المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قم فأنذر .. أم لم يعرفوا رسولهم



غرابيــل
15-07-2009, 03:29 PM
قم فأنذر...





(.. أمْ لـَمْ يعْرِفُوْا رَسُوْلهَمْ ؟ )


طرح جديد في سيرة رسول الله r ..


نظرات في معجزاته .. وحقوقه ..




بقلم /


د.محمد بن عبد الرحمن العريفي





بداية

كان موقفاً محرجاً ذلك اليوم لما دخلت على طلابي في الكلية ..
كانت محاضرتي حول السيرة النبوية ..
وقفت أمام الطلاب .. هم في السنة الثانية الجامعية ..
أردت أن أقيس معلوماتهم لأعرف المستوى الذي أخاطبهم نم خلاله ..
سألتهم : يا شباب .. أعطوني أسماء أربع زوجات .. من زوجات النبي r ..
كان سؤالاً سهلاً طرحته بين أيديهم على استحياء ..
كانوا أربعين طالباً ..
رفع أحدهم يده صارخاً : يا دكتور ..
قلت : نعم ..
قال : خديجة ..
فعددت بأصابعي قائلاً : خديجة .. أحسنت ..
رفع الثاني يده : يا دكتور .. عائشة ..
قلت : ممتاز .. عائشة ..
ثم سكتوا!!
سكتوا؟! الأربعون ؟!! نعم سكتوا .. الأربعون !!
أخذت أطوف بنظري بينهم .. وأردد عبارات الأسف .. ألا تعرفون رسولكم .. ألا تعرفون أمهات المؤمنين ( أفاااااا ) ..
فقال أحدهم : هاه .. يا دكتور .. دكتور .. تذكرت إحدى زوجاته ..
قلت : من ..
قال : آمنة !!
آمنة .. هي أم رسول الله r .. وقد ظن المسكين أنها زوجته ..
قلت : آمنة !! هي أمه .. الله يخليك لأمك ..!!
فسكت خجلاً ..
وخيّم الصمت عليهم .. والحزن عليَّ ..
فأراد أحدهم أن يزيل الكآبة عن الشيخ .. بجواب يبهج خاطره ..
فقال :
يا دكتور .. تذكرت اسم زوجة ..
قلت : هاه .. من؟
قال : فاطمة !!
ضحك بعض الطلاب .. وظهر التعجب على آخرين ..
وفريق ثالث .. لم يبدُ منهم أي تفاعل .. لأنهم يظنون الجواب صحيحاً .. يظنون فاطمة اسم زوجة من زوجاته r ..
قلت له : فاطمة رضي الله عنها .. هي ابنته ..
سكت الطالب .. بل سكت الجميع ..
فقلت لهم :
أخبروني يا شباب بأسماء خمسة من لاعبي فريق .. فريق .. وجعلت أتذكر فريقاً كروياً أسألهم عنه .. وخشيت أن يجيبوا الجواب الصحيح فأصاب بخيبة أمل .. فلم أذكر فريقاً قريباً .. وإنما تباعدت .. علهم يعجزون عن الجواب .. فقلت : من لاعبي فريق البرازيل ..
فتصايحوا : أنا .. أنا ..
وجعلت الأسماء تهب عليّ هبوباً .. برنالدو .. تيتو .. الخ ..
وأنا أعد بأصابعي .. فإذا أصابع يدي الأولى تمتلئ .. ثم تمتلئ أصابع يدي الثانية .. ثم أعود إلى الأولى .. فإذا هم قد عدوا خمسة عشر اسماً !!
فسألتهم :
الذي أعرف أن عدد لاعبي الفريق لا يتعدى أحد عشر لاعباً ..
فلماذا ذكرتم خمسة عشر ..؟
فقالوا : نحن ذكرنا لك أسماء اللاعبين الأساسيين .. والاحتياط ..
والنكتة أنني لما كانوا يعدون أسماء اللاعبين .. كنت أعد بأصابعي وأعيد اسم اللاعب .. فإذا أخطأت في لفظ الاسم .. ضحكوا من ( جهلي ) .. وعدلوا لي الاسم ..
وصدق الله .. ( أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ) ..




لا تعتذروا

شعر طلابي بمقدار الحزن البادي على وجهي ..
فبدؤوا يقولون معتذرين : يا شيخ .. لا تلمنا .. فالإعلام يبرز هؤلاء فنحفظهم ..
فقلت لهم : لا تعتذروا .. فالإعلام يملك أن يبرزهم .. لكنه لا يملك أن يلزمك بمتابعتهم .. وتتبع أخبارهم .. وحفظ أسمائهم .. وتذاكر قصصهم .. وجعلهم مادة لأحاديث مجالسنا .. ومواضيع منتدياتنا .. وألوان ألبستنا .. الخ ..
فكما يوجد قنوات للرياضة .. فهناك قنوات للثقافة .. والأخبار .. والشريعة .. والتعليم ..
وقل مثل ذلك فيما تنشره الجرائد والمجلات ومواقع الانترنت .. إلى غير ذلك ..
فلا تعتذروا ..
ومن الطريف أن أذكر ..
أنني ألقيت محاضرة قبل أيام في إحدى القرى .. أؤكد : إحدى القرى ..
كانت المحاضرة حول حياة النبي r ..
ذكرت في آخر المحاضرة أهمية تعلم السيرة النبوية .. ثم ذكرت هذا الموقف الذي وقع بيني وبين طلابي ..
كان أمامي بعض صغار السن الذي لا تتجاوز أعمارهم العشر سنين ..
فقلت في أثناء سردي للموقف : ثم سألأت طلابي : أعطوني أسماء أربع من زوجات النبي r .. وأكملت القصة .. والأمر عادي ..
فلما قلت : ثم قلت لطلابي : هاه يا شباب .ز أعطوني أسماء خمسة من لاعبي البرازيل .. تصايح الصغار الذين أمامي : أنا .ز أنا .. أنا ..
يظنوني أسأل الحاضرين !!
فرأيتها فرصة لتسجيل موقف .. فالتفت إلى أحدهم .. وقلت : هاه يا شاطر .. أجب ..
فقال : برنالدو .. و ..
قلت : يكفي .. تدرس في أي صف يا شاطر ؟
فقال بكل براءة : رابع باء ..!!
فلتفت إلى الثاني وقلت : هاه ؟
قال : تيتو ..
قلت : وأنت أي صف تدرس ؟
فقال : خامس جيم ..
كادت الدموع تنزل من عيني ..
ورأيت بعض الناس .. دمعت عيناه .. قهراً .. وحُقَّ له ذلك ..
أدركت عندها أننا بحاجة إلى إبراز هذا الرسول .. الذي هو أحب إلينا من أرواحنا ..
فكان هذا الكتاب المختصر في نوع من السيرة قلما يطرق .. وهو الكلام عن معجزاته وآيات نبوته r ..
فعسى الله أن ينفع بهذا الكتاب ويرفع .. آمين .. آمين ..



* * * * * *






أم لم يعرفوا رسولهم ؟

اسمه : محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ..
قبيلته : قرشي هاشمي .
كنيته : أبو القاسم .
أمه: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ..
قبيلتها : قرشية زهرية ..
ولادته : ولد r بمكة في دار عمه أبيطالب ..
تاريخ ولادته : يومالاثنين 12ربيع الأول من عام الفيل ( الموافق20 إبريل/نيسان عام571للميلاد ) .
نشأ يتيماً : توفي أبوه وأمه حامل به..حيث ماتت أمه وعمره 6سنوات فكفله جده عبدالمطلب ثم مات جده .. فكفله من بعده عمه أبو طالب.
أرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب .. من قبيلة بني سعد ..
زواجه :
تزوج خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية وهوفي الخامسة والعشرين من عمره وهي في الأربعين,
ماتت خديجة رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين ..
تزوج بعد خديجة بقية نسائه الطاهرات ..
فتزوج سودة بنت زمعة .. رضي الله عنها ..
ثم تزوج عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ..
ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ..
ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث رضي الله عنها ..
ثك تزوج أم سلمة واسمها هند بنت أمية رضي الله عنها ..
ثم تزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها ..
ثم تزوج جويرية بنت الحارث رضي الله عنها ..
ثم تزوج أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان ..
ثم تزوج صفية بنت حييّ بن أخطب رضي الله عنها ..
ثم تزوج ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها ..
وهي آخر من تزوج رسول الله r ..
أولاده : ثلاثة ذكور .. وأربع إناث ..
ولدت له خديجة : القاسم .. وعبد الله .. وقد ماتاصغيرين.. وكان عبد الله يلقب بالطيب والطاهر..
وولدت له جاريته مارية القبطية إبراهيم .. ومات صغيراً أيضاً ..
بناته : وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة .. وهؤلاء كلهن من خديجة ..
توفي جميع أولاده في حياته ,إلا ابنته فاطمة ..
بعثه الله تعالى رسولاً بوحي نزل عليه وهو يتعبد في غار حراء ..
هو آخر الأنبياء والرسل .. وهو رسول إلى الناس أجمعين ..
كما قال سبحانه : { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ًونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون } سبأ/28.
وأنزل عليه في رمضان أول آية من القرآن الكريم وهي قوله تعالى:
اقْرَأْ بِاسْمِرَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ وتتابع نزول القرآن عليه بواسطة جبريل عليه السلام.
بدأدعوته سرا مدة ثلاث سنوات ..
ثم أمره الله أن يجهر بها وينذر قومه,
فأعلن الدعوةإلى توحيد الله تعالى ونبذ الأوثان.
لقي صدا وعنتا من كبار قريش وصناديدهم وأوذيأصحابه الكرام ..
فأذن r لهم بالهجرة إلى الحبشة .. وهي أثيوبيا اليوم ..
فهاجر إليها ثلاثةوثمانون رجلا عدا النساء والأولاد ..
ثم أمره الله تعالى بالهجرة إلى المدينةفهاجر إليها مع أبي بكر في السنة الأولى الهجرية الموافق سنة 622 م ..
جرت بينه وبين قريش غزوات انتهت بفتح مكة سنةثمان للهجرة.
دانت له العرب وأتته وفودها تعلن إسلامها سنة 9 و 10 للهجرة.
وفيسنة عشر للهجرة حج حجة الوداع وعاد إلى المدينة
ثم توفي فيها في 12 ربيع الأولعام 11 للهجرة ( الموافق 8 يونيو / حزيران سنة 632م ) ..


من أهم الأحداث في حياته r ..
الإسراء والمعراج : وكان قبل الهجرة بثلاث سنين وفيه فرضت الصلاة ..
السنة 1هـ : الهجرة ..وبناء المسجد ..وبداية تأسيس الدولة ..وفرض الزكاة.
السنة 2هـ : غزوة بدر الكبرى ..
السنة 3هـ : غزوة أحد ..
السنة 4هـ : غزوة يهود بني النضير ..
السنة 5هـ : غزوة بني المصطلق .. وغزوة الأحزاب .. وغزوة يهود بني قريظة ..
السنة 6هـ : صلح الحديبية ..
السنة 7هـ : غزوة خيبر .. وفي هذه السنة اعتمر النبي r والمسلمون أول عمرة في الإسلام ..
السنة 8هـ : غزوة مؤتة بين المسلمين والروم .. وفتح مكة .. وغزوة حُنين ضد قبائل هوازن وثقيف ..
السنة 9هـ : غزوة تبوك .. وهي آخر غزواته r .. وفي هذه السنة دخل الناس في دين الله أفواجاً .. وسمي هذا العام عام الوفود .
السنة 10هـ : حجة الوداع .. وحج فيها مع النبي r أكثر من مائة ألف مسلم ..
السنة 11هـ : وفاة رسول الله r ..
وقد اخترت في هذا الكتاب أن نسبح في بحر معجزاته وآيات نبوته r ..
وهي كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية تزيد على ألف معجزة .. لكني أذكر منها ما تيسر ..
* * * * * *




آيات الأنبياء

آيات الأنبياء ومعجزاتهم .. خصهم الله بها تصديقاً على رسالته ..
وتكون المعجزات خارجة عن قدرة البشر ..
ومعجز كل رسول موافق للأغلب من أحوال عصره ..
· فموسى عليه السلام .. حين بعث في عصر السحرة ..
فلق الله له البحر .. وقلب العصا حية ..
· أما عيسى عليه السلام .. فبعث في عصر الطب وأنواع العلاج ..
فخصه الله بإبراء المرضى .. وإحياء الموتى ..
· أما محمد عليه السلام .. فقد جمع الله له من أنواع الآيات .. ما بهر البريات ..
فنزل عليه القرآن ..
الذي أعجز الفصحاء .. وغلب البلغاء .. وتبلد فيه الشعراء ..


قال الله : ] وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ ..


ولكثرة دلائل نبوة محمد r .. لم يملك أحد أن يكذب بها إلا من عاند واستكبر ..

بل حتى الكفار الذين حاربوه .. وضيقوا عليه .. هم مصدقون بنبوته في قلوبهم ..ولكن يمنعهم الكبر والغي من اتباعه ..
أو ما سمعت أبا طالب يقول :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا
ودعوتني وعلمت أنك ناصحي فلقد صدقت وكنت فينا أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنه من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا
وحتى اليهود .. كانوا يعلمون أنه وهو النبي الحق الذي يجب عليهم اتباعه .. ولكنهم تكبروا عن ذلك ..


كل شيء شهد له r بالنبوة .. حتى الأشجار .. والأحجار .. والحيوانات ..

* * * * * *





ذئب يتكلم

في أوائل بعثة النبي ..
كان أحد رعاة الغنم .. يرعى غنمه في بعض بوادي المدينة ..
فعدا الذئب على شاة منها .. فأخذها وعدا هارباً .. فطلبه الراعي فانتزعها منه ..
فولى الذئب هارباً .. ثم وقف فجأة .. وأقعى الذئب على ذنبه ..
ثم التفت إلى الراعي .. وقال :
ألا تتقي الله !! تنزع مني رزقاً ساقه الله إليَّ ؟!
فقال الراعي : يااااا عجباً !! ذئبٌ مقعٍ على ذنبه .. يكلمني كلام الإنس ..!!!
فقال الذئب : ألا أخبرك بأعجب من ذلك ؟
.. أعجب من هذا .. رجل في النخلات بين الحرتين .. يخبركم بما مضى .. وما هو كائن بعدكم ..
يعني رسول الله ..
ومضى الذئب إلى شأنه !!
فأقبل الراعي يسوق غنمه .. حتى دخل المدينة .. وجمع غنمه في زاوية من زواياها ..
ثم أتى النبي فأخبره ..
فأمر رسول الله أحد الصحابة فنادى في الناس : الصلاة جامعة ..
فاجتمع الناس في المسجد .. لا يدرون لماذا جمعهم النبي ..
فخرج النبي عليه الصلاة والسلام عليهم .. فإذا هم جالسون .. منصتون بين يديه ..
والأعرابي راعي الغنم جالس بينهم ..
فقال r للأعرابي : أخبرهم ..
فتكلم الأعرابي .. وأخبرهم بخير الذئب ..
كان كلام الأعرابي غريباً .. والناس يستمعون .. والنبي ساكت ..
فلما انتهى الراعي من كلامه ..
قال رسول الله : صدق ..
والذي نفس محمد بيده .. لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس ..
ويكلمَ الرجلَ عذبةُ سوطه .. وشراكُ نعله .. ويخبره فخذُه ما أحدث أهله بعده


فهذا من آيات نبوته r أن شهدت له أنواع المخلوقات بالنبوة ..



* * * * * * * * *


إخباره ببعض المغيبات

إخباره بالمغيبات أنواع ..
فأحياناً يخبر بغيب لم يقع بعد .. فيقع على ما أخبر به تماماً ..
من ذلك ..أنه :
بعد هجرة النبي إلى المدينة .. انطلق سعد بن معاذ إلى مكة معتمراً ..
فنزل على أمية بن خلف .. وكان بينهما ودٌ وصداقة في الجاهلية ..
ولم يكن وقع بين المسلمين والكفار حروب بعد ..
فكان أمية إذا سافر إلى الشام .. نزل عند صديقه سعد بن معاذ في مكة .. وارتاح أياماً ثم واصل سفره ..
وكذلك كان سعد .. يأتي مكة .. فينزل عند أمية ..
لما نزل سعد عند أمية .. قال له : يا أمية .. انظر لي ساعة خلوة .. لعلي أن أطوف بالبيت ..
فقال أمية : انتظر حتى إذا انتصف النهار .. وغفل الناس .. انطلقت .. فطفت ..
فلما اشتدت شمس النهار .. وأوى الناس إلى بيوتهم ..خرج أمية بسعد .. متوجهاً به إلى البيت الحرام .. الكعبة ..
في أثناء الطريق لقيهما رأس الكفر أبو جهل ..
نظر أبو جهل إلى سعد بن معاذ فلم يعرفه .. فسأل أمية .. قال :
يا أبا صفوان !! من هذا معك ؟
قال أمية : هذا سعد بن معاذ .. اليثربي .. أي القادم من يثرب وهي المدينة ..
فتذكر أبو جهل أن أهل يثرب .. هم الذين ناصروا النبي .. وقبلوه مهاجراً إليهم ..
فغضب وقال :
ألا أراك تطوف بالبيت آمنا .. وقد آويتم محمداً والصباة معه .. والصباة هم الذين غيروا دينهم ..
فسكت سعد ..
فقال أبو جهل : وزعمتم أنكم تنصرونهم .. وتعينونهم .. أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالماً ..
سعد سيد في قومه .. ولا يرضى أن يهان بمثل هذا الكلام .. فغضب وقال :
لئن منعتني من هذا .. لأمنعنك ما هو أشد عليك منه ..
أمنعك من طريقك إلى الشام ..
كان سعد يعلم أن أبا جهل تاجر له قوافل تذهب إلى الشام .ز ولا بد أن تمر بالمدينة .. فهدده أن يقطع الطريق عليها ..
ثار أبو جهل وسعد .. وتخاصما ..
فتحير أمية .. لمن ينتصر؟
فهذا سيد قومه في المدينة .. وهذا سيد قومه في مكة ..
فمالت نفسه مع أبي جهل ..
فقال لسعد : يا سعد .. لا ترفع صوتك على أبي الحكم .. فإنه سيد أهل الوادي ..
فقال سعد : وأنت دعنا منك يا أمية .. فوالله لقد سمعت رسول الله r يقول : إنه قاتلك ..
ففزع أمية وقال : يقتلني بمكة أم في غيرها ؟!
قال سعد : لا أدري ..
فاضطرب أمية وفزع فزعاً شديداً .. وولى وهو يقول .. والله ما يكذب محمد أبداً ..
ثم رجع أمية إلى أهله .. فدخل على زوجته .. وهو ينتفض وقال لها :
يا أم صفوان .. ألم تسمعي ما قال لي سعد ؟!!
قالت : وما قال لك ؟
قال : زعم أن محمداً أخبرهم أنه قاتلي ..
ففزعت وقالت : بمكة ؟
قال : لا أدري ..
فقالت : والله ما يكذب محمد ..
فقال أمية : والله لا أخرج من مكة أبداً ..
ومضت الأيام ..
فأقبلت لقريش قافلة من الشام ..
فخرج ليعترض طريقها ..
فأرسل قائد القافلة أبو سفيان إلى قريش في مكة يستنصرهم للخروج للقتال والدفاع عن القافلة ..
ثار أهل مكة ..
وقام أبو جهل يستنصر الناس .. ويستحثهم للخروج للقتال ..
ويقول : أدركوا عيركم .. أموالكم ..
بدأ الناس يتجهزون .. منهم من يحد سيفه .. ومن يجمع متاعه .. ومن يجهز فرسه ..
كل أهل مكة تجهزوا للخروج للقتال .. إلا واحد .. أمية ين خلف ..
كره أمية أن يخرج .. وخاف على نفسه .. وجلس في ظل الكعبة ..
فعلم أبو جهل أن أمية سيتخلف عن الخروج ..
فأتاه فقال :
يا أبا صفوان .. إنك متى يراك الناس قد تخلفت .. وأنت سيد أهل الوادي .. تخلفوا معك ..
فأبى أمية أن يخرج .. فهو يعلم أن محمداً.. لا يكذب أبداً ..
أبو جهل كافر حقير .. لكنه ذكي !!
ابتكر أبو جهل طريقة يستحث بها أمية للخروج ..
فماذا فعل ؟!
أخذ أبو جهل مبخرة ووضع فيها جمراً وطيباً ..
ثم أقبل بهذا البخور إلى أمية وهو جالس بين قومه في ظل الكعبة .. وقال : خذ تطيب .. يا أبا صفوان .. تطيب إنما أنت من النساء ..
أي ما دام أنك لن تخرج للقتال فمعناه أنك ستجلس مع النساء ونحن نخرج نقاتل عنك .. فخذ تطيب .. كما تتطيب النساء !!
آآآه .. ما أخبث أبا جهل !!! يعلم من أين تؤكل الكتف !!
ما كاد أمية يسمع هذا الكلام .. حتى ثار .. وقام وهو يقول :
أما إذ غلبتني .. فوالله لأشترين أجود بعير بمكة ..
ثم أقبل على بيته وقال :
يا أم صفوان .. جهزيني ..
فقالت : يا أبا صفوان .. قد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي !!
قال : لا .. وما أريد أن أجوز معهم إلا قريباً .. وأعود ..
كانت خطة أمية أن يسير مع الجيش .. بعض الطريق ثم يتخفى عنهم .. ويعود إلى مكة ..
وفعلاً .. خرج أمية مع الجيش .. وجعل لا ينزل الجيش منزلاً أثناء الطريق .. لنوم أو طعام .. إلا ربط بعيره بجانبه .. استعداداً للهرب ..
لكن أبا جهل كان بالمرصاد .. فلم يزل يسير مع الجيش .. حتى وصل موقع معركة بدر ..
وقتله الله بأيدي المسلمين ..
وتحقق ما أخبر به من أن المسلمين يقتلون أمية ..
* * * * * *


خطة لقتله !!

وأحياناً يخبر بشيء وقع .. لكنه وقع في موضع غائب عنه ..
كأن يخبر بشيء وقع في مكة .. أو فارس .. أو اليمن ..
ومن ذلك :
بعد معركة بدر وهزيمة مشركي قريش فيها ..
رجع كفار قريش إلى مكة ..
وقد قتل منهم من قتل .. وأسر من أسر ..
كانت مصيبة عظيمة على قريش ..
أقبل عمير بن وهب .. إلى الكعبة فرأى صفوان بن أمية جالساً في الحجر في ظل الكعبة ..
فجلس عمير إليه ..
وجعلا يتبادلان الآهات .. فكلاهما مصاب .. عمير ابنه مأسور .. وصفوان أبو مقتول ..
فقال صفوان : قبح الله العيشَ بعد قتلى بدر ..
قال عمير : أجلْ .. والله ما في العيش خير بعدهم ..
ثم تحمس عمير فقال : لولا دينٌ عليَّ .. لا أجد له قضاء .. وعيالٌ لا أدع لهم شيئاً .. لرحلت إلى محمد فقتلته .. إن ملأت عيني منه ..
فإن لي علة أعتل بها إن دخلت المدينة .. أقول : قدمتُ على ابني أفدي هذا الأسير ..
فرح صفوان بقوله .. وشعر أنها فرصة للانتقام ..
فقال : عليَّ دينُك .. فأنا أقضيه .. وعيالك أسوة عيالي في النفقة .. فاذهب إلى محمد فاقتله ..
شعر عمير أنه أوقع نفسه في فخ .. ولكن لا سبيل للتراجع ..
قام صفوان مسرعاً .. وجهز لعمير راحلة .. ودفع إلى عمير سيفاً مصُقِولاً مسموماً ..
وودع عمير أهله .. ومضى يسير مغادراً مكة وقد تكون نظراته إلى بيوتها وجبالها هي النظرات الأخيرة ..
وصل عمير إلى المدينة ..
توجه إلى المسجد ..
نزل عند بابه .. وعقل راحلته ..
وتناول سيفه المسموم .. وعلقه في عنقه ..
ودخل المسجد .. وتوجه إلى رسول الله ..
رآه عمر .. فصاح : هذا عدو الله .. الذي حرَّش بيننا يوم بدر ..
انطلق عمر ليمنعه من الوصول إلى رسول الله .. لكنه وصل ..
وقف عمير بين يدي النبي ..
وكانت خطته .. أن يغافل النبي.. ويضربه فجأة بالسيف ويقتله .. ثم لا يهمه ما يقع بعد ذلك .. فقد قضى دينه .. وأمّن عياله ..
مسكين .. كان يظن المسألة سهلة إلى هذه الدرجة !!
نظر النبي إلى عمير .. ورأى السيف معه .. فقال :
ما أقدمك ؟
كان عمير متوقعاً هذا السؤال .. وبالتالي فالجواب جاهز .. قال :
ابني أسير عندكم .. وجئت أفتديه .. ففادونا في أسرائنا .. فإنكم العشيرة والأهل ..
فقال : فما بال السيف في عنقك !!
فعلاً!! من جاء ليفتدي أسير يعلق في عنقه كيس مال .. لا سيفاً ..
فقال عمير : قبحها الله من سيوف .. فهل أغنت عنا شيئاً يوم بدر ..!! إنما نسيته في عنقي حين نزلت ..
فقال له رسول الله : اصدقني .. ما أقدمك ؟؟
قال : ما قدمتُ إلا في أسيري ..
فقال : فماذا شرطت لصفوان بن أمية في الحجر .. ؟؟
ففزع عمير .. وقال : ماذا شرطت ؟!!
قال : تحملت له بقتلي .. على أن يعول بيتك .. ويقضي دينك .. والله حائل بينك وبين ذلك ..
انتفض عمير .. وعجب كيف علم النبي بخبره مع صفوان !
فقال : أشهد أنك رسول الله .. وأن لا إله إلا الله ..
كنا نكذبك بالوحي وبما يأتيك من السماء ..
وهذا الحديث كان بيني وبين صفوان في الحجر .. لم يطلع عليه أحد غيري وغيره .. فما أأخبرك به إلا الله ..
ودخل عمير في الإسلام .. وصار من خيار المسلمين ..
فهذا من آيات نبوة محمد التي رآها عمير فدخل في الإسلام بسببها ..
* * * * * *


الشاة المسمومة !!

وكذلك ما وقع منه مع اليهود لما أرادوا قتله ..
فإنه وقعت له غزوة إلى اليهود في خيبر .. فحاصرهم .. حتى طال الحصار ..
ثم استسلموا .. ودخا عليه الصلاة والسلام فاتحاً ..
فأقبلت امرأة يهودية حاقدة .. وطبخت شاة .. وشوتها .. وجعلت فيها سماً ..
ومن حقدها سألت : أي الشاة أحب إلى محمد ؟
فقيل لها : الذراع ..
فزادت السم في الذراع ..
فلما استقر مع بعض أصحابه في خيبر ..
أقبلت اليهودية بطعامها .. ووضعته بين يدي النبي وأصحابه .. وزعمت أنه هدية لهم !!
عجباً !! هل رأيت أحداً يهدي الموت ؟!
كان الصحابة جائعين .. وكذلك كان .. حصار طويل .. وزاد قليل .. وحر وتعب .. ثم شاة مشوية !!
وضع لصحابة أيديهم آكلين ..
ورسول الله أخذ قطعة من الذراع فرفعها إلى فمه الطاهر .. ونهش من لحمها نهشة ..
وفجأة صاح بأصحابه .. أن يتوقفوا عن الأكل ..
فتوقفوا .. مندهشين ..
ثم قال : اجمعوا إليَّ من كان هاهنا من يهود ..
فجمعوهم له ..
فقال : إني سائلكم عن شيء .. فهل أنتم صادقي عنه ؟
قالوا : نعم ..
فقال : من أبوكم ؟
كان لهذه القبيلة من اليهود جد .. لا يفتخرون بالانتساب إليه .. فيدعون الانتساب إلى جد آخر ..
فقالوا : أبو نا فلان ..
فقال r : كذبتم .. بل أبوكم فلان ..
قالوا : صدقت ..
قال : فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه ؟
فقالوا : نعم .. يا أبا القاسم .. وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا ..
فقال لهم : من أهل النار ؟
قالوا : نكون فيها يسيراً .. ثم تخلفونا فيها ..
فقال r : اخسئوا فيها .. والله لا نخلفكم فيها أبداً ..
ثم قال : هل أنتم صادقي عن شيء .. إن سألتكم عنه ؟
قالوا : نعم .. يا أبا القاسم ..
فقال : هل جعلتم في هذه الشاة سماً ؟
قالوا : نعم .. نعم ..
قال : ما حملكم على ذلك ؟
قالوا : أردنا إن كنت كاذباً .. نستريح منك .. وإن كنت نبياً لم يضرك ..
ولكن !! من أخبرك ؟
فرفع الذراع وقال : أخبرتني هذه الذراع ..


فصلوات ربي وسلمه عليه .. حتى الذراع أنطقها الله .. لما لم ترد أن تضر نبيه ..

* * * * * *


ربي قتل ربكما !!



ومن إخباره أيضاً بالمغيبات ..


أنه بعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى ملك الفرس .. يدعوه إلى الإسلام ..


وصل الكتاب إلى كسرى .. وهو ملك عظيم في قومه .. يملك فارس كلها .. إيران .. وأفغانستان .. وباكستان .. وغيرها ..


فلما قرأ كسرى الكتاب غضب .. ومزق الكتاب .. وقال :


يكتب إليَّ بهذا الكتاب وهو عبدي ..!!


كان كسرى متكبراً متغطرساً .. فلم يكتف بتمزيق الكتاب .. لا .. وإنما كتب إلى أمير اليمن باذان :


بلغني أن في أرضك رجلاً تنبأ .. فابعث إليه من عندك رجلين جلدين فليربطاه وليأتياني به ..


فبعث أمير اليمن باذان رجلين .. ليربطا النبي ويحضراه إليه !!!


مساكين !!


خرج الرجلان حتى قدما المدينة .. فدخلا على رسول الله ..


فقالا له : انطلق معنا .. وإن أبيت فكسرى مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك ..


فنظر إليهما النبي.. فإذا هما قد حلقا لحاهما وأبقيا شواربهما..


فكره النظر إليهما .. وقال : ويلكما !! من أمركما بهذا ؟؟


قالا : أمرنا بهذا ربنا .. يعنيان كسرى ..


فقال r : لكن ربي عز وجل .. أمرني بإعفاء لحيتي وبقص شاربي ..


ثم قال لهما بكل هدووووء :


ارجعا حتى تأتياني الغد ..


وجاء الوحي إلى رسول الله r .. أن الله سلط على كسرى ابنه فقتله ..


فلما أتيا رسول الله r قال لهما :


إن ربي غضب على ربكما فقتله .. فدمه في نحره ساخن الساعة ..


يعني : مات الآن ..!! فلا يزال دمه يجري منه حاراً ..


فاستعظما الأمر .. وقالا له : هل تدري ما تقول ؟! أنكتب بهذا عنك ؟ أنخبر الملك به ؟


فقال r بكل ثقة : نعم .. أخبراه ذلك عني ..


وقولا له :


إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى .. وينتهي إلى منتهى الخف والحافر ..


وقولا له :


إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك من الأبناء ..


فخرج الرجلان من عنده r .. يخبان السير إلى اليمن .. حتى قدما على باذان وأخبراه الخبر ..


فإذا هو لم يبلغه ما وقع في فارس لبعد المسافة ..


فقال باذان : والله ما هذا بكلام ملك .. وإني لأرى الرجل نبياً كما يقول .. ولننظرن ما قد قال .. فلئن كان ما قد قال حقاً فإنه لنبي مرسل .. وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا ..


فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه ابن كسرى .. يخبره أنه صار الملك .. ويأمره بالطاعة ..


فنظر باذان في وقت مقتل كسرى .. فإذا هي الساعة التي أخبر النبي r بها الرجلين ..


فقال باذان : إن هذا الرجل لرسول الله .. ثم أسلم باذان لله تعالى .. وأسلم أهل اليمن

* * * * * *


موت النجاشي ..

كان النجاشي t رجلاً صالحاً آوى المؤمنين .. ونصرهم ..
فكان النبي r يحبه ويهدي إليه ..
فجهز له النبي r يوماً هدية فيها طيب ورداء .. وأرسل بها رسولاً إلى الحبشة .. أثيوبيا ..
ولما انطلق الرسول إلى الحبشة ..
قال r لأم سلمة t وكان قد تزوج بها حديثاً .. :
قد أهديت للنجاشي أواق من مسك وحلة .. وما أراه إلا قد مات .. ولا أرى هديتي التي أهديتُ إليه إلا سترد إليَّ ..
فإذا ردت إلي فهي لكِ ..
فكان كما قال r ..
مات النجاشى وردت إليه r هديته ..
فلما ردت إليه الهدية أعطى كل امرأة من نسائه أوقية من ذلك المسك .. وأعطى سائره أم سلمة .. وأعطاها الحلة ..
* * * * * *


مقتل الأسود العنسي ..

اخبر بمقتل الأسود العنسي في صنعاء اليمن فيالليلة التي قتل فيها في المدينة ,فجاء الخبر بما أخبر به .[ رواهالبخاري ]
كان r في مجالسه مع أصحابه يحدثهم أحياناً بأحداث مستقبلية ..
كخبره عن أشراط الساعة وغيرها ..
ومن ذلك إخباره r عن أشخاص يدَّعون النبوة ..
ومن هؤلاء الأسود العنسي اليمني .. الذي ادعى أنه نبي .. وتغلب على أهل اليمن حتى ملكها كلها ..
وكان باليمن معاذ بن جبل t وأبو موسى الأشعري قد بعثهما النبي r إلى اليمن لدعوة أهلها ..
فخرجا من اليمن لما رأيا تغلب الأسود عليها ..
تمكن الأسود العنسي من اليمن .. وجعل أهل اليمن يرتدون عن الإسلام ..
تزوج الأسود العنسي امرأة اسمها زاذ .. وكانت امرأة حسناء جميلة .. مؤمنة بالله تعالى مصدقة برسوله محمد r ..
كانت زاذ امرأة صالحة .. لكن الأسود قتل زوجها وأكرهها على الزواج منه ..
وكان لها ابن عم اسمه فيروز .. رجل صالح ..
مضت الأيام والأسود العنسي يزداد طغيانه يوماً فيوماً ..
أراد النبي r أن يقضي على فتنة الأسود .. لكن اليمن بعيدة .. وقيادة جيش كامل إلى اليمن فيه مشقة شديدة ..
فبعث النبي r رسالة إلى أهل اليمن .. مع رجل اسمه وبر بن يحنس الديلمي ..
يأمر المسلمين الذين هناك بمقاتلة الأسود العنسي والقضاء على فتنته ..
فقام فيروز ودخل على بنت عمه زاذ امرأة الأسود .. وقال لها :
يا ابنة عمي .. قد عرفت بلاء هذا الرجل لقومك .. قد قتل زوجك .. وطأطأ رؤوس قومك .. قتل رجالهم .. وفضح نساءهم .. فهل تعينينا عليه ؟
قالت : أعينكم على أي أمر ؟
قال : إخراجه من اليمن ..
قالت المرأة : أو قتله ؟
قال : أو قتلة ..
قالت : نعم .. والله ما خلق الله شخصاً هو أبغض إليَّ منه .. فما يقوم لله بحق .. ولا ينتهي له عن حرمة .. فإذا عزمتم على قتله فأخبروني .. أعلمكم بما في هذا الأمر ..
استبشر فيروز بذلك .. وخرج من عندها واجتمع بأصحابه وجعلوا يتشاورون .. فبينما هم كذلك ..
إذ مر بهم الأسود .. وقد جُمعت له مائة دابة ما بين بقرة وبعير ..
فقام الأسود وخط خطاً في الأرض .. فأقيمت الدواب من وراء الخط .. صفاً واحداً ..
وقام الأسود دونها .. فنحرها بسكين معه .. وهي غير مربوطة .. ولا معقّلة .. وهي تنصاع له .. ولا تقاوم .. ما يتقدم أو يتأخر عن الخط منها شيء .. حتى زهقت أرواحها !!
وليس هذا غريباً .. فقد كان الأسود يستعمل الجن والشياطين والكهانة في التأثير .. وفي استكشاف أخبار الناس .. ويدعي أنه نبي يخبر الناس بالغيب !!
ثم التفت الأسود إلى فيروز وقال : أحقٌ ما بلغني عنك يا فيروز ؟ لقد هممت أن أنحرك فألحقك بهذه البهيمة .. وأبدى الأسود له السكين ورفعها عليه ..
فقال فيروز مهدئاً له : اخترتنا لصهرك .. وفضلتنا على الأبناء .. فلو لم تكن نبياً ما بعنا نصيبنا منك بشيء .. فكيف وقد اجتمع لنا بك أمر الآخرة والدنيا .. فلا تقبل علينا أمثال ما يبلغك .. فأنا بحيث تحب ..
فرضي الأسود عنه .. وأمره بقسم لحوم تلك الأنعام ..
ففرقها فيروز في أهل صنعاء ..
ثم أسرع فرجع إلى الأسود .. فلما اقترب منه .. فإذا مع الأسود رجل يحرّضه على قتل فيروز ..
وإذا الأسود يقول : أنا قاتله غداً وأصحابه ..
ثم دخل الأسود داره .. ولم يعلم بفيروز ..
فرجع فيروز إلى أصحابه فأعلمهم بما سمع من الأسود ..
فاجتمع رأيهم على قتل الأسود قبل أن يقتلهم ..
فمضى فيروز فدخل على زوجة الأسود فعرض عليها الأمر .. وكيف يقتلونه ؟
فقالت : إنه ليس من الدار بيت ولا حجرة .. إلا والحرس محيطون به ..
غير هذا البيت .. وأشارت إلى غرفة منزوية في الدار .. فإن ظهر هذا البيت إلى مكان كذا وكذا من الطريق ..
فإذا أمسيتم .. فانقبوا الجدار من الخارج على هذا البيت .. فإذا دخلتم فليس من دون قتله شيء ..
وإني سأضع في البيت سراجاً وسلاحاً ..
فوافقها فيروز على ذلك ..
ثم قام خارجاً من عندها متخفياً ..
وفجأة فإذا الأسود أمامه .. فقال له : ما أدخلك على أهلي ؟
وكان الأسود عنيفاً .. واشتد غضبه .. وهم بقتله .. فصاحت المرأة .. وقالت : ابن عمي .. ابن عمي .. جاءني زائرا ..
فقال : اسكتي .. لا أبا لك .. قد وهبته لك ..
فخرج فيروز على أصحابه فقال : النجاء .. النجاء .. وأخبرهم الخبر .. وأن الأسود اطلع عليه .. وشك في أمرهم ..
فحاروا ماذا يصنعون ..
فبعثت المرأة إليهم .. تشجعهم .. وتقول لهم :
لا تنثنوا عما كنتم عازمين عليه ..
فدخل عليها فيروز .. فاستثبت منها الخبر .. ثم دخل إلى الغرفة التي سينقبون جدارها .. وجعل ينقب الجدار من الداخل ليسهل عليهم العمل ليلاً ..
ثم أقبل إلى غرفة زوجة الأسود .. فجلس عندها كالزائر لها ..
فدخل الأسود فقال : وما هذا ؟
فقالت : إنه أخي من الرضاعة .. وهو ابن عمي .. فنهره الأسود وأخرجه ..
فرجع فيروز إلى أصحابه ..
فلما كان الليل .. نقبوا جدار ذلك البيت من الخارج .. فدخلوا .. فوجدوا فيه سراجاً تحت قدر مقلوب ..
فأخذوه .. وأخذوا السلاح .. ولم يشعر بهم أحد ..
ثم تقدم فيروز .. ودخل على الأسود .. فإذا الأسود نائم على فراش من حرير .. قد غرق رأسه في جسده .. وهو سكران يغط .. والمرأة جالسة عنده ..
فعاجله ودق عنقه بالسيف .. وأقبل أصحاب فيروز فساعدوه .. وجعل الأسود يخور ويصيح ..
فأقبل الحرس مسرعين إلى غرفة نومه ..
فقالوا : ما هذا ؟ ما هذا ؟!!
فخرجت إليهم المرأة وقالت : النبي يوحي إليه !!
فرجعوا ..
وصدقوا أنهم نبيهم يوحى إليه ..!! فلا ينبغي قطع الوحي عليه ..
وفي الصباح خرج فيروز مع أصحابه .. وألقوا رأس الأسود إلى الناس .. وجعلوا يؤذنون قائلين :
اشهد أن محمداً رسول الله .. اشهد أن محمداً رسول الله ..
وانطفأت فتنة الأسود العنسي بقتله ..
هذا ما حدث في اليمن .. في صنعاء ..
أما في المدينة .. فقد أتى الخبر إلى النبي r من السماء في الليلة نفسها ..
فلما جلس مع أصحابه .. قال :
قتل العنسي البارحة .. قتله رجل مبارك .. من أهل بيت مباركين ..
قيل : ومن ؟
قال : فيروز .. فيروز ..
وبعدها بثلاثة أيام .. توفي النبي r ..
فهذا أيضاً من أعلام نبوته r أنه تكشف له بعض المغيبات الواقعة في بلاد بعيدة ..
* * * * * *


وعليك السلام .. خبيب ..!!

قدم على رسول الله r بعد معركة أحد قوم من قبيلتي عضل والقارة .. فقالوا :
يا رسول الله .. إن فينا إسلاماً .. فابعث معنا نفراً من أصحابك ..
يفقهوننا في الدين ..
ويقرئوننا القرآن ..
ويعلموننا شرائع الإسلام ..
فبعث رسول الله r معهم نفراً ستة من خيار أصحابه .. وهم :
مرثد بن أبي مرثد الغنوي ..
وخالد بن البكير الليثي ..
وعاصم بن ثابت ..
وخبيب بن عدي ..
وزيد بن الدثنة ..
وعبد الله بن طارق ..رضي الله عنهم ..
فخرجوا مع القوم .. وكانوا يمرون بقبائل كافرة .. ويتخفّون ..
حتى وصلوا إلى موضع اسمه "الرجيع " .. وهو قريب من قبيلة هذيل ..
فسمعت بهم قبيلة هذيل .. فخرج إليهم مائة فارس من هذيل ..
فاقتصوا آثارهم .. حتى أتوا منزلاً نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة ..
فقالوا : هذا تمر يثرب ..
فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم ..
فلما أدركوهم .. هجموا عليهم .. فلجأ الصحابة إلى هضبة ..
فأقبل القوم فأحاطوا بهم .. وحاولوا الصعود إليهم .. فلم يقدروا ..
فقالوا للصحابة : لكم العهد والميثاق .. إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلاً ..
فقال عاصم : أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر ..
ثم رفع بصره إلى السماء وقال : اللهم أخبر عنا رسولك r ..
فثار الهذليون .. وقاتلوا الصحابة وجعلوا يرمونهم بالنبل .. حتى قتلوا عاصماً وأصحابه ..
وبقي خبيب بن عدي .. وزيد بن الدثنة .. وعبد الله بن طارق ..
فناداهم القوم .. وأعطوهم العهد والميثاق .. فاستسلموا لهم ..
فنزل الصحابة إليهم ..
فلما استمكنوا منهم .. حلوا أوتار قسيهم .. فربطوهم بها ..
فقال عبد الله بن طارق : هذا أول الغدر .. وأطلق يده من الرباط .. وأخذ سيفه .. وتأخر عنهم .. ورفع السيف .. وكان شجاعاً قوياً .. فلم يجرؤوا على الاقتراب منه .. فأخذوا يرمونه بالحجارة .. حتى مات t ..
وانطلقوا بخبيب .. وزيد .. حتى باعوهما بمكة ..
فاشترى خبيباً بنو الحارث بن عامر .. وكان خبيب قد قتل الحارث في معركة بدر ..
وأما زيد .. فابتاعه صفوان بن أمية .. ليقتله عوضاً عن أبيه الذي قتله المسلمون في معركة بدر ..
ودفعه صفوان إلى عبد له اسمه نسطاس .. ليقتله ..
خرج به نسطاس من مكة ليقتله .. واجتمعت قريش .. لتراه .. فيهم أبو سفيان بن حرب ..
فقال له أبو سفيان - حين رأى زيداً مربوطاً ليقتل - : أنشدك بالله يا زيد : أتحب أن محمدا الآن عندنا .. مكانك نضرب عنقه .. وأنك في أهلك ؟
فقال : والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه .. تصيبه شوكة تؤذيه .. وأني جالس في أهلي ..
فقال أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً .. كحب أصحاب محمد محمداً ( r ) ..
ثم قتله نسطاس ..
فرضي الله عن زيد ..
وأما خبيب بن عدي .. فحبسوه أياماً .. فرأوا منه عجباً !!
قالت ماوية وهي جارية عندهم : حبسوا خبيباً في بيتي .. فلقد اطلعت عليه يوماً .. وإن في يده عنقوداً من عنب كبير مثل رأس الرجل .. يأكل منه ..!! وما أعلم في وقته في أرض الله عنباً يؤكل ..
وقال لي حين أجمعوا على قتله : ابعثي إلي بحديدة ( سكين أو موسى ) أتطهر بها قبل القتل .. أراد أن يزيل بها بعض الشعر من جسده ..
قالت : فناولت غلاماً لي سكيناً حادة .. فقلت له : أدخل بها على هذا الرجل البيت فأعطه إياها ..
فلما ذهب الغلام .. ندمت وقلت : ماذا صنعت !! أصاب والله الرجل ثأره .. يقتل هذا الغلام فيكون رجلاً برجل ..
فلما ناوله السكين .. أخذها من يده .. ثم قال :
لعمرك ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي .. ثم خلى سبيله ..
ثم خرجوا بخبيب ليصلبوه ..
فلما عاين الموت .. قال لهم : إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين ..
قالوا : دونك فاركع .. فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما ..
ثم أقبل على القوم فقال : أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعاً من القتل لاستكثرت من الصلاة ..
فكان خبيب t أول من سن للمسلمين هاتين الركعتين عند القتل ..
ثم رفعوه على خشبة .. فلما أوثقوه .. رفع بصره إلى السماء وقال :
اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك .. فبلغه الغداة ما يصنع بنا ..
ثم دعا عليهم فقال :
اللهم أحصهم عدداً .. واقتلهم بدداً .. ولا تغادر منهم أحداً ..
ثم قال :
ولست أبالي حين اقتل مسلما * على أي شق كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قتلوه ..
هذا ما حدث في مكة ..
وعلى بعد أكثر من أربعمائة كيل .. في المدينة .. وفي اللحظة نفسها التي استشهد فيها خبيب ..
كان التأثر بادياًً على رسول الله r وهو بين أصحابه .. وهو يهم أن يخبرهم بخبر إخوانهم الذين أرسلهم دعاة .. فإذا هم شهداء .. فقال r :
وعليك السلام خبيب .. وعليك السلام ..
ثم قال : خبيب .. قتلته قريش ..


* * * * * *


إخباره r فتنة عثمان t ..

كان أبو موسى الأشعري t شديد المحبة للنبي r ..
توضأ في بيته يوماً ثم خرج متوجهاً إلى رسول الله r ..
عازماً على ملازمة النبي r ذلك اليوم .. وخدمته ..
توجه أبو موسى إلى المسجد .. فسأل عن النبي عليه الصلاة والسلام .. فقالوا : خرج .. ووجّه ها هنا ..
فخرج أبو موسى على إثره .. يسأل عنه .. حتى دخل بستاناً .. فإذا رسول الله r قد قضى حاجته وتوضأ ..
ثم جاء r فجلس على حافة البئر ..
وكشف عن ساقيه .. ودلاهما في البئر ..
سلم عليه أبو موسى .. ثم انصرف فجلس عند الباب .. وقالت : لأكونن بواب رسول الله r اليوم ..
وبعد وقت يسير .. جاء أبو بكر t فدفع الباب ..
قالت أبو موسى : من هذا ؟
قال : أبو بكر ..
قالت : على رسلك .. ثم ذهب .. فقال : يا رسول الله .. هذا أبو بكر يستأذن ..
فقال r : ائذن له .. وبشره بالجنة ..
فأقبل أبو موسى فقال لأبي بكر : ادخل .. ورسول الله r يبشرك بالجنة ..
فدخل أبو بكر مستبشراً .. وجلس عن يمين رسول الله r .. ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي r .. وكشف عن ساقيه ..
وأخذا يتحدثان ..
فرجع أبو موسى .. فجلس ..
وهو يتمنى أن يأتي أخوه لعله أن يدخل في الرحمة .. فيبشر بالجنة ..
ويقول في نفسه : قد تركت أخي يتوضأ .. ويلحقني .. فإن يرد الله به خيراً يأت به ..
فبنما هو كذلك .. فإذا إنسان يحرك الباب ..
قال : من هذا ؟
قال : عمر بن الخطاب ..
قال :على رسلك ..
فمضى أبو موسى إلى رسول الله r .. فسلم عليه .. فقال : هذا عمر بن الخطاب يستأذن ..
فقال r : ائذن له .. وبشره بالجنة ..
فرجع إلى الباب .. وفتحه .. وقال : ادخل .. وبشرك رسول الله r بالجنة ..
فدخل ..
وجلس مع رسول الله r على حافة البئر عن يساره .. ودلى رجليه في البئر ..
فرجع أبو موسى إلى الباب .. وذهنه مشغول بأمر أخيه ..
وقال في نفسه : إن يرد الله بفلان خيراً .. يأت به ..
فبنما هو كذلك .. إذ جاء إنسان يحرك الباب ..
فقال : من هذا ؟
فقال : عثمان بن عفان ..
قال : على رسلك ..
فذهب إلى رسول الله r فأخبره ..
فأجابه r كما أجاب عن أبي بكر وعمر .. حيث قال : ائذن له .. وبشره بالجنة ..
لكنه r زاد كلمة عن عثمان فقال : وبشره بالجنة على بلوى تصيبه ..
نعم .. على بلوى تصيبه ..
وكأنه عليه الصلاة والسلام يعني الفتنة التي وقعت في آخر عهد عثمان t .. والتي كانت سبباً في مقتله واستشهاده t ..
وإذا بالنبي r يخبر عثمان بأمر سيقع له بعد أكثر من عشرين سنة ..
رجع أبو موسى إلى عثمان .. وهو يحمل له بشرى .. وتهديد ..
فقال له : ادخل .. وبشرك رسول الله r بالجنة .. على بلوى تصيبك ..
ترددت عبارة : على بلوى تصيبك .. في ذهن عثمان مراراً .. فقال بكل يقين :
الله المستعان ..
ثم دخل عثمان .. فجلس على حافة البئر .. مواجهاً للنبي r وأبي بكر وعمر ..
وتمر السنين .. ويتولى أبو بكر .. ثم يموت ويمضي إلى الجنة ..
ثم يتولى عمر .. ثم يقتل وهو يصلي الفجر ويمضي إلى الجنة ..
ثم يتولى عثمان .. فتقع الفتن عليه .. والبلايا في آخر حياته .. ويتعب .. ويتألم .. وفي آخر الأمر يقتل وهو يقرأ القرآن .. ويمضي إلى الجنة ..
* * * * * *


نبأني العليم الخبير ..

قال ابن عمر t :
كنت جالساً مع النبي r في مسجد منى ..
فأتاه رجل من الأنصار .. ورجل من قبيلة ثقيف .. فسلما .. ثم قالا :
يا رسول الله .. جئنا نسألك ..
فقال r : إن شئتما أن أخبركما بما جئتما تسألاني عنه فعلت .. وإن شئتما أن أمسك فعلت ..
فقالا : أخبرنا يا رسول الله ..
فقال الثقفي للأنصاري : سل ..
فقال الأنصاري : أخبرني يا رسول الله ..
فقال r : جئتني تسألني عن :
مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام .. وما لك فيه ..؟
وعن ركعتيك بعد الطواف .. وما لك فيهما ..؟
وعن طوافك بين الصفا والمروة .. وما لك فيه ..؟
وعن وقوفك عشية عرفة .. وما لك فيه ..؟
وعن رميك الجمار .. وما لك فيه ..؟
وعن حلقك رأسك .. وما لك فيه ..؟
وعن طوافك بالبيت بعد ذلك .. وما لك فيه .. ؟
مع الإفاضة ..؟
فقال الأنصاري : والذي بعثك بالحق .. لـ عن هذا جئت أسألك ..
فقال r : فإنك :
إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام لا تضع ناقتك خفاً ولا ترفعه .. إلا كتب الله لك به حسنة .. ومحا عنك خطيئة ..
وأما ركعتاك بعد الطواف .. كعتق رقبة من بني إسماعيل ..
وأما طوافك بالصفا والمروة بعد ذلك كعتق سبعين رقبة ..
وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله تبارك وتعالى يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة .. يقول : عبادي جاؤوني شعثاً من كل فج عميق .. يرجون جنتي ..
فلو كانت ذنوبهم كعدد الرمل .. أو كقطر المطر .. أو كزبد البحر .. لغفرتها ..
أفيضوا عبادي مغفوراً لكم .. ولمن شفعتم له ..
وأما رميك الجمار .. فلك بكل حصاة رميتها .. كبيرة من الموبقات ..
وأما نحرك .. فمدخوراً لك ..
وأما حلاقك رأسك .. فلك بكل شعرة حلقتها حسنة .. وتمحي عنك بها خطيئة ..
وأما طوافك بالبيت بعد ذلك .. فإنك تطوف ولا ذنب لك ..
يأتي ملك حتى يضع يديه بين كتفيك .. فيقول اعمل فيما يستقبل فقد غفر لك ما مضى
فهذا الخبر أيضاً من آيات نبوته عليه الصلاة والسلام ..
* * * * * *


خبر الناقة !!

خرج r إلى معركة تبوك .. في حر ٍيشوي الوجوه .. وطريق شديد المشقة ..
نزلوا منزلاً .. فأصابهم فيه عطش شديد ..
حتى كادت رقاب بعضهم تنقطع من شدة الحر والعطش ..
حتى إن الرجل لينحر بعيره .. فيعتصر ما في جوفه فيشربه ..
فقال أبو بكر t : يا رسول الله .. إن الله قد عودك في الدعاء خيراً .. فادع الله لنا ..
فقال r : أو تحب ذلك ؟
قال : نعم ..
فرفع r يديه نحو السماء .. فدعا وتضرع والتجأ ..
فلم يخفض يديه حتى سكبت السماء مطرها .. فملئوا ما معهم من قرب وآنية ..
فذهب الصحابة ينظرون حولهم .. فإذا السحابة ما جاوزت موضع عسكرهم ..
وكان معهم رجل منافق .. فالتفت أحد إليه .. وقال :
ويحك يا فلان .. آمن .. هل بعد هذا من شيء ؟!
فقال المنافق : وما العجب ! سحابة مارة فأمطرتنا ..
وفي هذه الغزوة :
ذُكر أن ناقة رسول الله r ضلت ..
فتفرق الصحابة يبحثون عنها ..
فقال رجل من المنافقين : هذا محمد يخبركم أنه نبي .. ويخبركم خبر السماء .. وهو لا يدري أين ناقته !!
فلما بلغ هذا الكلام النبي r .. قال :
إني والله لا أعلم إلا ما علمني الله .. وقد دلني الله عليها .. هي في الوادي قد حبستها شجرة بزمامها ..
فانطلق بعض الصحابة فجاءوا بها ..
ففي هذا الحديث .. استجابة الله تعالى لدعاء نبيه r .. وفيه كشفه لنبيه r شيئاً من المغيبات . وهو موضع ناقته ..
* * * * * *


رحم الله أبا ذر!!..

لما سار رسول الله r إلى تبوك .. كان الطريق شاقاً .. والحر شديداً ..
وجعل بعض الناس يتخلف ..
والنبي r لا يشدد على من تخلف ..
فإذا قيل : يا رسول الله .. تخلف فلان ..
يقول : دعوه .. إن يكُ فيه خير فسيلحقه الله بكم .. وإن يكُ به غير ذلك فقد أراحكم الله منه ..
خرج r وأصحابه .. ومضو يسيرون على الرمال الحارة ..
كان أبو ذر من خيار الصحابة .. وكان على بعير كليل ضعيف .. فتأخر عنهم ..
فتلفت بعض الصحابة فلم ير أبا ذر .. فقال : يا رسول الله تخلف أبو ذر .. وابطأ به بعيره ..
فقال عنه r كما قال عن غيره : دعوه .. إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ..وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ..
أبو ذر .. أتعبه بعيره .. وتعسّر عليه في المشي ..
فلما رأى أبو ذر بعيره قد ابطأ عليه .. نزل .. وأخذ متاعه فحمله على ظهره ..
ثم مضى ماشياً وترك البعير ..
وأسرع ليلحق برسول الله r .. يسير في الحر والشمس .. على قدميه ..
وفي أثناء الطريق .. نزل رسول الله r .. في بعض الطريق ..
فقال بعض المسلمين : يا رسول الله .. هذا رجل ماش على الطريق .. مقبل علينا ..
فنظر النبي r إلى هذا القادم .. الذي يمشي في شدة البحر .. ومتاعه على ظهره .. والغبار يخفيه تارة .. ويظهره تارة .. فقال r : كن أبا ذر ..
فلما تأمله القوم ..
قالوا : يا رسول الله .. هو والله أبو ذر ..
فقال r .. وكأنه ينظر إلى الأفق البعيييييد : يرحم الله أبا ذر .. يمشى وحده .. ويموت وحده .. ويبعث وحده ..
ومضت السنين .. وتوفي النبي r ..
وتولى بعده أبو بكر وعمر t ..
وفي عهد عثمان .. خرج أبو ذر عن المدينة وسكن في الربذة .. في خيمة في الصحراء ..
وسكن مع من تبقى من أهله .. زوجة وغلام ..
فلما كبر وحضرته الوفاة ..
جلست أم ذر عند رأسه .. تبكي ..
فالتفت إليها وقال : ما يبكيك ؟
فقالت : مالي لا أبكي !! وأنت تموت بفلاة من الأرض .. وليس عندي ثوب يَسَعُكَ كفناً ..
قال : فلا تبكي .. وأبشري .. فإني سمعت رسول الله r يقول لنفرٍ أنا فيهم :
"ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض .. يشهده عصابة من المؤمنين "..
وليس من أولئك النفر الذين قال لهم ذلك أحد إلا وقد هلك في قرية جماعة .. وأنا الذي أموت بفلاة ..
ثم قال أبو ذر بكل يقين :
والله ما كَذبتُ .. ولا كُذِبتُ ..
فأبصري الطريق ..
قالت : وأنـَّى !! وقد ذهب الحجاج ! وانقطعت الطرق !
قال : اذهبي فتبصري ..
فمضت المرأة تمشي .. فتصعد الكثيب .. فتنظر في أدنى الطريق وأقصاه فلا ترى أحداً ..
فترجع إليه فتمرضه وتهتم به ..
فإذا اشتد عليه الأمر .. قامت ونظرت في الطريق .. فلا ترى أحداً .. فترجع ..
فبينما هي كذلك .. إذا هي برجال على رحالهم يقبلون من بعيد حتى وقفوا عليها ..
فقالوا : ما لك يا أمة الله ..؟
قالت : امرؤ من المسلمين يموت .. تكفنونه ؟
قالوا : من هو ؟
قالت : أبو ذر ..
قالوا : صاحب رسول الله r ؟
قالت : نعم ..
فتصايحوا .. أبو ذر .. أبو ذر .. ودخلوا الخيمة مسرعين ..
فلما جلسوا عند رأسه .. رحّب بهم .. وقال :
إني سمعت رسول الله r يقول لنفر أنا فيهم : "ليموتن منكم رجل بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين " ..
وليس من أولئك النفر أحد إلا هلك في قرية وجماعة .. وأنا الذي أموت بفلاة ..
أنتم تسمعون ؟
إنه لو كان عندي ثوب يسعني كفناً لي .. أو لامرأتي ..
أنتم تسمعون ؟
إني أشهدكم .. أن لا يكفنني رجل منكم .. كان أميراً أو عريفاً أو بريداً أو نقيباً ..
فنظروا .. فإذا ليس أحد منهم إلا قارف بعض ذلك ..
إلا فتى معهم من الأنصار .. قال :
يا عم .. أنا أكفنك .. لم أصب مما ذكرت شيئاً .. أكفنك في ردائي هذا .. وفي ثوبين معي من غزل أمي حاكتهما لي ..
ثم لما مات وجهزوه .. مر بهم عبد الله بن مسعود .. في أصحاب معه من أهل الكوفة ..
فقال : ما هذا ؟
فقيل : جنازة أبي ذر ..
فاستهل ابن مسعود يبكي .. وقال :
صدق رسول الله r :"يرحم الله أبا ذر .. يمشي وحده .. ويموت وحده .. ويبعث وحده "
ثم نزل ابن مسعود فوليه بنفسه حتى دفنه ..
* * * * * *


عجب الله من صنيعكما!

جاء رجل إلى رسول الله r .. فقال :
إني مجهود ..
كان الجوع ظاهراً على محيا الرجل ..
فأرسل النبي r إلى بعض نسائه يسألها إن كان عندها طعام .. فقالت :
والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ..
ثم أرسل r إلى زوجته الأخرى .. يسألها .. هل يوجد عندها شيء ؟ أي شي .. خبز .. تمر .. لبن ..
فقالت مثل ما قالت الأولى : والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ..
فأرسل إلى الأخرى .. والأخرى .. حتى قلن كلهن مثل ذلك : ما عندهن إلا ماء ..
فالتفت r إلى أصحابه .. فقال :
من يضيف هذا الليلة .. رحمه الله ..
كان أكثر الصحابة حالهم كحاله r .. إن وجدوا غداء لم يجدوا عشاء .. وإن وجدوا عشاء لم يجدوا فطوراً ..
فسكت الصحابة ..
والرجل ينتظر ضيافته .. فهو ضيف نبيهم عليه الصلاة والسلام ..
فقام رجل من الأنصار .. فقال : أنا يا رسول الله ..
ثم انطلق الأنصاري بالرجل إلى بيته ..
دخلا ..
فقال لامرأته : هل عندك شيء ؟
قالت : لا .. إلا قوت صبياني ..
ليس في البيت إلا عشاء الصبيان تلك الليلة .. ولعله وجبتهم الوحيدة ذلك اليوم .. وهو مع ذلك قليل ..
كان الموقف عصيباً .. لكنه موقف رجولي في الوقت نفسه ..
فقال الرجل : علليهم بشيء .. أي أشغليهم حتى يناموا .. من غير عشاء ..
فإذا جلس ضيفنا على الطعام .. فقومي إلى السراج كأنك تصلحيه .. فأطفئيه .. وأريه أنا نأكل معه ..
وهكذا كان .. قعدوا مع الضيف في الظلام .. الرجل وامرأته يمضغان ألسنتهما .. والضيف يأكل الطعام ..
وانتهت الوليمة .. وخرج ضيف رسول الله r ريان شبعان ..
فلما أصبح الرجل الأنصاري .. غدا على النبي r ..
فلما رآه r قال :
قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة ..
وإذا خبر السماء قد كشف له الحال ..
* * * * * *


أو لننزعن الثياب !!

حاطب بن أبي بلتعة .. من خيار المهاجرين ..
ترك أهله .. وماله .. وولده .. في مكة .. وخرج مهاجراً في سبيل الله ..
كان من خيار المجاهدين .. بل ممن جاهد في أول لقاء بين الإسلام والكفر .. في معركة بدر ..
كان كثير التفكير في ولده وأهله الذين في مكة .. بين ظهراني المشركين .. لا حامي لهم من الناس .. ولا نصير ..
ولم يكن حاطب من قبيلة قريش نفسها .. بل كان حليفاً لهم .. ساكناً في ديارهم .. وليس منهم ..
أما بقية المهاجرين ممن تركوا أهليهم وأولادهم في مكة .. فلهم أقارب يحمون أهليهم .. ويدافعون عنهم ..
فكان حاطب يفكر دائماً في طريقة أو خدمة يقدمها لقريش .. ليكتسب عندهم مكانة .. فلا يتعرضون لأهله وولده ..
مرت السنين ..
وكتب النبي عليه الصلاة والسلام عهد صلح الحديبية مع قريش ..
فلم تلبث قريش أن نقضت العهد .. فعزم على فتح مكة ..
فأمر المسلمين بالتجهز لغزوهم .. وكان حريصاً على أن لا تعلم قريش بخبره .. حتى لا تستعد فتقع مقتلة عظيمة بين الجيشين ..
فدعا ربه فقال :" اللهم عم عليهم خبرنا" ..
ومضت أيام يسيرة .. والخبر مكتوم ..
فشغر حاطب أنها الفرصة .. لاكتساب معروف على قريش ..
فكتب كتاباً إلى قريش يخبرهم فيه بغزو النبي لهم ..
وناوله لامرأة قرشية كانت في المدينة .. وأمرها أن تذهب به لأهل مكة ..
فما كادت المرأة تفارق المدينة .. حتى أطلع الله رسوله على الخبر ..
كان لا بد من تدارك أمر الكتاب قبل أن يصل إلى قريش ..
فبعث في إثر المرأة علياً والزبير والمقداد .. ثلاثة أسود .. وأخبرهم عن الموقع الذي وصلت إليه المرأة تحديداً ..
فقال :"انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ .. فإن بها ظعينة – امرأة على بعير - معها كتاب " ..
مضى الأبطال الثلاثة حتى وقفوا على المرأة ..
فقالوا : أخرجي الكتاب الذي معك ..
قالت : ما معي كتاب ..
ففتشوا رحلها .. وجميع ما معها .. فلم يجدوا شيئاً ..
فقال علي : والله .. ما كَذَبنا .. ولا كُذِبنا ..
والله لتخرجن الكتاب .. أو لتلقين الثياب ..
وقد علم علي أنها تخبئ الكتاب في موضع تظن أنهم لن يفتشوه ..
فلما رأت المرأة أنه حازم .. علمت أنه لا مفر من الاعتراف ..
فقالت : تأخروا عني ..
فتأخروا .. فحلت المرأة خمارها عن رأسها .. وأخرجت الرسالة من عقاصها .. من بين ظفائر شعرها ..
فأخذ الصحابة الكتاب ..
فأتوا به رسول الله ..
فتح النبي الكتاب .. فإذا فيه :
من حاطب بن أبي بلتعة .. إلى أناس من المشركين بمكة .. يخبرهم ببعض أمر رسول الله ..
كان حاطب حاضراً في المجلس ..
والكتاب يقرأ على النبي .. والصحابة يسمعون ..
عجباً!! حاطب يخبر الكفار بغزو النبي لهم !!
أول مرة يقع ذلك بين المسلمين ..
التفت .. إلى حاطب فقال : يا حاطب ما هذا ؟
توجهت الأنظار إلى حاطب .. كادت الأعين تأكله ..
فقال حاطب :
يا رسول الله .. لا تعجل عليّ ..
إني كنت امرأً ملصقاً في قريش .. ولم أكن من أنفسهم ..
وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة ..
فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي ..
يا رسول الله ..
والله ما فعلت ذلك كفراً ..
ولا ارتداداً عن ديني ..
ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ..
ثم سكت حاطب ..
وسكت رسول الله ..
والناس مطرقون كأن على رؤوسهم الطير ..
فحسم النبي الموقف .. بكلمتين .. قال : إنه صدقكم ..
لم يتحمل عمر الموقف .. فقال : يا رسول الله .. دعني أضرب عنق هذا المنافق ..
فقال رسول الله : "إنه قد شهد بدراً .. وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال :
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ".
فأنزل الله تعالى قوله ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ .. ﴾ ..
فمن أخبر النبي بما فعل حاطب .. ؟
ومن دله على الموضع الذي وصلت إليه المرأة تحديداً ؟!
إنه العليم الخبير .. تأييداً وإعجازاً ..
* * * * * *


أخوكم النجاشي .. مات!!

كان النجاشي ملك الحبشة .. رجلاً صالحاً ..
ناصر المؤمنين ..
لم يقدّر للنجاشي أن يرى النبي .. في الدنيا .. لكنه سيراه في الآخرة .. بإذن الله ..
مات النجاشي .. في الحبشة بين قومه النصارى ..
وفي اليوم نفسه .. في المدينة خرج على أصحابه وقال :
قد مات اليوم عبدُ الله الصالحُ أصحمة ..
فخرج إلى المصلى وكبر أربع تكبيرات .
* * * * * *


تسألني .. أم أخبرك ؟!

قال وابصة الأسدي ..
أتيت رسول الله .. وأنا أريد أن لا أدع شيئاً من البر والإثم إلا سألت عنه ..
أتيته وهو في عصابة من المسلمين يستفتونه .. فجعلت أتخطاهم ..
فقالوا : إليك يا وابصة عن رسول الله ..
فقلت : دعوني أدنو منه .. فإنه أحب الناس إلي أن أدنو منه ..
فقال : دعوا وابصة .. ادنُ يا وابصة! ادنُ يا وابصة! ..
فدنوت منه حتى قعدت بين يديه ..
فقال : يا وابصة أخبرك أم تسألني ؟..
فقلت : لا.. بل أخبرني ..
فقال : جئت تسأل عن البر والإثم ..
فقلت : نعم ..
فجمع أنامله فجعل ينكت بهن صدري .. ويقول :
يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك ..
يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك ..
يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك ..
البر ما اطمأنت إليه النفس ..
والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر .. وإن أفتاك الناس وأفتوك ) ..
* * * * * *


بل أنا أقتله ..

عدد من الكفار كانوا يتهددون النبي .. بالقتل والأذى .. والله تعالى يعصمه منهم ..
من بين هؤلاء .. أبُـَيّ بن خلف ..
كان كافراً فاجراً .. له فرس يعلفها أحسن الطعام .. ويقول : اقتل محمداً عليها ..
وأعد سيفاً حاداً زعم أنه سيقتل به النبي عليه الصلاة والسلام ..
كان النبي في المدينة .. فلما بلغته تهديدات أبُـَيّ بن خلف .. قال عليه الصلاة والسلام :
بل أنا أقتله إن شاء الله عز وجل ..
ومضت السنين ..
وفي نهاية معركة أحد .. أقبل أُبـيُّ مقنَّعاً .. مغطياً جسده بالحديد .. وهو يقول :
لا نجوت إن نجا محمد ..
ثم هجم مقبلاً على النبي..
فاستقبله مصعب بن عمير .. يحمي رسول الله بنفسه .. فقتل مصعب بن عمير ..
فالتقط النبي حربة من يد أحد أصحابه .. ونظر إلى أبُـَيّ .. فإذا في رقبته موضع قد انحسر عنه الحديد ..
فطعنه فيها بحربته ..
كان الموضع المنكشف صغيراً .. والحديد كثير .. فلم تدخل الحربة كلها .. لكنها جرحته في رقبته ..
فصاح أبُـَيّ صيحة عظيمة .. ووقع عن فرسه .. ولم يخرج من طعنته دم ..
فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور خوار الثور ..
فلما رأوا رعبه وجزعه .. قالوا :
الله !! ماااا أجزعك !! إنما هو خدش ..
فقال أبُـَيّ : إن محمداً قد إنه يقتلني .. ووالذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون ..
ثم لم يلبث أبُـَيّ أن مات .. ومضى إلى النار .
* * * * * *


إخباره بهبوب ريح شديدة

خرج مع أصحابه يقودهم إلى تبوك ..
فلما وصلوا إلى تبوك .. قال :
ستهب عليكم الليلة ريح شديدة .. فلا يقم فيها أحد ..
فمن كان له بعير فليشدَّ عقاله ..
فهبت تلك الليلة ريح شديدة ..
فقام رجل من القوم .. فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيء في بلدة حائل ..
* * * * * *


إخباره بظهور الفواحش والأمراض

قال r : ( ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها .. إلا ابتلوا بالطواعين .. والأوجاع .. التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ) .
فظهور الفواحش الآن منتشر في المجتمعات المنحلة أخلاقياً ودينياً .. حتى خرجوا من دائرة السرية إلى دائرة العلنية ..
فتحقق قوله r ( حتى يعلنوا بها ) .. ومن ثم أصابهم الوعيد ..
فظهرت فيهم الأمراض الجديدة التي لم تكن معروفة من قبل .. الإيدز .. الهربس .. السيلان .. الزهري ..
فمرض الإيدز مثلاً اكتُشِف عام ( 1981م ) و ( الفيروس ) المسبب له لم يكتشف إلا عام 1983م وهو نوع جديد من الفيروسات لم يكن معروفاً من قبل ..
وكذلك غيره من هذه الأمراض ..
وصدق من لا ينطق عن الهوى ..
* * * * * *


إخباره عن غزاة البحر إلى قبرص.

كان رسول الله يدخل على عمته أم حرام بنت ملحان .. فيزورها ويطعم عندها ..
وكان زوجها عبادة بن الصامت .. يفرح بلقاء النبي ..
دخل عليها يوماً فأكل عندها طعاماً ..
ثم اضطجع في بيتها فغلبته عينه .. ونام ..
ثم استيقظ وهو يضحك ..
قالت : ما يضحكك يا رسول الله ؟
فقال : ناس من أمتي عرضوا علي غُزاة في سبيل الله يركبون البحر .. ملوكاً على الأسرة .. أو مثل الملوك على الأسرة ..
ملوك على الأسرة !! اشتاقت أم ملحان أن تكون من هؤلاء ... فقالت :
يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم .. فدعا لها أن تكون منهم ..
ثم وضع رأسه فنام ..
ثم استيقظ وهو يضحك ..
قالت : ما يضحكك يا رسول الله ؟
قال : ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله -كما قال في الأولى- ..
فقالت أم ملحان : يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم ..
فقال : أنت من الأولين ..
ومضت السنين .. وتوفي النبي عليه الصلاة والسلام ..
وتولى من بعده الخلفاء الأربعة الراشدون ..
ثم لما كان عهد معاوية .. ركبت أم حرام بنت البحر .. فلما خرجت من السفينة وركبت دابتها .. صرعت عن دابتها فماتت .
* * * * * *


الإخبار عن مدعي النبوة:

أخبر عن أمور مستقبلية .. كلها وقعت كما أخبر عليه الصلاة والسلام ..
من ذلك :
قوله : ( إن بين يدي الساعة ثلاثين كذاباً دجالاً .. كلهم يزعم أنه نبي ) ..
وقال : (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا ً) ..
وقد خرج عدد من هؤلاء .. منهم : مسيلمة .. والعنسي .. والمختار ..
ووجد من النساء من ادعين النبوة مثل سجاح .
* * * * * *


وقفة ..



هذا هو النوع الأول من معجزاته r ..


وهو بلا شك من إخبار الله تعالى له .. وإلا فنحن نعلم أن الغيب لا يعلمه إلا الله ..


كما قال تعالى : ] عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً [ ..


ولقد أمر الله نبيه أن يخبرنا بأنه لا يعلم الغيب ..


فقال تعالى : ] قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ ..


وعِلْمُ رسول الله تعالى لشيء من الغيب هو من آيات نبوته ..


ولا يجوز لأحد كائناً من كان أن يدعي أنه يكشف له الغيب .. بل ولا يجوز تصديق من يدعون ذلك .. أو سؤالُهم ..

* * * * * *




النوع الثاني : معجزاته الكونية :



انشقاق القمر

دعا النبي الكفار بكل سبيل ..
وهم يكذبون ويبحثون عن حجج وأعذار ..
حتى قالوا له يوماً : شق لنا القمر ..!!
فدعا النبي ربه .. ودعا ..
وفجأة .. انشق القمر نصفين !!
قال ابن مسعود :
رأيت القمر منشقاً شقتين بمكة .. قبل مخرج النبي منها .. شِقة على جبل أبي قبيس .. وشقة على السويداء ..
رأى الكفار ذلك .. فشدهت أبصارهم ..
لكن غلبهم شيطانهم وقالوا : هذا سحر سحركم به ..
ثم لأجل أن يخرجوا من حرج الموقف .. قالوا : انظروا المسافرين القادمين ..
فإن كانوا وهم في ديارهم رأوا مثل ما رأيتم .. فقد صدق ..
وإن لم يكونوا رأوا مثل ما رأيتم .. فهو سحر ..
فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم ..
فلما وصل أول المسافرين إلى مكة .. سألتهم قريش : هل رأيتم القمر منشقاً ..
قالوا : نعم .. ليلة كذا وكذا ..
ثم وصل بقية المسافرين .. وكلهم يجيبون الجواب نفسه ..
فكذبت قريش واستكبرت وقالت : هذا قد سحر الناس كلهم ..
وأنزل الله تعالى خبر هذه المعجزة في كتابه ..
فقال تعالى : ] اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر * وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر * ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر * حكمة بالغة فما تغن النذر * فتولَّ عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر * خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر[ ..
والعجب أن الأبحاث العلمية المنشورة اليوم .. المتخصصة في دراسات حول القمر .. أثبتت وجود شق يقطع القمر نصفين .. وكأنه أصابه في ما مضى انشقاق ..


* * * * * * * * * *


أشار للسماء فأطاعته

ومن تأثيره .. أنه أشار إلى السماء فأطاعته بإذن الله ..
ففي فترة من عهد النبوة المبارك .. تقلص المطر .. وأجدبت الأرض .. وماتت الزروع ..
فبينما هو يخطب الناس على منبره يوم الجمعة ..
إذ دخل رجل المسجد .. ورسول الله قائماً يخطب ..
فاستقبل رسول الله قائماً .. ولم ينتظر .. بل قطع الخطبة .. وصاح بأعلى صوته .. قال :
يا رسول الله .. هلكت الأموال .. وانقطعت السبل .. فادع الله يغيثنا ..
كان الرجل يتكلم من حرقة أصابته .. وهو يرى أولاده جوعى .. وأغنامه هلكى ..
السبل تقطعت .. والأرض أجدبت .. والأموال نفدت ..
كان رسول الله يعيش هموم أصحابه ..
فلم يتأخر .. وإنما رفع يديه إلى السماء .. ودعا .. وتضرع والتجا .. وقال :
اللهم اسقنا .. اللهم اسقنا .. اللهم اسقنا ..
كان أنس حاضراً بين المصلين .. فلما رأى النبي r يبتهل ويستسقي .. رفع بصره ينظر إلى السماء ..
قال أنس :
فلا والله .. ما نرى في السماء من سحاب ولا من قزعة ..
وإن السماء لمثل الزجاجة .. وما بيننا وبين سلع من دار ..
فوالذي نفسي بيده .. ما وضع يديه حتى ثار السحاب أمثال الجبال ..
ثم لم ينزل رسول الله عن منبره .. حتى رأيت المطر يتحادر عن لحيته ..!!
وأمطرت السماء .. سبعة أيام متواصلة ..
حتى رويت الأرض .. وشبعت الأنعام ..
وفي الجمعة الأخرى .. قام يخطب الناس على منبره المبارك ..
وفجأة فإذا الرجل نفسه .. أو غيره ..
يدخل من ذلك الباب نفسه ..
ورسول الله قائم يخطب .. فاستقبله قائماً .. فقال :
يا رسول الله .. هلكت الأموال .. وانقطعت السبل .. فادع الله يمسكها عنا ..
فرفع رسول الله يديه .. ثم قال :
اللهم حوالينا ولا علينا .. اللهم على الآكام .. والظراب .. وبطون الأودية .. ومنابت الشجر ..
ثم جعل يشير بيده إلى نواحي السحاب في السماء ..
قال أنس :
فما يشير بيده إلى ناحية إلا تفرجت ..
حتى رأيت المدينة في مثل الجوبة .. أي صارت المياه حولها .. وهي كالجزيرة ..
وسال وادي قناة شهراً .. ولم يجيء أحد من ناحية .. إلا أخبر بجود ومطر .. أي كل من وصل إلى المدينة من سفر أخبرهم بكثرة الأمطار حولها ..
وهذا من بركة دعائه ( حوالينا ولا علينا ) ..


ولا شك أن تأثيره r في السحاب .. هو من القدرة التي مكن الله تعالى نبيه r منها ..


وتصرفه r فيما حوله .. هو بإذن الله ومشيئته ..


كما كان عيسى عليه السلام .. يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله ..


وإلا فلو شاء الله تعالى لما مكن أحداً من البشر لا نبياً ولا غيره من فعل هذه الأشياء ..


ولكنه عز وجل يمكنهم منها .. لحكمة يريدها ..



* * * * * * * * * *





النوع الثالث من معجزاته : تصرفه في الحيوان ..



قصة الجمل الهائج

رجع رسول الله مع أصحابه من سفر ..
فأقبلوا على بستان لأحد الأنصار من بني النجار ..
فلما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يدخله .. قيل له :
يا رسول الله .. إن في البستان جملاً .. لا يدخل أحد إلا شد عليه ..
فمشى .. حتى أتى الحائط فدخل ..
فإذا البعير هائج في زاوية من البستان ..
فلما رأى النبي البعير .. دعاه إليه ..
فجاء الجمل يمشي بكل خضوع .. واضعاً مشفره إلى الأرض ..
حتى برك بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام ..
فقال r : هاتوا خطامه .. أي رباطه ليربطه ..
فأتوه به .. فربطه .. وخطمه ..
ثم دفعه - بكل هدوء - إلى صاحبه ..
ثم التفت r إلى الناس فقال :
إنه ليس شيء بين السماء والأرض .. إلا يعلم أني رسول الله .. إلا عاصي الجن والإنس ..
* * * * * *


أم معبد ..

لما ضيقت قريش على المؤمنين في مكة .. جعلوا يهاجرون منها إلى غيرها ..
ثم عزم على الهجرة ..
وخرج ليلة هاجر من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر ..
معهما عامر ابن فهيرة مولى أبي بكر ..
ودليلهم على الطريق عبد الله بن أريقط الليثي ..
كانت قريش قد جعلت الجوائز لمن يقبض عليهم .. وصار الناس يطلبونهم .. ويلتمسونهم في كل مكان ..
في أثناء الطريق .. فنيت أزوادهم ..
فمروا بخيمتين لامرأة من الأعراب اسمها أم معبد الخزاعية ..
وكانت أم معبد امرأة جريئة .. تجلس خارج خيمتها .. عند الباب .. وربما أسقت من يمر بها ماء .. أو أطعمته شيئاً إن كان عندها ..
فلما رآها النبي .. ومن معه .. سألوها :
هل عندها لحم .. أو لبن .. يشترونه منها ..
فلم يكن عندها شيئ من ذلك ..
فاعتذرت وقالت : لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى ..
فنظر النبي حولها .. فإذا القوم – فعلاً - مرملون .. مسنتون .. أرضهم مجدبة .. وأنعامهم هزيلة ..
كان وأصحابه قد اشتد عليهم الجوع ..
فلمح في طرف بيتها شاة هزيلة ..
فقال : ما هذه الشاة يا أم معبد ؟!
فقالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم ..
قال : فهل بها من لبن ؟
قالت : هي أجهد من ذلك ..
قال : تأذنين لي أن أحلبها ؟
قالت : إن كان بها حلب .. فاحلبها ..
فدعا رسول الله بالشاة فمسحها .. وذكر اسم الله .. ومسح ضرعها .. وذكر اسم الله ..
ودعا بإناء كبير ..
وفجأة فإذا بالشاة .. يكبر ضرعها .. ويمتلأ حليباً .. وتباعد رجليها عن بعضهما استعداداً للحلب ..
فحلب في الإناء حتى ملأه ..
وسقى أم معبد .. وسقى أصحابه .. فشربوا .. حتى شبعوا ..
ثم شرب هو ..
ثم حلب في الإناء ثانياً حتى ملأه ..
وتركه عند أم معبد .. وخرج مع أصحابه ..
فما لبثت أم معبد أن جاء زوجها أبو معبد يسوق غنماً هزالاً عجافاً .. لا طعام ولا مرعى ..
فلما رأى اللبن .. تعجب !!.. وقال :
من أين هذا اللبن .. يا أم معبد ؟ ولا حلوبة في البيت ! والشاة عازب !
فقالت : لا .. والله إنه مر بنا رجل مبارك .. وحدث معه .. كذا وكذا ..
فعجب أبو معبد .. وقال : صفيه لي .. فوالله إني لأراه صاحب قريش الذي تطلب ..
فقالت أم معبد : رأيت رجلاً :
ظاهر الوضاءة ..
حسن الخلق ..
مليح الوجه ..
لم تعبه ثجلة ..
ولم تزر به صعلة ..
قسيم .. وسيم ..
في عينيه دعج ..
وفي أشفاره وطف ..
وفي صوته صحل ..
أكحل ..
أزج .. أقرن ..
في عنقه سطع ..
وفي لحيته كثاثة ..
إذا صمت فعليه الوقار ..
وإذا تكلم سما .. وعلاه البهاء ..
حلو المنطق ..
فصل .. لا نزر .. ولا هذر ..
كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن ..
أبهى الناس .. وأجمله من بعيد ..
وأحسنه من قريب ..
ربعة لا تنساه عين من طول ..
ولا تقتحمه عين من قصر ..
غصن بين غصنين ..
فهو أنضر الثلاثة منظراً ..
وأحسنهم قداً ..
له رفقاء يحفون به ..
إن قال استمعوا لقوله .. وإن أمر تبادروا لأمره ..
محفود محشود .. لا عابس .. ولا معتد ..
ومضت أم معبد تصف أعظم رجل عرفته الدنيا .. فماذا عساها تذكر أو تترك !!
فقال أبو معبد : هذا والله صاحب قريش الذي تطلب .. ولو صادفته لالتمست أن أصحبه .. ولأجهدن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً ..


جزى الله رب الناس خير جزائه *** رفيقين حلا خيمتي أم معبد


هما نزلا بالبر وارتحلا به *** فافلح من أمسى رفيق محمد


سلوا أختكم عن شاتها وإنائها * فانكم إن تسألوا الشاة تشهد


دعاها بشاة حائل فتحلبت * له بصريح ضرة الشاة مزبد

* * * * * *


جمل يشتكي للنبي

قال عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ :
أَرْدَفَنِي رَسُولُ الله خَلْفَهُ على بعيره ذَاتَ يَوْمٍ ..
فَدَخَلَ حَائِط بستان لِرَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ ..
فَإِذَا فيه جَمَلٌ ..
فَلَمَّا رَأَى الجمل النَّبِيَّ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ ..
فَأَتَاهُ النَّبِيُّ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ ..
فالتفت حوله وجعل يسأل :
مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟
لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟
فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ : لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ..
فَقَالَ r : أَفَلاَ تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا .. فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ
* * * * * *


استجابة جمل

كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الأنْصَارِ لَهُمْ جَمَلٌ يَسْنُونَ عَلَيْهِ .. أي يستخرجون عليه الماء من البئر ..
وَإِنَّ الْجَمَلَ اسْتُصْعِبَ عَلَيْهِمْ فَمَنَعَهُمْ ظَهْرَهُ .. وهاج عليهم .. فلم يستطيعوا استعماله .. ولا الركوب عليه .. فتعطلت منافعهم .. والناس فقراء لا يقدرون على شراء غيره ..
فجاء أصحابه إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالُوا :
إِنَّهُ كَانَ لَنَا جَمَلٌ نُسْنِي عَلَيْهِ .. وَإِنَّهُ اسْتُصْعِبَ عَلَيْنَا وَمَنَعَنَا ظَهْرَهُ ..
وَقَدْ عَطِشَ الزَّرْعُ وَالنَّخْلُ ..
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لأصْحَابِهِ :
قُومُوا ..
فَقَامُوا يمشون معه ..
فَمضى حتى دَخَلَ البستان ..
فإذا الجمل فِي نَاحِيَةٍ منه ..
فَمَشَى النَّبِيُّ نَحْوَهُ ..
فخاف الأنصار أن يؤذي الجمل رسول الله .. فَقَالَوا :
يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ صَارَ مِثْلَ الْكَلْبِ الْكَلِبِ .. أي مثل الكلب الهائج الثائر .. وَإِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ صَوْلَتَهُ ..
فَقَالَ : لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ .. ومضى يمشي إليه ..
فَلَمَّا نَظَرَ الْجَمَلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ .. أَقْبَلَ يمشي نَحْوَ النبي عليه الصلاة والسلام .. حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ ..
فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ بِنَاصِيَتِهِ .. أي بأعلى رأسه .. والجمل بين يديه ذليل هادئ منساق بين يديه .. حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي عَمَلِه .. وخطمه وربطه ..
فَعجب الصحابة وقَالَوا :
يَا رَسُولَ اللَّهِ .. هَذِهِ بَهِيمَةٌ لاَ تَعْقِلُ تَسْجُدُ لَكَ ..!! وَنَحْنُ نَعْقِلُ .. فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ ..
فَقَالَ : لاَ يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ ..
وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لأمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا ..
* * * * * *


تأثيره في جمل جابر

جابر بن عبد الله الصحابي الجليل .. قتل أبوه في معركة أحد .. وخلف عنده سبع أخوات ليس لهن عائل غيره .. وخلف ديناً كثيراً .. على ظهر هذا الشاب الذي لا يزال في أول شبابه ..
فكان جابر دائماً ساهم الفكر .. منشغل البال بأمر دَينه وأخواته .. والغرماء يطالبونه صباحاً ومساءً ..
خرج جابر مع النبي في غزوة ذات الرقاع .. وكان لشدة فقره على جمل كليل ضعيف ما يكاد يسير .. ولم يجد جابر ما يشتري به جملاً .. فسبقه الناس وصار هو في آخر القافلة ..
وكان النبي يسير في آخر الجيش .. فأدرك جابراً وجمله يدبُّ به دبيباً .. والناس قد سبقوه ..
فقال النبي : مالك يا جابر ؟
قال : يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا ..
فقال النبي : أنخه ..
فأناخه جابر وأناخ النبي ناقته ..
ثم قال : أعطني العصا من يدك أو اقطع لي عصا من شجرة ..فناوله جابر العصا ..
برَكَ الجمل على الأرض كليلاً ضعيفاً ..
فأقبل إلى الجمل وضربه بالعصا شيئاً يسيراً ..
فنهض الجمل يجري قد امتلأ نشاطاً .. فتعلق به جابر وركب على ظهره ..
مشى جابر بجانب النبي .. فرحاً مستبشراً .. وقد صار جمله نشيطاً سابقاً ..
التفت إلى جابر .. وأراد أن يتحدث معه ..
فما هي الأحاديث التي اختارها النبي ليثيرها مع جابر ..
جابر كان شاباً في أول شبابه ..
هموم الشباب في الغالب تدور حول الزواج .. وطلب الرزق ..
قال : يا جابر .. هل تزوجت ..؟
قال جابر : نعم ..
قال : بكراً .. أم ثيباً ..
قال : بل ثيباً ..
فعجب النبي كيف أن شاباً بكراً في أول زواج له .. يتزوج ثيباً ..
فقال ملاطفاً لجابر : هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك ..
فقال جابر : يا رسول الله .. إن أبي قتل في أحد .. وترك تسع أخوات ليس لهن راعٍ غيري .. فكرهت أن أتزوج فتاة مثلهن فتكثر بينهن الخلافات .. فتزوجت امرأة أكبر منهن لتكون مثل أمهن ..
هذا معنى كلام جابر ..
رأى النبي أن أمامه شاب ضحى بمتعته الخاصة لأجل أخواته ..
فأراد أن يمازحه بكلمات تصلح للشباب .. فقال له :
لعلنا إذا أقبلنا إلى المدينة أن ننزل في صرار .. فتسمع بنا زوجتك فتفرش لك النمارق ..
يعني وإن كنت تزوجت ثيباً إلا أنها لا تزال عروساً تفرح بك إذا قدمت وتبسط فراشها .. وتصف عليه الوسائد ..
فتذكر جابر فقره وفقر أخواته .. فقال : نمارق !! والله يا رسول الله ما عندنا نمارق ..
فقال : إنه ستكون لكم نمارق إن شاء الله ..
ثم مشيا .. فأراد أن يهب لجابر مالاً ..
فالفت إليه وقال : يا جابر ..
قال : لبيك يا رسول الله ..
فقال : أتبيعني جملك ؟
تفكر جابر فإذا جمله هو رأس ماله .. هكذا كان وهو كليل ضعيف .. فكيف وقد صار قوياً جلداً !!
لكنه رأى أنه لا مجال لرد طلب رسول الله ..
قال جابر : سُمْه يا رسول الله .. بكم ؟
فقال : بدرهم !!
قال جابر : درهم !! تغبنني يا رسول الله ..
فقال : بدرهمين ..
قال : لا .. تغبنني يا رسول الله ..
فما زالا يتزايدان حتى بلغا به أربعين درهماً .. أوقية من ذهب ..
فقال جابر : نعم .. ولكن أشترط عليك أن أبقى عليه إلى المدينة ..
قال : نعم ..
فلما وصلوا إلى المدينة .. مضى جابر إلى منزله وأنزل متاعه من على الجمل ومضى ليصلي مع النبي وربط الجمل عند المسجد ..
فما خرج النبي قال جابر : يا رسول الله هذا جملك ..
فقال : يا بلال .. أعط جابراً أربعين درهماً وزده ..
فناول بلال جابراً أربعين درهماً وزاده ..
فحمل جابر المال ومضى به يقلبه بين يديه .. متفكراً في حاله !! ماذا يفعل بهذا المال ؟! أيشتري به جملاً .. أم يبتاع به متاعاً لبيته .. أم ..
وفجأة التفت رسول الله إلى بلال وقال : يا بلال .. خذ المال وأعطه جابراً ..
جبذ بلال الجمل ومضى به إلى جابر .. فلما وصل به إليه .. تعجب جابر .. هل ألغيت الصفقة ؟!
قال بلال : خذ الجمل يا جابر ..
قال جابر : ما الخبر !!..
قال بلال : قد أمرني رسول الله أن أعطيك الجمل .. والمال ..
فرجع جابر إلى رسول الله وسأله عن الخبر .. أما تريد الجمل !!
فقال : أتراني ماكستك لآخذ جملك ..
يعني أنا لم أكن أطالبك بخفض السعر لأجل أن آخذ الجمل وإنما لأجل أن أقدر كم أعطيك من المال معونة لك على أمورك ..
* * * * * *


وأخيراً :


هذا التحكم في الحيوان هو بإذن الله تعالى .. ومحكوم بإرادة الله ومشيئته ..


وإلا فقد يريد النبي r من الحيوان شيئاً ولا يكون ..


كما حدث لما أقبل r راكباً ناقته القصواء معتمراً .. قبل فتح مكة ..


وفجأة بركت به ناقته r .. فأرادها على المشي .. فأبت عليه ..


فقال الناس : خلأت القصواء .. أي عصت ..


فقال عليه الصلاة والسلام : ما خلأت القصواء .. وما هو لها بخلق .. ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ..


يعني أصحاب الفيل .. أبرهة وأصحابه ..


ثم قال r : لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ..


ثم حصل بينه r وبين قريش صلح الحديبية المشهور .. ورجع عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ..

* * * * * *




أما النوع الرابع : تأثيره r في الأمراض وشفائها



مسحة مباركة

كان أبو رافع سلام بن أبي الحقيق .. زعيماً من زعماء اليهود ..
وكان كثير الأذى لرسولالله ..
وكان يحرّض مشركي مكة على قتال النبي..
وكان في حصن له بعيد عن المدينة بالقرب من خيبر ..س
فبعثرسولاللهإلى أبي رافع اليهودي رجالاً من الأنصار ..
وهم من الخزرج ..
فأمرّ عليهم عبد الله بن عَتِيكْ ..
وكان أبو رافع اليهودي يؤذيرسولاللهويُعين عليه ..
وكان ممن أعان قبيلة غطفان .. وأعان أيضاً مشركي العرب بالمال الكثير علىرسول..
ويقول لهم : أنا أتكفل بهذا كله لكم ..
ويذهب إلى مشركي مكة ويقول لهم :
تعالوا إلى محمد .. إنكم أولى بأس وقوة ..
ثم تتركون هذا الرجل ..
وكان هذا اليهودي له اليد الطولى في جمع الأحزاب في غزوة الخندق ..
فهو الذي جمع كل المشركين ..
وجاء بهم صوب النبي..
يتمنى هزيمتهم والقضاء على المسلمين ..
وهو الذي أغرى يهود بني قريظة بأن يخونوا المواثيق والعهود مع النبي..
هذا هو أبو رافع وهذه بعض إنجازاته ..
عندها شُكّلت فرقة بقيادة عبد الله بن عتيك ..
ومعه عبد الله بن عتبة ..
وعبد الله بن أُنيس ..
وانطلقوا من المدينة قبل غروب الشمس ..
وكان أبو رافع في حصن له بأرض الحجاز بالقرب من خيبر ..
فلما دنوا منه وقد غربت الشمس ..
كان الحصن الذي يسكنه أبو رافع .. منيعاً ..
له باب يفتح في الصباح فيخرج المزارعون ورعاة الغنم ..
ثم يقفل .. ويفتح عند غروب الشمس ليدخلوا ..
فقال عبد الله بن عتيك لأصحابه :اجلسوا مكانكم .. فإني منطلق ومتلطّف للبواب .. لعلّي أن أدخل ..
فأقبل عبد الله حتى دنا من الباب .. فإذا البواب دقيق حريص .. لا يدخل أحد إلا نظر إليه وعرف من هو ..
جعل عبد الله بن عتيك يرقب الباب ليدخل ..
فأقبل الناس عند غروب الشمس .. بمواشيهم ودوابهم وأدخلوها إلى الحصن وعادوا من الرعي ..
وههنا فقد بعض اليهود من أهل الحصن حماراً لهم ..
فخرجوا بشعلة نار يبحثون عنه ..
وهذا بعد غروب الشمس .. جعلوا يطلبون ذلك الحمار ..
وكان عبد الله قريباً من الحصن .. قال : فخشي أن يُُعرف ..
فغطى رأسه كأنه يقضي حاجة ..
ووجد اليهود حمارهم فعادوا إلى حصنهم .. ثم نادى البواب :
من أراد أن يدخل فليدخل ..
ثم هتف البواب بعبد الله يحسبه منهم:إن كنت تريد أن تدخل فادخل .. فإني أريد أن أغلق الباب ..
فقام عبد الله .. ودخل حصن اليهود ..
ثم نظر في الداخل .. يريد مكاناً آمناً له يختبئ فيه ..
فوجد مربط حمارٍ عند باب الحصن .. فاختبأ فيه ..
ولما دخل الناس لحظ عبد الله .. أين سيضع البواب المفاتيح التي للحصن .. فخبأ البواب مفاتيحه ..
فلبث في مخبئه قليلاً .. حتى هدأ الناس .. وأطفئوا السرج ..
فقام فأخذ المفاتيح .. وفتح أبواب الحصن من الداخل .. وتركها مفتوحة شيئاً يسيراً ..
وكانت ليلة مقمرة ..
ثم مرّ على أبواب بيوت الناس من الخارج التي داخل الحصن .. وجعل يغلقها عليهم من الخارج ..
حتى وصل إلى بيت أبي رافع .. وكانت بيته في مكان مرتفع لا يوصل إليه إلا بسلم ودرج ..
فسمع عبد الله صوت أبي رافع .. وكان يسمر مع عدد من أصحابه .. يخططون ويمكرون ..
فجلس عبد الله في مكان لا يرونه ينتظر ..
فتحدث أصحابه معه حتى انقضى أكثر الليل .. ثم خرجوا فرجعوا إلى بيوتهم ..
فلما رأى عبد الله ذلك صعدت إليه .. وجعل يفتح الأبواب ماضياً إلى غرفة أبي رافع بحذر ..
وصار كلما فتح باباً أغلقه من الداخل ..
حتى لو علم به الحراس يتأخر وصولهم إليه ..
صعد عبد الله السلم ..
فلما جاء عند باب دار أبي رافع .. فتح الباب ..
فدخل فوجد الغرفة مظلمة .. وقد طفئ السراج ..
وكان عبد الله بن عتيك ضعيف البصر .. كما ذكر المؤرخون ..
فلم يدر أين الرجل ؟! بصر ضعيف .. وظلمة شديدة !!
فنادى قائلاً : أبا رافع ..
فتنبه أبو رافع للصوت .. وقال : من هذا؟
فانطلق عبد الله نحو الصوت ..
وضرب أبا رافع ضربة بالسيف ..
فدهش أبو رافع .. لكن السيف الله لم يصب الهدف تماماً ..
فلم يمت ..
فصاح أبو رافع ..
وفشلت المحاولة ..
فخرج عبد الله مسرعاً ..
فلما جاوز الباب .. سمع صوت أبي رافع يئن .. لم يمت !!
فرجعت إليه مرة أخرى.. ودخل عليه كأنه أحد الحراس ..
فإذا الغرفة مظلمة ..
فغيّر عبد الله صوته وقال : مالك يا أبا رافع ؟
فجعل أبو رافع يصيح مستغيثاً : إن رجلاً في البيت ضربني بالسيف ..
فانطلق عبد الله إليه وأهوى عليه بالسيف .. بضربة أخرى أثخنته .. ولكنها لم تقتله أيضاً ..
عندها صاح أبو رافع .. وخرج عبد الله مسرعاً نحو الباب ..
وبدأت الحركة في البيت .. والحراس يستيقظون ..
وأبو رافع يئن .. فرجع إليه عبد الله ..
وتكلم مغيراً صوته .. ما لك يا أبا رافع ..
فتوجه عبد الله إليه .. ووضع السيف في بطنه .. ثم اتكأ عليه ..
حتى خرج من ظهره ..
قال عبد الله : فسمعت صوت عظام ظهره ..
فعرفت أني قتلته ..
توجه عبد الله نحو الباب يبحث عنه في الظلام .. وقد ثار الحراس .. واضطرب الناس ..
وجد الباب .. فخرج مسرعاً من وجعل يفتح الأبواب ..
باباً باباً ..
حتى أتى السُلّم .. وجعل ينزل مسرعاً ..
فظن أن السلم انتهى .. فقفز .. فوقع على الأرض .. فانكسرت ساقه ..
فحلَّ عمامته ..فربط بها ساقه .. ومضى يقفز على رجل واحدة .. نحو باب الحصن ..
خرج عبد الله من الحصن وهو يعرج..
وصل إلى أصحابه وهم ينتظرون ..
وقال لهم: انطلقوا .. فبشِّروارسولالله..
أما أنا .. فإني لا أبرح مكاني هذا .. حتى أسمع ناعيه ..
وكانوا في الجاهلية إذا مات فيهم الرجل الشريف في قومه .. قام رجل في الصبح على شرفة بيت مرتفع .. ونادى في الناس يخبرهم .. وينشد فيه الأشعار ..
فأراد عبد الله أن يتأكد تماماً أن الرجل مات ..
فمضى أصحاب عبد الله .. وتركوا عنده دابة ..
فلما كان الصبح .. صعد الناعي على السور ..
وعبد الله بن عتيك ينظر إليه من خارج الحصن ..
فقال الناعي:أيها الناس .. أنعي إليكم أبا رافع تاجر أهل الحجاز ..
ففرح عبد الله .. وانطلق وراء أصحابه ..
فأدركهم قبل أن يأتوارسولالله.. فلما وصل إلى النبي .. صاح قائلاً : النجاء .. النجاء .. فقد قتل الله أبا رافع ..
كانت ساق عبد الله مكسورة .. يمشي أعرج ..
فلما رأى النبي عليه الصلاة والسلام ساقه المكسورة .. قال له :
ابسط رجلك ..
فبسطها .. فمسح النبي عليها بيده .. والناس ينظرون ..
فما كادت يد رسول الله تفارق رجل عبد الله .. حتى قام ليس بها بأس أبداً ..
فهذا من آيات نبوته


* * * * * * * * * *


عين أبي قتادة

في معركة أحد ..
رُمي أبو قتادة بسهم فأصاب عينه .. فسالت على خده .. وتعلقت بعروق وعصب ..
فهم الصحابة بقطعها ..
فقال لهم : اعرضوني على رسول الله ..
فلما وقف بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام .. أخذها بيده .. وردها مكانها ..
فكان الذي يراه .. لا يدري أيَّ عينيه أصيبت ..
* * * * * *


شفاء عيني علي

خرج r مع أصحابه إلى غزوة خيبر ..
وطالت محاصرتهم لحصون خيبر .. ولم يتيسر فتحها لهم ..
فقال لأصحابه : لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه .. يحب الله ورسوله .. ويحبه الله ورسوله ..
فبات الناس طوال ليلهم .. يتفكرون .. ويتحثون .. فيمن سينال هذا الشرف ..
وكان كلهم يرجوا أن يعطاها ..
فلما أصبح الناس غدوا على النبي .. كلهم يتمنى أن يعطى الراية ..
فقال : أين علي بن أبي طالب ؟
قالوا : هو يا رسول الله يشتكي عينيه ..
وكان في عيني علي رمد شديد .. حتى غطى على بصره تماماً فلا يرى شيئاً ..
فأرسل النبي عليه الصلاة والسلام إليه ..
فجاء علي يقودونه بيده .. حتى جلس بين يدي النبي ..
ففتح النبي عينيه .. فبصق فيهما .. ودعا له ..
فبرأ من لحظته .. حتى كأن لم يكن به وجع ..
فأعطاه الراية ..
فقال علي : يا رسول الله .. أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟
قال : انفذ على رِسلك .. حتى تنزل بساحتهم .. ثم ادعهم إلى الإسلام ..
وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه .. فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً .. خير لك من أن يكون لك حمر النعم ..
* * * * * *




النوع الخامس : تأثيره r في الأشجار :



يفهم الجذع .. ويواسيه !!

كان الناس في القديم .. يعتمدون في بناء بيوتهم .. على جذوع النخل .. والطين والحجارة ..
وكان مسجد النبي عبارة عن سواري وأعمدة من جذوع النخل .. فوقها عريش من عسيب النخل ..
فكان النبي يقوم يوم الجمعة يخطب الناس قائماً ..
فإذا تعب أسند ظهره إلى جذع نخلة منصوب في المسجد ..
فقالت امرأة من الأنصار :
يا رسول الله .. إن لي غلاماً نجاراً .. ألا آمره فيصنع لك منبراً ؟
قال : إن شئت ..
فأمرت المرأة غلامها .. فصنع منبراً ..
وجاء به ووضعه في المسجد ..
فلما كان يوم الجمعة ..
أقل النبي إلى المنبر .. فصعده .. ثم سلم على الناس .. وقعد ..
وشرع بلال في الأذان ..
في هذه الأثناء ..
سمع الصحابة صوت بكاء .. وأنين ..
ثم سمعوا صوت خوار كخوار الثور ..
فإذا الصوت من جذع النخلة يبكي ..
وجعلت النخلة تصيح .. حتى كادت أن تنشق ..
وارتج المسجد ..
فنزل النبي من على منبره .. وتوجه نحو جذع النخلة .. فضمه إليه ..
فجعلت النخلة تئن .. وتئن .. كأنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت ..
فالتفت إلى أصحابه .. وقال :
( بكى .. لما فقد من الذكر ..
أما و الذي نفس محمد بيده .. لو لم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة ) ..


* * * * * * * * * *


النخلة تنقاد له .. بإذن الله ..

قال جابر :
سرنا مع رسول الله حتى نزلنا وادياً أفيح .. فذهب رسول الله يقضي حاجته .. فاتبعته بإداوة من ماء ..
فنظر رسول الله فلم ير شيئاً يستتر به .. فإذا شجرتان بشاطىء الوادي .. فانطلق رسول الله إلى إحداهما .. فأخذ بغصنين من أغصانها .. فقال :
انقادي عليَّ بإذن الله .. فانقادت معه كالبعير المخشوش .. الذي يصانع قائده ..
حتى أتى الشجرة الأخرى .. فأخذ بغصن من أغصانها .. فقال :
انقادي عليَّ بإذن الله .. فانقادت معه كذلك ..
حتى إذا كان بالمنصف فيما بينهما .. لأم بينهما .. حتى جمع بينهما ..
فقال : التئما عليَّ بإذن الله تعالى .. فالتأمتا عليه ..
قال جابر : فخرجت أحضر .. مخافة أن يحس رسول الله بقربي فيتباعد ..
فجلست أحدث نفسي .. فحانت مني لفتة .. فإذا برسول الله مقبلاً وإذا الشجرتان قد افترقتا .. فقامت كل واحدة منهما على ساق ..


* * * * * * * * * *


النخلة تمشي إليه

كان رسول الله مع أصحابه في سفر .
فرأى أعرابياً في طريقهم .. فَلَمَّا دَنَا الأعرابي مِن النبي وأصحابه ..
رآه النبي .. وكان عليه الصلاة والسلام حريصاً على دعوة الناس في كل زمان ومكان ..
فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ للأعرابي : أَيْنَ تُرِيدُ ؟
قَالَ: إِلَى أَهْلِي ..
قَالَ : هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ؟
قَالَ : وَمَا هُوَ ؟
قَالَ : تَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ .. وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ..
قَالَ الأعرابي : وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَى مَا تَقُولُ ؟
فالتفت إلى نخلة في طرف الوادي .. وقَالَ : هَذِهِ السَّلَمَةُ! أي النخلة ..
ثم نظر النبي إلى النخلة .. وَدَعَاهَا ..
فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الأرْضَ خَدًّا وتشق التراب .. حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ..
فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلاَثًا على أنه نبي ..
فَشَهِدَتْ النخلة ثَلاَثًا أَنَّهُ كَمَا قَالَ ..
ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا ..
وسكت النبي ينتظر القرار الأخير من هذا الأعرابي .. هل يدخل في الإسلام .. أم لا ..
فإذا بالأعرابي يعرف الحق .. ويتحمس .. فيلتفت راجعاً إِلَى قَوْمِهِ .. وَهو يقول لرسول الله
إِنِ اتَّبَعُونِي أَتَيْتُكَ بِهِمْ .. وَإِلاَّ رَجَعْتُ فَكُنْتُ مَعَكَ
* * * * * *


انقياد شجرتين له

في قصة جابر الطويلة في حكاية حج النبي ..
قال :
سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ .. حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ ..
فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ يَقْضِي حَاجَتَهُ .. فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ ..
فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ ..
فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي .. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى إِحْدَاهُمَا .. فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا ..
فَقَالَ : انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ..
فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ .. الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ ..
والبعير المخشوش هو الذي يجعلون في أنفه عوداً ويربطونه بحبل .. فإذا تمانع عن المشي شدوا الحبل فآلمه .. فانقاد شيئاً فشيئاً .. فهو يصانع قائده ..
قاد الشجرة حَتَّى أَتَى بها إلى الشَّجَرَةَ الْأُخْرَى .. فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا ..
فَقَالَ : انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ..
فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ ..
حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا .. لأمَ بَيْنَهُمَا - يَعْنِي جَمَعَهُمَا – .. وَقَالَ: الْتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ..
فَالْتَأَمَتَا ..
قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللَّهِ بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ ..
فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي .. فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ .. فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ مُقْبِلاً ..
وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا .. فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ. أي كما كانت ..


* * * * * * * * * *



النوع السادس : التأثير في الماء والطعام :


تكثير الماء في الحديبية

قال جابر :
عطش الناس يوم الحديبية .. والنبي بين يديه ركوة .. فتوضأ ..
فجهش الناس نحوه ..
قال : ما لكم ؟! قالوا : ليس عندنا ما نتوضأ ولا نشرب .. إلا ما بين يديك ..
فوضع يده في الركوة .. فجعل الماء يثور بين أصابعه .. كأمثال العيون ..
فشربنا .. وتوضأنا ..
وكنا خمس عشرة مائة .. ولو كنا مائة ألف لكفانا ..
* * * * * *


ماء المزادتين

سافر رسول الله مع أصحابه .. في يوم شديد الحر ..
فأطالوا المسير .. ولم يكن في طريقهم ماء ولا بئر ..
فَاشْتَكَى النَّاسُ الْعَطَشِ إلى رسول الله ..
فكان لا بد أن يجد لهم حلاً ..
فَنَزَلَ فَدَعَا رجلاً من أصحابه وَدَعَا عَلِيًّا .. فَقَالَ : اذْهَبَا فَابْتَغِيَا الْمَاءَ ..
ذهب علي وصاحبه يبحثان عن الماء ..
فبينما هما كذلك .. إذ َلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ .. أَوْ سَطِيحَتَيْنِ – قربتين - مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا .. فَقَالَا لَهَا : أَيْنَ الْمَاءُ ؟
قَالَتْ : عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ .. وَنَفَرُنَا خُلُوف ..
يعني الماء بعيد بينكم وبينه مسيرة يوم وليلة ..
قَالاَ لَهَا : انْطَلِقِي إِذًا ..
قَالَتْ : إِلَى أَيْنَ ؟
قَالَا : إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ..
قَالَتِ : الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ ؟
وكان المشركون يعيرون النبي بهذا الاسم .. الصابئ أي : المغير دينه ..
فلم يطل الصحابيان معها الكلام .. بل قالا : هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ .. فَانْطَلِقِي ..
مضت المرأة معهم على بعيرها ..
فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ ..
فسألها عن الماء .. فذكرت أنه بعيد ..
وذكرت له أنها ضعيفة وأم أيتام ..
فتناول النبي عليه الصلاة والسلام قربتي الماء ..
ومسح عليهما بيديه ..
ثم َدَعَا بِإِنَاءٍ فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ ..
ثم َنُودِيَ فِي النَّاسِ: اسْقُوا وَاسْتَقُوا ..
فجعل الناس يأتون بآنيتهم ..
فمنهم من يشرب .. ومنهم من يملأ قربته .. ومنهم من يصب في إنائه ..
فَسَقَى مَنْ شَاءَ وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ ..
وَالمرأة قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا ..
حتى روي الصحابة وعبئوا آنيتهم ..
وإن قربتيها لم يتغير حجمها .. ولا كثرة مائها ..
فأراد أن يحسن إلى المرأة .. مع أنه لم ينقص من مائها شيئاً ..
فَقَالَ لأصحابه : اجْمَعُوا لَهَا ..
فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ تمر عَجْوَةٍ وَدَقِيق كسر خبز ..
حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا فَجَعَلُوهَ فِي ثَوْبٍ .. وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا ..
وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا ..
ثم قَالَ لَهَا : تَعْلَمِينَ .. مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا .. أي ما أنقصنا منه شيئاً ..
وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَسْقَانَا ..
مضت المرأة إلى أَهْلَهَا .. وَقَدِ تأخرت عليهم ..
فقَالُوا : مَا حَبَسَكِ يَا فُلَانَةُ ؟
قَالَتِ : الْعَجَبُ .. لَقِيَنِي رَجُلاَنِ فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ ؟
فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا ..
فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لأسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ .. وأشارت إلى السماء والأرض ..
أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا ..
ثم قيل إن المرأة أسلمت بعد ذلك .. وأسلم قومها
* * * * * *


ميضأة أبي قتادة :

سار النبي مع أصحابه في سفر ..
وقل معم الماء ..
فخطبهم .. فقال : إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم .. وتأتون الماء إن شاء الله غدا ..
فانطلق الناس .. وطال سيرهم .. فاشتد بهم العطش .. ولم يجدوا ما يتوضئون ..
فدعا النبي بميضأة كانت مع أبي قتادة .. وهي قربة ماء صغيره ..
فأتتاه أبو قتادة بها .. وكان فيها شيء قليل من ماء ..
فتوضأ منها وضوءاً يسيراً ..
وبقي فيها شيء من ماء .. ثم قال لأبي قتادة : احفظ علينا ميضأتك .. فسيكون لها نبأ !!
ثم مضوا في سيرهم ..
فطلع النهار .. وحمي كل شيء .. والناس يقولون :
يا رسول الله .. هلكنا .. عطشنا ..
فقال : لا هُلك عليكم ..
ثم قال : أطلقوا لي غُمَري .. أي أحضروا إناء وضوئي ..
ثم دعا بميضأة أبي قتادة ..
فأحضرها أبو قتادة .. قربة ضغيرة بين يديه .. فيها بقية ماء يسير ..
فأخذها .. وحل سقاءها .. وقلبها وأخذ يصب منها ..
فلما رأى الناس الماء .. تكابَّوا عليه .. وازدحموا ..
فقال : أحسنوا المَلأَ .. كلكم سيروى ..
ثم جعل رسول الله يصب في الإناء .. ويسقيهم أبو قتادة ..
حتى رووا وملئوا آنيتهم ..
فما بقي غير أبي قتادة .. وغير رسول الله ..
ثم صب رسول الله ماء .. فقال لأبي قتادة : اشرب ..
قال : لا أشرب حتى تشرب .. يا رسول الله ..
فقال : إن ساقي القوم آخرهم شرباً ..
قال أبو قتادة : فشربت .. وشرب رسول الله ..
وشرب الناس كلهم .. وكانوا ثلاثمائة ..
وهذا من بركته .. ومعجزاته الظاهرة ..
* * * * * *


وفي غزوة تبوك :



غزوة تبوك .. مليئة بالعجائب ..


أصاب المسلمين فيها جوع وعطش ومشقة ..


فهو طريق طويل .. وعددهم كبير ..


فجمع النبي r الظهر والعصر جميعاً ..


ثم جمع المغرب والعشاء جميعاً ..


فقال r لأصحابه : إنكم ستأتون غداً إن شاء الله عين تبوك .. وإنكم لن تأتونها حتى يضحى ضحى النهار .. فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئاً .. حتى آتي ..


ومضى الجيش يسير ..


فلما وصلها النبي r .. فإذا قد سبق إلى عين الماء رجلان .. والعين قليلة الماء جداً .. ونبع الماء منها شحيح ..


فلما رأى النبي عليه الصلاة والسلام الرجلين سألهما :


هل مسستما من مائها شيئاً ؟


قالا : نعم ..


فغضب النبي r عليهما .. كيف يمسان الماء وقد منع من ذلك .. وأعلن في الناس النهي عنه ..


فسبهما r .. وقال لهما ما شاء الله أن يقول ..


والصحابة عطشى ..


ثم أمر النبي r بعض الصحابة .. فغرفوا من العين ماء قليلاً .. ثم قليلاً ..


وجعلوه في إناء صغير ..


ثم غسل رسول الله فيه وجهه ويديه ..


ثم صب هذا الماء في العين ..


فما كاد هذا الماء المبارك منه r يمس ماء العين حتى جرت العين بماء كثير ..


فاستقى الناس .. وشربوا .. ورووا .. وتوضئوا ..


ثم التفت r إلى معاذ فقال : يا معاذ .. يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جناناً .. أي مزارع وبساتين ..



* * * * * * * * * *


تكثيره الطعام

قال جابر :
إنا يوم الخندق نحفر .. فعرضت كدية شديدة .. فجاؤا إلى رسول الله .. فقالوا :
هذه كدية عرضت .. فقال : أنا نازل .. فقام وبطنه معصوب بحجر .. ولبثنا ثلاثاً لا نذوق ذواقاً ..
فأخذ النبي المعول فضرب .. فعاد كثيبا أهيل ..
فقلت : يا رسول الله .. ائذن لي إلى البيت ..
فقلت لامرأتي : رأيت من رسول الله شيئاً ما في ذلك صبر ..
قالت : عندي شعير .. وعناق ..
فذبحتُ العناق .. وطحنتِ الشعير .. حتى جعلنا اللحم في البرمة ..
ثم وليتُ إلى رسول الله .. فقالت : لا تفضحني برسول الله ومن معه ..
قال : فجئت فساررته .. فقلت : يا رسول الله .. طعيم لي .. فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان ..
قال : كم هو ؟
فذكرت له .. قال : كثير طيب .. ثم صاح رسول الله r وقال : يا أهل الخندق .. إن جابراً قد صنع لكم سؤراً .. فحي هلا بكم ..
ثم قال : قل لها : لا تنزع البرمة .. ولا الخبز من التنور .. حتى آتي ..
فقام المهاجرون والأنصار ..
فلما دخل على امرأته قال :
ويحك !! جاء النبي بالمهاجرين والأنصار .. ومن معهم ..
فقالت : بك .. وبك ..
قال : قد فعلت الذي قلت لي ..
فأخرجت له عجيناً فبصق فيه .. وبارك ..
ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها .. وبارك ..
ثم قال : ادع خابزة فلتخبز معي .. واقدحي من برمتكم .. ولا تنزلوها ..
وهم ألف .. فأقسم بالله .. لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا .. وإن برمتنا لتغط كما هي .. وإن عجيننا ليخبز كما هو


* * * * * * * * * *


تكثيره اللبن

قال أبو هريرة :
والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد على الأرض من الجوع .. وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ..
ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه .. فمر أبو بكر .. فسألته عن آية من كتاب الله .. ما سألته إلا ليستتبعني .. فلم يفعل ..
ثم مرَّ عمر .. فسألته عن آية من كتاب الله .. ما سألته إلا ليستتبعني .. فمر فلم يفعل ..
ثم مرَّ بي أبو القاسم .. فتبسم حين رآني .. وعرف ما في وجهي وما في نفسي ..
ثم قال : أبا هر .. قلت : لبيك يا رسول الله .. قال : اِلْحَقْ ..
ومضى .. فاتبعته .. فدخل .. فاستأذن .. فأذن لي .. فدخلت ..
فوجد لبناً في قدح .. فقال : من أين هذا اللبن ؟
قالوا : أهداه لك فلان .. أو فلانة ..
قال : أبا هر .. قلت : لبيك يا رسول الله ..
قال : اِلْحَقْ أهل الصفة .. فادعهم لي ..
قال : وأهل الصفة أضياف الإسلام .. لا يأوون إلى أهل ولا إلى مال .. إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً .. وإذا أتته هدية أرسل إليهم .. وأصاب منها وأشركهم فيها .. فساءني ذلك ..
وقلت : وما هذا اللبن في أهل الصفة !! كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها .. فإذا جاءوا .. أمرني .. فكنت أنا أعطيهم .. وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ..
ولم يكن من طاعة الله .. وطاعة رسوله بدٌ .. فأتيتهم .. فدعوتهم ..
فأقبلوا .. فأذن لهم .. وأخذوا مجالسهم من البيت .. فقال : يا أبا هر ..
قلت : لبيك يا رسول الله .. قال : خذ .. فأعطهم ..
فأخذت القدح .. فجعلت أعطيه الرجلَ فيشرب حتى يروى .. ثم يرد عليَّ القدح .. فأعطيه الآخر .. فيشرب حتى يروى .. ثم يرد علي القدح .. فأعطيه الآخر فيشرب حتى يروى .. ثم يرد علي القدح ..
حتى انتهيت إلى النبي .. وقد روي القوم كلهم .. فأخذ القدح فوضعه على يده .. فنظر إليَّ فتبسم فقال : أبا هر .. قلت : لبيك يا رسول الله .. قال :
بقيت أنا وأنت ؟ قلت : صدقت يا رسول الله .. قال : اقعد فاشرب .. فقعدت فشربت .. فقال : اشرب .. فشربت ..
فما زال يقول : اشرب .. حتى قلت : لا .. والذي بعثك بالحق .. ما أجد له مسلكاً .. قال : فأرني .. فأعطيته القدح .. فحمد الله وسمَّى .. وشرب الفضلة
* * * * * *


عودة إلى تبوك :

أصاب المسلمين في معركة تبوك مجاعة شديدة ..
ففكر الصحابة في نحر الإبل وأكلها ..
فاستأذنوا من رسول الله فقالوا : يا رسول الله .. لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا .. فأكلنا لحمها .. وادَّهنا بدهنها..
كانوا مجهدين جائعين .. والحر والعطش يزيد الأمر سوءاً ..
وهم لن ينحروا جميع الإبل .. بل بعضها ليسدوا رمقهم ..
فقال لهم : افعلوا ..
فتوجه الصحابة إلى بعض الإبل .. لينحروها ..
كان النبي رحيماً بأصحابه .. لكنه يحرص على الشورى .. ويستمع لجميع الآراء ..
فجاء عمر إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال : يا رسول الله ! إن فعلت قلَّ الظهر .. يعني إن بدؤوا في نحر الإبل .. لم نجد دواب لنكمل طريقنا ..
ولكن : ادعهم بفضل أزوادهم .. أي كل واحد يأتي بما تبقى عنده من تمر أو كسر خبز ..
ثم – يا رسول الله - ادع الله لهم عليها بالبركة .. لعل الله أن يجعل في ذلك بركة ..
فقال : نعم ..
ثم دعا النبي بنطع أي قطعة جلد .. فبسطه على الأرض .. ثم دعا بفضل أزوادهم ..
فجعل الرجل يجيء بكف ذرة .. ويجيء الآخر بكف تمر .. ويجيء الثالث بكسرة ..
حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير ..
قال : فدعا رسول الله عليه بالبركة ..
ثم قال : خذوا في أوعيتكم ..
قال : فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في المعسكر وعاء إلا ملئوه طعاماً ..
فأكلوا حتى شبعوا ..
وفضلت فضلة على النطع ..
فقال رسول الله : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأني رسول الله .. لا يلقى الله بهما عبدٌ غيرُ شاكٍّ فيحجب عن الجنة
* * * * * *


حفنة من تمر

كان الصحابة يحفرون الخندق مع النبي ..
وكان قد أصابهم من الجوع والجهد والتعب .. الشيء الكثير ..
وكان الناس في فقر ظاهر ..
فجمعت عمرة بنت رواحة زوجة بشير بن سعد شيئاً من تمر .. وبعثت به ابنتها إلى جهة الخندق ..
وقالت : أي بنية .. اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما ..
فأخذت البنت التمر .. وانطلقت به ..
فمرت برسول الله .. وهي تبحث عن أبيها وخالها ..
فقال : تعالي يا بنية .. ما هذا معك ؟
قالت : يا رسول الله .. هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد .. وخالي عبد الله بن رواحة .. يتغديان ..
فقال : هاتيه ..
فصبته الصغيرة في كف رسول الله .. فملأتهما ..
ثم أمر بثوب فبسط على الأرض .. ثم نثر التمر عليه .. فتبدد فوق الثوب ..
ثم قال لإنسان عنده : اصرخ في أهل الخندق أن هلمَّ إلى الغداء ..
فاجتمع أهل الخندق عليه .. فجعلوا يأكلون منه .. وجعل يزيد ..
حتى شبع الناس .. وتفرقوا عنه وإن التمر ليتساقط من أطراف الثوب


* * * * * * * * * *





أما النوع الثامن من معجزاته : تسخير الأحجار له :



اسكن أحد!

صعد النبي جبل حداً ..
ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ..
فرجف بهم الجبل ..
فقال : اسكن .. وضربه برجله .. فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان ..
فسكن الجبل ..
وكان كما أخبر .. فهو النبي .. وأبو بكر هو الصديق .. وعمر وعثمان هما الشهيدان ..


* * * * * * * * * *


الحجر يسلم عليه

عن جابر بن سمرة أن النبي قال :
إني لأعرف حجراً بمكة .. كان يسلم علي قبل أن أبعث .. إني لأعرفه الآن ..
* * * * * *


تسبيح الحصى في كفه :

عن علي قال :
كنت مع النبي بمكة .. فخرجنا في بعض نواحيها ..
فما استقبلنا جبلٌ ولا شجرٌ إلا قال :
السلام عليك يا رسول الله !
* * * * * *




النوع العاشر : تأييد الله تعالى لرسوله r :



قتال الملائكة

قال سعد بن أبي وقاص :
رأيت يوم أحد .. عن يمين النبي وعن يساره رجلين عليهما ثياب بيض .. يقاتلان عن رسول الله أشد القتال ..
ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده ..
يعني جبرائيل وميكائيل عليهما السلام .. (
* * * * * * * * * *


يطبق الأخشبين

في يوم هادئ .. ولحظة سكون ..
سألت عائشة t زوجها رسول الله .. فقالت :
يا رسول الله .. هل أتى عليك يوم كأن أشد من يوم أحد ؟
كان يوم أحد يوماً عصيباً .. جرت فيه معركة دامية بين المسلمين والكفار ..
سالت فيه الدماء .. وتقطعت الأعضاء .. وزهقت الأرواح ..
وقتل فيه سبعون من خيار أصحاب النبي .. منهم حمزة عم رسول الله .. أسد الله ورسوله ..
وجرح فيه النبي في رأسه .. ووجهه .. وتكسرت بعض أسنانه ..
وسالت دماؤه الشريفة ..
فعلاً .. كان تذكر معركة أحد يعني ذكريات مؤلمة ..
لكنه تذكر ما هو أشد ألماً .. وأعظم كرباً .. من يوم أحد ..
وذلك لما ضيق عليه أهل مكة فخرج إلى الطائف يستنصر بأهلها .. فكذبوه وطردوه .. وأغروا به سفهاءهم .. فرموه بالحجارة ..
أجاب النبي سؤالها وهو يعتصر الآلام من صفحات جهاده مع قريش .. وغيرهم .. .. فقال :
لقد لقيت من قومك ..
وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ..
إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال .. فلم يجبني إلى ما أردت ..
فانطلقت وأنا مهموم على وجهي .. فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب ..
من شدة الهم .. جعل يمشي على قدميه الداميتين .. حافياً .. مجهداً .. حتى قطع أكثر من عشرين كيلاً .. في مشقة شديدة ..
بأبي هو وأمي رسول الله .. آآآآه .. ماااا أصبره ..
فبينما هو على هذا الحال .. إذ رفع بصره إلى السماء ..
فإذا هو بسحابة قد أظلت فوقه .. فنظر ..
فإذا فيها جبريل عليه السلام .. فنادى النبي .. فقال :
إن الله قد سمع قول قومك لك .. وما ردوا عليك .. وقد بعث إليك ملك الجبال .. لتأمره بما شئت فيهم ..
وفجأة فإذا بملك الجبال عليه السلام ينادي النبي .. يقول :
السلام عليك يا محمد .. إن الله قد سمع قول قومك لك .. وما ردوا عليك .. وأنا ملك الجبال .. وقد بعثني إليك ربك لتأمرني بأمرك ما شئت ..
ما أعظمها من سلطة .. تأمرني بما شئت ؟!
كانت فرصة ذهبية طرحت بين يدي النبي .. ليشفيَ صدره من قريش .. أو من غيرهم ..
الله أكبر .. يأمر ملك الجبال بما يشاء ..
جعل يفكر .. وقدماه تسيلان بالدماء .. وألفاظ قريش البذيئة تتردد في أذنه : يا كذاب .. مجنون .. ساحر ..
قطع ملك الجبلا السكون على النبي .. وبدأ يقترح عليه أنواعاً من العذاب يمكن إنزالها على قريش ..
فقال ملك الجبال :
إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين .. والأخشبان هما جبلان في جهتي مكة .. لو أمرهما ملك الجبال لدكا أهل مكة .. فانتهى أبو جهل وأبو لهب .. وأمية بن خلف ..
آآآه ما أعظمه من انتصار ..
فإذا بالنبي يتغلب على حاجاته البشرية .. ويقول :
لا .. بل أستأني بهم .. أي أنتظر وأصبر .. وأجعل أمامهم فرصة للتوبة والإصلاح ..
ثم قال r : أرجو أن يخرج الله من أصلابهم .. من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً ..


فهذا من معجزاته r أن سخر الله تعالى له الملائكة ..

* * * * * *


كفيناك المستهزئين ..

كان جمع من كفار قريش .. كثيراً ما يتعرضون للنبي .. تكذيباً .. واستهزاءً ..
وكان أعظمهم أذى .. الوليد بن المغيرة .. والأسود بن عبد يغوث ..
والأسود بن المطلب .. والحارث بن عيطل ..
والعاص بن وائل السهمي
فأتى جبريل يوماً إلى النبي .. فشكاهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى جبريل ..
ثم مر بهم الوليد .. فأشار جبريل إلى أنمله .. أصبعه .. وقال : كفيته ..
ثم أراه الأسود بن المطلب .. فأومأ جبريل إلى عنق الأسود .. وقال : كفيته ..
ثم أراه r الأسود بن عبد يغوث .. فأومأ إلى رأسه .. وقال : كفيته ..
ثم أراه الحارث بن عيطل .. فأومأ إلى بطنه .. وقال : كفيته ..
ومر به العاص بن وائل .. فأومأ إلى أخمصه .. أسفل قدمه .. وقال : كفيته ..
فما مضى وقت ..
حتى نزلت العقوبات .. كما وصف جبريل عليه السلام ..
فأما الوليد .. فكان يمشي في طريق .. فمر برجل من قبيلة خزاعة قاعد يصلح سهاماً ونبلاً معه ..
فأصاب الرجل أصبع الوليد فقطعها .. ثم لم تمض أيام حتى مات ..
وأما الأسود بن عبد يغوث .. فخرج في رأسه قروح وجروح .. فمات منها ..
وأما الأسود ابن المطلب .. فعمي بصره ..
وكان سبب ذلك .. أنه نزل تحت شجرة .. مع أولاده ..
وفجأة جعل يقول : يا بني .. ألا تدفعون عني .. قد قُتلت ..
فجعلوا يقولون : ما نرى شيئاً ..
وجعل يقول : يا بني .. ألا تمنعون عني .. قد هلكت ! ها هو ذا الطعن بالشوك في عيني ..
فجعلوا يقولون : ما نرى شيئاً ..
فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه .. ولم يمض وقت حتى مات ..
وأما الحارث بن عيطل .. فأخذه الماء الأصفر في بطنه .. فانتفخ بطنه وكبر جداً ..
حتى خرج غائطه من فمه .. فمات ..
وأما العاص بن وائل .. فبينما هو في طريقه إلى الطائف .. على حمار ..
فربض به الحمار على شجرة شوك .. فدخلت شوكة في أخمص قدمه فقتلته ..


وصدق الله ( إنا كفيناك المستهزئين ) ..



* * * * * * * *


إرسال الرياح والجنود على الأحزاب :

اجتمع آلاف الكفار لغزو المدينة النبوية في معركة الأحزاب ..
فعل النبي وأصحابه ما في وسعهم .. لصد الأعداء عنهم ..
فإذا بالله تعالى يغار لأوليائه .. وينصرهم ..
وقال الله (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ) ..
أرسل الله عليهم ريحاً أطفأت نيرانهم .. وكفأت قدورهم .. واقتلعت خيامهم .. وهدمت أبنيتهم .. وشردت خيولهم .. وفرقت إبلهم ..
وأرسل الله جنوداً من عنده لا تُرى بالأبصار .. فزلزلتهم .. حتى اضطروا للعودة من حيث جاءوا ..
وفكِّ الحصار عن المدينة النبوية ..
وأنزل الله تعالى ذكر هذه الحادثة ممتّنٍاً على المؤمنين ..
فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا(9)﴾ (الأحزاب:9).
* * * * * *


تأييده بالمطر

في غزوة بدر ..
ظهرت في غزوة بدر أحداث جسام .. وآيات باهرات .. وكرامات ظاهرات .. لجند الله الصادقين ..
تأييداً لهم .. وتثبيتاً لقلوبهم ..
فلقد كان المسلمون في تلك الغزوة في قلة من العدد .. ونقص من العتاد والسلاح ..
وأعداؤهم المشركون أكثر عدداً .. وأوفر سلاحاً .. وأشد حنكة ودراية بالحروب ..
فالكفار كانوا أكثر ممارسة للحروب .. وتجربة لها ..
وصل المشركون موقع بدر .. في موضع صلب ..
ونزل المسلمون في موقع بدر على كثيب رمال تسوخ فيه الأقدام ..
فأنزل الله المطر على الأرض التي فيها المسلمون .. حتى ثبتت عليه الأقدام .. وزالت عنهم وسوسة الشيطان ..
فشربوا واغتسلوا وتطهروا ..
وكان نزول المطر رحمة على المؤمنين .. ونقمة على المشركين ..
فأصبحت أقدام الأعداء تنزلق .. لأنهم كانوا في أرض سبخة .. يضرها وجود الماء ..
والمؤمنون في أرض طيبة .. لا غبار فيها ..
واشار الله تعالى إلى ذلك بقوله : ( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ) [الأنفال:11].
* * * * * *




النوع الحادي عشر : حفظ الله لنبيه من أعلام نبوته :



مع أبي جهل

تكفل الله تعالى بحفظ نبيه ..
قال تعالى : ] فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين * الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون [ ..
من أمثلة ذلك .. ما وقع لفرعون هذه الأمة .. أبي جهل ..
كان أبو جهل متكبراً متغطرساً ..
أقبل يوماً إلى أصحابه عند الكعبة .. وقال : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ..
قالوا : نعم ..
فغضب وقال : واللات والعزى .. لئن رأيته يفعل ذلك .. لأطأن على رقبته ..
تباً له .. ما أقبحه وأقبح أخلاقه !!
فما هو إلا قليل .. حتى جاء النبي يمشي بكل سكينة .. فصف قدميه قريباً من الكعبة .. وكبر مصلياً ..
سجد النبي .. وصار يناجي ربه ..
كان هذا المنظر امتحاناً عاجلاً لشجاعة أبي جهل .. بالنسبة لأصحابه ..
مضى أبو جعل يضرب الأرض بقدميه بكل كبر .. يظن أنه سيتمكن من أن يطأ على رقبة النبي الكريم !!
فما كاد أبو جهل يصل إلى النبي .. حتى صرخ ..
وأخذ يرجع إلى ورائه .. ويتقي بيديه أمامه .. وكأن حريقاً أو أذى سيصيب وجهه ..
وصل إلى أصحابه منتقع الوجه .. أصفر اللون ..
نظر إليه أصحابه .. فقالوا : مالك ؟
فقال وهو يلهث : إن بيني وبينه لخندقاً من نار .. وهَوْلاً وأجنحة ..
فلما قضى صلاته .. قال : لو دنا مني .. لاختطفته الملائكة .. عضواً .. عضواً ..
وأنزل الله تعالى : ] أرأيت الذي ينهى * عبداً إذا صلى * أرأيت إن كان على الهدى * أو أمر بالتقوى * أرأيت إن كذب وتولى * ألم يعلم بأن الله يرى * كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة * فليدع ناديه * سندع الزبانية * كلا لا تطعه واسجد واقترب[ ..


* * * * * * * * * *


قصة سراقة ..

من أحداث الهجرة المباركة ..
أن قريشاً لما جعلت الجوائز الكبار لمن قبض على النبي أو صاحبه ..
تاقت نفوس الناس لهذه الجوائز ..
ممن تبعهم يبحث وينقب .. سراقة بن مالك ..
استطاع سراقة فعلاً أن يصل إلى النبي وأبي بكر .. واقترب .. واقترب .. وهو يطوي الأرض راكباً فرسه ..
فقال أبو بكر : يا رسول الله أُتِينا ..
فقال : لا تحزن إن الله معنا ..
ثم دعا رسول الله على سراقة ..
فدخلت قدما فرسه في التراب .. حتى غاصت فرسه في الأرض إلى بطنها ..
حاول سراقة أن يتخلص .. فلم يستطع ..
فصاح بالنبي فقال : إني قد علمت أنكما دعوتما علي .. فادعوا لي ..ولكما أن أرد عنكما الطلب ..
فدعا النبي عليه الصلاة والسلام الله أن ينجيه .. فنجا ..
فرجع سراقة إلى مكة .. وجعل لا يلقى أحداً من قريش متوجهاً جهة النبي وصاحبه .. إلا قال :
قد كفيتم هاههنا .. ويدفع الناس ليبحثوا في الجهات الأخرى ..
وأنجى الله تعالى نبيه .. وصدق الله ( والله يعصمك من الناس ) ..
وكان سراقة بعدها ينشد مخاطباً أبا جهل :
أبا حكم والله لو كنت شاهداً لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه
عجبت ولم تشكك بأن محمداً نبي وبرهان فمن ذا يقاومه
عليك بكف الناس عنه لأنني أرى أمره يوماً ستبدو معالمه
بأمر يود النصر فيه بإلبها لو ان جميع الناس طراً يحاربه ..


* * * * * * * * * *


من يمنعك مني؟

خرج النبي مع أصحابه في غزوة من الغزوات ..
فلما رجعوا .. نزلوا وادياً أثناء الطريق ..
وتفرق الناس يستظلون بالشجر .. وينامون ..
ونزل رسول الله تحت شجرة .. فاضطجع في ظلها .. وعلق سيفه بغصن من أغصانها ..
فبينما رسول الله نائماً .. إذا برجل من المشركين كان يتبعهم ..
أقبل هذا الرجل يمشي رويداً إلى النبي .. حتى وقف على رأس النبي وهو نائم ..
ثم أخذ سيف النبي المعلق على الشجرة .. واستله من غمده .. ثم رفعه على رأس النبي .. وجعل يصيح وهو سكران بنشوة الانتصار .. ويقول : يااااا محمد . من يمنعك مني؟
فتح النبي عينيه .. فإذا بالرجل شاهر السيف .. وأصحابه متفرقون عنه ..
كان الرجل ثائراً .. لم تفلح معه أي طريقة لتهدئته أو التفاهم معه ..
ولا يسمع منه النبي إلا ثلاث كلمات : من .. يمنعك .. مني ؟
فقال بكل ثقة : يمنعني منك .. الله ..
فنتفض الرجل وسقط السيف من يده ..
فقام والتقط السيف .. ورفعه وقال للرجل : من يمنعك مني ؟
فاحتار الرجل .. ماذا يقول ؟! اللات والعزى!! وأنَّـى تنفعه اللات والعزى !!
فلم يجد الرجل بداً من أن يقول بكل استسلام : لا أحد .. كن خير آخذ ..
فقال له : تسلم ؟
قال : لا .. لكن أعاهدك أن لا أقاتلك أبداً .. ولا أكون في قوم هم حرب لك ..
وكان الرجل ملكاً على قومه .. فعفا عنه النبي ..
ثم مضى إلى قومه .. فلم يلبث أن دخل في الإسلام ..


* * * * * * * * * *


الأرض تنتصر للرسول

كان في عهد النبي رجل نصرانياً .. فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران ..
وكان كاتباً قارئاً .. فكان من ضمن من يكتب للنبي أحياناً ..
وفجأة .. عاد الرجل نصرانياً .. ولحق بقوم من أهل الكتاب .. وجعل يتنقص النبي .. ويشكك في القرآن .. ويقول :
ما يدري محمد إلا ما كتبت له ..
فلما رأى النبي ذلك .. دعا عليه فقال :
اللهم أجعله آية ..
فما مرَّ عليه أيام حتى أماته الله ..
فأخذه أصحابه .. ودفنوه .. فلما أصبحوا فإذا الأرض قد لفظته فوقها !!
فقالوا : هذا فعل محمد وأصحابه .. لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا .. فألقوه ..!!
فحفروا له فأعمقوا ما استطاعوا ..
فلما أصبحوا .. أقبلوا إلى قبره .. فإذا هو قد لفظته الأرض ..
فقالوا : هذا أيضاً من فعل محمد وأصحابه .. لما هرب منهم صاحبنا نبشوا عن قبره فأخرجوه ..!!
ثم حفروا له وأعمقوا أكثر ما استطاعوا ..
فلما أصبحوا .. فإذا الأرض أيضاً قد لفظته فوقها ..
فعلموا أنه ليس من فعل الناس فتركوه منبوذاً على الأرض ..
فظل ملقى على التراب .. تمر به الكلاب فتبول عليه .. وتعبث بجسده الذئاب .. وتفتت أعضاءه الطيور ..
نعم .. ( إنا كفيناك المستهزئين ) ..


* * * * * * * * * *





مع بني النضير

كان في المدينة ثلاث قبائل من اليهود ..
فيها : بنو قريظة .. وبنو النضير .. وبنو قينقاع ..
كان بين النبي r وبينهم عهداً على أن يتعاونوا في ديات القتلى .. وغيرها ..
ذهب النبي r مع بعض أصحابه .. إلى بني النضير يوماً يستعينهم في دية قتيلين من بني عامر قتلهما الصحابي عمرو بن أمية خطئاً ..
وكان بين قبيلة القتيلين .. وبين المسلمين عهد ..
فكان لا بد من دفع دية القتيلين ..
وصل r إلى يهود بني النضير ..
عرض عليهم مساعدته في دية القتيلين ..
قالوا : نعم .. يا أبا القاسم .. نعينك على ما أحببت ..
لكن اليهود قوم غدر ..
فأجلسوا النبي r في ظل جدار .. وغابوا عنه كأنهم يجمعون له المال ..
فلما خلا بعضهم ببعض .. قالوا :
إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ..
فمن رجل منكم يعلو على هذا البيت .. فيلقي عليه صخرة .. ويريحنا منه ؟!
فتطوع لهذه الجريمة النكراء رجل منهم .. اسمه عمرو بن جحاش ..
فقال : أنا لذلك ..
فصعد ابن جحاش على سطح البيت الذي يتكئ النبي r على جداره .. ليلقي عليه صخرة ..
ورسول الله r مع أصحابه .. في ظل الجدار ..
فإذا بالخبر من السماء .. يتنزل على رسول الله r .. ويخبره الله بمكيدة القوم ..
وإذا برسول الله r يقوم فجأة مسرعاً من مكانه .. راجعاً إلى المدينة ..
وأصحابه مكانهم .. ينتظرون اليهود .. وقد ظنوا أن النبي r قام لحاجة وأنه راجع إليهم ..
فلما أبطأ النبي r على أصحابه .. قاموا في طلبه فلقوا رجلاً مقبلاً من المدينة ..
فسألوه : هل رأيت رسول الله r ؟
فقال : رأيته داخلا المدينة ..
فعجب الصحابة من رجوعه ..
فلما وصلوا إليه .. سألوه ؟
فأخبرهم r بالخبر .. وبما كانت يهود أرادت من الغدر به ..
ثم كان ما كان بعدها من الحرب بين لنبي r وبين يهود بني النضير .. وحاصرهم .. حتى أخرجهم من المدينة ..
* * * * * *


إن الله يدافع

الذين كانوا يتآمرون على قتله كثيرون ..
لكن الله تعالى يعصم ويدافع ؟؟ ( والله يعصمك مع الناس ) ..
في غزوة تبوك .. كان عدد الجيش كبيراً .. أكثر من ثلاثين ألف رجل !!
في أثناء رجوع النبي من تبوك إلى المدينة ..
كان المنافقون يكيدون ويخططون ..
فمكر برسول الله ناس من المنافقين ..
وكانت يمرون أثناء الطريق بجبال ووديان ..
فتآمر تسعة من المنافقين أن إذا صعد النبي جبلاً .. أن يصعدوا معه .. ثم يطرحوه من فوقه ..
فلما أتوا على جبل ..
أخبر الله تعالى نبيه بخبرهم ..
فقال للناس : " من شاء منكم أن يأخذ ببطن الوادي .. فإنه أوسع لكم " ..
وكأنه يريد أن يتفرد بصعود الجبل ..
وفعلاً .. أخذ رسول الله يصعد عقبة الجبل .. وليس معه من أصحابه إلا حذيفة بن اليمان .. وعمار بن ياسر ..
وبقية الناس يسلكون أسفل الجبل .. في الوادي ..
لكن أولئك المنافقون ساروا وراءه بكل جرأة .. وأخذوا يصعدون معه ..
واستعدوا وتلثموا .. غطوا وجوههم بعمائمهم .. وقد هموا بأمر عظيم ..
كان على ناقته .. حذيفة عن جانبه .. وعمار قد أخذ بزمام الناقة .. يسوقها برسول الله ..
وفجأة .. إذ بجمع المنافقين .. على خيولهم يهجمون على رسول الله ..
فغضب النبي .. وأمر حذيفة أن يردهم ..
وأبصر حذيفة غضب رسول الله ..
فواجههم ومعه قطعة حديد ..
واستقبل وجوه رواحلهم ..
فضربها ضرباً بالمحجن ..
وأبصر القوم .. وهم متلثمون ..
ولا يدري لماذا يتلثمون .. وظن أن سبب ذلك كونهم مسافرين ..
فقذف الله في قلوبهم الرعب ..
ولما رأوا قوة مواجهة حذيفة .. ظنوا أن مكرهم قد انكشف ..
فأسرعوا نازلين حتى خالطوا الناس ..
ورجع حذيفة حتى أدرك رسول الله ..
فقال : "اضرب الراحلة يا حذيفة .. وأمش أنت يا عمار "
فأسرعوا حتى استووا بأعلاها ..
فنزلوا من عقبة الجبل وجعلوا ينتظرون الناس ..
فقال النبي لحذيفة : "هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب أحداً ؟ " ..
قال حذيفة : عرفت راحلة فلان وفلان .. وكانت ظلمة الليل .. وواجهتهم .. وهم متلثمون ..
فقال : " هل علمتم ما كان شأن الركب وما أرادوا ؟"
قال حذيفة وعمار : لا والله يا رسول الله!
فقال : " فإنهم مكروا ليسيروا معي .. حتى إذا طلعت في العقبة طرحوني منها" ..
قالا : أولا تأمر بهم يا رسول الله إذن .. فنضرب أعناقهم ..
فقال: "أكره أن يتحدث الناس .. ويقولوا : إن محمداً قد وضع يده في أصحابه ..
ثم كشف النبي أسماءهم لهما ..
لكنه لما سرد الأسماء لحذيفة وعمار .. قال لهما : اكتماهم " ..


* * * * * * * * * *



النوع الثاني عشر : إجابة دعائه :

كان رسول الله مستجاب الدعوة ..
فيستجيب الله تعالى له .. في قضاء الحوائج .. وتفريج الكرب .. وشفاء المرض .. وتحقيق المطالب .. وحلول البركة ..
وقد تقدم طرف من أدعيته المستجابة .. بأبي هو وأمي ..
وها نحن نورد المزيد ..
فمن ذلك :


أم أبي هريرة

أن أم أبي هريرة بقيت على دين قومها .. تعبد الأصنام ..
وكان أبو هريرة يدعوها إلى الإسلام .. وتأبى ..
فَدَعَاها يَوْمًا فأسمعته في رسول اللَّهِ ما يكْرَهُ ..
فبكى أبو هريرة .. ومضى إلى رَسُولَ اللَّهِ e .. وهو يبْكِي ..
فقال : يا رَسُولَ اللَّهِ .. إني كنت أَدْعُو أُمِّي إلى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ .. فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فأسمعتني فِيكَ ما أَكْرَهُ .. فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أبي هُرَيْرَةَ ..
فقال e : اللهم اهْدِ أُمَّ أبي هُرَيْرَةَ ..
فَخَرَج أبو هريرة مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ e ..
فلما وصل البيت وحرك الباب ليدخل .. سَمِعَتْ أُمه خَشْفَ قَدَمَيه ..
فقالت : مَكَانَكَ يا أَبَا هُرَيْرَةَ ..
وَسَمِع أبو هريرة خَضْخَضَةَ الْمَاءِ .. وكأن أمه تغتسل ..
فانتظر قليلاً عند الباب ليدخل ..
فإذا أمه قد اغْتَسَلَتْ .. وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا .. وَعَجِلَتْ عن خِمَارِهَا .. ثم فَتَحَتْ له الْبَابَ وقالت :
يا أَبَا هُرَيْرَةَ .. أشهد أن لَا إِلَهَ إلا الله .. وأشهد أن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ..
استبشر أبو هريرة .. وغلبه الفرح حتى بكى ..
فرَجَع إلى رسول اللَّهِ e .. يبْكِي من الْفَرَحِ ..
فقال يا رَسُولَ اللَّهِ .. أَبْشِرْ قد اسْتَجَابَ الله دَعْوَتَكَ .. وَهَدَى أُمَّ أبي هُرَيْرَةَ ..
ففرح النبي r .. وحَمِدَ اللَّهَ .. وَأَثْنَى عليه .. وقال لأبي هريرة خَيْرًا ..
فطمع ابو هريرة في زيادة الخير .. فقال : يا رَسُولَ اللَّهِ .. ادْعُ اللَّهَ أن يُحَبِّبَنِي أنا وَأُمِّي إلى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ .. وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا ..
فقال e : اللهم حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هذا - يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ - وَأُمَّهُ إلى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ .. وَحَبِّبْ إِلَيْهِمْ الْمُؤْمِنِينَ ..
قال أبو هريرة : فما خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي .. ولا يَرَانِي .. إلا أَحَبَّنِي ..
* * * * * *


وابن عباس

دعا لعبد الله بن عباس بالفقه في الدين ..
فقد وضع يده الشريفة على كتف ابن عباس .. أو على منكبه ..
ثم قال : اللهم فقهه في الدين .. وعلمه التأويل .. يعني التفسير ..
وقد استجاب الله لرسوله هذه الدعوة في ابن عمه عبد الله بن عباس ..
فكان ابن عباس بعدها إماماً يهتدى بهداه .. ويقتدى بسناه .. في علوم الشريعة والفقه والتفسير ..
حتى قال عنه بعض أصحابه : خطب ابن عباس في الحجاج في عشية يوم عرفة .. فقرأ سورة البقرة .. وجعل يفسرها آية آية .. ففسرها تفسيراً لو سمعه الروم والترك والديلم لأسلموا ..
* * * * * *


ودعا لأنس

دعا لأنس بن مالك بكثرة المال والولد والبركة في ذلك ..
فكان من أكثر الأنصار مالاً وولداً ..
حتى ولد له من صلبه قريب من مائة ما بين ذكر وأنثى .. أو ما يزيد عليها ..
وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين .. وكان في بستانه ريحان يجيء منه ريح المسك ..
* * * * * *




ودعا لأبي طلحة وزوجه

تزوجت أم سليم أبا طلحة .. ورزقت منه بغلام صبيح .. هو أبو عمير ..وكان أبو طلحة يحبه حباً عظيماً ..
بل كان e يحبه .. ويمر بالصغير فيرى معه طيراً يلعب به .. اسمه النغير .. فكان يمازحه ويقول: يا أبا عمير ما فعل النغير ؟
فمرض الغلام .. فحزن أبو طلحة عليه حزناً شديداً .. حتى اشتد المرض بالغلام يوماً ..
وخرج أبو طلحة في حاجة إلى رسول الله .. وتأخر عنده ..
فازداد مرض الغلام ومات .. وأمه عنده ..
بكى بعض أهل البيت .. فهدأتهم .. وقالت : لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه ..
فوضعت الغلام في ناحية من البيت وغطته .. وأعدت لزوجها طعامه ..
فلما عاد أبو طلحة إلى بيته .. سألها : كيف الغلام ؟
قالت : هدأت نفسه .. وأرجو أن يكون قد استراح ..
فتوجه إليه ليراه .. فأبت عليه وقالت : هو ساكن فلا تحركه ..
ثم قربت له عشاءه فأكل وشرب .. ثم أصاب منها ما يصيبه الرجل من امرأته ..
فلما رأت أنه قد شبع واستقر ..
قالت : يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم .. أي أسلفوا متعاً لهم .. لأهل بيت فطلبوا عاريتهم .. ألهم أن يمنعوهم ؟
قال : لا ..
قالت : ألا تعجب من جيراننا ؟
قال : وما لهم ؟!
قالت : أعارهم قوم عارية .. وطال بقاؤها عندهم حتى رأوا أن قد ملكوها .. فلما جاء أهلها يطلبونها .. جزعوا أن يعطوهم إياها ..
فقال : بئس ما صنعوا ..
فقالت : هذا ابنك .. كانت عارية من الله .. وقد قبضه إليه .. فاحتسب ولدك عند الله ..
ففزع .. ثم قال : والله .. ما تغلبيني على الصبر الليلة .. فقام وجهز ولده ..
فلما أصبح غدا على رسول الله e فأخبره .. فدعا لهما بالبركة ..
فولدت له غلاما سماه رسول الله عبد الله فجاء من صُلبه تسعة أولاد .. كلهم قد حفظ القرآن ..
* * * * * *


دعاؤه لقبيلة دوس

وكان لذلك قصة طريفة ..
الطفيل بن عمرو ..
كان سيداً مطاعاً في قبيلته دوس ..
قدم مكة يوماً في حاجة .. فلما دخلها .. رآه أشراف قريش .. فأقبلوا عليه .. وقالوا : من أنت ؟ قال : أنا الطفيل بن عمرو .. سيد دوس ..
فقالوا : إن ههنا رجل في مكة يزعم أنه نبي .. فاحذر أن تجلس معه أو تسمع كلامه .. فإنه ساحر .. إن استمعت إليه ذهب بعقلك ..
قال الطفيل : فو الله ما زالوا بي يخوفونني منه .. حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئاً .. ولا أكلمه .. بل حشوت في أذنيَّ كرسفا - وهو القطن – خوفاً من أن يبلغني شيء من قوله .. وأنا مارّ به ..
قال الطفيل : فغدوت إلى المسجد .. فإذا رسول الله قائم يصلي عند الكعبة ..
فقمت منه قريباً .. فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله ..
فسمعت كلاماً حسناً .. فقلت في نفسي : واثكل أمي ! والله إني لرجل لبيب .. ما يخفى عليَّ الحسنُ من القبيح .. فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول .. فإن كان الذي به حسناً قبلته .. وإن كان قبيحاً تركته .. فمكثت حتى قضى صلاته .. فلما قام منصرفاً إلى بيته تبعته ..
حتى إذا دخل بيته دخلت عليه .. فقلت : يا محمد .. إن قومك قالوا لي كذا وكذا ..
ووالله ما برحوا يخوفونني منك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك .. وقد سمعت منك قولاً حسناً .. فاعرض عليَّ أمرك ..
فابتهج النبي عليه الصلاة والسلام .. وفرح ..وعرض الإسلام على الطفيل .. وتلا عليه القرآن .. فتفكر الطفيل في حاله .. فإذا كل يوم يعيشه يزيده من الله بعداً ..
وإذا هو يعبد حجراً .. لا يسمع دعاءه إذا دعاه .. ولا يجيب نداءه إذا ناداه .. وهذا الحق قد تبين له ..
ثم بدأ الطفيل يتفكر في عاقبة إسلامه ..
كيف يغير دينه ودين آبائه !!.. ماذا سيقول الناس عنه ؟!
حياته التي عاشها .. أمواله التي جمعها .. أهله .. ولده .. جيرانه .. خلانه .. كل هذا سيضطرب ..
سكت الطفيل .. يفكر .. يوازن بين دنياه وآخرته ..
وفجأة إذا به يضرب بدنياه عرض الحائط ..
نعم سوف يستقيم على الدين .. وليرض من يرضى .. وليسخط من يسخط .. وماذا يكون أهل الأرض .. إذا رضي أهل السماء ..
ماله ورزقه بيد من في السماء .. صحته وسقمه بيد من في السماء .. منصبه وجاهه بيد من في السماء .. بل حياته وموته بيد من في السماء ..
فإذا رضي أهل السماء .. فلا عليه ما فاته من الدنيا ..
إذا أحبه الله .. فلبيغضه بعدها من شاء .. وليتنكر له من شاء .. وليستهزئ به من شاء ..
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
نعم .. أسلم الطفيل في مكانه .. وشهد شهادة الحق ..
ثم ارتفعت همته .. فقال : يا نبي الله .. إني امرؤ مطاع في قومي .. وإني راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام ..
ثم خرج الطفيل من مكة .. مسرعاً إلى قومه .. حاملاً همَّ هذا الدين ..
يصعد به جبل .. وينزل به واد ..
حتى وصل ديار قومه .. فلما دخلها .. أقبل إليه أبوه .. وكان شيخاً كبيراً ..
فقال الطفيل : إليك عني يا أبت .. فلست منك ولست مني ..
قال : ولم يا بني ؟
قال : أسلمت وتابعت دين محمد ..
قال : أي بني ديني دينك ..
قال : فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك .. ثم ائتني حتى أعلمك مما علمت ..
فذهب أبوه واغتسل وطهر ثيابه .. ثم جاء فعرض عليه الإسلام فأسلم ..
ثم مشى الطفيل إلى بيته .. فأتته زوجته مرحبة ..
فقال : إليك عني .. فلست منك ولست مني ..
قالت : ولم ؟ بأبي أنت وأمي ..
قال : فرَّق بيني وبينك الإسلام .. وتابعت دين محمد ..
قالت : فديني دينك ..
قال : فقلت فاذهبي فتطهري .. ثم ارجعي إليَّ .. فواّته ظهرها ذاهبة ..
ثم خافت من صنمهم أن يعاقبها في أولادها إن تركت عبادته ..
فرجعت إليه وقالت : بأبي أنت وأمي .. أما تخشى على الصبية من ذي الشرى .. ؟
وذو الشرى صنم عندهم يعبدونه .. وكانوا يرون أن من ترك عبادته أصابه أو أصاب ولده بأذى ..
فقال الطفيل : اذهبي .. أنا ضامن لك أن لا يضرهم ذو الشرى ..
فذهبت فاغتسلت .. ثم عرض عليها الإسلام فأسلمت ..
ثم جعل الطفيل يطوف في قومه .. يدعوهم إلى الإسلام بيتاً بيتاً .. ويقبل عليهم في نواديهم .. ويقف عليهم في طرقاتهم ..
لكنهم أبو إلا عبادة الأصنام .. فغضب الطفيل .. وذهب إلى مكة ..
فأقبل على رسول الله فقال : يا رسول الله .. إن دوساً قد عصت وأبت .. يا رسول الله .. فادع الله عليهم ..
فتغير وجه النبي عليه الصلاة والسلام .. ورفع يديه إلى السماء ..
فقال الطفيل في نفسه .. هلكت دوْس ..
فإذا بالرحيم الشفيق .. يقول : " اللهم اهد دوساً .. اللهم اهد دوساً ..
ثم التفت إلى الطفيل وقال : ارجع إلى قومك .. فادعهم .. وارفق بهم ..
فرجع إليهم .. فلم يمض عليهم وقت حتى أسلموا ..
* * * * * *


ودعا لعروة ..

دعا لعروة البارقي بالبركة في صفقة يمينه .. فكان كثير الربح في تجارته ..
وذلك أن رسول الله أعطاه ديناراً ليشتري له به شاة .. فذهب للسوق .. واشترى بالدينار شاتين ..
ثم باع إحداهما بدينار .. وأتى إلى النبي بشاة ودينار ..
وقص القصة عليه ..
فقال له : بارك الله لك في صفقة يمينك .. ودعا له بالبركة في البيع .. فكان لو اشترى التراب لربح فيه ..
* * * * * *


استجابة دعائه على أعدائه

انظر إلى رسول الله وقد جلس في مجلسه المبارك .. بعدما انتشر الدين .. ووُحِّد رب العالمين ..
فجعل رؤساء القبائل يأتون إليه مذعنين مؤمنين .. ومنهم من كانوا يأتون صاغرين حاقدين ..
وفي يوم أقبل رئيس من رؤساء العرب .. له في قومه ملك ومنعه ..
أقبل عامر بن الطفيل .. وكان قومه يقولون له لما رأوا انتشار الإسلام : يا عامر إن الناس قد أسلموا فأسلم .. وكان متكبراً كتغطرساً ..
فكان يقول لهم : والله لقد كنت أقسمت ألا أموت حتى تملِّكني العرب عليهم وتتبعَ عقبي .. فأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش !!
ثم لما رأى تمكن الإسلام .. وانصياع الناس لرسول الله .. ركب ناقته مع بعض أصحابه ومضى إلى رسول الله ..
دخل المسجد على رسول الله وهو بين أصحابه الكرام ..
فلما وقف بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام قال : يا محمد خالني .. أي قف معي على انفراد ..
وكان حذراً من أمثال هؤلاء .. فقال : لا والله حتى تؤمن بالله وحده ..
فقال : يا محمد خالني ..
فأبى النبي .. فلا زال يكرر .. يا محمد قم معي أكلمْك .. يا محمد قم معي أكلمْك ..
حتى قام معه رسول الله .. فاجتر عامر إليه أحد أصحابه اسمه إربد .. وقال : إني سأشغل عنك وجهه فإذا فعلت ذلك فاضربه بالسيف .. فجعل إربد يده على سيفه واستعد ..
فانفرد الاثنان إلى الجدار .. ووقف معهما رسول الله يكلم عامراً .. وقبض أربد بيده على السيف .. فكلما أراد أن يسله يبست يده .. فلم يستطع سل السيف ..
وجعل عامر يشاغل رسول الله .. وينظر إلى إربد .. وإربد جامد لا يتحرك ..
فالتفت فرأى أربد وما يصنع ..
فقال : يا عامر بن الطفيل .. أسلم ..
فقال عامر : يا محمد ما تجعل لي إن أسلمت ؟
فقال لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم ..
قال عامر : أتجعل لي الملك من بعدك إن أسلمت ؟
فقال : ليس ذلك لك ولا لقومك ..
فقال : أسلم على أن لي الوبر ولك المدر .. أي أكون ملكاً على البادية وأنت على الحاضرة ..
فقال : لا ..
عندها غضب عامر وتغير وجهه .. وصاح بأعلى صوته : والله يا محمد .. لأملأنها عليك خيلا جردا .. ورجالا مرداً .. ولأربطن بكل نخلة فرساً .. ولأغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء ..
ثم خرج يزبد ويرعد .. فرفع رسول الله بصره إلى السماء وقال : اللهم اكفني عامراً واهد قومه ..
فخرج مع أصحابه حتى إذا فارق المدينة .. تعب من المسير .. فصادف امرأة من قومه يقال لها سلولية وكانت في خيمة لها .. فنزل عن فرسه ونام في بيتها ..
فاخذته غدة وانتفاخ في حلقه كما يظهر في أعناق الإبل فيقتلُها .. ففزع واضطرب ..
ووثب على فرسه .. وأخذ رمحه .. وأقبل يجول .. ويصيح من شدة الألم .. ويتحسس عنقه بيده ويقول : غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية ..
فلم تزل تلك حاله يدور به فرسه .. حتى سقط عن فرسه ميتا ..
فتركه أصحابه .. ورجعوا إلى قومهم ..
فلما دخلوا ديارهم .. أقبل الناس إلى إربد يسألونه : ما وراءك يا أربد ؟
قال : لا شيء .. والله لقد دعانا محمد إلى عبادة شيء .. لوددت لو أنه عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله ..
فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له ليبيعه .. فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما ..
وأنزل الله عز وجل في حال عامر وأربد : " سَوَاءمِّنكُممَّنْأَسَرَّ الْقَوْلَوَمَنجَهَرَبِهِو َمَنْهُوَمُسْتَخْفٍبِاللّ َيْلِوَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ *
لَهُمُعَقِّبَاتٌمِّنبَيْن ِيَدَيْهِوَمِنْخَلْفِهِيَ حْفَظُونَهُ مِنْأَمْرِاللّهِإِنَّاللّ هَلاَيُغَيِّرُمَابِقَوْمٍ حَتَّىيُغَيِّرُواْمَابِأَ نْفُسِهِمْ وَإِذَاأَرَادَاللّهُبِقَو ْمٍسُوءًافَلاَمَرَدَّلَهُ وَمَالَهُممِّندُونِهِمِن وَالٍ *
هُوَالَّذِييُرِيكُمُالْبَ رْقَخَوْفًاوَطَمَعًا وَيُنْشِىءُالسَّحَابَالثّ ِقَالَ *
وَيُسَبِّحُالرَّعْدُبِحَم ْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُمِنْخِيفَ تِهِوَيُرْسِلُالصَّوَاعِق َفَيُصِيبُبِهَا مَنيَشَاءوَهُمْيُجَادِلُو نَفِياللّهِوَهُوَشَدِيدُا لْمِحَالِ ) ..
* * * * * *




وأخيراً

هذا النبي العظيم .. أيده ربه بالمعجزات .. واختار له أصحاباً أخياراً .. أحبوه أكثر من حبهم لأنفسهم وأولادهم ..


ففي غزوة أحد .. أقبل المشركون على رسول الله r يريدون قتله ..


فأحاطه أصحابه بأجسادهم يصدون عنه الرماح .. وضربات السيوف .. تقد في أجسادهم دونه ..


وكان أبو طلحة t يرفع صدره ويقول : يا رسول الله لا يصيبك سهم .. نحري دون نحرك ..

قال أبو بكر : أقبلت على النبي فرأيت بين يديه رجلاً يقاتل عنه ويحميه ..
فنظرت فإذا هو أبو طلحة .. فلم يلبث أن صُرع ووقع من كثرة الضرب عليه ..
فأقبل أبو عبيدة يشتد كأنه طير .. فإذا أبو طلحة بن يديه واقعاً على ألأرض فقال النبي :
( دونكم أخاكم فقد أوجب ) .. فأقبلنا على أبي طلحة .. وقد أصابته بضع عشرة ضربة ..
فلما انتهت المعركة تذكر رسول الله أحد أصحابه الكرام .. من خيارهم ..
ممن كان يقوم معه الليل .. ويصوم معه النهار .. ممن يبذل للدين كل شيء .. حتى روحه ..
تذكر سعد بن الربيع الأنصاري .. فسأل أصحابه قائلاً : ( من ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء أم في الأموات ) ..
فقال رجل من الأنصار : أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد ..
فبحث عنه فوجده جريحاً في القتلى .. وقد شارف على الموت .. جراحه تنزف دماً .. وثيابه ممزقة .. وقد علاه الغبار .. وهو يصارع الموت ..
فقال الرجل : يا سعد .. إن رسول الله أمرني أن أنظر أفي الأموات أنت أم في الأحياء؟
فالتفت إليه سعد وقال : أنا في الأموات .. فأبلغ رسول الله عني السلام ..
وقل له : جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته ..
وأبلغ قومي عني السلام وقل لهم : لا عذر لكم عند الله إن خُلِص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف ..
وقل لرسول الله : يا رسول الله .. إن سعداً يجد ريح الجنة .. ثم .. ماااات ..


* * * * * * * * * *





الكفار يشهدون

حتى الكفار شهدوا بهذه المحبة ..
فقبل فتح مكة .. خرج إليها معتمراً .. فلما أقبل على الحرم بعثت قريش إليه البعوث يردونه عن المسجد الحرام ..


فكان ممن جاءه عروة بن مسعود وجعل يكلم النبي r وينظرُ إلى الصحابة حوله ..

فوالله ما انتخم النبي نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم .. فدلك بها وجهه وجلده .. وإذا أمر ابتدروا أمره ..
وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ..
وإذا تكلم خفضوا أصواتهم ..
وما يُحِدون إليه النظر تعظيماً له ..


فلما رأى عروة ذلك رجع إلى أصحابه .. فقال :


أي قوم .. والله لقد وفدت على الملوك .. كسرى .. وقيصر .. والنجاشي ..


والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابُه .. كما يعظم أصحاب محمد محمداً ..



* * * * * * * * * *


كانوا يحبونه ..

بل كان الصحابة يصرحون بهذا الحب العظيم حتى قال له عمر يوماً :
يا رسول الله .. أنت أحب إليَّ من مالي وولدي .. بل والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي .. ..
وجاء رجل إليه فقال : متى الساعة يا رسول الله ؟
قال : ( ما أعددت لها؟ ) قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال : ( أنت مع من أحببت ) .. فما فرح الصحابة بشيء كفرحهم بهذه الكلمة .. أنت مع من أحببت ..
وكانوا إذا مشوا بجانبه أظلوه من الشمس ..
وإذا سافروا معه فأتوا على شجرة ظليلة تركوها له يرتاح في ظلها ..


* * * * * * * * * *





كيف أحبوه ؟

ولكن بالرغم من كل هذه المحبة والإجلال .. والحب والوفاء ..
والمكانة العظيمة له في قلوب صحابته الكرام .. فإنهم لم ينزلوه فوق منزلته .. أو يرفعوه عن منزلة البشرية ..
فمحمد بن عبد الله .. هو رسول الله .. ونبيه .. وعبده ..
نعم ..
هو سيد ولد آدم .. والشافع يوم الحشر .. لكنه كما قال الله : ] قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين [ ..
فكونه بشراً .. لا ينقص من قدره ..
وقد بلغ رسالة ربه .. وتحمل الأذى .. حتى نصره الله .. وبلغ دينه ..
فما هو حق الرسول على أمته ؟
أهو إنشاد المدائح مع ما فيها من الغلو .. ؟؟
كلا .. فقد نهى عن ذلك فقال كما في الصحيحين : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله ) ..
أم حقه .. في إقامة الموالد والاحتفال بالإسراء والمعراج .. ؟؟
كلا .. فقد نهى عن ذلك فقال كما في الصحيحين : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ ) ..
أم حقه .. في الاستغاثة به .. ودعائه من دون الله ؟
أو الطواف على قبره .. أو الحلف باسمه من دون الله ..
كلا .. كلا ..
فهذا كله من الشرك بالله ..
إذن .. ما هي حقوقه على أمته ؟


* * * * * * * * * *

أول الحقوق :
اعتقاد أنه عبد رسول ..
وتقديم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين ..
مع توقيره وإجلاله .. عليه الصلاة والسلام ..
قال الله ] فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون [ ..
ومن حقوقه :
تصديقه فيما أخبر .. فهو لا ينطق عن الهوى ..
وتأمل في حال الصحابة معه في ذلك ..
لما توسع بالفتوحات وبدأ ينتشر الإسلام ..
جعل يرسل الدعاة من عنده لدعوة القبائل إلى الإسلام .. وربما احتاج الأمر أن يرسل جيشاً ..
وكان عدي بن حاتم الطائي .. ملكاً ابن ملك ..
فوقع بين قبيلته " طي " وبين المسلمين حرب .. وكان عدي قد هرب من الحرب فلم يشهدها .. واحتمى بالروم في الشام ..
وصل جيش المسلمين إلى ديار طيء ..
كانت هزيمة طيء سهلة .. فلا ملك يقود .. ولا جيش مرتب ..
وكان المسلمون في حروبهم .. يحسنون إلى الناس .. ويعطفون وهم في قتال ..
كان المقصود صد كيد قوم عدي عن المسلمين .. وإظهار قوة المسلمين لهم ..
أسر المسلمون بعض قوم عدي .. وكان من بينهم أخت لعدي بن حاتم ..
مضوا بالأسرى إلى المدينة .. حيث رسول الله .. وأخبروا النبي بفرار عدي إلى الشام ..
فعجب من فراره !! كيف يفر من الدين ؟ كيف يترك قومه ؟
ولكن لم يكن إلى الوصول إلى عدي سبيل ..
لم يطب المقام لعدي في ديار الروم .. فاضطر للرجوع لديار العرب .. ثم لم يجد بداً من أن يذهب إلى المدينة للقاء النبي ومصالحته .. أو التفاهم على شيء يرضيهما .. يقول عدي وهو يحكي قصة ذهابه إلى المدينة :
ما رجل من العرب كان أشد كراهة لرسول الله مني ..
وكنت على دين النصرانية ..
وكنت ملكاً في قومي لما كان يصنع بي .
فلما سمعت برسول الله كرهته كراهية شديدة ..
فخرجت حتى قدمت الروم على قيصر ..
قال : فكرهت مكاني ذلك ..
فقلت : والله لو أتيت هذا الرجل .. فإن كان كاذباً لم يضرني .. وإن كان صادقاً علمت ..
فقدمت فأتيته .. فلما دخلت المدينة جعل الناس يقولون : هذا عدي بن حاتم .. هذا عدي بن حاتم ..
فمشيت حتى أتيت فدخلت على رسول الله في المسجد فقال لي : عدي بن حاتم ؟
قلت : عدي بن حاتم ..
فرح النبي بمقدمه .. واحتفى به .. مع أن عدياً محارب للمسلمين وفارٌ من الحرب .. ومبغض للإسلام .. ولاجئٌ إلى النصارى .. ومع ذلك لقيه بالبشاشة والبشر .. وأخذ بيده يسوقه معه إلى بيته ..
عدي وهو يمشي بجانب النبي يرى أن الرأسين متساويان ..!!
فمحمد ملك على المدينة وما حولها .. وعدي ملك على جبال طي وما حولها ..
ومحمد على دين سماوي " الإسلام " .. وعدي على دين سماوي " النصرانية " ..
ومحمد عنده كتاب منزل " القرآن " .. وعدي عنده كتاب منزل " الإنجيل " ..
كان عدي يشعر أنه لا فرق بينهما إلا في القوة والجيش ..
في أثناء الطريق وقعت ثلاثة مواقف :
بينما هما يمشيان إذا بامرأة قد وقفت في وسط الطريق فجعلت تصيح : يا رسول الله .. لي إليك حاجة ..
فانتزع النبي يده من يد عدي ومضى إليها .. وجعل يستمع إلى حاجتها ..
عدي بن حاتم .. الذي قد عرف الملوك والوزراء جعل ينظر إلى هذا المشهد .. ويقارن تعامل النبي مع الناس بتعامل من رآهم من قبل من الرؤساء والسادة ..
فتأمل طويلاً ثم قال : والله ما هذه بأخلاق الملوك .. هذه أخلاق الأنبيااااااء ..
وانتهت المرأة من حاجتها .. فعاد النبي إلى عدي .. ومضيا يمشيان .. فبينما هما كذلك .. فإذا برجل يقبل على النبي ..
فماذا قال الرجل ؟ هل قال : يا رسول الله عندي أموال زائدة أبحث لها عن فقير ؟! أم قال : حصدت أرضي وزاد عندي الثمر .. فماذا أفعل به ؟
يا ليته قال شيئاً من ذلك .. لعل عدياً إذا سمعه يشعر بغنى المسلمين وكثرة أموالهم ..
قال الرجل : يا رسول الله .. أشكو إليك الفاقة والفقر ..
ما يكاد هذا الرجل يجد طعاماً يسد به جوعة أولاده .. ومن حوله من المسلمين يعيشون على الكفاف ليس عندهم ما يساعدونه به ..
قال الرجل هذه الكلمات وعدي يسمع .. فأجابه النبي بكلمات ومضى ..
فلما مشيا خطوات .. أقبل رجل آخر .. قال : يا رسول الله أشكو إليك قطع الطريق !!
يعني أننا يا رسول الله لكثرة أعدائنا حولنا لا نأمن أن نخرج عن بنيان المدينة لكثرة من يعترضنا من كفار أو لصوص ..
أجابه النبي بكلمات ومضى ..
جعل عدي يقلب الأمر في نفسه .. هو في عز وشرف في قومه .. وليس له أعداء يتربصون به ..
فلماذا يدخل هذا الدين الذي أهله في ضعف ومسكنة .. وفقر وحاجة ..
وصلا إلى بيت النبي .. فدخلا .. فإذا وسادة واحدة فدفعها النبي إلى عدي إكراماً له .. وقال : خذ هذه فاجلس عليها .. فدفعها عدي إليه قال : بل اجلس عليها أنت .. فقال: بل أنت .. حتى استقرت عند عدي فجلس عليها ..
عندها .. بدأ النبي يحطم الحواجز بين عدي والإسلام ..
يا عدي أسلم .. تسلم .. أسلم تسلم .. أسلم تسلم ..
قال عدي : إني على دين ..
فقال : أنا أعلم بدينك منك ..
قال : أنت تعلم بديني مني ؟
قال : نعم .. ألست من الركوسية ..
والركوسية ديانة نصرانية مشرّبة بشيء من المجوسية .. فمن مهارته في الإقناع أنه لم يقل ألست نصرانياً .. وإنما تجاوز هذه المعلومة إلى معلومة أدق منها .. فأخبره بمذهبه في النصرانية تحديداً ..
كما لو لقيك شخص في أحد بلاد أوروبا وقال لك : لماذا لا تتنصر ؟ فقلت : إني على دين ..
فلم يقل لك : ألست مسلماً .. ولم يقل : ألست سنُيّاً .. وإنما قال : ألست شافعياً .. أو حنبلياً ..
عندها ستدرك أنه يعرف كل شيء عن دينك ..
فهذا الذي فعله المعلم الأول مع عدي .. قال : ألست من الركوسية ..
فقال عدي : بلى ..
فقال : فإنك إذا غزوت مع قومك تأكل فيهم المرباع ؟
قال : بلى ..
فقال : فإن هذا لا يحل لك في دينك ..
فتضعضع لها عدي .. وقال : نعم ..
فقال : أما إني أعلم الذي يمنعك من الإسلام ..
أنك تقول : إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة لهم ..
وقد رمتهم العرب ..
يا عدي .. أتعرف الحيرة ؟
قلت : لم أرها وقد سمعت بها ..
قال : فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد ..
أي سيقوى الإسلام إلى درجة أن المرأة المسلمة الحاجة تخرج من الحيرة حتى تصل إلى مكة ليس معها إلا محرم .. من غير أحد يحميها .. وتمر على مئات القبائل فلا يجرؤ أحد أن يعتدي عليها أو يسلبها مالها .. لأن المسلمين صار لهم قوة وهيبة .. إلى درجة أن أحداً لا يجرؤ على التعرض لمسلم خوفاً من انتصار المسلمين له ..
فلما سمع عدي ذلك .. جعل يتصور المنظر في ذهنه .. امرأة تخرج من العراق حتى تصل إلى مكة .. معنى ذلك أنها ستمر بشمال الجزيرة .. يعني ستمر بجبال طي .. ديار قومه ..
فتعجب عدي وقال في نفسه : فأين عنها ذُعّار طي الذين سعروا البلاد !!
ثم قال : وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز ..
قال : كنوز ابن هرمز ؟
قال : نعم كسرى بن هرمز .. ولتنفقن أمواله في سبيل الله ..
قال : ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج بملء كفه من ذهب أوفضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه ..
يعني من كثرة المال يخرج الغني يطوف بصدقته لا يجد فقيراً يعطيه إياها ..
ثم بدأ يعظ عدياً ويذكره بالآخرة .. فقال :
وليلقين اللهَ أحدُكم يوم يلقاه ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم ، وينظر عن شماله فلا يرى إلا جهنم " ..
سكت عدي متفكراً ..
ففاجأه e قائلاً : يا عدي .. فما يفرك أن تقول لا إله إلا الله ؟.. أو تعلم من إله أعظم من الله ؟!
قال عدي : فإني حنيف مسلم .. أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
فتهلل وجه النبي فرحاً مستبشراً ..
قال عدي بن حاتم :
فهذه الظعينة تخرج من الحيرة تطوف بالبيت في غير جوار ..
ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى ..
والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله قد قالها " .. .
انظر إلى تصديق عدي t الجازم .. ثم انظر إلى تشكيك قوم من بني جلدتنا في أخبار السنة النبوية ..


* * * * * * * * *

ومن حقوقه :
الصلاة والسلام عليه .. قال الله : ( إنَّ الله وملائكته يُصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) ..
وتتأكد :
عند ذكره .. فقد قال : "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي .. " رواه الترمذي وقال : حسن غريب ..
وعند سماع المؤذن .. روى مسلم أنه قال : "إذا سمعتم مؤذناً فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي " ..
وعند دخول المسجد والخروج منه .. فإذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال : ( اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك ) رواه أحمد ..
وتستحب الصلاة عليه عند ختم الدعاء .. لقول عمر ما رواه الترمذي بسند صحيح : " الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك " ..
ويتأكد الإكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة وليلتها .. قال فيما :"من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، ففيه خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي " ..


* * * * * * * * *

ومن حقوقه :
معرفة سيرته .. وتعداد فضائله ومعجزاته .. وتعريف الناس بسنته ..
بشرط الابتعاد عن الغلو والإطراء المحظور ..
ومن حقوقه :
العمل بشريعته .. والتأسّي بسنته ..
وتبليغ رسالته .. والبعد عن معصيته ومخالفته ..
واتباعه في ظاهره وباطنه ..
اتباع سنته .. والاقتداء به في أفعاله .. وأقواله ..
بل وحتى في طريقة أكله .. وشربه .. ونومه .. وفي جميع شئونه ..
فإذا سمعت قوله : ( خالفوا اليهود أعفوا اللحى وحفوا الشوارب ) أطعت واتبعت ..
وإذا سمعت قوله : ( ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار ) سارعت إلى تنفيذ أمره ..
وقد قال الله : ] لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً [ ..
بل .. إذا نهاك عن سماع الغناء .. أو أكل الربا .. أو حثك على بر الوالدين .. أو الصدقة .. سارعت إلى هذه القربات .. راضياً فرحاً مستبشراً ..
قال عز وجلَّ : ( إنما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ) ..
وقال سبحانه : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شَجَرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويُسلموا تسليماً ) ..


ومن حقوقه:



طاعته والتحاكم إليه :

قال تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) ..
وقد أمر الله بطاعة نبيه في أكثر من ثلاثين موضعًا من القرآن .. كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله ..
بل بين الله تعالى أن دخول الجنة .. مقيد بطاعته ..
قال عز وجل : ] ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً[ ..
وقال فيما رواه البخاري : " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " ..
قالوا : يا رسول الله ومن يأبى ؟ .. قال : " من أطاعني دخل الجنة .. ومن عصاني فقد أبى " ..
وبعض المسلمين اليوم .. تقول لهم : قال رسول الله ..
فيقولون لك : قال الشيخ فلان .. وفلان ..
سبحان الله يعلمون كلام رسولهم الذي لا ينطق عن الهوى ثم يلتفتون إلى كلام غيره ..!!
والله تعالى يقول معلماً ومؤدباً لنا :
] يا أيها الذين آمنوا لا تُقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم . يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون [ ..
ولقد سمع الصحابة هذه الآيات .. فتأدبوا مع رسولهم .. فما منهم أحد يعترض .. أو حتى يدلي برأي ما لم يطلب منه الرسول ذلك ..
بل يقوم فوق رؤوسهم وهم مائة ألف في حجة الوداع .. في يوم النحر .. يومِ عيد الأضحى .. ثم يسألهم :
أي يوم هذا .. ؟ أي شهر هذا .. ؟ أي بلد هذا .. ؟
فيقولون : الله ورسوله أعلم ..
نعم .. يسألهم .. وهم يعرفون الجواب ..
لكنهم يقولون : الله ورسوله أعلم .. تأدباً معه..


* * * * * * * * * *

فمن جاءه الأمر من الله .. أو من رسوله .. فالواجب عليه الطاعة والتسليم ..
ولا يحل له الاعتراض .. أو البحثُ عن مخارج وحيل ..
روى مسلم عن ابن عمر أن :
الناس كانوا يصلون إلى بيت المقدس .. زماناً .. فلما حولت القبلة إلى الكعبة .. وأنزلت الآيات في ذلك .. أقبل رجل من عند رسول الله إلى الناس في مسجد قباء .. فوجدهم في يصلون الصبح .. فصاح بهم وقال :
إن رسول الله قد أنزل عليه الليلة .. وقد أُمر أن يستقبل الكعبة ..
فما كاد الرجل يتم كلماته ..
حتى استداروا وهم في صلاتهم .. واستقبلوا الكعبة ..
نعم .. نفذوا الأمر أثناء الصلاة .. دون تردد أو إبطاء ..


* * * * * * * * * *

بل .. روى البخاري عن أنس قال :
كنتُ ساقي القوم في بيتِ أبي طلحة يعني يسقيهم الخمر .. وذلك قبل أن تحرم ..
قال : وإني لقائمُ أسقي فلاناً وفلاناً وفلانا ..
إذ جاء رجلُ فقال : هل بلغَكم الخبر ؟
قالوا : وما ذاك ؟
قال : لقد حُرمتِ الخمر .. وقد أمر رسولُ الله منادياً ينادي ألا إن الخمرَ قد حُرمت ..
ثم قرأ عليهم الآية : ( يا أيها .. فهل أنتم منتهون ) ؟
فلما سمعوا الآية .. والله إن بعض القوم كانت شربته في يده .. فلم يرفعها إلى فيه ..
بل أراق ما في كأسه وقال : انتهينا ربنا .. انتهينا .
ثم التفتوا إلى قلال الخمر .. وجعلوا يكسرونها ..
فما سألوا عنها .. ولا راجعوها بعد خبرِ الرجل ..
نعم ..
وما دخلَ داخلٌ .. ولا خرجَ خارج .. حتى اهراقوا الشراب .. وكسروا القلال ..
ثم توضئ بعضهم .. واغتسل آخرون ..
ثم تطيبوا .. وخرجوا إلى المسجدِ يخوضونَ في الخمر ..
قد جرت بها سكِك المدينة ..
لم يقولوا تعودنا عليه منذ سنين .. وورثناها عن آبائنا ..
وما تكونت عصابات لتصنيع الخمر وترويجه ..
كلا .. فهم مسلمون .. مستسلمون لأمر خالقهم عز وجلَّ ..


* * * * * * * * * *

ومن أكبر الحقوق :
الذب عن سنته ..
وعدم السخرية بشيء من هديه ..
أو التنقص ممن يحرص على السنة في ملبسه وهيئته ..
بل إن الاستهزاء من أصحاب السنة .. هو من صفات المنافقين ..
قال الله لنفر من المستهزئين : ] ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم [ ..


* * * * * * * * * *





وختاماً ..



أيها الأخوة والأخوات ..


قد تبين لنا أن حقوق رسول الله r .. أجل وأعظم ..


وأكرم وألزم .. من حقوق السادات على مماليكهم ..


والآباء على أولادهم ..


فهو الذي أنقذنا الله به من النار .. وهدانا به من الضلالة ..

نسأل الله عز وجل أن يرزقنا شفاعة نبيه..
اللهم لا تحرمنا أجره .. ولا تفتنا بعده ..
وأسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً ..


آمين .. آمين ..

عاشقة الفردوس الأعلى
14-10-2009, 10:05 AM
صلى الله عليك يا علم الورى ما لاح صبح أو بدا إشراق

العريفي

ومن منا يجهله

أو لا يستمتع بقراءة كتبه القيمة

جزاه الله عنا خير الجزاء

جود الحزن

دعواتي الخالصة لك بالتوفيق و النجاح

سدد الله على طريق الخير خطاك

دمت بود

جميل الثبيتي
14-10-2009, 01:24 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بأبي هو وأمي حبيب قلبي محمد صلى الله عليه وسلم

جود اجدت ونقلت الثمين الثمين الثمين

رفع ربي قدرك وحفظك من كل سوء

غرابيــل
19-10-2009, 05:07 PM
الله يجزاكم الف خير..

نورتوا ..الموضوع بتواجدكم..

ربي يعطيكم العافيه,,

لاخلا ولا عدم,,

قطرات امل
28-12-2009, 04:09 PM
جزاك ربي كل خير

كاسب العز
19-05-2010, 04:26 PM
بارك الله فيك

لك مني أجمل تحية

تقبل مرورى

كاسب العز