المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التحكّم في الذات



د/ مرعي الحمراني
07-10-2008, 09:10 PM
هل تعرف الأمير السعيد الشهيد أبو عمرو الأنصاري الخزرجي؟ إنه صفحة مشرقة من تاريخ أمتنا، رجل روض ذاته فأحسن قيادتها، فنال أعظم النجاح، وأكبر الفلاح، فهيا نسمع قصته، ونقبس من نوره.
تعود قصة بطلنا إلى شهر جمادى الأولى من العام الثامن من الهجرة، يوم خرج المسلمون لقتال الروم في مؤتة، وكان اللواء مع قائد الجيش زيد بن حارثة رضي الله عنه، يوم أن قاتل حتى قتل، ثم حمل الراية من خلفه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، فلحق بأخيه في الجنة.
ثم جاء الدور على بطل قصتنا، الصحابي الجليل أبو عمرو عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، فالتقط الراية قبل أن تسقط على الأرض، وجعل يتقدم بها وهو متردد تحدثه نفسه بتركها، ولكن هيهات لرجل رباه النبي صلى الله عليه وسلم أن تحدثه نفسه بغير الخير فيجيبها لما أرادت، فجمع عبد الله بن رواحة رضي الله عنه همته وعزمه، وانطلق صائحا في نفسه، قائلًا لها:
أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنّهْ ... لَتَنْزِلِنّ أَوْ لَتُكْرَهِنّهْ
فكانت صيحته ولا زالت نبراسًا لنا على طريق التحكم في ذاتنا، والسيطرة عليها، فهلّ جعلنا لنا مع عبد الله بن رواحة رضي الله عنه نسبًا؟!
وإن أردنا أن نتحكم في هذه الذات، وأن نوظف طاقاتها في سبيل تحقيق أهدافنا، فدعنا نقدم مفتاحين من مفاتيح التحكم في الذات؛ لحل هذا اللغز، ولفك رموز هذا السر السادس من أسرار النجاح والتميز.
المفتاح الأول:
إن تحكم المرء في ذاته، وسيطرته على نفسه، وتوظيف إمكانياتها وقدراتها في سبيل تحقيق النجاح، كانت ولا زالت أمنية يشترك فيها جميع الناس تقريبا، ولكن ليس للأماني فرصة في التحقق إلا على أكتاف العمل الدائب الجاد المتواصل، والانضباط هو كلمة السر الأولى والمفتاح الأول؛ لتحقيق أي نجاح في الحياة؛ فكما يقول الكاتب الأمريكي جيم رون: (إذا كان هناك عامل ضروري للسعي الناجح في سبيل السعادة والرخاء، فهذا العامل هو الانضباط الذاتي)، ولذلك فإن للانضباط آثارًا عديدة تساهم في سيطرة المرء وتحكمه بذاته، ومن تلك الآثار ما يلي:
1. في قاموس الناجحين: فإننا لو بحثنا عن كلمة الانضباط الذاتي في قاموس الناجحين، فسنجد أنها تعني التحكم في الذات؛ ذلك لأن الانضباط الذاتي كما يقول الدكتور إبراهيم الفقي: (هو الصفة الوحيدة التي تجعل الشخص العادي يقوم بعمل أشياء فوق العادة، وهو القوة التي تصل بك إلى حياة أفضل).
2. شعاع الضوء: ولا يتوقف الأثر الإيجابي للانضباط عن ذلك الحد، بل يتعداه ليكون بمثابة الضوء الذي ينير نفق الحياة إذا أظلم، فكما تقول ليز موراي: (هناك دائما طريق مضيء في أصعب الظروف، فقط إذا تحرى المرء العمل الجاد والنظرة الثاقبة؛ فالأمر يرتهن برمته بمستوى تصميمك).
3. موعد على قمة الجبل: وإن كنت عزيزي القارئ تروم الوصول إلى قمة التميز، فاسمع إلى الشاعر هنري وادزورث عندما قال: (إن الآفاق التي وصل إليها العظماء، وحافظوا عليها، لم تأت بسرعة، فبينما خلد أقرانهم للنوم، ظلوا هم يكدحون طوال الليل)، فليس من حقنا إذن أن نأمل في التميز إلا إذا ارتكزنا على أرض صلبة من الانضباط القوي بأهدافنا والسعي الحثيث في تحقيقها.
ولا ينبئك مثل خبير:
وهنا يتصيد لنا خاطر الإمام الجوزي كلمات تستحق أن تكتب بماء الذهب؛ لأنها كلمات خرجت من فم خبير سار على طريق الانضباط، وخبر سبيل النجاح، فراحت كلماته تصف لنا دور الانضباط في تحقيق السير الحثيث نحو القمة، فيقول: (من الصفوة أقوام مذ تيقظوا ما ناموا، ومذ سلكوا ما وقفوا، فهمهم صعود وترقٍ)، ولا غرو أن تخرج تلك الكلمات من فم رجل عظيم تربى على منهاج عظيم هو منهاج النبي صلى الله عليه وسلم.
لغتان في شهر واحد!
وانظر إلى هذا النموذج الذي عرف كيف يكون الانضباط سبيلًا للنجاح، إنه الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه، والذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتعلم لغة اليهود، وكان لا يحسنها، فشمر للإنجازات ساعديه، ونفض عنه غبار الكسل، وامتطى صهوة الانضباط والعمل، وما هو إلا أسبوعان حتى أتقن لغة اليهود، حتى صار يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الكتب والرسائل التي يرسلها لليهود بالعبرانية، ويترجم له رسائلهم، ولم يتوقف انضباطه رضي الله عنه عند ذلك الحد، فقد كلفه النبي صلى الله عليه وسلم بمهمة أخرى، وهي تعلم اللغة السريانية، فما كان في هذه بأقل انضباطًا وعزمًا من الأولى، فأتقنها في سبعة عشر يومًا.
المفتاح الثاني:
هل تعرف الجراد النطاط؟ إنه ذلك الجراد الذي يقفز لمسافات قد تصل إلى متر أحيانًا، ربما تتساءل وما علاقة الجراد النطاط بالتحكم في الذات؟! والإجابة عند مجموعة من الباحثين في معهد الأبحاث الكندية بتورنتو، والذين وضعوا هذا الجراد النطاط في زجاجة مملوءة بالماء لنصفها، وأغلقوا الزجاجة بنوع من الفلين القوي، حاول الجراد في البداية أن يقفز؛ لكي يخرج نفسه من تلك الزجاجة فلا يموت غرقًا، ولكنه كلما حاول القفز، اصطدم بقوة في غطاء الزجاجة، وما زال يكرر المحاولة مرات عديدة، حتى وصل به الأمر في النهاية إلى عدم المحاولة؛ لأنه لو حاول مرة أخرى سيتألم جراء اصطدامه بالغطاء.
وهنا قرر الباحثون ترك الزجاجة دون غطاء، وربما تتصور أن الجراد سيهرب من تلك الزجاجة التي تقف عائقًا في طريق انطلاقته، ولكن العجب كل العجب، أن الجراد قد أُعْجِبَ بالأسر، واستقر في الماء ينتظر لحظة الموت والغرق، وهذا ما حدث بالفعل!
وللأسف الشديد، هناك كثير من الناس اليوم مثل هذا الجراد النطاط، يعيشون في أسر عاداتهم التي تقف حجر عثرة في طريق تميزهم؛ فإن تحكم المرء في عادات حياته، واكتسابه لعادات جديدة هو المفتاح الثاني للتحكم في الذات.
تعرف عليها:
ولكي تتخلص من عاداتك السيئة التي تعوقك، وتكتسب عادات أخرى تساعدك على الوصول إلى التميز، فلابد أن تعرف أولا ما هي العادات؟ وهنا يجيبك ستيفن كوفي بقوله: (العادات هي أمور نقوم بها مرارًا وتكرارًا، ولكننا لا ندرك عاداتنا معظم الوقت، إنها تعمل وتوجهنا أوتوماتيكيًّا)، بينما يرى الدكتور إبراهيم الفقي أن العادة ما هي إلا (فكرة وضعها الإنسان في ذهنه، وربط بها أحاسيسه، وكررها أكثر من مرة حتى أصبح المخ يعتقد أنها جزء من تصرفاته)، ولكن لا تظن أننا لا نستطيع السيطرة على تلك العادات التي توجهنا أتوماتيكيا، وللإمام الغزالي ـ رحمه الله ـ كلام رائع في هذا المجال حين يقول: (لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حسنوا أخلاقكم))، وكيف ينكر هذا في حق الآدمي، وتغيير خلق البهيمة ممكن، إذ ينقل البازي من الاستيحاش إلى الأنس، وال*** من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد، وكل ذلك تغيير للأخلاق).
نصيحة نبوية:
وحتى تستطيع السيطرة على عاداتك التي تعوق نجاحك، فلا بد أن تعلم أن التخلص من العادات السيئة يكون باستبدالها بعادات أخرى حسنة؛ فتأخذ مكانها، وتحتل موقعها، ولكي تكتسب هذه العادة الجديدة الحسنة، إليك نصيحة نبوية شريفة يصوغها لنا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم حين يقول: ((إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه)) حسنه الألباني.
ثلاث مراحل هامة:
من خلال الحديث، يتبين لك عزيزي القارئ أن طريق اكتساب العادات الحسنة هو الصبر والتكرار، وهما ركيزتان رئيستان في تغيير العادات، ولكن ينبثق من هاتين الركيزتين ثلاث مراحل هامة لتكوين العادات وهي:
1. التفكير والإدراك: ونعني به تفكير الشخص في العادة التي يحب اكتسابها، فيركز عليها، ويمنحها انتباهه ووقته وجهده.
2. التسجيل والتخزين: فعندما تركز انتباهك على أمر ما، فإن العقل يقوم بتسجيل كل ما يساعدك في اكتساب العادة الجديدة، من أفكار عملية تطبقها، أو برامج تدريبية تحضرها، أو دورات تلتحق بها.
3. التكرار: وهي من أهم المراحل في تكوين العادات؛ لأنه بالتكرار يتعامل العقل مع العادة الجديدة كما يتعامل مع التنفس والأكل والشرب، فيقوم الإنسان بها من غير جهد منه.

أهم المراجع:
1. قوة التفكير، الدكتور إبراهيم الفقي.
2. لليوم أهميته، جون سي ماكسويل.
3. المفاتيح العشرة للنجاح، الدكتور إبراهيم الفقي.
4. العادات السبع، ستيفن كوفي.
5. بصائر في العلم والثقافة، الدكتور عبد الكريم بكار.
6. صيد الخاطر، الإمام ابن الجوزي.
7. سير أعلام النبلاء، الإمام الذهبي.
8. سيرة ابن هشام.
9. إحياء علوم الدين، الإمام الغزالي.
10- مفكرةالإسلام.

جميل الثبيتي
07-10-2008, 11:49 PM
نقل موفق من مفكرة الإسلام ( السر السادس)

وفيه الكثير والكثير من الخير لترويض وتربية الذات بالذات

أخي الفاضل شكر لكم وننتظر جديدكم الهادف دوما

وفقكم الله

الذوق الرفيع
08-10-2008, 12:19 AM
الاستاذ مرعي الحمراني
وفقك الله في نقلك المميز
وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم امثلة حقيقة لنستفيد منها في حياتنا
دمت كاتبا مميزا

د/ مرعي الحمراني
08-10-2008, 03:04 PM
أشكركم جميعاً وبارك الله فيكم.

دفء البوح
08-10-2008, 04:48 PM
في كل زمان وفي كل مكان هناك حياة ناجحه بكل تأكيد

ولعل السر الأكبر في هذا النجاح هو ضبط النفس والقدره على التحكم بالذات

,

اشكر اخي الحمراني على ماتفضلت به من موضوع ثري
ولاينقصه سوى تطبيقه والعمل به

لك كل تحيه وتقدير

د/ مرعي الحمراني
09-10-2008, 05:33 PM
في كل زمان وفي كل مكان هناك حياة ناجحه بكل تأكيد

ولعل السر الأكبر في هذا النجاح هو ضبط النفس والقدره على التحكم بالذات

,

اشكر اخي الحمراني على ماتفضلت به من موضوع ثري
ولاينقصه سوى تطبيقه والعمل به

لك كل تحيه وتقدير





ألف شكر لك ولتعقيبك الجميل.

Aqua Butterfly
09-10-2008, 05:41 PM
جميل ان يكون الاسان قائدا لذاته بدلا من ان تكون الذات هي القائد
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

د/ مرعي الحمراني
11-10-2008, 02:41 PM
جميل ان يكون الاسان قائدا لذاته بدلا من ان تكون الذات هي القائد
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

أشكرك وبارك الله فيك.

غ’ـــير النآس
11-10-2008, 04:44 PM
http://sfsaleh.com/9war/uploads/b157ac09d7.gif (http://sfsaleh.com/9war/)

الأميره
12-10-2008, 02:53 AM
يعطيك العافية

الف شكر لك

د/ مرعي الحمراني
13-10-2008, 04:23 PM
أشكركم الشكر الجزيل وبارك الله فيكم.

قيـس
14-10-2008, 06:53 PM
يعطيك العافيه

ينابيع الأمل
19-10-2008, 03:21 PM
موضوع قيم في كل نواحيه
جزاك الله خيرا
وبارك الله فيك
على الموضوع الرائع

مشكور
اخي الكريم
جعله الله في ميزان حسناتك
وجعل الله مثواك الجنة ان شاء الله

د/ مرعي الحمراني
21-10-2008, 05:45 PM
كل الشكر والتقدير لكم يا زملائي الكرام.