المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقابر - قصة قصيرة



محمد حرفوش
14-07-2009, 04:50 PM
المقابر
كان الخلاف بين العائلتين قد اتسع كثيرا حين بدأ المرض

يفتك بها,ولم تكن يوما سببا فيه,ولم يكن حرمانها من

الأولاد كذلك,لكن حين اشتد ذلك المرض كان الخلاف ينمو

ويكبر بينهماويتجه بعيدا عنها وعن معرفتها إلى الكتمان

والسريّة التامة بحيث لم يعد أحد يخبرها إلى أين

وصل,فاعتقدت أن الأمور قد آلت إلى التسويةوأن العائلتين

قد عاد الصفاء والود إليهما,فكانت تكتم فرحتها وتحمدالله

وتشكره,وأحيانا كثيرة تسلي نفسها وتعزيهابما تمّ

بينهما.فالمرض والحرمان من الأولاد قدرها الذي تركن

إليه,لكن العداوة بين أهلها وأهل زوجها من فعل الشيطان .

إلاّ أن المرض كان يتربص بهذا الفرح في أغلب

الأوقات,فتبدأ لآلام تنهش جسدها,والإشاعات عن موتها

القريب بدأت تزداد وتتسع وخصوصا بين أهل زوجها,وهذا

ما كان يؤجج نار الحقد والكراهية لدى أهلها,فهي ما تزال

صغيرة على الموت كما يعتقدون,وهذا النوع من الأمراض

وقع فيه الكثيرون,وامتدت أعمارهم إلى المائة وبعضها

زاد,فهذه الإشاعات من تأليف أهل زوجها لأنهم يريدون

الخلاص منها,إذ لم يستفيدوا منها شيئا,لم تخلف الأولاد كما

كانوا يريدون أو على الأقل مثل كل النساء,وعلاج مرضها

يكلفهم الكثير,وهم لا يتأففون أ ويضجرون من تلك

المصاريف بخلا,وإنماهي رغبتهم في الحفاظ على ماجناه

زوجها وأولاد ضرتها,حتى أن الطلب الذي أرسله أهلها إلى

زوجها ويعرضون فيه أن يتكفلوا نفقات العلاج ,وأن

يعالجوها وهي تحت رقابتهم ورعايتهم لم يخفف من حدة

تلك الخلافات ومن وطـأة الآلام والأوجاع عليها,بل إن

ذكرياتها بدأت تتدفق من أقاصي طفولتها,تتذكر النعاج

والإبل ولهيب الرمال في الصيف فيعجبها ذلك وتبتسم دون

أن يعرف أحد ماالذي يفرحها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة

وتنعم بعودتها إلى زوايا الفرح البعيدة,وهذا ما أكد لزوجها

قرب رحيلها,فأخفى هو الآخر فرحه الشيطاني الذي

راوده ,وحزنه الذي بدأ يسيطر على ملامحه,فاستحضر

وبعنف شديد حياتها البائسة وعذابها وتأثر كثيرا لأمنيتها

التي لم تتحقق,فانتبه إلى جمالها وفتنتها,أحس أنه يراها

لأول مرة,فتملكه حب جديد,ولم يخفِ ذلك عن أحد بل حاول

وربما قاصداً- أن يبث خبر هذا الحب,فأسرَّلأحد خاصته أنه

كان يحبها كثيراً ويدعو الله أن يرزقها ولو بنتاً,لكنه سلّم

بقدرالله سبحانه ,وتعمق ذلك التسليم بعد شهقتها الأخيرة

التي أكد الكثيرون ممن كانوا حولها أنهم لم يشعروا بها إلاّ

بعد مرور وقت ليس بقليل.والحقيقة التي فجرت غضب

أهلها ودعتهم إليها مسرعين هي ذاتها التي أبكتهم

وأعادتهم إلى صوابهم لكنهم لن يتركوا الأمر هكذا ,فها هي

قد عاشت عمرها محرومة ذليلة منبوذة بينهم,فقرروا

مجتمعين أن يدفنوها في مقبرتهم التي يرقد فيها آباؤهم

وأجدادهم بعيداً عن هؤلاء وظلمهم ,لذلك انتظروا نعشها

خارج البيت وحين خرج بها الناس وأهل زوجها تسارعوا

إلى حمل النعش وما هي إلاّ مسافة قصيرة على طريق

مقبرتهم حتى فطن أهل زوجها إلى ما يكنّ هؤلاء,فاعتبروا

ذلك إهانة لهم واعتداء على حرماتهم و كراماتهم فاندسوا

تحت النعش وحملوه واتجهوا صوب مقبرتهم التي يسكن

فيها أعز من لديهم وأشرس من جابه هؤلاء وأوقفهم عند

حدودهم في كثير من المواقف وظل النعش يمشي يمنة مرة

ويسرة مرة أخرى دون أن يدري الناس ماذا يجري حتى

اقترب النعش من مكان تتحدد فيه وجهته النهائية,ولابد من

حل عاجل.لذلك أنزلوا النعش إلى الأرض واتجه الفريقان إلى

وجوه بعضهم وما تلتقطه أيديهم من حجارة في سبيل قذفها

إلى أجساد ربما لن تخطئها مما دفع الناس المرافقين إلى

إبعاد الفريقين عن بعضهما,فاقترحوا مكاناُ لايرضي الطرفين

لكنه يحل مشكلة ربما تنمو وتكبر,وبينما كانت الجثة تهبط

إلى مرقدها وبيتها الأخير كان قبر جديد يحفر لجثة

أخرى,ونعشان آخران يجهزان للسير بهما إلى مقبرتين

مختلفتين,وأغصان جديدة تنبت للعداوات والأحقاد.

يتم
18-07-2009, 03:16 AM
؛



قصة مذهله يا محمد ..لابلي حسك




.

فدوى4
12-01-2010, 06:02 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

كاسب العز
21-02-2010, 05:22 PM
رائعه

الله يعيطك العافية

محمد حرفوش
22-02-2010, 01:29 AM
شكرا لكم
شكرا لذوقكم الرفيع

سـامـيـه
16-05-2010, 03:56 PM
قصده راااائعه ... شكرا لك

مشجعة الهلال
19-05-2010, 10:17 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .