المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تذكير المسلمين باتباع سيد المرسلين



عطر طيبه
03-07-2009, 01:50 AM
المؤلف: عبد الله بن جار الله الجار الله




بسم الله الرحمن الرحيم

وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
[سورة الحشر: 7].#

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد له رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن التمسك بسنة رسول الله  والعمل بها هو الصراط المستقيم الذي أمرنا الله به في كتابه وعلى لسان رسوله عليه الصلاة وا لسلام وحذرنا من مخالفته ووعد من أطاع الرسول بسعادة الدنيا والآخرة كما توعد من خالفه بشقاوة الدنيا والآخرة، قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( )، وقال تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا( )، ولا يتم للمسلم تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بطاعة نبيه  التي منها إعفاء اللحية وقص الشارب وتقصير الملابس فوق الكعبين وسوف يسأل الإنسان في قبره من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ولا يفوز بالإجابة الصحيحة إلا من كان في هذه الحياة مطيعا لله ولرسوله  ومطبقا لتعاليم الإسلام فإنه إذا سئل ثبته الله بالقول الثابت فيقول ربي الله والإسلام ديني ومحمد نبيي. أما من حاد في هذه الحياة عن طاعة الله وطاعة نبيه ولم يعمل بشرائع الإسلام فإنه إذا سئل في قبره عن ربه وعن دينه ونبيه يقول هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، وسوف يسئل الأولون والآخرون يوم القيامة ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ ولا يستطيع الفوز بالإجابة الصحيحة إلا من تاب في هذه الحياة في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات وآمن بالله وأمره ونهيه وثوابه وعقابه وعمل عملا صالحا خالصا لله موافقا لسنة
نبيه  قال تعالى: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ *
فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ * فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ( ) وهذه الرسالة التي تقدم لها [تذكير المسلمين باتباع سيد المرسلين ] تضمنت الحث على طاعة رسول الله  واتباع سنته والعمل بها، والتحذير من مخالفتها مع ذكر الأدلة من الكتاب والسنة على ذكر الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك، وذكر الأجر والثواب المرتب على ذلك وحسن عاقبته والذكرى تنفع المؤمنين.
فيجب أن نتخلق بأخلاق نبينا محمد  ونتأدب بآدابه ونعمل بسنته ونطيعه في أمره ونتجنب ما نهانا عنه لأنه عليه الصلاة والسلام قدوتنا وإمامنا وأسوتنا لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا( )
فإذا فعلنا ذلك أفلحنا ونجحنا وسعدنا وفزنا في الدنيا والآخرة واهتدينا كما قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا( ) فما أمر به النبي  وجب اتباعه وما نهى عنه وجب اجتنابه وما أمر به صص فقد أمر الله به وما نها عنه فقد نها الله عنه وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى( ) ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن يعص الرسول فقد عصى الله قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [سورة النساء آية 80] فهنيئا لمن أطاع الله ورسوله بالفوز العظيم والثوبا الجسيم في جوار الرب الكريم قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا( ) وبذلك يكون المسلم قد حقق شهادة أن لا إله إلى الله وأن محمدا رسول الله ويكون قد رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد  نبيا ورسولا وبطاعة الله ورسوله يكون المرء صادقا في محبته لله ورسوله فإن المحبة تستلزم الانقياد والمتابعة والموافقة بل هي شرط فيها قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( ) فأوجب اتباع الرسول محبة الله لمن اتبعه ومغفرة ذنوبه برحمة الله الغفور الرحيم.
أما من ادعى محبة الله وهو مقيم على معصية الله ومعصية رسوله فهو كاذب في دعواه محبة الله ورسوله، هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الرسالة من ألفها أو طبعها أو قرأها أو سمعها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
المؤلف في 15 /1/ 1410هـ.




وجوب معرفة هدي الرسول صلى الله عليه وسلم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وسفيره بينه وبين عباده، المبعوث بالدين القويم. والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإماما للمتقين، وحجة على الخلائق أجمعين. ارسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته وتعزيره( ) وتوقيره ومحبته، والقيام بحقوقه، وسد دون جنته الطرق، فلن تفتح لأحد إلا من طريقه، فشرح له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره. ففي "المسند" من حديث أبي منيب الجرشي، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : "بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شيك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم، فهو منهم"( ) وكما أن الذلة مضروبة على من خالف أمره: فالعزة لأهل طاعته ومتابعته، قال الله سحبانه: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139]. وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8]، وقال تعالى: فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ [محمد: 35]. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 64] أي: الله وحده كافيك، وكافي أتباعك، فلا تحتاجون معه إلى أحد.
والمقصود أنه بحسب متابعة الرسول  تكون العزة والكفاية والنصرة، كما أنه بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاة، فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والامن، والفلاح والعزة، والكفاية والنصرة، والولاية والتأييد. وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة والصغار، والخوف والضلال، والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة.
وقد أقسم  بأن "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هو أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"( ) وأقسم الله سبحانه بأن لا يؤمن من لا يحكمه في كل ما تنازع فيه هو وغيره، ثم يرضى بحكمه، ولا يجد في نفسه حرجا مما حكم به ثم يسلم له تسليما، وينقاد له انقيادا( ). وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب: 36]. فقطع سبحانه وتعالى التخيير بعد أمره وأمر رسوله، فليس لمؤمن أن يختار شيئا بعد أمره ، بل إذا أمر، فأمره حتم، وإنما الخيرة في قول غيره إذا خفي أمره، وكان ذلك الغير من أهل العلم به وبسنته، فبهذه الشروط يكون قول غيره سائغ الاتباع، لا واجب الاتباع، فلا يجب على أحد اتباع قول أحد سواء، بل غايته أنه يسوغ له اتباعه،
ولو ترك الأخذ بقول غيره، لم يكن عاصيا لله ورسوله. فأين هذا ممن يجب على جميع المكلفين اتباعه، ويحرم عليهم مخالفته، ويجب عليهم ترك كل قول لقوله؟ فلا حكم لأحد معه، ولا قول لأحمد معه، كما لا تشريع لأحد معه، وكل من سواه، فإنما يجب اتباعه على قوله إذا أمر بما أمر به، ونهى عما نهى عنه، فكان مبلغا محضا ومخبرا لا منشئا ومؤسسا، فمن أنشأ أقوالا، واسس قواعد بحسب فهمه وتأويله، لم يجب على الأمة اتباعها، ولا التحاكم إليها حتى تعرض على ما جاء به الرسول، فإن طابقته، ووافقته، وشهد لها بالصحة، قبلت حينئذ، وإن خالفته، وجب ردها واطراحها، فإن لم يتبين فيها أحد الأمرين. جعلت موقوفة. وكان أحسن أحوالها أن يجوز الحكم والإفتاء بها وتركه. وأما أنه يجب ويتعين، فكلا، ولما.
ومن هاهنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول، وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا، ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث علىالتفصيل إلا من جهتهم، ولا ينال رضي الله البتة إلا على أيديهم، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق، ليس إلا هديهم وما جاءوا به، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها، فأي ضرورة وحاجة فرضت، فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير. وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة عين، فسد قلبك، وصار كالحوت إذا فارق الماء، ووضع في المقلاة، فحال العبد عندمفارقة قلبه لما جاء به الرسل، كهذه الحال، بل أعظم، ولكن لا يحس بهذا إلا قلب حي و
ما لجرح بميت إيلام( )
وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بهدي النبي ، فيجب على كل #
من نصح نفسه، وأحب نجاتها وسعادتها، أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين، ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه، والناس في هذا بين مستقل، ومستكثر، ومحروم، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم( ).
معنى شهادة أن محمدًا رسول الله ومقتضاها
الحمد لله الذي ارسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله  وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيدا.
أما بعد: فمن المعلوم أن معنى أشهد أن محمدا رسول الله. الإقرار بأنه رسول من عند الله، واعتقاد ذلك في القلب، ومقتضى هذه الشهادة يتلخص في أربعة أمور: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع، فإذا شهدت أنه رسول الله وجب عليك أن تطيعه فيما يأمرك به، وأن تجتنب ما نهاك عنه، وأن تصدقه فيما يخبر به عن الله تعالى وعن الغيوب الماضية والمستقبلة، وأن لا تتقرب بشيء من العبادات إلا إذا كان موافقا لشريعته، فتترك البدع والمحدثات وتترك الأقوال المخالفة لسنته مهما بلغ قائلها من العلم والفقه، فكل منا يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ، يقول الإمام مالك بن أنس رحمه الله:كلنا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، يعني رسول الله ، وقال الإمام محمد بن دريس الشافعي رحمه الله، أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله  لم يكن له أن يدعها لقول أحد، ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( ) أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك والله تعالى يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( ) عباد الله: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد  وشر الأمور محدثاتها.... إلخ( )




قاعدة
في طريقة القرآن في تقرير نبوة محمد :
هذا الأصل الكبير: قرره الله في كتابه بالطرق المتنوعة التي يعرف بها كمال صدقه  فأخبر أنه صدق المرسلين، ودعا إ لى ما دعوا إليه، وأن جميع المحاسن التي في الأنبياء في نبينا محمد  وما نزهوا عنه من النقائص والعيوب، فرسولنا محمد أولاهم وأحقهم بهذا التنزيه. وأن شريعته مهيمنة على جميع الشرائع، وكتابه مهيمن على كل الكتب. فجميع محاسن الأديان والكتب قد جمعها الله في هذا الكتاب وهذا الدين، وفاق عليها بمحاسن وأوصاف. لم توجد في غيره. وقرر نبوته بأنه أمي لا يكتب ولا يقرأ، ولا جالس أحدا من أهل العلم بالكتب السابقة، بل لم يفجأ الناس إلا وقد جاءهم بهذا الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما أتوا ولا قدروا، ولا هو في استطاعتهم ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.وأنه محال مع هذا أن يكون من تلقاء نفسه، أو أن يكون قد تقوله على ربه أو أن يكون على الغيب ظنينا.
وأعاد في القرآن وأبدى في هذا النوع وقرر ذلك بأنه يخبر بقصص الأنبياء السابقين مطولة على الوجه الواقع، الذي لا يستريب فيه أحد ثم يخبر تعالى: أنه ليس له طريق ولا وصول إلى هذا إلا بما آتاه الله من الوحي، كمثل قوله تعالى لما ذكر قصةموسى مطولة (8: 46 وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر) ولما ذكر قصة يوسف وإخوته مطولة قال (13: 102 وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون).
فهذه الأمور والإخبارات المفصلة التي يفصلها الرسول بما أوحي إليه تفصيلا، صحح به أكثر الأخبار والحوادث التي كانت في كتب أهل الكتاب محرفة ومشوهة بما أضافوا إليها من خرافات وأساطير، حتىما يتعلق منها بعيسى وأمه وولادتهما ونشأتهما، وبموسى وولادته ونشأته، كل ذلك وغيره لم يكن يعرفه أهل الكتاب على حقيقته حتى جاء القرآن. فقص ذلك علىما وقع وحصل. مما أدهش أهل الكتاب#
وغيرهم، وأخرس ألسنتهم حتى لم يقدر أحد منهم ممن كن في وقته، ولا ممن كانوا بعد ذلك –أن يكذبوا بشيء منها، فكان ذلك من أكبر الأدلة على أنه رسول الله حقا.
وتارة يقرر نبوته بكمال حكمة الله، وتمام قدرته. وأن تأييده لرسوله ونصره على أعدائه، وتمكينه في الأرض هو مقتضى حكمة ورحمة العزيز الحكيم وأن من قدح في رسالته فقد قدح في حكمة الله، وفي قدرته، وفي رحمته، بل وفي ربوبيته.
وكذلك نصره وتأييده الباهر لهذا النبي على الأمم الذين هم أقوى أهل الأرض من آيات رسالاته، وأدلة توحيده. كما هو ظاهر للمتأملين.
وتارة يقرر بنوته ورسالته بما جمع له وكمله به من أوصاف الكمال، وما هو عليه من الأخلاق الجميلة، وأن كل خلق علا سام فلرسول الله  أعلاه وأكمله.
فمن عظمت صفاته، وفاقت نعوته جميع الخلق، التي أعلاها: الصدق والأمانة، أليس هذا أكبر الأدلة على أنه رسول رب العالمين، والمصطفى المختار من الخلق أجمعين.
وتارة يقررها بما هو موجود في كتب الأولين، وبشارات الأنبياء والمرسلين السابقين، إما باسمه اللقب أو بأوصافه الجليلة، وأوصاف أمته وأوصاف بيئته. كما في قوله تعالى (61: 6 وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ).
وتارة يقرر رسالته بما أخبره به من الغيوب ا لماضية والغيوب المستقبلة، التي وقعت في زمان، مضى على زمانه أو وقعت في زمانه والتي لا تزال تقع في كل وقت فلولا الوحي ما وصل إليه شيء من هذا، ولا كان له ولا لغيره طريق إلى العلم به.
وتارة يقررها بحفظه إياه وعصمته له من الخلق، مع تكالب الأعداء وضغطهم عليه، وجدهم التام في الإيقاع به بكل ما في وسعهم. والله يعصمه ويمنعه منهم وينصره عليهم. وما ذاك إلا لأنه رسوله حقا، وأمينه على وحيه والمبلغ
ما أمر به.
وتارة يقرر رسالته بذكر عظمة ما جاء به، وهو القرآن الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ( ) ويتحدى أعداءه ومن كفر به أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة واحدة فعجزوا ونكصوا وباءوا بالخيبة والفشل. وهم أهل اللسن المبرزون في ميدان القول والفصاحة، ومع ذلك ما استطاعوا –مع شدة حرصهم ومحاولتهم- أن يأتوا بسورة منه وما استطاعوا ولا قدروا- مع شدة حرصهم ومحاولتهم- أن يجدوا فيه نقصا أو عيبا ينزل به عن أعلى درجات الفصحاة التي ملكت أزمة قلوبهم فلجأوا إلى السيف وإراقة دمائهم، وما كانوا يعمدون إلى هذا لولا أنهم لم يجدوا سبيلا إلى محاربته بالقول، وما كانوا يزعمونه عندهم علوما وحكما فكان عدو لهم إلى السيف وإراقة الدماء أكبر الأدلة على صدق الرسول، وأنه لا ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى، وأقطع البراهين على أنه الحق والهدى من عند الله الذي جمع الله فيه لرسوله وللمؤمنين به كل ما يكفل لهم سعادة الدنيا والآخرة في كل شئونهم. وأن هذا القرآن لأكبر أدلة رسالته وأجلها وأعمها.
والله تعالى يقرر أن القرآن كاف جدا أن يكون هوالدليل الوحيد على صدق رسوله  في مواضع عدة. منها قوله 29: 51 أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
وتارة يقرر رسالته بما أظهر على يديه من المعجزات، وما أجرى له من الخوارق والكرامات، الدال كل واحد منها بمفدره- فكيف إذا اجتمعت – على أنه رسول الله الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
وتارة يقررها بعظيم شفقته  على الخل، وحنوه الكامل على أمته، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم. وأنه لم يوجد ولن يوجد أحد من الخلق أعظم شفقة ولا برا وإحسانا إلى الخلق منه. وآثار ذلك ظاهرة للناظرين.
فهذه الأمور والطرق قد أكثر الله من ذكرها في كتابه وقررها بعبارات متنوعة، ومعاني مفصلة واساليب عجيبة. وأمثلتها تفوق العد والإحصاء. والله أعلم( ).
شكر الله على نعمته الكبرى
بإرسال الرسول محمد 
قال الله تعالى: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ( ).
يقول تعالى إن إنعامنا عليمك باستقبال الكعبة وإتمامها بالشرائع والنعم المتممة ليس ذلك ببدع من إحساننا ولا بأوله، بل أنعمنا عليكم باصول النعم ومتمماتها فأبلغها إرسالنا إليكم هذا الرسول الكريم منكم تعرفون نسبه وصدقه وأمانته وكماله ونصحه يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وهذا يعم الآيات القرآنية وغيرها، فهو يتلو عليكم الآيات المبينة للحق من الباطل والهدى من الضلال التي دلتكم أولا على توحيد الله وكماله ثم على صدق رسوله ووجوب الإيمان به، ثم على جميع ما أخبر به من المعاد والغيوب، حتى حصلت لكم الهداية التامة والعلم اليقيني وَيُزَكِّيكُمْ أي يطهر أخلاقكم ونفوسكم بتربيتها على الأخلاق الجميلة وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة وذلك كتزكيتهم من الشرك إلى التوحيد ومن الرياء إلى الإخلاص ومن الكذب إلى الصدق ومن الخيانة إلى الأمانة ومن الكبر إلى التواضع ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق ومن التباغض والتهاجر والتقاطع إلى التحاب والتواصل والتوادد وغير ذلك من أنواع التزكية وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ أي القرآن ألفاظه ومعانيه وَالْحِكْمَةَقيل هي السنة. وقيل الحكمة معرفة أسرار الشريعة والفقه فيها وتنزيل الأمور منازلها، فيكون على هذا تعليم السنة داخلا في تعليم الكتاب
لأن السنة تبين القرآن وتفسره وتعبر عنه وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ لأنهم كانوا قبل بعثته في ضلال مبين لا علم ولا عمل، فكل علم أو عمل نالته
هذه الأمة فعلى يده  وبسببه كان، فهذه النعم هي أصول النعم على الإطلاق وهي أكبر نعم ينعم بها على عباده فوظيفتهم شكر
الله عليها والقيام بها، فلهذا قال تعالى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ فأمر تعالى بذكره ووعد عليه أفضل جزاء وهو ذكره لمن ذكره كما قال تعالى على لسان رسوله "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملاء ذكرته في ملاء خير منه" وذكر الله تعالى أفضله ما تواطأ عليه القلب واللسان وهو الذي يثمر معرفة الله ومحبته وكثرة ثوابه، والذكر هو رأس الشكر فلهذا أمر به خصوصا ثم من بعده أمر بالشرك عموما فقال وَاشْكُرُوا لِي أي على ما أنعمت عليكم بهذه النعم ودفعت عنكم صنوف النقم، والشكر يكون بالقلب إقرارا بالنعم واعترافا، وباللسان ذكرا وثناء، وبالجوارح طاعة لله وانقيادا لأمره واتجتنابا لنهيه، فالشكر فيه بقاء النعمة الموجودة وزيادة في النعم المفقودة وقال تعالى: لئن شكرتم لأزيدنكم، وفي الإتيان بالأمر بالشكر بعد النعم الدينية من العلم وتزكية الأخلاق والتوفيق للأعمال بيان أنها أكبر النعم، بل هي النم الحقيقية التي تدوم إذا زال غيرها، وأنه ينبغي لم وفقوا لعلم أو عمل أن يشكروا الله على ذلك ليزيدهم من فضله ولندفع عنهم الإعجاب فيتشغلوا بالشكر، ولما كان الشكر ضده الكفر نهى عن ضده فقال وَلَا تَكْفُرُونِالمراد بالكفر ههنا ما يقابل الشكر فهو كفر النعم وجحدها وعدم القيام بها، ويحتمل أن يكون المعنى عاما فيكون الكفر أنواعا كثيرة أعظمه الكفر بالله، ثم أنواع المعاصي على اختلاف أنواعها وأجناسهامن الشرك فما دونه( ).
ما يستفاد من هاتين الآيتين الكريمتين:
1- منة الله الكبرى ونعمته العظمى بإرسال الرسول محمد .
2- نعمته علينا بإرساله فينا رسولا منا.
3- من مقاصد رسالته: أ- أنه يتلو علينا آيات ربنا. ب- يطهرنا من الرذائل. جـ- ويعملنا القرآن والسنة وما فيهما من الأحكام. د- يعلمنا ما لم نكن نعلم.
4- الحث على ذكر الله وشكره على نعمه.
5- أن من ذكر الله ذكره فالجزاء من جنس العمل.
6- أن من شكر الله زاده من فضله فالشكر مفتاح المزيد.
7- النهي عن الكفر الموجب للعذاب الشديد.
1- (أهداف ومقاصد رسالة الرسول محمد )
2- قال الله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ سورة آل عمران 164 هذه المنة التي امتن الله بها على عباده المؤمنين أكبر المنن وأجلها وهي الامتنان عليهم بهذا الرسول الكريم الذي جمع جميع المحاسن الموجودة في الرسل ومن كماله العظيم هذه الآثار التي جعلها الله نتيجة رسالته التي بها كمال للمؤمنين وعلما وعملا وآدابا وأخلاقا وبها زال عنهم كل شر وضرر فبعثه الله من أنفسهم وأنفسهم وقبيلتهم يعرفون نسبه أشرف الأنساب وصدقه وأمانته وكماله الذي فاق به الأولين والآخرين ناصحا لهم مشفقا عليهم حريضا عل هدايتهم ورشدهم وصلاحهم وفلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة (يتلوا عليهم آياته) فيعلمهم ألفاظها ويشرح لهم معانيها ويدعوهم إلى العمل بها ويزكيهم يطهرهم من الشرك والمعاصي ورذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية وسائر الخصال الذميمة ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويحثهم على الأخلاق الجميلة وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ أي القرآن والسنة ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون. فبالقرآن والسنة كمل الله للرسول ولأمته الدين وبهما حصل العلم بأصول الدين وفروعه؛ وبهما حصلت جميع العلوم النافعة ما
يترتب عليها من الخيارت وزوال الشرور؛ وبهما حصل العلم اليقيني بجميع
الحقائق النافعة؛ وبهما حصلت الهداية والصلاح للبشرفمحمد  هو الإمام الأعظم المعلم لهذين الأمرين اللذين تنفجر منهما ينابيع العلوم كلها فعلم  أمته الكتاب والحكمة وأوقفهم على حكم الأحكام وأسرارها فكانت حياته كلها
أقواله وأفعاله وتقريراته وهديه أخلاقه الظاهرة والباطنة وسيرته الكاملة المتنوعة في كل فن من الفنون تعليما منه لأمته وشرحا للكتاب
والحكمة فجمع لهم بين تعليم الأحكام الأصولية والفرعية ومايه تدرك وتنال والطرق التي تفضي إليها عقلا ونقلا وتفكيرا وتدبرا واستخراجا للعلوم الكونية من مظانها وينابيعها ويبين لهم فوائد ذلك كله وثمراته وشرح لهم الصراط المستقيم اعتقاداته وأخلاقه وأعماله وما لسالكه عند الله من الخير العاجل والآجل وما على المنحرف عنه من العقاب والضرر العاجل والآجل وكان الناس قبل مجيء هذا النبي  وبعثته في غي وضلال وفي جهل وظلمات وفي فقر وفاقة وفي تفرق كلمة واختلاف وجهات فهدى الله به من الضلالة وعلم به من الجهالة وأرشدبه من الغي وجمع به بعد الفرقة وأغنى به بعد العيلة وكثر به بعد. القلة وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه فأكمل به الدين وأتم به النعمة فخرج الناس بتعليماته وهدايته من جميع الضلالات وانجالت عنهم الشرور المتنوعة والجهالات وتم لهم النور الكامل وانقشعت عنهم الظلمات فيالها نعمة ما أعظماه وأجلها ومنة ما أكبرها وأكملها لا يقدر قدرها ولا يحصى شكرها وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.اهـ. وكتاب (تيسير الطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن). للشيخ عبد الرحمن السعدي ص 2- 22.

ما يستفاد من هذه الآية الكريمة:
1- منة ا لله الكبرى ونعمة العظمى ببعثة هذا الرسول الكريم محمد  وكونه من جنس أمته بحيث يتمكنون من مخاطبته.
2- أنه  بلغ عن ربه رسالته وأدى أمانته ونصح أمته وعلمهم القرآن والسنة ألفاظهما ومعانيهما ودعاهم إلى العمل بهما وبين لهم أحكامهما وحكمهما.
3- أن النبي  هدى أمته ودعاهم إلى ما فيه رشدهم وسعادتهم في دينهم وددنياهم وآخرتهم.
4- أنه  طهر أمته من ضلال الجاهلية وعقائدهم وأخلاقهم وأدناسهم التي كانوا ملتبسين بها.
5- وجوب شكر الله تعالى على هذه المنة الكبرى والنعمة العظمى باللسان والقلب والجوارح وذلك بالإيمان بهذا النبي  وتصديق خبره وطاعة أمره واجتناب نهيه والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ونسأل الله تعالى أن يمن علينا بالتمسك بسنته والاهتداء بهديه وأن يرزقنا شفاعته ويسقينا من حوضه ويحشرنا في زمرته إنه على كل شيء قديروهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلوات الله وسلامه على خير خلقه وأنبيائه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.
2- مقاصد رسالة محمد  وأهدافها:

قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا * وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا آية 45- 48.
هذه الأشياء التي وصف الله بها رسوله محمدا  هي المقصود من رسالته وزبدتها وأصولها التي اختص بها وهي خمسة أشياء:

أحدها: كونه "شاهدا" أي لله بالوحدانية وأنه لا إله غيره ولا رب سواه وشاهدا على أمته بما عملوه من خير وشر وطاعات ومعاصي كما قال تعالى: وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا( )وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا( ) فهو  شاهد عدل مقبول.
الثاني: كونه "مبشرا" أي بشيرا للمؤمنين بجزيل الثواب في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا( )ففي ا لدنيا بكل ثواب ديني ودنيوي رتب على الإيمان والتقوى أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ( ) وفي الآخرة بالنعيم المقيم في جوار الرب الرحيم.
الثالث:كونه "نذيرا" أي منذرا للكافرين والظالمين والعاصين من وبيل العقاب في الدنيا والآخرة ففي الدنيا من العقوابات الدينية والدنيوية المرتبة على الكفر والظلم والمعاصي وفي الآخرة بالعقاب الأليم والعذاب.
الرابع: كونه "داعيا إلى الله بإذنه" أي داعيا العباد إلى عبادة ربهم عن أمره له بذلك أرسله الله يدعو الخلق إلى الله ويشوقهم لكرامته ويأمرهم بعبادته التي خلقوا لها.
الخامس: كونه "سراجا منيرا" فالناس قبل بعثة هذا النبي تائهون في ظلمة الجهالات والضلالات والشكوك والشبهات حتى جاء الله بهذا النبي الكريم فأضاء به تلك الظلمات وعلم به من الجهالات وهدى به ضلالا إلى الصراط المستقيم فأصبح أهل الاستقامة قد وضح لهم الطريق فمشوا خلف هذا الإمام وعرفوا بواسطته الخير والشر وطريق السعادة والشقاوة واستناروا به لمعرفة معبودهم فأمره ظاهر في ما جاء به من الحق كالشمس في إشراقها وإضاءتها لا ينكرها إلا معاند ولا يجحدها إلا مكابر، وقوله تعالى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ذكر هنا المبشرين وهم المؤمنون العاملون بالأعمال الصالحة والمبشر به وهو الفضل الكبير أي العظيم الجليل الذي لا يقدر قدره ولا يبلغ منتهاه ولا يتصور عظمه من النصر في الدنيا وهداية القلوب وغفران الذنوب وكشف الكروب وكثرة الأرزاق والدارَّة وحصول النعم السارة والفوز برضى ربهم وثوابه والنجاة من سخطه
وعقابه.
ولما كان هناك طائفة من الناس مستعدة لصد الداعين إلى الله من الرسل وأتباعهم وهم المنافقون الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر والفجور، والكفار ظاهرا وباطنا نهى الله رسوله عن طاعتهم وحذره منهم فقال: وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ أي لا تطعهم وتسمع منهم في الذي يقولونه في كل أمر يصد عن سبيل الله وَدَعْ أَذَاهُمْ أي اصفح وتجاوز عنهم وكل أمرهم إلى الله تعالى فإن فيه كفاية لهم وذك جالب وداع لهم إلى قبول الإسلام وكف إذاهم له ولا أهله: " وَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ في إتمام أمرك وخذلان عدوك واعتمد عليه في جميع أمورك وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا تفوض إليه الأمور المهمة فيسهلها على عبده وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ( ) أي كافية ومتولي أمره.( )
ما يستفاد من هذه الآيات الكريمات:
1- معرفة المقصود من رسالة محمد  إلى الناس وهي الشهادة عليهم بأعمالهم، وتبشير الطائعين بالثواب، وإنذار العاصين بالعقاب، والدعوة إلى الله بأمره وهداية الخلق وإرشادهم إلى ما ينفعهم وتحذيرهم ما يضرهم وإخراجهم من الظلمت إلى النور.
2- تبشير المؤمنين بالله المطيعين له بالفضل العظيم والثواب الجسيم.
3- التحذير من طاعة الكافرين والمنافقين في ما يدعون إليه من الكفر والنفاق والانحلال من الدين والزندقةوالإلحاد وترك أذاهم.
4- وجوب التوكل على الله والاعتماد عليه وتفويض الأمور إليه.
5- كفاية ا لله لمن توكل عليه.
6- فضل الإيمان والعمل الصالح والحث عليه.
7- التحذير من الكفر والنفاق وسوء عاقبتهما.
8- فضل التوكل على الله والحث عليه.
9- نعمة الله الكبرى ومنته العظمى بإرسال محمد  إلى الناس بالهدى ودين الحق.
10- الجمع بين الخوف والرجاء والوعد والوعيد والترغيب والترهيب.#



الأمر بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم

قال ا لله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( )
يخبر الله تعالى عباده المؤمنين بمنزلة عبده ونبيه ورسوله محمد  عنده في الملاء الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلي عليه وتدعو له وتستغفر له ثم أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم عليه ، اقتداء بالله وملائكته وجاء له على بعض حقوقه عليهم وتكميلا لإيمانهم وتعظيما له  ومحبة وإكراما وزيادة في حسنات المؤمنين المصلين عليه وتكفيرا لسيئاتهم ورفعة لدرجاتهم، وأفضل هيئات الصلاة عليه ما علم به أصحابه أن يقولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وهذا الأمر بالصلاة والسلام عليه  مشروع في جميع الأوقات وأوجبه كثير من العلماء في الصلاة بعد التشهد الأخير ويتأكد استحباب الصلاة والسلام عليه عند ذكر اسمه وفي يوم الجمعة وليلتها وعند دخول المسجد والخروج منه وفي أوله الدعاء وآخره وبعد الأذان وقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله  في الأمر بالصلاة عليه والترغيب فيها والحث عليها والترهيب من تركها فمن ذلك قوله : (من صلى علي صلاة
صلى الله عليه بها عشرا) رواه مسلم، وقوله  (إن أولى ا لناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة)( ) (رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل علي)( )
(البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي)( ) (لا
تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)( ) (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)( )  تسليما كثيرا إلى يوم الدين:

ما يستفاد من الآية الكريمة:ـ

1- كمال رسول الله  ورفعة درجته وعلو منزلته عند الله وعند خلقه ورفع ذكره.
2- مشروعية الصلاة والسلام عيه  في جميع الأوقات والأحوال والمناسبات.
3- وجوب امتثال أمر الله وطاعته.
4- الجمع بين الصلاة والتسليم على محمد .
5- فضل المؤمنين حيث خوطبوا باسم الإيمان وأمروا بما فيه سعادتهم.
دليل محبة الله اتباع رسوله محمد 
قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (31- 32) آل عمران.
هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله كما ثبت في الصحيح عن رسول الله  قال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم. وهذه الآية هي الميزان التي يعرف بها من أحب الله حقيقة ومن ادعى ذلك دعوى مجردة فعلامة محبة
الله اتباع محمد  الذي جعل متابعته وجميع ما يدعو إليه طريقا إلى محبته ورضوانه فلا تنال محبة الله ورضوانه وثوابه إلا بتصديق ما جاء به الرسول  من الكتاب والسنة وامتثال أمرهما واجتناب نهيهما فمن فعل ذلك احبه الله وجازاه جزاء المحبين وغفر له ذنوبه وستر عليه عيوبه. فكأنه قيل ومع ذلك فما حقيقة اتباع الرسول وما صفتها فأجاب بقوله قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ بامتثال الأمر واجتناب النهي وتصديق الخبر فَإِنْ تَوَلَّوْا عن ذلك فهذا هو الكفر واللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ وفي الحديث الصحيح عن النبي  قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" رواه البخاري.

ما يستفاد من الآيتين:
1- أن من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فهو كاذب في دعواه.
2- علامةمحبة الله اتباع نبيه محمد .
3- أن تصديق الرسول  والعمل بسنته سبب لمحبة الله لعبده ومغفرة ذنوبه.
4- حقيقة اتباع الرسول هي طاعة الله ورسوله  بامتثال الأمر واجتناب النهي وتصديق الخبر.
5- أن الإعراض عن طاعة الله ورسوله كفر بالله.
6- أن الهع لا يحب الكافرين بل يبغضهم وينتقم منهم.
7- وعيد الكفرة والعصاة.
8- الحث على الحب في الله والبغض في الله وأن عليه مدار الدين.
9- فضل الحب في الله والبغض في الله وأعظم منه محبة الله لعبده.
10- إثبات صفة المحبة والمغفرة والرحمة لله تعالى.
الذين أنعم الله عليهم
هم المطيعون لله تعالى ولرسوله محمد 
قال الله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ #
مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا سورة النساءآية: 69- 70.
يخبر الله تعالى أن كل من أطاع الله ورسوله على حسب حاله وقدر الواجب عليه من ذكر أو أنثى وصغير وكبير وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فإنه يحشر ويجزى وينعم مع أفضل خلق الله فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أي في الدنيا والآخرة بالنعم العظيمة والمنح الجسيمة التي تقتضي الكمال والفلاح والسعادة). مِنَ النَّبِيِّينَ الذين فضلهم الله بوجيه واختصهم بتفضيلهم بإرسالهم إلى الخلق ودعوتهم إلى الله تعالى: وَالصِّدِّيقِينَ الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل فعلموا الحق وصدقوه وعملوا به ودعوا إليه بأقوالهم وأفعالهم فكان الصدق وصفهم في جميع أحوالهم وَالشُّهَدَاءِ الذين قاتلوا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله فقتلوا وَالصَّالِحِينَ الذين صلح ظاهرهم وباطنهم فصلحت أعمالهم فكل من أطاع الله تعالى كان مع هؤلاء وفي صحبتهم وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا أي حسنت رفقتهم والاجتماع بهم في جنات النعيم والأنس بقربهم في جوار رب العالمين ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ أي الذي نالوه فضل من الله فهو الذي وفقهم لذلك وأعانهم عليه وأعطاهم من الثواب ما لا تبلغه أعمالهم كرما منه وجودا وإحسانا وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا يعلم أحوال عباده ومن يستحق منهم الثواب الجزيل بسبب ما قام به من الأعمال الصالحة الخالصة لله.

ما يستفاد من هاتين الآيتين:
1- الحث على طاعة الله ورسوله بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
2- فضل من أطاع الله ورسوله وأن له الدرجات العلى والنعيم المقيم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
3- أن أفضل البشر وأعلى طبقات الخلق هم الأنبياء والمرسلون الذين فضلهم الله بنبوته واختارهم لرسالته.
4- فضل الصدق في الأقوال والأفعال والإرادات والنيات والحث عليه وبيان أنه أوصل أهله إلى الجنة.
5- فضل الشهادة في سبيل الله والحث عليها.
6- الحث على الصلاح وبيان فضله وحسن عاقبته.
7- أن عمل هؤلاء الأصناف الأربعة وطريقهم هو الصراط المستقيم الذي أمرنا بسؤاله في دعاء الفاتحة في كل ركعة من صلاتنا وهو طريق الحق.
8- أن التوفيق لطاعة الله ورسوله بالإيمان والعمل الصالح وامتثال الأوامر واجتناب النواهي مجرد فضل من الله ومحض كرم وجود وإحسان منه تعالى حيث وفقهم لذلك ويسره لهم وقبله منهم وأثابهم عليه.
(طاعة الرسول  طاعة الله)
قال الله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا سورة النساء آية 80 أرسل الله محمدا  إلى الناس جميعا بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده ودعى الخلق إلى الله ليلا ونهارا سرا وجهارا وبلغت دعوته المشارق والمغارب ودخل الناس في دين الله أفواجا ولم يمت حتى كمل الله به الدين وأتم به النعمة ورضي له ولأمته الإسلام دينا وقامت حجة الله على خلقه ببعثة هذا الرسول وإنزال القرآن عليه فعلم الناس الفاظه وشرح لهم معانيه ودعاهم إلى العمل به، وقد أوجب الله طاعة رسوله والاقتداء بسنته والاهتداء بهديه، فطاعته طاعة لله ومعصيته معصية لله وما أمر به الرسول فقد أمر به الله وما نهى عنه الرسول فقد نهى الله عنه وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى( ) وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( ) وقد ضمن الله التوفيق والهداية لمن أطاع الرسول بقوله تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ
تَهْتَدُوا( ) وقال : "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل ومن يأبى قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" رواه البخاري
وقال : "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" قال ا لنووي: حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح، فوجب بذلك تصديق خبره وطاعة أمره واجتناب نهيه، ومحبته والرضا به نبيا ورسولا ومتابعته في القول والاعتقاد والعمل والحب والبغض والفعل والترك فهو  الواسطة بيننا وبين الله وهو أولى بنا من أنفسنا وأشفق علينا من والدينا ولذلك علمنا ما ينفعنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا ورغبنا فيه ودعانا إليه وبين لنا ما يضرنا في ذلك كله ونهانا عنه فلم يترك خيرا إلا هدانا إليه ولا شرا إلى حذرنا منه رحمة بنا وإحسانا إلينا وشفقة علينا فوجب أن يكون أحب إلينا من أنفسنا ووالدينا وأولادنا والناس أجميعن.
وقد حذرنا الله من مخالفة أمره وتوعد من خالف أمره بإصابته بالفتنة والعذاب الأليم وأقسم بنفسه الكريمة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول  فيما اختلف فيه ثم لا يجد في نفسه حرجا مما حكم به ويسلم لحكمه تسليما بانشراح صدر وطمأنينة نفس ولهذا قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ أي كل من أطاع
الرسول  في أوامره ونواهيه فقد أطاع الله تعالى لكونه لا يأمر ولا ينهى إلا بأمر الله وشرعه فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله وله من الثواب والخيرات ما رتب على طاعة الله وَمَنْ تَوَلَّى عن طاعة الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا أي لم ترسل لتحفظ أعمالهم وأحوالهم بل أرسلناك مبلغا ومبينا وناصحا لهم فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ( ).

ما يستفاد من الآية الكريمة:
1- عصمة الرسول  في تشريعاته وأوامره ونواهيه لأن الله أمر بطاعته وأخبر أن طاعته طاعة الله.
2- وجوب طاعة الرسول  في امتثال ما أمر واجتناب ما نهى.
3- إن من عصى الرسول فقد عصى الله.
4- وعيد المعرضين عن طاعة الله ورسوله
(وجوب طاعة الرسول محمد 
وعدم إيمان من لم يرض بحمه ويسلم لأمره)
قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُـمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا سورة النساء 64 – 65.
يخبر الله تعالى خبرا يتضمن الأمر والحث على طاعة ا لرسول  والانقياد له وأن الغاية والمقصود من إرسال الرسل أن يكونوا مطاعين ينقاد لهم المرسل إليهم في جميع ما أمروا به ونهوا عنه، وأن يكونوا معظمين تعظيم المطاع من المطيع، وقوله إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي الطاعة من المطيع صادرة بأمر الله وقدره وقضائه.
ثم أخبر الله سبحانه عن كرمه العظيم وجوده ودعوته لمن اقترفوا السيئات أن يعترفوا ويتوبوا ويستغفروا الله فقال: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ أي معترفين بذنوبهم فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ أي طلبوا منه المغفرة لذنوبهم بألسنتهم وقلوبهم وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ أي طلب من ربهم المغفرة لهم لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا أي لتاب الله عليهم بمغفرته ظلمهم ورحمهم بقبول توبتهم والتوفيق لها والثواب عليها.
وهذا المجيء إلى الرسول  مختص بحياته لأن السياق يدل على ذلك لكون الاستغفار من الرسول لا يكون إلا في حياته، وأما بعد موته فإنه لا يطلب منه شيء بل ذلك شرك.
ثم أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا الرسول  فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ أي في كل شيء يحصل فيه اختلاف بخلاف مسائل الإجماع فإنها لا تكون إلا مسندة إلى الكتاب والسنة ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق من نفوسهم ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى يسلموا لحكمه تسليما بانشراح صدر وطمأنينة نفس وانقياد في الظاهر والباطن. فالتحكيم في مقام الإسلام وانتفاء الحرج في مقام الإيمان والتسليم في مقام الإحسان فمن استكمل هذه المراتب وكملها فقد استكمل مراتب الدين كلها ومن
ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر، ومن تركه مع التزامه فله حكم أمثاله من العاصين وبالله التوفيق.

مايستفاد من هذه الآيات:
1- الحث على طاعة الرسول بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه والانقياد له في ذلك.
2- إثبات عصمة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم فيما يبلغونه عن الله وفيما يأمرون به وينهون عنه لأن الله أمر بطاعتهم.
3- إثبات القضاء والقدر والحث على الاستعانة بالله لأنه لا يمكن الإنسان أن يطيع الرسول إن لم يعنه الله ويقدر له ذلك.
4- الحث على التوبة والاستغفار من جميع الذنوب.
5- بيان كرم الله تعالى وجوده وإحسانه حين دعى إلى التوبة من الذنوب ووعد بقبولها والتوفيق لها والثواب عليها فلله الحمد والشكر على ذلك.
6- أن المجيء إلى الرسول لطلب الاستغفار منه خاص بحياته.
7- إثبات صفة ا لرحمة لله تعالى.
8- عدم إيمان من لم يحكم الرسول فيما اختلف فيه.
9- أنه لا بد في تحكيم الرسول من انتفاء الحرج والضيق والتسليم لحكمه والرضا به والانقياد له في الظاهر والباطن.
10- وعيد من لم يستسلم لحكم الرسول .
11- فضل من استسلم لحكم الرسول  وأنه قد استكمل مراتب الدين كلها والله الموفق.
(سعة رحمة الله وحصولها للمتقين
الذين يتبعون الرسول  ويؤمنون به)
قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ #
مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ سورة الأعراف 157- 159.
يقول تعالى مخبرا عن كرمه وإحسانه وسعة رحمته وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ من العالم العلوي والسفلي البر والفاجر والمؤمن والكافر فلا مخلوق إلا وقد وصلت إليه رحمة الله وغمره فضله وإحسانه ولكن الرحمة الخالصة المقتضية لسعادة الدنيا والآخرة ليست لكل أحد ولهذا قال عنها فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أي يجتنبون المعاصي صغارها وكبارها وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ أي يزكون أنفسهم بطاعة الله ويخرجون زكاة أموالهم إلى مستحقيها وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ أي يصدقون ومن تمام الإيمان بآيات الله معرفة معناها والعمل بمقتضاها، ومن ذلك اتباع النبي  ظاهرا وباطنا في أصول الدين وفروعه الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ وهو محمد  وصفه بالأمي لأنه من العرب الأمة الأمية التي لا تقرأ ولا تكتب وليس عندها قبل القرآن كتاب الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ باسمه وصفته التي من أعظمها وأجلها ما يدعو إليه وينهى عنه وأنه يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وهو كل ما عرف حسنه وصلاحه ونفعه وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وهو كل ما عرف قبحه في العقول والفطر فيأمرهم بالصلاة والزكاة والصوم والحج وصلة الأرحام وبر والوالدين والإحسان إلى الجار والفقير والمسكين وبذل النفع لسائر الخلق والصدق والعفاف والبر والنصيحة وما أشبه ذلك. وينهى عن الشرك بالله وقتل النفوس بغير حق والزنا وشرب ما يسكر العقل والظلم لسائر الخلق والكذب والفجور ونحو ذلك فاعظم دليل على أنه رسول الله ما دعى إليه وأمر به ونهى عنه وأحله وحرمه فإنه وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ من المطاعم والمشارب والمناكح وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ من المطاعم والمشارب والمناكح والأقوال والأفعال وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ أي ومن وصفه أن دينه سهل سمح ميسر
لا إصرفيه ولا إغلال ولا مشقات ولا تكاليف ثقال فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ أي صدقوا به وعظموه وبجلوه وأيدوه واتبعوا النور الذي أنزل معه وهو القرآن الذي يستضاء به في ظلمات الشك والشبهات أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الظافرون بخير الدنيا والآخرة والناجون من شرهما وأنهم أتوا بأكبر أسباب الفلاح، وأما من لم يؤمن بهذا النبي الأمي ويعزره وينصره ولم يتبع النور الذي أنزل معه فأولئك هم الخاسرون، ولما دعى أهل التوراة من بني إسرائيل إلى اتباعه وكان ربما توهم متوهم أن الحكم مقصور عليهم أتى بما يدل على العموم فقال: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا عربكم وعجمكم أهل الكتاب وغيرهم الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يتصرف فيهما بأحكامه الكونية والتدابير السلطانية وبأحكامه الشرعية والدينية التي من جملتها أن ارسل إليكم رسولا عظيما يدعوكم إلى الله وإلى دار كرامته ويحذركم من كل ما يباعدكم منه ومن دار كرامته (لا إله إلا هو) لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له ولا تعرف عبادته إلا من طريق رسله (يحيي ويميت) أي من جملة تدابيره الإحياء والإماتة التي لا يشاركه فيها أحد، وقد جعل الله الموت جسرا ومعبرا يعبر الإنسان منه إلى دار البقاء التي من آمن بها صدق الرسول محمدا  قطعا فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ إيمانا في القلب متضمنا لأعمال القلوب والجوارح الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ أي آمنوا بهذا الرسول المستقيم في عقائده وأعماله وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ في مصالحكم الدينية والدنيوية فإنكم إذا لم تتبعوه ضللتم ضلالا بعيدا وخسرتم خسرانا مبينا.

ما يستفاد من هذه الآيات الكريمات:
1- سعة رحمة الله وشمولها لكل شيء.
2- بيان من يستحق رحمة الله وهم المؤمنون بالله وآياته المطيعون لله بفعل ما أمر واجتناب ما نهى والمتبعون لرسوله  المزكون لأنفسهم وأموالهم.
3- أن الرسول محمدا  موصوف في التوراة والإنجيل.
4- أنه  يأمر بكل معروف وينهى عن كل منكر.
5- أنه  يحل جميع الطيبات النافعة ويحرم الخبائث الضارة.
6- أن دينه سهل سمح ميسر لا عسر فيه ولا مشقة.
7- تحريم الخبائث المأكولة والمشروبة المسكرة وغيرها.
8- تحريم شرب الدخان لأنه من الخبائث المضرة بالصحة والدين والبدن والمال وكذلك تحرم قيمته وبيعه وشراؤه لأن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه.
9- فلاح من آمن بالرسول محمد  واتبعه ونصره، وخسران من لم يؤمن به ويتبعه.
10- عموم وشمول رسالة محمد  إلى العرب والعجم واليهود والنصارى والإنس والجن.
11- انفراد الله بملك السموات والأرض والتصرف فيهما وتدبير شئونهما.
12- أنه لا يستحق العبادة أحد غير الله سبحانه وتعالى.
13- قدرة الله على الإحياء والإماتة وحده لا شريك له.
14- هداية من أتبع الرسول  إلى مصالح دينه ودنياه.
15- ضلال من لم يتبعه وخسارته.
16- أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر.





محبة النبي  ومتابعته
إن الرسول  هو أعظم منة من الله تعالى بها على المؤمنين قال سبحانه: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ( ) وهو الرحمة المهداة والسراج المنير والرؤوف الرحيم بالمؤمنين قال تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ( ) وقال أيضا: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ( ) كما جعله الله سببا لهداية البشر ودلالتهم على الخير وفوزهم بالجنة وصلاح الحال في دينهم ودنياهم لقوله : "إنما أنا رحمة مهداة"( ).

وتعظيم الرسول  يكون بجملة أمور منها:
1- محبة النبي  بعد محبة الله وتقديمها على ما سواهما، ودليل ذلك في حديث أنس المتفق عليه "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار" ولقوله  "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجميعن" متفق عليه.
2- ومن محبة النبي  تعظيمه وتوقيره حيث أوجب الله تعزيزه ونصرته وخفض الصوت عنده وتلقي التبليغ منه لقوله تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ) والتعزير هنا التعظيم بلا خلاف.#

3- ومن محبته الصلاة والسلام عليه عند ذكره، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( ) وقال : "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا"( ) وفي ذكره  بركة عظيمة إذا داوم عليها الإنسان. ويتأكد الإكثار من الصلاة عليه  يوم الجمعة لترغيبه بذلك.( )
4- ومن محبته متابعته في سنته في الأقوال والأفعال واتخاذه أسوة حسنة قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ( ) وأظهر لوازم محبته  اتباع ما جاء به النبي عن ربه قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُم الله وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( ) ولذلك لا بد للمحب من بينة تشهد له وهي الاتباع.
5- ومن محبته الدفاع عن سنته ومجاهدة العصاة والمتطاولين عليها.
وجوب طاعته والنصحية له:
6- ومن محبته لزوم طاعته وعدم عصيانه لحديث: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل ومن أبى؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى"( ).
وفي الصحيح عن أنس جاء رجل إلى النبي  فقال يا رسول الله متى الساعة فقال  وماذا أعددت لها؟ فقال والله ما أعددت لها كثير صيام ولا صدقة إلا أني رجل أحب الله ورسوله فقال  "أنت مع من أحببت".
7- ومن محبته الشغف بمعرفة شريعته وهي العلم النافع الذي جاء به القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ
مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ( ) وقد جمعت أحاديثه وفحصت بمعرفة الثقاة من الرواة ثم جمعت في الصحاح والسنن كصحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم من المسانيد والجوامع.
أما أصحاب المذاهب الأربعة أبو حنيفة وأحمد والشافعي ومالك فهم في الحقيقة أصحاب مدارس كل منهم فهم هذه الأحاديث واجتهد في استيعابها وتفسيرها حسبما وصلت إليه، وكلهم على حق إن شاء الله.
8- ومن محبته التحاكم إلى شريعته قال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( )
وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا( ).
9- ومن محبته النصيحة له  ويكون ذلك بتصديقه والإيمان به وبما جاء به، قال في شرح مسلم (وأما النصحية لرسول الله  فتصديقه على الرسالة، والإيمان بجيمع ما جاء به وطاعته في أمره ونهيه ونصرته حيا وميتا، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه، وإعظام حقه، وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته ونشر شريعته والدعوة إليها والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم وإجلال أهلها لا نتسابهم إليها والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك)، انتهى( ).


عدم إشراكه في العبادة:
(10) ومن محبته  الإخلاص لله عز وجل وصرف العبودية له سبحانه وحده وليس من تعظيمه توجيه الدعاء له، أو التوسل عند قبره، أو طلب الغوث منه، أو القسم به أو بحياته لأن ذلك كله من أنواع العبادة التي لا تصرف إلا لله عز وجل، وإنما التعظيم يكون باتباع ولزوم سنته، وكان  يغضب حينما يخاطب بخطاب يكون فيه لله ندا، وقد غضب على الأعرابي الذي قال له ما شاء الله وشئت، وقال لأصحابه (لا تطروني)( ) ولذلك لا يجوز الاستعانة أو الاستغاثة به، أو طلب الحاجات منه، أو إطراؤه أو جعله شريكا لله في أية عبادة هي من حق الله عز وجل. وليس من المشروع عمل الموالد من أجله أو الاحتفال بالمولد النبوي أو الاحتفال بالسنة الهجرية لأن هذه الأمور لم تكن في صدر هذه الأمة من الصحابة والسلف وأهل القرون المفضلة ولم يأمر الرسول  باتخاذ يوم مولده عيدا لأن فيه مشابهة للنصارى، والعبادات توقيفية ليس لأحد أن يشرع فيها إلا ما شرع الله ورسوله.
وفي جميع الأحوال فإن هداية الإنسان لا تكون إلا بطاعته  وامتثال ما جاء به قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا( ) وتكررت الآيات التي تأمر بذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية (وذكر الله طاعة ا لرسول في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ( ) إلى أن قال ابن تيمية رحمه الله (فقد بين الله في كتابه حقوق الرسول من الطاعة له ومحبته وتعزيزه وتوقيره ونصره وتحكيمه والرضى بحكمه والتسليم به واتباعه والصلاة والتسليم عليه وتقديمه على النفس والأهل والمال، ورد ما يتنازع فيه إليه وغير ذلك من الحقوق)( ) والله أعلم.( )

أهمية طاعة الرسول محمد  في حياة المسلم
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينا. وأنزل علينا في كتابه نورا مبينا. أحمده على جزيل نعمه. وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له في ربوبيته وإليهته وأسمائه وصفاته. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أرسله بالهدى ودين الحق. فهدى به من الضلالة. وبصر به من العمى وأتم به النعمة. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله حق تقاته. أيها المسلمون إن الله قد بعث
محمدا  بالدين القويم. والمنهج المستقيم. أرسله رحمة للعالمين. وإماما للمتقين. وحجة على الخلائق أجمعين. أرسله على حين فترة من الرسل. فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل. وافترض على العباد طاعته وتعزيره وتوقيره محبته والقيام بحقوقه. وسد دون جنته الطرق فلم تفتح لأحد إلا من طريقه. فشرح له صدره. ورفع له ذكره.ووضع عنه وزره. وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره. روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قال قال رسول الله  (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم) وكما أن الذلة مضروبة على من خالف أمره فالعزة لأهل طاعته. قال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ( ). وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ( ) أي الله وحده كافيك وكافي أتباعك فلا تحتاجون معه إلى أحد.
أيها المسلمون: إن طاعة الرسول طاعة الله كما قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ( ) فأي مسلم بلغته سنة الرسول وجب عليه اتباعها وافقت هواه أو خالفته قال : "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به"( ) وإن
إنسانًا يزعم أنه متبع لهذا الرسول ولكنه عندما تبلغه سنته لا يأخذ منها إلا ما وافق هواه فإنه كاذب في زعمه وإنما هو متبع لهواه. كما قال تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ( ) وقد عاب الله على بني إسرائيل هذا الصنيع مع أنبيائهم. كما قال تعالى: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُـكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ( ) فبحسب متابعة الرسول تكون العزة والكفاية من الله والنصرة كما أن بحسب متابعته تكون الهداية والصلاح والنجاح فالله تعالى علق سعادة الدارين بمتابعته وجعل شقاوة الدارين في مخالفته فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح وطيب العيش في الدنيا والآخرة. ولمخالفيه الذلة والصغار والخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة. وقد أقسم الله سبحانه بأنه لا يؤمن من لا يحكم هذا الرسول في كل ما تنازع فيه هو وغيره ثم يرضى بحكمه ولا يجد في نفسه حرجًا مما حكم به ثم يسلم له تسليمًا وينقاد له انقيادًا. قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ( ) فقطع سبحانه وتعالى التخيير بعد أمره وأمر رسوله فليس لمؤمن أن يختار شيئًا غير أمره  لأنه إذا أمر فأمره حتم. ولقد رأى  رجلا يأكل بشماله فقال له : "كل بيمينك فقال: لا أستطيع فقال له النبي : لا أستطعت ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه"( ) فهذا رجل أبى أن يمتثل أمر الرسول  تكبرا عنه فدعا عليه فتعطلت يده. ويبست فلم ينتفع بها وإننا يا عباد الله تبلغنا أوامر ونواه كثيرة عن النبي  فنترك العمل بها أو نتساهل بها متابعة لأهوائنا أو مجاراة للناس فنعرض أنفسنا لعقوبة الله مع ما يفوتنا، مما في
متابعته . من الخير عاجلا وآجلا. إن شهادة أنه رسول الله تقتضي منا طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا نعبد الله إلا بما شرعه لنا. فمن أخل بشيء من هذه الأمور فقد أخل بهذه ا لشهادة بمقدار ما أخل به من #
هذه الأمور. إن الله سبحانه وتعالى توعد الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم. كما حتم علينا طاعته فيما أمر ونهى حيث يقول سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ( ).
قال الإمام ابن القيم عند قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ( ) فتضمنت هذه الآية أمورًا: أحدها:
أن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ولرسوله فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له. وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات. فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهرًا وباطنًا.
عباد الله: روى الإمام مسلم رحمه الله: أن رسول الله  قال: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء" وجاء في روايات أخر وصف هؤلاء الغرباء بأنهم (الذين يصلحون إذا فسد الناس) وفي بعضها: أنهم (الذين يصلحون ما أفسد الناس) وفي بعضها: أنهم (ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم). وفي بعضها: (أنهم الذين يمسكون بكتاب الله حين يترك ويعملون بالسنة حين تطفأ) ففي هذه الروايات عن الرسول  إخبار عن قلة المتمسكين بالسنة في آخر الزمان وكثرة المخالفين لها وفيها الحث على التمسك بها عند ذلك والصبر عليها. ولقد اشتدت غربة الإسلام في بلدان الإسلام وأخذت السنة تطمس معالمها وتطارد في كل مكان ويحل محلها الضلال والبدع والكفر والفسوق. إن الرسول  يحثنا على أن نتمسك بسنته ولو تركها الناس وتعليمها ولو أرخصوها. وندافع عنها ونصبر على الأذى في ذلك. فإن ذلك سبيل النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
عباد الله: لقد قالوا إن التمسك بالسنة جمود ورجعية وتأخر فلا تهولنكم هذه الألقاب فقد قيل فيمن هو أجل منكم أعظم من ذلك فصبروا على دينهم وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ( ).
وما عرف هؤلاء المخدوعون: أن الجمود هو عدم قبول الحق. فإن الذي لا يقبل الحق قد تحجر قلبه وطبع وختم عليه فصار غلفا لا يصل إليه نور. وأن الرجعية معناها الرجوع إلى الباطل وأن التأخر هو التأخر عن الخير إلى الشر وكل هذه الأوصاف موجودة فيهم. وأما المتمسك بالسنة فهو بحمد الله طيب القلب سليم التفكير سباق إلى الخير متقدم في كل مجال طيب. لا جامدا ولا رجعيًا ولا
متأخرًا.
عباد الله: إن ما حل بالمسلمين اليوم من ضعف وتفكك ومصائب إنما سببه تفريطهم بالتمسك بدينهم والتماس الهدى من غيره فلما أعرضوا عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما واعتقدوا عدم الاكتفاء بها عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم وظلمة في قلوبهم وكدر في أفهامهم ومحق في عقولهم وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى شب عليها الصغير وهرم عليها الكبير فلم يروها منكرا. ولن تذهب عنهم هذه الآفات حتى يرجعوا إلى دينهم فالله تعالى: لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ( ) إن المعرض عن الحق بعد معرفته يعاقب بفساد قلبه وزيغه فلا يقبل الحق بعد ذلك ولا يرجع إلى الهدى. كحال المنافقين الذين قال الله فيهم صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ( ).
وقال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ( ) وقال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ( ) هذه عقوبته في الدنيا وأما عقوبته في الآخرة فاسمعوا قوله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ #
نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى( ) وقال  "من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة"( ) لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ
بِالْمُؤْمِنِينَ( ) وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.( )#




وجوب طاعة الرسول محمد في حياته وبعد مماته( )

يجب على المسلم أن يمتثل أوامر الله تعالى وأوامر رسوله ، لا يفرق بين أمر الله وأمر رسوله الذي يتمثل في أقواله وأفعاله وتقريراته، قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ( )، كما بين أن مهمته إيضاح الحق حين يختلف فيه الناس، قال تعالى: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ( )، وأوجب النزول على حكمه في كل خلاف، فقال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( )، وأخبر أنه أوتي القرآن والحمكة ليعلم الناس أحكام دينهم، فقال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ( )
وقد ذهب جمهور العلماء المحققين إلى أن الحكمة شيء آخر غير القرآن، وهي ما أطلعه الله عليه من أسرار دينه وأحكام شريعته، ويعبر العلماء عنها بالسنة، قال الشافعي –رحمه الله-: (فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من ارضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله)( )
وواضح مما ذكره الشافعي –رحمه الله- هنا، أنه يجزم بأن الحكمة هي السنة، لأن الله عطفها على الكتاب، وذلك يقتضي المغايرة، ولا يصح أن تكون شيئًا غير
السنة، لأنها في معرض المنة من الله علينا بتعليمنا إياها، ولا يمن إلا بما هو حق وصواب، فتكون الحكمة واجبة الاتباع كالقرآن، ولم يوجب علينا إلا اتباع القرآن والرسول، فتعين أن تكون الحكمة هي ما صدر عن الرسول  من أحكام وأقوال في معرض التشريع.
وإذا كان كذلك، كان رسول الله  قد أوتي القرآن وشيئًا آخر معه يجب اتباعه فيه، وقد جاء ذلك مصرحا في قوله تعالى في وصف الرسول : يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ( )، وما دام اللفظ عاما فهو شامل لما يحله ويحرمه مما مصدره القرآن، أو مصدره وحي يوحيه الله إليه غير القرآن. وقد ورى أبو داود عن المقدام بن معد يكرب عن رسول  قوله: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه"( ).
ويدل على ذلك أن الله تعالى أوجب على المسلمين اتباع الرسول  فيما يأمر وينهى فقال: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( )، وقرن سبحانه وتعالى طاعة الرسول بطاعته في آيات كثيرة من القرآن، فقال عز من قائل: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ( ) وحث على الاستجابة لما يدعو إليه ، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ( )، واعتبر –جل جلاله- طاعة الرسول طاعة لله، واتباعه حبا لله، فقال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ( )، وقال أيضًا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ( )، وحذر من مخالفة أمره فقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ#
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( )، بل أشار إلى أن مخالفته كفر: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ( ) ولم يبح للمؤمنين مطلقا أن يخالفوا حكمه أو أوامره. وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا( )،واعتبر من علامات النفاق الإعراض عن تحكيم الرسول في مواطن الخلاف: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ( )،إِنَّمَا كَانَ قَولَ الْمُؤمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُم أَنْ يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُم المُفْلٍحُونَ( )، بل جعل من لوازم الإيمان، أن لا يذهبوا حين يكونون مع رسول الله  دون أن يستأذنوا منه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( ).
قال ابن القيم: فإذا جعل الله من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهبًا إذا كانوا معه إلا باستئذانه، فأولى أن يكون من لوازمه أن لا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي إلا بعد استئذانه، وإذنه يعرف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه.اهـ.( )



السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي

السنة:
هي ما روي عن النبي  من قول أو فعل أو تقرير، وقد اعتنت الأمة الإسلامية بها عناية فائقة، فحفظوها وكتبوها، ورواها كل عن الآخر، حتى جاء بعضها متواترا باللفظ والمعنى، أو بالمعنى فقط، متصلا ذلك برسول الله، وهذا من خصائص الأمة المحمدية وحدها.
قال ابن حزم:
نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي ، مع الاتصال، خص الله به المسلمين دون سائر الملل، فقد حرص الصحابة والتابعون ومن بعدهم على أداء ما سمعوه من رسول الله  بأمانة وإخلاص، وتحروا في النقل حتى انتهى هذا إلى أئمة رجال الحديث، ودونت السنة.
والسنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، وتلي مرتبتها كتاب الله، فقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن نبيه بقوله: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى( ).
وأمر باتباعه وطاعته: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( )، أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ( ).
وحذرنا من مخالفته: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( ).
ولم يجعل لنا الخيرة أمام حكمه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ( ).
وجعل ذلك من أصول الإيمان: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( ).
وفرض على المؤمنين طاعته لأنها من طاعة الله: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ( ).
وهذه النصوص تقطع دابر الشك في وجوب الأخذ بالسنة في الأدلة الشرعية واعتبارها في المقام الثاني بعد القرآن، لمكانتها في نفس المؤمن، وتثبت المسلمين في نقلها بصورة لم يعهد لها نظير في تاريخ الأديان، بذلت فيها جهود مضنية لنقد ما نسب إلى رسول الله ، وتمييز الصحيح من غيره، وإن كان القرآن قد نزل إلينا بالتواتر حرفا حرفا.

شبه المبطلين:
ولكن طائفة ممن طمس الله على قلوبهم وأعمى بصائرهم في القديم والحديث، تزعم باطلا باسم التماس الحق وجوب الاكتفاء بالقرآن الكريم، وتدعي أن ما صدر عن رسول الله  من قول أو فعل أو تقرير كان باعتباره إماما للمسلمين، وبقدر ما تمليه مصلحتهم، فهو اجتهاد منه يتغير تبعا للمصلحة، والقرآن بدلالاته المختلفة لتقبله بيان أحكام الله، مستدلين بمثل قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا( )، وقوله: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ( )، وما كان بيان الرسول في دعواهم إلا تطبيقا لما فهمه من القرآن، ولو كان تشريعا لأمر بتدوينه، كما أمر بذلك في القرآن، بل إنه نهى عن كتابة شيء عنه، فقال: (لا تكتبوا عني، ومن كتب غير القرآن
فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)( )، ولما اشتد بالنبي  وجعه قال (ائتوا بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده)( )
قال عمر: (إن النبي غلب عليه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا)( ).
وتلك شبه واهية وحجج داحضة لا تقف أمام ما أجمع عليه من يعتد بهم من علماء المسلمين، الذين اتفقوا على أن السنة هي الأصل الثاني للأدلة الشرعية، وجرى العمل من عهد رسول الله  على ذلك، وإذا كانت السنة العملية المتواترة حجة عند هؤلاء القوم، فسنة المسلمين العملية المتواترة من عهد النبي  إلى يومنا هذا، هي الاستدلال على الأحكام الشرعية بما صح من السنة.
وقد بين الإمام الشافعي في الرسالة أنه لن تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها، قال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ( ).
وقال: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ( ).
وقسم الأحكام إلى أقسام:

1- ما أبانه الله لخلقه نصا، كجمل فرائضه من الزكاة، والصلاة، والحج، وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتحريم الزنا، والخمر، وأكل الميتة، ولحم الخنزير، وبيان فرض الوضوء.
2- وما جاء حكمه في القرآن مجملا، وبينه الرسول  بسنته القولية والعملية، كتفصيل مواقيت الصلاة، وعدد ركعاتها، وسائر أحكامه، وبيان مقادير الزكاة وأوقاتها، والأموال التي تزكى، وبيان أحكام الصوم، ومناسك الحج، والذبائح، والصيد، وما يؤكل وما لا يؤكل، وتفاصيل الأنكحة، والبيوع، والجنايات، مما وقع مجملا في القرآن.
وهو الذي يدخل في الآية الكريمة: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ( ).
3- وما سنه رسول الله  مما ليس فيه نص حكم بالقرآن، حيث فرض الله في كتابه طاعة رسوله، والانتهاء إلى حكمه: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ( )، فمن قبل هذه السنة امتثل أمر الله.
وقد تعرض ابن القيم في بيان وجوب اتباع السنة، ولو كانت زائدة على ما في القرآن إلى مثل هذا التقسيم مستشهدا بالأمثلة قال:
"والسنة مع القرآن على ثلاثة أوجه:

أحدها: أن تكون موافقة له من كل وجه، فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتضافرها.
والثاني: أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرا له.
والثالث: أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه، أو محرمة لما سكت عن تحريمه.
ولا تخرج عن هذه الأقسام، فلا تعارض القرآن بوجه ما، فما كان منها زائدا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي ، تجب طاعته فيه، ولا تحل معصيته، وليس هذا تقديما لها على كتاب الله، بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله، ولو كان رسول الله  لا يطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى، وسقطت طاعته المختصة به.
وإنه إذا لم تجب طاعته إلا فيما وافق القرآن لا فيما زاد عليه، لم يكن له طاعة خاصة تختص به، وقد قال الله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ( )، فكيف يمكن لأحد من أهل العلم ألا يقبل حديثا زائدا على كتاب الله، فلا يقبل حديث تحريم المرأة على عمتها، ولا على خالتها، ولا حديث التحريم بالرضاعة لكل ما يحرم من النسب"، ثم ذكر كثيرا من الأمثلة.
ومما لا شك فيه أن الاستقراء يدل على أن في السنة أشياء لا تحصى كثرة لم ينص عليها القرآن، كتحريم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، وألا يقتل مسلم بكافر، إلى غير ذلك، فلا مناص من الاعتراف بأحكام في الشريعة لم تثبت إلا في السنة وحدها.
وقد أشار الرسول  إلى هؤلاء المكابرين ذامًّا لهم ومحذرًا منهم، ويقول (لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر بما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)( ) وحذر الشاطبي منهم فقال: " إن الاقتصار على الكتاب رأي قوم لا خلاق لهم، خارجين عن السنة، إذ عولوا علىما بنيت عليه من أن الكتاب فيه بيان كل شيء، فاطرحوا أحكام السنة، فأداهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة، وتأويل القرآن على غير ما أنزله الله( ).
فأنت ترى بعد ذلك أن سنة رسول الله  ثروة خصبة في بيان مجمل القرآن، وتخصيص عامه، وتقييد مطلقه، وتشريع أحكام لم يأت لها نص في القرآن، وهي مادة غزيرة تغذي الفقه الإسلامي، وتنمي أحكام شريعته، ومن قبل عن رسول الله فعن الله قبل، لأن الله افترض طاعة رسوله، ولا يحل لمسلم علم ما في الكتاب وما في السنة أن يقول بخلاف واحد منهما( ).

ذكر السنن التي هي تفسير لما افترضه الله
مجملا مما لا يعرف معناه بلفظ التنزيل دون بيان النبي  وترجمته( )
قال أبو عبد الله: وجدت أصول الفرائض كلها لا يعرف تفسيرها ولا تنكر تأديتها ولا العمل بها إلا بترجمة من النبي  وتفسير منه، ومن ذلك: الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، قال الله عز وجل: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا( ) فأجمل فرضها في كتابه ولم يفسرها، ولم يخبر بعددها وأوقاتها فجعل رسوله هو المفسر لها والمبين عن خصوصها وعمومها وعددها وأوقاتها وحدودها وأخبر النبي  أن الصلاة التي افترضها الله هي خمس صلوات في اليوم والليلة في الأوقات التي بينها وحددها، فجعل صلاة الغداة ركعتين، والظهر والعصر والعشاء أربعا أربعا، والمغرب ثلاثا وأخبر أنها على العقلاء البالغين من الأحرار والعبيد ذكورهم وإناثهم، إلا الحيض فإنه لا صلاة عليهن وفرق بين صلاة الحضر والسفر، وفسر عدد الركوع والسجود والقراءة وما يعمل فيها من التحريم بها، وهو: التكبير، إلى التحليل منها، وهو: التسليم. وكذلك فسر النبي  الزكاة بسنته فأخبر أن الزكاة إنما تجب في بعض الأموال دون بعض على الأواقات والحدود التي حدها وبينها، فأوجب الزكاة في العين من الذهب والفضة والمواشي من الإبل والغنم والبقر السائمة، وفي بعض ما أخرجت الأرض دون بعض وعفا عن سائر الأموال، فلم يوجب فيها الزكاة، ولم يوجب الزكاة فيما أوجبها فيه من الأموال ما لم تبلغ الحدود التي حدها، فقال: "ليس في أقل من خمس أواق من الورق صدقة، ولا في أقل من خمسة أوسق [صدقة]، ولا في أقل من خمس ذود صدقة"( ) "ولا في أقل من أربعين من الغنم صدقة"( )، "ولا في أقل من ثلاثين من البقر"( ).
وبين أن الزكاة إنما تجب على من وجبت عليه
إذا حال عليه الحول من يوم يملك ما تجب فيه الزكاة، ثم تجب عليه في المستقبل من حول إلى حول، إلا ما أخرجت الأرض، فإن الزكاة تؤخذ مما وجب فيه الزكاة منه عند الحصاد والجداد( )، وإن لم يكن الحول حال عليه، ثم إن بقي بعد ذلك سنين لم يجب عليه غير الزكاة الأولى. كل ذلك مأخوذ عن سنة رسول الله ، غير موجود في كتاب الله بهذا التفسير، وكذلك الصيام، قال الله تبارك وتعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ( ) فجعل  فرض الصيام على البالغين من الأحرار والعبيد، ذكورهم وإناثهم إلا الحيَّض، فإنهن رفع عنهن الصيام، فسوى بين الصيام والصلاة في رفعها عن الحائض، وفرق بينهما في القضاء، فأوجب عليهن قضاء الصيام، ورفع عنهن قضاء الصلاة، وبين أن الصيام هو الإمساك بالعزم على الإمساك عما أمر بالإمساك عنه من طلوع الفجر إلى دخول الليل. إلى غير ذلك مما بينه .





وجوب العمل بسنة الرسول وسنة خلفائه الراشدين


عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: "وعظنا رسول الله  موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون. فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة"( ) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

الفوائد:
(1) المبالغة في الموعظة لما في ذلك من ترقيق القلوب وقبولها للحق.
(2) الاعتماد على القرائن في بعض الأحوال.
(3) أنه ينبغي سؤال الواعظ الزيادة من الوعظ والتخويف.
(4) من أعلام النبوة إخباره  بما سيقع بعده من الاختلاف في أمته فوقع كما أخبر .
(5) الأمر بتقوى الله تعالى والسمع والطاعة لولاة الأمور ولو كانوا عبيدا ما لم يأمروا بمعصية، مبالغة في طاعتهم.
(6) التمسك بالسنة والصبر على ما يصيب المتمسك من الأذى من ذلك.
(7) التحذير من ابتداع الأمور التي ليس لها أصل من الشرع.
(8) شرف الخلفاء الراشدين وفضلهم واتباع سنتهم( ).

شرح الحديث:
قوله: وعظنا رسول الله  موعظة) وفي رواية "بليغة"
وكان ذلك بعد صلاة الصبح (قوله: ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب) هذه صفة للمؤمنين عند سماع الذكر قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ( ). وقال تعالى: وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ) (قوله: فقلنا يا رسول الله كأناه موعظة مودع فأوصنا) أي لأن المودع يستقصي في القول والفعل، ولعل الخطبة التي أشار إليها العرباض شبيهة بما روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله  يوما كالمودع. فقال: "أنا محمد النبي الأمي ولا نبي بعدي، أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه، وعلمتكم خزنة النار وحملة العرش، وتجوز لي ربي، وعوفيت أمتي، فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله، أحلوا حلاله، وحرموا حرامه". (قوله : أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة) هاتان الكلمتان تجمعان سعادة الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ( ) وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ( ). وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الناس لا يصلحهم إلا إمام بر أو فاجر وقال الحسن: والله ما يستقيم الدين إلا بالأمراء وإن جاروا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون. وخرج الخلال في كتاب الإمارة من حديث أبي أمامة قال: "أمر رسول الله  أصحابه حين صلى العشاء أن احشدوا فإن لي إليكم حاجة، فلما فرغوا من صلاة الصبح قال: هل حشدتم كما أمرتكم؟ قالوا نعم. قال: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، هل عقلتم هذه؟ ثلاثًا، قلنا نعم. قال: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. هل عقلتم هذه؟ ثلاثا قلنا نعم. قال: اسمعوا وأطيعوا، هل عقلتم هذه؟ ثلاثا قلنا نعم" قال: فكنا نرى أن رسول الله #
 سيتكلم كلاما طويلا، ثم نظرنا في كلامه، فإذا هو قد جمع لنا الأمر كله. (قوله: وإن تأمر عليكم عبد) في رواية: "حبشي" وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي  قال: "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة". (قوله: فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ) هذا إخبار منه  بما وقع في هذه الأمة من كثرة الاختلاف في أصول الدين وفروعه، فأمر عند ذلك بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين في الاعتقادات والأعمال والأقوال. والخلفاء الراشدون، هم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم كما في الحديث الآخر "والخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكا" (قوله: وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) هذا تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة، والمراد بالبدعة ما أحدث في الدين مما لا أصل له في الشريعة، وهذا من جوامع الكلم، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"( ) وقال الشافعي: البدعة بدعتان: بدعة محمودة وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم. انتهى.
فمن البدع المحمودة الاجتماع في صلاة التراويح( ) وكتابة الحديث، وتفسير القرآن، وتبويب الفقه، ونحو ذلك مما له أصل في الشريعة، ويستعان به على معرفة الدين وإقامته، وبالله التوفيق( ).




(وجوب الانتهاء عما نهى عنه الرسول كله وامتثال أمره بحسب الاستطاعة)

عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله  يقول: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم" رواه البخاري ومسلم.
هذا الحديث من قواعد الإسلام المهمة، ومما أوتيه  من جوامع الكلم، ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام. قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( )، وقال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ( ) وهذا الحديث له سبب، وهو ما رواه مسلم أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله  فقال: "يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا. فقال رجل: أَكُل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا. فقال رسول الله : لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" انتهى. فالذي يتعين على المسلم أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله ، ثم يجتهد في فهم ذلك والوقوف على معانيه والعمل به، وهكذا كان حال أصحاب النبي  والتابعين لهم بإحسان في طلب العلم النافع من الكتاب والسنة. وروى الإمام أحمد عن معاوية رضي الله عنه عن النبي  "أنه نهى عن الأغلوطات". قال الأوزاعي: هي شداد المسائل –وقال عيسى بن يونس: هي ما لا يحتاج إليه من كيف وكيف؟. وقال الأوزاعي: إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط، فلقد رأيتهم أقل الناس علما. وقال مالك: المراء والجدال يذهب بنور العلم من قلب الرجل. وأخرج ابن أبي حاتم في
تفسيره من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه "أن رسول الله  سئل عن الراسخين في العلم فقال: من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، ومن عف بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم"( ).

الفوائد:
(1) الأمر بامتثال الأوامر واجتناب النواهي.
(2) أن النهي أشد من الأمر لأن النهي لم يرخص في ارتكاب شيء منه والأمر قيد بالاستطاعة.
(3) أن العاجز عن الواجب أو بعضه يسقط عنه ما عجز عنه لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا( ).
(4) النهي عن كثرة إيراد المسائل على جهة التعنت والتكلف وإثارة الفتن من المغيبات أو المشتبهات، أما السؤال عما يقع بالإنسان في أمر دينه أو دنياه فيجب السؤال عنه.
(5) تحذير هذه الأمة من مخالفتها لنبيها كما وقع للأمم التي قبلها فيهلكوا كما هلكوا( ).

(من لوازم الإيمان محبة الرسول واتباعه)
عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح( ).
هذا الحديث موافق لقوله تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا #
شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( ). وسبب نزول هذه الآية: "أن الزبير بن العوام رضي الله عنه كان بينه وبين رجل من الأنصار خصومة في ماء، فتحاكما إلى رسول الله  فقال: اسق يا زبير وسرح الماء إلى جارك –يحضه على المسامحة والتيسير- فقال الأنصاري يا رسول الله: أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله ، ثم قال يا زبير: واجس الماء حتى يبلغ الجدر ثم سرحه"( ) وذلك أن رسول الله  كان أشار على الزبير بما فيه مصلحة الأنصاري، فلما أحفظه الأنصاري بما قال: أي أغضبه استوعب للزبير حقه الذي يجب له. وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا( ). وفي الصحيحين عن النبي  أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين". وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( ). قال يحيى بن معاذ: ليس بصادق من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده. وقال بعضهم:@@@
تعصي الإله وأنت تزعم حبه
هذا لعمري في القياس شنيع

لو كان حبك صادقا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع

فجميع المعاصي والبدع إنما تنشأ من تقديم هوى النفس على محبة الله ورسوله. قال الله تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ( )، وقال تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى( ).( )

حق رسول الله
وهذا الحق هو أعظم حقوق المخلوقين فلا حق لمخلوق أعظم من حق رسول الله  قال الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ( )، ولذلك يجب تقديم محبة النبي  على محبة جميع الناس حتى على النفس والولد والوالد. قال رسول الله  " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"( ).
ومن حقوق النبي  توقيره واحترامه وتعظيمه التعظيم اللائق به من غير غلو ولا تقصير فتوقيره في حياته توقير سنته وشخصه الكريم، وتوقيره بعد مماته توقير سنته وشرعه القويم، ومن رأى توقير الصحابة وتعظيمهم لرسول الله عرف كيف قام هؤلاء الأجلاء الفضلاء بما يجب عليهم لرسول الله  قال عروة بن مسعود لقريش حينما أرسلوه ليفاوض النبي  في الصلح في قصة الحديبية قال: دخلت على الملوك كسرى وقيصر والنجاشي فلم أر أحدا يعظمه أصحابه مثل ما يعظم أصحاب محمد محمدا كان إذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وغذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له( ). هكذا كانوا يعظمونه رضي الله عنهم مع ما جبله الله عليه من الأخلاق الكريمة ولين الجانب وسهولة النفس ولو كان فظًّا غليظًا لانفضوا من حوله.
وإن من حقوق النبي  تصديقه فيما أخبر به م الأمور الماضية والمستقبلة وامتثال ما به أمر واجتناب ما عنه نهى وزجر والإيمان بأن هديه أكمل الهدي وشريعته أكمل الشرائع وأن لا يقدم عليها تشريع أو نظام مهما كان مصدره فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( ) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( ).
ومن حقوق النبي  الدفاع عن شريعته وهديه بما يستطيع الإنسان من قوة بحسب ما تتطلبه الحال من السلاح، فإذا كان العدو يهاجم بالحجج والشبه فمدافعته بالعلم ودحض حججه وشبهه وبيان فسادها وإن كان يهاجم بالسلاح والمدافع فمدافعته بمثل ذلك.
ولا يمكن لأي مؤمن أن يسمع من يهاجم شريعة النبي  أو شخصه الكريم ويسكت على ذلك مع قدرته على الدفاع( ).

من حقوق النبي
التي هي أوكد احلقوق بعد حق الله تعالى والتي هي من واجبات الإيمان.
1- الإيمان به  والرضى به نبيا ورسولا. 2- الشهادة له بالبلاغ.
3- محبته  وتقديمها على محبة النفس والولد والوالد والناس أجميعن. 4- محبة ما أمر به وبغض ما نهى عنه. 5- أن نتبعه في أصول الدين وفروعه. 6- أن نصدقه في كل ما أ خبر به من الشرائع والغيوب الماضية والمستقبلة. 7- طاعته  فيما أمر وتقديمها على طاعة كل أحد كائنا من كان قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا( ). 8- اجتناب ما نهى عنه وزجر قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( ). 9- أن لا يعبد الله إلا بما شرع قال :
"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم. 10- أن يكون حب المسلم وبغضه وفعله وتركه وقوله واعتقاده وعمله
بحسب أوامر الرسول  ونواهيه قال : "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به"( ). 11- تحكيم شريعته  والرضى بها واعتقاد كمالها والانقياد والاستسلام لها والدعوة إليها والدفاع عنها ونصرتها. 12- تعظيمه  وتوقيره واحترامه. 13- الاقتداء به  فيما يقوله ويفعله في عباداته ومعاملاته وعاداته وأخلاقه وآدابه. 14- النصيحة له  والعناية بسنته والبحث عن هديه وسيرته وتعظيم أمره ونهيه. 15- الإكثار من الصلاة والسلام عليه  وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
2- اللهم صل على محمد صلاة تجعلها بيننا وبين عذابك حجابا وتجعلها لنا إلى كرامتك مآبا وتفتح لنا بها إلى الجنة العالية بابا اللهم صل على محمد عدد قطر الأمطار وعدد رمال الأودية والقفار وعدد ورق الأشجار وعدد زبد البحار وعدد مثاقيل الجبال والأحجار وعدد أهل الجنة وأهل النار وعدد الأبرار والفجار واجعل اللهم صلاتنا عليه حجابا من عذاب النار وسببا في دخول الجنة دار النعيم والقرار –اللهم صل على محمد عدد من صلى عليه وعدد من لم يصل عليه- كما أمرت بالصلاة عليه وصل عليه كما تحب أن يصلى عليه وصل عليه ما ينبغي أن يصلى عليه اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته وأصحابه وأتباعه وتوفنا اللهم على سنته واجعلنا من أهل ولايته وأنفعنا بهدايته –وأدخلنا في شفاعته واحشرنا في زمرته وأوردنا حوضه واسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبدا وأدخلنا الجنة مع صحابته الأبرار الطيبين والأخيار آمين يا رب العالمين يا أرحم الراحمين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله على محمد آ. هـ. من بستان الواعظين لابن الجوزي ص 296.



1- من أخلاق الرسول 
كان رسول الله  أحسن الناس خلقا كما وصفه الله تعالى بذلك في قوله وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [سورة القلم آية 4] قالت زوجته عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن رواه أحمد ومسلم في صحيحه، ومعنى ذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان يتخلق بأخلاق القرآن ويتأدب بآدابه ويسارع إلى ما حث عليه ويأتمر بأوامره وينتهى عن نواهيه فمهما أمره به القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه.
هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خلق جميل قال عليه الصلاة والسلام "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"( ) وكان  يسلم على من لقيه ويجيب من دعاه ويقبل الهدية ويكافئ عليها. وكان يرحم الضعيف ويعطف على الفقير والمسكين واليتيم والأرملة، فيجب أن نتخلق بأخلاق نبينا محمد  ونتأدب بآدابه ونعمل بسنته ونطيعه في أمره ونتجنب ما نهانا عنه لأنه  قدوتنا وإمامنا وأسوتنا كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [سورة الأحزاب آية 21].
فإذا فعلنا ذلك أفلحنا ونجحنا وفزنا وسعدنا واهتدينا كما قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [سورة النور آية 54] فما أمر به النبي  وجب اتباعه وما نهى عنه وجب اجتنابه، وما أمر به  فقد أمر الله به وما نهى عنه فقد نهى الله عنه وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [سورة النجم آية 3- 4]، وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنْهُ فَانْتَهُواْ [سورة الحشر آية 7]، ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن يعص الرسول فقد عصى الله؛ قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [سورة النساء آية 80] وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( ) فهنيئًا لمن أطاع الله ورسوله بالفوز العظيم والثواب الجسيم قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [سورة النساء آية 13- 14] ولا يحقق المسلم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حتى يحب الله ورسوله بكل قلبه ويرضيهما بكل جهده، ولا يكون مؤمنا حقا حتى يكون حبه وبغضه وفعله وتركه وقوله واعتقاده وعمله بحسب أوامر الرسول  ونواهيه كما قال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [سورة النساء 65]( )؛ كما يجب على المسلم أن يقدم محبة النبي  على محبة نفسه وولده ووالده والناس أجمعين وبذلك يتحقق إيمانه كما قال  "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" رواه مسلم ولا ريب أن المحبة تستلزم الانقياد والمتابعة والطاعة كما قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة آل عمران آية 31] ولما ادعى قوم أنهم يحبون الله امتحنهم الله بهذه الآية، فأوجب اتباع الرسول محبة الله لمن اتبعه ومغفرة ذنوبه برحمة الله الغفور الرحيم اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد واحشرنا في زمرته وأدخلنا في شفاعته وأوردنا حوضه واسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبدا، واجمعنا به في دار كرامتك مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا قادرًا على كل شيء يا مالك الملك يا مجيب دعوة المضطر إذا دعاك وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرك الغافلون والحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه وسبحان الله وبحمده زنة عرشه ورضا نفسه وعدد خلقه ومداد كلماته ولله الحمد والشكر والثناء ملء الأرض والسماء.


حال الصحابة مع رسول الله
كانت حياة رسول الله  مع صحابته تمثل العدالة الحقة التي يتغنى بها الناس وتداعب أحلامهم في هذا العصر فلم يكن بينه وبين أصحابه حجاب يمنعه عنهم أو يمنعهم عنه، فهو يخالطهم في المسجد والسوق والمنزل والسفر والحضر وهم حريصون على لقائه وصحبته وملازمته للاقتباس منه والاهتداء بهديه والتأسي بسيرته وبلغ تنافسهم في ذلك إلى أنهم كانوا يتناوبون في ملازمة مجلسه، فعن عمر قال: "كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد، وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله  ينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم، وإذا نزل فعل مثل ذلك". وحيثما حدث لأحدهم من الأمر ما لا يعرف أسرع في السفر إلى رسول الله  وقطع المسافات الواسعة ليستفتيه". رواه البخاري.
وعن عقبة بن الحارث أنه أخبرته امرأة بأنها أرضعته هو وزوجته فركب من فوره وكان بمكة قاصدا المدينة حتى بلغ رسول الله  فسأله عن حكم الله فيمن تزوج امرأة لا يعلم أنها أخته من الرضاع ثم أخبرته بذلك من أرضعتهما فقال له النبي  كيف وقد قيل؟ ففارق زوجته لوقته، فتزوجت بغيره، ولم يكن الصحابة جميعا على مبلغ واحد من العلم بأحوال الرسول  وأقواله لتفاوت أحوالهم، وظروف حياتهم وأماكن إقامتهم ولم يكن للرسول  مجلس خاص للتعليم يجلس إليه فيه الصحابة، بل كانت حياته كلها منارة للعلم، وإن تخولهم بالموعظة من وقت لآخر، فضلا عن أيام الجمعة والعيدين. وعن ابن مسعود قال "كان رسول الله  يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا" رواه البخاري ومسلم ومعنى يتخولنا: يتعهدنا.
وقد أشار مسروق إلى تفاوت الصحابة في تلقيهم عن رسول الله  حيث يقول: "لقد جالست أصحاب محمد  فوجدتهم كالإخاذ (الغدير) فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لاصدرهم". ومن الطبيعي أن يكون أكثر الصحابة علما بسنة رسول الله من سبقوا إلى الإسلام، كالخلفاء الأربعة، وعبد الله بن مسعود، ومن كان أكثر ملازمة له وكتابة عنه كما سبق آنفا؟!
أما فيما يتعلق بالأمور المتصلة بالجنس وما يختص بالمرأة، فقد كان الرجال يسألون تارة رسول الله وتارة يرسل أحدهم امرأته لتسأل زوجاته لعلمهن بأحوال رسول الله العائلية، وقد يسأل النساء رسول الله  ما بشأن السؤال عنه من أمورهن فإذا كان هناك ما يمنع النبي  من التصريح للمرأة بالحكم الشرعي أمر إحدى زوجاته أن تفهمها إياه كما جاء أن امرأة سألت النبي  كيف تتطهر من الحيض فقال لها: "خذي فرصة ممسكة فتوضئي بها" فقالت يا رسول الله: كيف أتوضأ بها فأعاد كلامه السابق فلم تفهم فأشار إلى عائشة أن تفهمها ما يريد، فأفهمتها المراد وهو أن تأخذ قطعة قطن نظيفة فتضعها مكان الدم، فإن خرجت بيضاء كان ذلك علامة طهرها.اهـ. من كتاب (التشريع والفقه والإسلام تاريخا ومنهجا) لفضيلة الشيخ مناع خليل القطان صفحة 79- 80.





مشروعية الصلاة على النبي

بصفة كاملة وكراهية الإشارة إليها عند الكتابة بحرف
أو أكثر لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه...
أما بعد: فقد أرسل الله رسوله محمدا  إلى جميع الثقلين بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أرسله بالهدى والرحمة ودين الحق، وسعادة الدنيا والآخرة لمن آمن به وأحبه واتبع سبيله ، ولقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده فجزاه الله عن ذلك خير الجزاء وأحسنه وأكمله.
وطاعته  وامتثال أمره واجتناب نهيه من أهم فرائض الإسلام وهي المقصود من رسالته. والشهادة له بالرسالة تقتضي محبته واتباعه والصلاة عليه في كل مناسبة وعند ذكره لأن في ذلك أداء لبعض حقه  وشكرا لله على نعمته علينا بإرساله .
وفي الصلاة عليه  فوائد كثيرة منها امتثال أمر الله سبحانه وتعالى والموافقة له في الصلاة عليه  والموافقة لملائكته أيضا في ذلك قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( ).
ومنها أيضا مضاعفه أجر المصلي عليه ورجاء إجابة دعائه وسبب لحصول البركة ودوام محبته  وزيادتها وتضاعفها وسبب هداية العبد وحياة قلبه فكلما أكثر الصلاة عليه وذكره استولت محبته على قلبه حتى لا يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره ولا شك في شيء مما جاء به.
كما أنه صلوات الله وسلامه عليه رغب في الصلاة عليه بأحاديث كثيرة ثبتت عنه منها ما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  قال: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا" وعنه رضي الله عنه أيضًا أن رسول الله  قال: "لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي
فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم"( )، وقال : "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي"( )، وبما أن الصلاة على النبي  مشروعة في الصلوات في التشهد ومشروعة في الخطب والأدعية والاستغفار وبعد الأذان وعند دخول المسجد والخروج منه وعند ذكره وفي مواضع أخرى فهي تتأكد عند كتابة اسمه في كتاب أو مؤلف أو رسالة أو مقال أو نحو ذلك لما تقدم من الأدلة. والمشروع أن تكتب كاملة تحقيقا لما أمرنا الله تعالى به، وليتذكرها القارئ عند مروره عليها ولا ينبغي عند الكتابة الاقتصار في الصلاة والسلام على رسول الله  على كلمة (ص) أو (صلعم) وما أشبهها من الرموز التي قد يستعملها بعض الكتبة والمؤلفين لما في ذلك من مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا مع أنه لا يتم بها المقصود وتنعدم الأفضلية الموجودة في كتابة (صلى الله عليه وسلم) كاملة. وقد لا ينتبه لها القارئ أو لا يفهم المراد بها، علما بأن الرمز لها قد كرهه أهل العلم وحذروا منه. فقد قال ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلاح في النوع الخامس والعشرين من كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده قال ما نصه:
التاسع: أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله  عند ذكره ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته ومن أغفل ذلك فقد حرم حظا عظيما، وقد رأينا لأهل ذلك منامات صالحة، وما يكتبه من ذلك فهو دعاء يثبته لا كلام يرويه فلذلك لا يتقيد فيه بالرواية. ولا يقتصر فيه على ما في الاصل.
وهكذا ا لأمر في الثناء على الله سبحانه عند ذكر اسمه نحو عز وجل وتبارك وتعالى وما ضاهى ذلك إلى أن قال: ثم ليتجنب في إثباتها نقصين: أحدهما- أن يكتبها منقوصة صورة رامزا إليها بحرفين أو نحو ذلك، الثاني: أن يكتبها منقوصة معنى بألا يكتب وسلم وروي عن حمزة الكناني رحمه الله تعالى أنه كان يقول كنت أكتب الحديث وكنت أكتب عند ذكر النبي (صلى الله عليه) ولا أكتب (وسلم) فرأيت النبي
 في المنام فقال لي مالك لا تتم الصلاة علي؟ قال فما كتبت بعد صلى الله عليه إلا كتبت (وسلم) إلى أن قال ابن الصلاح: قلت ويكره أيضا الاقتصار على قوله (عليه السلام) والله أعلم. انتهى المقصود من كلامه رحمه الله تعالى ملخصا.
وقال العلامة السخاوي رحمه الله تعالى في كتابه فتح المغيث شرح ألفية الحديث للعراقي ما نصه: واجتنب أيها الكاتب (الرمز لها) أي الصلاة والسلام على رسول الله  في خطك بأن تقتصر منها على حرفين ونحو ذلك فتكون منقوصة صورة كما يفعله (الكسائي) والجهلة من أبناء العجم غالبًا وعوام الطلبة فيكتبون بدلا من (صلى الله عليه وسلم): (ص) أو (صم) أو (صلم) أو (صلعم) فذلك لما فيه من نقص الأجر لنقص الكتابة خلاف الأولى.
وقال السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: ويكره الاقتصار على الصلاة والتسليم هنا وفي كل موضع شرعت فيه الصلاة كما في شرح مسلم وغيره لقوله تعالى: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا إلى أن قال: ويكره الرمز إليهما في الكتابة بحرف أو حرفين كمن يكتب (صلعم) بل يكتبهما بكمالهما. انتهى المقصود من كلامه رحمه الله تعالى ملخصًا.
هذه وصيتي لكل مسلم وقارئ وكاتب أن يتلمس الأفضل ويبحث عما فيه زيادة أجره وثوابه ويبتعد عما يبطله أو ينقصه. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعا إلى ما فيه رضاه إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.#




رسالة النبي محمد  وسماحتها
عن عمر بن عبسة السلمي رضي الله عنه قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله  مستخفيا جراء عليه قومه فتلطفت حتى دخلت عليه فقلت له ما أنت؟ قال أنا نبي قلت وما نبي؟ قال أرسلني الله قلت بأي شيء أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شيء قلت فمن معك على هذا؟ قال: حر وعبد ومعه يومئذ أبو بكر وبلال رضي الله عنهما قلت: إني متبعك قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا ألا ترى حالي وحال الناس ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني قال فذهبت إلى أهلي وقدم رسول الله  المدينة وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة حتى قدم نفر من أهل المدينة فقلت ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع وقد أراد قومه قتله فعصمه الله منهم فلم يستطيعوا ذلك فقدمت المدينة فدخلت عليه فقلت يا رسول الله أتعرفني؟ قال نعم أنت الذي لقيتني بمكة فقلت يا رسول الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة قال صل الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس قيد رمح فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم اقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار قال فقلت يا نبي الله فالوضوء حدثني عنه فقال ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه ثم إذ غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قديمه إلى الكعبين إلا خرت خطايا
رجليه من أنامله مع الماء فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل فرغ قلبه لله تعالى إلا انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه.
فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله  فقال له أبو أمامة يا عمرو بن عبسة انظر ما تقول في مقام واحد يعطي هذا الرجل. فقال عمرو: يا أبا أمامة لقد كبرت سني ورق عظمي واقترب أجلي ومالي حاجة إلى أن أكذب على الله تعالى ولا على رسول الله  لو لم أسمعه من رسول الله  إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا حتى عد سبع مرات ما حدثت به ولكني سمعته أكثر من ذلك. رواه مسلم.
هذا حديث جليل القدر عظيم الشأن كثير الفوائد اشتمل على جمل كثيرة من قواعد الإسلام وأحكامه وآدابه قوله: وجرءآء عليه قومه" أي جاسرون عليه مستطيلون غير هائبين. قوله "بين قرني شيطان" أي ناحيتي رأسه والمراد التمثيل ومعناه أنه حينئذ يتحرك الشيطان وشيعته ويتسلطون قاله النووي. وقوله "يقرب وضوءه" معناه يحضر الماء الذي يتوضأ به. وقوله: "إلا خرت خطاياه" أي سقطت وقوله: "فلينتثر" اي فيستخرج ما في أنفه من أذى، وقوله "مستخفيا" أي مستترا.
وقوله "قيد رمح" أي قدر طوله في رأي العين. وقوله "تسجر جهنم" أي توقد ويزاد في حرها، وقوله: "حتى يستقل الظل بالرمح" أي ينقضي ظله الممتد حينما تكون الشمس في وسط السماء.

ما يستفاد من هذا الحديث:
1- ضلال الجاهلية الأولى بسبب عبادة الأوثان.
2- بيان المقصود من رسالة محمد  وهو صلة الأرحام وكسر الأوثان والقضاء عليهاوتوحيد الهل وإخلاص الدين له.
3- فضل أبي بكر الصديق وبلال بن رباح الحبشي رضي الله عنهما حيث سبقا إلى الإسلام قبل غيرهما.
4- سؤال الجاهل العالم عن ما يحتاج إليه من أمر دينه.
5- كراهة الصلاة في أوقات النهي الثلاثة وهي بعد صلاة الفجر حتى تطلع #
الشمس وترتفع قيد رمح وعند قيامها حتى تزول وبعد العصر حتى تغرب.
6- بيان الحكمة في النهي عن الصلاة في هذه الأوقات وهي طلوع الشمس وغروبها بين قرني شيطان وسجود الكفار لها وشدة الحر وسط النهار لأنها تسجر جهنم.
7- تحريم مشابهة الكفار والمشركين في عباداتهم ومعاملاتهم وعاداتهم لأن من تشبه بقوم فهو منهم.
8- فضل الوضوء وأنه يكفر الذنوب ويغسل الخطايا.
9- فضل الصلاة بعد الوضوء مع الخشوع وحضور القلب ومراقبة الله فيها.
10- التثبت فيما يقوله الإنسان ويحكيه.
11- قرن الحكم بدليله وتعليله.
12- يسر الإسلام وسماحته.
13- الحث على إسباغ الوضوء وتكميله.
14- مشروعية المضمضة والاستنشاق والاستنثار في الوضوء.
15- فضل عمرو بن عبسة في حرصه على الإسلام وسؤاله عن ما يحتاج إليه من أمر دينه رضي الله عنه وعن جميع أصحاب رسول الله  وحشرنا في زمرتهم.
فائدة:
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه عز وجل إذا قهر شهوته وهواه وإلا فقلب قد قهرته الشهوة وأسره الهوى ووجد الشيطان في مقعدا تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس والأفكار". #





الأدب مع رسول الله ( )
يشعر المسلم في قراراة نفسه بوجوب الأدب الكامل مع رسول الله  وذلك للاسباب التالية:
1- أن الله تعالى قد أوجب له الأدب عليه الصلاة والسلام على كل مؤمن ومؤمنة وذلك بصريح كلامه عز وجل إذ قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ( ). وقال سبحانه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ * أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ( ). وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ * اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ( ).
وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ( ). وقال جل جلاله:
لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا( ). وقال أيضا:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ( ). وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ
لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( ). وقال جل جلاله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( ).
2- أن الله تعالى قد فرض على المؤمنين طاعته، وأوجب محبته فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ( ). وقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( ). وقال سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( ). وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ( ). ومن وجبت طاعته وحرمت مخالفته لزم التأدب معه في جميع الأحوال.
3- أن الله عز وجل قد حكمه فجعله إمامًا وحاكمًا قال تعالى: إِنَّا أنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ( ). وقال وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ( ). وقال: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( ). وقال لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا( ) (سورة الأحزاب آية 21).
والتأدب مع الإمام والحاكم تفرضه الشرائع وتقرره العقول ويحكم به المنطق السليم.
4- إن الله تعالى قد فرض محبته على لسانه فقال  (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)( ). ومن وجبت محبته وجب الأدب إزاءه. ولزم التأدب معه.
5- ما اختصه به ربه تعالى من جمال الخلق والخلق، وما حباه به من كمال النفس والذات فهو أجمل مخلوق وأكمله على الإطلاق، ومن كان هذا حاله كيف لا يجب التأدب معه.
هذه بعض موجبات الأدب معه  وغيرها كثير، ولكن كيف يكون الأدب وبماذا يكون؟
هذا ما ينبغي أن يعلم!

يكون الأدب معه :
1- بطاعته. واقتفاء أثره، وترسم خطاه في جميع مسالك الدنيا والدين.
2- أن لا يقدم على حبه وتوقيره وتعظيمه حب مخلوق أو توقيره أو تعظيمه كائنا من كان.
3- موالاة من كان يوالي، ومعاداة من كان يعادي، والرضا بما كان يرضى به، والغضب لما كان يغضب له.
4- إجلال اسمه وتوقيره عند ذكره، والصلاة والسلام عليه، واستعظامه وتقدير شمائله وفضائله.
5- تصديقه في كل ما أخبر به من أمر الدين والدنياوشأن الغيب في الحياة الدنيا والآخرة.
6- إحياء سنته وإظهار شريعته، وإبلاغ دعوته، وإنفاذ وصاياه.#

7- خفض الصوت عند قبره، وفي مسجده لمن أكرمه الله بزيارته، وشرفه بالوقوف على قبره  وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
8- حب الصالحين وموالاتهم بحبه، وبغض الفاسقين ومعاداتهم ببغضه. هذه هي بعض مظاهر الآداب معه .
فالمسلم يجتهد دائما في أدائها كاملة، والمحافظة عليها تامة؛ إذ كماله موقوف عليها وسعادته منوطة بها، والمسئول الله جل جلاله أن يوفقنا للتأدب مع نبينا وأن يجعلنا من أتباعه أنصاره وشيعته وأن يرزقنا طاعته وأن لا يحرمنا من شفاعته اللهم آمين (وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن).



"قاعدة نافعة في وجوب الاعتصام بالرسالة"
الرسالة ضرورية في إصلاح العبد في معاشه ومعاده، فكما أنه لا صلاح له في آخرته إلا باتباع الرسالة، فكذلك لا صلاح له في معاشه ودنياه إلا باتباع الرسالة؛ فإن الإنسان مضطر إلى الشرع؛ فإنه بين حركتين: حركة يجلب بها ما ينفعه؛ وحركة يدفع بها ما يضره. والشرع هو النور الذي يبين ما ينفعه وما يضره، والشرع نور الله في أرضه وعدله بين عباده، وحصنه الذي من دخله كان آمنا.
وليس المراد بالشرع التمييز بين الضار والنافع بالحس؛ فإن ذلك يحصل للحيوانات العجم؛ فإن الحمار والجمل يميز بين الشعير والتراب، بل التمييز بين الأفعال التي تضر فاعلها في معاشه ومعاده، كنفع الإيمان والتوحيد؛ والعدل والبر والتصدق والإحسان؛ والأمانة والعفة؛ والشجاعة والحلم؛ والصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الأرحام وبر الوالدين، والإحسان إلى المماليك والجار؛ وأداء الحقوق؛ وإخلاص العمل لله والتوكل عليه؛ والاستعانة به والرضا بمواقع القدر به؛ والتسليم لحكمه والانقياد لأمره؛ وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه؛ وخشيته في الغيب والشهادة؛ والتقوى إليه بأداء فرائضه واجتناب محارمه؛ واحتساب الثواب عنده؛ وتصديقه وتصديق رسله في كل ما أخبروا به؛ وطاعتهم في كل ما أ مروا به؛ مما هو نفع وصلاح للعبد في دنياه وآخرته: وفي ضد ذلك شقاوته ومضرته في دنياه وآخرته.
ولولا الرسالة لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد، فمن أعظم نعم الله على عباده وأشرف منة عليهم: أن أرسل إليهم رسله؛ وأنزل عليهم كتبه؛ وبين لهم الصراط المستقيم. ولولا ذلك لكانوا بمنزلة الأنعام والبهائم بل أشر حالا منها، فمن قبل رسالة الله واستقام عليها فهو من خير البرية، ومن ردها وخرج عنها فهو من شر البرية، وأسوأ حالا من الكلب والخنزير والحيوان البهيم.
وفي الصحيح من حديث أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي  قال: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكانت منها طائفة طيبة
قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير. وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس؛ فشربوا منها وانتفعوا وزرعوا. وأصاب طائفةمنها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله تعالى ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" متفق على صحته.
فالحمد لله الذي أرسل إلينا رسولا من أنفسنان يتلو علينا آيات الله ويزكينا، ويعلمنا الكتاب والحكمة وغن كنا من قبل لفي ضلال مبين. وقال أهل الجنة: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ( ) والدنيا كلها ملعونة معلون ما فيها إلا ما أشرقت عليه شمس الرسالة وأسس بنيانه عليها، ولا بقاء لأهل الأرض إلا ما دامت آثار الرسل موجودة فيهم، فإذا درست آثار الرسل في الأرض وانمحت بالكلية خرب الله العالم العلوي والسفلي وأقام القيامة.
وليست حاجة أهل الأرض إلى الرسول كحاجتهم إلى الشمس والقمر؛ والرياح والمطر، ولا كحاجة الإنسان إلى حياته؛ ولا كحاجة العين إلى ضوئها، والجسم إلى الطعام والشراب؛ بل أعظم من ذلك، وأشد حاجة من كل ما يقدر ويخطر بالبال، فالرسل وسائط بين الله وبين خلقه في أمره ونهيه، وهم السفراء بينه وبين عباده.
وكان خاتمهم وسيدهم وأكرمهم على ربه: محمد بن عبد الله  يقول: "يا أ يها الناس إنما أنا رحمة مهداة"( )، وقال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ( ) وقال صلوات الله وسلامه عليه: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب"( ). وهذا المقت كان لعدم
هدايتهم بالرسل فرفع الله عنهم هذا المقت برسول الله ، فبعثه رحمة للعالمين ومحجة للسالكين، وحجة على الخلائق أجمعين، وافترض على العباد طاعته ومحبته، وتعزيزه وتوقيره، والقيام بأداء حقوقه، وسد إليه جميع الطرق، فلم يفتح لأحد إلا من طريقه، وأخذ العهود والمواثيق بالإيمان به واتباعه على جميع الأنبياء والمرسلين، وأمرهم أن يأخذوها على من اتبعهم من المؤمنين.
أرسله الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرًا نذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فختم به الرسالة؛ وهدى به من الضلالة؛ وعلم به من الجهالة، وفتح برسالته أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، فاشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها؛ وتألفت بها القلوب بعد شتاتها، فأقام بها الملة العوجاء، وأوضح بها المحجة البيضاء، وشرح له صدره؛ ووضع عنه وزره؛ ورفع ذكره؛ وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، أرسله على حين فترة من الرسل ودروس من الكتب حين حرف الكلم وبدلت الشرائع، واستند كل قوم إلى أظلم آرائهم، وحكموا على الله وبين عباده بمقالاتهم الفاسدة وأهوائهم، فهدى الله به الخلائق، وأوضح به الطريق، وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور؛ وأبصر به من العمى؛ وأرشد به من الغي، وجعله قسيم الجنة والنار، وفرق ما بين الأبرار والفجار؛ وجعل الهدى والفلاح في اتباعه وموافقته، والضلال والشقاء في معصيته ومخالفته.
وامتحن به الخلائق في قبورهم، فهمفي القبور عنه مسؤولون وبه ممتحنون، يؤتى العبد في قبره فيقال: ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟
فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله، جاءنا بالبينات والهدى فآمنا به واتبعناه، فيقال له: صدقت، على هذا حييت وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله، نم نومة العروس، لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، ثم يفسح له في قبره وينور له فيه، ويفتح له باب إلى الجنة، فيزداد غبطة وسرورا.
وأما الكافر والمنافق فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته. فيقال له: قد كنا نعلم ذلك، وعلى ذلك حييت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله، ثم يضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان.
وقد أمر الله بطاعة رسول الله  في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن، وقرن طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته مخالفته كما قرن بين اسمه واسمه، فلا يذكر الله إلا ذكر معه، قال ابن عباس –رضي الله عنه- في قوله: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ( ) قال: لا أذكر إلا ذكرت معي. وهذا كالتشهد والخطب والأذان، وأشهد أن لا إله الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فلا يصح الإسلام إلا بذكره والشهادة له بالرسالة.
وكذلك لا يصح الأذان إلا بذكره والشهادة له، ولا تصح الصلاة إلا بذكره والشهادة له، ولا تصح الخطبة إلا بذكره والشهادة له.
وحذر الله سبحانه وتعالى من العذاب والكفر لمن خالفه، قال تعالى: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( )، قال الإمام أحمد –رحمه الله تعالى- أي فتنة هي؟ إنما هي الكفر.
وكذلك ألبس الله سبحانه الذلة والصغار لمن خالف أمره. كما في مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمر؛ عن النبي  أنه قال: "بعثت بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم"( ).
وكما أن من خالفه وشاقة وعاداه هو الشقي الهالك فكذلك من أعرض عنه وعما جاء به واطمأن إلى غيره ورضي به بدلا منه هو هالك أيضا. فالشقاء والضلال في الإعراض عنه وفي تكذيبه، والهدى والفلاح في الإقبال على ما جاء به وتقديمه على كل ما سواه، فالأقسام ثلاثة المؤمن به، وهو: المتبع له المحب له، المقدم له على غيره. والمعادي له والمنابذ له، والمعرض عما جاء به، فالأول هو السعيد، والآخران هما الهالكان.

فنسأل الله العظيم أن يجعلنا من المتبعين له، المؤمنين به، وأن يحيينا على سنته ويتوفانا عليها، لا يفرق بيننا وبينها، إنه سميع الدعاء وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه الطيبين الطاهرين( ).

الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها( )

قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7]، وقال تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3، 4]، وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران: 31] وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [الأحزاب: 21]، وقال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا * مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65]، وقال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: 59]، قال العلماء: معناه إلى الكتاب والسنة. وقال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله [النساء: 80]، وقال تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: 52]، وقال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63]، وقال تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ( ) [الأحزاب: 34] والآيات في الباب كثيرة.

وأما الأحاديث:
1- فالأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي  قال: "دعوني ما تركتكم: فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه( )
2- الثاني: عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: "وعظنا رسول الله  موعظة بليغة وجلت منها القلوب( ) وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" رواه أبو داود، والترمذي( ) وقال: حديث حسن صحيح. "النواجذ" بالذال المعجمة: الأنياب، وقيل: الأضراس.
3- الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى". قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" رواه البخاري( ).
4- الرابع: عن أبي مسلم، وقيل: أبي إياس سلمة بن عمرو بن الأكوع رضي الله عنه، أن رجلا أكل عند رسول الله  بشماله فقال: "كل بيمينك" قال: لا أستطيع. قال: "لا استطعت" ما منعه إلا الكبر، فما رفعها إلى فيه.
رواه مسلم.( )
5- الخامس: عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله  يقول: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"( ) متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: كان رسول الله  يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح( )، حتى إذا رأى أنا قد عقلنا( ) عنه ثم خرج يوما، فقام حتى كاد أن يكبر، فرأى رجلا باديا صدره فقال: "عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم".
6- السادس: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فلما حدث رسول الله  بشأنهم قال: "إن هذه النار عدو لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم" متفق عليه( ).
7- السابع: وعنه قال: قال رسول الله : "إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة، قبلت الماء فأنبتت الكلأ( ) والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس
فشربوا منها وسقوا وزرعوا. وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان( )
لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى
الله الذي أرسلت به" متفق عليه( ).
"فقه" بضم القاف على المشهور، وقيل: بكسرها، أي: صار فقيها.
8- الثامن: عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله : "مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها( ) وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي" رواه مسلم( ).
"الجنادب": نحو الحراد والفراش، هذا هو المعروف الذي يقع في النار، "والحجز": جمع حجزة، وهي معقد الإزار والسراويل.
9- التاسع: عنه أن رسول الله ، أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال: "إنكم لا تدرون في أيها البركة" رواه مسلم.
وفي رواية له: "غذا وقعت لقمة أحدكم. فليأخذها فليمط( ) ما كا بها من أذى، وليأكلها، ولا يعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه؛ فإنه لا يدري في أي طعامه البركة".
وفي رواية له: "إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه. فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى، فليأكلها، ولا يدعها للشيطان"( ).
10- العاشر: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قام فينا رسول الله  بموعظة فقال: "يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلا كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء: 103] ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم، ، ألا وإنه سيجاء
برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال( )؛ فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ إلى قوله: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: 117، 118] فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم" متفق عليه( ). "غرلا" أي: غير مختونين.
11- الحادي عشر: عن أبي سعيد عبد الله بن مغفل، رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله  عن الخذف( ) وقال: "إنه لا يقتل الصيد، ولا ينكأ العدو( )، وإنه يفقا العين، ويكسر السن" متفق عليه( ).
وفي رواية: أن قريبًا لابن مغفل خذف؛ فهناه وقال: إن رسول الله  نهى عن الخذف وقال: "إنها لا تصيد صيدا" ثم عاد فقال: أحدثك أن رسول الله  نهى عنه، ثم عدت تخذف؟ لا أكلمك أبدا"( ).
12- وعن عابس بن ربيعة قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقبل الحجر –يعني الأسود- ويقول: إني أعلم أنك حجر ما تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله  يقبلك ما قبلتك. متفق عليه( )



1- من آيات النبي 

سيرة الرسول ، من آياته وأخلاقه وأقواله وأفعاله وشريعته من آياته، وأمته من آياته، وعلم أمته ودينهم من آياته، وكرامات صالح أمته من آياته، وذلك يظهر بتدبر سيرته من حين ولد إلى أن بعث، ومن حين بعث إلى أن مات، وتدبر نسبه وبلده وأصله وفصله، فإنه كان من أشرف أهل الأرض نسبا: من صميم سلالة إبراهيم، الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، فلم يأت نبي من بعد إبراهيم إلا من ذريته، وجعل له ابنين: إسماعيل وإسحاق، وذكر في التوراة هذا وهذا، وبشر في التوراة بما يكون من ولد إسماعيل، ولم يكن في ولد إسماعيل من ظهر فيما بشرت به النبوات غيره ودعا إبراهيم لذرية إسماعيل بأن يبعث فيهم رسولا منهم، ثم من قريش صفوة بني إبراهيم، ثم من بني هاشم صفة قريش، ومن مكة أم القرى، وبلد البيت الذي بناه إبراهيم، ودعا الناس إلى حجه، ولم يزل محجوجا من عهد إبراهيم، مذكورا في كتب الأنبياء بأحسن وصف.
وكان من أكمل الناس تربية ونشأة، لم يزل معروفا بالصدق والبر والعدل، ومكارم الأخلاق، وترك الفواحش والظلم، وكل وصف مذموم، مشهودا له بذلك عند جميع من يعرفه قبل النبوة، وممن آمن به وكفر بعد النبوة، لا يعرف له شيء يعاب به، لا في أقواله، ولا في أفعاله، ولا في أخلاقه، ولا جرت عليه كذبة قط، ولا ظلم، ولا فاحشة، وكان خلقه، وصورته من أكمل الصور وأتمها وأجمعها للمحاسن الدالة على كماله، وكان أميا من قوم أميين، لا يعرف، لا هو، ولا هم، ما يعرفه أهل الكتاب، التوراة والإنجيل، ولم يقرأ شيئا عن علوم الناس، ولا جالس أهلها، ولم يدع نبوة إلى أن أكمل الله له أربعين سنة، فأتى بأمر هو أعجب الأمور وأعظمها، وبكلام لم يسمع الأولون والآخرون بنظيره، وأخبرنا بأمر، لم يكن في بلده وقومه، من يعرف مثله، ولم يعرف قبله ولا بعده، لا في مصر من الأمصار، ولا في عصر من الأعصار، من أتى بمثل ما أتى به، ولا من ظهر كظهوره، ولا من أتى من العجائب والآيات بمثل ما أتى به، ولا من دعا إلى شريعة أكمل من شريعته،
ولا من ظهر دينه على الأديان كلها بالعلم والحجة وباليد والقوة كظهوره.
ثم إنه اتبعه أتباع الأنبياء، وهم ضعفاء الناس، وكذبه أهل الرياسة وعادوه، وسعوا في هلاكه وهلاك م اتبعه بكل طريق، كما كان الكفار يفعلون بالأنبياء وأتباعهم.
والذين اتبعوه، لم يتبعوه لرغبة ولا لرهبة، فإنه لم يكن عنده مال يعطيهم، ولا جهات يوليهم إياها، ولا كان له سيف، بل كان السيف والمال والجاه مع أعدائه.
وقد أذوا أتباعه بأنواع الأذى، وهم صابرون محتسبون، لا يرتدون عن دينهم لما خالط قلوبهم من حلاوة الإيمان والمعرفة.
وكانت مكة يحجها العرب من عهد إبراهيم، فتجتمع في الموسم قبائل العرب، فيخرج إليهم يبلغهم الرسالة، ويدعوهم إلى الله صابرا على ما يلقاه من تكذيب المكذب، وجفاء الجافي وإعراض المعرض إلى أن اجتمع بأهل يثرب، وكانوا جيران اليهود قد سمعوا أخباره منهم، وعرفوه، فلما دعاهم علموا أنه النبي المنتظر، الذي تخبرهم به اليهود، وكانوا قد سمعوا من أخباره ما عرفوا به مكانته، فإن أمره كان قد انتشر وظهر في بضع عشرة سنة، فآمنوا به وتابعوه على هجرته وهجرة أصحابه إلى بلدهم، وعلى الجهاد معه، فهاجر هو ومن اتبعه إلى المدينة، وبها المهاجرون والأنصار، ليس فيهم من آمن برغبة دنيوية ولا برهبة، إلا قليلا من الأنصار أسلموا في الظاهر، ثم حسن إسلام بعضهم، ثم أذن له في الجهاد، ثم أمر به ولم يزل قائما بأمر الله على أكمل طريقة وأتمها من الصدق والعدل. والوفاء، لا يحفظ له كذبة واحدة، ولا ظلم لأحد، ولا غدر بأحد، بل كان أصدق الناس، وأعدلهم، وأوفاهم بالعهد، مع اختلاف الأحوال عليه، من حرب وسلم وأمن، وخوف، وغنى، وفقر، وقلة، وكثرة، ظهوره على العدو تارة، وظهور العدو عليه تارة، وهو –على ذلك كله- ملازم لأكمل الطرق وأتمها، حتىظهرت الدعوة في جميع أرض العرب التي كانت مملوءة من عبادة الأوثان، ومن أخبار الكهان، وطاعة المخلوق في الكفر بالخالق، وسفك الدماء المحرمة، وقطيعة الأرحام، لا يعرفون آخرة ولا معادا، فصاروا أعلم أهل الأرض، وأدينهم، وأعدلهم، وأفضلهم.
حتى إن النصارى لما رأوهم –حين قدموا الشام- قالوا: ما كان الذين صحبوا المسيح بأفضل من هؤلاء.
وهذه آثار علمهم وعملهم في الأرض وآثار غيرهم، يعرف العقلاء فرق ما بين الأمرين.
وهو  –مع ظهور أمره وطاعة الخلق له وتقديهم له على الأنفس والأموال- مات  ولم يخلف درهما ولا دينارا ولا شاة ولا بعيرا له إلا بغلته وسلاحه، ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا( ) من شعير، ابتاعها لأهلهز
وكان بيده عقار ينفق منه على أهله، والباقي يصرفه في مصالح المسلمين، فحكم بأنه لا يورث، ولا يأخذ ورثته شيئا من ذلك.
وهو، في كل وقت، يظهر على يديه من عجائب الآيات وفنون الكرامات ما يطول وصفه، ويخبرهم بخر ما كان وما يكون، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، ويشرع الشريعة شيئا بعد شيء، حتى أكمل الله دينه الذي بعث به، وجاءت شريعته أكمل شريعة، لم يبق معروف تعرف العقول أنه معروف إلا أمر به، ولا منكر تعرف العقول أنه منكر إلا نهى عنه، لم يأمر بشيء فقيل: ليته لم يأمر به، ولا نهى عن شيء فقيل: ليته لم ينه عنه، وأحل الطيبات، لم يحرم شيئا مها كما حرم في شرع غيره، وحرم الخبائث لم يحل منها شيئا كما استحله غيره. وجمع محاسن ما عليه الأمم، فلا يذكر في التوراة، والإنجيل، والزبور، نوع من الخبر عن الله وعن ملائكته وعن اليوم الآخر، إلا وقد جاء به على أكمل وجه، وأخبر بأشياء ليست في هذه الكتب( ).
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه الطيبين الطاهرين.


2- من آيات النبي ( )


الحمد لله الذي أيد رسوله محمدا  بالآيات البينات واختصه بالفضائل الكثيرة والكرامات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الألوهية والربوبية والأسماء والصفات وأشهد أن محمد عبده وسوله المصطفى على جميع المخلوقات المبعوث رحمة للعالمين وقدوة للسالكين إلى رب الأرض والسموات صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان في الأقوال والأعمال والاعتقادات وسلم
تسليما.
أما بعد أيها المسلمون اتقوا الله تعالى واعرفوا ما أيد الله به نبيكم  من الآيات والمعجزات فإن الهق أعطاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر وأبلغ ما أوتيه  هذا القرآن العظيم ففيه عبرة لمن اعتبر( ) فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وفصل ما بينكم( ) اشتمل على ذكر أخبار الأولين والآخرين وعلى الفصاحة والبلاغة اللتين عجزت عنهما مدارك الجن والإنس السابقين مهم واللاحقين:
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا( ) أي معاونا ألا وإن من أعظم آياته سيرته في عبادته ومعاملاته وأخلافه كان  أتقى الناس لله تعالى وأجود الناس وأشجعهم وأصبرهم وأحسنهم مجالسة وألطفهم مكاملة وألينهم جانبا وأبلغهم في جميع صفات
الكمال، ألا وغن من آيته  انشقاق هذا القمر فرقتين كل فرقة منهما على جبل حين طلب أهل مكة من النبي  آية( )، ألا وإن من آياته 
إجابة دعائه في استسقائه واستصحائه وغير ذلك ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: بينما النبي  يخطب في يوم الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا فرفع يديه وما نرى في السماء فزعة يعني قطعة غيم فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبلا ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته حتى الجمعة الأخرى فقام ذلك الأعرابي أو قال غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا فرفع يديه فقال: "اللهم حوالينا ولا علينا" فما يشير إلى ناحية من السماء إلا انفرجت وصارت المدينة في مثل الجوبة يعني أن ما فوقها صحو وما على جوانبها ليس بصحو وإنما يمطر، ومن آياته  أنه حضرت الصلاة ذات يوم وهو في أصحابه وليس عندهم ما يتوضئون به فجيء بقدح فيه ماء يسير فأخذه نبي الله  فتوضأ منه ثم مد أصابعه الأربع على القدح فجعل الماء ينبع من بين أصابعه حتى توضأ القوم أجمعون وكانوا ثمانين رجلا( )، وأتي بإناء فيه ما ءيسير لا يغطي أصابعه فوضع يده فيه فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم أجمعون وكانوا ثلاثمائة رجل( )، ومن آياته  أنه أراد ذات يوم أن يقضي حاجته فنظر فلم ير شيئا يستتر به فإذا بشجرتين بشاطئ الوادي فانطلق إلى أحدهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي علي بإذن الله فانقادت عليه كالبعير الذي يصانع قائده ثم فعل بالأخرى مثلها ثم جمعهما فقال التئما علي بإذن الله فالتأمتا عليه فلما فرغ رسول الله  افترقتا وقامت كل واحدة منهما على ساق( ) وقال له جبريل: أتحب أن أريك آية قال نعم قال فنظر إلى شجرة من رواء الوادي فقال: ادع تلك الشجرة فدعاها فجاءت تمشي حتى وقفت بين يديه فقال جبريل: مرها فلترجع فأمرها فرجعت إلى مكانها( )، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كنت مع النبي  بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا قال: السلام
عليك يا رسول الله( )، وجاء قوم إلى رسول الله  فقالوا: يا رسول الله إن لنا بعيرا قد ند في حائط فجاء رسول الله  إلى البعير فقال تعال فجاء البعير مطأطئا راسه حتى خطمه وأعطاه أصحابه فقال أبو بكر: يا رسول الله كأنه علم أنك نبي فقال رسول الله : "ما بين لابتيها أحد لا يعلم أني نبي الله إلا كفرة الجن والإنس"( )، وآياته الدالة على أنه رسول الله كثيرة جدا. فسبحان من أيد هذا النبي بأنواع الآيات البينات ورفع له ذكره بين جميع المخلوقات اللهم أحينا على سنته وتوفنا علىملته وأوردنا حوضه واسقنا منه إنك جواد كريم رؤوف رحيم.

2- بيان شيء من أخلاق النبي ( )

الحمد لله ذي الفضل والإحسان والكرم والامتنان اصطفى نبينا محمدا  على جميع بني الإنسان وأدبه فأحسن تأديبه فكان خلقه القرآن وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الألوهية والربوبية والأسماء والصفات الحسان وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بمكارم الأخلاق وأتم الأديان  وعلى آله وأصحابه والذين اتبعوهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد أيها المسلمون اتقوا الله تعالى واعرفوا أخلاق نبيكم المصطفى فإنها مشتملة على القيام بحق الله وحقوق عباده وبها الحياة السعيدة والغايات الحميدة كان  قائما بشكر ربه منيبا إليه كثير التوبة والاستغفار فلقد قام يصلي حتى تورمت قدماه فقيل يا رسول الله أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال أفلا أكون عبدا شكورا( )، وقد خير بين أن يكون عبدا نبينا أو ملكا نبيا
فقال لا بل أكون عبدا نبيا( )، وقال  والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة( )، وكان أشد الناس خوفًا من الله فكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه فقالت عائشة يا رسول الله الناس يفرحون رجاء المطر وأنت تعرف الكراهية في وجهك فقال: يا عائشة وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح( )، وكان مع ذلك أعظم الناس شجاعة وأشدهم باسا فلقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فتلقاهم النبي  راجعا وقد سبقهم إلى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عري في عنقه السيف وهو يقول: لم تراعوا( )، وكان  حليما رفيقا أدركه أعرابي فجذبه جذبا شديدا وكان عليه برد غليظ الحاشية فأثرت حاشيته في عاتق رسول الله  من شدة جذب الأعرابي فقال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله  فضحك ثم أمر له بعطاء( ) وخدمه أنس بن مالك رضي الله عنه عشر سنين في الحضر والسفر فما قال له أف قط ولا قال لشيء صنعه لم صنعته ولا لشيء تركه لم تركته( )، وما ضرب رسول الله  بيده شيئا قط لا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله( ) وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله( )،
وكان أحسن الناس خلقا( )، فلم يكن فاحشا ولا متفحشا( )، ولا سبابا ولا لعانا وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم
يكن إثما فيكون ابعد الناس عنه( )، وكان أجود الناس( )، فما سئل على الإسلام شيئا إلا أعطاه فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة( )، وكان أزهد الناس في الدنيا فقد خير بين أن يعيش في الدنيا ما شاء الله أن يعيش وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه( )، وكان يلتوي من الجوع ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه( )، ومات ولم يخلف دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا( )، إلا سلاحه وبغلته ودرعه مرهونة عند يهودي بشعير ابتاعه لأهله( )، وكان بيده عقار ينفق على أهله منه والباقي يصرفه في مصالح المسلمين( )، وكان يرقع ثوبه ويخصف نعله ويكون في مهنة أهله( )، ويمشي مع ا لأرامل والمساكين ويجيب دعوتهم ويقضي حاجاتهم ويسلم على الصبيان إذا مر عليهم( )، وكان يمزج ولا يقول إلا حقا( )، وكان طويل الصمت قليل الضحك
كثير التبسم( )، وكان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ، وكان محترما مفخما إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير وإذا سكت تكلموا( )، وكان أشد الناس حياء وأفصحهم لسانا وأبلغهم( ) بيانا صلى ذات يوم الفجر فصعد المنبر فخطب الناس حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر حتى حضرت العصر فنزل فصلى ثم صعد المنبر حتى غربت الشمس فأخبرهم بما كان وما هو كائن( )، قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ( ).
صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.



من معجزات النبي 
ومعجزاته  تزيد على ألف معجزة: مثل انشقاق القمر وغيره من الآيات، ومثل القرآن المعجز، ومثل أخبار أهل الكتاب قبله وبشارة الأنبياء به، ومثل إخبار الكهان والهواتف به، ومثل قصة الفيل التي جعلها الله آية في عام مولده من العجائب الدالة على نبوته، ومثل امتلاء السماء ورميها بالشهب التي ترجم بها الشياطين، بخلاف ما كانت العادة عليه قبل مبعثه وبعد مبعثه، ومثل إخباره بالغيوب التي لا يعلمها أحد إلا بتعليم الله من غير أن يعلمه إياها بشر، فأخبرهم بالماضي مثل قصص الأنبياء مع قومهم، وبالمستقبلات، وكان قومه يعلمون أنه لم يتعلم من أهل الكتاب ولا غيرهم، ولم يكن بمكة أحد من علماء أهل الكتاب ممن يتعلم هو منه بل ولا كان يجتمع بأحد منهم يعرف اللسان العربي، ولا كان هو يحسن لسانا غير العربي، ولا كان يكتب كتابا ولا يقرأ كتابا مكتوبا، ولا سافر قبل نبوته إلا سفرتين: سفرة وهو صغير مع عمه أبي طالب لم يفارقه ولا اجتمع بأحد من أهل الكتاب ولا غيرهم، وسفرة أخرى وهو كبير مع ركب من قريش لم يفارقهم، ولا اجتمع بأحد من أهل الكتاب، وأخبر من كان معه بإخبار أهل الكتاب بنبوته مثل إخبار "بحير الراهب" بنبوته وما ظهر لهم منه مما دلهم على نبوته، وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع ومثل نبع الماء من بين أصابعه عدة مرات، ومثل تكثير الطعام القليل حتى أكل منه الخلق العظيم، وتكثير الماء القليل حتى شرب منه الخلق الكثير وهذا قد جرى غير مرة، وله ولأمته من الآيات ما يطول وصفه، ومثل نصره ونصر أمته القائمين بدينه إيمانا وعملا نصرا لا نظير له، وما يذكره بعض أهل الكتاب والكفار من نصر "فرعون ونمرود وسنحاديب وجنكيز خان" وغيرهم من الملوك الكافرين جوابه ظاهر، فإن هؤلاء لم يدع أحد منهم النبوة، وإن الله أمره أن يدعو إلى عبادته وطاعته، ومن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، بخلاف من ادعى أن الله أرسله بذلك، فإنه لا يكون إلا رسولا صادقا ينصره ويؤيده وينصر أتباعه ويجعل العاقبة لهم، أو يكون كذابا فينتقم الله منه ويقطع دابره، ويتبين أن ما جاء به ليس من البراهين والآيات التي لا تقبل المعارضة، فإن معجزات الأنبياء من خواصها أنه
لا يقدر أحد أن يعارضها ويأتي بمثلها بخلاف غيرها فإن معارضتها ممكنة فتبطل دلالتها والمسيح الدجال يدعي الإلهية ويأتي بخوارق، ولكن نفس دعواه الإلهية دعوى ممتنعة في نفسها، ويرسل الله المسيح ابن مريم فيقتله ويظهر كذبه، ومعه ما يدل على كذبه من وجوه متعددة كما ذكر في الأحاديث الصحيحة( )
.
حكم الاحتفال بالمولد النبوي
اعتاد كثير من الناس في مثل هذا الشهر شهر ربيع الأول من كل سنة إقامة الحفلات الرائعة لذكرى مولد الرسول  وذلك ليلة الثانية عشر منه قائلين أنه عبارة عن إظهار الشكر لله عز وجل على وجود خاتم النبيين وأفضل المرسلين بإظهار السرور بمثل اليوم الذي ولد فيه  وبما يكون فيه من الصدقات والأذكار، فنقول لا شك أنه سيد الخلق وأعظمهم وأفضل من طلعت عليه الشمس ولكن لماذا لم يقم بهذا الشكر أحد من الصحابة والتابعين ولا الأئمة المجتهدين ولا أهل القرون الثلاثة الذين شهدلهم الرسول  بالخيرية مع أنهم أعظم محبة له منا وهم على الخير احرص وعلى اتباعه أشد، بل كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره واجتناب نهيه وإحياء سنته ظاهرا وباطنا ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان لا في إقامة تلك الحفلات المبتدعة التي هي من سنن النصارى فإنه إذا جاء الشتاء في أثناء كانون الأول لأربع وعشرين خلت منه بزعمهم أنه ميلاد عيسى عليه الصلاة والسلام أضاءوا في ذلك الأنوار ووضعوا الطعام وصار يوم سرور وفرح عندهم، وليس في الإسلام أصل لهذا بل الإسلام ينهى عن مشابهتهم ويأمر بمخالفتهم فقد قيل إن أول من احتفل بالمولد النبوي هو كوكبوري أبو سعيد بن أبي الحسن علي بن بكتكين التركماني صاحب أربل أحدث ذلك في أواخر القرن السادس أو أوائل القرن السابع فإنه يقيم ذلك الاحتفال ليلة التاسعة على ما اختاره المحدثون من ولادته  تلك الليلة وفارق ليلة الثانية عشر على ما قاله الجمهور فهل
كان التركماني ومن تبعه أعلم وأهدى سبيلا من خيار هذه الأمة وفضلائها من الصحابة ومن بعدهم في حين أنه لو قيل إن يوم البعثة أولى بهذا الشكر من يوم الولادة لكان أحرى لأن النعمة والرحمة والخير والبركة إنما حصلت برسلاته بنص قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ( ) ومعلوم أن كل بدعة يتعبد بها أصحابها أو تجعل من شعائر الدين فهي محرمة ممنوعة لأن الله عز وجل أكمل الدين وأجمعت الأمة على أن أهل الصدر الأول أكمل الناس إيمانا وإسلاما فالمقيمون لتلك الحفلات وإن قصدوا بها تعظيمه  فهم مخالفون لهديه مخطئون في ذلك إذ ليس من تعظيمه أن تبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تغيير أو تبديل: وحسن النية وصحة القصد لا يبيحان الابتداع في الدين فإن جل ما أحدثه من كان قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية وقصد وما زالوا يزيدون وينقصون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت أديانهم خلاف ما جاءتهم به رسلهم والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ا. هـ. من الرسائل الحسان في نصائح الإخوان للشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله تعالى ص 23- 24 ط1.








عظيم قدره  ورفعة مكانته
عند ربه عز وجل


ملخص لمائة خصلة انفرد بها 
عن بقية الأنبياء السابقين عليهم السلام


للدكتور خليل إبراهيم ملا خاطر
أستاذ الحديث المشارك في المعهد العالي للدعوة الإسلامية
بالمدينة النبوية



ما أكرمه الله تعالى بهلذاته في الدنيا( )
1- أخذ الله له العهد على جميع الأنياء، .
2- كان عند أهل الكتاب علم تام به .
3- كان نبيا وآدم منجدل في طينته .
4- هو أول المسلمين .
5- هو خاتم النبيين .
6- هو نبي الإسلام .
7- هو أولى بالأنبياء من أممهم .
8- هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم .
9- كونه منة يمتن الله بها على عباده.
10- كونه خيرة الخلق، وسيد ولد آدم .
11- طاعته ومبايعته هي عين طاعة الله ومبايعته.
12- الإيمان به مقرون بالإيمان بالله تعالى.
13- هو رحمة للعالمين .
14- هوأمنة لأمته .
15- عموم رسالته .
16- تكفل المولى بحفظه وعصمته .
17- التكفل بحفظ دينه .
18- القسم بحياته .
19- القسم ببلده .
20- القسم له .
21- لم يناده باسمه .
22- ذكره في أول من ذكر من الأنبياء.
23- النهي عن مناداته باسمه .
24- لا يرفع صوت فوق صوته .
25- تقديم الصدقة بين يدي مناجاتهم له (ثم نسخ ذلك).
26- جعله الله نورا ..
27- فرض بعض شرعه في السماء .
28- تولى الإجابة عنه .
29- استمرار الصلاة عليه .
30- الإسراء والمعراج به .
31- معجزاته .
32- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
33- تأخير دعوته المستجابة ليوم القيامة .
34- أعطي جامع الكلم .
35- أعطي مفاتيح خزائن الأرض .
36- إسلام قرينه من الجن .
37- نصره بالرعب مسيرة شهر .
38- شهادة الله وملائكته له .
39- إمامته بالأنبياء في بيت المقدس .
40- قرنه خير قرون بني آدم .
41- ما بين بيته ومنبره روضة من رياض الجنة .
42- أعطي انشقاق القمر .
43- يرى من وراء ظهره .
44- رؤيته في المنام حق .
45- عرض الأنبياء مع أممهم عليه .
46- جعل خاتم النبوة بين كتفيه .
47- اطلاعه على المغيبات .
ما أكرمه الله تعالى به في الآخرة
48- وصفه بالشهادة .
49- ما أعطي من الشفاعات .
50- هو أول من يبعث .
51- هو إمام الأنبياء وخطيبهم .
52- كل الأنبياء تحت لوائه .
53- هو أول من يجوز على الصراط .
54- هو أول من يقرع باب الجنة .
55- هو أول من يدخل الجنة .
56- إعطاؤه الوسيلة والفضيلة . (الوسيلة: أعلى منزلة في الجنة).
57- إعطاؤه المقام المحمود .. (وهي الشفاعة العظمى)
58- إعطاؤه الكوثر .. (وهو نهر في الجنة)
59- إعطاؤه لواء الحمد .
60- يكون له كرسي عن يمين العرش .
61- هو أكثر الأنبياء تبعا .
62- هو سيد الأولين والآخرين يوم القيامة .
63- هو أول شافع ومشفع .
64- هو مبشر الناس يوم يفزع إليه الأنبياء .
65- ما يوحى إليه في سجوده تحت العرش مما لم يفتح على غيره من قبل ومن بعد .
66- منبره على حوضه .

ما أكرمه الله به في أمته في الدنيا
67- جعلت خير الأمم.
68- سماهم الله تعالى المسلمين، وخصهم بالإسلام.
69- أكمل الله لها الدين، وأتم عليها النعمة.
70- ما حطه الله عنها من الإصر والأغلال.
71- صلاة المسيح خلف إمام المسلمين( )
72- أحلت لها الغنائم.
73- جعلت صفوفها كصفوف الملائكة.
74- التيمم والصلاة على الأرض.
75- خصهم بيوم الجمعة.
76- خصهم بساعة الإجابة يوم الجمعة.
77- خصهم بليلة القدر.
78- هذه الأمة هي شهداء الله في الأرض.
79- مثلها في الكتب السابقة ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ( ).
80- لن تهلك بجوع، ولا يسلط عليها عدو من غيرها فيستأصلها.( )
81- خصت بصلاة العشاء.
82- تؤمن بجميع الأنبياء.
83- حفظها من التنقيص في حق ربها عز وجل.
84- لا تزال طائفة منها على الحق منصورة.

ما أكرمه الله تعالى به في أمته في الآخرة
85- هي شاهدة للأنبياء على أممهم.
86- هي أول من يجتاز الصراط.
87- هي أول من يدخل الجنة، وهي محرمة على الناس حتى تدخلها.
88- انفرادها بدخول الباب الأيمن من الجنة.
89- سيفديها بغيرها من الأمم. بسم الله الرحمن الرحيم
90- تأتي غرا محجلين من آثار الوضوء.
91- هي أكثر أهل الجنة.
92- سيرضي الله نبيه  فيها.
93- زيادة الثواب مع قلة العمل.
94- كلها تدخل الجنة إلا من أبى بمعصيته لله ورسوله للحديث الذي رواه البخاري.
95- كثرة الشفاعات في أمته.
96- تمني الكفار لو كانوا مسلمين.
97- هم الآخرون في الدنيا السابقون يوم القيامة.
98- دخول العدد الكثير منها الجنة بغير حساب.
99- لها علامة تعرف بها ربها عز وجل وهو الساق( )
100- فيها سادات أهل الجنة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مراجع رسالة (تذكير المسلمين باتباع سيد المرسلين) 
1- تفسير القرآن العظيم لابن كثير رحمه الله.
2- تفسير ابن سعدي رحمه الله.
3- منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري وفقه الله.
4- أصول المنهج الإسلامي للشيخ عبد الرحمن العبيد وفقه الله.
5- الفقه الإسلامي تاريخا ومنهجا للشيخ مناع القطان وفقه الله.
6- خطب الشيخ صالح الفوزان وفقه الله.
7- سبيل الجنة بالتمسك بالقرآن والسنة للشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي البنعلي وفقه الله.
8- حقوق دعت غليها الفطرة وقررتها الشريعة للشيخ محمد الصالح العثيمين وفقه الله.
9- المجموعة الجليلة للشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك رحمه الله.
10- كتاب السنة للشيخ محمد بن نصر المروزي رحمه الله.
11- الأحاديث الأربعون النووية.
12- شرح الأربعين للشيح عبد الله بن صالح المحسن.
13- جامع العلوم والحكم بشرح خمسين حديثا من جوامع الكلم للشيخ عبد الرحمن ابن رجب رحمه الله.
14- الكواكب النيرات، والثمار اليانعة، وكلمات مختارة للمؤلف وفقه الله.
15- مموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله جـ 19.
16- زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم رحمه الله.
17- القواعد الحسان لتفسير القرآن للشيخ عبد الرحمن السعدي.
18- الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
19- خطب الشيخ محمد الصالح العثيمين.
20- رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين  للإمام يحيى بن شرف النووي رحمه الله تعالى
فهرس رسالة
تذكير المسلمين باتباع سيد المرسلين 
المقدمة 5
وجوب معرفة هدي الرسول  9
معنى شهادة أن محمدا رسول الله ومقتضاها 12
قاعدة في طريقة القرآن في تقرير نبوة محمد  15
شكر الله على نعمته الكبرى بإرسال الرسول محمد  18
1- أهداف ومقاصد رسالة الرسول محمد  20
2- مقاصد وأهداف رسالة الرسول محمد  22
الأمر بالصلاة والسلام على النبي محمد  25
دليل محبة الله اتباع رسوله محمد  26
الذين أنعم الله عليهم هم المطيعون لله ورسوله 27
طاعة الرسول  طاعة لله 29
وجوب طاعة الرسول  وعدم إيمان من لم يرض بحكمه ويسلم لأمره 31
سعة رحمة الله وحصولها للمتقين الذين يتبعون الرسول  ويؤمنون به. 32
محبة النبي  ومتابعته 37
وجوب طاعته والنصيحة له  38
عدم إشراكه في العبادة 40
أهمية طاعة الرسول  في حياة المسلم 41
وجوب طاعة الرسول  في حياته وبعد مماته 46
السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي 49
ذكر السنن التي هي تفسير لما افترضه الله تعالى 54
وجوب العمل بسنة الرسول  57
وجوب الانتهاء عما نها عنه الرسول كله وامتثال أمره
بحسب الاستطاعة 60
من لوازم الإيمان محبة الرسول واتباعه 61
حق رسول الله  63
من حقوق النبي  64
1- من أخلاق الرسول  66
حال الصحابة مع رسول الله  68
مشروعية الصلاة على النبي  بصفة كاملة
وعدم الإشارة إليها بحرف أو أكثر عند الكتابة 71
رسالة النبي  وسماحتها 76
الأدب مع رسول الله  77
قاعدة نافعة في وجوب الاعتصام بالرسالة 81
الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها 85
1- من آيات النبي  90
2- من آيات النبي  93
(2) بيان شيء من أخلاق النبي  95
من معجزات النبي  99
حكم الاحتفال بالمولد النبوي 100
عظيم قدره  ورفعه مكانته عند ربه 103
مراجع رسالة (تذكير المسلمين باتباع سيد المرسلين  109
الفهرس 110

غرابيــل
03-07-2009, 10:26 PM
http://up101.arabsh.com/my/dd3e27e.gif (http://up101.arabsh.com/my/dd3e27e.gif)

قطرات امل
28-12-2009, 04:16 PM
جزاك ربي كل خير

عفاف حسن مختار
22-02-2010, 11:58 PM
جزاك الله خير يا ليت انه على ملف وورد

أ- منصور
05-08-2010, 06:27 AM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية

كاسب العز
05-08-2010, 05:19 PM
بارك الله فيك

لك مني أجمل تحية

تقبل مرورى

كاسب العز