المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (034)الإيمان هو الأساس - أمور تؤخذ من قصة في إنكار جارودي الإيمان باليوم الآخر



أهــل الحـديث
09-09-2014, 09:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





تابع للمبحث الرابع: شبهة شيطانية]

الأمر الأول: أن هذا الرجل ما زال يحمل معه بعض الفلسفات المنافية للإسلام ومنها هذا الاعتقاد الفاسد في اليوم الآخر، وذكر لي المترجم أنه أيضاً لا يؤمن بالملائكة، ولكن الوقت ضاق فلم أستطع الدخول معه في النقاش حولهم ـ.

الأمر الثاني: أنه استند في اعتقاده هذا على تلك العبارات التي صدرت عن بعض العلماء الذين بالغوا في معنى الإخلاص حتى جعلوا ما تعبدنا الله به من الطمع في ثوابه والخوف من عقابه، من الشوائب وحظوظ النفس المنافية للإخلاص، فكانت تلك العبارات..

الأمر الثالث: أن تلك العبارات مع مخالفتها لنصوص القرآن والسنة كانت فتنة لهذا الرجل وأمثاله، ولذا يجب الحرص على عدم إطلاق العبارات المخالفة للنصوص الشرعية والتمسك دائماً بمنهج الرسول والصحابة والتابعين لهم بإحسان، وبخاصة في أمور الإيمان.

الأمر الرابع: الواجب على من دخل في الإسلام ـ مهما كانت ثقافته ومنزلته الاجتماعية - أن يأخذ مبادئ الإسلام على يد علمائه، ولا يكتفي بما فهمه هو عن الإسلام، قبل الدخول في الإسلام أو بعده؛ لأن هذا دين جاء به وحي، وله معان ومصطلحات يفهمها علماؤه، وليس للجاهل به أن يفسره على حسب هواه ويخلط ما في هذا الدين بما في غيره من الأديان والفلسفات الأخرى ليأتي بدين جديد ليس هو دين الإسلام حقيقة، وهذا ما حصل من هذا الرجل.

وجوب تعليم من يدخل في الإسلام مبادئه:

ولقد كان من أسباب فتنة هذا الرجل وغروره بذلك الفهم الفاسد، وسخريته بالعلماء الذين أرادوا أن يصححوا له إيمانه، كان من أسباب ذلك أن بعض المؤسسات الإسلامية وبعض أجهزة الإعلام، أسرعت في الإشادة به والثناء عليه، ووصْفِه بالمفكر الإسلامي، ودُعِي إلى إلقاء محاضرات عن الإسلام، وهو حديث عهد بالإسلام، فذاع صيته، وأصبح يظن هو بنفسه أنه شيخ الإسلام وهل لشيخ الإسلام من حاجة إلى من يعلمه الإسلام؟!

إن الذي يدخل في الإسلام يحتاج أن يدرسه علماؤه بالطريقة التي تناسب موقعه من الاحترام،ـ مبادئ الإسلام التي يدرسها أبناؤنا في المدارس الابتدائية، وليس ذلك بغض من حقه، بل هو من العناية به والحرص على مصلحته ليفهم دين الله على حقيقته، ولا ينبغي أن يتسرع المسلمون مع الداخلين في الإسلام هذا التسرع الذي يؤدي إلى هذه النتيجة غير المحمودة، فقد كان زعماء القبائل الذين يفدون على رسول الله عليه الصلاة والسلام، يتعلمون منه أركان الإسلام وكيفية الصلاة وبعض الفرائض ثم يعودون ليعلموا أهلهم، ولنتأمل كيف سيكون إسلام من يدخل في الإسلام على يد أمثال من هذه عقيدته في الإيمان بالغيب [راجع فيما يتعلق بموضوع رجاء جارودي كتابنا (حوارات مع مسلمين أوربيين من: ص: 195 ـ 214) فقد التقيته في باريس بتاريخ 23 محرم سنة 1408ﻫ ـ 16/9/1987م. ولا أريد هنا مناقشة حكم إسلامه، والقاعدة أن من أنكر حكماً معلوماً من الدين بالضرورة، كتحريم الزنى، يكفر، فكيف بمن أنكر ركناً من أركان الدين، وأقيمت عليه الحجة، واستمر على جحوده؟!.].

حكم من أنكر ركناً من أركان الإيمان:

أما حكم من أنكر ركناً من أركان الإيمان، أو من أركان الإسلام فليس بخاف على صغار طلبة العلم أنه يكون مرتداً، إذا كان من المسلمين، بل إن من أنكر حكماً من أحكام الإسلام معلوماً من الدين بالضرورة، كتحريم الربا، أو الخمر، أو الزنى فإنه يكون مرتداً، فكيف بمن أنكر ركناً من أركان الإيمان؟!

ولو كان المنكرُ لركن من أركان الإيمان، أو غيره من أحكام الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة حديثَ عهد بإسلام، ولم تقم عليه الحجة من نصوص القرآن والسنة، من قبَل عالم من علماء الإسلام لقيل: ينبغي التريث في الحكم عليه حتى تقام عليه الحجة، عملاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء: 94].

أما أن يكون كبار علماء الإسلام قد وضحوا له الحق بدليله، ثم يصر على إنكاره ويزيد على ذلك السخرية والاستهزاء بهم، ويصرح بأنه لو صح أنهم على الحق وهو على الباطل - بأن ثبت أنه يوجد يوم آخر وتوجد جنة ونار - فإنه يْؤثر هؤلاء العلماء بالجنة، ويختار هو دخول النار، فإن هذا إنكار جحود واستكبار، واستدلاله بهذه الشبهة المخالفة لنصوص الكتاب والسنة، ما هو إلا مجرد تترس بها، لتسويغ إنكاره، لصدورها من علماء مسلمين..

ومع أن الذين أطلقوا تلك العبارات لم يقصدوا ما ذهب إليه من الإنكار كما مضى، فإنه ينسب إليهم ما ذهب إليه من إنكار اليوم الآخر، فقد نسب إلى الإمام الغزالي إنكار اليوم الآخر - وهو منه براء - فهو ـ الغزالي ـ عندما حكى قول رابعة العدوية وغيرها في كتابه إحياء علوم الدين، عقب على ذلك بقوله: "وما أرادوا بهذا إلا إيثار لذة القلب في معرفة الله تعالى على لذة الأكل والشرب والنكاح فإن الجنة معدن تمتع الحواس، فأما القلب فلذته في لقاء الله فقط" [إحياء علوم الدين (4/311). وقوله: "فإن الجنة معدن تمتع الحواس، غير مسلم، بل هي معدن النعيم الكامل، ويدخل في ذلك: رضا الله الذي يذكر الله به عباده بعد أن يستقروا في الجنة، كما روى أبو سعيد الخدري، t، أن النبي ًصلى الله عليه وسلم، قال: (إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً). مسلم (4/2176)، كما يدخل في ذلك رؤيتهم ربهم التي لا تكون إلا في الجنة. فليست الجنة معدن تمتع الحواس فقط، كما ذكر الغزالي رحمه الله، وقد ذكر هو نفسه ذلك من أصناف نعيم أهل الجنة، في كتابه المذكور (4/543) وهذه هي شبهة من بالغ في معنى الإخلاص فأطلق ما أطلق من تلك العبارات المخالفة لنصوص الكتاب والسنة، وسبق رد ابن تيمية على هذا الزعم.].

ولقد تكلم الغزالي، رحمه الله كلاماً طويلاً جميلاً في صفة جهنم والتحذير منها، وفي صفة الجنة والتشويق إليها، في كتابه المذكور، وقال ـ وهو يصف الجنة ـ: "ومهما أردت أن تعرف صفة الجنة، فاقرأ القرآن، فليس وراء بيان الله تعالى بيان" [إحياء علوم الدين (4/536)، وقد بدأ الكلام على صفة جهنم.. ثم أتبعه بصفة الجنة من ص: 530 ـ 547 من نفس الجزء المذكور.]. فأين هو إنكار الغزالي لليوم الآخر الذي يدعيه هذا الرجل؟!

لقد أطلت في هذا المبحث، لأهميته والحاجة إلى التنبه إلى هذه الشبهة الشيطانية التي كان من نتائجها هذا الاستدلال الأعوج.

ماذا قصد بعض العلماء بهذه العبارة الفاسدة؟

وما دام قصْدُ الإخلاص هو السبب في إطلاق هذه العبارات، التي ترتبت عليها تلك الآثار الفاسدة ـ غير المقصودة، إن شاء الله من قائليها ـ فلا بد من بيان موجز للعوامل التي تعين على الإخلاص لله تعالى في الأعمال، حتى يتقبلها الله، ويرضى عن صاحبها، ويثيبه عليها، ويتلخص هذا البيان فيما يأتي:

1 ـ منزلة الإخلاص من الدين:

إن منزلة الإخلاص، منزلة عظيمة، ولذا جاءت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، حاضة عليه بصيغ متعددة: من ذلك أن الله تعالى قرن أمره بالعبادة ـ عامة، بدنية، وقلبية، ومالية - بالإخلاص، وبين أن ذلك هو الدين القيم، فقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ(5)}[البينة].

ومن ذلك أنه تعالى أمر عابده أن يخلص له الدين، وحصر الدين الذي له، وهو الدين الذي شرعه لعباده ويقبله منهم ولا يقبل غيره، في الدين الخالص، أي النقي الصافي من شوائب الشرك الأصغر، ومنه الرياء، والشرك الأكبر، فقال تعالى مخاطباً نبيه، صلى الله عليه وسلمـ والأصل في خطاب الله له أنه خطاب لأمته: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ(2)}[الزمر].

ومن ذلك أنه تعالى، جعل العمل الصالح - وهو ما قصد به وجهه - وجرى على هدي نبيه عليه الصلاة والسلام - الذي يحقق رجاء لقاء الله، ما خلا مِن الشرك، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا(110)ً}[الكهف].

ومن ذلك رده تعالى على اليهود والنصارى في دعواهم أنه لا يدخل الجنة غيرهم، فقال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(112)}[البقرة]. ومثلها قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً(125)}[النساء].

وإسلام الوجه لله لا يكون إلا بالاستسلام الكامل لله الخالص من شوائب الشرك به. وقد سميت السورة القصيرة التي اشتملت على وحدانية الله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ونفت عنه الشرك بكل أنواعه، سميت بسورة الإخلاص، وهي تعدل ثلث القرآن الكريم، كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام [روى الحديث البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري، رضي الله تعالى عنه. جامع الأصول(8/485).] وهي: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ(4)}[الإخلاص].

وكل الآيات الآمرة بالتوحيد، أو العبادة لله، أو طاعته وطاعة رسوله صلى عليه الصلاة والسلام، هي آمرة بالإخلاص لله تعالى؛ لأن الله لا يقبل أي عمل إلا إذا كان خالصاً له.


أسأل الله أن يكون قد اتضح لهذا الرجل الحق وآمن به قبل وفاته