المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إن كنت لا أستطيع السير على قدمي، فهذا لا يعني أنني لا أستطيع الصراخ في وجه الظلم



طيبه عجام
05-07-2008, 01:49 PM
الكثير من زملائنا من ذوي الاحتياجات الخاصة كانت في قلوبهم روح مبدعة تنتظر من يكشف عنها ويتلمسها بعناية حتى تظهر إلى عالم النور، إلا أن المتغيرات المحيطة كان لها الغلبة في بيئة أقل تفهماً لذوي الاحتياجات الخاصة، فلم يتسن لهذا المبدع المعاق أن يُسند ويوضع في المسار الذي يجب، فطمست قدرته خلف أبواب الإعاقة الموصدة، وتوارى معها إنسان كان ضحية لمفاهيم اجتماعية مغلوطة.

وعلى الجانب الآخر تجد بقعة من الأرض مكاناً لها تحت الشمس، فتنضج مقومات القدرة والابداع بفضل المساندة الاجتماعية والدعم المعنوي الذي يتلقاه المعاق من أسرته والمحيطين به ليشق طريقاً في طلب العلم والمعرفة، وقد يعجز عنه الآخرون من غير المعاقين، فيتغلب على العقبات بالصبر والإرادة، ويهزم قيود الإعاقة، ليلاقي نفسه محط إعجاب زملائه وأساتذته في الجامعة، فرحاً بنيل الشهادة ـ الحلم التي انتظرها طويلاً مع والديه ـ ليصبح بذلك نموذجاً وقدوة لذوي الاحتياجات الخاصة وغير المعاقين على السواء... كان هذا هو حال الشاب الفلسطيني مازن أحمد قوقاس من سكان قرية بيت أمّر قضاء الخليل.

بداية الإعاقة

كان طبيعياً منذ ولدته أمه عام 1967 متدرجاً في نموه كأي طفل يتمتع بنمو جسمي سليم وقدرة على المشي واكتساب اللغة، إلى أن شارف على اتمام السنة الثانية من عمره، حيث هاجم جسمه ارتفاع حاد في درجة الحرارة، وعجزت كل المسكنات عن إخماد جذوتها، فأسرعت به الأسرة إلى الطبيب، وما إن وصل العيادة حتى تشنجت أطرافه، فاضطرت أسرته للمكوث به في المستشفى لتلقي العلاج، وظل والداه يتنقلان به بين عيادات الأطباء لإجراء الفحوصات والتحاليل الطبية اللازمة، يبحثان بكل ما أوتيا من جهد عن حل لمشكلة ابنهما يرضي ضميرهما ويشبع عاطفة الأمومة والأبوة تجاه ابنهما، حتى لو كان ذلك على حساب سعادة معلمين من ذوي الدخل المحدود تنتظرهما هموم ومسؤوليات مستقبل ابنتين وثلاثة ذكور هم أخوة مازن.

في نهاية المطاف كان لابد من التسليم بقضاء الله وقدره، حيث استقرت رحلة الصراع المريرة بين المرض والعلاج إلى إصابة مازن بالشلل الدماغي الطولي في الجهة اليسرى من الجسم دون إصابة المراكز المسؤولة عن اللغة والكلام في الدماغ، مما تطلب جلسات مطولة من العلاج الطبيعي امتدت سنوات.

طيبه عجام
05-07-2008, 01:50 PM
التعايش مع الإعاقة:

وهكذا، كان على مازن وأسرته التعايش مع الإعاقة والاستعداد لمواجهة حياة ستكون صعبة بكل مفرداتها، فبدأت خطوته الأولى على طريق العلم من جمعية الحسين للمعاقين بالأردن، حيث وفرت له التنقل من وإلى الجمعية، وها هو ينهي الصف الخامس الابتدائي فيها عن جدارة، ليتم دمجه مع طلبة الصف السادس في مدرسة أبو نصير الثانوية في عمان، دون أن يواجه صعوبات أكاديمية تذكر قد تكون إعاقته تسببت فيها، فكان التعليم بالنسبة له نافذته المطلة على الحياة، وحب المعرفة مزروع بداخله، يبحث عنها رغم معاناته الجسدية، تزيده الدافعية رغبة في استباق أقرانه، وعيناه التي تشع فطنة تتطلع لمستقبل أفضل.



الدراسة في الإمارات

حين أتيحت لوالديه فرصة العمل في دولة الإمارات في مجال التعليم وكان هذا عام 1989 التحق مازن بالصف الأول الاعدادي في مدرسة سيف اليعربي الثانوية بالفجيرة، وحظي هناك بالدعم والاسناد المناسبين من إدارة المدرسة إضافة إلى التفهم الكافي لحاجته الخاصة من قبل المنطقة التعليمية بالشرقية فاستمر على مقاعد الدراسة بين زملائه ومدرسيه حتى الصف الثاني الثانوي العلمي، حينها شعر ببعض التغيرات التي فرضت نفسها عليه سيما وأنه دخل مرحلة المراهقة بكل ما فيها من تفحص وادراك للذات وتحديد الهوية وتبلور ملامح الشخصية، فأصبح يقيّم ذاته ويقارن نفسه بزملائه، دون أن يحظى بالاسناد النفسي اللازم والتفهم الكافي من المحيطين خلال ذاك المنعطف الهام من حياته، فوجد نفسه كمعاق وحيداً في عراك مع الحياة ومتطلباتها، فلم يجد البيئة النفسية ولا المادية المناسبة المتفهمة له، زيادة على قلة المرافق المادية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.

طيبه عجام
05-07-2008, 01:51 PM
ضغوط وإحجام:

كان من نتاج ذلك أن شكلت تلك الضغوط لديه احجاماً عن الدراسة وتراجعاً في مستوى الطموح والدافعية نحو تحقيق الذات، فواصل حياته في البيت منقطعاً عن التعليم لمدة سنتين، تراه فيهما مختلفاً عن مازن الذي يعتبر شعلة من النشاط والذهن المتفتح، المقبل على الحياة رغم العقبات.

الشيخة جميلة القاسمي تتدخل للمساعدة:

كادت أحلامه تتهاوى وطموحات والديه المعلقة تنهار لولا تدخل سعادة الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي مدير عام مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية التي قابلته ورفعت من معنوياته حين كان يتلقى جلسات العلاج الطبيعي في المدينة، فكان لها الفضل في إعادته للمدرسة من جديد وحصوله على استثناء من وزارة التربية والتعليم بعد أن اصطدمت أسرته بقوانين الوزارة التي لا تسمح بعودته إلى مقاعد الدراسة.



العودة إلى الدراسةوالحصول على الثانوية:

وعاد مازن للانتظام بالدراسة منتقلاً إلى الفرع الأدبي، وبدأ يحضر لنيل الثانوية العامة في أواخر شهر ابريل مع أن موعد الامتحانات سيكون قريباً في شهر يونيو، فكان ذلك بمثابة تحد له شعر من خلاله بأن نتائجه ستحدد مصير حياته، تدفعه إلى ذلك كلمات أمه التي ما انفكت ترددها على مسامعه: >الثانوية العامة يا ابني هي مفتاح الحياة ويجب أن تحصل على هذا المفتاح<.. وبالفعل فقد آتت هذه الكلمات ثمارها حين حصل على معدل (2ر67) في الثانوية العامة، وتوجه مسرعاً صوب أمه في غمرة لحظات الفرح ليهديها نجاحه قائلاً: >ها أنا قد حصلت على هذا المفتاح الذي انتظرناه طويلاً، وليس هناك من هو أحق منك بهذه الهدية<.

طيبه عجام
05-07-2008, 01:51 PM
الدراسة الجامعية

ولكن الطريق لم تنته بعد في نظر مازن، وطموحه لا يقف عند حدود كرسيه المتحرك، بل يتعدى ذلك للتفكير بشكل جدي في الالتحاق بالجامعة كأخيه المهندس وأخته المعلمة، فكان له مراده حين عاد إلى وطنه فلسطين ليلتحق بجامعة طالما سمع عن المساعدات التي تقدمها والخدمات والمرافق المهيئة التي تتوافر فيها لذوي الاحتياجات الخاصة وهي جامعة بيت لحم.

وبالفعل التحق بالجامعة وكان له حضوره بين زملائه، مكوناً في فترة وجيزة نسيجاً اجتماعياً متيناً مع عدد كبير من الطلبة والمحاضرين، تساعده في ذلك روحه المحبة للحياة والناس ولباقته في التعامل معهم وكسب ودهم، فأصبح معروفاً في الجامعة التي تحملت عنه بعض الأقساط الدراسية، واحتضنه زملاؤه في الدراسة فكان لبنة أساسية في كيانهم لدرجة أنه كان يتسلم دوماً الكؤوس الرياضية التي يفوز بها فريق الكلية الرياضي نيابة عن زملائه وكنوع من الاحترام لوجوده بينهم.



الإقامة والسكن

كان مقيماً في السنة الدراسية الأولى في سكن تابع لجمعية تقدم خدماتها لجرحى الانتفاضة الفلسطينية وهي جمعية الشبان المسيحيين التي تبنته سنة كاملة في الجامعة بما في ذلك سكنه وتنقله من وإلى الجامعة، انتقل بعدها إلى جمعية المكفوفين الكبار التي وفرت له غرفة مستقلة مع زميل له معاق حركياً أيضاً.



الاحباط مرة أخرى!

أحب مازن اللغة الانجليزية والكمبيوتر، لذلك تخصص مع شقيقته التي تدرس في الجامعة ذاتها بالترجمة، وفي محطته الثانية من سنوات الدراسة انتقلت أخته إلى تخصص آخر وهو اللغة العربية بعد أن كانت عاملاً قوياً ومشجعاً لمازن في دراسته لأنها في التخصص ذاته، وتزامن ذلك مع موقف سيء تعرض له من إحدى المدرسات عندما طلبت منه وأمام زملائه أن يحول إلى تخصص آخر لأنه ـ في رأيها ـ لن يستطيع الاستمرار في دراسة اللغة الانجليزية، فكانت هذه الكلمات ثقيلة على شاب مرهف الحس يدرس بعيداً عن والديه في ظروف صعبة، فتذكر إعاقته التي لم تخطر على باله طوال سنتين مضتا مسترجعاً ذكريات انقطاعه عن الدراسة في المرحلة الثانوية، ولم يخبر أحداً بما حدث، وانقطع فصلاً دراسياً واحداً عن الجامعة، وبعد علم أسرته كان لابد من حضور والده للتدخل في حل تلك المشكلة وتشجيعه على الاستمرار في دراسته وإعادة تنظيم نفسه، وقد لاقى تشجيعاً كبيراً من الجامعة والزملاء بالاستمرار في التخصص الذي يحب، وساعدته إدارة الجامعة ومجلس الطلبة في شراء كرسي متحرك كهربائي، كان عوناً له في السير على الطريق الصاعد نحو الجامعة، وعاد إلى حياته الجامعية لدراسة اللغة الانجليزية وآدابها بنفس جديد وقناعة أكبر تجاه هذا التخصص.

طيبه عجام
05-07-2008, 01:52 PM
حصار الصهاينة

لمهد السيد المسيح

ظل مازن كذلك ينعم بالأمان والهدوء في مدينة مهد السيد المسيح والتي ظلت موئلاً ورمزاً للسلام والتعايش بين المسلمين والمسيحيين العرب إلى أن أعادت قوات الاحتلال الصهيوني احتلال المدن الفلسطينية، فحطمت الأمان الذي كان مازن يعيشه وزملائه طلبة جامعة بيت لحم، لتضع أمامه المزيد من العوائق، وتذيقه أياماً من الحصار الخانق كباقي سكان المدينة، فظل حينها وحيداً قابعاً في غرفته، منقطعاً عن العالم الخارجي، تأتيه بطعامه اليومي إحدى مؤسسات الإغاثة الدولية.

وكنتيجة لهذا الواقع المفروض على وطنه والذي لم يعزل نفسه عنه، فقد شارك زملاءه الطلبة مسيراتهم المناهضة للحصار الظالم والمطالبة بالسماح لهم بالعودة للدوام في الجامعة.



أستطيع الصراخ في وجه الظلم:

تناقلت وسائل الإعلام صوراً عن مسيرة الطلبة وبثتها عبر الفضائيات فكانت مفاجأة ما بعدها مفاجأة لوالدته التي رأته يسير مع زملائه على كرسيه المتحرك وهو يهتف معهم، فدفعها خوفها عليه للاتصال به ومطالبته بالابتعاد عن الخطر نظراً لوضعه البدني، فكان رده قاطعاً: >أنا إنسان كغيري من البشر، أعاني مثلهم، وأنتمي إلى وطن أحبه، وإن كنت لا أستطيع السير على قدمي، فهذا لا يعني أنني لا أستطيع الصراخ في وجه الظلم<.

لم يكن خوف الأم على ولدها من فراغ، فهي تدرك صعوبة الأوضاع في فلسطين المحتلة، وما عزز ذلك الشعور بالخوف عليه زيارتها له في الصيف الماضي، ورؤيتها لمكان الرصاصة التي انطلقت من إحدى المغتصبات المجاورة مخترقة نافذة غرفته ومحدثة ثقباً في الجدار ليس بعيداً عن موضع رأسه فوق سريره ولكن رحمة الله كانت أقوى من كيدهم ونجا دون أن يصاب بأقل مكروه.

طيبه عجام
05-07-2008, 01:52 PM
ما بعد الشدة

إلا الفرج

عاشت الأسرة هنا في دولة الإمارات ولكن مشاعرها مع ابنها في فلسطين، واستمر هذا الوضع حتى استكمل مازن دراسته الجامعية واقترب موعد حفل التخرج الذي أكدت عليه عميدة الكلية بضرورة حضوره قائلة: >إن لم تأت فلن يكون هناك حفل تخرج لطلاب الكلية<.

جاءت والدته من الإمارات لحضور الحفل في الصيف الماضي ومشاركة ابنها فرحته، وعندما سمعت اسمه، وشاهدته يعتلي المنصة بكرسيه المتحرك مرتدياً ثوب التخرج رافعاً هامته وعيناه تذرفان دموع الفرح والسعادة بعد سنوات كان فيها أقوى من الصبر وتمتد يداه لتسلم شهادته من عميدة الكلية هي نتاج أربع سنوات من الجهد والتعب، يصافح أساتذته الذين قبلوه بحرارة وتصاعدت حرارة تصفيق زملائه الذين يعرفونه كشمس تشرق على جامعتهم مع كل صباح...

أمام هذا المشهد المؤثر لم تتمالك الأم نفسها في تلك اللحظات فاعتلت المنصة هي الأخرى وعانقت ابنها وقبلته بحرارة وكأنه تراه للمرة الأولى، فامتزجت دموعهما معاً وقلباهما يبتهلان إلى الله حمداً وشكراً على حلم تحقق وعلى لحظات طال انتظارها.

وها هو مازن يتخرج من جامعته بعد تجارب أكسبته صلابة وقوة في مواجهة الحياة، يحمل بقبضته سلاحه العلمي، باحثاً عن عمل يتناسب مع قدراته ومؤهلاته فيشارك في بناء وطنه فيحقيق استقلاله الاقتصادي ويشرع في بناء أسرته الصغيرة.

طيبه عجام
05-07-2008, 01:53 PM
عناوين فرعية

كان له حضوره المتميز بين زملائه واستطاع خلال فترة وجيزة أن يكون نسيجاً اجتماعياً متيناً مع عدد كبير من الطلبة والمحاضرين ساعده في ذلك روحه المحبة للحياة والناس ولباقته في التعامل معهم وكسب ودهم



>أنا إنسان كغيري من البشر، أعاني مثلهم، وأنتمي إلى وطن أحبه، وإن كنت لا أستطيع السير على قدمي، فهذا لا يعني أنني لا أستطيع الصراخ في وجه الظلم<.. كان هذا رده على والدته التي خشيت عليه من مشاركته في المسيرات الطلابية



لم تتمالك والدته نفسها فتعالت زغاريدها فرحة بتخرج ابنها مازن مع تصفيق حار من 400 خريج وخريجة شاركوا زميلهم المثابر وأسرته فرحتهم الكبيرة

مازن يتسلم شهادة التخرج من الرئيس الفخري لجامعة بيت لحم

يتوسط والدته وشقيقته هيا التي تخرجت معه في الدفعة ذاتها وإلى يمينه عميدة كلية الآداب ووالده وخاله

عباس العتابي
05-07-2008, 03:21 PM
الانسان موجود بروحهه


بغض النظر عن كل الامور الاخرى


فمازال يملك هذه الطاقه يستطيع


ان يحيى ويتفاعل


فاعاقة الجسد يمكن التغلب عليها


لكن كيف باعاقة الروح والضمير


طيبه عجاااااام


موضوع موفق


بارك الله فيك

طيبه عجام
15-07-2008, 08:11 PM
عباس العتابي

جزاك الله خير

تحيتي

لمياء الديوان
18-07-2008, 06:52 AM
طيبه ايتها المبدعة

بارك الله في جهودك ربي يوفقك

طيبه عجام
18-07-2008, 09:16 PM
دكتورتي

انا فخوره جدا

كلامك رائع

جزاك الله خير

ودي وتقديري