المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فيلم السهرة الراقصة والطبال



الاهلي الراقي
23-09-2014, 10:20 AM
فيلم السهرة ( الراقصة والطبال )​ سيناريو وحوار حامد الشريف
بالتأكيد ليست المرة الأولى التي أذهب فيها لدور السينما لمشاهدة أحد الأفلام ولكنها المرة الأولى التي أرتاد بها السينما هنا في بلادي بعد تجاوزنا للجدل حول مشروعيتها وافتتاح أول دار عرض سينمائي .
أفلام الرعب هي أكثر ما يشدني ويأتي بعدها أفلام البعد الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع …. إلخ .
الفيلم الذي قررت مشاهدته اليوم كان بالمصادفة إنتاج محلي والجميل أنه توافق مع اليوم الوطني فكانت الفرحة فرحتين عودة السينما وإنتاج فيلم سينمائي محلي بمواصفات عربية .
ما رأيكم أن تشاهدوا معي هذا الفيلم الذي سأنقله لكم كتابياً خاصة والكثير منكم مازال متردداً في كسر الحاجز والذهاب لهذه الدار الرائعة التي بالتأكيد ستنقل مجتمعنا بكل مكوناته لشاشة العرض وتطلع كل العالم على كامل تفاصيله .
لن أطيل عليكم وسأترككم مع أحداث هذا الفيلم الذي أتوقعه رائعاً بحكم الأسماء اللامعة المشاركة فيه .
المشهد الأول :
الإعلامي النزيه يتقمص دور المفتش هيركيل بوارو في قصص أجاثا كريستي الشهيرة ويظهر مرتدياً البذلة الإفرنجية ذات المعطف الأسود الذي يمتاز بقصره من الأمام وطول الجزء الخلفي منه ووصوله إلى الركبة .
كان منظره مضحكاً وهو يحاول تقليد المفتش الشهير حتى في لون عدسات عينيه الخضراء لكنه أستبدلها باللون الأصفر .
يحضر في إحدى وسائل الإعلام بمحفظة بلاستيكية ــ لونها أصفر ومؤطرة باللون الأزرق ــ مملوءة بالأوراق الزرقاء التي تثبت كما يعتقد هو أن رئيس لجنة الأخلاق الحميدة التي كان يصفها في العام الماضي بالنزيهة لم تعد كذلك في هذا العام لأسباب يجهلها .
المشهد الثاني :
يحضر رئيس لجنة الأخلاق الحميدة في مؤتمر صحفي مرتب له سلفاً في قاعة غلب عليها اللون الأزرق الزاهي الجميل بعد عدة أيام من التصعيد الإعلامي .
يتطرق في سياق المؤتمر وبشيء من التعالي للاتهامات التي واجهه بها الإعلامي وينفيها بعبارات إنشائية لا ترتكز على أي دليل مادي حقيقي لكنه يلقى التشجيع والتأييد من أغلب الحضور الذين كانوا بالمصادفة يرتدون معاطف طويلة زرقاء اللون رغم أن فصل الشتاء لم يدخل بعد ولازالت الأجواء صيفية في منظر مهيب يشبه اجتماعات عصابات المافيا في أفلام جيمس بوند القديمة .
المشهد الأخير :
يظهر فيه أن الجمعية العمومية لاتحاد الشغل الذي تتبع له هذه اللجنة يجتمع اجتماعاً دورياً مبرمج سلفاً لدراسة كثير من القضايا ومدرج على الهامش ما تناوله الإعلام من تراشق بين الصحفي سليط اللسان والرئيس قليل الحديث وقوي البيان .
يظهر الأعضاء متأنقين جداً وهم يرتدون بذل إفرنجية متعددة الألوان ؛ يغلب عليها اللون الأزرق وبعده يأتي بخطوتين اللون الأصفر ويغيب تقريباً اللون الأخضر .
رئيس اتحاد الشغل لم يكن متأنقاً على الإطلاق وظهر في بنطال قديم لونه أخضر باهت ومليء بالرقع وخيوطه نافرة توحي بأن عمره قد تجاوز عدة عقود .
كان واضحاً أن الرئيس يتحرج من بنطاله وهو يجتهد كثيراً في إخفائه تحت الطاولة حتى أنه لم يقف عند تشغيل السلام الوطني في بداية الاجتماع رغم وقوف الجميع .
هذا السروال الغربي لم يكن منسجماً على الإطلاق مع الجاكت الأزرق المقلم باللون الأصفر والأسود والأبيض رغم حداثته والذي أظهره كمهرجي السيرك وأفقده الكثير من هيبته كرئيس لهذا الاتحاد الأكثر أهمية على الساحة .
لم أقوَ على كتم ضحكاتي التي تردد صداها داخل قاعة السينما حتى خشيت أن يقذف بي إلى الخارج بسبب هذا الزي الغريب خاصة وهو لم يرتدي ــ مثل الباقيين ــ القبعة الإفرنجية وظهر مكشوف الرأس .
الرئيس الأرجوز وبتأييد من جميع الأعضاء يقرر أن رئيس لجنة الأخلاق الحميدة بريء من كل التهم الموجه إليه .
ويظهر مبتسماً وهو يتساءل في استخفاف بالإعلامي والمؤيدين له من الرعاع والمرتزقة :
هل رسائل الجوال تعتبر أدلة مادية ؟!!
هل الاختلاط مكروه بين الحساب الشخصي وحساب اللجان مثله مثل الاختلاط بين النساء والرجال في مجتمعنا ؟!!!!
هل وجود حساب للجنة رغم أنها من المفترض أللا تمتلك حساب كإجراء نظامي ؛ يستدعي كل هذه الشراسة في الطرح ؟!!
في نهاية المشهد المؤثر تقرر الجمعية العمومية لاتحاد الشغل التي لا تعتبر لجنة قضائية وبدون أي تحقيق وحتى بدون الاستماع لطرفي القضية أن رئيس لجنة الأخلاق الحميدة بريء براءة الذئب من دم يوسف .
ينتهي الفيلم وأستعيد حيويتي ونشاطي بعد الخمول الذي أصابني على هذا المشهد العبثي .
تتسبب النهاية في هرج ومرج في الصالة ويظهر من تعالي الأصوات وكمية الشتائم الكبيرة أن جميع الحاضرين لم يقنعوا بالمشهد الأخير وشعروا بالغبن من هذه النهاية السمجة الصادمة لكل المتابعين والتي ليس لها أي علاقة بتسلسل أحداث الفيلم الشيقة في بعض جوانبها .
كنت أنا بين هؤلاء المحتجين لكنني لم أقف كثيراً عند الأحداث أو حتى النهاية فنوعية هذه الأفلام الهابطة ليست بجديدة ، شاهدت مثلها كثيراً .
خاصة ودور السينما العربية في الآونة الأخيرة باتت كل أفلامها على هذا النسق ولا فرق بينها إن كانت سياسية أو رياضية أو حتى فنية .
في هذه اللحظة تذكرت أن النهايات المستفزة أصبحت تكتب عمداً بهذه الطريقة حتى تعزز لدى الصعاليك أمثالي ــ المتابعين لهذه المهازل ــ الإحباط فيصبح مرورنا على كل الأحداث مهما كانت قوتها وتبجحها ؛ مروراً عبثياً لا تستوقفه قيم ولا تحركه أخلاق ويصبح همنا كلنا التأكد أن النهاية تخدم الفريق الذي ننتمي إليه سواءٌ أكان رياضياً أو سياسياً أو فنياً أو حتى مذهبياً وعرقياً .
بالنسبة لي كان همي الأكبر وعكس كل هؤلاء متواضع جداً بل قد يصفه أحدهم بالوضاعة ؛ كان همي بصراحة استرداد قيمة التذكرة التي دفعتها لمشاهدة هذا الفيلم المسخ .
لذا لم أشاركهم الصراخ والعويل الذي اعتاد أصدقائي القيام به بعد كل فيلم قبل أن تهدأ ثائرتهم ويتوجهوا لحال سبيلهم وقبل أن يقفوا مجدداً في الطوابير الطويلة للحصول على تذكرة أخرى لمشاهدة فيلم آخر لا يبتعد عن هذا الفيلم المقزز .
كما أخبرتكم كان همي مختلف تماماً فأنا تيقنت أن الصحفي النزيه كان صادقاً في هذه المرة لذلك توقفت عند الجزئية المادية المتعلقة بالشيكات الشخصية وقررت أن أسترد قيمة التذكرة مهما حدث لإعتقادي بأنني خدعت في هذه المرة رغم أنني لم أخطوا عتبة دور السينما العربية منذ زمن .
الأمر لم يكن بتلك الصعوبة كل ما فعلته أنني ترصدت لرئيس اللجنة الذي كان للتو خارجاً من قاعة السينما هو وكل أبطال الفيلم حيث كان العرض الأول على شرفهم , وتعمدت أن أظهر غضبي الشديد من التفاهة التي واكبت السيناريو وطلبت منه تحرير شيك لي بمبلغ التذكرة حالاً وإلا صعدت الموضوع للجهات العليا التي كانت في هذه الوقت المتأخر من الليل تغط في نوم عميق .
بالفعل وكما توقعت حرر لي الرئيس شيكاً على الفور بمبلغ التذكرة من حسابه الشخصي وظهر لي أنه على استعداد أن يحرر لكل من يرفع صوته في هذه الليلة شيكاً ، خاصة وحسابه الشخصي منفتح على كل الحسابات ويغسل باستمرار حتى لا يتأثر بمثل هذه المبالغ التافهة .
كنت سعيداً وأنا أبتعد عن القاعة بعد استردادي لمالي ولكن ما جعلني أنفجر ضاحكاً وأكاد أستلقي على قفاي في الشارع وأمام الجميع تلك الرسالة التي وصلتني على جوالي من أحد أصدقائي القريب من الرئيس يطلب فيها أن أتحدث معكم عن العدالة والنزاهة والشرف مفترضاً أنها جسدت في نهاية الفيلم وأن أغض الطرف عن هذا العنوان المستفز ( الراقصة والطبال ) .