المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المستفاد من أدعية نبي الله موسى -عليه السلام- من خلال سورة القصص



أهــل الحـديث
29-10-2014, 05:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





المستفاد من أدعية موسى –عليه السلام- من خلال سورة القصص.




الدعاء الأول :



ففف قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ققق [القصص: 16، 17].


طلب موسى –عليه السلام- من الله سبحانه وتعالى أن يغفر له ما وقع منه، فقال: (رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي) ، فهو على نهج قول آدم -عليه السلام-: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23] ،
ووجه استغفاره: على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى، والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه، وإن لم يكن هناك ذنب قط، أو من حيث حرم نفسه الثواب بترك المندوب، اي : تركه للأولى كما هو سنة المرسلين، أو أنه لم يكن لنبي أن يقتل حتى يؤمر.
ومعنى : (فاغفر لي) أي: فاستر ذلك علي، لا تُطلع عليه فرعون، أو يكون المراد فاغفر لي تركي للأولى ، فندم موسى -عليه السلام - على ذلك الوكز الذي كان فيه ذهاب النفس، فحمله ندمه على الخضوع لربه والاستغفار من ذنبه ، قال قتادة: (عرف والله المخرج فاستغفر)، ثم لم يزل – عليه السلام- يعدد ذلك على نفسه، مع علمه بأنه قد غفر له، حتى إنه في القيامة يقول: (إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها)، وقد قيل: إن هذا كان من قبل النبوة، وقيل: كان ذلك قبل بلوغه سن التكليف وإنه كان إذ ذاك في اثنتي عشرة سنة، وكل هذه التأويلات البعيدة، محافظة على ما تقرر من عصمة الأنبياء، ولا شك أنهم معصومون من الكبائر، والقتل الواقع منه لم يكن عن عمد فليس بكبيرة، لأن الوكزة في الغالب لا تقتل.
ثم لما أجاب الله سؤاله وغفر له ما طلب منه مغفرته، قال: (رب بما أنعمت) هذه الباء سببية، أي: اعصمني بسبب ما أنعمت به علي، فيكون قوله:(فلن أكون ظهيرا) مترتبا عليه، ويكون في ذلك استعطاف لله تعالى، وتوصل إلى إنعامه بإنعامه ، فيكون معناه : رب اعصمني بحق ما أنعمت علي من المغفرة فلن أكون إن عصمتني ظهيرا للمجرمين ، أو يكون المعنى : بسبب إنعامك عليَّ بالقوة، وبحق ما أكرمتني به من الجاه والعز، فلن أكون عوناً لأحد من المجرمين.
و«ما» في قوله: «بما أنعمت» موصوله ، والمراد بما أنعم به عليه: هو ما آتاه من الحكم والعلم ،أو المراد ما أنعم عليه من المغفرة، أو المراد كلا المعنيين ،
وأراد بمظاهرة المجرمين: إما صحبة فرعون والانتظام في جملته في ظاهر الأمر أو مظاهرته على ما فيه إثم ، وإما بمظاهرة من أدت مظاهرته إلى الجرم والإثم ،وفي هذا وعد من موسى عليه السلام، بسبب منة الله عليه، أن لا يعين مجرما، بل أكون معاونا للمسلمين ، وهذا يفيد أن النعم تقتضي من العبد فعل الخير، وترك الشر.


الدعاء الثاني


ففففَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ققق [القصص: 21]


فخرج موسى من مدينة فرعون خائفا من قتله النفسَ أن يٌقتل به ، ومترقبا لحوقهم به، وإدراكهم له، ثم التجأ إلى الله تعالى لعلمه بأنه لا ملجأ سواه فقال: (رب نجني من القوم الظالمين) ، أي: خلصني من الكافرين واحفظني من شرهم - والمراد بهم فرعون وملؤُه، وهذا يدل على أن قتله لذلك القبطي لم يكن ذنبا، وإلا لكان هو الظالم لهم وما كانوا ظالمين له بسبب طلبهم إياه ليقتلوه قصاصا.


الدعاء الثالث



فففوَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ققق [القصص: 22]


ولما قصد بوجهه ناحية مدين حيث لا مُلك لفرعون ، قال : ( عسى ربي أن يهديني سواء السبيل)، فهو نظير قول نبي الله إبراهيم -عليه السلام- : }وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99] ، أي لعل الله يرشدني إلى الطريق السوي الذي يوصلني إلى مقصودي، ، فهداه الله سواء السبيل، فوصل إلى مدين، وهداه الله إلى الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة، فجعله هاديا مهديا.
قال المفسرون: خرج خائفاً بغير زاد ولا ظهر - مركب - وكان بين مصر ومدين مسيرةُ ثمانية أيام، ولم يكن له علمٌ بالطريق سوى حسن ظنه بربه، فبعث الله إليه ملكاً فأرشده إلى الطريق.



الدعاء الرابع



ففففَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌققق [القصص: 24]


فسقى موسى –عليه السلام- لهما غير طالب منهما الأجرة، ولا له قصد غير وجه الله تعالى، فلما سقى لهما، وكان ذلك وقت شدة حر، وسط النهار، تولى بعد ذلك الى الظل مستريحا من التعب.
فأعقب إيواءه إلى الظل بمناجاته لربه، لما استراح من مشقة السقي لماشية المرأتين والاقتحام بها في عدد الرعاء العديد، ووجد برد الظل تذكر بهذه النعمة نعما سابقة أسداها الله إليه من نجاته من القتل وإيتائه الحكمة والعلم، وتخليصه من تبعة قتل القبطي، وإيصاله إلى أرض معمورة بأمة عظيمة بعد أن قطع فيافي ومفازات، تذكر جميع ذلك وهو في نعمة برد الظل والراحة من التعب فجاء بجملة جامعة للشكر والثناء والدعاء فقال في تلك الحالة، مسترزقا ربه: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) أي: إني مفتقر للخير الذي تسوقه إليَّ وتيسره لي، وهذا سؤال منه بحاله، والسؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال، فلم يزل في هذه الحالة داعيا ربه .
ومن بركة هذا الدعاء الذي دعا به نبي الله موسى :
أولا: الفرج بعد الشدة: لما رجعت المرأتان سريعا بالغنم إلى أبيهما استغرب وسألهما عن خبرهما، فقصتا عليه ما فعل موسى عليه السلام، فبعث إحداهما إليه لتدعوه إلى أبيها، فجاءت إحداهما تمشي مشي الحرائر، مستحيية، متخمرة بخمارها، ساترة وجهها بثوبها، ليست جريئة على الرجال، فقالت في أدب وحياء: إن أبي يطلبك ليكافئك على إحسانك لنا، ويعطيك أجر سقيك لغنمنا.
ثانيا: الأمان مع الشيخ الكبير بعد الخروج خائفا : ففففَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ، نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَققق، أي: فلما جاء موسى إلى الشيخ، وأخبره عن قصته مع فرعون وقومه في كفرهم وطغيانهم، وظلمهم بني إسرائيل، وتآمرهم على قتله وسبب خروجه من بلده مصر، قال له: لا تخف واطمئن وطب نفسا، فإنك نجوت من سطوة الظالمين، وخرجت من مملكتهم، ولا سلطان لهم في بلادنا، فاطمأن موسى وهدأت نفسه من القلق.
ثالثا: طلب البنت استئجار القوي الأمين: فففقالَتْ إِحْداهُما: يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُققق، أي: قالت إحدى ابنتي الشيخ الكبير التي ذهبت تدعوه لأبيها: يا أبت استأجره لرعي هذه الغنم، فإن خير مستأجر هو لأنه القوي على حفظ الماشية والقيام بشؤونها، المؤتمن الذي لا تخاف خيانته، وصفته بأفضل صفات الأجير: القوة في القيام بالأمر، والأمانة في حفظ الشيء.
فحصل موسى –عليه السلام – على المرأة الصالحة ، والأمان ، والعمل المناسب ، بعد دعائه لربه بقوله: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير).

المصادر والمراجع
فتح القدير للشوكاني (4/ 189)
تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (19/ 548)
تفسير الألوسي = روح المعاني (10/ 264)
تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 613)
صفوة التفاسير (2/ 392)
التحرير والتنوير (20/ 91)
التفسير المنير للزحيلي (20/ 85).