تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : (031)السباق غلى العقول-المثال الثالث. من أمثلة مناسبة منهج التعليم للعصر الحاضر:



أهــل الحـديث
11-11-2014, 07:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



إذا تأمل المتابع لحركة التدبير العالمي وجدها تعتمد على ثلاثة أسس جوهرية، وهي: السياسة والاقتصاد والقوة العسكرية بكل فروعها.

وقد أنشئت لكل واحد من هذه الأسس معاهد وكليات ومؤسسات ومراكز بحث ومراكز تدريب، وخصصت لها ميزانيات هائلة في بلدان العالم الغربي بالذات، وكذلك في بلدان العالم الثالث-كما يطلق عليه هذه التسمية الغربيون احتقارا له وتثبيطا من التفكير في النهوض-ومنه دول العالم الإسلامي، وكلها تعتمد على المنهج العلماني إلا ما ندر في بعض البلدان الإسلامية، ولهذا سيطرت النظريات السياسية والاقتصادية العلمانية على العالم بدعم من القوة العسكرية، وحاربت كلها التطبيق الصحيح للإسلام في حياة المسلمي، وترى المثقفين ورجال الإدارة والحكم في العالم الإسلامي قد فتنوا بتلك النظريات ورأوا فيها مثالا يحتذى وقدوة تتبع-سواء طبقوا ما فتنوا به أو خالفوه بحسب أهوائهم ومصالحهم، ولم يلتفتوا إلى ما في مصادر دينهم من قواعد السياسة والاقتصاد، بل وقر في أذهانهم أن الدين الإسلامي كغيره من الأديان المحرفة صلة بين العبد وربه، ولا دخل له في حياة البشر الإدارية والسياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها، ولم يخرج عن هذه القاعدة التي سار عليها المثقفون من أبناء الأمة الإسلامية إلا من هيأ الله له السبيل، فتربى تربية إسلامية على أيدي علماء الدعوة الإسلامية، ودرس كتبهم ورجع إلى مصادر العلوم الإسلامية فتفقه في دين الله وتيقن أن الإسلام منهج كامل لحياة البشر.

ومع ذلك لا تجد في العالم الإسلامي كله كلية واحدة للاقتصاد الإسلامي، ولا كلية واحدة للسياسة الشرعية، بل لا تجد في كليات الاقتصاد والعلوم السياسية والإدارية، مقارنة جادة بين النظريات الاقتصادية والنظريات السياسية، وبين السياسة الشرعية والاقتصاد الإسلامي، بل مما يؤسف له أن المعاهد والجامعات الإسلامية لم تعط هذين العلمين المهمين في الإسلام-السياسة والاقتصاد-ما يستحقانه من العناية والاهتمام، وإن كانت بعض الجامعات قد أنشأت ما يسمى بقسم السياسة الشرعية، فإن الدراسة فيها دراسة جامدة تعتمد على مذكرات ونصوص جزئية لا تمت إلى حياة البشرية المعاصرة بصلة.
وكان الأجدى بالجامعات الإسلامية أن تنشئ كليات للسياسة الشرعية والاقتصاد الإسلامي، وأن توجد أساتذة مؤهلين يجمعون بين الفقه الإسلامي من مصادره في هذين المجالين، وبين النظريات السياسية والاقتصادية المشهورة في العالم اليوم، وأن تدرس موادها بتوسع ليتخرج فيها ذوو كفاءات مؤهلون لإدارة البلدان الإسلامية سياسيا واقتصاديا، وليظهر للعالم ما في هذا الدين من مزايا يُحَل بها كثير من المشكلات العويصة، ويقضى بها على أزمات مستعصية، وأن وسطية هذا الدين في السياسة والاقتصاد جديرة بالدراسة والمقارنة والتطبيق الذي سيقضي على مفاسد الديمقراطية مع اشتماله على ما قد يكون فيها من محاسن، كما سيقضي على الدكتاتورية والاستبداد مع اشتماله على ما قد يكون فيهما من ضبط وعدم تسيب، وسيقضي على مفاسد الرأسمالية الربوية مع اشتماله على ما قد يكون فيها من حرية فردية محكومة، وعلى مفاسد الاشتراكية مع اشتماله على ما قد يكون فيها من حفظ حق الجماعة بدون اعتداء على حقوق الأفراد.

فهل ننتظر من الجامعات الإسلامية اهتماما ما بذلك؟!

سبب التخصيص.

إن تخصيص الجامعات الإسلامية في هذا السياق، إنما هو من باب مسايرة الواقع الذي فُرِض على الأمة الإسلامية فرضا، بسبب العلمنة التي سيطرت على الحكومات في الشعوب الإسلامية، بعد الجهل الذي خيم على المسلمين والاستعمار [الاحتلال] الذي كرس جهوده في زيادة جهلهم بدينهم، وبعد التمزق الذي أصاب الأمة الإسلامية في أعقاب سقوط ما كان يربطهم، وهو آخر رمز للخلافة الإسلامية-في دولة بني عثمان-حيث تم الفصل بين الدين والدولة، وتم بناء على ذلك الفصل بين ما سمي بالجامعات المدنية والجامعات الدينية. وأصبح طلاب الجامعات المدنية التي خلت في الغالب من الدارسات الإسلامية هم قادة الشعوب الإسلامية والمدبرين لشؤونها السياسية والإدارية والاقتصادية وغيرها، لأن مناهج جامعاتهم أعدت لتؤهلهم لذلك. بل تجاوز الأمر المدنيين إلى أن تولى أزمّة الأمور في كثير من بلدان المسلمين العسكر.

أما طلاب الجامعات الدينية، فقد وضعت لهم مناهج قصد منها حصر نشاطهم في المساجد-أئمة وخطباء ومؤذنين وأحيانا قضاة- مقيدا بما يأذن لهم من تربع على كراسي الحكم من طلاب الجامعات المدنية، وفي تدريس المواد الدينية حسب المنهج الذي تضعه الزمرة الحاكمة، ولا زال هذا الفصل مستمرا إلى الآن.

وكان الجفاء والنفرة على أشدهما بين أساتذة الجامعات المدنية وطلابها، وبين أساتذة الجامعات الإسلامية وطلابها، حتى أصبحوا-وهم إخوة في بلد إسلامي واحد-كأن بعضهم أجنبي عن الآخر.

ولكن بحمد الله وتوفيقه ثم بفضل جهود دعاة الإسلام في نشر المعاني الإسلامية والدعوة إلى الرجوع إلى هذا الدين والتفقه فيه وحمله، أن أقبل طلاب الجامعات المدنية إلى هذا الدين وتمسكوا به حتى فاق كثير منهم في الالتزام به بعضَ طلاب الجامعات الإسلامية، حتى ضاقت بذلك صدور العلمانيين في البلدان الإسلامية، وأساتذتهم في بلدان الغرب ذرعا بهذه الظاهرة، وأصبحوا يحاربون هذا الصنف من الملتزمين أكثر من حربهم للملتزمين بالإسلام من طلاب الجامعات الإسلامية، حتى الطلاب الذين درسوا في الجامعات الغربية معقل العلمانية، رجع كثير منهم وهم يحملون الدعوة إلى الإسلام مع تخصصاتهم المسماة بالمدنية والعسكرية، فكان فيهم شبه بتربية موسى في قصر فرعون، وعلى أهلها تدور الدوائر!

هذا هو سبب تخصيص الجامعات الإسلامية، وإلا فالأصل أن تكون الجامعات في البلدان الإسلامية كلها جامعات إسلامية، بدون حاجة أن توصف بأنها إسلامية، على أن تضم الجامعة الواحدة جميع الكليات والأقسام التخصصية، فتكون في الجامعة كليات الطب والهندسة والجغرافيا والسياسة والاقتصاد والشريعة واللغة وغيرها، وتكون الدارسات الإسلامية مقررة في كل الكليات بالقدر المناسب، مع ما فيها من تخصصات، حتى يكون المتخرجون منها كلهم ذوي كفاءات ومؤهلات متخصصة، مع معرفة القدر الكافي من العلوم الإسلامية، وبذلك يقضى على الازدواجية الموجودة الآن في البلدان الإسلامية.

أقسام العلم في الشريعة الإسلامية.

إن العلم في الشريعة الإسلامية ثلاثة أقسام:

القسم الأول. ما هو فرض عين على كل مسلم.

وهو ما لا يسع أحدا من المسلمين جهلُه، لتعلقه بعينه وعدم سقوطه عنه-ما دام قادرا عليه-بفعل غيره، وذلك مثل العلم بالقدر الضروري من أصول الإيمان، والعلم الضروري بأصول الإسلام، وكل ما هو فرض على الأعيان، فإن الواجب على كل مسلم أن يعلم ما وجب عليه عينا بحسب ما هو مطلوب منه شرعا.

القسم الثاني. ما هو فرض كفاية من علوم الشريعة.

وهو ما لا يجب على أحد بعينه من المسلمين، وإنما يجب على الأمة أن يوجد فيها من يقوم به قياما كافيا، فإذا قام به واحد منها وكان كافيا للأمة سقط عن باقي الأمة، وإن لم يكف الواحد وجب أن يوجد العدد الكافي للأمة بحسب حاجتها، وذلك مثل الفتوى والقضاء والسياسة الشرعية والمواريث والمعاملات والعقوبات-الحدود والقصاص والتعزير-وغير ذلك من علوم الشريعة الإسلامية، فيجب أن يوجد القضاة الذين تحتاج إليهم الأمة مهما كان عددهم، وهكذا المُفْتُون، وفقهاء السياسة الشرعية وخبراء الجهاد والاقتصاد الإسلامي وغيرهم.

هذان القسمان-كما هو واضح-من علوم الشريعة التي تستفاد من القرآن وسنة الرسول صَلى الله عليه وسلم، لأن الوحي الذي جاء به، من عند الله يشملهما، ويدخل في ذلك ما أخذ منهما بطرق الاستنباط والاستدلال المعروفة عند العلماء، وما دلا عليه من مقاصد الشريعة الإسلامية.

القسم الثالث: ما يتعلق بمصالح الدنيا مما يرشد إليه الوحي أو العقل أو التجربة أو اللغة، وهي العلوم التي يحتاج إليها المسلمون وغيرهم، وإذا خلا منها بلد تعرض أهله للهلاك أو الانحطاط والتأخر والضعف.

[الأصل في التقسيم أن العلم قسمان: فرض عين، وهو ما تعلق بذات كل فرد من أفراد المسلمين، بحيث لا يغني عنه غيره في القيام به… وفرض كفاية، وهو ما لم يتعلق بذات الأفراد، وإنما يتعلق بوجود الفرض نفسه، بحيث يغني في القيام به عن الأمة من يقوم به عنها قياما كافيا، وهذا الفرض قسمان: قسم يتعلق بالمصالح الدينية تعلقا مباشرا، كالجهاد في سبيل الله، والقضاء والفتوى… وقسم يتعلق بمصالح الدنيا، كالصناعة والتجارة… وقد فضلت إفراد هذا القسم وجعله ثالثا، لأنه-مع إثم المسلمين بتركه كالقسم الذي قبله-من الأمور التي يشترك المسلمون وغيرهم في ضرورة القيام بها لأن حياتهم لا تقوم بدونها. ولا مشاحة في الاصطلاحات.]

مثل علم الطب والرياضيات والهندسة بأنواعها، وكذلك المهن الأخرى كالصناعة والزراعة والخياطة والحياكة والخبازة وغيرها، فهذه العلوم والمهن من فروض الكفاية.

وفرض الكفاية بقسميه. الشرعي والعادي تأثم الأمة كلها إذا لم يوجد من يقوم به قياما كافيا. وكلاهما-فرض العين وفرض الكفاية بقسميه-يثاب فاعله-إذا قصد به وجه الله-ويعاقب تاركه القادر عليه. وكلها تدخل تحت الأحكام التكليفية الخمسة، وهي: الواجب والمندوب والمباح والمحرم والمكروه.

وبهذا يعلم أن المسلم مكلف شرعا بجميع العلوم: الشرعي منها والعادي، إلا أن منها ما يكون فرض عين ومنها ما يكون فرض كفاية [راجع إحياء علوم الدين (1/16) للغزالي. ومجموع الفتاوى لابن تيمية (28/79-80).].

وهذا يدل على ارتباط شؤون الدنيا بشؤون الدين، وأن الفصل بينهما فصلا يعزل الدين عن توجيه الأمة في حياتها الدينية والدنيوية، منكر في الإسلام لا يجوز إقراره، وهو الذي دمر حياة المسلمين في هذا العصر، حيث صار لشؤون الدنيا سلطة زمنية مستقلة، ولشؤون الدين زعامات تقيدها سلطة الشؤون المدنية بما تهوى، ولو ألغي بذلك تطبيق الإسلام، اتباعا لما سار عليه العلمانيون في الغرب من إقصاء الدين النصراني الكنسي المحرف عن التدخل في الشؤون الدنيوية، مع أن الفرق الكبير بين الدين الكنسي الذي تَحَكَّم في حياة الناس باسم الله، فأحل ما حرم الله وحرم ما أحل الله بدون إذن من الله، وليس فيه منهج صالح لحياة البشر الشاملة، بخلاف الإسلام الذي لم يدع شاردة ولا واردة في حياة البشر إلا شرع لها فيه ما يحقق لهم مصالحهم ويدفع عنهم المفاسد، إما بالنصوص الصريحة والظاهرة، وإما بالاستنباط والقياس، وإما بما وضعه من مقاصد يندرج تحتها ما لا يحصى من المسائل.

فالأصل-إذا-أن يكون التعليم ومناهجه ومدارسه وجامعاته على أساس الإسلام، وأن يكون العلماء الذين يتخرجون من تلك المدارس والجامعات كلهم متعاونين-مع تنوع تخصصاتهم-على إقامة دين الله في الأرض، يحكمهم جميعا شرع الله ويسيرون جميعا على نهج الإسلام.

ويظهر من ذلك أن الأوضاع الموجودة الآن في مؤسسات التعليم ومناهجه ونتائجه، التي أوجدت فئة علماء دين هم المسؤولون عن الشؤون الدينية في حدود ما يأذن لهم به الحكام، وفئة يدعون بالمثقفين الذين مكنتهم تخصصاتهم من قيادة الأمة غير متقيدين بشرع الله-إن هذه الأوضاع تعتبر شاذة يجب السعي لإزالتها وإعادة الأمور إلى أصلها كما هو واضح فيما ذكرنا.

ولست بهذا أرى منع جامعات أو كليات أو معاهد متخصصة في بعض العلوم قائمة بنفسها مستقلة عن غيرها، ولا أوجب أن تكون كل الكليات الشرعية وما تسمى بالمدنية في جامعة واحدة، وإن كنت أحبذ ذلك للقضاء على الوضع الراهن الشاذ، وإنما أردت بهذا أن لا توجد جامعات يقال لها مدنية، وأخرى يقال لها دينية، وتكون تلك غير مقيد طلابها بالإسلام في وظائفهم، وهذه غير مأذون لطلابها بالاشتراك في قيادة الأمة وإدارة شؤونها على أساس منهج الله، بل يجب أن يكون الجميع سائرين على هذا النهج الواجب شرعا، بل إن العلماء الذين تخصصوا في علم الشريعة هم الذين يحكمون على التصرفات والنظم، ما هو مشروع وما هو غير مشروع على ضوء فقههم في الدين وتصورهم لما يحكمون عليه. وقد نص على ذلك العلماء، حتى قال الرازي رحمه الله: "والعلماء في الحقيقة هم أمراء الأمراء، فكان حمل لفظ أولي الأمر عليهم أولى" [التفسير الكبير (10/144-146)..

وقال ابن العربي رحمه الله: (والصحيح عندي أنهم-يعني أولي الأمر-الأمراء والعلماء جميعا، أما الأمراء فلأن أصل الأمر منهم والحكم إليهم، وأما العلماء فلأن سؤالهم واجب متعين على الخلق وجوابهم لازم وامتثال فتواهم واجب...) إلى أن قال. "والأمر كله يرجع إلى العلماء لأن الأمر قد أفضى إلى الجهال وتعين عليهم سؤال العلماء.." [أحكام القرآن (2/210-211).].

وقال ابن القيم رحمه الله: "والتحقيق أن الأمراء يطاعون إذا أمروا بمقتضى العلم، فطاعتهم تبع لطاعة العلماء، فإن الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم، فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول، فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء..." [أعلام الموقعين عن رب العالمين (1/10).].

ولو أن التعليم في البلدان الإسلامية سار على هذا النهج، لما سبق أهل الباطل بباطلهم إلى عقول أبناء المسلمين، ولكان السبق لعلماء المسلمين بالحق إلى عقول هؤلاء الأبناء.

وسبق الكلام على أمرين تجب مراعاتهما في وضع المناهج الإسلامية:

الأمر الأول: السبر الشامل لكل ما تحتاج إليه الأمة من العلوم. وهي كل العلوم التي تمكنها من النهوض والتقدم واعتلاء مقعد القيادة الربانية للبشرية، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم بالخليفة: {إني جاعل في الأرض خليفة}

الأمر الثاني: أن يراعى في وضع المناهج ما يتناسب مع العصر.

الأمر الثالث: ما يناسب الدارسين في المراحل الدراسية المبكرة.

ويشمل ذلك طلاب الروضة وطلاب المرحلة الابتدائية والمرحلة المتوسطة-من الجوانب الإيمانية والعبادية والأخلاقية والآداب والحقوق الأسرية والأخوة الإيمانية وحقوق الجيران، والسيرة النبوية التي تغرس في نفوس الطلاب محبة الرسول صَلى الله عليه وسلم ووجوب اتباعه، وتعظيم شأن القرآن الكريم وتحبيب الطلاب في حفظه وقراءته، والتمسك به وحب السنة النبوية، وتوقير العلماء واحترامهم ومحبة المسلمين عموما، ومختصرات عن التاريخ الإسلامي وجغرافية البلدان الإسلامية، ونبذة مختصرة عن مقارنة الأديان، يبين فيها الأديان السماوية السابقة على الإسلام وما طرأ عليها من تحريف، والديانات الوثنية ليخلص من ذلك إلى أنه لم يبق دين حق في الأرض محفوظ وسيظل محفوظا إلى يوم القيامة، إلا الإسلام الذي جاء ليكون منهاجا لحياة الناس كلهم، وأن محمدا رسول الله صَلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء.

مع دراسة بعض أبواب الفقه، وقواعد اللغة العربية من نحو وصرف، وشئ من المفردات اللغوية، وحفظ بعض النصوص المفيدة من الشعر والنثر، واختيارات من كلام الصحابة رضوان الله عليهم.

كما يهتم بتعليم الكتابة وقواعد الخط ومبادئ الحساب والهندسة ونحوها، وكل مرحلة من المراحل الثلاث، يوضع لها ما يناسبها مراعاة لسن الطالب مع الاهتمام بوسائل الإيضاح وجعل الدارس-مع حفظ ما لا بد من حفظه-يفكر ويشغل عقله في فهم ما يمكنه فهمه ولا يعتمد على التلقي فحسب.

إن هذه المراحل-من الروضة إلى المتوسطة-هي مراحل تأسيس لصياغة المسلم الذي يؤمن بدينه إيمانا صادقا مبنيا على حجة وبرهان، وليس على مجرد تقليد، والذي يفقه دينه فقها يصحح به تقربه إلى الله بالعبادة، ويجعل علاقته بالناس علاقة شرعية، تجعله يؤدي إليهم حقوقهم دون نقص، ويأخذ منهم حقوقه دون إجحاف، و يكون لبنة صالحة في الأمة يبني معها الحياة ويتعاون معها على البر والتقوى ولا يكون عالة عليها.

لذلك يجب مراعاة هذه المعاني في هذه المرحلة المبكرة من عمر الإنسان في مناهج التعليم، لما في ذلك من الإعداد والتحصين لعقول ذرا رينا حتى لا يسبقنا إليها أهل الباطل بباطلهم.

فإذا تجاوزوا هذه المرحلة إلى المرحلة الثانوية، أمكن بعد ذلك التوسع في العلوم الأخرى لإعداد الطالب للتخصصات التي يميل إليها في المرحلة الجامعية، وما فوقها.

الأمر الرابع: مراعاة الفوارق بين الذكور والإناث.

بعد مراعاة فروض العين وفروض الكفاية، والإعداد لما قد يتهيأ له المسلم من تخصصات.

فالمرأة يجب أن تهيأ في الأصل لشؤون المنزل وتدبيره، وتربية الأولاد الأسرية، التي هي أساس لتربية المدرسة والمجتمع، والمجالات التي تنتظر قيام المرأة بالواجبات المناسبة لها، لا تحصى كثرة، وهي لو صرفت كل أوقاتها فيها لكانت جديرة بها، كتهيئة المنزل وترتيبه وإعداد الغذاء، والتنظيف، وإرضاع الأطفال، والعناية بتغذيتهم ونظافتهم وتوجيههم التوجيه الإسلامي المبكر المناسب لأعمارهم، والعناية بالمريض وإسعافاته الأولية التي تقتضي تدربها على وسائل التمريض والإسعاف، والعناية بالمسنين من أقربائها كالأب والأم والجدة ونحوهم، وتعليم بناتها ما يحتجن إلى تعلمه من شؤون المنزل وتربية الأولاد وغيرها مما ذكر.

إن المرأة المسلمة هي المحضن الأول لتربية الطفل تربية إسلامية، وهي أول السباقين بالحق إلى عقل أبنائها وبناتها، ولو أن النساء المسلمات كلهن عنين بتربية أبنائهن وبناتهن تربية إسلامية سليمة في كل منزل، لكان جيل الأمة الإسلامية في كل عصر على هدى من ربه، فقد يكون في المنزل الواحد عشرون ابنا وبنتا أو أكثر أو أقل، فإذا تربى الولد الأكبر تربية سليمة، كان قدوة لمن بعده وخف العبء وأصبحت الأسرة كلها مسلمة بإذن الله.

وإن ما يعانيه المسلمون اليوم من تفلت كثير من الشباب وبعدهم عن التمسك بالإسلام، من أهم أسبابه عدم قيام الأسرة في المنزل وبخاصة الأم بهذا الواجب العظيم، إما جهلا به، وإما تكاسلا، وإما اشتغالا بغيره مما ليس بأولى منه، ولذلك يسبق إلى عقل الطفل بالتدريج الباطلُ، إما عن طريق أهله بالقدوة السيئة والتربية الفاسدة، وإما عن طريق الخادمات الأجنبيات غير المسلمات، أو المسلمات الجاهلات اللاتي هن في حاجة إلى التربة الإسلامية والتوجيه. هذا هو الأصل الذي ينبغي أن تعد له المرأة.

وهذه المعاني، مع منهاج الحياة الزوجية وحقوق كل من الزوجين وواجباته، وحقوق الأولاد والآباء والأقارب والجيران، وفقه أحكام النساء هي التي ينبغي العناية بها في تعليم الفتاة ومنهاج دراستها.

ثم ينظر بعد ذلك في العلوم التي تحتاج الأمة إليها للنساء خاصة، بحيث تنشأ لهن مدارس ومعاهد وكليات، وتوضع لها مناهج تشتمل على مواد تلك العلوم التي تتخصص فيها النساء للقيام بتدريسها لبنات جنسها، أو بالوظائف التي يحتاج إلى أن تقوم المرأة بها، ولا مانع من مشاركتها في العمل في خارج منزلها في تعليم وخدمة نساء الأمة، إذا استغني عنها بيتها بغيرها من نساء أهل المنزل، كأن تكون غير متزوجة أو لا أولاد لها، والحاجة تدعو إلى مشاركتها في خارج المنزل، في تدريس الفتيات وإدارة مدرستهن، من روضة أطفال إلى الكليات، أو طبيبة في أمراض النساء في عيادة خاصة بهن أو مستشفى خاص بالنساء، ولا يدخله الرجال أطباء أو عاملين إلا عند الضرورة في حدودها، وما أحوج المسلمين إلى أمثال هذا المستشفى في كل مدينة وبلد ليستقل النساء فيه عن مخالطة الرجال! ولاسيما المخالطة مع الخلوة، ويمكن أن تتولى المرأة إدارته وجميع أعماله، كما هو الحال في مدارس البنات وكلياتهن في المملكة العربية السعودية، بل كما هو الحال في مستشفى خاص بالنساء في الرياض http://forum.te3p.com/95758.html

وفي أبو ظبي
http://www.anazahra.com/women-societ...8%D8%A8%D9%8A/ (http://www.anazahra.com/women-society/social-cases/article-116269/%D8%A5%D9%81%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D8%AD-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D9%81%D9%89-%D9%84%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D9%82%D8%B7-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D8%A8%D9%88%D8%B8%D8%A8%D9%8A/)
وفي الشارقة http://www.alittihad.ae/details.php?id=37173&y=2010


وهكذا العمل في خدمات اجتماعية أخرى خاصة بالنساء وأعمال مالية خاصة بهن، كالمصارف التي يحتاج إليها النساء المسلمات في كثير من الأحيان، بسبب عدم وجود أولياء أمور لهن، فيضطررن إلى الذهاب إلى البنوك والانتظار هناك ومخالطة الرجال.

إنه لا يوجد مانع شرعي من خروج المرأة من منزلها للحاجة الخاصة بها أو حاجة المجتمع إليها، ولكن ينبغي الأخذ بالأسباب المانعة من الفتنة ما دامت ممكنة، أما عند الضرورة أو الحاجة القريبة منها، فإن المرأة تقوم بالأعمال لمساعدة الرجال كمداواة جرحاهم أو نقل موتاهم في وقت الحروب، وكذلك تختلط بالرجال في العبادات التي لا يمكنها الاستقلال فيها عنهم، كالطواف والسعي وغيرهما من أعمال الحج، إلا أنه يجب والحالة هذه الإكثار من تقوى الله ومراقبته-وإن كان ذلك مطلوبا في كل الأوقات-من الرجال والنساء معا، اتقاء لما قد يحصل من فتنة المخالطة، كل هذه المعاني ينبغي مراعاتها في مناهج التعليم.

وليس من الحكمة جعل المنهج للرجال والنساء سواء، مع وجود الفوارق بينهم في مجالات العمل، وفي قوة التحمل وضعفه، وفي الخروج من المنزل وعدمه أو قلته، وفي المشي في مناكب الأرض والأسفار وغيرها.

ويجب التنبيه هنا إلى ما يحصل من بعض الغيورين من منع النساء من حضور المساجد لسماع الخطب والمواعظ والاستفادة من العلماء في أمور دينهن، هو تشدد في غيره محله. وقد كان النساء يحضرن صلوات الجماعة في مسجد الرسول صَلى الله عليه وسلم في أوقات معينة يعظهن فيها ويعلمهن، وغاية ما نصح به الرسول صَلى الله عليه وسلم الرجال والنساء هو الورع والبعد عن الفتنة فقال-كما روى عنه أبو هريرة-: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا.) [مسلم: 664]

ولا زال النساء يحضرن المساجد ويسمعن المواعظ في كل المساجد الكبيرة كالمسجد الحرام والمسجد النبوي وغيرهما، وإذا احتاجت المرأة إلى السؤال عن أمر من أمور دينها فلها أن تسأل العالم، بل إذا احتاج الرجل أن يسأل المرأة التي عندها علم يحتاج إليه فله أن يسألها، كل ذلك في حدود الحاجة والأدب الإسلامي لا مانع منه، فلا تفريط ولا إفراط.