولطف الشعراء ، ومفاكهة الأدباء ، فلا الحرب تخيفه ، ولا القوافي تعصيه ، واشترك في معارك ابن عمّه سيف الدولة مع الروم ، وأُسر مرّتين .
شعره :


دخل التشيّع في مدينة حلب قبل عهد الحمدانين ، وانتشر وقوى فيها على عهد الحمدانين ، فقد كانوا يكرمون الأدباء والشعراء والعلماء والمحدّثين ، ومن أبرز شعراء الحمدانين أبو فراس ، شاعر الشجاعة والبطولة والولاء ، فله قصائد كثيرة في الشجاعة والفروسية ، وكما له في حقّ أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فقد ألقى قصيدته الشهيرة على جسر بغداد أنذاك ، يفضح فيها مساوئ خلفاء بني العباس ، حتّى قال المعتصم العباسي : لو خيّرنا بينها وبين مليون سيف مشهورة لاخترنا المليون سيف المشهورة على هذه القصيدة ، يقول أبو فراس :
لا يطغين بني العباس ملكهم ** بنو علي مواليهم وإن زعموا
أتفخرون عليهم لا أباً لكم ** حتّى كأنّ رسول الله جدّكم
نادى النبي بها يوم الغدير ** لهم والله يشهد والأملاك والأُمم
حتّى إذا أصبحت في غرّ صاحبها ** باتت تنازعها الذئبان والرخم
ثمّ ادعوها بنو العباس ملكهم ** وما لهم قدم فيها ولا قدم
ليس الرشيد كموسى بالقياس ** ولا مأمونكم كالرضا لو انصف الحكم
تمس التلاوة في أبياتهم سحراً ** وفي بيوتكم الأوتار والنغم
كانت مودّة سلمان لهم رحماً ** ولم تكن بين نوح وابنه رحم
أقوال العلماء فيه : نذكر منهم ما يلي :


1ـ قال أبو منصور الثعالبي في يتيمة الدهر : ( كان فرد دهره ، وشمس عصره ، أدباً وفضلاً وكرماً ونبلاً ومجداً وبلاغةً وبراعةً وفروسيةً وشجاعةً ، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة ، والسهولة والجزالة ، والعذوبة والفخامة والحلاوة .
2ـ قال الصاحب بن عبّاد : ( بدأ الشعر بملك وختم بملك ) ، يعني امرئ القيس وأبا فراس الحمداني .
شهادته :

استشهد الحمداني ( رحمه الله ) في الثامن من ربيع الأوّل 357 هـ ، ودفن بقرية صدد قرب حمص في سورية ، وقبره معروف يزار .

الصقرالشمالي
21-12-2009, 01:07 PM
أبو فراس الحمداني

320 - 357 هـ / 932 - 967 م


هو الشاعر والأمير الحمداني الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي الربعي أبو فراس. ولد بالموصل ( 932 م- 320 هـ) حيث كانت أسرته. ولم يكتب له أن يعيش في كنف والده، فقد قتل الأب يوم كان الصبي في الثانية أو الثالثة من عمره، قتله ناصر الدولة ابن أخيه لأنه زاحمه على ولاية الموصل.

نشأ أبو فراس في رعاية ابن عمه سيف الدولة الذي ضمه إلى عائلته وحمله معه إلى بلاطه في حلب حيث اتصل بالعلماء والأدباء فأخذ عنهم. تدرب على الفروسية والقتال، فرافق ابن عمه في غزواته، وحارب الروم، وأخضع القبائل الثائرة، مما جعل سيف الدول يثق به فيوليه إمارة منبج وهو دون العشرين من سنيه. وكانت هذه الإمارة أخطر ثغر من ثغور الدولة الحمدانية وأسهل طريق ينفذ منه البيزنطيون إلى بلاد الشام، فسهر عليها يدفع عنها أطماع الروم، ويرد عنها غارات القبائل التي ثارت.

ولكن النصر الذي حالف أبا فراس في حروبه خانه ذات يوم فوقع أسيرا بين أيدي الروم الذين ساقوه إلى خرشنة ثم إلى القسطنطينية، وهناك طال أسره.

وكان يأمل أن يسرع ابن عمه إلى افتدائه ولكن أمير حلب أبطأ في ذلك، فضاق صدر الشاعر ونظم في أسره أروع أشعاره التي عرفت " بالروميات" وفيها يشكو من إبطاء سيف الدولة في افتدائه، ويتأمل من انصرافه عنه، ويبث حنينه إلى أمه العجوز وأهله وأصدقائه، وإلى منبج ملاعب صباه.

قال الذهبي: كانت له منبج، وتملك حمص وسار ليتملك حلب فقتل في تدمر، وقال ابن خلّكان: مات قتيلاً في صدد (على مقربة من حمص)، قتله رجال خاله سعد الدولة.

من رقيق شعره:


دَعوتـُكَ للجَفــن القريـْــحِ المسهـَّــدِ
لــديّ، وللنـــوم القليــل المُشـــرَّدِ
ومـــا ذاك بُخــلا بالحيــــاةِ وإنهــا
لأولُ مبــــذولٍ لأولِ مُــجـتـــــــدِ
وما الأسر مما ضقت ذرعا بحمله
وما الخطب مما أن أقول له قـَـــدِ
وما زل عني أن شخصا معرضــا
لنبل العدى إن لم يصب فكأنْ قـَـدِ
ولســـت أبالي إنْ ظفــرت بمطلبٍ
يكونُ رخيصًا أو بوسْــمٍ مُــــزوَّدِ
ولكنني أختــــار مـــوت بنــي أبي
على صهوات الخيل غيـــر موسدِ
وتأبى وآبـــى أن أمــــوتَ مـُـوسدًا
بأيدي النصارى موتَ أكمـــدَ أكبدِ
نضوت على الأيام ثـوب جــلادتي
ولكنني لـــم أنـض ثـــوب التجلــدِ
دعوتك والأبــواب ترتـــجُ دوننـــا
فكن خيــــرَ مدعــــوٍّ وأكرمَ منجدِ
فمثلك مــن يـُـدعى لكــلِّ عظيمــة
ومثلي منْ يفدى بكــــلِّ مُسـَـــــوَّدِ
أناديكَ لا أني أخافُ من الـــرَّدى
ولا أرتجيْ تأخيرَ يومٍ إلى غَــــــدِ
متى تـُخلفُ الأيامُ مثلي لكـُــمْ فتى
طويلَ نجادِ السيف رحبَ المقلـَّـــدِ
متى تلدُ الأيـــام مثـلي لكــــم فتى
شديدًا على البأســـاءِ غيـــرَ مُلَهَّـــدِ
يطاعنُ عن أعـراضكم بلســـانـِـهِ
ويضربُ عنكمْ بالحســـامِ المُهنــَّـدِ
فما كلُّ منْ شاء المعالي ينــالهـــا
ولا كل سيَّارٍ إلى المجد يَهتــَـــدِي
وإنك للمولى الــذي بــكَ أقتـــدي
وإنك للنجمُ الــــذي بـــه أهتــَــدي
وأنت الذي عرَّفتني طـُــرقَ العلا
وأنت الــــــذي أهويتني كلَّ مقصدِ
وأنت الـــذي بلغتني كـــل رتبــة
مشيت إليهـــــا فوق أعناق حُسَّدي
فيا مُلبسي النعمى التي جلَّ قدرها
لقد أخـْـلـَقـَتَ تلـك الثيــــابُ فجَـدِّدِ!

الصقرالشمالي
21-12-2009, 01:08 PM
ثنائية الموت والحياة في شعر أبي فراس الحمداني 320 ـ 375هـ ـ 932 ـ 968م ـــ د. أحمد فوزي الهيب

ناشر الموضوع : Muslim (http://www.dahsha.com/memberinfo.php?membername=Muslim)



ثنائية الموت والحياة في شعر أبي فراس الحمداني 320 ـ 375هـ ـ 932 ـ 968م ـــ د.أحمد فوزي الهيب


الموت نهاية كل حي مهما طال به البقاء، ولعله الحقيقة الوحيدة التي اتفق عليها الناس جميعاً رغم اختلاف عقائدهم ومذاهبهم، ورغم اختلافهم على ما بعد الحياة الدنيا من حياة أخروية أو عدم. لذلك نجد الناس جميعاً يفكرون بالموت بشكل ما، وإن اختلفت نظراتهم إليه، واختلفت حيواتهم بناء على ذلك، لأنه ـ كما يقول الدكتور بيتر شتاينكرون ـ غريزة كامنة في أعماق النفس الإنسانية، كغريزة الحياة سواء بسواء، فكل واحد منا لدي في فطرته الغريزتان، وإن كانت غريزة الحياة واضحة ظاهرة الأثر في حركاتنا وسكناتنا، بينما الغريزة الأخرى، غريزة الموت، لا تظهر واضحة جلية إلا لمن أمعن النظر، ولم تخدعه ظواهر الأمور([1">).


وكأن الغريزتين المتضادتين جوادان، أحدهما أبيض ناصع البياض، والآخر أسود حالك السواد، يتنازعان المرء شداً وجذباً، ولكن الجواد الأبيض يظل في الغالب فياض الحيوية، له الكلمة العليا إلى أن يُغلب على أمره، فينطفئ سراج الحياة، وتكون الكلمة للجواد الأسود، ولكن يحدث أحياناً أن تنعكس تلك الآية تحت ضغط بعض الظروف، فإذا الجواد الأسود هو الغالب منذ البداية، فينتشر على وجه الحياة ظل الموت ويندفع المرء في تياره([2">).


وعلماء النفس اليوم يعترفون بهذا الازدواج، وإن كان الإنسان العادي يجهل ذلك الوجود المزدوج لغريزتي الموت والحياة، فهذا فرويد يقول بصراحة ووضوح: غاية الحياة هي الموت. ثم نراه يقرر أيضاً: أن كل إنسان لديه دافع إلى إعدام نفسه، ولكن هذا الدافع يختلف في مقداره وقوته باختلاف الأشخاص([3">). وهذا أيضاً تلميذه وصديقه (هانز ساخس) يقول أيضاً: إن جميع مظاهر الحياة هي نتيجة ذلك التجاذب الذي لا نهاية له بين غريزة الحياة بانتصاراتها الظاهرة وغريزة الموت بقوتها الساكنة الخفية التي لا تقهر([4">).


وقوة البقاء التي تلازمنا منذ ولادتنا، غالباً ما تكون من السطوة، بحيث تشل حركة الغريزة المضادة لها، فتبقيها نائمة معطلة. ولكن يحدث في بعض الأحيان أن تكون قوة الهلاك أشد في الشخص من قوة البقاء، فينجم عن ذلك ما يمكن أن نسميه مغامرة أو تهوراً أو مخاطرة أو غير ذلك، ونصف صاحبها بأنه مغامر أو متهور أو مخاطر، بينما يسمي ذلك فرويد غريزة الفناء([5">).


ولعلنا نستطيع اعتماداً على هذه النظريّة أن نفهم بصورة أوضح تحريم الله تعالى للانتحار تحريماً شديداً على الرغم من إباحته للشهادة بل تشجيعه عليها، لأنها في سبيل مثل أعلى كالدفاع عن الوطن والأهل وغير ذلك.


ولعل هذه النظرية تنطبق بشكل ما على أبي فراس الحمداني([6">)، أو لعله يمثلها خير تمثيل، إذ نجده والموت رفيقين صديقين حميمين، تصاحبا قبل الولادة، وبُعيدها، وبعدها، وظلاّ معاً إلى أن تمكن الحصان الأسود في داخله أن يسبق الحصان الأبيض، وأن يسدل الستار على مأساة حياته.


عرف أبو فراس الموت قبل ولادته، إذ ورثه في صبغياته (كروموزوناته) من قبيلة تغلب ذات الأمجاد الخالدة التي تمتد جذورها إلى الجاهلية، حتى قيل: لو أبطأ الإسلام لأكلت بنو تغلب الناس([7">). ومن منا لم يسمع بحرب البسوس بينها وبين بكر، التي استمرت أربعين سنة تأكل الأخضر واليابس وتحصد الرجال([8">)، ومن لم يسمع بأبطالها وشعرائها مثل المهلهل وكليب وعمرو بن كلثوم وأبيه([9">). وعلى الرغم من خفوت صوت تغلب في بداية الإسلام، فقد استرجعته زمن الأمويين، إذ نجده مدوياً لدى كعب بن جعيل والأخطل وأشعارهما([10">). كما نجده أيضاً في صليل سيوف الحروب الضارية بين تغلب وقيس([11">).


وفي زمن الدولة العباسية ازداد صوت تغلب علواً، لأنه صار يمثل التيار العربي الصافي بين أمواج السيول الأعجمية الهادرة في القرن الرابع الهجري، وقد استطاع بنو حمدان التغلبيون أن يبلوا بلاء حسناً في مساندتهم للخلافة العباسية حتى تدافع عن نفسها وعن العرب والإسلام ضد الثورات والمؤامرات الداخلية، وضد الروم وغيرهم من الخارج، وكان في مقدمتهم سيف الدولة وأخوه ناصر الدولة وأبو فراس([12">).


رأى الحمدانيون أنهم يمثلون العنصر العربي، وأن السبيل لبقائهم هو المجد والبأس والجود وغيرها من المثل العربية العليا، ولقد عبر عن ذلك أبو فراس بقوله([13">):


لئن خُلق الأنام لحسْوِ كأسٍ ومزمار وطنبور وعودِ


فلم يُخلق بنو حمدانَ إلا لمجد أو لباس أو لجودِ


هذا ما يخص قبيلة أبي فراس تغلب وبني حمدان، أما هو نفسه والموت، فقد كانا صديقين حميمين منذ البداية حتى النهاية، لم يفترقا أبداً. فقد شاء القدر أن يسميه أبوه (الحارثَ)، وأن يُكَنِّيه (بأبي فراس)([14">)، والاسم اسم الأسد([15">)، والكنية كنيته([16">)، ولكل من اسمه نصيب عامة، لذلك أثر كل من الاسم والكنية في حياته، ولو بصورة غير مباشرة، تأثيراً كبيراً شجاعة وبسالة وإباء.


كما شاء القدر أيضاً أن يُقتل أبوه، وهو صغير في الثالثة من عمره. ومقتل أبيه مأساة مركبة معقدة،لأن قاتله هو ابن أخيه ناصر الدولة، والذي هو في الوقت نفسه ابن عم أبي فراس، وأخ لوليه ومربيه وولي نعمته وزوج أخته سيف الدولة([17">). إن مقتل أبيه شوكة في خاصرته ظلت تؤلمه حتى نهاية عمره، إنه لم يستطع نزعها بأن يأخذ بثأره، ولم يستطع أن يشكو أو يتأوه، بل لم يكن يملك إلا أن يقدم آيات الطاعة والتبجيل لقاتل أبيه عندما كانا يجتمعان في بلاط سيف الدولة بحلب، يدفعه إلى ذلك ولاؤه لولي نعمته سيف الدولة، وولاؤه لأهله الحمدانيين. وهذه المعاناة تركت في نفسه جراحاً لا يستطيع لها برءاً، وتمزقاً لا يمكن رتقه، وداء لا شفاء منه حتى الموت.


نشأ أبو فراس على الفروسية في بلاط سيف الدولة بحلب، بعدما انتقل إليه من الموصل إثر مقتل أبيه، وتعلم فنون القتال والعلم والأدب وغير ذلك من صفات الإمارة والفروسية فيه، ثم ولاه سيف الدولة إمارة منبج عام 336هـ([18">)، وكانت آنذاك ثغراً عربياً يقف سداً منيعاً في وجه غارات الروم وأطماعهم من جهة، وثورات الأعراب مثل بني كليب وكلاب وقشير وكعب من جهة ثانية، واستمر على هذه الحال إلى أن أُسر عام 351هـ أو غيره، وقد اختلف المؤرخون في ذلك، ولتحقيقه مجال آخر([19">).


استطاع أبو فراس أن يقوم بما تفرضه عليه واجبات الإمارة خير قيام، فكان دائماً على أهبة الاستعداد لتلبية ما يطلبه منه سيف الدولة من مهمات لقتال الروم أو الإعراب، ولم يكتف في حروبه هذه بأن يبلي البلاء الحسن، وإنما نجد غريزة الموت أو غلّوه في الشجاعة يدفعه إلى أن يتجاوز مرات كثيرة حدود ما تطلبه منه واجبات الإمارة من مواقف، فيخاطر بنفسه، ويعرضَها للهلاك المرة تلو المرة، الأمر الذي أدى إلى وقوعه أسيراً بيد الروم، ويؤكد هذا كلام سيف الدولة لأم أبي فراس عندما طلبت منه افتداءه من الأسر، وهو: ولدك ابن عم، وخال أولادي، ولكني عجزت وأنا أنصحه ألا يترك بنفسه إلى الميدان عند وقوع الحرب، لأنه أمير سردار (قائد)، وليس للسردار شجاعة إلا بثباته تحت علمه، وقد فديته قبل هذا مرتين([20">).


استمر أبو فراس في الأسر، حتى افتداه سيف الدولة عام 355هـ، وفي فترة أسره لم يبتعد عن الموت، إنما كان يشعر به، ويتغنى بذكره كل يوم تغني الحبيب بحبيبه من أول أيام أسره حتى آخرها، فقال في بداية أسره([21">):


من كان مثلي لم يبتْ إلا أسيراً أو أميرا


ليست تحلُّ سراتُنا إلا الصدور أو القبورا


وقال أيضاً مخاطباً سيف الدولة بصورة غير مباشرة([22">):


معللتي بالوصل والموتُ دونَهُ إذا متُّ ظمآناً فلا نزل القطرُ


فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى قتيلك قالت أيهم فهمُ كثر


ويا ربَّ دار لم تخفني منيعةٍ طلعتُ عليها بالردى أنا والفجر


وهل يتجافى عنّيَ الموت ساعة إذا ما تجافى عنّيَ الأسر والضر


هو الموت فاختر ما علا لك ذكره فلم يمت الإنسان ما حيي الذكر


وإن متُّ فالإنسان لا بد ميّتٌ وإن طالت الأيام وانفسح العمر


ونحْن أناس لا توسط بيننا لنا الصدور دون العالمين أو القبر


إن اللافت للنظر مما تقدم أنه لم يخل بيت من ذكره للموت مرةً أو أكثر، وكأنه فرس جموح كامن في اللاشعور لديه، فهل يؤكد ذلك صحة الفرضية التي ذهبنا إليها، لأن من أحب شيئاً أكثر من ذكره، وهذه حقيقة لا جدال فيها في علم النفس. كما قال أيضاً في رثائه لأمه عندما أتاه خبر موتها وهو في الأسر([23">):


نُسلَّى عنك أنّا عن قليل إلى ما صرت في الأخرى نصيرُ


ولم يجعله الأسر يغير من منهج حياته بعدما افتداه سيف الدولة، وعيّنه أميراً على حمص وأعمالها، وأنّى له ذلك!!.. لقد استمر في اندفاعه نحو الموت كأن شيئاً لم يكن، تدفعه إليه تلك القوة الغاشمة الخفية الكامنة في لا شعوره، والتي كانت تدفعه إليه قبل أسره، لذلك نجده بعد موت سيف الدولة عام 356هـ([24">)، واستلام ابنه اليافع أبي المعالي سعد الدولة لإمارة حلب([25">)، نجده يتابع سيره في طريقه الآنفة الذكر بخطى حثيثة، وقد ساعده في ذلك أن سعد الدولة لم يستطع أن يملأ الفراغ الذي خلّفه والد سيف الدولة بموته([26">)، والذي كان من الممكن أن يملأه أبو فراس، فتوجه سعد الدولة إليه في حمص بعد خلاف بينهما، أشعل ناره (قرغويه) غلام سيف الدولة خوفاً من أبي فراس ورغبة منه في أن يكون الرجل الأول في حلب، فانحاز أبو فراس إلى بلدة (صدد)([27">)، ونزل سعد الدولة بسلمية([28">)، وأرسل إليه قائده قرغويه مع غلمان أبيه وجمعٍ من بن كلاب، فخرج إليهم أبو فراس، وكان قتال انتهى بمقتله يوم الأربعاء الثامن من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثلاثمئة، فنزل قرغويه فاحتز رأسه، وحمله إلى سعد الدولة، فشُقَّ عليه لأنه لم يرد ذلك، وبقيت جثة أبي فراس مطروحة بالبرية، حتى كفنه أعرابي ودفنه([29">).


إن هذه النهاية المأساوية المفجعة، تبدو وكأنه كان يتوقعها، ويراها نصب عينيه، ويندفع إليها اندفاعاً غريزياً قاهراً لا يملك له رداً، لذلك نجده من قبلُ قد نعى نفسه إلى ابنته، وأوصاها بالصبر، وأن تلتزم بسترها وحجابها عندما تنوح عليه، وان تندبه بأنه لم يُمتّع بالشباب مع أنه زين الشباب، وذلك في قوله([30">):


أبنيّتي لا تجزعي كلُّ الأنام إلى ذهابِ


أبنيّتي صبراً جميـ لاً للجليل من المصاب


نوحي عليّ بحسرة من خلف سترك الحجاب


قولي إذا ناديتني ووعيتُ عن رد الجواب


زين الشباب أبو فرا س لم يُمتّع بالشباب


وإذا كان الموت واحداً مهما تعددت أسبابه، فإن أبا فراس قد نظر إليه من زوايا متعددة، وتحدث عنه أحاديث اتفقت مع هذه الزوايا، ولا غرو في ذلك، فهو من بني حمدان الذين رآهم لم يُخلقوا كغيرهم، وإنما خُلقوا للمجد والبأس والجود كما مرّ آنفاً، وهذه الغايات التي خلقوا لها، ليس لها سوى الموت طريقاً، الموت لأعدائهم مكللاً بالذل والعار، والموت لهم مكللاً في الأول والآخر بالمكرمات والعز، قال([31">):


لنا أولٌ في المكرمات وآخرُ وباطنُ مجدٍ تغلبيٍّ وظاهرُ


وهم لا يرضون إلا بواحد من اثنين، لا ثالث لهما، الصدر أو القبر، قال([32">):


ونحْن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبرُ


وأن نفوسهم قد هانت في طلب المعالي، كما قال([33">):


تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن خطب الحسناء لم يُغْلها المهرُ


إنهم لا يهابون الموت، بل يرحبون به، ويستضيفونه ضيفاً عزيزاً لديهم، قال([34">):


وفتيانُ صدقٍ من غطاريف وائلٍ إذا قيل: ركب الموت، قالوا لـه: انزلِ


ودأبهم أيضاً أمران أو دمان اثنان، لا ثالث لهما، دم الرجال للأعداء، ودم الجمال للضيفان، قال([35">)


لِلِقا العد بيضُ السيو فِ وللندى حمرُ النَّعمْ


هذا وهذا دأبُنا يُودى دمٌ، ويُراق دمْ


وقال أيضاً مفتخراً بوالده وأعمامه([36">):


أولئك أعمامي ووالديَ الذي حمى جنباتِ المُلك والمُلك شاغرُ


له بِسُلَيمٍ وقفة جاهلية تقرُّ بها فَيْدٌ وتشهد حاجرُ


فلم ترَ إلا فالقاً هام فيلق وبحراً لـه تحت العجاجة ماخِرُ


وافتخر أيضاً بعمه الحسين بن حمدان الذي قتل الوزير العباس بن المعتضدي وفاتكاً([37">)، قال:


وعمِّيْ الذي أردى الوزير وفاتكاً وما الفارس الفتاك إلا المجاهرُ


أذاقهما كاس الحمام مُشيَّعٌ مشاورُ غارات الزمان مُساور


وافتخر أيضاً بعم آخر له هو سليمان بن حمدان الملقب بالحرون لعظمته بالحرب، فقال([38">):


وعمي الحرون عند كل كتيبة تخفُّ جبال وهْو للموت صابرُ


واللافت للنظر في فخره خاصة، وفي شعره عامة، ذلك الإلحاح الشديد على الموت، وما يؤدي إليه. ولعل هذا يدل ـ فيما يدل ـ على قوة غريزة الموت الكامنة في لا شعوره وأعماقه وطغيانها. وربَّ معترض يقول: إن كثيراً من الشعراء ذكروا الموت. فنقول: المقصود هو كثرة ذكر الموت، لا ذكره فقط، تلك الكثرة التي زادت عن الخمسين مرة في ديوانه الذي لا يعد كبيراً إذا ما قيس بغيره من دواوين أمثاله، هي التي مازت الشاعر عن سواه. وإذا وجدنا ـ ولا بد أننا واجدون ـ شعراء آخرين أكثروا من ذكر الموت، فما الذي يمنع من أن يكونوا كأبي فراس في طغيان غريزة الموت لديهم وعنفوانها، وأن يسبق حصانها الأسود حصان الحياة الأبيض عندهم، كما سبقها لدى أبي فراس.


كل ذلك دفعه إلى أن يموت ميتة الرجال الكاملي الرجولة الأبطال، فقال([39">):


فإنْ عشنا ذخرناها لأُخرى وإن متنا فموتات الرجال


ولا بد من أن نتوقف عند هذا البيت ملياً، وبخاصة عند شطره الأول الذي يؤكد ما ذهبنا إليه من أن غايته قد كانت الموت، وليست النجاة التي لا تعدو أن تكون ذخراً ووسيلة توصله إلى موت قادم قريب وسريع.


ولم يناقض فعلُ أبي فراس قولَه، فقد خاض الحروب بشجاعة نادرة، بلا ترس ولا درع، ليس معه سوى سيفه ويده وقلبه، قال([40">):


حملتُ على ورود الموت نفسي وقلت لعصبتي موتوا كراما


وعذْتُ بصارم ويد وقلب حماني أن أُلام وأن أُضاما


ولم أبذل لخوفهمُ مِجّناً ولم ألبس حذار الموت لاما


كما وجد أيضاً في بذل النفس جوداً يفوق الجود بالمال، وشتان ما بينهما، قال([41">):


وندعو كريماً من يجود بماله ومن يبذل النفس الكريمة أكرمُ


لذلك اتخذ الحرب طعاماً له وشراباً باع في سبيلها صباه، قال([42">):


فلا تصفنَّ الحرب عندي فإنها طعاميَ مذْ بعت الصبا وشرابي


ولم يجد في الموت شراباً فقط، وإنما وجده شراباً عذباً سائغاً لذة للشاربين([43">):


قد عذب الموت بأفواهنا والموت خير من مقام الذليلِ


كما كان يرى الموت يملأ ما بين المشرقين أمامه، ويرى المعايب خلفه، وهي أصعب عنده من الموت، لذلك خاضه غير هيّاب ولا وجل، قال([44">):


أرى ملء عينيَّ الردى فأخوضه إذا الموت قدامي وخلفي المعايبُ


ولم يكتف أبو فراس بذلك، بل نجده قد حل في السيف، أو حل السيف فيه، وأصبحا معاً كياناً واحداً، يذكرنا، لولا صرامته وشدته، بنظرية الحلول عند المتصوفة، ولا شك في أن لهذا دلالاته فيما ذهبنا إليه، قال([45">):


يا ضاربَ الجيش بي في وسْط مفرقه لقد ضربت بعين الصارم العَضُبِ


كما نجده قد توحد أيضاً مع الترس فضلاً عن توحده مع السيف ومع قومه، قال([46">):


وإن حاربوا كنتُ المجنَّ أمامهم وإن ضاربوا كنت المهند واليدا


وإنه لم يكن يرضى بهزيمة أعدائه، وإنما أوجب على نفسه أن يجعلهم بين قتيل أو أسير، قال([47">):


فبين قتيل بالدماء مضّرجٍ وبين أسير في الحديد مكّبلِ


هذه الشجاعة الباسلة والاندفاع الشديد نحو الموت المرةَ تلو المرة جعلت قومه يلومونه على ذلك، ولكنه لم يسمع كلامهم، قال([48">):


أُلامُ على التعرّض للمنايا ولي سمعٌ أصمُّ عن الملام


ولعل الذي شجع أبا فراس على ذلك أنه أدرك أن الموت ذو سطوة لا تُرد، وميعاد لا يُخلف، لا ينفع معه حرص ولا حيلة، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، كما قال الله تعالى، قال([49">)::


وإذا المنية أقبلت لم يثْنها حرص الحريص وحيلةُ المحتالِ([50">)


وأنه نهاية كل حي، يتساوى لديه الأحياء جميعاً، قال([51">):


بنو الدنيا إذا ماتوا سواءٌ ولو عَمَرَ المعَّمرُ ألف عام


كما أنه (أي الموت) أيضاً لا يفارق الإنسان أبداً، قال([52">):


فمؤجَّلٌ يلقى الردى في أهله ومعجَّلٌ يلقى الردى في نفسهِ


إن أبا فراس كان يرى الموت قتلاً النهاية الحتمية الوحيدة التي لا مفر منها له ولجميع الكرام الصيد أمثاله، قال([53">):


ولئن قُتلتُ فإنما موت الكرام الصيد قتلا


وأنّ له أجلاً مسمى لا يتقدم ولا يتأخر، قال([54">):


فإنْ أهلَكْ فعنْ أجلٍ مسمّى سيأتيني ولو ما بينكنّهْ


ويعتقد أن الإنسان إذا لم يستطع الخلود جسداً، فإنه يستطيعه ذكراً خالداً يخلده بعد موته إلى أبد الآبدين بطولة وكرماً ومروءة ونبلاً ومثلاً، قال([55">):


هو الموت فاختر ما علا لك ذكرهُ فلم يمت الإنسان ما حيي الذكرُ


ولا بد في قوله هذا أن يستوقفنا أسلوب القصر في أوله (هو الموت) وما فيه من إيحاءات، منها أنه لا يوجد أمام الإنسان مهما طال به العمر أو تعددت به السبل أو طاب له العيش أو غير ذلك، نقول: لا يوجد أمامه سوى الموت يرقبه وينتظره، كما قال طرفة بن العبد من قبل([56">):


لعمرك إنَّ الموت ما أخطأ الفتى لكالطِّوَلِ المُرْخى وثِنْياهُ باليدِ


إن أبا فراس في بطولاته وتحديه للموت أراد أن يضع نفسه الموضع اللائق بها، فالإنسان حيث يجعل نفسه عزاً أو ذلاً، قال([57">):


وما المرء إلا حيث يجعل نفسه وإني لها فوق السماكين جاعلُ


ولقد أكد ذلك مرة أخرى لسيف الدولة حيث قال([58">):


ولا أعود برمحي غير منحطم ولا أروح بسيفي غير مختضبِ


حتى تقول لك الأعداء راغمة أضحى ابن عمك هذا فارسَ العربِ


هكذا كان موقف الشاعر من الموت موقف شجاع راكض إلى حتفه ركضاً لاهثاً سريعاً متكرراً لا يعرف راحة أو بطئاً. ورب قائل يقول: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا كان في أسره يطل بالفداء ويلح فيه؟. إنه طلب فداءه وألح في ذلك لا خوفاً ولا جبناً، وإنما كان يأنف أن يموت أسيراً كما يموت الجبناء، ولأنه أراد أن يهرب من موت لا عَناء ولا عزة فيه إلى موت عزيز في ظلال السيوف كما يموت الأبطال الميامين، ونجد ذلك في قوله لسيف الدولة([59">):


أناديكَ لا أني أخاف من الردى ولا أرتجي تأخير يومٍ إلى غدِ


ولكن أنفتُ الموت في دار غربة بأيدي النصارى الغُلْفِ ميتة أكمدِ


ويريد بالنصارى هنا الروم. ولأنه أيضاً كان يريد العود إلى أمه العجوز ليبرها ويدفع عنها الضيم، قال([60">):


لولا العجوز بمنبجٍ ما خفتُ أسباب المنيهْ


ولكان لي عما سألـ ـتُ من الفدا نفس أبيّه


لكن أردتُ مرادها ولو انجذبتُ على الدنيّه


وأرى محاماتي عليـ ـها أن تُضامَ من الحميّه


أمست بمنبجَ حُرةٌ بالحزن من بعدي حَرِيّه


ورب قائل أيضاً يقول: لماذا اختار أبو فراس الأسر على الموت؟. فنجده قد أجابه أبو فراس على تساؤله هذا من قبل، وهو أنه القدر الذي لا يُرد، في قوله([61">):


أُسرتُ وما صحبي بعزْل لدى الوغى ولا فرسي مُهرٌ ولا ربُّهُ غَمْرُ


ولكنْ إذا حُمَّ القضاء على امرئ فليس لـه برٌّ يقيه ولا بحر


ولا شك في أنه كان يرى الفرار أمام الأعداء أشد من الموت وعاراً كبيراً لا يمكن قبوله، ونجد ذلك في قوله([62">):


ولما لم أجد إلا فراراً أشدَّ من المنية أو حِماما


حملتُ على ورود الموت نفسي وقلت لعصبتي موتوا كراما


وعذْتُ بصارم ويد وقلب حماني أن أُلام وأن أُضاما


وهكذا ظفر أبو فراس بالموت، عانقه عناق الحبيب لحبيبه، بعدما ظل يطلبه طوال عمره، ومنذ يفاعته، طلباً حثيثاً، تدفعه إليه قوة كامنة عميقة كاسرة لا تقهر، ولا تعرف كللاً ولا مللاً، حتى ظفر بالموت ظفراً مشرفاً شجاعاً ـ كما كان يريد ـ بضربة سيف أعجمي جبان غادر، بيد أن هذه القوة الهادرة القاهرة التي كانت تكمن في صبغياته، وتندفع من قلبه الشجاع وروحه الأبية كالحصان الأدهم الجموح في صبغياته، قد لقيت التشجيع كله من قناعته التي لم تعرف التردد، وإرادته التي لم تعرف إلا القوة، فاجتمع ذلك كله، ودفعه بشجاعة نادرة إلى حياض الموت وعشق المثل الأعلى وخلود الذكر وسيرورة الاسم والأخبار والأشعار عبر القرون، تتناقلها الأجيال العربية سيرة خالدة ومثالاً يُحتذى جيلاً إثر جيل.

الصقرالشمالي
21-12-2009, 01:12 PM
أبو فراس الحمداني
اسمه ـ ومولده ـ ونشأته

هو أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان الحمداني أبن عم سيف الدولة 0 وناصر الدولة بن حمدان
أما ولادته فكانت في الموصل سنة 320ونشأيتيم الأب إذ إن والده سعيد اغتيل في عام 323 وأبو فراس لم يتجاوز الثالثة آنذاك وكان والده قد شرع في ضم الموصل وديار ربيعة من جهة الراضي بالله الخليفة العباسي ففعل ذلك سراً ومضي إليها في خمسين غلاماً ولكن ناصر الدولة ابن أخيه قبض عليه وقتله .
على أن سيف الدولة بعد أن تولى حكم البلاد في الدولة الحمدانية أحاط ابن عمه اليتيم بالعطف والعناية وغرس فيه بذور الصفح عن ابن عمه ناصر الدولة الذي قتل أباه 0
وفي عام 336 أقطعه سيف الدولة ضيعه بأعمال منبج ثم ولاه بعد ذلك على منبج حصن حلب المنيع كما ولاه حران وأعمالها كذلك فكان على أبي فراس أن يضل يقضاً من جهة الروم وأيضا من جهة قبائل البدو وكلاهما كانا عدوا تخشى مغبته على أطراف الدولة الحمدانية
* الفارس الأسيــــــر :
يذكر ابن خالويه : أنا ابن أخت ملك الروم خرج في ألف فارس إلى نواحي منبج فصادف الأمير أبا فراس يتعبد ومعه سبعون فارسا وجرت بينهما معركة شرسة طلب من خلالها رفاق أبي فراس أن يسلم بالهزيمة فأبى وثبت حتى أثخن بالجراح وأسير وكان ذلك كما تقول
الرواية في عام 351وكان أخو البطريق قائد الروم واسمه يودرس قد أسره الأمير سيف الدولة الحمداني فطلب الروم من أبي فراس الحمداني أن يحدث أبن عمه الأمير سيف الدولة بفك أسر يودرس مقابل فك أسره .
وقد طلب ذلك أبو فراس عن أبن عمه بالفعل ولكن سيف الدولة ماطل في الفداء رغبة منه كما تقول بعض الروايات
في افتداء كل أسرى المسلمين الموجودين لدى الروم دفعه واحده وليس افتداء ابن عمه فقط
ولما طالت فترة الأسر لأبي فراس وكثرة مماطلة سيف الدولة أمام كثرة محاولات الروم فك أسيرهم تغيرت معاملاتهم لأبي فراس وقيدوه في أسره مما أدى إلى اعتلال أم أبي فراس ثم موتها بعد أن يئست من طلب العفو وافتداء ابنها وضل أبو فراس في الأسر مدة أربع سنوات حتى خرج بثلاث آلاف أسير من المسلمين كانوا في سجون الروم وقابلهم الأمير سيف الدولة الحمداني بأسراه من الروم ودفع ستمائة ألف دينار روميه وعادبهم جميعاً إلى دولته .
*أخلاقه وشمائله :بدأ أبو فراس الحمداني متحلياً بغير القليل من سمات الأمراء والفتوه العربية العريقة وقد ظهر ذلك كثيراً في أشعاره
إذا كان يتغنى في منظوماته بحزمه وشجاعته وجرأته إلى جانب وقاره وعفته وذكائه ودماثة خلقه كما كان كثير البذخ والجود ولايثنيه على ذلك قلة المال في يده أحياناً ولعل ذلك كان يرجع إلى قوة الجانب الدين عنده حتى أنه كثير ماكان يعرض في شعره ببني العباس وينبغي عليهم غدرهم بالطالبيين إذا كان أبو فراس متشيعاً محباً لأل البيت ولذلك أثره البارز في أشعاره .
*ثقافته وشاعريته :
يقال : أن الذي أفاد أبا فراس في الحقل الفكري هو : بلاط الأمير سيف الدولة إذ جعل من رجل الدولة الحمدانية الأول وبدا حجة الأدباء والعلماء لذلك الزمان
*ويقول عنه الصاحب بن عباد : بدىءالشعر بكلمات وختم بملك يعني امرآ القيس وأبا فراس
*كما يقول عند الثعالبي : وشعره مشهور وسائر بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة والمتانة ومعه رواء الطبع وسمة الظرف وعزة الملك ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلافي شعر عبد الله ابن المعتز وأبو فراس يعد أشعر من عند أهل الصنعة ونقدة الكلام
ويقال عند ابن رشيق : أما أبو الطيب المتنبي فلم يذكر معه شاعر إلا أبو فراس وحده ولوكان مكانه من السلطان لأخفاه
ومن النماذج الشعرية لأبي فراس :

قوله في العتاب والاستعطاف لسيف الدولة :
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب

وقوله في وصف نهر حفت به الورود :
والماء يفصل بين الزهر الروض في الشطين فصلا
كبساط وشي جردت أيدي العيون عليه نصلا

وفي حماسياته وفخره وهو كثير في شعره :
ألم ترانا أعز الناس جاراً وأمنعهم وأسرعهم جنابا
لنا الجبل المطل على نزار حللنا النجد من والهضابا
وقد علمت ربيعة بل نزار بأنا الرأس والناس الذنابى

كل القصائد التي كتبها أبو فراس الحمداني في سجنه كانت من عيون الشعر العربي

ومن رثائه في أخت سيف الدولة الكبرى المتوفاة بمدينة
( ميا فارقين )
أوصيك بالحزن لا أوصيك بالجلد
جل المصاب عن التعنيف والفند
إني أجلك أن تكفي بتعزية
عن خير مفتقد ياخير مفتقد

أما غزليات أبي فراس فهي كثيرة كما ذكرنا وهي في معظمها وجدانية رقيقة الحس ينهج في معظمها على نمط الأقدمين .
وغزليات أبي فراس الحمداني عادة يأتي بها في استهلال حماسيات وفخرياته ويضمنها الوقوف على الأطلال والشكوى والتمدح بالعفة إلى غير ذلك مما هو سائد في أشعار السابقين

ولأبي فراس الحمداني في الحكمة كذلك أشعار غير قليلة نذكر منها قوله :
وإذا المنية أقبلت لم يثنها
حرص الحريص وحيلة المحتال


وقولــــــه :

عفافك عجز إنما عفة الفتى
إذا عف عن لذاته وهو قادر

الصقرالشمالي
21-12-2009, 01:13 PM
أبو فراس الحمداني
لقد وقفت أتأمل كثيرا وأنا اقرأ من قصائده
انه نموذج للشعر العربي الأصيل، الذي يعبر عن وجدان عاشق فارس ، يعتز بنسبه العريق ، وتسري في عروقه دماء عربية أصيلة جعلته دائم الفخر والاعتزاز بنفسه ومكانته ، ولم لا ؟ وهو الشاعر الفارس الأمير سيف الدولة أمير حلب ، أشهر أمير عربي خلده شاعر العربية الكبير (( المتنبي )) في سيفياته التي قالها وهو في جواره، يصف وقائعه ، ويسجل أحداث زمانه .

هل عرفتموه انه الشاعر العربي الكبير أبو فراس الحمداني ، ولد بالموصل ، قتل أبوه وهو لا يزال طفلا صغيرا ، فتربى على يدي عمه وزوج أخته سيف الدولة، نشأ أبو فراس على الفروسية والأدب ، ثم قلده سيف الدولة الإمارة على (( منبج وحران )) وأعمالها وهو لا يزال حديث السن حيث كان عمره آنذاك لا يتجاوز السادسة عشر ، وكان يصطحبه عمه في المعارك، وما كان أكثرها ، ضد الرومانيين الطامعين في الوطن العربي الذي تفتت بانحلال الدولة العباسية ، وقدر لدولة الحمدانيين ولسيف الدولة أن يكونا القلعة الوحيدة الصامدة في وجه الدولة البيزنطية ، وان يكونوا الدرع الواقي للثغور العربية في مواجهة أعظم دول ذلك الزمان .

ولكنه يؤسر في إحدى معارك سيف الدولة مع الروم ، وينقله الروم الى القسطنطينية، ويظل في الأسر اربع سنوات ، ويقال انها كانت سبع ، توالت رسائل ابي فراس الحمداني الى سيف الدولة يطلب بها مفاداته . ويختلف المؤرخون في سبب بطء سيف الدولة وتراخيه في مفاداته ، على أي اطلق سراح ابي فراس الحمداني بعد ان افتداه ابن عمه ، فولاه سيف الدولة امارة حمص ، ثم مات سيف الدولة بعد عام واحد . فقامت الحرب بين ابي فراس وأمير حلب الجديد ابي المعالي سيف الدولة وابن اخت ابي فراس نفسه .. وتنتهي الحرب بمقتل ابي فراس الحمداني قرب حمص ، وينتهي معه طموحه وفخره وفروسيته..

ولأبي فراس ديوان من الشعر القوي الجزل ، العذب الأنغام ، الصادق العطفة والتصوير ، يسجل فيه تاريخ حياته ويصور فروسيته ويفخر بمآثر أسرته ، ومن بين هذا الديوان اشتهرت رومياته ( القصائد التي قالها وهو لا يزال في الأسر ) وهذه القصائد هي التي تكشف عن مدى شكواه وعمق حزنه .

لكن قصيدة واحدة من قصائد ابي فراس الحمداني يتاح لها من الذيوع مالا يتاح لبقية قصائده ، تلك هي مطولته (( أراك عصي الدمع )) التي تصور ادق التصوير لوجدان هذا الشاعر الفارس ، الذي يذوب رقة وعاطفة ولكن في شموخ وكبرياء واعتزاز ، ومن خلال نفس ابية ترفض كل ذلة ومسكنة ، ولا تعرف الا الإباء والجرأة والإقدام .
فالشاعر الذي يذوب وجدا وهياما في مواقف الحب والصبابة ، لا يحني رأسه ، ولا يدوس على كرامته ، لكنه دائما شامخ أبي ، شأنه في حروبه ومعاركه مع الخصوم والاعداء

هذه القصيدة التي اشتهرت عندما دخلت ساحة الغناء العربي ، ورددتها الألوف ، معجبة بعاطفة الشاعر الفارس ، وكبريائه وشممه ، وفنه الشعري المقتدر ، وصياغته العذبة القوية .. هذه القصيدة هي التي سوف نتوقف عندها الآن قراءة وتذوقا وتأملا .......



يقول شاعرنا الكبير ابي فراس الحمداني في قصيدته المشهورة

(( اراك عصي الدمع ))

أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهي عليك ولا أمر
بلى ،أنا مشتاق وعندي لوعة
ولكن مثلي لا يذاع له سر
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى
وأذللت دمعا من خلائقه الكبر
تكاد تضيء النار بين جوانحي
إذا هي أذكتها الصبابة والفكر
معللتي بالوصل والموت دونه
إذا بت ظمآنا فلا نزل القطر
حفظت وضيعت المودة بيننا
وأحسن من بعض الوفاء الغدر
وما هذه الأيام إلا صحائف
لأحرفها ، من كف كاتبها ، بشر


بنفسي من الغادين في الحي غادة
هواي لها ذنب ، وبهجتها عذر
تروغ إلى الواشين في ، وإن لي
لأذنابها عن كل واشية وقر
بدوت وأهلي حاضرون ، لأنني
أرى أن دارا لست من أهلها قفر
وحاربت قومي في هواك ، وإنهم
وإياي ، لولا حبك ، الماء والخمر
فإن يك ما قال الوشاة ولم يكن
فقد يهدم الإيمان ما شيد الكفر


وفيت وفي بعض الوفاء مذلة
لإنسانة في الحي شيمتها الغدر
وقور ، وريعان الصبا يستفزها
فتأرن أحيانا كما أرن المهر
تسائلني : من انت ؟ وهي عليمة
وهل بفتى مثلي على حاله نكر
فقلت لها : لو شئت لم تتعنتي
ولم تسألي عني ، وعندك بي الخبر
فقالت : لقد أزرى بك الدهر بعدنا
فقلت : معاذ الله ، بل انت لا الدهر
وما كان للأحزان لولاك مسلك
الى القلب ، لكن الهوى للبلى جسر
وتهلك بين الهزل والجد مهجة
إذا ما عداها البين عذبها الهجر
فأيقنت أن لا عز بعدي لعاشق
وأن يدي مما علقت به صفر
وقلبت أمري لا أرى لي راحة
اذا البين أنساني الح بي الهجر
فعدت إلى الزمان وحكمها
لها الذنب لا تجزي به ولي العذر


فلا تنكريني يا ابنة العم ، انه
ليعرف من انكرته البدو والحضر
ولا تنكريني ، إنني غير منكر
إذا زلت الأقدام ، واستنزل الذعر
وإني لجرار لكل كتيبة
معودة أن لا يخل بها النصر
وإني لنزال بكل مخوفة
كثير الى نزالها النظر الشزر
فاظمأ حتى ترتوي البيض والقنا
وأسغب حتى يشبع الذئب والنسر
ولا أصبح الحي الخلوف بغارة
ولا الجيش ، ما لم تأته قبلي النذر
ويا رب دار لم تخفني منيعة
طلعت عليها بالردى أنا والفجر
وحي رددت الخيل حتى ملكته
هزيما ، وردتني البراقع والخمر
وساحبة الأذيال نحوي لقيتها
فلم يلقها جافي اللقاء ولا وعر
وهبت لها ما حازه الجيش كله
ورحت ولم يكشف لأبياتها ستر
ولا راح يطغيني بأثوابه الغنى
ولا بات يثنيني عن الكرم الفقر
وما حاجتي بالمال أبغي وفوره
إذا لم أصن عرضي فلا وفر الوفر


أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى
ولا فرسي مهر ولا ربه غمر
ولكن إذا حم القضاء على امرئ
فليس له بر يقيه ولا بحر
وقال أصيحابي : الفرار أو الردى؟
فقلت : هما أمران احلاهما مر
ولكنني أمضي لما لا يعيبني
وحسبك من أمرين خيرهما الأسر
يقولون لي بعت السلامة بالردى
فقلت : أما والله ، ما نالني خسر
وهل يتجافى الموت عني ساعة
إذا ما تجافى عني الأسر والضر ؟
هو الموت فاختر ما علا لك ذكره
فلم يمت الانسان ما حيي الذكر
ولا خير في دفع الردى بمذلة
كما ردها يوما بسوءته عمرو
يمنون أن خلو ثيابي ، وإنما
علي ثياب من دمائهمو حمر
وقائم سيف فيهمو اندق نصله
وأعقاب رمح فيه قد حطم الصدر


سيذكرني قومي إذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
فإن عشت ، فالطعن الذي يعرفونه
وتلك القنا والبيض والضمر الشقر
وإن مت فالإنسان لا بد ميت
وإن طالت الأيام وانفسح العمر
ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به
وما كان يغلو التبر لو نفق الصفر
ونحن اناس لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا
ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر
أعز بني الدنيا وأعلي ذوي العلا
وأكرم من فوق التراب ولا فخر

الصقرالشمالي
21-12-2009, 01:15 PM
أبو فراس الحمداني


أبو فراس الحمداني شاعر وأمير عربي من الأسرة الحمدانية، ابن عم ناصر الدولة، وسيف الدولة الحمداني. حارب الروم وأسروه، واشتهر بقصائده المعروفة بالروميات.

اسمه الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني، وأبو فراس كنيته، وُلد في الموصل 320 هـ، وقُتل في 357 هـ في موقعة بينه وبين ابن أخته أبو المعالي بن سيف الدولة ، نشأ في كنف ابن عمه وزوج أخته سيف الدولة الحمداني بعد أن قتل ناصر الدولة أباه سعيد بن حمدان، فنشأ عنده كريماً عزيزاً، وولاه منبج من أعمال الشام كما صحبه في حربه ضد الروم. اغتيل والده وهو في الثالثة من عمره على يد ابن أخيه جرّاء طموحه السياسي، لكنّ سيف الدولة قام برعاية أبي فراس.

استقرّ أبو فراس في بلاد الحمدانيين في حلب. درس الأدب والفروسية، ثم تولّى منبج وأخذ يرصد تحرّكات الروم. وقع مرتين في أسر الروم. وطال به الأسر وهو أمير ، فكاتب ابن عمه سيف الدولة ليفتديه، لكنّ سيف الدولة تباطأ وظلّ يهمله. كانت مدة الأسر الأولى سبع سنين وأشهراً على الأرجح. وقد استطاع النجاة بأن فرّ من سجنه في خرشنة، وهي حصن على الفرات. أما الأسر الثاني فكان سنة 962 م. وقد حمله الروم إلى القسطنطينية، فكاتب سيف الدولة وحاول استعطافه وحثّه على افتدائه، وراسل الخصوم . وفي سنة (966) م تم تحريره. وفي سجنه نظم الروميات، وهي من أروع الشعر الإنساني وأصدقه.

علم سيف الدولة أن أبا فراس فارس طموح، فخاف على ملكه منه، ولهذا أراد أن يحطّ من قدره وان يكسر شوكته ويخذله ويذلّه بإبقائه أطول فترة ممكنة في الأسر.

ولهذا قام بمساواته مع باقي الأسرى، رغم انه ابن عمه، وله صولات وجولات في الكرم والدفاع عن حدود الدولة وخدمة سيف الدولة الحمداني.


سقوط الفارس في ساحة الميدان
بعد سنة من افتداء الشاعر، توفي سيف الدولة (967) م وخلفه ابنه أبو المعالي سعد الدولة، وهو ابن أخت الشاعر. وكان أبو المعالي صغير السن فجعل غلامه التركي فرعويه وصياً عليه. وعندها عزم أبو فراس الحمداني على الاستيلاء على حمص، فوجّه إليه أبو المعالي مولاه فرعويه، فسقط الشاعر في أوّل اشتباك في الرابع من نيسان سنة 968 م وهو في السادسة والثلاثين من عمره.

وهكذا نجد أنّ رأي سيف الدولة الحمداني فيه كان صادقاً وفي محله. فقد كان أبو فراس الحمداني طموحاً الأمر الذي جرّ عليه الويلات.


أشعاره :
قال الصاحب بن عباد: بُدء الشعر بملك، وخُتم بملك، ويعني امرأ القيس وأبو فراس.

يقول:
لم أعدُ فـيـه مفاخري ومديح آبائي النُّجُبْ
لا في المديح ولا الهجاءِ ولا المجونِ ولا اللعبْ

هو صاحب البيت الشهير:
الشعر ديوان العرب أبداً وعنوان الأدب

وفي قصيدة "أراك عصيّ الدمع" الشهيرة يقول:
أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمر؟
نعم أنا مشتاق وعنـديَ لوعةٌ ولكنّ مثلي لا يُذاع له سـرُّ
إذا الليل أضواني بسطتُ يدَ الهوى وأذللتُ دمعاً من خلائقهِ الكِبْرُ

ومن روائع شعره ما كتبه لأمه وهو في الأسر:
لولا العجوز بـمنبجٍ ما خفت أسباب المنيّـهْ
ولكان لي عمّا سألت من فدا نفـس أبــيّهْ

وفي قصيدة أخرى إلى والدته وهو يئن من الجراح والأسر، يقول:
مصابي جليل والعزاء جميلُ وظني بأنّ الله سوف يديلُ
جراح وأسر واشتياقٌ وغربةٌ أهمّكَ؟ أنّـي بعدها لحمولُ

وأثناء أسره في القسطنطينية بعث إلى سيف الدولة يقول:
بمن يثق الإنسان فـيمـا نواه؟ ومن أين للحرّ الكريم صحاب؟

وقبل وفاته رثى نفسه بأبيات مشهورة موجهة إلى ابنته.
أبنيّتـي لا تـحزنـي كل الأنام إلى ذهـــابْ
أبنيّتـي صبراً جـميلاً للجليل مـن الـمـصابْ
نوحي علـيّ بحسـرةٍ من خلفِ ستركِ والحجابْ
قولـي إذا ناديتنـي وعييتُ عـن ردِّ الجوابْ
زين الشباب أبو فراسٍ لم يمتَّعْ بالشبــــابْ

الصقرالشمالي
21-12-2009, 01:16 PM
أبو فراس الحمداني

هو الشاعر والأمير الحمداني أبو فراس. ولد بالموصل ( 932 م- 320 هـ) حيث كانت أسرته. ولم يكتب له أن يعيش في كنف والده، فقد قتل الأب يوم كان الصبي في الثانية أو الثالثة من عمره، قتله ناصر الدولة ابن أخيه لأنه زاحمه على ولاية الموصل.

نشأ أبو فراس في رعاية ابن عمه سيف الدولة الذي ضمه إلى عائلته وحمله معه إلى بلاطه في حلب حيث اتصل بالعلماء والأدباء فأخذ عنهم. تدرب على الفروسية والقتال، فرافق ابن عمه في غزواته، وحارب الروم، وأخضع القبائل الثائرة، مما جعل سيف الدول يثق به فيوليه إمارة منبج وهو دون العشرين من سنيه. وكانت هذه الإمارة أخطر ثغر من ثغور الدولة الحمدانية وأسهل طريق ينفذ منه البيزنطيون إلى بلاد الشام، فسهر عليها يدفع عنها أطماع الروم، ويرد عنها غارات القبائل التي ثارت على الحمدانيين بفعل دعاية القرامطة.

ولكن النصر الذي حالف أبا فراس في حروبه خانه ذات يوم فوقع أسيرا بين أيدي الروم الذين ساقوه إلى خرشنة ثم إلى القسطنطينية، وهناك طال أسره.

وكان يأمل أن يسرع ابن عمه إلى افتدائه ولكن أمير حلب أبطأ في ذلك، فضاق صدر الشاعر ونظم في أسره أروع أشعاره التي عرفت " بالروميات" وفيها يشكو من إبطاء سيف الدولة في افتدائه، ويتأمل من انصرافه عنه، ويبث حنينه إلى أمه العجوز وأهله وأصدقائه، وإلى منبج ملاعب صباه.

الصقرالشمالي
21-12-2009, 01:19 PM
حياة الشاعر ابو فراس الحمداني
حياة الشاعر (http://www.onlinea1.com/vb/t3506.html)ابو (http://www.onlinea1.com/vb/t3506.html)فراس (http://www.onlinea1.com/vb/t3506.html)الحمداني



هو أبو العلاء الحارث بن سعيد بن حمدان , فارس من أسرة بني حمدان وشاعرهم ولد في الموصل سنة 320 هـ , ونشأ يتيما لأن ناصر الدولة صاحب الموصل , وهو أخو سيف الدولة كان


قد قتل سعيد والد أبي فراس (http://www.onlinea1.com/vb/t3506.html), فكفله علي (( سيف الدولة )) الذي كان زوج أخته.

كانت الاسرة الحمدانية تسيطر على شمال سورية والجزيرة العراقية , وفي سنة 333هـ استقل في حلب علي بن الهيجاء ( عبد الله بن حمدان ) الذي لقبه الخليفه بسيف الدولة نظرا لشجاته وأقدامه في المعارك , وقد رأى سيف الدولة في أبي فراس (http://www.onlinea1.com/vb/t3506.html)دلائل النجابه والفروسية فجعله صاحب منبج , وأوكل أليه أمر الثغور في نواحيها لصد الروم أو هجمات الأعراب , فأبدى كل شجاعة فائقة , وأقدام عظيم .


قال ابن خلكان (( وكانت الروم أسرته في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم بقى نصله في فخذه ونقلته الى خرشنة ثم منها الى القسطنينية , وذلك في سنة وثمان وأربعين وثلاث مئة , وفداه سيف الدولة سنة خمس وخمسين )). ثم نقل أنه أسر مرتين احداهما سنة 348هـ , والثانية سنة 351 هـ . ولم يتجاوز في الاولى خرشنة , وفي الثانية ذهبوا به الى القسطنينية , فأقام ينتظر فداء سيف الدولة له بمال وفير او أسير عظيم , وطال ذلك حتى سنة 355هـ .


وبعد فداء أبي فراس (http://www.onlinea1.com/vb/t3506.html)ولاه سيف الدولة ((حمص )) ولم يلبث أن توفي الامير سنة 356هـ وتولى أبنه أبو المعالي تحت وصاية الامير قرغويه , ولكن أمر السلطه دعا القريبين إلى ألأقتتال قرب ((حمص)) وأنتهى الأمر بمصرع أبي فراس (http://www.onlinea1.com/vb/t3506.html)سنة 337هـ وقبره معروف في قرية(( صدد )) قرب حمص


وقد كانت نشاة أبي فراس (http://www.onlinea1.com/vb/t3506.html)وطفولته في ظل والدته التي حدبت عليه رعايته , وتحت عطف زوج اخته سيف الدولة وتتلمذ على اللغوي الشهير أبن خالويه وغيره , كما شاهد أرباب القلم يفدون على سيف الدولة , واحتك بهم وهم نفر كثير , ونبغ في الشعر فتغزل في وصف المعارك , وله في الاسر قصائد كثيرة مشهوره عرفت بـ (( الروميات )) تعتبر من أرق شعره و أجمله .


أبو فراس (http://www.onlinea1.com/vb/t3506.html)شاعر وجداني , سخر شعره ليتحدث عن مشاعره وأحاسيسه , ويصف مايقع تحت بصره من حوادث ووقائع , ويعتلج في صدره من الام وامال وبرز في ديوانه : الوصف والفخر والمدح والاستعطاف والغزل , ولأبي غراس مكانه هامة عند مؤلفي الأدب , قال الصاحب بن عباد : ((بدئ الشعر بملك وختم بملك يعني أمرأ القيس ابن حجر الكندي و أبو فراس (http://www.onlinea1.com/vb/t3506.html)الحمداني )) .

الصقرالشمالي
21-12-2009, 01:25 PM
@ أبو فراس الحمداني @
(http://www.v90v.com/forums/t19882.html#post105842)


أبو فراس الحمداني شاعر وأمير عربي من الأسرة الحمدانية، ابن عم ناصر الدولة، وسيف الدولة الحمداني. حارب الروم وأسروه، واشتهر بقصائده المعروفة بالروميات.


اسمه الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني، وأبو فراس كنيته، وُلد في الموصل 320 هـ، وقُتل في 357 هـ في موقعة بينه وبين ابن أخته أبو المعالي بن سيف الدولة ، نشأ في كنف ابن عمه وزوج أخته سيف الدولة الحمداني بعد أن قتل ناصر الدولة أباه سعيد بن حمدان، فنشأ عنده كريماً عزيزاً، وولاه منبج من أعمال الشام كما صحبه في حربه ضد الروم. اغتيل والده وهو في الثالثة من عمره على يد ابن أخيه جرّاء طموحه السياسي، لكنّ سيف الدولة قام برعاية أبي فراس.


استقرّ أبو فراس في بلاد الحمدانيين في حلب. درس الأدب والفروسية، ثم تولّى منبج وأخذ يرصد تحرّكات الروم. وقع مرتين في أسر الروم. وطال به الأسر وهو أمير ، فكاتب ابن عمه سيف الدولة ليفتديه، لكنّ سيف الدولة تباطأ وظلّ يهمله. كانت مدة الأسر الأولى سبع سنين وأشهراً على الأرجح. وقد استطاع النجاة بأن فرّ من سجنه في خرشنة، وهي حصن على الفرات. أما الأسر الثاني فكان سنة 962 م. وقد حمله الروم إلى القسطنطينية، فكاتب سيف الدولة وحاول استعطافه وحثّه على افتدائه، وراسل الخصوم . وفي سنة (966) م تم تحريره. وفي سجنه نظم الروميات، وهي من أروع الشعر الإنساني وأصدقه.


علم سيف الدولة أن أبا فراس فارس طموح، فخاف على ملكه منه، ولهذا أراد أن يحطّ من قدره وان يكسر شوكته ويخذله ويذلّه بإبقائه أطول فترة ممكنة في الأسر.


ولهذا قام بمساواته مع باقي الأسرى، رغم انه ابن عمه، وله صولات وجولات في الكرم والدفاع عن حدود الدولة وخدمة سيف الدولة الحمداني.



سقوط الفارس في ساحة الميدان
بعد سنة من افتداء الشاعر، توفي سيف الدولة (967) م وخلفه ابنه أبو المعالي سعد الدولة، وهو ابن أخت الشاعر. وكان أبو المعالي صغير السن فجعل غلامه التركي فرعويه وصياً عليه. وعندها عزم أبو فراس الحمداني على الاستيلاء على حمص، فوجّه إليه أبو المعالي مولاه فرعويه، فسقط الشاعر في أوّل اشتباك في الرابع من نيسان سنة 968 م وهو في السادسة والثلاثين من عمره.


وهكذا نجد أنّ رأي سيف الدولة الحمداني فيه كان صادقاً وفي محله. فقد كان أبو فراس الحمداني طموحاً الأمر الذي جرّ عليه الويلات.



أشعاره :
قال الصاحب بن عباد: بُدء الشعر بملك، وخُتم بملك، ويعني امرأ القيس وأبو فراس.


يقول:
لم أعدُ فـيـه مفاخري ومديح آبائي النُّجُبْ
لا في المديح ولا الهجاءِ ولا المجونِ ولا اللعبْ


هو صاحب البيت الشهير:
الشعر ديوان العرب أبداً وعنوان الأدب


وفي قصيدة "أراك عصيّ الدمع" الشهيرة يقول:
أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمر؟
نعم أنا مشتاق وعنـديَ لوعةٌ ولكنّ مثلي لا يُذاع له سـرُّ
إذا الليل أضواني بسطتُ يدَ الهوى وأذللتُ دمعاً من خلائقهِ الكِبْرُ


ومن روائع شعره ما كتبه لأمه وهو في الأسر:
لولا العجوز بـمنبجٍ ما خفت أسباب المنيّـهْ
ولكان لي عمّا سألت من فدا نفـس أبــيّهْ


وفي قصيدة أخرى إلى والدته وهو يئن من الجراح والأسر، يقول:
مصابي جليل والعزاء جميلُ وظني بأنّ الله سوف يديلُ
جراح وأسر واشتياقٌ وغربةٌ أهمّكَ؟ أنّـي بعدها لحمولُ


وأثناء أسره في القسطنطينية بعث إلى سيف الدولة يقول:
بمن يثق الإنسان فـيمـا نواه؟ ومن أين للحرّ الكريم صحاب؟


وقبل وفاته رثى نفسه بأبيات مشهورة موجهة إلى ابنته.
أبنيّتـي لا تـحزنـي كل الأنام إلى ذهـــابْ
أبنيّتـي صبراً جـميلاً للجليل مـن الـمـصابْ
نوحي علـيّ بحسـرةٍ من خلفِ ستركِ والحجابْ
قولـي إذا ناديتنـي وعييتُ عـن ردِّ الجوابْ
زين الشباب أبو فراسٍ لم يمتَّعْ بالشبــــابْ

الصقرالشمالي
21-12-2009, 01:26 PM
أبو فراس الحمداني
وشعره في الغدير

تأليف
العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني


الأمير أبو فراس الحمداني

المولود 320 / 321
المتوفى 357


الحق مهتضم والدين مخترم * وفئ آل رسول الله مقتسم
والناس عندك لأناس فيحفظهم * سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم
إني أبيت قليل النوم أرقني * قلب تصارع فيه الهم والهمم
وعزمة لا ينام الليل صاحبها * إلا على ظفر في طيه كرم
يصان مهري لأمر لا أبوح به * والدرع والرمح والصمصامة الحذم (1)
وكل مائرة الضبعين مسرحها * رمث الجزيرة والخذراف والعنم (2)
وفتية قلبهم قلب إذا ركبوا * وليس رأيهم رأيا إذا عزموا
يا للرجال أما لله منتصر * من الطغاة؟ أما لله منتقم
بنو علي رعايا في ديارهم * والأمر تملكه النسوان والخدم
محلئون فأصفى شربهم وشل * عند الورود وأوفى ودهم لمم (3)
فالأرض إلا على ملاكها سعة * والمال إلا على أربابه ديم
فما السعيد بها إلا الذي ظلموا * وما الشقي بها إلا الذي ظلموا
للمتقين من الدنيا عواقبها * وإن تعجل منها الظالم الأثم
أتفخرون عليهم لا أبا لكم * حتى كأن رسول الله جدكم؟!


____________
(1) الحذم من السيوف بالحاء المهملة: القاطع.
(2) مار: تحرك. الضبع: العضد. كناية عن السمن. الرمث بكسر المهملة: خشب يضم بعضه إلى بعض ويسمى: الطوف. الخذراف بكسر الخاء ثم الدال المعجمتين: نبات إذا أحس بالصيف يبس. العنم بفتح المهملة. نبات له ثمرة حمراء يشبه به البنان المخضوب.

(3) حلاء عن الماء: طرده. الوشل الماء القليل. لم: أي غب.

الصفحة 2



ولا توازن فيما بينكم شرف * ولا تساوت لكم في موطن قدم
ولا لكم مثلهم في المجد متصل * ولا لجدكم معاشر جدهم
ولا لعرقكم من عرقهم شبه * ولا نثيلتكم من أمهم أمم (1)
قام النبي بها (يوم الغدير) لهم * والله يشهد والأملاك والأمم
حتى إذا أصبحت في غير صاحبها * باتت تنازعها الذؤبان والرخم
وصيروا أمرهم شورى كأنهم * لا يعرفون ولاة الحق أيهم
تالله ما جهل الأقوام موضعها * لكنهم ستروا وجه الذي علموا
ثم ادعاها بنو العباس ملكهم * ولا لهم قدم فيها ولا قدم
لا يذكرون إذا ما معشر ذكروا * ولا يحكم في أمر لهم حكم
ولا رآهم أبو بكر وصاحبه * أهلا لما طلبوا منها وما زعموا
فهل هم مدعوها غير واجبة؟ * أم هل أئمتهم في أخذها ظلموا؟
أما علي فأدنى من قرابتكم * عند الولاية إن لم تكفر النعم
أينكر الحبر عبد الله نعمته؟ * أبوكم أم عبيد الله أم قثم؟!؟!
بئس الجزاء جزيتم في بني حسن * أباهم العلم الهادي وأمهم
لا بيعة ردعتكم عن دمائهم * ولا يمين ولا قربى ولا ذمم
هلا صفحتم عن الأسرى بلا سبب * للصافحين ببدر عن أسيركم؟!
هلا كففتم عن الديباج سوطكم (2) * وعن بنات رسول الله شتمكم؟ (3)
ما نزهت لرسول الله مهجته * عن السياط فهلا نزه الحرم؟
ما نال منهم بنو حرب وإن عظمت * تلك الجرائر إلا دون نيلكم
كم غدرة لكم في الدين واضحة * وكم دم لرسول الله عندكم
أنتم له شيعة فيما ترون وفي * أظفاركم من بنيه الطاهرين دم


____________
(1) نثيله هي أم العباس بن عبد المطلب. الأمم: القرب.
(2) الديباج هو محمد بن عبد الله العثماني أخو بني حسن لأمهم فاطمة بنت الحسين السبط ضربه المنصور مأتين وخمسين سوطا.

(3) لعله أشار إلى قول منصور لمحمد الديباج: يا بن اللخناء. فقال محمد. أي أمهاتي تعيرني؟ أبفاطمة بنت الحسين؟ أم بفاطمة الزهراء؟ أم برقية؟.

الصفحة 3



هيهات لا قربت قربى ولا رحم * يوما إذا أقصت الأخلاق والشيم
كانت مودة سلمان له رحما * ولم يكن بين نوح وابنه رحم
يا جاهدا في مساويهم يكتمها * غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم؟ (1)
ليس الرشيد كموسى في القياس ولا * مأمونكم كالرضا لو أنصف الحكم
ذاق الزبيري غب الحنث وانكشفت * عن ابن فاطمة الأقوال والتهم (2)
باؤا بقتل الرضا من بعد بيعته * وأبصروا بعض يوم رشدهم وعموا
يا عصبة شقيت من بعد ما سعدت * ومعشرا هلكوا من بعد ما سلموا
لبئسما لقيت منهم وإن بليت * بجانب الطف تلك الأعظم الرمم (3)
لاعن أبي مسلم في نصحه صفحوا * ولا الهبيري نجا الحلف والقسم (4)
ولا الأمان لأهل الموصل اعتمدوا * فيه الوفاء ولا عن غيهم حلموا (5)
أبلغ لديك بني العباس مالكة * لا يدعوا ملكها ملاكها العجم
أي المفاخر أمست في منازلكم * وغيركم آمر فيها ومحتكم؟
أنى يزيدكم في مفخر علم؟ * وفي الخلاف عليكم يخفق العلم
يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم * لمعشر بيعهم يوم الهياج دم
خلوا الفخار لعلامين إن سئلوا * يوم السؤال وعمالين إن عملوا
لا يغضبون لغير الله إن غضبوا * ولا يضيعون حكم الله إن حكموا
تنشى التلاوة في أبياتهم سحرا * وفي بيوتكم الأوتار والنغم


____________
(1) أشار إلى غدر الرشيد بيحيى بن عبد الله بن الحسن الخارج ببلاد الديلم؟؟ سنة 176 فإنه أمنه ثم غدره وحبسه ومات في حبسه.
(2) الزبيري هو عبد الله بن مصعب بن الزبير باهله يحيى بن عبد الله بن حسن فتفرقا فما وصل الزبيري إلى داره حتى جعل يصيح؟؟: بطني بطني. ومات.
(3) أشار إلى ما فعله المتوكل بقبر الإمام الشهيد.
(4) أبو مسلم هو الخراساني مؤسس دولة بني العباس قتله المنصور والهبيري: هو يزيد بن عمر بن هبيرة أحد ولاة بني أمية حاربه بنو العباس أيام السفاح ثم أمنوه فخرج إلى المنصور بعد المواثيق والأيمان فغدروا به وقتلوه سنة 132.

(5) استعمل السفاح أخاه يحيى بن محمد على الموصل فآمنهم ونادى: من دخل الجامع فهو آمن. وأقام الرجال على أبواب الجامع فقتلوا الناس قتلا ذريعا قيل: إنه قتل فيه أحد عشر ألفا ممن له خاتم، وخلقا كثيرا ممن ليس له خاتم، وأمر بقتل النساء والصبيان ثلاثة أيام وذلك في سنة 132.

الصفحة 4



منكم علية أم منهم؟ وكان لكم * شيخ المغنين إبراهيم أم لهم؟ (1)
إذا تلوا سورة غنى إمامكم * قف بالطلول التي لم يعفها القدم
ما في بيوتهم للخمر معتصر * ولا بيوتكم للسوء معتصم
ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم * ولا يرى لهم قرد ولا حشم (2)
الركن والبيت والأستار منزلهم * وزمزم والصفى والحجر والحرم
وليس من قسم في الذكر نعرفه * إلا وهم غير شك ذلك القسم


* (ما يتبع الشعر) *
توجد هذه القصيدة كما رسمناها 58 بيتا في ديوانه المخطوط المشفوع بشرحه لابن خالويه النحوي المعاصر له المتوفى بحلب في خدمة بني حمدان سنة 370، و خمس منها العلامة الشيخ إبراهيم يحيى العاملي 54 بيتا، وذكر تخميسه في [ منن الرحمان ] ج 1 ص 143 مستهله:


يا للرجال لجرح ليس يلتئم * عمر الزمان وداء ليس ينحسم
حتى متى أيها الأقوام والأمم * الحق مهتضم.........
أودى هدى الناس حتى أن أحفظهم * للخير صار بقول السوء ألفظهم
فكيف توقظهم إن كنت موقظهم * والناس عندك.........

وهي التي شرحها م - أبو المكارم محمد بن عبد الملك بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الحلبي المتوفى 565، وشرحها ] ابن أمير الحاج بشرحه المعروف المطبوع وتوجد بتمامها في (الحدائق الوردية) المخطوط، وذكرها القاضي في (مجالس المؤمنين) ص 411، والسيد ميرزا حسن الزنوزي في (رياض الجنة) في الروضة الخامسة ستين بيتا، وهي التي شطرها العلامة السيد محسن الأمين العاملي. وإليك نص البيتين الزائدين:


أمن تشاد له الألحان سايرة * عليهم ذو المعالي أم عليكم؟ (3)


____________
(1) علية: بنت المهدي بن المنصور كانت عوادة. وإبراهيم أخوها كان مغنيا وعوادا.
(2) الخنثى: هو عبادة، نديم المتوكل. والقرد كان لزبيدة.

(3) بعد البيت ال 53.

الصفحة 5



صلى الإله عليهم كلما سجعت * ورق فهم للورى كهف ومعتصم (1)

وأسقط ناشر الديوان منها أبياتا وذكرها 53 بيتا وأحسب أنه التقط أبياتا ما كان يروقه مفادها ودونك الإشارة إليها:
1 - وكل مائرة الضبعين مسرحها
2 - وفتية قلبهم قلب إذا ركبوا
3 - فما السعيد بها إلا الذي ظلموا
4 - للمتقين من الدنيا عواقبها
5 - ليس الرشيد كموسى في القياس ولا
6 - يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم
7 - صلى الإله عليهم كلما سجعت
هذه القصيدة تعرف ب (الشافية) وهي من القصايد الخالدة التي تصافقت المصادر على ذكرها أو ذكر بعضها (2) أو الايعاز إليها، مطردة متداولة بين الأدباء، محفوظة عند الشيعة وقسمائهم منذ عهد نظمها ناظمها أمير السيف والقلم وإلى الآن، وستبقى خالدة مع الدهر، وذلك لما عليها من مسحة البلاغة، ورونق الجزالة، وجودة السرد، وقوة الحجة، وفخامة المعنى، وسلاسة اللفظ، ولما أنشد ناظمها (الأمير) أمر خمسمائة سيفا وقيل أكثر يشهر في المعسكر (3) نظمها لما وقف على قصيدة ابن سكرة العباسي التي أولها:


بني علي دعوا مقالتكم * لا ينقص الدر وضع من وضعه

وللأمير أبي فراس هائية يمدح بها أهل البيت وفيها ذكر (الغدير) وهي:


يوم بسفح الدار لا أنساه * أرعى له دهري الذي أولاه
يوم عمرت العمر فيه بفتية * من نورهم أخذ الزمان بهاه
فكأن أوجههم ضياء نهاره * وكأن أوجههم نجوم دجاه


____________
(1) مختتم القصيدة.
(2) ذكر سراج الدين السيد محمد الرفاعي المتوفى 885 في (صحاح الأخبار) ص 26 من القصيدة ثمانية بيتا وقال: القصيدة طويلة ليس هذا محل ذكرها.

(3) كما ذكره الفتوني في كشكوله، وأبو علي في رجاله ص 349.

الصفحة 6



ومهفهف كالغصن حسن قوامه * والظبي منه إذا رنا عيناه
نازعته كأسا كأن ضياء ها * لما تبدت في الظلام ضياه
في ليلة حسنت لنا بوصاله * فكأنما من حسنها إياه
وكأنما فيها الثريا إذ بدت * كف يشير إلى الذي يهواه
والبدر منتصف الضياء كأنه * متبسم بالكف يسترقاه
ظبي لو أن الدر مر بخده * من دون لحظة ناظر أدماه
إن لم أكن أهواه أو أهوى الردى * في العالمين لكل ما يهواه
فحرمت قرب الوصل منه مثل ما * حرم الحسين الماء وهو يراه
إذ قال: اسقوني. فعوض بالقنا * من شرب عذب الماء ما أرواه
فاجتز رأسا طالما من حجره * أدنته كفا جده ويداه
يوم بعين الله كان وإنما * يملي لظلم الظالمين الله
وكذاك لو أردى عداة نبيه * ذو العرش ما عرف النبي عداه
يوم عليه تغيرت شمس الضحى * وبكت دما مما رأته سماه
لا عذر فيه لمهجة لم تنفطر * أو ذي بكاء لم تفض عيناه
تبا لقوم تابعوا أهوائهم * فيما يسوئهم غدا عقباه
أتراهم لم يسمعوا ما خصه * منه النبي من المقال أباه؟!
إذ قال يوم (غدير خم) معلنا * من كنت مولاه فذا مولاه
هذا وصيته إليه فافهموا * يا من يقول بأن ما أوصاه
أقروا من القرآن ما في فضله * وتأملوه وافهموا فحواه
لو لم تنزل فيه إلا هل أتى * من دون كل منزل لكفاه
من كان أول من حوى القرآن من * لفظ النبي ونطقه وتلاه؟!
من كان صاحب فتح خيبر؟ من رمى * بالكف منه بابه ودحاه؟!
من عاضد المختار من دون الورى؟ * من آزر المختار من آخاه؟!؟!
من بات فوق فراشه متنكرا * لما أطل فراشه أعداه؟
من ذا أراد إلهنا بمقاله *: الصادقون القانتون سواه؟!


</span>
الصفحة 7



من خصه جبريل من رب العلى * بتحية من ربه وحباه؟!
أظننتم أن تقتلوا أولاده * ويظلكم يوم المعاد لواه؟!
أو تشربوا من حوضه بيمينه * كأسا وقد شرب الحسين دماه؟!
طوبى لمن ألقاه يوم أو أمه * فاستل يوم حياته وسقاه
قد قال قبلي في قريض قائل *: ويل لمن شفعائه خصماه
أنسيتم يوم الكساء وإنه * ممن حواه مع النبي كساه؟!
يا رب إني مهتد بهداهم * لا أهتدي يوم الهدى بسواه
أهوى الذي يهوى النبي وآله * أبدا وأشنأ كل من يشناه
وأقول قولا يستدل بأنه * مستبصر من قاله ورواه
شعرا يود السامعون لو أنه * لا ينقضي طول الزمان هداه
يغري الرواة إذا روته بحفظه * ويروق حسن رويه معناه


* (الشاعر) *
أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنى بن رافع بن الحارث بن عطيف بن محربة بن حارثة بن مالك بن عبيد بن عدي بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب الحمداني التغلبي.

ربما يرتج القول في المترجم وأمثاله، فلا يدري القائل ماذا يصف، أيطريه عند صياغة القول؟ أو يصفه عند قيادة العسكر: وهل هو عند ذلك أبرع؟ أم عند هذا أشجع؟ وهل هو لجمل القوافي أسبك؟ أم لازمة الجيوش أملك؟ والخلاصة أن الرجل بارع في الصفتين، ومتقدم في المقامين، جمع بين هيبة الملوك، وظروف الأدباء، وضم إلى جلالة الأمراء لطف مفاكهة الشعراء، وجمع له بين السيف و القلم، فهو حين ما ينطق بفم كما هو عند ثباته على قدم، فلا الحرب تروعه، ولا القافية تعصيه، ولا الروع يهزمه، ولا روعة البيان تعدوه، فلقد كان المقدم بين شعراء عصره كما أنه كان المتقدم على أمرائه، وقد ترجم بعض أشعاره إلى اللغة الألمانية </span>

الصفحة 8


كما في دائرة المعارف الإسلامية.

قال الثعالبي في يتيمة الدهر ج 1 ص 27: كان فرد دهره، وشمس عصره، أدبا وفضلا، وكرما ونبلا، ومجدا وبلاغة وبراعة، وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة، والسهولة والجزالة، والعذوبة والفخامة، والحلاوة والمتانة، ومعه رواء الطبع، وسمة الظرف، وعزة الملك، ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز، وأبو فراس يعد أشعر منه عند أهل الصنعة، ونقدة الكلام، وكان الصاحب يقول: (بدئ الشعر بملك وختم بملك) يعني امرؤ القيس وأبا فراس، وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز، ويتحامى جانبه، فلا يتبري لمباراته، ولا يجترئ على مجاراته، وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان تهيبا له وإجلالا، لا إغفالا وإخلالا، وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس، ويميزه بالإكرام عن ساير قومه، ويصطنعه لنفسه، ويصطحبه في غزواته، ويستخلفه على أعماله، وأبو فراس ينثر الدر الثمين في مكاتباته إياه، ويوافيه حق سؤدده ويجمع بين أدبي السيف والقلم في خدمته. ا هـ.
وتبعه في إطرائه والثناء عليه ابن عساكر في تاريخه ج 2 ص 440. وابن شهر آشوب في معالم العلماء. ابن الأثير في الكامل ج 8 ص 194. ابن خلكان في تاريخه ج 1 ص 138. أبو الفدا في تاريخه ج 2 114. اليافعي في مرآة الجنان ج 2 ص 369. و مؤلفي شذرات الذهب ج 3 ص 24. مجالس المؤمنين ص 411. رياض العلماء. أمل الآمل ص 266. منتهى المقال ص 349. رياض الجنة في الروضة الخامسة. دائرة المعارف للبستاني ج 2 ص 300. دائرة المعارف لفريد وجدي ج 7 ص 150. روضات الجنات ص 206. قاموس الأعلام للزركلي ج 1 ص 202. كشف الظنون ج 1 ص 502. تاريخ آداب اللغة ج 2 ص 241. الشيعة وفنون الاسلام 107. معجم المطبوعات. دائرة المعارف الإسلامية ج 1 ص 387. وجمع شتات ترجمته وأوعى سيدنا المحسن الأمين في 260 صحيفة في أعيان الشيعة في الجزء الثامن عشر ص 29 298.

كان المترجم يسكن منبج، وينتقل في بلاد الشام في دولة ابن عمه أبي الحسن سيف الدولة، واشتهر في عدة معارك معه، حارب بها الروم، أسر مرتين فالمرة </span>

الصفحة 9


الأولى بـ (مغارة الكحل) سنة 348 وما تعدوا به (خرشنة) وهي قلعة ببلاد الروم والفرات يجري من تحتها، وفيها يقال: إنه ركب فرسه وركضه برجله فأهوى به من أعلا الحصن إلى الفرات والله أعلم.

والمرة الثانية: أسرته الروم على منبج، وكان متقلدا بها في شوال سنة 351، أسر وهو جريح وقد أصابه سهم بقي نصله في فخذه وحصل مثخنا بخرشنة ثم بقسطنطينة وأقام في الأسر أربع سنين، لتعذر المفاداة واستفكه من الأسر سيف الدولة سنة 355، وقد كانت تصدر أشعاره في الأسر والمرض، واستزادة سيف الدولة وفرط الحنين إلى أهله وإخوانه وأحبائه والتبرم بحاله ومكانه، عن صدر حرج، وقلب شج، تزداد رقة ولطافة، تبكي سامعها، وتعلق بالحفظ لسلاستها، تسمى بالروميات.
قال ابن خالويه: قال أبو فراس: لما حصلت بالقسطنطينة أكرمني ملك الروم إكراما لم يكرمه أسيرا قبلي، وذلك أن من رسومهم أن لا يركب أسير في مدينة ملكهم دابة قبل لقاء الملك، وأن يمشي في ملعب لهم يعرف بالبطوم مكشوف الرأس ويسجد فيه ثلاث سجدات أو نحوها، ويدوس الملك رقبته في مجمع لهم يعرف بالتوري، فأعفاني من جميع ذلك ونقلني لوقتي إلى دار وجعل لي [ برطسان ] يخدمني، و أمر بإكرامي ونقل من أردته من أسارى المسلمين إلي، وبذل لي المفاداة مفردا، وأبيت بعد ما وهب الله لي من الكرامة ورزقته من العافية والجاه أن أختار نفسي على المسلمين، وشرعت مع ملك الروم بالفداء ولم يكن الأمير سيف الدولة يستبقي أسارى الروم، فكان في أيديهم فضل ثلاثة آلاف أسير ممن أخذ من الأعمال والعساكر فابتعتهم بمأتي ألف دينار رومية على أن يوقع الفداء واشتري هذه الفضيلة وضمنت المال والمسلمين وخرجت بهم من القسطنطينة وتقدمت بوجوههم إلى (خرشنة) ولم يعقد قط فداء مع أسير ولا هدنة فقلت في ذلك شعرا:


ولله عندي في الاسئار وغيره * مواهب لم يخصص بها أحد قبلي
حللت عقودا أعجز الناس حلها * وما زال عقدي لا يذم ولا حلي
إذا عاينتني الروم كبر صيدها * كأنهم أسرى لدي وفي كبلي


</span>
الصفحة 10



وأوسع أياما حللت كرامة * كأني من أهلي نقلت إلى أهلي
فقل لبني عمي وأبلغ بني أبي: * بأني في نعماء يشكرها مثلي
وما شاء ربي غير نشر محاسني * وأن يعرفوا ما قد عرفتم من الفضل

وقال يفتخر وقد بلغه أن الروم قالت: ما أسرنا أحدا لم نسلب ثيابه غير أبي فراس.


أراك عصي الدمع شيمتك الصبر * أما للهوى نهي لديك ولا أمر؟
بلى أنا مشتاق وعندي لوعة * ولكن مثلي لا يذاع له سر
إذ الليل أضواني بسطت يد الهوى * وأذللت دمعا من خلائقه الكبر
تكاد تضئ النار بين جوانحي * إذا هي أذكتها الصبابة والفكر

ويقول فيها:


أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى * ولا فرسي مهر ولا ربه غمر
ولكن إذا حم القضاء على امرئ * فليس له بر يقيه ولا بحر
وقال اصيحابي: الفرار أو الردى * فقلت: هما أمران أحلاهما المر
ولكنني أمضي لما لا يعيبني * وحسبك من أمرين خيرهما الأسر
يقولون لي: بعت السلامة بالردى * فقلت لهم: والله ما نالني خسر
هو الموت فاختر ما علا لك ذكره * ولم يمت الانسان ما حيه الذكر
ولا خير في رد الردى بمذلة * كما رده يوما بسوأته عمرو
يمنون أن خلوا ثيابي وإنما * على ثياب من دمائهم حمر
وقائم سيفي فيهم دق نصله * وأعقاب رمحي منهم حطم الصدر
سيذكرني قومي إذا جد جد هم * وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
فإن عشت فالطعن الذي يعرفونه * وتلك القنا والبيض والضمر الشقر
وإن مت فالانسان لا بد ميت * وإن طالت الأيام وانفسح العمر
ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به * وما كان يغلو التبر لو نفق الصفر
ونحن أناس لا توسط عندنا * لنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا * ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر
أعز بني الدنيا وأعلا ذوي العلا * وأكرم من فوق التراب ولا فخر


</span>
الصفحة 11


وقال لما أسر:

ما للعبيد من الذي * يقضي به الله امتناع
ذدت الأسود عن الفرائس * ثم تفرسني الضباع

وقال:


قد عذب الموت بأفواهنا * والموت خير من مقام الذليل
إنا إلى الله لما نابنا * وفي سبيل الله خير السبيل

وقال لما ورد أسيرا بخرشنة:


إن زرت خرشنة أسيرا * فلكم حللت بها مغيرا
ولقد رأيت السبي يجلب * نحونا حوا وحورا
ولقد رأيت النار تنتهب * المنازل والقصورا
من كان مثلي لم يبت * إلا أميرا أو أسيرا
ليست تحل سراتنا * إلا الصدور أو القبورا

ولما ثقل الجراح وآيس من نفسه وهو أسير كتب إلى والدته يعزيها بنفسه:


مصابي جليل والعزاء جميل * وعلمي بأن الله سوف يديل
وإني لفي هذا الصباح لصالح * ولي كلما جن الظلام غليل
وما نال مني الأسر ما تريانه * ولكنني دامي الجراح عليل
جراح تحاماه الأساة مخافة * وسقمان باد منهما ودخيل
وأسر أقاسيه وليل نجومه * أرى كل شيئ؟؟ وغيرهن يزول
تطول بي الساعات وهي قصيرة * وفي كل دهر لا يسرك طول
تناساني الأصحاب إلا عصابة * ستلحق بالأخرى غدا وتحول
وإن الذي يبقي على العهد منهم * وإن كثرت دعواهم لقليل
اقلب طرفي لا أرى غير صاحب * يميل مع النعماء كيف تميل
وصرنا نرى أن المتارك محسن * وإن خليلا لا يضر وصول
وليس زماني وحده بي غادر * ولا صاحبي دون الرجال ملول
وما أثري يوم اللقاء مذمم * ولا موقفي عند الاسئار ذليل


</span>
الصفحة 12



تصفحت أقوال الرجال فلم يكن * إلى غير شاك للزمان وصول
أكل خليل هكذا غير منصف * وكل زمان بالكرام بخيل
نعم دعت الدنيا إلى الغدر دعوة * أجاب إليها عالم وجهول
وقبلي كان الغدر في الناس شيمة * وذم زمان واستلام خليل
وفارق عمرو بن الزبير شقيقه * وخلى أمير المؤمنين عقيل
فيا حسرتي من لي بخل موافق * يقول بشجوي مرة وأقول
وإن وراء الستر أما بكاؤها * علي وإن طال الزمان طويل
فيا أمنا لا تعدمي الصبر إنه * إلى الخير والنجح القريب رسول
ويا أمنا لا تحبطي الأجر إنه * على قدر الصبر الجميل جزيل
ويا أمنا صبرا فكل ملمة * تجلي على علاتها وتزول؟؟
أمالك في ذات النطاقين أسوة (1) * بمكة والحرب العوان تجول
أراد ابنها أخذ الأمان فلم يجب * وتعلم علما إنه لقتيل
تأسي كفاك الله ما تحذرينه * فقد غال هذا الناس قبلك غول
وكوني كما كانت بأحد صفية * ولم يشف منها بالبكاء غليل
فمارد يوما حمزة الخير حزنها * إذا ما علتها زفرة وعويل
لقيت نجوم الأفق وهي صوارم * وخضت ظلام الليل وهو خيول
ولم أرع للنفس الكريمة خلة * عشية لم يعطف علي خليل
ولكن لقيت الموت حتى تركته * وفيه وفي حد الحسام فلول
ومن لم يق الرحمن فهو ممزق * ومن لم يعز الله فهو ذليل
ومن لم يرده الله في الأمر كله * فليس لمخلوق إليه سبيل
وإن هو لم يدللك في كل مسلك * ظللت ولو أن السماك دليل
إذا ما وقاك الله أمرا تخافه * فما لك مما تتقيه مقيل
وإن هو لم ينصرك لم تلق ناصرا * وإن جل أنصار وعز قبيل
وما دام سيف الدولة الملك باقيا * فظلك فياح الجناب ظليل


____________

(1) ذات النطاقين هي أسماء بنت أبي بكر.

الصفحة 13


قال ابن خالويه: وقال يصف أيامه ومنازله بمنبج وكان ولايته وأقطاعه وداره بها، ويعرض بقوم بلغه شماتتهم فيه وهو في أسر الروم:



قف في رسوم المستجاب * وناد أكناف المصلا
فالجوسق الميمون * فالسقياء فالنهر المعلا
أوطنتها زمن الصبا * وجعلت منبج لي محلا
حرم الوقوف بها علي * وكان قبل اليوم حلا
حيث التفت وجدت ماء * سائحا وسكنت ظلا
تزداد واد غير قاص * منزلا رحبا مطلا
وتحل بالجسر الجنان * وتسكن الحصن المعلى
تجلو عرائسه لنا * بالبشر جنب العيش سهلا
والماء يفصل بين زهر * الروض في الشطين فصلا
كبساط وشي جردت * أيدي القيون عليه نصلا
من كان سر بما عراني * فليمت ضرا وهزلا
لم أخل فيما نابني * من أن أعز وأن احلا
مثلي إذا لقي الأسار * فلن يضام ولن يذلا
رعت القلوب مهابة * وملأتها نبلا وفضلا
ما غص مني حادث * والقرم قرم حيث حلا
أنى حللت فإنما * يدعوني السيف المحلا
فلئن خلصت فإنني * غيظ العدى طفلا وكهلا
ما كنت إلا السيف زاد * على صروف الدهر صقلا
ولئن قتلت فإنما * موت الكرام الصيد قتلا
لا يشمتن بموتنا * إلا فتى يفنى ويبلى
يغتر بالدنيا الجهول * وليس في الدنيا مملا


قال ابن خالويه: تأخرت كتب سيف الدولة عن أبي فراس في أيام أسره، فذلك أنه بلغه أن بعض الأسراء قال: إن ثقل هذا المال على الأمير كاتبنا فيه صاحب </span>

الصفحة 14


خراسان وغيره من الملوك وخففت علينا الأسر، وذكر أنهم فرروا مع الروم إطلاق أسراء المسلمين بما يحملونه، فاتهم سيف الدولة أبا فراس بهذا القول، لضمانه المال للروم وقال: من أين تعرفه أهل خراسان؟ فقال أبو فراس هذ القصيدة وأنفذها إلى سيف الدولة.

قال الثعالبي: كتب أبو فراس إلى سيف الدولة: مفاداتي إن تعذرت عليك فأذن لي في مكاتبة أهل خراسان ومراسلتهم ليفادوني وينوبوا عنك في أمري فأجابه سيف الدولة: من يعرفك بخراسان؟ فكتب إليه أبو فراس:


أسيف الهدى وقريع العرب * إلام الجفاء وفيم الغضب؟
وما بال كتبك قد أصبحت * تنكبني مع هذي النكب؟
وأنت الكريم وأنت الحليم * وأنت العطوف وأنت الحدب (1)
وما زلت تسبقني بالجميل * وتنزلني بالمكان الخصب
وإنك للجبل المشمخر * إلي بل لقومك بل للعرب
وتدفع عن حوزتي الخطوب * وتكشف عن ناظري الكرب
علا يستفاد وعاف يعاد * وعز يشاد ونعمى ترب
وما غض مني هذا الأسار * ولكن خلصت خلوص الذهب
ففيم يعرضني بالخمول * مولى به نلت أعلى الرتب
وكان عتيدا لدي الجواب * ولكن لهيبته لم أجب
أتنكر أني شكوت الزمان * وأني عتبتك فيمن عتب؟!
وإلا رجعت فاعتبتني * وصيرت لي ولقومي الغلب
فلا تنسبن إلي الخمول * أقمت عليك فلم اغترب
وأصبحت منك فإن كان فضل * وإن كان نقص فأنت السبب
وإن خراسان إن أنكرت * علاي فقد عرفتها حلب
ومن أين ينكرني الأبعدون * أمن نقص جد أمن نقص أب؟!؟!
ألست وإياك من أسرة * وبيني وبينك عرق النسب؟!


____________

(1) الحدب من حدب وتحدب عليه: تعطف.

الصفحة 15



ودار تناسب فيها الكرام * وتربية ومحل أشب
ونفس تكبر إلا عليك * وترغب إلاك عمن رغب
فلا تعدلن فداك ابن عمك * لا بل غلامك عما يجب
وأنصف فتاك فإنصافه * من الفضل والشرف المكتسب
أكنت الحبيب وكنت القريب * ليالي أدعوك من عن كثب؟!
فلما بعدت بدت جفوة * ولاح من الأمر ما لا أحب
فلو لم أكن بك ذا خبرة * لقلت صديقك من لم يغب

وكتب إليه أيضا:


زماني كله غضب وعتب * وأنت علي والأيام إلب
وعيش العالمين لديك سهل * وعيشي وحده بفناك صعب


[ القصيدة 18 بيتا ]
وبلغ إليه نعي أمه وهو في الحبس فقال يرثيها:


أيا أم الأسير بمن أنادي؟ * وقدمت الأيادي والشعور
إذا ابنك سار في بر وبحر * فمن يدعو له أو يستجير؟!؟!
حرام أن يبيت قرير عين * ولوم أن يلم به السرور
وقد ذقت المنايا والرزايا * ولا ولد لديك ولا عشير
وغاب حبيب قلبك عن مكان * ملائكة السماء به حضور
ليبكك كل يوم صمت فيه * مصابرة وقد حمي الهجير
ليبكك كل ليل قمت فيه * إلى أن يبتدي الفجر المنير
ليبكك كل مضطهد مخوف * أجرتيه وقد قل المجير
ليبكك كل مسكين فقير * أعنتيه وما في العظم رير؟؟ (1)
أيا أماه كم هول طويل * مضى بك لم يكن منه نصير
أيا أماه كم سر مصون * بقلبك مات ليس له ظهور
إلى من أشتكي وبمن أناجي * إذا ضاقت بما فيها الصدور؟!؟!


____________

(1) مخ رار ورير. ذائب فاسد من الهزال.

الصفحة 16



بأي دعاء داعية أوقي * بأي ضياء وجه أستنير؟!؟!
يمن يستدفع القدر المرجى * بمن يستفتح الأمر العسير؟!؟!
تسلي عنك إنا عن قليل * إلى ما صرت في الأخرى نصير


ميلاده ومقتله
ولد المترجم سنة 320 وقيل 321 ويعين الأول ما حكاه ابن خالويه عن أبي فراس أنه قال له: إن في سنة 339 كان سني 19 سنة، وقتل يوم الأربعاء لثمان من ربيع الآخر (2) وعن الصابي في تاريخه (3) يوم السبت لليلتين خلتا من جمادي الأولى سنة 357 (4) وذلك أنه لما مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على حمص وتطلع إليها وكان مقيما بها فاتصل خبره إلى ابن أخته أبي المعالي ابن سيف الدولة وغلام أبيه قرعويه (1) وجرت بذلك بين أبي فراس وبين أبي المعالي وحشة، فطلبه أبو المعالي فانحاز أبو فاس إلى [ صدد ] وهي قرية في طريق البرية عند حمص، فجمع أبو المعالي الأعراب من بني كلاب وغيرهم وسيرهم في طلبه مع قرعويه، فأدركه ب [ صدد ] فكبسوه فاستأمن أصحابه واختلط هو بمن استأمن معهم، فقال قرعويه لغلام له: اقتله. فقتله وأخذ رأسه وتركت جثته في البرية حتى دفنها بعض الأعراب.
قال الثعالبي: دلت قصيدة قرأتها لأبي إسحاق الصابي في مرثية أبي فراس على أنه قتل في وقعة كانت بينه وبين موالي أسرته.
وقال ابن خالويه: بلغني أن أبا فراس أصبح يوم مقتله حزينا كئيبا وكان قد قلق في تلك الليلة قلقا عظيما فرأته ابنته امرأة أبي العشائر كذلك فأحزنها حزنا شديدا ثم بكت وهو على تلك فأنشأ يقول كالذي ينعي نفسه وإن لم يقصد، وهذا آخر ما قاله من الشعر:

____________
(1) كامل ابن الأثير. تاريخ أبي الفدا.
(2) حكاه عنه ابن خلكان في تاريخه، وصاحب شذرات الذهب.
(3) أرخه ابن عساكر في تاريخه بسنة خمسين وثلثمائة وهو ليس في محله.

(4) في كامل ابن الأثير: قرغويه. وفى الشذرات: فرغويه: وفي تاريخ ابن عساكر: ابن قرعونه.

الصفحة 17



أبنيتي لا تحزني * كل الأنام إلى ذهاب
أبنيتي صبرا جميلا * للجليل من المصاب
نوحي علي بحسرة * من خلف سترك والحجاب
قولي إذا ناديتني * فعييت عن رد الجواب
: زين الشباب أبو فراس * ما تمتع بالشباب

وفي غير واحد من المعاجم: إنه لما بلغ أخته أم أبي المعالي وفاته قلعت عينها، وقيل: بل لطمت وجهها فقلعت عينها، وقيل: قتله غلام سيف الدولة ولم يعلم أبو المعالي فلما بلغه الخبر شق عليه. ومن شعره في المذهب:


لست أرجو النجاة من كلما * أخشاه إلا بأحمد وعلي
وببنت الرسول فاطمة الطهر * وسبطيه والإمام علي
والتقي النقي باقر علم الله * فينا محمد بن علي
وأبي جعفر وموسى ومولاي * علي أكرم به من علي
وابنه العسكري والقائم * المظهر حقي محمد وعلي
بهم أرتجي بلوغ الأماني * يوم عرضي على الإله العلي

وله في المعنى:


شافعي أحمد النبي ومولاي * علي والبنت والسبطان
وعلي وباقر العلم والصادق * ثم الأمين بالتبيان
وعلي ومحمد بن علي * وعلي والعسكري الداني
والإمام المهدي في يوم لا * ينفع إلا غفران ذي الغفران


ومن شعره في الحكمة والموعظة:


غنى النفس لمن يعقل * خير من غنى المال
وفضل الناس في الأنفس * ليس الفضل في الحال

وقال:


المرء نصب مصائب لا تنقضي * حتى يواري جسمه في رمسه
فمؤجل يلفي الردى في أهله * ومعجل يلقى الردى في نفسه

</span>

الصقرالشمالي
21-12-2009, 01:30 PM
أبو فراس الحمداني*

مقاربة في دارسة مدحه وهجائه

الدكتور محمّد علي آذرشب**



«ملخص»

المدح والهجاء فنان من فنون الشعر العربي لهما قيمتهما الأدبية حينما يبتعدان عن التكسب وفي بلاط سيف الدولة نرى مثل هذا الاتجاه في المدح والهجاء ، خاصة عند الأمير أبي فراس الحمداني فهو يترفع عن الإسفاف ، وله أسلوبه الخاص في المدح وخاصة في مدح سيف الدولة ، ويموج مدحه بالطهر والعفاف خاصة في مدح المرأة ، ويبلغ أبو فراس ذروة مدحه وهجائه في إطار رساليته ، ويبتكر أجمل الفنون لمدح أوليائه من آل بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ، ويقارن بينهم وبين معارضيهم في أسلوب فريد في الأدب العربي ، وتشيع في شعره قيم إنسانية سامية نحن بأمس الحاجة إليها اليوم .

__________________________________

* ـ دراسة مقدمة إلى ندوة الحياة الأدبية في رحاب سيف الدولة ، حلب 29 ـ 30/4/ 2000.

** ـ جامعة طهران.



(207)

موضوع المدح والهجاء له قيمته الفنية والاجتماعية المتمثلة في استجلاء طريقة تناول الأنا والآخر ، لأن الشاعر في مدحه أو هجائه يسعى إلى تبين مظاهر القوة أو الضعف في نفسه أو قومه أو في شخص آخر أو قوم آخرين.

وليس من موضوع استأثر باهتمام الشعر العربي اكثر من المدح والهجاء ، وذلك يعود لتوظيف الشعر في الصراع ، وتاريخ العرب كله صراع ، وهذا الصراع له جانب سلبي حين يكون من أجل الاستعلاء القبلي ، وله جانب إيجابي حين يتجه إلى رفض الواقع السيء والى محاولة تقديم النموذج الأفضل للحياة.

موضوع المدح والهجاء إذن تغذيه المواقف الساخنة أو العصبيات ، وتحدد اتجاهه نوع تلك المواقف ، ويرتفع فنياً كلما صدر عن شعور صادق لا يشوبه تكسب.

وبسبب ارتباط الشعر العربي على مر التاريخ برزق الشاعر ، فقد شاع التكسب في المدح والهجاء ، وبذلك خسر قسم كبير من الشعر العربي تلك القيمة الفنية التي اتصف بها في موضوعات الغزل والوصف والتأمل في الكون والموت والحياة وحتى لا أدخل في تطور المدح والهجاء في الشعر العربي ، وهو موضوع يستحق دراسة مستفيضة لما يفرزه من تداعيات ، أشير فقط إلى أن موضوع المدح والهجاء يتطور كلما ابتعد عن التكسب ، ولكما نما في بيئة قادرة على أن تفجر طاقات الشاعر الفنية وتفتح ذهنه على آفاق جديدة ومعان مبتكرة .

وبلاط سيف الدولة يمثل النموذج الأسمى في البيئة التي توفرت لتطور موضوع المدح والهجاء للأسباب التالية :

1 ـ كثرة الاحتكاكات بين هذا البلاط وغيره من الخصوم السياسيين أو الفكريين أو الطامعين.

(208)



2 ـ شخصية سيف الدولة الأدبية المرموقة التي اجتذبت إليها الشعراء ، وجعلت الشاعر يرى نفسه في محيط أدبي أكثر مما هو في محيط حكم وحاكم .

3 ـ شخصية سيف الدولة القتالية التي صيرت منه بطلاً أسطورياً يقارع الخصوم ببسالة تستثير مشاعر الشعراء .

4 ـ ارتباط هذا البلاط بآل بيت رسول الله فكرياً وعاطفياً مما جعله يرتبط بتاريخ الأدب المقاوم المناضل الرافض للظلم والظالمين (1).

بعد هذه المقدمة ألقي الضوء على موضوع المديح والهجاء عند الأمير أبي فراس الحمداني:



خصائص المدح والهجاء عند أبي فراس الحمداني



1 ـ الترفع عن الإسفاف في الهجاء:

نرى في هجاء أبي فراس نوعاً حضارياً من الهجاء ينبو عن ذكر المثالب والأعراض ، ويعبر عن نوع من الألم والمضاضة تجاه إساءات الآخرين ، وكأنه لا يريد أن يطعن بمن يهجوه بقدر ما يريد صرفه عن غيه ، وقد تكون نتف من هذا اللون من الهجاء موجودة في الشعر العربي ، لكن الذي يميز أبا فراس أن هجاءه يقتصر على هذا اللون الرائع المتزن ، مما يبين أن علاقته بالآخر في مجتمعه علاقة إصلاح لا طعن حتّى ولو أساء إليه يقول معلقاً على إساءة صاحبه:

صاحب لما أساء اتبع الدلو الرشاء
رب داء لا أرى منه سوى الصبر الشفاء

أحمد الله على ما سرّ من أمري وساء (2)



(209)

ويخاطب الذين ناصبوه العداوة بالقوة:

أيا قومنا لا تنشبوا الحرب بيننا أيا قومنا لا تقطعوا اليد باليد

عداوة ذي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند

فياليت داني الرحم منا ومنكم إذا لم يقرب بيننا لم يبعد (3)

ولا نرى لأبي فراس شعراً هجائياً قاسياً إلاّ مع أعداء أمته المحاربين . ثم نراه يهجوهم بهذه القسوة وهو يعيش في أسرهم ، مما يبين مدى ما كان يتمتع به الرجل من إحساس بالرفعة والعزة أمام العدو ، وهو ما نحن بأمس الحاجة إليه اليوم.

ثم نراه يهجوهم بعد أن استفزه قائد الروم الدمستق إذا قال له : إنّما أنتم كتاب ولا تعرفون الحرب . فأجابه أبو فراس.

أتزعم يا ضخم اللغاديد أننا ونحن أسود الحرب لا نعرف الحربا

فويلك من للحرب إن لم نكن لها ومن ذا الذي يمسي ويضحي لها تربا

ثم راح يعدد الوقائع التي انتصر فيها الحمدانيون على الروم ، وبعدها قال :

بأقلامنا أحجرت أم بسيوفنا واسد الشرى قدنا إليك أم الكتبا ؟

ثم يختتم القصيدة بأسلوب رائع في الهجاء إذ يقول :

رعى الله أوفانا إذا قال ذمة وأنفذنا طعناً ، وأثبتنا قلبا

وجدت أباك العلج لما خبرته أقلكم خيراً وأكثركم عجبا (4)



2 ـ أسلوب خاص بالمدح :

بسبب شيوع المداحين والهجائين المتكسبين يحاول أبو فراس أن ينفي عنه أن يكون مداحاً أو هجاءً ، ولكنه يقر بأنه مدح نفسه وآباءه ، وأن أكثر شعره كان في هذا اللون من المدح ، يقول :

(210)

الشعر ديوان العرب أبداً وعنوان الأدب

لم أعدُ فيه مفاخري ومديح آبائي النجب

ومقطعات ربما حليت منهن الكتب

لا في المديح ولا الهجاء ولا المجون ولا اللعب (5)

ويقول :

نطقت بفضلي وامتدحت عشرتي وما أنا مداح ولا أنا شاعر

وهل تجحد الشمس المنيرة ضوءها ويستر نور البدر والبدر زاهر

وهذه الأبيات تبين ما آل إليه الشعر في زمن أبي فراس ، فهو ينفي عن نفسه أن يكون شاعراً كي لا يحشر في زمرة هؤلاء الّذين يقولون مالا يفعلون ، ويحترفون الكلمة دون إيمان بقدسية هذه الكلمة . وينفي عنه أن يكون مداحاً كي يحافظ على كرامة شعره.

وهذه الخصائص في مدح أبي فرانس أبعدت مدحه عن المبالغات الشديدة التي ابتلى بها هذا اللون الأدبي . وصيرت من المدح عند شاعرنا ديواناً يسجل فيه الوقائع ويصف فيه المعارك لا على طريقة المؤرخين ، بل بأسلوب فني يصف فيه رجولة الأبطال وشهامتهم ورفعتهم وفق معايير إنسانية وإسلامية .

نراه ـ على سبيل المثال ـ حين يذكر مفاخر الماضي يقدم لها بالقول : إن مفاخر الحاضر أهم ، دفعاً لتوهم قد يساور المستمع أن الشاعر يجتر أمجاد الماضي يقول:

أتسمو بما شادت أوائل وائل وقد غمرت تلك الأوالي الأواخر؟

أيشغلكم وصف القديم ؟ ودونه مفاخر فيها شاغل ومآثر

وهل يطلب العز الذي هو غائب ويترك ذا العز الذي هو حاضر ؟ (6)



بعد هذه المقدمة يسرد أمجاد أجداده في وقائع تاريخية محددة ، ويلاحظ أنّه

(211)

في أبياته يذكر موقفين متضادين عن علاقة قومه ببني العباس : موقف المدافع عن بني العباس ، وموقف المهاجم المنتقم من العباسيين ، ويبين سبب هذا التضاد وفق معايير خاصة . فيذكر عمّه الحسين بن حمدان ودفاعه عن الخليفة العباسي، ثم هجومه في وقت آخر على دار الخلافة، يقول:

نطيعهُمُ ما أصبح العدل فيهمُ ولا طاعةَ للمرء والمرء جائرُ

لنا في خلاف الناس عثمان أسوةُ وقد جرت البلوى عليه الجرائر

وسار إلى دار الخلافة عنوةً فحرّقها ، والجيش بالدار دائرُ (7)



فمعيار العلاقة مع الخلافة العباسية هو«العدل» فإن ساروا عليه فهم مطاعون وإلا فلا طاعة لهم ، ويشير إلى مشروعية الثورة على الحاكم الظالم إن سار بغير العدل ، وهي مشروعية تنطلق من إيمانه بفكر مدرسة آل البيت ـ عليهم السلام ـ .



3 ـ أسلوب مدحه سيف الدولة:

أكثر مدح أبي فراس في سيف الدولة علاقة أبي فراس بسيف الدولة علاقة نسب وإمارة وشجاعة ورجولة وطريقته في مدحه لها أسلوب خاص . تراه كلما مدحه كأنه يريد أن يفخر بنفسه وبهذه الطريقة يدفع عن نفسه أن يكون محترفاً للمدح ثم إنه يمدحه معدداً صفاته في النسب والشجاعة والبأس والرجولة ، وهذه هي المشتركات بينه وبين أبي فراس . ولا نرى له مدحاً في سخاء سيف الدولة ولا في قصوره ولهوه وقصفه ، لأن مثل هذا المدح من شؤون المتكسبين ، ولا تتناسب مع شخصية سيف الدولة في رجولته وبطولته وترفعه عن ترف العيش.

ومما أنشد في سيف الدولة وأشرك فيه نفسه قوله:

ألا قل لسيف الدولة القرم : إنني على كلّ شيء غير وصفك قادرُ

(212)

فلا تلزمني خطة لا أطيقها فمجدك غلاب وفضلك باهر

ولو لم يكن فخري وفخرك واحداً لما سار عني بالمدائح سائر

ولكنني لا أغفل القول عن فتى أساهم في عليائه وأشاطر (8)

وكان شاعرنا يعيش المرارة حين يبلغه عتب سيف الدولة عليه ، فتثور شاعريته لينظم أبرع الإنشاد في مدح سيف الدولة ، ومما قاله وهو في أسره :

وقد كنت أخشى الهجرو الشمل جامع وفي كلّ يوم لفتة وخطاب

فكيف وفيما بيننا ملك قيصر وللبحر حولي زخرة وعباب

أمن بعد بذل النفس فيما تريده أثاب بمر العتب حين أثاب

وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب (9)



وهو أسلوب فريد في المدح تمتزج فيه مرارة الهجر وعشق الممدوح وصدق العاطفة ، وهو مزيج قل أن نراه في الشعر العربي .



4 ـ المدح بالطهر والعفاف :

أذكر أولاً أنني أعتبر الفخر من المدح لأنه يعبر عن المعايير التي يراها الشاعر حسناً في نفسه أو قومه ، فهو يدخل في موضوع المدح الذي حدّدته في بداية هذا البحث .

والحديث عن الطهر والعفاف قد نجده في الغزل العذري ، لكن قلما نجده في المدح وأبو فراس بارز في هذا المجال في أسلوب رائع يجسد دور النفس اللوامة في ضبط تصرفات الإنسان والتحكم في نزواته وشهواته (10) ، يقول :

فيا نفس ما لاقيت من لا عج الهوى ويا قلب ما جرت عليك النواظر

كان الحجا والصون والعقل والتقى لدي لربات الخدور ضرائر

وهن ـ وإن جانبت ما يشتهينه حبائب عندي منذ كن أثائر

(213)

وكم ليلة خضت الأسنة نحوها وما هدأت عين ولا نام سامر

فلما خلونا يعلم الله وحده لقد كرمت نجوى وعفت سرائر

إلى أن يقول :

ولي فيك ، من فرط الصبابة ، آمر ودونك ، من حسن الصيانة ، زاجر

عفافك غي ، إنّما عفة الفتى إذا عف عن لذاته وهو قادر
(11).

الأبيات تصور مشهداً من مشاهد الصراع بين الطهر والهوى تحاكي قصة يوسف مع زليخا ، وتنتهي بانتصار الإرادة على الشهوة ، وهو من نوادر التصوير الفني في الأدب العربي

والشاعر يؤرقه شوقه إلى المحبوب ، ويلتهب صدره بحب الحبيب ، لكنه حب شريف عفيف السريرة ، يقول :

كيف السبيل إلى طيف يزاوره والنوم في جملة الأحباب هاجره ؟

الحب آمره والصون زاجره والصبر أول ما تأتي أواخره

أنا الذي إن صبا أو شفه غزل فللعفاف وللتقوى مآزره

وأشرف الناس أهل الحب منزلة وأشرف الحب ما عفت سرائره
(12)

والبيت الأخير يبلغ الذروة في فهم معنى الحب ، ومكانة المحبين ومعنى الحب الحقيقي يمدح نفسه بأنه متخلق بهذا الحب العفيف الذي تتجلى فيه عظمةُ الإنسان وسموّه.

5 ـ هجاء الأوضاع الاجتماعية

شاعرنا حساس يرى بواطن الأمور ولا ينخدع بالظاهر ، ويرى الناس على حقيقتهم والأوضاع الاجتماعية على حقيقتها ، فيسوءه ما يرى من مظاهر النفاق والدجل في المجتمع ، وهي مظاهر موجودة دائماً بدرجة وأخرى في

(214)

المجتمعات البشرية خاصة حينما تختل الموازين الاجتماعية بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية المهيمنة.

ويظهر أن عصر أبي فراس كان يضج بهذا الاختلال نتيجة الاحتكاكات القبلية المستمرة والاشتباكات الحربية المتواصلة وضعف الخلافة المركزية ، والحكومات المتعاصرة . غير أن هذا الوضع لم يؤد إلى انفعال شاعرنا وسخطه بقدر ما أدى إلى أن يتخذ موقف الحكيم الناقد لهذه الأوضاع ، يقول:

وقور وأحداث الزمان تنوشني وللموت حولي جيئة وذهاب

وألحظ أحوال الزمان بمقلة بها الصدق صدق والكذاب كذاب

بمن يثق الإنسان فيما ينوبه ومن أين للحر الكريم صحاب

وقد صار هذا الناس إلاّ أقلهم ذئاباً على أجسادهن ثياب

تغابيت عن قومي فظنوا غباوتي بمفرق أغبانا حصئ وتراب

ولو عرفوني حق معرفتي بهم إذا علموا أني شهدت وغابوا

وما كلّ فعال يجازى بفعله ولا كلّ قوال لدي يجاب

ورب كلام مر فوق مسامعي كما طن في لوح الهجير ذباب (13)


ويتألم شاعرنا أن يرى الأوضاع الاجتماعية في بلاد أعدائه أفضل مما هي عليه في بلاده ، ففي العامين اللذين قضاهما في بلاد الروم لم ير الحزن على الوجوه ، ولا التكلف في السلوك ، ويرى أن ما يخشاه من قومه أدهى مما يخشاه من أعدائه ، وهذا أروع تصوير في النقد الذاتي ، يقول :

أقمت بأرض الروم عامين لا أرى من الناس محزوناً ولا متصنعا

إذا خفت من أخوالي الروم خطة تخوفت من أعمامي العرب أربعا

وإن أوجعتني من أعادي شمية لقيت من الأحباب أدهى وأوجعا
(14)

وهذا الهجاء للأوضاع الاجتماعية أو النقد الاجتماعي يعبر عن نزعة الشاعر

(215)

الإصلاحية وفهمه لواقعه السيء ، وجرأته على نقد هذه الأوضاع.

ومن هذا النقد ما يوجهه إلى الخلافة العباسية لتعاملها السيء مع أبناء علي الّذين يمثلون في رأي الشاعر رمز الدين والتقى في المجتمع يقول :

الدين مخترم ، والحق مهتضم وفيء آل رسول الله مقتسم

والناس عندك لا ناس فيحفظهم سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم

ثم يقول :

يا للرجال أما لله منتصف من الطغاة ؟ أما للدين منتقم؟

بنو علي رعايا في ديارهم والأمر تملكه النسوان والخدم

محلؤون فأصفى شربهم وشل عند الورود وأوفى ودهم لمم

فالأرض إلاّ على ملاكها سعة والمال إلاّ على أربابه ديم

وما السعيد بها إلاّ الذي ظلموا وما الغني بها إلاّ الذي حرموا

للمتقين من الدنيا عواقبها وإن تعجل منها الظالم الأثم (15)

والأبيات طافحة بالإحساس بالظلم الذي نزل بحملة الرسالة الإسلاميّة من آل علي ، بل بالناس أجمع حين أقصيت الفئة الصالحة عن مواقعها الاجتماعية.

6 ـ مدح المرأة

الشعر العربي تغزل بالمرأة ورثاها وقلما خصص مدحاً لها ، لأنها ليست مصدراً للصلات أما أبو فراس فقد اتجه إلى مدح بعض النساء كما يمدح الرجل ففي قصيدة يمدح فيها امرأة شيعها في يوم ثلج يبدأ بمقدمة غزلية تقليدية ثم ينتقل إلى الفخر ، وبعده يقول :

ويوم كأن الأرض شابت لهوله قطعت بخيل حشو فرسانها صبر

تسير على مثل الملاء منشراً وآثارها طرز لأطرافها حمر

(216)

أشيعه والدمع من شدة الأسى على خده نظم على نحره نثر

وعدت وقلبي في سجاف غبيطه ولي لفتات نحو هودجه كثر

وقد يخيل لقارئ هذه الأبيات أن الشاعر يتغزل ولكنه في الواقع يمدح ، لأن المعنية بهذه الأبيات ليست حبيبة بل امرأة من أكابر قومه ، يقول فيها بعد ذلك :

وفيمن حوى ذاك الحجيج خريدة لهادون عطف الستر من صونها ستر

وفي الكم كف لا يراها عديلها وفي الخدر وجه ليس يعرفه الخدر

وهو من روائع المدح للمرأة في سترها وصونها ثم يرفع شأن هذه المرأة إلى الذروة حين يقول :

فهل عرفات عارفات بزورها وهل شعرت تلك المشاعر والحجر

أما أخضر من بطنان مكة ما ذوى ؟ أما عشب الوادي أما أنبت الصخر

سقى الله قوماً حل قومك فيهم سحائب لاقل جداها ولا نزر (16)

ويمدح امرأة يبدو أنها زوجه بأسلوب متميز أيضاً ، يقول:

وأديبة اخترتها عربية تعزى إلى الجد الكريم وتنتمي

محجوبة لم تبتذل ، أمارة لم تأتمر ، مخدومة لم تخدم

لو لم يكن لي فيك ألا أنني بك قد غنيت عن ارتكاب المحرم

ولقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب المكرم



7 ـ الرسالية في المدح والهجاء

المقصود بالرسالية ما اتجه إلى مدح أو هجاء منطلق من إيمان برسالة سامية ، وهو شائع لدى شعراء الشيعه بشكل خاص ، ويتميز أبو فراس بالتركيز على هذا الجانب حتّى أنّه خصص قطعة من شعره ليذكر كلّ أئمة أهل البيت الاثنى عشر ، وكأنه يريد أن يعلن عقيدته الاثني عشرية بكل وضوح وقل أن نرى

(217)

ذلك عند غيره من شعراء الشيعة يقول :

لست أرجو النجاة ، من كلّ ما أخشاه ، إلاّ بأحمد وعلي

وببنت الرسول فاطمة الطهر وسبطيه والإمام علي

والتقي النقي ، باقر علم الله فينا محمّد بن علي

وابنه جعفر وموسى ومولانا علي ، أكرم به من علي !

وأبي جعفر سمي رسول الله ثم ابنه الزكي علي

وابنه العسكري والقائم المظهر ، حقي محمّد بن علي

بهم أرتجي بلوغ الأماني يوم عرضي على الإله العلي (17)

وله في هذا المجال قصيدة «الدين مخترم» وسنأتي على ذكر أبياتها في الحديث عن أسلوب المقارنة عند أبي فراس ، وفيها أيضاً يهجو العباسيين مادحاً العلويين من هذا المنطلق الرسالي حيث يقول:

خلوا الفخار لعلامين إن سئلوا يوم السؤال ، وعمالين إن علموا

لا يغضبون لغير الله إن غضبوا ولا يضيعون حكم الله إن حكموا ..

ما في ديارهم للخمر معتصر ولا بيوتهم للسوء معتصم

ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم ولا يرى لهم قرد له حشم

الركن والبيت والأستار منزلهم وزمزم والصفا والحجر والحرم

صلى الإله عليهم أينما ذكروا لأنهم للورى كهف ومعتصم (18)



8 ـ أسلوب المقارنة في المدح والهجاء:

يشاهد في شعر أبي فراس جمعاً بين المدح والهجاء بصورة مقارنة بين الممدوح والمهجو.

نقف على سبيل المثال عند قصيدته المذكورة في مدح آل البيت وفيها يقارن

(218)

بين العباسيين والعلويين . يقارن بينهما في الشرف والمكانة:

لا يطغين بني العباس ملكهم بنو علي مواليهم وإن زعموا

وفي شرف النسب :

أتفخرون عليهم لا أبا لكم حتّى كأن رسول الله جدكم

وفي المجد:

ولا لكم مثلهم في المجد متصل ولا لجدكم مسعاة جدهم

وفي العرق والرحم :

ولا لعرقكم من عرقهم شبه ولا نفيلتكم من أمهم أمم

وفي الصفح عن الأسرى:

هلاّ صفحتم عن الأسرى بلا سبب للصافحين ببدر عن أسيركم ؟

وفي الفارق بين هارون الرشيد وموسى بن جعفر ، وبين المأمون وعلي بن موسى الرضا :

ليس الرشيد كموسى في القياس ولا مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم

وفي ما يتصاعد من بيوتهما من أصوات:

تبدو التلاوة من أبياتهم أبداً وفي بيوتكم الأوتار والنغم

وفي النساء والرجال:

منكم علية أم منهم ؟ وكان لهم شيخ المغنين إبراهيم أم لكم ؟

وهذا الأسلوب في المقارنة طريقة بديعة في المدح والهجاء قل أن نجد له نظيراً في الشعر العربي .



9 ـ أسلوب الحوار في التمدح:

هذا الأسلوب نجده بوضوح في قصيدة «أراك عصي الدمع» وفي هذه

(219)

القصيدة يبدو على الظاهر أنّه يتغزل ، ولكن لو أمعنا النظر فيها لوجدنا أنّه يتحدث عن نفسه بأنه : صابر ـ حافظ للعهد ـ حبه لا يتزعزع ـ معروف غير مغمور ـ قائد كتائب القتال ـ مقتحم لكل الأهوال ـ محارب لا يهدأ ـ صاحب رجولة امام طلب النساء ـ كريم ـ يتخير أصعب الطرق ـ لا يرضخ للذل ـ لا يستغني عنه أهله ـ لا يتخير إلاّ الصدر ـ تهون عليه نفسه في طلب المعالي.

إذن هو يمتدح نفسه في هذه القصيدة أي يفخر بها وهو في أسره ، والمحاور في القصيدة لا يبدو أنّه امرأة يتغزل بها ، بل مثل أعلى يتعشقه ، والدليل على ذلك أن هذه المحاورة تعرف كلّ فتى مثل أبي فراس ولا تنكره ، وأن قتلاها كثيرون ، فهو إذن يتحدث مع محاورة تحاول أن تتجاهله وهو ينكر عليها هذا التجاهل ، وليس ببعيد أن تكون حريته أو سيف الدولة كما ذهب إلى ذلك بعضهم . لأنه كان يتوق إليهما وهو في أسره ، بينما كان سيف الدولة ـ في ظن أبي فراس ـ يتجاهله ، فهو يرد على هذا التجاهل بذكر كلّ الصفات الكريمة التي يتحلى بها.

والجميل في أسلوب القصيدة هو ذكر هذه الصفات الحميدة على شكل حوار : (19)

ـ أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهي عليك ولا أمر ؟
ـ بلى أنا مشتاق وعندي لوعة ولكن مثلي لا يذاع له سرّ..
ـ تسائلني من أنت ؟ وهي عليمة وهل بفتى مثلي على حالها نكر؟!
ـ فقلت: كما شاءت وشاء لها الهوى فتيلك ! قالت : أيهم فهو كثر!
ـ فقلت لها : لو شئت لم تتعنتي ولم تسألي عني وعندك بي خبر!
ـ فقالت : لقد أزرى بك الدهر بعدنا فقلت : معاذ الله بل أنت لا الدهر
وفي بعض أبياته يحاور أصحابه :

ـ قال أصيحابي : الفرار أو الروى ـ فقلت : هما أمران أحلاهما مرّ
ـ يقولون لي : بعت السلامة بالردى ـ فقلت : أما والله ما نالني خسر

(220)

إن أبا فراس من نوادر الشعراء العرب الّذين عزفوا على قيثارة قلوبهم ، فما كان يصطنع الشعر كسباً للمال ، ولا كان يهتم بكسب ود هذا وذاك ، ولكنه كان في شعره يعبر أصدق تعبير عن تجربته الشعورية ، ثم إن الرجل توفرت له بيئة رفعته من الانشداد بهمومه الذاتية وعواطفه الفردية ، فعاش لهم كبير هو الدفاع عن دولة ارتبط بها نسباً وقيادة وعقيدة ، فكان يهمه أن يرى هذه الدولة منسجمة موحدة قوية في داخلها ، صامدة منتصرة أمام أعدائها ، من هنا اتجه مدحه إلى كلّ ما يحقق آماله وطموحاته ، واتجه هجاؤه إلى كلّ ظاهرة من شأنها إضعاف شوكة هذه الدولة ومصادرة عزتها وكرامتها.

ونحن اليوم ـ في اعتقادي ـ بأمس الحاجة إلى تعميم القيم التي تغنى بها أبو فراس من رجولة وكرامة ووحدة وانسجام ، ومن رفض لك التحديات التي تواجه شخصية الأمة .

أبـو نـدى
21-12-2009, 01:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

أي دعاية جزاك الله خير الدعاية تكون لموقع واحد مو لأكثر من 10 مواقع !!!؟؟؟


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هلا بالصقر الشمالي

والله يعطيك العافية

أخي الفاضل

من شروط الكاتبة بالمنتدى

عدم وضع رابط لأي منتدى أخر


وجزاك الله خيرا على المشاركة الرائعة

احلى نوقا
22-12-2009, 12:37 AM
هااااااااااااااااي اخواني

ألف ألف ألف شكر لكل من ساعدني الله يوفقكم ولا يحرمكم الأجر"وتأكدوا أني ماراح انساكم من دعواتي في ظهر الغيب.....

كاسب العز
27-02-2010, 12:15 PM
بارك الله فيك

لك مني أجمل تحية

تقبل مرورى

كاسب العز